354

 

فصل في الموصَى به:

(مسألة: 1) يشترط في الموصَى به أن يكون ممّا له نفع محلّل معتدّ به، سواء أكان عيناً موجودةً أم معدومةً إذا كانت متوقّعة الوجود، كما إذا أوصى بما تحمله الجارية أو الدابّة، أو منفعة لعين موجودة أو معدومة متوقّعة الوجود، أو حقّ من الحقوق القابلة للنقل، مثل حقّ التحجير ونحوه، لامثل حقّ القذف ونحوه ممّا لا يقبل الانتقال إلى الموصَى له.

(مسألة: 2) إذا أوصى لزيد بالخمر القابلة للتخليل أو التي ينتفع بها في غير الشرب، أو أوصى بآلات اللهو إذا كان ينتفع بها إذا كسِّرت صحّ.

(مسألة: 3) يشترط في الموصَى به أن لا يكون زائداً على الثلث، فإذا أوصى بما زاد عليه بطل الإيصاء في الزائد إلّا مع إجازة الوارث، وإذا أجاز بعضهم دون بعض نفذ في حصّة المجيز دون الآخر، وإذا أجازوا في بعض الموصَى به وردّوا في غيره صحّ فيما أجازوا وبطل في غيره.

(مسألة: 4) لا إشكال في الاجتزاء بالإجازة بعد الوفاة، وفي الاجتزاء بها حال الحياة قولان، أقواهما الأوّل (1)، وليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي، ولا بعد وفاته، كما لا أثر للردِّ إذا لحقته الإجازة، ولا فرق بين



(1) بل هو المتعيّن؛ للنصّ(1).


(1) لصحيحتي محمّد بن مسلم ومنصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود، فأجازوا ذلك، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 13 من الوصايا، ح 1، ص 284.

355

وقوع الوصيّة حال مرض الموصي وحال صحّته، ولا بين كون الوارث غنيّاً وفقيراً.

(مسألة: 5) لا يشترط في نفوذ الوصيّة قصد الموصي أنّها من الثلث الذي جعله الشارع له، فإذا أوصى بعين غير ملتفت إلى الثلث وكانت بقدره أو أقلّ صحّ، وإذا قصد كونها من ثلثي الورثة فإن أجازوا صحّ، وإلّا بطل. وإن قصد كونها من الأصل نفذت الوصيّة في ثلثها وتوقّفت في ثلثيها على إجازة الورثة. هذا إذا أوصى بثلث الباقي، كما إذا قال: فرسي لزيد وثلثي من باقي التركة لعمرو، فإنّه تصحّ وصيّته لعمرو. وأمّا وصيّته لزيد فتصحّ إذا رضي الورثة، وإلّا صحّت في ثلث الفرس، أمّا إذا لم يوصِ بالثلث فإن لم تكن زائدةً على الثلث نفذت، وإن زادت على الثلث توقّف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة.

(مسألة: 6) إذا أوصى بعين معيّنة أو بمقدار كلّيٍّ من المال كألف دينار يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالإضافة إلى أموال الموصي حين الموت لا حين الوصيّة. فإذا أوصى لزيد بعين كانت بقدر نصف أمواله حين الوصيّة وحين الموت صارت بمقدار الثلث: إمّا لنزول قيمتها، أو لارتفاع قيمة غيرها، أو لحدوث مال له لم يكن حين الوصيّة صحّت الوصيّة في تمامها. وإذا كانت حين الوصيّة بمقدار الثلث فصارت أزيد من الثلث حال الموت: إمّا لزيادة قيمتها، أو لنقصان قيمة غيرها، أو لخروج بعض أمواله عن الملكيّة نفذت الوصيّة بما يساوي الثلث وبطلت في الزائد، إلّا إذا أجاز الورثة. وإذا أوصى بكسر مشاع كالثلث: فإن كان حين الوفاة مساوياً له حين الوصيّة فلا إشكال في صحّة الوصيّة بتمامه، وكذا إذا كان أقلّ فتصحّ فيه بتمامه حين الوفاة. أمّا إذا كان حين الوفاة أكثر منه حين الوصيّة كما لو تجدّد له مال فهل يجب إخراج ثلث الزيادة المتجدّدة، أو يقتصر على ثلث المقدار حين الوصيّة ؟ لا يخلو من إشكال، وإن كان الأقوى

356

الأوّل، إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الوصيّة بثلث الأعيان الموجودة حين الوصيّة لا غير، فإذا تبدّلت أعيانها لم يجب إخراج شيء أو بمقدار ثلث الموجود حينها، وإن تبدّلت أعيانها فلا يجب إخراج الزائد، وكذا إذا كان كلامه محفوفاً بما يوجب إجمال المراد، فإنّه يقتصر على القدر المتيقّن وهو الأقلّ.

(مسألة: 7) يحسب من التركة ما يملكه بعد الموت، كالدية في الخطأ، وكذا في العمد إذا صالح عليها أولياء الميّت، وكما إذا نصب شبكةً في حياته فوقع فيها شيء بعد وفاته (1)، فيخرج من جميع ذلك الثلث إذا كان قد أوصى به، وإذا أوصى بعين تزيد على ثلثه في حياته وبضمّ الدية ونحوها تساوي الثلث تنفذ وصيّته فيها بتمامها.

(مسألة: 8) إنّما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من الأصل من الديون الماليّة، فإذا أخرج جميع الديون الماليّة من مجموع التركة كان ثلث الباقي هو مورد العمل بالوصيّة.

(مسألة: 9) إذا كان عليه دين فأبرأه الدائن بعد وفاته أو تبرّع متبرّع في أدائه بعد وفاته لم يكن مستثنىً من التركة، وكان بمنزلة عدمه.

(مسألة: 10) لابدّ في إجازة الوارث الوصيّة الزائدة على الثلث من إنشاء



(1) بناءً على أنّ هذا يوجب الملكيّة برغم موت ناصب الشبكة(1).


(1) وكأنّ مدرك ذلك دعوى البناء العقلائيّ غير المردوع، مع التعدّي من مورد النصّ المصرّح بدخول الدية في التركة وأحكامها، من قبيل: صحيحة محمّد بن قيس، قال: «قلت له: رجل أوصى لرجل بوصيّة من ماله: ثلث أو ربع، فيقتل الرجل خطأً ـ يعني الموصي ـ فقال: يجاز لهذه الوصيّة من ماله ومن ديته». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 14 من الوصايا، ح 1، ص 285. فيدّعى أنّ هذا هو حكم كلّ ما يدخل في ملكه بعد موته.

357

إمضاء الوصيّة وتنفيذها، ولا يكفي فيها مجرّد الرضا النفسانيّ.

(مسألة: 11) إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعيّن، وإذا فوّض التعيين إلى الوصيّ فعيّنه في عين مخصوصة أيضاً تعيّن بلا حاجة إلى رضا الوارث، وإذا لم يحصل منه شيء من ذلك كان ثلثه مشاعاً في التركة، ولا يتعيّن في عين بعينها بتعيين الوصيّ إلّا مع رضا الورثة.

(مسألة: 12) الواجبات الماليّة تخرج من الأصل وإن لم يوصِ بها الموصي، وهي الأموال التي اشتغلت بها ذمّته، مثل المال الذي اقترضه، والمبيع الذي باعه سلفاً، وثمن ما اشتراه نسيئة، وعوض المضمونات، وأرش الجنايات، وكالخمس والزكاة، وردّ المظالم، والكفّارات الماليّة، مثل جملة من كفّارات الإحرام، ومثل فدية الصوم، والنذور الماليّة لله تعالى كنذر الصدقة (1)، والشروط للناس التي لم يؤدِّها ممّا يشرع فيها النيابة، ونحو ذلك. وأمّا الكفّارة المخيَّرة بين الإطعام والصيام ففي كونها من الديون الماليّة إشكال، وكذا النذور العباديّة، مثل ما إذا نذر لله تعالى أن يصوم أو يصلّي وإن كان ذلك فيها الأظهر (2).

(مسألة: 13) إذا تلف من التركة شيء بعد موت الموصي وجب إخراج الواجبات الماليّة من الباقي وإن استوعبه، وكذا إذا غصب بعض التركة. وإذا تمرّد



(1) أفاد اُستاذنا(قدس سره): أنّ «الظاهر في الكفّارة والفدية والنذر عدم الخروج من أصل التركة وإن كان الأحوط استحباباً ذلك». ونِعمَ ما أفاد(1).

(2) يقصد: أنّ الأظهر فيها ثبوت الإشكال. وقد عرفت أنّنا لا نقبل بخروج النذور الماليّة من الأصل فضلاً عن النذور العباديّة.


(1) لأنّ هذه ليست ديوناً بشريّة، وإنّما هي واجبات إلهيّة.

358

بعض الورثة عن وفاء الدين لم يسقط من الدين ما يلزم في حصّته، بل يجب على غيره وفاء الجميع (1) كما يجب عليه. ثمّ إذا وفّى غيره تمام الدين (2): فإن كان بإذن الحاكم الشرعيّ رجع على المتمرّد بالمقدار الذي يلزم في حصّته، وإذا كان بغير إذن الحاكم الشرعيّ ففي رجوعه عليه بذلك المقدار إشكال.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «هذا هو الأحوط، ولكن لا يبعد عدم كون الغير مسؤولاً عن الدين في هذا الفرض، إلّا بمقدار نسبته في حصّته، ففرق بين صورة تلف بعض التركة أو اغتصاب الأجنبيّ له، وصورة إنكار بعض الورثة للدين».

أقول: لا تبعد صحّة ما أفاده(1).

(2) قوله: «ثمّ إذا وفّى غيره تمام الدين... إلى آخر المسألة»: لم يبقَ موضوع لهذا الذيل في هذه المسألة بعد ما أفاد اُستاذنا(رحمه الله) من انحلال الحكم بالمسؤوليّة على مقادير حصصهم(2).


(1) كأنّ مقصوده(قدس سره): أنّ المخاطبين الأصليّين بتقديم الدين على الإرث هم نفس الورثة، وتقديم الدين واجب عليهم جميعاً، فلو تلف أو سرق بعض المال من قبل أجنبيّ، كان على الورثة أيضاً تقديم الدين على الإرث. أمّا إذا تمرّد بعض الورثة، فالخطاب بتقديم الدين على الإرث متوجّه إلى كلّ الورّاث بما فيهم الوارث المتمرّد خطاباً انحلاليّاً يثبت على كلّ واحد منهم بقدر حصّته، فلا يجب على غير المتمرّد منهم دفع ما وجب على المتمرّد.

(2) كأنّ مقصود المصنّف(قدس سره): أنّه مادام الخطاب ليس انحلاليّاً على مقدار الحصص، فالوارث الذي دفع الدين من التركة إنّما يأخذ من الوارث الآخر المتمرّد ما خسره بهذا السبب إن كان دفعه للدين بإذن السلطان الذي هو وليّ الممتنع، فالسلطان ـ في الحقيقة ـ قد أدّى عن المتمرّد ما كان عليه أن يؤدّي، فيأخذ غير المتمرّد من المتمرّد كي يدفعه للسلطان. أمّا إن لم يكن الأمر كذلك، ففي رجوع غيرالمتمرّد إلى المتمرّد في ما تمرّد فيه إشكال.

وهذا الكلام ـ كما ترى ـ لم يبقَ له مجال بناءً على انحلال المسؤوليّة على الورثة بقدر الحصص.

359

(مسألة: 14) الحجّ الواجب بالاستطاعة من قبيل الدين يخرج من الأصل، وكذا الواجب بالنذر على الأقوى (1).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إلحاق الحجّ النذريّ بحجّة الإسلام في الإخراج من أصل التركة وإن كان هو الأحوط، ولكن لا يبعد عدم لزوم ذلك، وكونه من الثلث». وما أفاده(قدس سره) وجيه(1).


(1) خير ما يمكن الاستدلال به لما قوّاه الماتن صحيح مسمع: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كانت لي جارية حبلى، فنذرت لله عزّوجلّ إن ولدت غلاماً أن اُحجّه أو اُحجّ عنه؟ فقال(عليه السلام): إنّ رجلاً نذر لله عزّ وجلّ في ابن له إن هو أدرك أن يحجّ عنه أو يحجّه، فمات الأب وأدرك الغلام بعدُ، فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله) الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه». الوسائل، ج 23 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من النذر والعهد، ص 316.

ووجه الاستدلال: أنّ كلمة «ممّا ترك أبوه» ظاهرها الحجّ عنه من أصل التركة.

إلّا أنّ هذا الظهور هنا لا يخلو من شيء من الغموض؛ لإمكان وقوع فاصل كبير بين موت الأب وإدراك الولد، ومع هذا الفرض يكون المقصود: أنّه(صلى الله عليه وآله) أمره بالحجّ ممّا ورثه من أبيه، ولو كان له ظهور مّا في الحجّ من أصل التركة فلا يقاوم هذا الظهور التصريح الوارد في صحيح ضريس وصحيح ابن أبي يعفور بالحجّ من الثلث.

والصحيحان هما:

1 ـ صحيح ضريس الكناسي، قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل عليه حجّة الإسلام نذر نذراً في شُكر ليحجّن به رجلاً إلى مكّة، فمات الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر، قال: إن ترك مالاً يحجّ عنه حجّة الإسلام من جميع المال واُخرج من ثلثه ما يحجّ به رجلاً لنذره وقد وفى بالنذر، وإن لم يكن ترك مالاً إلّا بقدر ما يحجّ به حجّة الإسلام، حجّ عنه بما ترك، ويحجّ عنه وليّه حجّة النذر، إنّما هو مثل دين عليه». الوسائل، ج 11 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 29 من وجوب الحجّ وشرائطه، ح 1، ص 74.

360

(مسألة: 15) إذا أوصى بوصايا متعدّدة متضادّة كان العمل على الثانية، وتكون ناسخةً للاُولى، فإذا أوصى بعين شخصيّة لزيد ثمّ أوصى بها لعمرو اُعطيت لعمرو، وكذا إذا أوصى بثلثه لزيد ثمّ أوصى به لعمرو. وإذا أوصى بثلثه لزيد ثمّ أوصى بنصفه لعمرو(1) كان الثلث بينهما على السويّة، وكذا إذا أوصى بعين شخصيّة لزيد ثمّ أوصى بنصفها لعمرو فتكون الثانية ناسخةً للاُولى بمقدارها.

(مسألة: 16) إذا أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت كلّها واجبات ماليّةً أو نحوها ممّا يخرج من الأصل وجب إخراجها من الأصل وإن زادت على الثلث، وإن كانت كلّها واجبات بدنيّةً اُخرجت من الثلث، فإن زادت على الثلث وأجاز الورثة اُخرجت جميعها، وإن لم يجز الورثة: فإن كانت مرتّبةً بأن ذكرت في كلام الموصي واحدةً بعد اُخرى كما إذا قال: « اُعطوا عنّي صوم عشرين سنةً وصلاة عشرين سنة » اُخذ بالسابق وكان النقص على اللاحق (2)، وإن كانت غير



(1) يعني: نصف الثلث.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): هذا «إذا استظهر عرفاً من التقديم كونه بملاك الأهمّيّة على نحو يقدّم في مورد التزاحم، وإلّا ورد النقص على الجميع». ونِعمَ ما أفاده(1).


2 ـ صحيح عبدالله بن أبي يعفور، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل نذر لله إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجّنّه إلى بيت الله الحرام، فعافى الله الابن ومات الأب، فقال: الحجّة على الأب يؤدّيها عنه بعض ولده. قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه، أو يتطوّع ابنه فيحجّ عن أبيه». نفس المصدر، ح 3، ص 75.

(1) فإنّ الخبر الذي يمكن أن يكون له الإطلاق لفرض عدم كون ذلك بملاك الأهمّيّة غير تامّ

361

مرتّبة بأن ذكرت جملةً واحدةً ورد النقص على الجميع بالنسبة، فإذا قال: « اقضوا عنّي عباداتي مدّة عمري صلاتي وصومي » وكانت تساوي قيمتها نصف التركة: فإن أجاز الورثة نفذت في الجميع، وإن لم يجز الورثة ينقص من وصيّة الصلاة الثلث ومن وصيّة الصوم الثلث.



سنداً، وهو خبر حمران ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 66 من الوصايا، ص 398 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام): «في رجل أوصى عند موته وقال: اعتق فلاناً وفلاناً حتّى ذكر خمسة، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم، فيقوّمون وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء ذكر ثُمّ الثاني والثالث ثُمّ الرابع ثُمّ الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذين سمّى أخيراً؛ لأنّه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك، فلا يجوز له ذلك».

وعيب السند وجود أبي جميلة، فهو الذي روى هذا الحديث عن حمران، وقد أفاد السيّد الخوئيّ(رحمه الله): أنّه يظهر من كلام النجاشيّ في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ أنّه كان مسلّم الضعف عند الأصحاب، حيث قال في ترجمته: «روى عنه جماعة غمّز فيهم وضُعّفوا، منهم عمرو بن شمر، ومفضّل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب».

ولكن أبو جميلة قد روى عنه كلّ الثلاثة الذي قال عنهم الشيخ: لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة. وأفاد الشيخ عرفانيان(رحمه الله) في كتابه مشايخ الثقاة ضمن ذكره لمشايخ الأزديّ ما نصّه: «نبّه النجاشيّ على ضعفه [يعني ضعف مفضّل بن صالح] في ترجمة جابر على وجه يشعر بالترديد ويناسب الشكّ فيه»، وهذا يعني أنّ الشيخ عرفانيان فهم من عبارة «غمّز فيهم وضُعّفوا» الشكّ والترديد في ضعفهم، بينما السيّد الخوئيّ(رحمه الله) فهم من ذلك مسلّميّة الضعف، والذي يدعم فهم السيّد الخوئيّ أنّ النجاشيّ قد صرّح في ترجمة الثلاثة الآخرين الذين ذكرهم في العبارة الماضية مع مفضّل بن صالح بأنّهم ضعفاء، فقال في ترجمة منخل بن جميل: «ضعيف فاسد الرواية»، وقال في ترجمة يوسف بن يعقوب: «ضعيف، روى عن أبي عبدالله وجابر»، وقال في ترجمة عمرو بن شمر: «ضعيف جدّاً».

362

وكذا الحكم إذا كانت كلّها تبرّعيّةً غير واجبة، فإنّها إن زادت على الثلث وأجاز الورثة وجب إخراج الجميع، وإن لم يجز الورثة وكانت مرتّبةً كما إذا قال: « استنيبوا عنّي في زيارة الرضا(عليه السلام) » ثمّ قال: « استنيبوا عنّي في زيارة الحسين(عليه السلام) » عمل بالسابق وورد النقص على اللاحق (1)، وإن كانت غير مرتّبة كما إذا قال: « تصدّقوا عنّي على خدّام الحسين(عليه السلام) كلّ واحد بدرهم » وكان ذلك يساوي نصف تركته فإنّه ينقص من كلّ واحد ثلث درهم.

وإذا كانت الوصايا المتعدّدة مختلفةً بعضها واجب ماليّ أو نحوه وبعضها واجب بدنيّ وبعضها تبرّع، كما إذا قال: « اُعطوا عنّي ستّين ديناراً عشرين ديناراً زكاةً وعشرين ديناراً صلاةً وعشرين ديناراً زيارات » فإن وسعها الثلث اُخرج الجميع (2)، وكذلك إن لم يسعها وأجاز الورثة، أمّا إذا لم يسعها ولم يجز الورثة فلا إشكال في وجوب تقديم الواجب الماليّ أو نحوه ممّا يخرج من الأصل على الواجب البدنيّ(3) والوصيّة التبرّعيّة. أمّا تقديم الواجب البدنيّ على الوصيّة



(1) قد عرفت في التعليق السابق أنّه يرد النقص على الجميع، إلّا إذا استظهر كون التقديم قرينة على الأهمّيّة.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «وكذلك إذا ضاق الثلث عن الجميع، ولكن وسع مقداره غير الواجب المالي الذي يخرج من الأصل ولم يكن الموصي قد أوصى بإخراجه من الثلث فإنّه لابدّ من إخراج الجميع». وكلامه(قدس سره) واضح الصحّة.

(3) لا إشكال في أنّ ما يخرج من الأصل لا يزاحم الواجب البدنيّ؛ لأنّه يخرج ذلك من الأصل. نعم، لو أوصى إخراجهما معاً من الثلث وقع التزاحم بينهما، وعندئذ لا يبعد عدم تقديم الواجب الذي يخرج من الأصل على الواجب الذي لا يخرج من الأصل، وورود النقص في الثلث عليهما مع تكميل نقص الواجب الذي يخرج من الأصل من أصل التركة.

363

التبرّعيّة ففيه خلاف وإشكال، والأقوى إذا لم يكن تقدّم ذكريّ مساواتهما، فيوزّعالنقص عليهما على النسبة (1)، فإذا قال لوصيّه: « اصرف ثلثي في اُمور ثلاثة: حجّة وصلاة سنة وزيارة الحسين » أخرج الوصيّ الحجّة أوّلا، فإن بقي شيء وأمكن إخراج صلاة السنة والزيارة منه اُخرجا، وإن لم يمكن ولم يجز الورثة وزّع النقص عليهما معاً على النسبة، فإذا كانت قيمة صلاة سنة خمسة دنانير وقيمة الزيارة ديناراً وكان الباقي ثلاثة دنانير صرف ديناران ونصف في الصلاة ونصف دينار في الزيارة، ويحتمل أن يكون الخيار في التوزيع في جميع الصور المذكورة للوصيّ، بل لعلّه الأظهر (2)، وإن كان الأوّل أحوط، وإذا كان تقدّم ذكريّ قدّم المتقدّم وإن كان مستحبّاً (3).

(مسألة: 17) المراد من الوصيّة التبرّعيّة: الوصيّة بما لا يكون واجباً عليه في حياته، سواء أكانت تمليكيّةً كما إذا قال: « فرسي لزيد بعد وفاتي » أم عهديّة، كما إذا قال: «تصدّقوا بفرسي بعد وفاتي».

(مسألة: 18) إذا أوصى بثلثه لزيد من دون تعيينه في عين شخصيّة يكون الموصَى



(1) بل يقدّم الواجب البدنيّ على الوصيّة التبرّعيّة(1).

(2) لأنّه المستظهر من النصّ(2).

(3) مضى: أنّ الواجب البدنيّ يقدّم على الوصيّة التبرّعيّة.


(1) لصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّ امرأة من أهلي ماتت وأوصت إليّ بثلث مالها، وأمرت أن يعتق عنها ويحجّ عنها ويتصدّق، فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال: ابدأ بالحجّ فإنّه فريضة من فرائض الله عزّوجلّ، واجعل ما بقي طائفة في العتق، وطائفة في الصدقة». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 65 من الوصايا، ح 1، ص 396.

(2) وهو النصّ الماضي عن الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 65 من الوصايا، ح 1، ص 396، وفيه: «واجعل ما بقي طائفة في العتق، وطائفة في الصدقة»، وأنت ترى أنّه(عليه السلام) لم يأمر بضرورة تساوي الطائفتين، فهذا يعني أنّ طريقة التوزيع تكون بيد الوصيّ.

364

له شريكاً مع الورثة، فله الثلث ولهم الثلثان، فإن تلف من التركة شيء كان التلف على الجميع، وإن حصل لتركته نماء كان النماء مشتركاً بين الجميع، وكذا إذا أوصى بصرف ثلثه في مصلحته من طاعات وقربات يكون الثلث باقياً على ملكه، فإن تلف من التركة شيء كان التلف موزّعاً عليه وعلى بقيّة الورثة، وإن حصل النماء كان له منه الثلث.وإذا عيَّن ثلثه في عين معيّنة تعيّن كما عرفت، فإذا حصل منها نماء كان النماء له وحده، وإن تلف بعضها أو تمامها اختصّ به التلف ولم يشاركه فيه بقيّة الورثة.

(مسألة: 19) إذا أوصى بثلثه مشاعاً ثمّ أوصى بشيء آخر معيّناً كما إذا قال: « أنفقوا عليَّ ثلثي وأعطوا فرسي لزيد » وجب إخراج ثلثه من غير الفرس، وتصحّ وصيّته بثلث الفرس لزيد، وأمّا وصيّته بالثلثين الآخرين من الفرس لزيد فصحّتها لزيد موقوفة على إجازة الورثة، فإن لم يجيزوا بطلت كما تقدّم (1)، وإذا كان الآخر غير معيّن كما إذا قال: « أنفقوا عليّ ثلثي وأعطوا زيداً مئة دينار » توقّفت الوصيّة بالمئة على إجازة الورثة، فإن أجازوها في الكلّ صحّت في تمامها، وإن أجازوها في البعض صحّت في بعضها، وإن لم يجيزوا منها شيئاً بطلت في جميعها (2)، ونحوه إذا قال: « أعطوا ثلثي لزيد وأعطوا ثلث مالي لعمرو »، فإنّه تصحّ وصيّته لزيد، ولا تصحّ وصيّته لعمرو إلّا بإجازة الورثة (3). أمّا إذا قال: « أعطوا ثلثي لزيد » ثمّ قال: « أعطوا ثلثي لعمرو » كانت الثانية ناسخةً للاُولى كما عرفت، والمدار على مايفهم من الكلام.

(مسألة: 20) لا تصحّ الوصيّة في المعصية، فإذا أوصى بصرف مال في معونة الظالم، أو في ترويج الباطل كتعمير الكنائس والبِيَع ونشر كتب الضلال، بطلت الوصيّة.



(1) هذا إذا كان المفهوم عرفاً من هذا الكلام الوصيّة بثلث ما عدا الفرس لنفسه، والوصيّة بالفرس لزيد.

(2) هذا إن كان المفهوم من ذلك عرفاً إعطاء المئة من الثلثين الآخرين.

(3) هذا إن كان المفهوم عرفاً إعطاء الثلث بمعنى النصف من ثلثي الورثة لعمرو.

365

(مسألة: 21) إذا كان ما أوصى به جائزاً عند الموصِي باجتهاده أو تقليده وليس بجائز عند الوصيّ كذلك لم يجز للوصيّ تنفيذ الوصيّة، وإذا كان الأمر بالعكس وجب على الوصيّ العمل.

(مسألة: 22) إذا أوصى بإخراج بعض الورثة من الميراث فلم يجز ذلك البعض لم يصحّ. نعم، إذا لم يكن قد أوصى بالثلث وأوصى بذلك وجب العمل بالوصيّة بالنسبة إلى الثلث لغيره، فإذا كان له ولدان وكانت التركة ستّةً فأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث اُعطي زيد اثنين واُعطي الآخر أربعة، وإذا أوصى بسدس ماله لأخيه وأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث اُعطي أخوه السدس، واُعطي زيد الثلث، واُعطي ولده الآخر النصف.

(مسألة: 23) إذا أوصى بمال زيد بعد وفاة نفسه لم يصحّ وإن أجاز زيد، وإذا أوصى بمال زيد بعد وفاة زيد فأجاز زيد صحّ (1).

(مسألة: 24) قد عرفت أنّه إذا أوصى بعين من تركته لزيد ثمّ أوصى بها لعمرو كانت الثانية ناسخةً ووجب دفع العين لعمرو، فإذا اشتبه المتقدِّم والمتأخِّر تعيّن الرجوع إلى القرعة في تعيينه، وكذا إذا أوصى بوصايا متعدّدة تزيد على الثلث ولم يجز الورثة، فإنّك قد عرفت أنّه يؤخذ بالسابق فالسابق (2)، ويدخل النقص على اللاحق، فإذا اشتبه اللاحق بالسابق يرجع إلى القرعة في تعيينه.

(مسألة: 25) إذا دفع إنسان إلى آخر مالا وقال له: «إذا مِتُّ فأنفقه عنّي» ولم



(1) لأنّه بإجازة زيد صارت الوصيّة وصيّة لزيد.

(2) مضى في التعليق على قول المصنّف(رحمه الله): «..اُخذ بالسابق، وكان النقص على اللاحق» في المسألة رقم (16) المتقدّمة، وعلى قوله(رحمه الله) في المسألة نفسها: «..عمل بالسابق، وورد النقص على اللاحق»: أنّه إن لم يستظهر عرفاً من التقديم كونه بملاك الأهمّيّة على نحو يقدّم في مورد التزاحم ورد النقص على الجميع.

366

يعلم أنّه أكثر من الثلث أو أقلّ أو مساو له، أو علم أنّه أكثر واحتمل أنّه مأذون من الورثة في هذه الوصيّة، أو علم أنّه غير مأذون من الورثة لكن احتمل أنّه قد نذر ذلك، أو كان له ملزم شرعيّ يقتضي إخراجه من الأصل وجب على الوصيِّ العمل بالوصيّة حتّى يثبت بطلانها(1).

(مسألة: 26) إذا أوصى بشيء لزيد وتردّد بين الأقلّ والأكثر اقتصر على الأقلّ، وإذا تردّد بين المتباينين عيِّن بالقرعة.

 

(1) يعني(رحمه الله): أنّ أصالة صحّة وصيّته نافذة في المقام، فيجب على الوصيّ أن يعمل بالوصيّة حتّى يثبت بطلانها.

ولكن أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): أنّ «الظاهر عدم وجوب العمل بالوصيّة في الفرضين الأخيرين، ولا يخلو وجوب إنفاذ تمام الوصيّة في الفرض الأوّل من إشكال». ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) ما أفاده المصنّف(رحمه الله) من البناء على صحّة الوصيّة حتّى يثبت بطلانها يرد عليه: أنّ أصالة صحّة العمل محلّها إسقاط قضائه أو إعادته عن غيره، فالعمل الصادر من مسلم كالصلاة ـ مثلاً ـ محمول على الصحّة، فلو كان واجباً كفائيّاً لم تجب على شخص آخر إعادته، ولو كان قد صلّى الأب ومات، واحتمل الابن الأكبر صحّة صلاته، لم يجب عليه قضاؤها و... هكذا، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، وعندئذ نقول:

1 ـ لو علم الوصيّ أنّ المال الذي أعطاه الموصي أكثر من الثلث، لكن احتمل صدور الإذن من الورثة بذلك، فأصالة عدم صدور الإذن منهم تُثبت بطلان الوصيّة بالزائد على الثلث.

2 ـ ولو علم الوصيّ أنّ المال الذي أعطاه الموصي أكثر من الثلث، لكنّه احتمل طروّ ما يوجب إخراجه من الأصل، فأصالة عدم طروّ ذلك تُثبت بطلان الوصيّة بالزائد على الثلث.

3 ـ ولو لم يعلم الوصيّ أنّ ما أعطاه الموصي من المال هل هو أكثر من الثلث، أو أقلّ، أو مساو له؟ فقد يقال: إنّ أصالة عدم الوصيّة بالزائد على الثلث تثبت صحّة الوصيّة، لكن لا يخلو هذا الأصل من شبهة المُثبتيّة، بأن يقال:إنّ لازمه تعلّق الوصيّة بما تصحّ الوصيّة به، فلا يخلو وجوب إنفاذ الوصيّة في هذا الفرض من إشكال.

367

 

فصل في الموصَى له:

(مسألة: 1) لا تصحّ الوصيّة للمعدوم(1) وإن كان متوقّع الوجود في المستقبل، مثل أن يوصي لأولاد ولده الذين لم يولدوا، ولا تصحّ للحمل إلّا إذا انفصل حيّاً (2)، وتصحّ للذمّيّ وللحربيّ.

(مسألة: 2) إذا أوصى لجماعة ذكوراً أو إناثاً أو ذكوراً وإناثاً بمال اشتركوا فيه على السويّة، وكذا إذا أوصى لأبنائه وبناته، أو لأعمامه وعمّاته، أو أخواله وخالاته، أو أعمامه وأخواله، فإنّ الحكم في الجميع التسوية، إلّا أن تقوم القرينة على التفصيل، مثل أن يقول: على كتاب الله، أو نحو ذلك، فيعطى للذكر مثل حظّ الاُنثيين.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إذا كانت الوصيّة تمليكيّة اعتبر فيها وجود الموصى له عند موت الموصي وإن كان معدوماً عند الوصيّة، وإذا كانت عهديّة صحّت مطلقاً، فإذا لم يوجد الموصى له صرف المال في وجوه البرّ التي تنفع الميّت». وهذا كلام متين(1).

(2) الوصيّة للحمل ظاهرة في الوصيّة التمليكيّة، فإن انفصل حيّاً ملكه، وإن مات قبل وفاة الموصي فلا إشكال في بطلان الوصيّة، وهذا غير داخل في مقصود المصنّف، وإن مات بعد وفاة الموصي انتفى موضوع التمليك.


(1) أمّا الوصيّة التمليكيّة، فمن الواضح أنّها تتطلّب عقلائيّاً وجود المملّك له عند موت الموصي، وأمّا حين حياة الموصي فالمال لا زال ملكاً للموصي. وأمّا الوصيّة العهديّة فلا نكتة فيها لشرط وجود الموصى له عند موت الموصي، فتنفذ الوصيّة، ويستثنى المال من الإرث، ويبقى في ملك الموصي الميّت، فلو لم يتحقّق للموصى له وجودٌ صُرِف في وجوه البرّ التي تنفع الميّت.

368

 

فصل في الوصيّ:

(مسألة: 1) يجوز للموصِي أن يعيّن شخصاً لتنفيذ وصاياه، ويقال له: الوصيّ. ويشترط فيه اُمور (1):

الأوّل: البلوغ (2)، فلا تصحّ الوصاية إلى الصبيّ منفرداً إذا أراد منه التصرّف في حال صباه مستقلاًّ، أمّا لو أراد أن يكون تصرّفه بعد البلوغ أو مع إذن الوليّ فالمشهور بطلان الوصيّة، ولا يخلو من نظر (3). وتجوز الوصاية إليه منضمّاً إلى الكامل، سواء أراد أن لا يتصرّف الكامل إلّا بعد بلوغ الصبي، أم أراد أن يتصرّفمنفرداً قبل بلوغ الصبيّ، لكن في الصورة الاُولى إذا كان عليه تصرّفات فوريّة



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ما يشترط من تلك الاُمور يعتبر توفّره في ظرف فعليّة الوصاية الذي يترقّب فيه من الوصيّ ممارسة وصايته، لا حين إنشاء الوصيّة» وما أفاده(قدس سره) واضح لا غبار عليه.

(2) الأحوط إن لم يكن الأقوى أن يخصّص وصيّته بمن هو بالغ حين التنفيذ(1).

(3) والأقرب عدم البطلان فيما لو أراد تصرّفه بعد البلوغ. وأمّا لو أراد تصرّفه مع إذن الوليّ ففيه إشكال(2).


(1) لصحيح الصفّار «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا، وفيهم صغار: أيجوز للكبار أن ينفّذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع(عليه السلام): نعم، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 50 من الوصايا، ح 1، ص 375، فإنّه يمكن أن يستظهر من ذلك أنّ تصرّف الصغار حتّى في أداء الدين موجّل إلى حين الإدراك، فضلاً عن تنفيذ الوصيّة.

(2) لما مضى من صحيح الصفّار.

369

كوفاء دين ونحوه(1) يتولّى ذلك الحاكم الشرعيّ، وإذا أطلق الوصايةإلى الصبيّ مع البالغ فالظاهر أنّه يجوز للبالغ التصرّف قبل بلوغ الصبيّ (2)،وليس له الاعتراض عليه فيما أمضاه البالغ إلّا أن يكون على خلاف ما أوصى به الميّت.

الثاني: العقل، فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون في حال جنونه، سواء أكان مطبقاً أم أدواريّاً، وإذا أوصى إليه في حال العقل ثمّ جُنَّ بطلت الوصاية إليه، وإذا أفاق بعد ذلك لم تَعُدْ(3) إلّا إذا نصّ الموصِي على عودها حينئذ.

الثالث: الإسلام، إذا كان الموصِي مسلماً (4).

(مسألة: 2) الظاهر عدم اعتبار العدالة في الوصيّ، بل يكفي الوثوق والأمانة. هذا في الحقوق الراجعة إلى غيره كأداء الحقوق الواجبة والتصرّف في مال الأيتام ونحو ذلك، أمّا ما يرجع إلى نفسه كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات والقربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال وإن كان هو الأظهر (5).

(مسألة: 3) إذا ارتدّ الوصيّ بطلت وصايته (6)، ولا تعود إليه إذا أسلم إلّا



(1) من الواجبات كالصلاة والصوم.

(2) إن قصد بذلك «أو احتُمِل كون قصده بذلك» تخصيص وصاية البالغ بصورة موافقة الصبيّ، ولم يقدر البالغ على جلب موافقة الصبيّ، فقد سقطت وصايته.

(3) إن كان الوصيّ مسبوقاً بالإفاقة من جنون سابق حين الإيصاء إليه، وكان الموصي ملتفتاً إلى ذلك، فالظاهر أنّ إطلاق وصيّة الموصي شامل لحالة إفاقته، وإلّا ففي ثبوت الإطلاق لكلام الموصي وعدمه إشكال، إلّا إذا نصّ الموصي بذلك.

(4) في شرط الإسلام تأمّل، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره)؛ لعدم دليل واضح عليه.

(5) بل لا ظهور فيه، كما أفاده اُستاذنا(قدس سره).

(6) مضى التأمّل في شرط الإسلام.

370

إذا نصّ الموصِي على عودها.

(مسألة: 4) إذا أوصى إلى عادل ففسق: فإن ظهر من القرينة التقييد بالعدالة بطلت الوصيّة، ولن تعود بعود العدالة(1) إلّا إذا نصّ الموصي على عودها، وإن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل، وكذا الحكم إذا أوصى إلى الثقة.

(مسألة: 5) تجوز الوصاية إلى المرأة على كراهة (2)، والأعمى، والوارث.

(مسألة: 6) إذا أوصى إلى الصبيّ والبالغ فمات الصبيّ قبل بلوغه، أو بلغ مجنوناً ففي جواز انفراد البالغ بالوصيّة قولان، أقربهما ذلك (3)، وأحوطهما



(1) المرجع في كلّ هذا هو الظهور العرفيّ، فقد يكون الظهور في قيد العدالة بمعنى عدم حدوث الفسق، فبحدوث الفسق تنتهي الوصاية، وقد يكون الظهور في قيد العدالة الفعليّة، بمعنى الظهور في عود الوصاية بعود العدالة، وقد يكون الأمر مجملاً، فلا يثبت رجوع الوصاية برجوع العدالة.

(2) مقتضى حمل كلام الماتن على الصحّة أن يكون المقصود الاحتياط الاستحبابيّ(1).

(3) إن كان إيصاؤه للبالغ قبل بلوغ الصبيّ قرينة على جواز انفراد البالغ بالوصاية قبل بلوغ الصبيّ، فلا يبعد أن يكون هذا قرينة أيضاً على أنّه لو مات بعد بلوغه استقلّ الأوّل بالوصاية.

نعم، لو لم يكن لأحدهما استقلال في زمان، لزم الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ ليضمّ إليه آخر.


(1) فإنّ مصدر هذا الكلام ليس إلّا خبر السكونيّ عن الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) عن عليّ(عليه السلام) قال: «المرأة لا يوصى إليها؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَلاَ تُؤتُوا السُفَهَاءَ أمْوَالَكُم﴾». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 53 من الوصايا، ح 1، ص 379. ونحوه خبر آخر، وهو الحديث 2 من نفس المصدر، وأنت ترى ما في الاستدلال بذلك من أكثر من إشكال.

371

الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ فيضمّ إليه آخر.

(مسألة: 7) يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام وعلى نحو الاستقلال، فإن نصّ على الأوّل فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرّف، لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه، وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه ضمّ الحاكم آخر إلى الآخر، وإن نصّ على الثاني جاز لأحدهما الاستقلال، وأيّهما سبق نفذ تصرّفه، وإن اقترنا في التصرّف مع تنافي التصرّفين بأن باع أحدهما على زيد والآخر على عمرو في زمان واحد بطلا معاً، ولهما أن يقتسما الثلث بالسويّة وبغير السويّة، وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر ولم يضمّ إليه الحاكم آخر، وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينصَّ على الانضمام والاستقلال جرى حكم الانضمام، إلّا إذا كانت قرينة على الانفراد، كما إذا قال: « وصيّي فلان وفلان، فإذا ماتا كان الوصيّ فلان »، فإنّه إذا مات أحدهما استقلّ الباقي ولم يحتج إلى أن يضمّ إليه آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.

(مسألة: 8) إذا قال: « زيد وصيّي، فإن مات فعمرو وصيّي » صحّ ويكونان وصيّين مترتّبين، وكذا يصحّ إذا قال: «وصيّي زيد، فإن بلغ ولدي فهو الوصيّ».

(مسألة: 9) يجوز أن يوصي إلى وصيّين أو أكثر ويجعل الوصاية إلى كلّ واحد في أمر بعينه لا يشاركه فيه الآخر.

(مسألة: 10) إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحّا لاختلاف نظرهما: فإن لم يكن مانع لأحدهما بعينه من الانضمام إلى الآخر أجبره الحاكم على ذلك، وإن لم يكن مانع لكلٍّ منهما من الانضمام أجبرهما عليه، وإن كان لكلٍّ منهما مانع انضمّ الحاكم إلى أحدهما ونفذ تصرّفه دون الآخر (1).



(1) كأنّ المقصود: أنّه إن أمكن لحاكم الشرع إجبار أحدهما المعيّن على التنازل في

372

(مسألة: 11) إذا قال: « أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصيّ فلان إن استمرّ على طلب العلم مثلا » صحّ، وكان فلان وصيّاً إذا استمرّ على طلب العلم، فإن انصرف عنه بطلت وصايته، وتولّى تنفيذ وصيّته الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 12) إذا عجز الوصيّ عن تنفيذ الوصيّة ضمّ إليه الحاكم من يساعده، وإذا ظهرت منه الخيانة ضمّ إليه أميناً يمنعه عن الخيانة (1)، فإن لم يمكن ذلك عزله ونصب غيره.

(مسألة: 13) إذا مات الوصيّ قبل تنجيز تمام ما أوصى إليه به نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً لتنفيذه، وكذا إذا مات في حياة الموصِي ولم يعلم بذلك، أو علم ولم ينصب غيره ولم يكن ما يدلّ على عدوله عن أصل الوصيّة، وليس للوصيّ أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصى إليه به إلّا أن يكون مأذوناً من الموصي في الإيصاء إلى غيره.



التنفيد للآخر، فعل ذلك، وإن أمكن له إجبار كلّ واحد منهما على التنازل للآخر في التنفيذ، أجبرهما على تنازل أحدهما للآخر في التنفيذ، فيتمّ العمل بهدف الموصي من الانضمام، وإن لم يمكن لا هذا ولا ذاك، فالأمر دائر بين سقوطهما لفقدان شرط الانضمام، وبين استظهار أنّه مع عدم الجمع يريد الموصي أحدهما على سبيل البدل، فعلى الأوّل يجب على الحاكم تنفيذ الوصيّة، وعلى الثاني يجب على أحدهما على سبيل البدل تنفيذ الوصيّة، فجمعاً بين كلا الاحتمالين احتياطاً يضمّ الحاكم نفسه أو شخصاً آخر يعيّنه إلى أحدهما في التنفيذ.

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إلّا إذا استظهر من الوصيّة كون الإيصاء إليه مقيّداً بأمانته، ففي هذه الحالة لا يكون للوصيّة إطلاق، وعليه يخرج عن كونه وصيّاً بالخيانة، وللحاكم الشرعيّ أن يعيّن شخصاً آخر وصيّاً».

أقول: ويبدو لي صحّة ما أفاده.

373

(مسألة: 14) الوصيّ أمين لا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط، ويكفي في الضمان حصول الخيانة بالإضافة إلى ضمان موردها، أمّا الضمان بالنسبة إلى الموارد الاُخر ممّا لم يتحقّق فيها الخيانة ففيه إشكال (1)، بل الأظهر العدم.

(مسألة: 15) إذا عيّن الموصِي للوصيّ عملا خاصّاً أو قدراً خاصّاً أو كيفيّة خاصّةً وجب الاقتصار على ما عيّن، ولم يجز له التعدّي، فإن تعدّى كان خائناً، وإذا أطلق له التصرّف بأن قال له: « أخرج ثلثي وأنفقه » عمل بنظره، ولابدّ من ملاحظة مصلحة الميّت (2)، فلا يجوز له أن يتصرّف كيف شاء وإن لم يكن صلاحاً للميّت، أو كان غيره أصلح مع تيسّر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربّما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطيّة عنه، وربّما يكون الأصلح أداء الحقوق الماليّة الاحتياطيّة، وربّما يكون الأصلح أداء حقٍّ بعينه احتياطيٍّ دون غيره، أو أداء الصلاة عنه دون الصوم، وربّما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات وكسوة العراة ومداواة المرضى ونحو ذلك. هذا إذا لم يكن تعارف يكون قرينةً على تعيين مصرف بعينه، وإلّا كان عليه العمل.

(مسألة: 16) إذا قال: « أنت وصيّي » ولم يعيّن شيئاً، ولم يعرف المراد منه وأنّه تجهيزه، أو صرف ثلثه، أو شؤون اُخرى كان لغواً (3)، إلّا إذا كان تعارف



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أظهره الضمان فيما إذا استظهر من الوصيّة كون الإيصاء إليه على أساس أمانته؛ إذ يخرج بالخيانة عن كونه وصيّاً، فإذا أبقى يده على الموارد الاُخرى والحالة هذه، كانت يده يد ضمان».

وهنا أيضاً يبدو لي صحّة ما أفاده.

(2) لعلّ هذا على أساس دعوى انصراف الوصيّة إلى ذلك.

(3) قد يتشكّل علم إجماليّ منجّز يوجب الاحتياط، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

374

يكون قرينةً على تعيين المراد، كما يتعارف في كثير من بلدان العراق أنّه وصيّفي إخراج الثلث، وصرفه في مصلحة الموصي، وأداء الحقوق التي عليه، وأخذ الحقوق التي له، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها. نعم، في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط أن لا يتصدّى لاُمورهم إلّا بعد مراجعة الحاكم الشرعيّ، وعدم نصب الحاكم الشرعيّ غيره إلّا بإذن منه (1).

(مسألة: 17) يجوز للموصَى إليه أن يردّ الوصيّة في حال حياة الموصي بشرط أن يبلغه الردّ، بل الأحوط اعتبار إمكان نصب غيره له أيضاً (2)، ولا يجوز له الردّ بعد موت الوصيّ، سواء قبلها قبل الردّ أم لم يقبلها، والردّ السابق على الوصيّة لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو: « لا أقبل أن توصي إليَّ » فأوصى عمرو إليه لزمته



ومثاله: ما إذا تردّد الأمر بين أن يكون وصيّاً في التجهيز أو وصيّاً على الثلث الموصى به، فعلم إجمالاً بسقوط الوارث عن الولاية على التجهيز أو سقوط الحاكم الشرعيّ عن الولاية على الثلث، وبالتالي حصل العلم الإجماليّ للوصيّ: إمّا بحرمة التجهيز عليه إلّا بإذن الوارث، أو بحرمة التصرّف بالثلث الموصى به عليه إلّا بإذن الحاكم، وعند ذلك يحتاط الوصيّ بالاتّفاق مع الوارث في التجهيز، ومع الحاكم في الثلث الموصى به.

(1) الأولى أن يقال: «والأحوط أن لا يتصدّى لاُمورهم إلّا بعد مراجعة من هو الوليّ لولا هذه الوصاية، وعدم نصب ذاك الوليّ إلّا بإذن منه» حتّى يشمل غير الحاكم الشرعيّ ممّن قد نفتي بولايته على أموال صغار أولاده من عدول المؤمنين أو ثقاتهم.

(2) بل هذا هو ما دلّ عليه النصّ، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب، فليس له أن يردّ عليه وصيّته؛ لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره»(1).


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من الوصايا، ح 3، ص 320.

375

الوصيّة، إلّا أن يردّها بعد ذلك، ولو أوصى إليه فردّ الوصيّة، فأوصى إليه ثانياً ولم يردّها ثانياً لجهله بها، ففي لزومها له قول، ولكنّه لا يخلو من إشكال، بل الأظهر خلافه.

(مسألة: 18) إذا رأى الوصيّ أنّ تفويض الأمر إلى شخص في بعض الاُمور الموصَى بها أصلح للميّت جاز له تفويض الأمر إليه، كأن يفوّض أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات، ويفوّض أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها، ويفوّض أمر الكفّارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفيّة القسمة عليهم، وهكذا، وربّما يفوّض الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كان له خبرة في جميعها، وقد لا يكون الموصي قد أوصى باُمور معيّنة، بل أوصى بصرف ثلثه في مصالحه وأوكل تعيين المصرف كمّاً وكيفاً إلى نظره، فيرى الوصيّ من هو أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيّتها، فيوكل الأمر إليه، فيدفع الثلث إليه بتمامه، ويفوّض إليه تعيين الجهات كمّاً وكيفاً، كما يتعارف ذلك عند كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصَى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم. فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرّف ولو بواسطة التفويض إلى الغير، فلا بأس أن يفوّض الوصيّ أمر الوصيّة إلى غيره إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الموصي منه بالمباشرة، فلا يجوز له حينئذ التفويض، كما أنّه لا يجوز تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل نفسه عن الوصاية وجعلها له فيكون غيره وصيّاً عن الميّت بجعل منه.

(مسألة: 19) إذا بطلت وصاية الوصيّ لفوات شرطها كخيانة(1) أو جنون أو



(1) مضى منه(قدس سره) في المسألة (12): أنّه إذا ظهرت من الوصيّ الخيانة ضمّ إليه الحاكم أميناً يمنعه عن الخيانة في حين أنّه هنا فرض موضوع بطلان الوصاية بفوات شرطها بالخيانة، فلعلّه كان مفروضه(قدس سره) هنا فرض كون عدم الخيانة شرطاً في الوصاية، ومفروضه هناك عدم كون ذلك شرطاً فيها.

376

كفر أو غير ذلك نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً مكانه، أو تولّى الصرف بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعيّن وصيّاً أصلا.

(مسألة: 20) إذا نسي الوصيّ مصرف المال الموصَى به وعجز عن معرفته صرفه في وجوه البرّ إذا كان التردّد بين غير المحصور، أمّا إذا تردّد بين محصور ففيه إشكال، ولا يبعد الرجوع إلى القرعة في تعيينه (1).

(مسألة: 21) يجوز للموصِي أن يجعل ناظراً على الوصيّ مشرفاً ومطّلعاً على عمله بحيث لا يجوز للوصيّ أن يعمل بالوصيّة إلّا باطّلاع الناظر وإشرافه عليه، فإذا عمل بدون إشرافه كان بدون إذن من الموصِي وخيانة له، وإذا عمل باطّلاعه كان مأذوناً فيه وأداءً لوظيفته، ولا يجب على الوصيّ متابعة مثل هذا الناظر في

(1) إن كانت الوصيّة عهديّة يكون المال باقياً على ملك الميّت بحساب ثلثه، ولايجوز التصرّف فيه إلّا في حدود ما طابت به نفسه.

فإذا تردّد المصرف بين غير المحصور، فإن كان الاحتمال في بعض الأطراف غير موهون، يبدو لنا وجوب الصرف فيه؛ لأنّ ضآلة الاحتمال التي تُسقط طرف العلم الإجماليّ في غير المحصور عن التنجيز لم تسقط هذا الطرف عن التنجيز.

وإن تعدّدت الأطراف المحتملة بهذه الدرجة، يرجع إلى القرعة بين تلك الأطراف.

وإن كانت الأطراف كلّها محتملة بدرجة موهونة غير معتنىً بها، فلا تنجيز عقلائيّ لواحدة من هذه المحتملات بالخصوص، فلا يبقى إلّا صرف المال في وجوه البرّ التي لا تخرج عن دائرة تلك الأطراف.

وإن كانت الوصيّة تمليكيّة، فيكون المال فعلاً ملكاً للموصى إليه، فمع فرض تردّده في محصور، وتساوي الاحتمالات، فالذي كنّا قد اخترناه في كتابنا في القضاء ص 638 هو: أنّ المرجع في فرض جهل نفس الأطراف بالحال في باب الأموال هو التقسيم بقاعدة العدل والإنصاف، والله العالم.

ومع قوّة الاحتمال في بعض الأطراف يصرف المال على المحتمل الأقوى تقديماً للامتثال الظنّيّ على الامتثال الاحتماليّ.

ومع تردّده بين أشخاص غير محصورين يطبّق على المال حكم مجهول المالك.

377

رأيه ونظره، فإذا أوصى الموصي باستنابة من يصلّي عنه فاستناب الوصيّ زيداً وكان الناظر يريد استنابة عمرو ويراها أرجح لم يقدح ذلك في صحّة استنابة زيد، وليس للناظر الاعتراض عليه في ذلك. نعم، لو جعل على الوصيّ ناظراً له بمعنى أن يكون عمل الوصيّ بنظره ففي المثال المذكور لا تصحّ استنابة زيد، وتجب استنابة عمرو، لكنّ هذا المعنى خلاف ظاهر جعل الناظر على الوصيّ، وتختلف أيضاً الصورتان بأنّه إذا خان الوصيّ وجب على الناظر مدافعته في الصورة الاُولى (1)، ولو قصّر في ذلك كان ضامناً (2)، وليس كذلك في الصورة الثانية، وربّما تقوم القرائن على خلاف ذلك، وفي الصورتين إذا مات الناظر لزم الوصيّ الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 22) الوصيّة جائزة من طرف الموصِي، فإذا أوصى بشيء جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى إلى أحد جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى بأشياء جاز له العدول عن جميعها وعن بعضها، كما يجوز له تبديل جميعها وتبديل بعضها ما دام فيه الروح إذا وجدت فيه الشرائط المتقدّمة من العقل والاختيار وغيرهما، وإذا أوصى إلى شخص ثمّ أوصى إلى آخر ولم يخبر الوصيّ الأوّل بالعدول عنه إلى غيره فمات، فعمل الوصيّ الأوّل بالوصيّة ثمّ علم، كانت الغرامة على الميّت تخرج من أصل التركة (3)، ثمّ يخرج الثلث للوصيّ الثاني. هذا إذا لم يكن العدول عن الأوّل لسبب ظاهر، أمّا إذا كان لسبب ظاهر كما إذا هاجر الوصيّ الأوّل إلى بلاد بعيدة، أو حدث بينه وبين الوصيّ عداوة ومقاطعة فعدل عنه، كان ما صرفه الوصيّ الأوّل من مال نفسه.



(1) كأنّ المفروض عنده(قدس سره) أنّ الوصيّ لم يسقط بالخيانة عن الوصاية ولكن ظاهر جعل الناظر بالمعنى الأوّل أنّه أراد مدافعته لدى الخيانة كي يرجعه إلى الصواب، ولا يرى(قدس سره) ظهوراً كهذا في جعل الناظر بالمعنى الثاني.

(2) لم نعرف سبباً لضمان الناظر. نعم، لا شكّ في ضمان نفس الوصيّ.

(3) يعني: أنّه أصبح هذا ديناً على الميّت فيخرج من الأصل.

378

(مسألة: 23) يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول، مثل أن يقول: «رجعت عن وصيّتي إلى زيد»، وبالفعل، مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثمّ يوصي بوقفه، ومثل أن يوصي بوقف عين ثمّ يبيعها أو يهبها.

(مسألة: 24) لا يعتبر في وجوب العمل بالوصيّة مرور مدّة طويلة أو قصيرة، فإذا أوصى ثمّ مات بلا فصل وجب العمل بها، وكذا إذا مات بعد مرور سنين. نعم، يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شكّ في الرجوع بنى على عدمه.

(مسألة: 25) إذا قال: إذا متّ في هذا السفر فوصيّي فلان، ووصيّتي كذا وكذا، فإذا لم يمت في ذلك السفر ومات في غيره لم يجب العمل بوصيّته ولم يكن له وصيّ. أمّا إذا كان الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيّته وإن لم يمت في ذلك السفر (1)، ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحجّاج عند العزم على الحجّ، ومثلهم زوّار الرضا(عليه السلام) والمسافرون أسفاراً بعيدة، فإنّ الظاهر أنّ هؤلاء وأمثالهم لم يقيّدوا الوصيّة بالموت في ذلك السفر، وإنّما كان الداعي على الوصيّة خوف الموت في ذلك السفر، فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقّق الرجوع عنها.

(مسألة: 26) يجوز للوصي أن يأخذ اُجرةً مثل عمله إذا كان له اُجرة (2)، إلّا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجّاناً، كما لو صرّح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه، فلا يجوز له أخذ الاُجرة حينئذ، ويجب عليه العمل بالوصيّة إن كان قد قبل، أمّا إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال، والأقرب العدم (3). هذا بالنسبة إلى العمل

(1) كون الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه أعمّ من تحقّق الإطلاق في الوصيّة، والمقياس هو الاستظهار العرفيّ الذي قد يختلف من مورد لآخر.

(2) لأجل أنّ الأمر يوجب الضمان.

(3) يبدو أنّ مفروض كلامه أنّ الموصي قد حمّل الوصيّة عليه بلا اُجرة، مع أنّ عمله كان يستحقّ الاُجرة، فلا تعارض بين هذا الكلام وبين ما مضى منه في أوّل الوصيّة: من أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول.