77

بالشهادة لله بالوحدانيّة، ولمحمّد(صلى الله عليه وآله) بالرسالة، وبعد الثانية يصلّي على النبيّ المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة يدعو للميّت، ثمّ يختم بالخامسة.

وهذه الصياغة لكيفيّة الدعاء بعد التكبيرات غير واجبة، بل يكفي مسمّى الدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل بعد كلّ تكبيرة ما عدا الخامسة، إلّا أنّه يستحبّ الدعاء للميّت، وخاصّةً أن يكون بعد الكبيرة الرابعة، وأن يصلّي قبل ذلك على النبي(صلى الله عليه وآله).

وأفضل من الوجه المعروف الجمع بعد كلّ تكبيرة ـ عدا التكبيرة الأخيرة ـ بين الشهادتين، ثمّ الصلاة على محمّد وآله، ثمّ الدعاء للمؤمنين، ثمّ الدعاء للميّت.

هذا بالنسبة إلى المؤمن.

ولابدّ من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من شهادة وصلاة على النبيّ وأدعية، ولابدّ من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة وصورتها، ومن أجل ذلك أيضاً يترك الكلام الخارج منها ـ إذا كان ماحياً لصورتها ـ وفعل أيّ شيء تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرّع لله(1).

الدفن:

(88) يجب دفن كلّ ميّت مسلم ـ ذكراً كان أم اُنثى ـ وجوباً كفائيّاً بالمعنى المتقدّم في الغسل، وكذلك يجب دفن أطفالهم ودفن السقط منهم أيضاً إذا استوت خلقته



(1) لمعرفة باقي أحكام الصلاة على الميّت ولاتّضاح صورة من هذه الصلاة راجع المصدر السابق: 297 ـ 300، الفقرة: (147) ـ 152) مع مراعاة الهامش.

78

عرفاً، وإلّا فإنّه يلفُّ بخرقة ويدفن على الأحوط استحباباً، وإذا انفصل من الإنسان بعد موته وقبل دفنه شيء كالظفر أو السنّ والشعر فيجب دفنه، ولابدّ من جعله فيكفنه ودفنه معه، فإن لم يمكن ذلك كما لو كان قد دُفن الميّت فالأحوط وجوباً دفنه مستقلاًّ، هذا في الأجزاء التابعة كالظفر والسنّ والشعر، أمّا في الأجزاء المهمّة فلا شكّ في وجوب الدفن.

(89) هناك نكتة هامّة مؤثّرة في كثير من أحكام الميّت لابدّ من لفت النظر إليها، وتوضيحها: أنّ الموت موتان: موت القلب وموت المخّ.

وهما في غالب الأحيان مجتمعان في الميّت كما هو الحال في غالب الأموات، فهما يتقارنان فيهم أو يتقدّم ويتأخّر أحدهما عن الآخر بشيء يسير. والأحكام في فرض الاجتماع واضحة لا غبار عليها.

وقد يتّفق موت المخّ مع بقاء القلب نابضاً في مدّة مديدة من الزمن، وهذا يتّفق في ما إذا مات المخّ واُبقي القلب نابضاً بالأدوات والآلات وهذا ما يسمّى عادة بالموت السريريّ، ويفعلون ذلك عادة في ما إذا أرادوا الاستفادة من أعضائه للأحياء فيُخرجون العين ـ مثلاً ـ سالمةً لإهدائها أو بيعها للعميان، وكذلك أعضاء اُخرى.

وهذا حكمه الشرعيّ الأوّلي بشأن المسلم الميّت سريريّاً هو الحرمة؛ لأنّه يجب دفنه بجميع أعضائه، إلّا إذا توقّف واجب أهمّ على ذلك فيجوز، ولكن لهذا المسلم حقّ الدية.

وأمّا بلحاظ باقي أحكام الميّت فأحكام الإرث تجري من حين الموت السريريّ برغم أنّ القلب ينبض بالحياة، وكذلك وجوب تجهيزه وغُسله والصلاة عليه ودفنه

79

إن كان مسلماً، وبدنه نجس ما لم يغسّل بلا إشكال، ولكن مسّه لا يوجب غسل مسّ الميّت؛ لأنّه لم يبرُد.

وقد يتّفق عكس ذلك، أي: أنّ القلب يصاب بسكتة ولكنّ المخّ لم يمت بعدُ كما قيل: «إنّ امرأة اُصيبت بسكتة قلبيّة ثمّ رجعت بفاصل نصف ساعة»، ونُقل عن الأطبّاء أنّ هذه حالة نادرة وغريبة، يعني: أنّ المخّ يموت عادة بعد سكتة القلب بأقلّ من هذا المقدار من الزمان.

وعلي أيّ حال فمتى ما اتّفق شيء من هذا القبيل فهذا الشخص مادام لم يمت مخّه يعدّ حيّاً وليس حكمه حكم الأموات.

كيفيّة الدفن:

(90) بعد تغسيل الميّت وتحنيطه والصلاة عليه يدفن؛ وذلك بمواراته في حفرة من الأرض تمنع عنه الطيور والوحوش، وتكفّ رائحته وضرره عن الناس.

ويجب أن يُلقى في حفرته على جانبه الأيمن؛ موجّهاً وجهه والجانب الأمامي من بدنه إلى القبلة، فيكون رأسه إلى اليمين، ورجلاه إلى اليسار بالنسبة إلى القبلة. ومع الجهل بالقبلة والعجز عن معرفتها فأيّ جهة يظنّ بأنّها هي يوجّه الميّت إليها، وإذا تعذّر العلم والظنّ معاً فإلى أيّ جهة يوجّه فهي كافية ومجزية.

ومن ركب البحر ومات ولا سبيل إلى تأخير جثمانه لمكان الضرر، ولا إلى دفنه في الأرض لبعد المسافة وضع في وعاء صلب يتّسع لجثمانه، واُحكم من كلّ جهاته، وسدّت جميع ثغراته، واُلقي في البحر. هذا بعد غسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه.

80

مكان الدفن:

(91) الدفن يجب أن يكون في الأرض كما عرفنا، فلا تجزي مواراته في داخل صندوق ونحوه؛ حتّى ولو جعل الصندوق في بطن الأرض. كما لا يتحقّق الدفن المطلوب شرعاً بوضع الميّت في موضع والبناء عليه فإنّ هذا لا يجوز، حتّى ولو كان الدافع إليه دافعاً مؤقّتاً لانتظار فرصة لنقله إلى المشاهد المشرّفة؛ فإنّ في ذلك تأجيلاً للدفن الواجب شرعاً، فلا مناصَ إذن عن مواراة الميّت في الأرض.

ويجب أن تلاحظ في الأرض التي يدفن فيها الميّت اُمور منها:

أن يكون المكان مباحاً شرعاً، فلا يسوغ الدفن في أرض يملكها الغير بدون إذنه، ولا في أرض موقوفة لغير الدفن(1).

الغسل من مسّ الميّت

(92) مَن مسّ ميّتاً قبل أن يبرد جسمه وتذهب حرارته فلا غسل عليه بهذا المسّ واللمس. أجل، يتنجّس العضو والجزء الذي لمس الميّت إذا كان هو أو جسم الميّت الملموس نديّاً رطباً وتفاعل الماسّ والممسوس بسراية النداوة من أحدهما إلى الآخر، وعندئذ يجب تطهير العضو الماسّ فقط.

وأيضاً مَن مسّ ميّتاً مسلماً بعد غسله فلا شيء عليه إطلاقاً؛ حتّى ولو كان المسّ بنداوة ورطوبة.



(1) أمّا باقي ما يجب ملاحظته في مكان الدفن وغير ذلك من أحكام وتفاصيل عائدة إلى الأموات وتجهيزهم، فنتركه للاختصار. راجع لذلك المصدر السابق: 302 ـ 308، الفقرة: (154) ـ (165) مع مراعاة الهامش.

81

ومن مسّ ميّتاً بعد أن يبرد جسمه وقبل أن يغسل غسل الأموات وجب عليه غسل العضو الماسّ إن تنجّس بالمسّ، كما لو كان بنداوة ورطوبة ووجب عليه أيضاً الغسل من مسّ الميّت.

(93) لا فرق في ذلك من ناحية الميّت الممسوس بين أن يكون الميّت ذكراً أو اُنثى، عاقلاً أو مجنوناً، كبيراً أو صغيراً، حتّى ولو كان سقطاً دبّت فيه الحياة، ولا فرق من ناحية العضو الذي يمسّ به الميّت بين أن يكون المسّ باليد أو بغيرها من المواضع التي يتواجد فيها عادةً حاسّة اللمس، والأحوط وجوباً في فرض اللمس بما لا تتواجد فيه حاسّة اللمس الغسل أيضاً.

ولا فرق من ناحية العضو الممسوس بين أن يكون جزءاً ظاهراً للعيان من البدن كاليد والوجه ـ بل وحتّى الظفر والسن والشعر ـ وبين مسّ الجزء المستتر، كاللسان والأمعاء على فرض بروزها، أو ظهور شيء منها بطعنة في البطن ونحوها، ففي كلّ هذه الحالات يجب غسل مسّ الميّت.

(94) وإذا انفصل جزء من بدن الميّت فالأحوط وجوباً الغسل بمسّه ولمسه سواء كان عظماً أو مشتملاً على العظم أم لا.

(95) ويجوز لمن مسّ الميّت ووجب عليه الغسل بسبب ذلك أن يدخل المساجد والعتبات المقدّسة ويمكث فيها ما شاء وأن يقرأ آيات السجدة من سور العزائم.

(96) وكلّ عمل مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر ـ أي الوضوء ـ فهو مشروط بهذا الغسل، كالصلاة وغيرها على ما تقدّم في الوضوء.

(97) وكلّ ما يحرم على المحدث بالحدث الأصغر حتّى يتوضّأ، يحرم أيضاً على مَن يجب عليه هذا الغسل حتّى يغتسل، فيحرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف.

وكيفيّة الغسل من مسّ الميّت هي الكيفيّة العامّة للغسل التي تقدّمت.

82

الأغسال المستحبّة

(98) الأغسال المستحبّة كثيرة، مَن فعلها فهو مأجور، ومَن تركها ليس بمأزور، وأهمّها: غسل الجمعة، واستحبابه مؤكّد في الدين، ويسوغ الإتيان به من طلوع الفجر إلى آخر النهار، ولكنّ الغسل قبل الظهر أفضل من تأخيره إلى بعد الظهر ـ ويحتمل أن تكون هذه الأفضليّة مقدّميّة، أي لدرك الصلاة في أوّل الوقت مع الغسل ـ فإن أخّره نوى به ما هو المطلوب، سواء كان أداءً أو قضاءً، وإذا لم يتيسّر الماء في يوم الجمعة قضاه يوم السبت،وكذلك إذا فاته الغسل يوم الجمعة بأيّ سبب آخر.

(99) ومن الأغسال المستحبّة: غسل يوم عيد الفطر وغسل يوم عيد الأضحى، وغسل اليوم الثامن من ذي الحجّة، وغسل اليوم التاسع منه (يوم عرفة)، وغسل الليلة الاُولى من شهر رمضان، والليلة السابعة عشرة، والليلة التاسعة عشرة، وليلة الحادي والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، والغسل عند إرادة الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مكّة، وعند دخول المدينة، وعند دخول البيت الحرام، وغسل المباهلة وغسل الاستسقاء، وغسل الاستخارة، وغسل التوبة؛ إذ يستحبّ للمذنب إذا تاب من ذنبه أن يغتسل وينوي بذلك أنّه يغتسل غسل التوبة قربةً إلى الله تعالى(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 312 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (172) مع مراعاة الهامش، لمعرفة بعض التفاصيل بشأن الأغسال المستحبّة.

83

التيمّم

(1) التيمّم: هو مسح الجبهة وما حولها إلى الحاجبين بباطن الكفّين، ومسح ظاهر كلٍّ من الكفّين بباطن الاُخرى.

وهو كالوضوء والغسل عبادة لا يصحّ إلّا بنيّة القربة، ويعبّر عنه بالطهارة الترابيّة؛ لأنّه يستعمل فيه التراب تمييزاً له عن الطهارة المائيّة. وأعضاء التيمّم هي المواضع التي يقع المسح عليها أو بها، وتتكوّن من: الجبهة والجبين وباطن الكفّين وظاهرهما.

(2) ويعتبر التيمّم بديلاً عن الوضوء، فمن حصل منه ما يوجب الوضوء تيمَّمَ عوضاً عن الوضوء في حالة عدم تيسّر الوضوء له. كما يعتبر بديلاً عن الغسل أيضاً، فمن حصل منه ما يوجب الغسل تيمَّم عوضاً عن الغسل في حالة عدم تيسّر الغسل، ولهذا يسمّى بالطهارة الاضطراريّة، وفي ما يلي بعض التفاصيل:

مسوّغات التيمّم:

(3) إذا لم يتيسّر الماء أو لم يتيسّر استعماله فيسوغ التيمّم، فهناك إذن مسوّغان رئيسيان للتيمّم، وسوف نتكلّم عنهما تباعاً.

عدم تيسّر الماء:

المسوغ الأوّل: عدم تيسّر الماء الذي يصحّ الوضوء به، ونعني بعدم تيسّر الماء: إحدى الحالات التالية:

(4) الحالة الاُولى: أن لا يوجد الماء في كلّ المساحة التي يقدر المكلّف على

84

الوصول إليها والتحرّك ضمنها مادام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لايوجد ماء بحال أو يوجد منه مقدار يسير لا يكفي لما هو المطلوب من الوضوء أو الغسل، أو يوجد منه ما لا يسوغ الوضوء أو الاغتسال به، كماء نجس أو ماء مغصوب.

(5) الحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكن يصعب الوصول إليه بدرجة يحسّ الإنسان عند محاولة ذلك بالمشقّة الشديدة والحرج، سواء كانت المشقّة جسديّة ـ كما إذا كان الماء في موضع بعيد ـ أو معنويّة، كما إذا كان الماء ملكاً لشخص ولا يأذن بالتصرّف فيه إلّا أن يتذلّل له الإنسان ويعامله بما يشقّ عليه.

(6) الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، وقد لا يكون بعيداً أيضاً ولكنّ محاولة الوصول إليه تعرّض الإنسان للضرر أو الخطر، كما إذا كان الإنسان في صحراء وكان الماء على مقربة من سباع مفترسة.

(7) الحالة الرابعة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّه ملك لشخص لا يأذن لهذا المكلّف المريد للوضوء بالتوضّؤ منه إلّا إذا دفع ثمناً مجحفاً يضرّ بحاله من الناحية الماليّة.

(8) الحالة الخامسة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّ الوصول إليه يتوقّف على ارتكاب اُمور محرّمة، كما إذا كانت الآلة التي يستعملها في الحصول على الماء مغصوبةً وإن كان الماء مباحاً.

ونلاحظ أنّ المكلّف في الحالة الاُولى لا يمكن أن يحصل منه الوضوء، فالواجب عليه هو التيمّم، وفي الحالات الأربع التالية (الثانية إلى الخامسة) قد يمكن أن يتوضّأ ولكنّ الشارع مع هذا لم يأمره به، بل سوّغ له التيمّم، لكنّ المكلّف إذا أصرّ على الوضوء وحصل على الماء متحمّلاً كلّ المضاعفات والصعوبات وجب عليه عندئذ أن يتوضّأ به، وصحّ منه الوضوء.

85

عدم تيسّر استعمال الماء:

المسوّغ الثاني للتيمّم: عدم تيسّر استعمال الماء على الرغم من وجوده وتوفّره، ونعني بعدم تيسّر استعمال الماء: إحدى الحالات التالية:

(9) الحالة الاُولى: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال من الماء لأجل الصلاة غير ممكن؛ لضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، أو الغسل والصلاة معاً.

(10) الحالة الثانية: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال للصلاة ـ مثلاً ـ ممكناً، ولكنّه مضرّ بالإنسان من الناحية الصحّيّة؛ نظراً لمرضه، أو لأيّ سبب آخر، والضرر الصحّي يشمل نشوء المرض وتفاقمه وطول أمده.

(11) الحالة الثالثة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل ممكناً ولا ضرر صحّي، ولكنّه شاقّ على المكلّف وسبب للحرج، كما إذا كان الماء والجوّ بارِدَين بدرجة يتألّم الإنسان عند استعمال ذلك الماء ألماً شديداً محرجاً له.

(12) الحالة الرابعة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل يؤدّي إلى التعرّض للعطش على نحو يوقع المتوضّئ في الخطر أو الضرر أو الحرج، والألم الشديد.

وقد لا يكون المتعرّض لضرر العطش أو خطره نفس المتوضّئ شخصيّاً، بل شخصاً آخر ممّن تجب صيانته، أو كائناً حيّاً ممّن يهمّه أمره، أو يضرّه فقده كفرسه، أو يجب عليه حفظه، كما إذا اُودع لديه حيوان.

(13) الحالة الخامسة: أن يكون على بدن المكلّف نجاسة، أو على ثوبه الذي لا يملك غيره للستر الواجب في الصلاة وعنده ماء يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء فقط، فيسوغ للمكلّف أن يغسل بدنه وثوبه من النجاسة ويتيمّم للصلاة، كما

86

يسوغ له أيضاً أن يتوضّأ ويصلّي في الثوب النجس، أو مع نجاسة البدن.

(14) ففي كلّ هذه الحالات يسوغ التيمّم. وإذا أصرّ المكلّف على الوضوء وتوضّأ على الرغم من الظروف المذكورة صحّ منه الوضوء في الحالة الثالثة والرابعة، وكذلك في الخامسة.

وأمّا حكم الوضوء في الحالة الاُولى فهو أنّ الوضوء صحيح ما لم يكن قد توضّأ على أساس أنّه يدّعي أنّ الصلاة التي ضاق وقتها تفرض عليه الوضوء، ولا تسمح له بالتيمّم، مع أنّه يعلم بأنّها تستوجب شرعاً التيمّم لا الوضوء، ففي هذه الحالة يقع الوضوء باطلاً، وأمّا إذا توضّأ من أجل تلك الصلاة التي ضاق وقتها وهو يجهل أنّها تستوجب التيمّم، أو توضّأ من أجل كونه مستحبّاً في نفسه فالوضوء صحيح.

وأمّا حكم الوضوء في الحالة الثانية فقد تقدّم في الشرط الثالث من شروط المتوضّئ.

ويجمع كلّ ما تقدّم من الحالات العشر أن لا يتيسّر الوضوء لعجز، أو لضرر، أو لمشقّة شديدة، أو رعاية لواجب آخر كالوضوء أو أهمّ منه.

(15) وإذا أخبر الثقة بعدم وجود الماء اُخذ بخبره إن أورث كلامه الاطمئنان، وإذا أخبر الطبيب الثقة بالضرر الصحّي اُخذ بخبره إن أورث كلامه احتمال الضرر الذي يبعث على الخوف والتردّد لدى الناس عادة، بل يكفي مجرّد احتمال الضرر الذي يبعث على ذلك.

وإذا كان المكلّف يائساً من وجود الماء في هذا المكان واحتمل بعد ذلك أنّه وجد لم يجب عليه الفحص، بل يعمل بيأسه السابق.

87

الصعيد الذي يتيمّم به:

(16) الأحوط وجوباً الاقتصار في التيمّم على التراب على أن يكون طاهراً ومباحاً، وإن كان من قبيل الإسمنت مادامت موادّه مأخوذةً من الأرض، وأمّا الموادّ الصلبة من مثل المرمر والآجر والصخر والطين اليابس وغيرها من الموادّ الصلبة المأخوذة من الأرض، فلا يصحّ التيمّم بها ما لم تدقّ فتصبح تراباً.

(17) ويشترط في المادّة التي يتيمّم بها:

أوّلاً: أن تكون كمّيّةً واضحةً محسوسةً، لا من قبيل الغبار الذي يعني أجزاءً صغيرةً من التراب التي لا يبدو لها حجم وإن كانت موجودةً في الواقع.

وثانياً: أن لا تكون مخلوطةً بالماء بدرجة تجعلها طيناً(1).

(18) ولا يسوغ التيمّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض، كالذهب والحديد والعقيق والملح والكحل والرماد والخشب، وكلّ ما يُؤكل ويلبس.

صورة التيمّم:

(19) وهي أن يضرب المتيمّم اختياراً بباطن كفّيه مجتمعتين على الأرض دفعةً واحدة، فيمسح بهما أيضاً مجتمعتين تمام جبهته وجبينيه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الذي يلي الحاجب مباشرة، والتقارن بين اليدين في الضرب وفي المسح على الوجه حكم احتياطي، والأحسن الأولى استحباباً أن يدخل الحاجبين في المسح،



(1) هذا إذا توفّرت لدى المكلّف مادّة بهذين الشرطين، وإلّا ففي المسألة تفصيلات تركناها للاختصار، راجع للوقوف عليها وعلى غيرها كتاب الفتاوى الواضحة: 321 و322 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (17) و(19) و(20) مع مراعاة الهامش.

88

فيمسحهما أيضاً مع جبهته، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع يمسحها بباطن الكفّ اليسرى، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليمنى، تماماً كما فعل بظاهر اليمنى. ونريد بظاهر الكفّ: ما تلمسه من ظاهر إحدى كفّيك بكفّك الاُخرى عند إمرارها عليها ومسحها بها، فلا يجب أن يشتمل المسح ما بين الأصابع، ولا غيره ممّا لا يلمس عادةً بوضع إحدى الكفّين على الاُخرى.

وإذا علق بكفّيه شيء من التراب وجب عليه النفض ـ على الأحوط ـ قبل المسح بهما.

وإذا امتدّ شعر الرأس إلى الجبهة أو الجبينين وجب رفعه عند المسح، أمّا ما ينبت عليها بالذات فيكفي مسحه.

(20) وكلّ ممسوح ممّا يجب مسحه لابدّ أن يستوعبه المسح بالكامل، ولكن لا يجب أن يكون هذا الاستيعاب بكلّ أجزاء الماسح، بل يكفي للجبهة ـ مثلاً ـ المسح ببعض الأجزاء من باطن الكفّين مجتمعتين على نحو تساهم كلّ من الكفّين في المسح(1).

شروط التيمّم:

هنا شروط يجب مراعاتها في التيمّم، وهي كما يلي:

(21) أوّلاً: إباحة الشيء الذي يتيمّم به وطهارته.

(22) ثانياً: نيّة القربة؛ لأنّ التيمّم عبادة. وسواء كان التيمّم من أجل التعويض عن الوضوء أو من أجل التعويض عن الغسل لا يجب في نيّة التيمّم شيء سوى



(1) راجع المصدر السابق: 323 ـ 324، الفقرة: (23) و(24) للوقوف على بعض التفصيلات.

89

القربة إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن ينوي كونه بدلاً عن الوضوء، أو بدلاً عن الغسل، أو كونه طهارةً اضطراريّة(1).

(23) ثالثاً: أن يأتي بأفعال التيمّم حسب تسلسلها وترتيبها المقرّر سابقاً فلو خالف وقدّم وأخّر لم يكفِهِ ذلك.

(24) رابعاً: أن يباشر المكلّف المسؤول بنفسه عمليّة التيمّم مع التمكّن من ذلك.

(25) خامساً: عدم وجود الحائل والحاجب على العضو الماسح أو العضو الممسوح. وعلى هذا الأساس يجب نزع الخاتم عند التيمّم؛ لأنّه حاجب وحائل.

(26) سادساً: التتابع بين الضرب بالكفّين ومسح الأعضاء، وعدم الفصل الطويل بين الضرب على الصعيد والمسح على النحو الذي يؤدّي إلى عدم الارتباط بين الضرب والمسح عرفاً.

(27) سابعاً: أن يكون المكان الذي يشغله المتيمّم عند التيمُّم مباحاً، فإذا غصب دار غيره وتيمّم فيها بطل تيمّمه، حتّى ولو كان التراب الذي يتيمّم به ملكاً شخصيّاً له.

(28) وهناك اُمور يحسن بالمتيمّم استحباباً تحقيقها، منها: أن تكون أعضاء التيمّم طاهرة.

نواقض التيمّم:

(29) التيمّم إذا كان بديلاً عن الوضوء انتقض بكلّ ما ينقض الوضوء ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الوضوء، شريطة أن تبقى هذه القدرة أمداً يتّسع للطهارة، بمعنى أنّه ينتهي حينئذ مفعول التيمّم، ويكون المكلّف بحاجة إلى الوضوء.



(1) للوقوف على بعض الاستثناءات في المقام وأيضاً لمعرفة التفاصيل في أحكام التيمّم راجع المصدر السابق: 324 ـ 325، الفقرة: (26) و: 329 ـ 334، مع مراعاة الهامش.

90

(30) وإذا كان التيمّم بديلاً عن الغسل انتقض بكلّ ما ينقض الغسل ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الغسل، بمعنى انتهاء مفعول التيمّم بذلك، ويكون المكلّف بحاجة إلى الغسل، ولا ينتقض هذا التيمّم البديل عن الغسل بما يوجب الوضوء (الحدث الأصغر)، فلو تيمّم الجنب ـ مثلاً ـ ثمّ نام أو بال بقي تيمّمه عن الجنابة نافذ المفعول، وعليه أن يتوضّأ من أجل البول أو النوم إن كان متيسّراً، وإن لم يتيسّر الوضوء تيمّم بدلاً عنه، وكذلك إذا تيمّمت الحائض بدلاً عن غسل الحيض ثمّ نامت أو بالت فإنّها لا تعيد تيمّمها هذا، وإنّما عليها أن تتوضّأ إن أمكن، وإلّا تيمّمت بدلاً عن الوضوء(1).

(31) وإذا تيمّم الجنب بدلاً عن غسل الجنابة كفاه ذلك عن الوضوء، ما لم يحصل بعد التيمّم ما يوجب الوضوء، وإن حصل شيء من ذلك توضّأ إن كان الوضوء ميسوراً، وإلّا تيمّم(2).



(1) لمعرفة بعض التفاصيل في المقام راجع المصدر السابق: 327، الفقرة: (35) مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة أحكام تتعلّق بالخلل في التيمّم راجع المصدر السابق: 328 ـ 329، الفقرة:(36) ـ (38) مع مراعاة الهامش.

91

النجاسات والتطهير منها

تمهيد:

النجاسة لغةً: القذارة، وشرعاً: ما يجب على المسلم أن يتنزّه عنها، ويغسل ما يصيبه منها عند الصلاة. وفي مقابل النجاسة الطهارة، وقد تسمّى النجاسة بالخبث، وتسمّى الطهارة منها بالطهارة الخبثيّة، أي الطهارة من الخبث.

(1) وكلّ جسم فهو طاهر شرعاً لا يجب التنزّه عنه، باستثناء الأعيان النجسة، أو الأشياء التي تتنجّس بسبب تلك الأعيان.

ونريد بالأعيان النجسة: أشياء معيّنةً حكمت الشريعة بأنّها نجسة وقذرة بطبيعتها بصورة أصيلة أي لم تكتسب هذه النجاسة من الملاقاة لشيء آخر قذر.

ونريد بالأشياء التي تتنجّس بها: أشياء طاهرةً بطبيعتها، ولكنّها تكتسب النجاسة بالملاقاة لشيء نجس أو قذر، ويسمّى أحدها بالمتنجّس تمييزاً له عن عين النجس، فالبول عين النجس، ويدك التي يصيبها البول شيء متنجّس.

ونبدأ الكلام هنا عن الأعيان النجسة، واستعراض أنواعها كالآتي:

الأعيان النجسة:

(2) الأوّل والثاني: البول والعذرة، كلّ ما يطلق عليه اسم البول أو الغائط (أردأ الفضلات التي تخرج من الإنسان وغيره من الحيوانات بسبب الطعام والشراب)

92

فهو نجس عيناً، ولا يطهر بحال، ويستثنى منه ما يلي:

(3) أوّلاً: فضلات الطير بأقسامه فإنّها طاهرة، سواء كان لحم الطير ممّا يسوغ أكله شرعاً كالحمام، أو ممّا لا يؤكل كالبازي.

(4) ثانياً: فضلات كلّ حيوان يسوغ أكل لحمه شرعاً، شريطة أن لا يعيش الحيوان على العذرة أمداً حتّى يشتدّ لحمه، وإلّا حرم من أجل ذلك، وكانت فضلاته نجسةً مادام على هذا النحو.

(5) ثالثاً: فضلات الحيوانات التي ليس لها لحم عرفاً فإنّها طاهرة، حتّى ولو لم يكن أكلها سائغاً شرعاً، كفضلات العقرب والخنفساء.

(6) رابعاً: فضلات حيوان ذي لحم غير ذي نفس سائلة كالسمك، فإن كان محلّل الأكل فقد دخل في القسم الثاني فلا إشكال في طهارة فضلاته، وإن كان محرّم الأكل كالسمك الذي لا فلس له فلا إشكال في طهارة خرئه، وكذلك لا إشكال في طهارة بوله لو لم يكن له وجود متميّز عن الخرء بأن كان بوله يندفع كرطوبات مع الخرء ولا يتميّز في إحساسنا عنه، أمّا لو كان له بول مستقلّ عن الخرء ومتميّز عنه فمقتضى الاحتياط الاجتناب عنه.

(7) الثالث: المني نجس من الإنسان ومن كلّ حيوان ذي نفس سائلة أي الذي يجري دمه من العروق بدفع وقوّة ـ ويعرف ذلك عادة حين الذبح فيرى كيفيّة اندفاع الدم ـ سواء كان ممّا يسوغ أكل لحمه أم لا.

ومني الرجل واضح، وأمّا ما يخرج من المرأة من رطوبات فلا دليل على نجاسته.

(8) الرابع والخامس: الكلب والخنزير. وهما نجسان عيناً وذاتاً بكلّ ما فيهما.

ولا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير البحر، وهما حيوانان بحريّان يطلق

93

عليهما اسم الكلب والخنزير تشبيهاً لهما بالكلب والخنزير البرّيّين.

(9) السادس: الميتة. قد يكون الحيوان نجساً بالذات كالكلب والخنزير على ما تقدّم، فإذا مات تضاعفت النجاسة وتعاضدت بتعدّد السبب.

والكلام هنا حول الحيوان الطاهر مادام حيّاً، فإن مات تنجّس بالموت فقط، فكلّ حيوان طاهر إذا مات أصبح نجساً، ويسمّى بالميتة، ونقصد بالميتة أو الحيوان الميّت: ما مات بدون أن يذبح على الوجه الشرعي، ولا فرق بين أن يكون مأكول اللحم أم غير مأكول.

ويستثنى من نجاسة الميتة: الحيوان الذي لا يجري دمه من عرقه بقوّة ودفع، فإنّ ميتته طاهرة، ومنه السمك والذباب والعقرب وغيرها من الحشرات.

(10) والإنسان ينجس بالموت كالحيوان، ويطهر الميّت المسلم بتغسيله غسل الأموات على الوجه المتقدّم في الغسل.

(11) الحمل إذا بلغ مرحلةً يتحرّك فيها ثمّ صار سقطاً فهو نجس بالموت، وإذا صار سقطاً قبل ذلك فاللازم احتياطاً اعتباره ميتةً أيضاً، وكذلك الفرخ في البيضة.

(12) النجس بالموت إنّما ينجس منه الأجزاء التي يجري فيها الدم وتدبّ فيها الحياة، وأمّا ما لا يجري فيها الدم فلا ينجس، ومن ذلك: الصوف والشعر والوبر والسنّ والعظم والريش والمنقار والظفر والقرن والمخلب، وغير ذلك. ولا فرق في طهارة هذه الأشياء من الميتة بين ميتة حيوان يسوغ أكله وميتة حيوان محرّم الأكل.

وما ذكرناه من عدم نجاسة هذه الأشياء بسبب الموت لا يعني أنّها لا تتنجّس بما في الميتة من رطوبات، فإذا لاقى شيء منها تلك الرطوبات يصبح متنجّساً.

(13) وكلّ جزء ينجس من الميتة ينجس أيضاً لو انفصل من الحيوان الحيّ، فلو

94

قطعت ألية الغنم أو رجله كانت نجسة.

ولا بأس بما ينفصل من جسم الحيوان أو الإنسان ممّا يكون بالفضلات أشبه، كالثؤلول، وقشور الجرب، وقشرة الرأس تخرج بالتمشيط والحلق بالموس، وما يعلو الجرح والشفة عند البرء، وما يتّصل بالأظفار عند قصّها، وما ينفصل عن باطن القدم حين حَكّه بالحجر عند الاستحمام، وغير ذلك ممّا لا يعدّه العرف شيئاً ذا قيمة.

(14) وكما لا ينجس الريش في الميتة كذلك البيضة في جوف الطائر الميّت، فإنّها طاهرة إن اكتست القشر الأعلى حتّى ولو كان طريّاً، أمّا أكل البيضة فيجري عليه ما يجري على البائض تحليلاً وتحريماً.

(15) وقد تسأل: هل الحليب الموجود في ضرع الحيوان الميّت تشمله نجاسة الميتة، أوْ لا؟

والجواب: إن كان الحيوان المذكور مأكول اللحم ـ كالغنم ـ فالحليب الموجود في ضرعه عند موته طاهر، أمّا إذا كان غير مأكول اللحم ـ كالهرّة ـ فحليبه نجس.

(16) وقد تسأل عن فأرة المسك، وهي جلدة في الغزال فيها ما يشبه الدم طيّب الرائحة؟

والجواب: أنّها طاهرة، سواء اُخذت من غزال حيّ أم ميّت.

(17) وقد تسأل أيضاً عن حكم أنفحة الميتة، فقد جرت العادة عند أصحاب المواشي إذا مات ابن العنزة حال ارتضاعه أن يستخرجوا معدته ويعصروها في شعرة مبتلّة باللبن فتجمد كالجبن، وتسمّى أنفحة؟

والجواب: أنّها طاهرة تماماً، كصوف الحيوان الميّت وشعره.

(18) السابع: الدم. الدم نجس عيناً، سواء كان من إنسان أو حيوان، وسواء كان

95

الحيوان ممّا يسوغ أكل لحمه شرعاً أو ممّا لا يؤكل لحمه. ويستثنى من ذلك ما يلي:

(19) أوّلاً: دم الحيوان الذي لا يجري دمه من العروق بقوّة ودفع، كدم السمك فإنّه طاهر.

(20) ثانياً: كلّ دم يبقى ويرسب في لحم الذبيحة أو كبدها وما أشبه، بعد ما يخرج دمها المعتاد من محلّ الذبح أو النحر فهو طاهر، ويسمّى في عرف الفقهاء بالدم المتخلّف في الذبيحة.

(21) ثالثاً: الدم الذي يمتصّه البرغوث والقمّل ونحوهما من البعوض الذي ليس له دم أصلي، فإنّ ما تمتصّه هذه الحيوانات من الإنسان أو من الحيوانات ذات الدماء الأصليّة يصبح طاهراً بامتصاصها له وامتزاجه بجسمها.

(22) رابعاً: قطرة الدم التي قد يتّفق وجودها في البيضة فهي طاهرة، وإن كان إبتلاعها حراماً.

وأمّا الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب فهو نجس ومنجّس للّبن، وكذلك الأمر في النطفة التي تصير مع الأيّام قطعةً جامدةً من الدم، وتسمّى علقة، فإنّه إذا رشح من هذه العلقة شيء من الدم فهو نجس على الأحوط وجوباً.

(23) الثامن: المسكر. المسكر المائع بالأصالة سواء كان متّخذاً من العنب أم من غيره يحمل من آثار النجاسة إفساد الطعام والشراب بالملاقاة المباشرة وبملاقاة ما لاقاه، كالآنية التي شرب فيها الخمر أو غيره من المسكرات، فالطعام أو الشراب الذي يلقى في تلك الآنية قبل تطهيرها يحرم أكله أو شربه، وأمّا باقي آثار النجاسة كحرمة الصلاة في ثوب لاقى خمراً أو مسكراً فغير ثابتة لا في الخمر ولا في غيره من المسكرات، وأمّا المسكر الجامد بالأصالة كالحشيش فلا دليل على نجاسته وإن كان

96

حراماً، وكلّ المسكرات محرّمة يحرم شربها وبيعها وشراؤها، سواء كانت مائعة كالخمر، أو جامدة كالحشيش.

(24) التاسع: الكافر. من آمن بوحدانيّة الله ورسالة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الآخر فهو مسلم طاهر، من أيّة فرقة أو طائفة، أو أيّ مذهب كان من المذاهب الإسلاميّة.

وكلّ إنسان أعلن الشهادتين (الشهادة لله بالتوحيد وللنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)بالرسالة) فهو مسلم عمليّاً وطاهر، حتّى ولو عُلِمَ بأنّه غير منطو في قلبه على الإيمان بمدلول الشهادتين مادام هو نفسه قد أعلن الشهادتين ولم يعلن بعد ذلك تكذيبه لهما، أو اعتقادات دينيّة اُخرى تتعارض معها بصورة صريحة لا تقبل التأويل.

وكلّ من ولد عن أبوين مسلمين فهو مسلم عمليّاً وطاهر ما لم يعلن تكذيبه للشهادتين. أو اعتقاده بعقائد اُخرى تتعارض معهما كذلك.

وغير هذا وذاك يعتبر كافراً. وكلّ كافرنجس على الأحوط، ويستثنى من نجاسة الكافر قسمان من الكفّار:

أحدهما: أهل الكتاب، وهم الكفّار الذين ينسبون أنفسهم إلى ديانات سماويّة صحيحة مبدئيّاً ولكنّها نسخت، كاليهود والنصارى، بل وكذلك المجوس أيضاً.

والآخر: من ينسب نفسه إلى الإسلام ويعلن في نفس الوقت عقائد دينيّةً اُخرى تتعارض مع شروط الإسلام شرعاً، وذلك كالغُلاة الذين يشهدون الشهادتين ولكنّهم يُغالون في بعض الأنبياء أو الأولياء من أهل البيت(عليهم السلام) أو غيرهم غلوّاً يتعارض مع الإسلام، وكذلك النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت(عليهم السلام)الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فإنّ هؤلاء الغُلاة والنواصب كفّار، ولكنّهم طاهرون شرعاً ماداموا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام.

97

(25) العاشر: عرق الحيوان الجلاّل. إذا أصبح الحيوان معتاداً على العذرة في غذائه ـ ويسمّى بالحيوان الجلاّل ـ ورشح بدنه بالعرق فعرقه هذا نجس كنجاسة بوله، وهذا في خصوص الإبل على الأقوى، وفي غيره على الأحوط وجوباً، ويلحق بالعرق سائر الفضلات كالبصاق.

وكلّ حكم يثبت للحيوان الجلاّل ـ كنجاسة عرقه، أو حرمة الأكل من لحمه، ونجاسة فضلاته ـ يستمرّ إلى أن يستبرأ؛ وذلك بأن يمنع عن أكل العذرة فترةً من الزمن حتّى يقلع عن عادته ويعود إلى الطبيعة.

الأشياء المتنجّسة:

قد يتنجّس الماء الطاهر بسبب الأعيان النجسة، وهذا ما نترك الحديث عنه اختصاراً(1)، وأمّا غير الماء من الأشياء الطاهرة فسراية النجاسة من العين النجسة إليها يتوقّف على أمرين أساسيّين: أحدهما الملاقاة، والآخر توفّر الرطوبة، بأن يكون أحدهما على الأقلّ مائعاً أو مرطوباً برطوبة قابلة للانتقال بالملاقاة من جسم إلى آخر(2).

(26) الشيء الطاهر يتنجّس إذا لاقى برطوبة عين النجس، أو كان بينه وبينها واسطة واحدة فقط، وأمّا إذا كان بينه وبينها واسطتان فلا يتنجّس.



(1) تقدّم شيء يسير من الكلام في ذلك تحت عنوان حكم القليل والكثير، وللوقوف على التفاصيل راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 167 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

(2) وهنا بعض التفاصيل والاستثناءات يراجع لها المصدر السابق: 349 فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

98

ومثال ذلك: أن تمسّ بيدك شعر الكلب وهو مبتلّ، ثمّ تضع يدك وهي مرطوبة على ثوبك فإنّ يدك تتنجّس بعين النجس، ويتنجّس الثوب كذلك؛ لأنّ بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، ولكنّ شيئاً آخر إذا لاقى الثوب برطوبة لا يتنجّس به؛ إذ يكون بينه وبين النجس واسطتان، وهذا معنى قولنا: إنّ المتنجّس الأوّل ينجِّس، وإنّ المتنجّس الثاني لا ينجِّس.

ونريد بالمتنجِّس الأوّل: ما كان متنجِّساً بعين النجس مباشرة.

ونريد بالمتنجّس الثاني: ما كان بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، فلا ينجِّس ما يلاقيه وإن كان نجساً؛ لأنّ هذا الملاقي له يفصل حينئذ بينه وبين عين النجس واسطتان.

ولكن يجب أن يعلم بهذا الصدد: أنّ الواسطة إذا كانت مائعاً متنجّساً بعين النجس لم تحسب كواسطة، واعتبر الشيء المتنجّس بها كأنّه تنجّس بعين النجس مباشرةً، بل الواجب الاحتياط بتعميم هذه على كلّ واسطة مائعة، سواء تنجّس بعين النجس مباشرةً أو بالمتنجِّس بعين النجس ـ نستثني من ذلك الماء المطلق القليل، فإنّنا نعتقد أنّه يتنجّس بملاقاة المتنجّس الأوّل لكنّه لا يُنجّس الجامد، نعم لو كان المتنجّس الأوّل قد زال البول عنه مثلاً بمجرّد الجفاف لا بالإزالة كان الماء القليل الملاقي له منجّساً ـ وهكذا نحسب دائماً عدد الوسائط التي تفصل بين الشيء وعين النجس، ونسقط منها كلّ واسطة مائعة، فإن بقي أكثر من واسطة لم يتنجّس ذلك الشيء وإلّا تنجّس.

1 ـ تطهير الأعيان النجسة:

عرفنا أنّ الشيء النجس على قسمين: أحدهما: عين النجس، والآخر المتنجّس، وهو ما تنجّس بملاقاة عين النجس، ونريد أن نعرف الآن متى وكيف

99

يمكن تطهير الشيء النجس؟ وذلك أوّلاً في الأعيان النجسة، وثانياً في المتنجّسات:

الأعيان النجسة لا تطهر إلّا في حالات معيّنة نذكرها في ما يلي:

(27) أوّلاً: ميتة الإنسان المسلم نجسة كما تقدّم، وهذه نجاسة عينيّة، ويطهر هذا الميّت بالتغسيل على الوجه الشرعي المتقدّم في أحكام الأموات.

(28) ثانياً: إذا استحالت العين النجسة وكانت الاستحالة مزيلة لمناشئ القذارة في نظر العرف، طهرت، والمراد بالاستحالة: تحوّل الشيء النجس عن طبيعته الأصليّة التي حكم الشارع عليها بالنجاسة إلى طبيعة ثانية بصورة أساسيّة على نحو يقول العرف: هذا شيء جديد يحتلّ موضع الجسم القديم النجس، كتحوّل جسم الكلب الميّت إلى تراب، وتحوّل البول إلى بخار ثمّ رجوعه مائعاً بشرط زوال مناشئ القذارة عرفاً عن هذا المائع.

(29) ثالثاً: إذا أسلم الكافر النجس كان هذا الإسلام مطهِّراً له من النجاسة التي سبّبها له كفره، وكذلك من نجاسة فضلاته المتّصلة به كالبصاق والنخامة.

(30) رابعاً: إذا تحوّل الخمر إلى خلٍّ، أو إلى أيّ صورة اُخرى على نحو لم يعدّ خمراً ولا يسمّى بالخمر عرفاً طهر بذلك.

(31) خامساً: إذا امتصّ البرغوث والبقّ ونحوهما دماً من إنسان أو غيره فهذا الدم يطهر بالامتصاص، واكتسابه اسم دم البرغوث أو دم البقّ، وهكذا.

وأمّا الحيوانات التي لها دم بطبيعتها ولكنّ دماءها طاهرة إذا امتصّت دماً من إنسان أو من حيوان له دم نجس فليس من المعلوم أنّ ذلك الدم الممتصّ يطهر بهذا الامتصاص.

100

2 ـ تطهير الأشياء المتنجّسة:

المطهّر الأوّل للشيء المتنجس: الماء:

الماء ـ كما تقدّم ـ ينقسم إلى الماء الكثير والماء القليل، والتطهير: تارةً يكون بالكثير، واُخرى بالقليل.

والتطهير بالماء يتوقّف على توفّر اُمور:

(32) أوّلاً: أن يكون الماء طاهراً.

(33) ثانياً: أن لا يتغيّر الماء الكثير من خلال عمليّة الغسل والتطهير تغيّراً منجّساً له، و أن لا يتنجّس الماء القليل خلال عمليّة الغسل والتطهير بملاقاة عين النجس.

(34) ثالثاً: أن يكون ماءً مطلقاً، ويضلّ ماءً مطلقاً خلال عمليّة الغسل والتطهير.

(35) رابعاً: أن تُزال عين النجس عن الشيء المتنجّس إمّا قبل البدء بغسله أو بنفس الغسل.

(36) خامساً: أن يتحقّق الغسل، وذلك باستيلاء الماء على الموضع المتنجّس من الشيء استيلاءً كاملاً، سواء تمّ ذلك عن طريق إدخال الشيء المتنجّس في الماء الكثير، أو عن طريق صبّ الماء الكثير على الشيء المتنجّس وإجراء الماء عليه، وفي كلتا الحالتين لابدّ في مثل الثوب من شيء من الفرك والغمز، وتكفي الغسلة الواحدة في التطهير.

هذا في التطهير بالماء الكثير، وأمّا إذا كان الماء قليلاً فيجب أن يكون الاستيلاء بصبّ الماء القليل على الشيء المتنجّس، لا بإدخاله في ذلك الماء على الأحوط، فلو أدخل الإنسان يده المتنجّسة في وعاء ماء قليل لم تطهر بذلك.

وإذا كان الغسل بالماء القليل وكان على الشيء المغسول عين النجس عند غسله

101

لم تكفِ الغسلة التي أزالت عين النجس واحتاج التطهير إلى غسلة واحدة بعد ذلك، فالتطهير يحتاج إذن إلى غسلة واحدة بعد زوال عين النجس ولو بإدامة الغسلة الاُولى بعد زوال العين، فلا حاجة إلى تعديد الغسل بقطع الماء ثمّ صبّه مرّة اُخرى، ولابدّ في مثل الثوب والفراش والستائر ممّا يمكن للنجاسة النفوذ فيها من فركها أيضاً عند تطهيرها بالماء القليل.

(37) وإذا تنجّس الخبز أو الصابون أو الخشب أو الخزف ونفذت النجاسة إلى أعماقه كفى في تطهير تلك الأعماق صبّ الماء عليه مدّةً طويلةً إلى حدٍّ يتبادل على باطن هذه الاُمور نفوذ الماء ولو بشكل الرطوبات وخروجه إلى أن يحصل زوال الاستقذار عرفاً.

والأفضل في هذه الحالات تجفيف الشيء المتنجّس أوّلاً، ثمّ تطهيره بما ذكرناه.

ويمكن تطهير العجين والطين ونحوهما بنفس الطريقة أيضاً، ولو بأن يخبز العجين ـ مثلاً ـ ثمّ يطهّر بما ذكرناه، وأمّا مجرّد تجفيف العجين المتنجّس وخبزه فلا يكفي في تطهيره.

وكذلك الحال في المائعات إذا جمدت، فالحليب المتنجّس إذا جمد ـ بأن يصنع جبناً مثلاً ـ أمكن تطهير أعماقه بنفس الطريقة أيضاً، أمّا وهو مائع فلا يمكن تطهيره، وكذلك سائر المائعات ـ باستثناء الماء ـ فإنّها لا يمكن تطهيرها وهي مائعة.

فكلّما تحقّقت هذه الشروط طهر الشيء المتنجّس بما ذكرناه، بدون حاجة إلى شيء علاوة على ذلك.

ويستثنى من ذلك عدد من الحالات لا يحصل فيها التطهير شرعاً إلّا مع بعض الاُمور الإضافيّة وفي ما يلي نذكر هذه الحالات:

(38) أ ـ إذا كان الشيء المغسول وعاءً من أوعية الطعام والشراب ومتنجّساً بالخمر فإنّ تطهيره بالماء القليل يحتاج إلى الغسل ثلاث مرّات، والأحوط في تطهيره بالماء المعتصم غسله ثلاث مرّات أيضاً.