1

بحثان حول:

محلّ الذبح في كفّارات الإحرام

والفصل بين العمرتين

بسم الله الرحمن الرحيم

آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري

في هذا المقال ـ کما يتضح من عنوانه اُثير بحثان مرتبطان بالحجّ والعمرة.. وهما: ما هو محلّ الذبح لغير الصيد من محرّمات الإحرام؟.. وهل يُشترط الفصل بين العمرتين؟. التحرير )

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، وبه نستعين.

البحث الأوّل:

ما هو محل الذبح لغير الصيد من محرّمات الإحرام؟

لا إشکال في أنّ الذبح لأجل الصيد في الإحرام موضعه مکّة أو منى؛ للآية الشريفة:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً...﴾(1)، وللروايات الکثيرة(2).

أمّا الذبح لغير الصيد فقد روى الشيخ (رحمه‏ الله) في التهذيب بإسناده عن صفوان عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه ‏السلام) قال: قلت له: الرجل يخرج من حجّه وعليه شيء يلزم فيه دم يجزيه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: «نعم»، وقال ـ فيما أعلم ـ: «يتصدّق به»(3).

وهذا واضح في أنّ الذبح فيما عدا الصيد يجوز تأجيله إلى رجوعه إلى بلده، ويشمل الحج وعمرة التمتع؛ لأنّ خروجه من حجّه معناه إتمام الحج، وهذا يشمل حج التمتّع، فمن کان عليه دم ممّا فعله في عمرة التمتّع مشمول لقول السائل:. يخرج من حجه وعليه شيء يلزم فيه دم )، بل لعلّ العرف يتعدّى إلى العمرة المفردة، ويفهم من هذا التعبير أنّ المقصود فرض کونه محرماً من دون فرق بين عمرة التمتّع والعمرة المفردة.

هذا بناءاً على نسخة الشيخ الطوسي (رحمه‏ الله).


(1) المائدة: 95.
(2) راجع: الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيت (عليهم ‏السلام) ـ قم، ط. / 1426 هـ، 13: 95 ـ 97، ب 49 من کفّارات الصيد وتوابعها.
(3) المصدر السابق: 97، ب 50 من کفّارات الصيد، ح 1.
2

وأمّا بناءاً على نسخة الکافي: عن أبي علي الأشعري عن محمّد بن عبدالجبّار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه ‏السلام) قال: قلت له: الرجل يخرج من حجّته شيئاً يلزم منه دم، يجزيه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: «نعم»، وقال ـ فيما أعلم ـ: «يتصدّق به»(1).

فقد يُقال: إنّه من المحتمل کونه مختصّاً بالحج، ولا يشمل العمرة.

إلا أنّ العبارة في نسخة الکافي عبارة غير مناسبة، ولعلها نتيجةً لنقل الراوي بالمعنى، فليس المفروض أن يعبّر عن اجتراح الحاجّ لما فيه الکفّارة بتعبير يخرج من حجته شيئاً.

وقد روى الشيخ الحرّ في هامش المخطوط نسخة اُخرى بدّلت فيها کلمة. يُخرج. بکلمة. يجترح )، إلا أنّ هذه العبارة أيضاً غير مناسبة.

فالمفروض أن يقول: «يجترح في حجته»، لا «من حجته».

وعليه، فالأصحّ هي نسخة الشيخ الطوسي، وهي تشمل الحج وعمرة التمتّع على الأقلّ.

ولا إشکال في أنّ الرواية مخصوصة بغير الصيد من الکفّارات، ولا أقصد بذلك تخصيص الرواية بالآية المبارکة، أو بروايات ذبح کفّارة الصيد في مکّة، أو في منى، بل أقصد خروج کفّارة الصيد تخصّصاً من هذه الرواية؛ لأنّ الآية المبارکة ولدّت إرتکازاً متشرّعياً ووضوحاً في أنّ کفّارة الصيد يجب أن تکون بالغة الکعبة، فيکون عدم شمول هذه الرواية لکفّارة الصيد من الواضحات.


(1) المصدر السابق 14: 90 ـ 91، ب. من الذبح، ح 1.
3

وفي مقابل هذه الرواية التي دلّت بإطلاقها على جواز ذبح کفّارة غير الصيد في بلده، سواء أکان في الحج أو في عمرة التمتّع وردت صحيحة معاوية بن عمّار: وسألته عن کفّارة المعتمر أين تکون؟ قال: «بمکّة إلا أن يؤخّرها إلى الحج فتکون بمنى، وتعجيلها أفضل وأحبّ إليّ»(1).

فإنّ هذه الصحيحة صريحة في شمولها لعمرة التمتّع بدليل قوله (عليه ‏السلام): «إلا أن يؤخّرها إلى الحج»، فالمفروض تقديم هذه الصحيحة على موثّقة إسحاق بن عمّار بالتخصيص، أو الأخذ في الموثّقة بنسخة الکافي، أو حمل نسخة الشيخ على المعنى الوارد في نسخة الکافي.

فإذن النتيجة: هي التفصيل بين الحج وعمرة التمتّع بأنّ يجوز الذبح في کفّارة الحج في بلده، ويجب في عمرة التمتّع کون الذبح في مکة أو منى.

بل بلحاظ العمرة المفردة أيضاً يُمکن القول بدلالة هذه الصحيحة على أنّ ذبحها في مکّة بدعوى أنّ قول السائل: «کفّارة المعتمر» تشمل العمرة المفردة وعمرة التمتّع.

نعم، جواز تأخيرها إلى منى يکون في من يحج حج التمتّع بدليل ذيل الصحيحة.

على أنّ في العمرة المفردة توجد صحيحة اُخرى تدلّ على الذبح بمکة أو بمنى، وهي صحيحة منصور بن حازم: سألت أبا عبدالله (عليه ‏السلام) عن کفّارة العمرة المفردة أين تکون؟ فقال: «بمکة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلى منى، ويجعلها بمکّة أحبّ إليّ وأفضل»(2).

إلا أنّ هذه الصحيحة لا تخلو من تشويش؛ لأنّ عنوان التأخير إلى منى غير صادق في العمرة المفردة، إلا أن يُفسّر التأخير بمعنى مجرّد إرادة ذهابه إلى منى فيؤخّر الذبح إلى منى.

ويُمکن أن يقال ـ في مقابل هذا الکلام ـ: إنّ نکتة کون العمرة أکثر صعوبة من الحج في الکفّارة ليست عرفية إلى حدّ يرى العرف التعارض بين الصحيحتين والموثقة، فلو تعارضت لم يبقَ لنا دليل على عدم جواز تأخير الکفّارة إلى الرجوع إلى البلد.

وبالأخير لم تبق إلا روايتان بخصوص کفّارة التظليل تدلان على ذبحها في منى، وهما صحيحتا ابن بزيع الواردتان في الوسائل:


(1) المصدر السابق: 89، ب. من الذبح، ح 4.
(2) المصدر السابق 13: 96، ب 49 من کفّارات الصيد، ح 4.
4

الرواية الأولي: سألت أبا الحسن (عليه ‏السلام) عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال: «أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى»(1).

والرواية الثانية: عن الامام الرضا (عليه ‏السلام) سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع؟ «فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى»(2).

إلا أنّ هاتين الصحيحتين منصرفتان إلى الحج وعمرة التمتّع دون العمرة المفردة؛ وذلك بسبب الأمر بالذبح بمنى، فإنّ صاحب العمرة المفردة لا يذهب إلى منى.

فلا يبقي دليل على ذبح کفّارة التظليل في العمرة بمکّة عدا فعل عليّ ابن جعفر (رحمه‏ الله) الوارد في الرواية الثانية من نفس الباب: الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت أخي (عليه ‏السلام): اُظلّل وأنا مُحرم؟ فقال: «نعم، وعليك الکفّارة»، قال: فرأيت علياً إذا قدم مکّة ينحر بدنة لکفّارة الظلّ(3).

وهو لا يصلح دليلاً؛ لأنّ فعل عليّ بن جعفر ليس حجّة، ولو کان حجّة فليست فيه دلالة على وجوب التعجيل بمکّة وعدم جواز تأجيل الذبح لحين الوصول إلى بلده.

وقد تحصّل ـ من کلّ ما ذکرناه ـ: أنّ کلّ ذبح للکفّارة غير کفّارة الصيد والتظليل لا إشکال في جواز تأجيله إلى البلد.

وتؤيّد ذلك روايتان غير تامّتين سنداً:

الأولي: رواية عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه ‏السلام): «کلّ شيء جرحت من حجّك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت»(4).


(1) المصدر السابق: 154، ب. من بقية کفّارات الإحرام، ح 3.
(2) المصدر السابق: 155، ب. من بقية کفّارات الإحرام، ح 6.
(3) المصدر السابق: 154، ب. من بقية کفّارات الإحرام، ح 2.
(4) المصدر السابق: 158، ب. من بقية کفّارات الإحرام، ح 5.
5

والثانية: مرسلة أحمد بن محمّد عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه ‏السلام) قال: «من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد فإنّ الله عزّ وجلّ يقول:﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾»(1).

البحث الثاني:

وهو يدور حول الفصل بين العمرتين، وفيه مسألتان:

المسألة الاُولى:

من أتي بعمرتين متتاليتين، فهل يشترط في صحة العمرة الثانية الفصل بينهما بوقوع کلّ واحدة منهما في شهر هلالي غير الشهر الآخر على أساس أنّ لکلّ شهر عمرة؟ أو يُشترط الفصل بينهما بمقدار شهر، أو لا يشترط لا هذا ولا ذاك؟

الظاهر أنّ أصل اشتراط أحدهما لا ينبغي التشکيك فيه لروايات الباب(2)الناصّة فيمن اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه على أنّه «قد أفسد عمرته، وعليه بدنة، وعليه أن يقيم بمکّة حتي يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، فيخرج إلى بعض المواقيت».

وفي إحدى تلك الروايات: «يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله (عليه ‏السلام) لأهله، فيحرم منه ثم يعتمر».

فلولا فساد العمرة الثانية بعدم الفصل لم يکن وجه لضرورة إقامته إلى أن ينتهي الشهر السابق، بل کان بإمکانه أن يخرج للعمرة قبل انتهاء الشهر.

والظاهر من مصطلح الشهر في لسان الشريعة الشهر الهلالي، قال تعالى:﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾(3).


(1) المصدر السابق: 96، ب 49 من کفّارات الصيد، ح 3.
(2) المصدر السابق: 128 ـ 129، ب 12 من کفّارات الاستمتاع في الإحرام.
(3) التوبة: 36.
6

فالصحيح أنّ الشرط في صحة العمرة الثانية وقوعها في شهر هلالي غير الشهر الذي وقعت فيه العمرة الأولي، لا فاصل مقدار الشهر بينهما.

المسألة الثانية:

من کان في مکّة بصورة مشروعة وخرج من مکّة ومن الحرم وأراد الرجوع في نفس الشهر، فهل يجوز له الرجوع مُحلاً مطلقاً، أو يُشترط في جواز رجوعه مُحلاً أن يکون قد اعتمر في ذلك الشهر؟

الظاهر هو الأول، ويدلّ على ذلك خبران صحيحان:

الأول: صحيح حمّاد بن عيسى:... قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيه فيدخلها مُحرماً أو بغير إحرام؟ قال: «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل مُحرماً...»(1).

فإنّه جعل العنوان لوجوب الإحرام وعدمه رجوعه في شهره، أو في غير شهره، وهذا غير عنوان کونه مُعتمراً في ذلك الشهر وعدمه.

والثاني: صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبدالله (عليه ‏السلام): في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة؟ قال: «يدخل مکّة بغير إحرام»(2).

فإنّ تقييده بمن أتي بالعمرة في نفس الشهر خلاف ما فيه من الإطلاق.

ويؤيّدهما خبران غير تاميّن سنداً:


(1) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، 11: 203 ـ 129، ب 22 من أقسام الحجّ، ح 6.
(2) المصدر السابق 12: 407، ب 51 من الإحرام، ح 3.
7

أحدهما: مرسلة حفص بن البختري وأبان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه ‏السلام): في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم، قال: «إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام»(1).

والثاني: مرسلة الصدوق عن الصادق (عليه ‏السلام): «إذا أراد المتمتّع الخروج من مکّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك؛ لأنّه مرتبط بالحج حتي يقضيه إلا أن يعلم أنّه لا يفوته الحج، وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مکّة مُحلاً، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها مُحرماً»(2).

ولکن يعارض کلّ هذه الروايات موثّق إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن (عليه ‏السلام) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن؟ قال: «يرجع إلى مکّة بعمرة إن کان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأنّ لکلّ شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج». قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟، قال: «کان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو مُحرم بالحج»(3).

فإنّه (عليه ‏السلام) أمر في هذا الحديث بالإحرام لمن يدخل في غير الشهر الذي تمتّع فيه ولو کان دخوله في الشهر الذي خرج فيه، واستشهد (عليه ‏السلام) بفعل أبيه (عليه ‏السلام) الذي أحرم بإحرام الحج المفرد من ذات عرق باعتبار أنّه کان مجاوراً لمکّة، فکانت وظيفته الإفراد.

ومقتضى الجمع العرفي بين هذه الموثّقة وبين ما جعل العنوان الذي يجب معه الإحرام، أو لا يجب دخوله في شهر الخروج، أو في شهر آخر ـ وهي الروايات الثلاث الاُولى ـ هو حمل هذا الأمر على الاستحباب.


(1) المصدر السابق: 407، ب 51 من الإحرام، ح 4.
(2) المصدر السابق: 304، ب 22 من أقسام الحجّ، ح 10.
(3) المصدر السابق 11: 303 ـ 304، ب. من أقسام الحجّ، ح 10.