186

التحطيم تحطيم معنوي أعاذنا الله تعالى من ذلك كلِّه.

وعلى أيّة حال، فالإسلام كالقرآن يكون له ظهر وبطن، أو جسم وروح، أو قشر ولبّ، أو وجه وبطانة، أو سدى ولُحمة، وقشره يتلألأ نوراً، ويُري باطنه الذي يفوق القشر صفاءً وجلاءً وعظمةً وجمالاً، ولقد أُمرتْ عامّة الناس بأقلّ المقدار الممكن، والذي يكون هو الحدّ الذي حُكِم عليه في الفقه بالإجزاء، ولم يُؤمَروا أمراً وجوبيّاً بأكثر من ذلك؛ لأنّه كان يؤدّي إلى عدم تحمّل العامّة الكاثرة لما وجب عليهم وإلى ضلالهم وسوء عاقبتهم، وبقي الباقي لأهله، وهم مختلفون في المراتب والدرجات.

وبهذا النمط من الفهم للإسلام تنحلّ عدّة ألغاز ومشكلات من قبيل:

1 ـ ما معنى ما ورد في الكافي بسند تامّ عن الصادق(عليه السلام) من أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان يتوب إلى الله في كلّ يوم سبعين مرّة(1)؟! وبسند آخر تامّ عنه أيضاً: « ... أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مئة مرّة من غير ذنب ... »(2).

وقد اتَّضح الجواب عن ذلك: بأنّ توبة المعصومين واستغفارهم يكونان ممّا يسمّى بحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فحينما يرتقون في صفاء النفس من مرتبة إلى مرتبة أعلى يستغفرون ربّهم عن المرتبة السابقة الدنيا، أو حينما يحصل لديهم أقلّ غبار على القلب عن بعض مراتب الصفاء ولو لحظة يتوبون إلى الله من ذلك. وقد ورد في طرق السُنّة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنّه ليغان على قلبي حتّى


(1) أُصول الكافي 2/450، الحديث 1.

(2) المصدر السابق 2/450، الحديث 2.

187

استغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرّة»(1) وقد يصدر منهم ما لو صدر منّا لكان حسنة عظيمة، ولكنّهم سلام الله عليهم يستغفرون الله منه؛ لأنّ المفروض المناسب لمقامهم الشامخ أن يصدر منهم ما هو أفضل من ذلك، وقد قال الله تعالى مخاطباً لرسوله(صلى الله عليه وآله): ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾(2)، فلو كان قد صدر منّا الإذن عن الحرب لبعض المسلمين الضعفاء الإيمان لجلبهم وعدم تنفيرهم من الإسلام، فلعلّنا كنّا نمدح بذلك، ولكنّه كان المفروض بالرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) أن يتّخذ ماهو أوفق بالمصلحة من الإذن على رغم أنّ الإذن ـ أيضاً ـ كان من الخُلُق العظيم.

2 ـ ما معنى بكاء المعصومين، ومناجاتهم الطويلة، ودموعهم الغزيرة، وغشيتهم أمام عظمة الربّ، هل كانوا يحتملون بأنفسهم التورّط في المعاصي الإلهيّة، أم هل تورّطوا بالفعل فيها وهم معصومون؟! وهل يمكن فرض كلّ القضايا التي نقلت عنهم بهذا الصدد تصنّعاً منهم وتظاهراً كاذباً بهدف تعليمنا، وكان بكاؤهم أمراً صوريّاً لا عن حرقة قلب وما إلى ذلك؟! كلاّ هذا لا يحتمل.

والجواب أحد أمرين أو كلاهما:

إمّا أنّ كلَّ هذا كان ندماً وتوبةً إلى الله عمّا عبّرنا عنه بحسنات الأبرار سيّئات


(1) المحجة 7/17. وقد قيل في تفسير الحديث: لمّا كان قلب النبيّ(صلى الله عليه وآله) أتمّ القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأعرفها عرفاً، وكان(صلى الله عليه وآله)مبيّناً مع ذلك لشرائع الملّة وتأسيس السُنّة ميسّراً غير معسر لم يكن له بدّ من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان متمتّعاً به من أحكام البشريّة، فكأنّه إذا تعاطى شيئاً من ذلك أسرعت كدورة ما إلى القلب لكمال رقّته وفرط نورانيّته، فإنّ الشيء كلمّا كان أصفى كانت الكدورة عليه أبين وأهدى. وكان(صلى الله عليه وآله) إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنباً فاستغفر منه. راجع البحار 25/204 ـ 205 تحت الخط.

(2) السورة 9، التوبة، الآية: 43.

188

المقربين(1). وإمّا أنّ عظمة الرب وجلاله وجماله كانت تؤدّي إلى هكذا إنهيار وهكذا إظهار وهكذا تذلّل، مَثله الدنيوي ما يُرى من قبل العشّاق التافهين الذين يعشقون بعض المخلوقين أو المخلوقات من التذلّل وإبراز التقصير أمام معشوقهم أو معشوقتهم والتذاذهم بذلك وانهيارهم أمامه أو أمامها، فما ظنّك بالعشق الحقيقي من قبل العبد الذائب في ذات الله أمام من لا يستحقّ الحبّ الحقيقي والتفاني الكامل فيه إلاّ هو، ألا وهو الله سبحانه وتعالى؟! ولقد ورد بشأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يبكي حتّى يغشى عليه، فقيل له: «... يا رسول الله أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال: بلى، أفلا أكون عبداً شكوراً»(2).

3 ـ ما معنى ما يترأى في بادئ الأمر من القسوة على بعض الرسل من قبيل ما مضت الإشارة إليه من قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ


(1) قال بعض: إنّ الأنبياء والأئمّة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى، وقلوبهم مملوءة به، وخواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى، وهم أبداً في المراقبة كما قال(عليه السلام): «اعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» فهم أبداً متوجهون إليه، ومقبلون بكلّهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدوه ذنباً، واعتقدوه خطيئة، واستغفروا منه، ألا ترى أنّ بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد وأكل وشرب ونكح وهو يعلم أنّه بمرأى من سيّده ومسمع منه لكان ملوماً عند الناس ومقصّراً فيما يجب عليه من خدمة سيّده ومالكه؟ فما ظنك بسيد السادات وملك الأملاك، وعلى هذا يحمل مثل ما ورد عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) في الدعاء في سجدة الشكر: «ربّ عصيتك بلساني ولو شئت وعزّتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزّتك لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزّتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزّتك لكنعتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزّتك لأعقمتني، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزّتك لجذمتني، وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها عليّ ولم يكن هذا جزاءك منّي» راجع البحار 25 / 203 ـ 204.

(2) تفسير البرهان 3/29.

189

فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(1) فلئن كان الله ـ تعالى ـ يغفر لأصحاب الكبائر كبائرهم ولأصحاب الجرائم جرائمهم ما معنى فرض السجن في بطن الحوت على نبيّ من أنبيائه لما صدر منه من ترك أولى، أو من حسنة كانت بلحاظ مقامه الكريم من سيّئات المقربين؟! وما معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لاََّذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾(2) فهل يُحتَمل بشأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه كاد أن يركن إلى المشركين شيئاً قليلاً فيما كانوا يريدونه من الافتراء على الله؟! كلاّ.

ولا أقصد بنفي هذا الاحتمال نفيه على أساس العصمة؛ كي يدّعى في مقابل ذلك أنّ فرض الآية فرض غضّ النظر عن العصمة بناءً على تفسير التثبيت في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ...﴾ بالعصمة أي: لولا العصمة الربّانية لك لكنت تركن إليهم شيئاً قليلاً، بل أقصد بذلك: أنّه حتّى مع غضّ النظر عن الإيمان بعصمة الأنبياء لا يُحتمَل ركون النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى المشركين فيما يريدونه من الافتراء على الله؛ لأنّ هذا من أكبر الكبائر،ولو فُرِضَ عدم العصمة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) لكان يعني ذلك: ارتكابه لصغيرة ما مثلاً، لا ارتكابه لما هو من أكبر الكبائر، وهو الافتراء على الله.

وإذن، فليس ركونه(صلى الله عليه وآله) إليهم الذي كاد أن يتورّط فيه لولا تثبيت الله إيّاه إلاّ مجرّد إبداء نوع من المداهنة أو التعاطف معهم بنيّة استمالتهم بالتدريج عن هذا الطريق إلى الإسلام. وهذا لو صدر منّا نحن الاعتياديين لعلّه كان يعدّ من الحسنات والفضائل، ولكن المقام الشامخ للنبي(صلى الله عليه وآله) لا يناسب التورط في شيء من هذا القبيل، بل المفروض به أن يتّخذ ماهو أصلح من ذلك.


(1) السورة 37، الصافات، الآية: 143 ـ 144.

(2) السورة 17، الإسراء، الآيات: 73 ـ 75.

190

وبعد هذا تبدو في بادئ الأمر قسوة عظيمة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿إِذاً لاََّذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ فلماذا هكذا قسوة على ترك ماهو أولى، أو على فعل ماهو من حسنات الأبرار، ولكنّه من سيّئات المقربين؟!

وأيضاً ورد في التأريخ(1) عن نبي الله يعقوب على نبيّنا وآله وعليه آلاف التحيّة والثناء: أنّ سبب مانزل به من البلاء أنّه(عليه السلام) كان يذبح كلَّ يوم كبشاً، فيتصدّق منه، ويأكل هو وعياله منه، وإن سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً له عند الله منزلة، وكان مجتازاً غريباً اعترّ(2) على باب يعقوب عشية جمعة عند أوانَ إفطاره، فطلب منهم الطعام مراراً، فلم يعتنوا به، وليسوا متعمدين، بل جهلاً منهم بحقّه، ولعدم تصديقهم إيّاه، فلمّا يأس منهم، وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله عزّوجلّ، وبات طاوياً، وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله تعالى، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله عزّوجلّ إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذُلّة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك...

فما هذه القسوة على نبيّ الله يعقوب على خطأ لم يكن ارتكاباً لمحرم، في حين أنّه يصدر من سائر الناس الاعتياديين ما لا يُحصَى من الأخطاء، بل والمحرمات، ولكنّ الله يعفو عن كثير؟!

وجواب كلّ هذا هو: أنّ تعامل المولى مع من يحبّ يكون أشدّ من تعامله مع الإنسان الاعتيادي، فأنت قد تعفو عمّن ظلمك، وجحد حقّك وآذاك، في حين أنّك تؤدّب ابنك مثلاً على ما أتى به لك من وردة من بستان كان يملكه؛ لأنّك كنت


(1) راجع البحار 12/271 ـ 272.

(2) اعترّه: أتاه للمعروف، وقيل: إنّ في نسخة علل الشرائع عَبَر على باب يعقوب.

191

تتوقّع منه أن يأتيك بباقة من الورد لا بوردة واحدة.

وقد ورد في ذيل نفس الحديث الذي أشرنا إليه في قِصّة تأديب يعقوب على نبيّنا وآله وعليه السلام ما يشير إلى هذه النكتة حيث قال فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى يعقوب عقيب خطأه: أوما علمت يا يعقوب أنّ العقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي؟!؛ وذلك حسن النظر منّي لأوليائي واستدارج منّي لأعدائي(1).

وهذا المعنى يصلح أن يكون أحد التفاسير للروايات الواردة في أنّ البلاء يشتدّ بقدر اشتداد الإيمان من قبيل:

1 ـ ما ورد بسند صحيح عن هشام بن سالم، عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثُمّ الذين يلونهم، ثُمّ الأمثل فالأمثل»(2).

2 ـ وما ورد ـ أيضاً ـ بسند صحيح(3) عن عبدالرحمن بن الحجاج، قال: «ذُكِرَ عند أبي عبدالله(عليه السلام) البلاءُ وما يخصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ به المؤمن، فقال: سُئِلَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) مَنْ أشدّ الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال: النبيّون، ثُمّ الأمثل فالأمثل، ويبتلي المؤمن بعدُ على قدر إيمانه وحسنِ أعمالهِ، فَمَنْ صحّ إيمانه وحَسُنَ عمله اشتدّ بلاؤه، وَمَنْ سخف إيمانه وضَعُفَ عملهُ قلّ بلاؤهُ».

3 ـ وورد ـ أيضاً ـ بسند تامّ عن سماعة، عن الصادق(عليه السلام) قال: «إنّ في كتاب عليّ(عليه السلام) أنّ أشدّ الناس بلاءً النبيّون، ثُمّ الوصيّون، ثُمّ الأمثل فالأمثل...»(4).

وورد ـ أيضاً ـ في حديث آخر عن الصادق(عليه السلام) قال: «إنّما المؤمن بمنزلة كفّة


(1) البحار 12/272.

(2) أُصول الكافي 2/252، باب شدّة ابتلاء المؤمن من كتاب الإيمان والكفر، الحديث 1.

(3) المصدر السابق الحديث 2.

(4) المصدر السابق: 259، الحديث 29.

192

الميزان كُلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه»(1).

ولعلَّه يدعم هذا التفسير ما ورد ـ أيضاً ـ بسند صحيح عن محمّد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلاّ عرض له أمرٌ يحزنه ويُذكَّر به»(2).

فهذا التذكير يشمل كلَّ درجات التنبيه حتى على مستوى نفض الغبار الذي يصيب قلب العبد المؤمن وحتّى ذاك الغبار الطفيف الذي عبّر عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله)ـ لو صحّت الرواية الماضية ـ بقوله: «إنّه ليغان على قلبي...»(3).

وهناك تفسير ثان لتلك الروايات، وهو: أن تكون ناظرة إلى ما في البلايا والمحن مِن رفع الدرجات وعظيم الثواب، كما تؤيّد هذا التفسير عدّة روايات من قبيل: ما رُوِيَ عن أبي يحيى الحنّاط، عن عبدالله بن يعفور قال: «شكوت إلى أبي عبدالله(عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع ـ وكان مسقاماً ـ فقال لي: يا عبدالله لو يعلم المؤمن ماله من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قُرِّض بالمقاريض»(4).

وهناك روايات أُخرى تدلّ على أنّ بلاء المؤمن كفّارة لذنوبه(5).

ومن الروايات الطريفة التي تنسجم مع كلا التفسيرين الماضيين ما رواه الكليني(رحمه الله)في أُصول الكافي(6) عن الصادق(عليه السلام) قال: «دُعي النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى طعام، فلمّا دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت، فتقع البيضة على وتد في حائط، فثبتت عليه، ولم تسقط، ولم تنكسر، فتعجّب النبيّ(صلى الله عليه وآله) منها، فقال


(1) المصدر السابق: 254، الحديث 10.

(2) المصدر السابق: 254، الحديث 11.

(3) المحجة 7/17.

(4) أُصول الكافي 2/255، باب شدة ابتلاء المؤمن من كتاب الإيمان والكفر، الحديث 15.

(5) من قبيل ما في البحار 67/230، 232، باب شدّة ابتلاء المؤمن، الحديثان 43 و 48.

(6) أُصول الكافي 2/256، باب شدة ابتلاء المؤمن، الحديث 20.

193

له الرجل: أعجبت من هذه البيضة؟ فوالذي بعثك بالحقِّ ما رُزئت شيئاً قطّ، فنهض رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يأكل من طعامه شيئاً، وقال: من لم يُرزَء فما لله فيه من حاجة».

وهناك تفسير ثالث لتلك الروايات التي تثبت البلاء للأنبياء، ثُمّ للأولياء، ثُمّ للأمثل فالأمثل، وهو: أن يكون المقصود بالبلاء: الامتحان لا المصائب والمحن، والامتحان كما قد يكون بالمصائب والمحن كذلك قد يكون بالنعم والخيرات، كما قال الله تعالى: ﴿... وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾(1) وكما قال الله تعالى عن لسان سليمان: ﴿... فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ...﴾(2).

وقد اتَّضح بكلّ ما سردناه أنّ الفقه والعرفان يشكّلان سدى ولُحمة لثوب التقوى. وَمَن يفصل بينهما، ويفترضهما مدرستين منفصلة إحداهما عن الأُخرى لا يعرف شيئاً من الفقه ولا العرفان.

وأُؤكّد أ نّني لا أقصد بفرض الظاهر والباطن للإسلام تصحيح طريقة الباطنيّين الذين يُظهِرون للناس شيئاً ويُبطنون شيئاً آخر، بل أقصد أنّ للإسلام باطناً يشعّ من ظاهره، وظاهراً شفّافاً يُري باطنه، وظاهره يتلألأ نوراً، وباطنه أصفى وأنقى، وظاهره هو الذي تكفّل به الفقه الذي يحدّد الإجزاء وسقوط القضاء والإعادة لعامّة الناس، وباطنه ـ أيضاً ـ يفهم من نفس الأدلّة الفقهيّة، ويستفيد منه علماً وعملاً الخلّصون من عباد الله كلّ بدرجته، ولم يكن بالإمكان تكليف عامة الناس بتحصيل كلِّ درجات الكمال للنفس، فاكتفى الإسلام بأقلِّ الدرجات لعموم الناس مع فتح باب الترقّي والنمو والاقتراب إلى الله سبحانه وتعالى لمن أحبّ ذلك وبقدر ما يهتمّ به.


(1) السورة 21، الأنبياء، الآية: 35.

(2) السورة 27، النمل، الآية: 40.

194

ولتوضيح اكتفاء الإسلام باقلِّ الدرجات لعامّة الناس مع إرشاده إلى مراتب أرقى من ذلك نشير إلى عدد من المسائل الفقهية:

الأوّل: لا إشكال فقهياً في حرمة:

1 ـ لبس الخاتم من الذهب للرجال.

2 ـ واستعمال أواني الذهب والفضّة.

بالتفصيل المذكور في علم الفقه، ولكنّ الفقه لم يحرّم على الإنسان مطلق الاستفادة من الأموال التي تكون فوائدها وهمية، فصحيح أنّ آنية الذهب والفضة لا تختلف في الفائدة عن أواني أُخرى إلاّ بالاعتزاز بكونه ذهباً أو فضّة والتبختر به، وليس هذا إلاّ فائدة وهمية، أمّا الفائدة الاستعماليّة الحقيقية فالأواني الأُخرى مشتركة فيها مع أواني الذهب والفضّة، وكذلك الخاتم من الذهب لا يختلف بشأن الرجال عن غير الذهب إلاّ بالتبختر والفخفخة به، وهو إنّما يناسب حالة النساء؛ لأنّهنّ بحاجة حقيقيّة إلى الزينة والحلية، وقد عبّر الله ـ تعالى ـ عنهن بقوله: ﴿أَوَ مَن يُنَشَّؤُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين﴾(1).

وقال الشاعر:

وما تصنع بالسيفِ إذا لم تكُ قتّالا
فكسّرْ حليةَ السيفِ وصغه لكَ خلخالا

ولكن مع ذلك لم يُحرّم فقهياً على الرجال لبس خاتم مصوغ من مجوهرات قد تكون أغلى من الذهب، ولم يُحرّم على الناس استعمال أواني مصوغة ممّا هو أغلى من الذهب والفضّة.

إلاّ أنّه وردت في نصوص الشريعة ما قد تشير إلى قبح صرف المال في موارد المنافع الوهمية من قبل المؤمنين، وهذا ما يستفيد منه الخلّص من عباد الله،


(1) السورة 43، الزخرف، الآية: 18.

195

ولا تعتني به عامّة الناس. ومن جملة تلك النصوص ما يلي:

1 ـ رُوِيَ بسند تامّ عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون»(1).

أفلا تستشمّ معي من هذا الحديث أنّه بيان لحكمة تحريم آنية الذهب والفضّة لا لنتيجة التحريم، أي أنّه ليس معنى هذا الحديث: أنّه بعدما حرّمت الشريعة آنية الذهب والفضّة أصبحت تلك الأواني متاعاً للذين لا يوقنون، بل معناه: أنّ الذي يُوقِن بعالم الآخرة ماذا يفعل بالتلذّذات الوهميّة البحت في هذه الدنيا؟! وأنّ كونها متاعاً للذين لا يوقنون كان حكمة لتحريمها، وهذه الحكمة موجودة في جميع الملاذّ الوهميّة.

2 ـ قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ...﴾(2) أفلا تستظهر معي من هذه الآية: أنّ الترف وصف يناسب الفاسقين لا المؤمنين، ولئن كان الترف عبارة عن التنعّم بأنعم الله فما معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...﴾(3) أفلا تستظهر من ذلك ما أستظهره بفهمي القاصر ـ والله أعلم بمراده ـ: من أنّ التنعّم الحقيقي بالنعم المحلّلة هو الشيء المقصود بالآية الثانية، والتنعُّم الوهمي بالمتع الوهميّة أو بنفس النعم الحقيقية ـ ولكن إلى حدّ التخمة التي تخرج التنعّم من كونه حقيقيّاً إلى كونه وهميّاً ـ هو الذي يسمّى بالترف، ويكون داخلاً في مفاد الآية الاُولى.

والثاني: لا إشكال فقهيّاً في حرمة الغناء والموسيقى، وقد أُدرج في بعض


(1) الوسائل 3/507، الباب 65 من النجاسات، الحديث 4.

(2) السورة 17، الإسراء، الآية: 16.

(3) السورة 7، الأعراف، الآية: 32.

196

الروايات(1) في اللغو الوارد في قوله تعالى:﴿... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾(2)ولكن ألا تصدّقني في فهمي القاصر عن القرآن الكريم على أنّ اللغو في هذه الآية الكريمة وفي الكريمة الاُخرى، وهي قوله تعالى:﴿بِسْمِ الله الرَّحْمن الرَّحِيم قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِمُعْرِضُونَ﴾(3) عبارة عن مطلق اللغو؟ فقد جُعل التحرز عن اللغو من صفات عبادالرحمن ومن صفات المتقين، إلاّ أنّ الحدّ الأدنى لهذا التحرز الذي أوجبه الفقه على عامّة الناس هو التحّرز عن الغناء.

والثالث: قد فسّر الفقهاء الآية الشريفة: ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(4) بأنّ المقصود هو: الاستماع والانصات لقراءة القرآن من قبل إمام الجماعة، وقد دلّ على ذلك صحيح زرارة(5).

وهذا ـ أيضاً ـ ممّا يحدس أنّه من باب الاكتفاء بالأقلّ لعامة الناس، وأنّ الاستماع والانصات لقراءة القرآن مطلوب على كلّ حال، ويلتزم به العارفون بالله كما ورد التزام سيّد العارفين أمير المؤمنين(عليه السلام) بذلك حينما قرأ ابن الكوّا وهو خلف أمير المؤمنين(عليه السلام) في صلاة الصبح: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(6) « ... فأنصت عليّ(عليه السلام)تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثُمّ عاد في قراءته، ثُمّ أعاد ابن الكوّا الآية،


(1) الوسائل 17/308، الباب 99 ممّا يكتسب به، الحديث 19، وص316، باب 101 من تلك الأبواب، الحديث 2.

(2) السورة 25، الفرقان، الآية: 72.

(3) السورة 23، المؤمنون، الآيات: 1 ـ 3.

(4) السورة 7، الأعراف، الآية: 204.

(5) الوسائل 8/355، الباب 31 من صلاة الجماعة، الحديث 3.

(6) السورة 39، الزمر، الآية: 65.

197

فأنصت عليّ(عليه السلام)أيضاً، ثُمّ قرأ، فأعاد ابن الكوّا، فأنصت عليّ(عليه السلام) ثُمّ قال: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ﴾(1). ثُمّ أتمّ السورة، ثُمّ ركع»(2).

ولنعد الآن إلى ما كنّا فيه من الحديث عن أنّ الاكتفاء بقشر ظاهري عن الإسلام من عبادة جافّة وطقوس باهتة غير صحيح، فإنّه وإن كان ذاك القشر ـ أيضاً ـ يتلألأ نوراً، ولكن لو نفذنا إلى روح الإسلام وباطنه الوضّاء لرأينا نوراً أوسع وأكثر تلألأً وضياءً وإشراقاً، وهذا الباطن على رغم وضوحه وبروزه من شبكة القشر ونسيجه قد يخفى على أُناس عميت بصائرهم لا أبصارهم: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾(3).

وهذه الروح الوضّاءة لها جانبان:

أحدهما: ما أشرنا إليه حتّى الآن من جانب العرفان، أو قل: التوهج بحبّ الله والسعي إلى رضوان الله الذي هو أكبر من جنّات عدن، والاحتراق بنار الوجد والعشق لله سبحانه وتعالى.

وثانيهما: أنّ الإسلام دين مسيّر للحياة، ونظام كامل شامل لإدارتها بأحسن وجه، كافلاً لسعادة البشر في الدنيا، كما هو كافل لسعادته في الآخرة.

فربّ إنسان يتعبّد بظاهر العبادات الواردة في الشرع، ولكنّه يغفل عن حقيقة إدارة الإسلام للحياة، وأنّ تطبيقه يجعل المسلمين سادة العالَم، ويمكّنهم من فتح كنوز الطبيعة ونعمها وخيراتها وبركاتها ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ


(1) السورة 30، الروم، الآية 60.

(2) الوسائل 8/367، الباب 24 من صلاة الجماعة، الحديث 2.

(3) السورة 22، الحج، الآية: 46.

198

وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾(1).

وإنّني آسف على أنّ كثيراً من الذين يتعمّقون في فهم روح الإسلام ويصبون للوصول إليها وللاتّصاف بمتطلّباتها يلتفت إلى أحد الجانبين، ويغفل عن الجانب الآخر.

فالعرفاء التفتوا إلى الجانب الأوّل، وهو: الجانب الروحي، ولكن كثيراً منهم غفلوا عن الجانب الثاني، وهو: جانب إدارة الإسلام لنظام كامل شامل يسعد البشريّة في حياتها الدنيا وضرورة العمل في هذا الحقل إلى أن يفتح الإسلام العالَم أجمع تحت راية إمام العصر حجّة الله على خلقه عجّل الله تعالى فرجه.

والمجاهدون الإسلاميّون التفتوا إلى الجانب الثاني، وهو: جانب اشتمال الإسلام على نظام الحياة بالتمام والكمال، ولكن كثيراً منهم غفلوا عن الجانب الأوّل، وابتلوا بالجدب الروحي في عباداتهم وطقوسهم.

والمفروض بالعرفاء وبالإسلاميين أن يتّبعوا الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) في الاهتمام بالإسلام بقشره وبروحه بكلا الجانبين.

ومن أبرز من رأيناه في زماننا هذا ممّن لم يغفل عن أحد الجانبين، وأعطى كلّ جانب حقّه هو: الإمام الراحل آية الله العظمى السيّد روح الله الخمينيّ رضوان الله تعالى عليه، وبهذا وذاك استطاع أن ينفذ في قلوب المؤمنين إلى أن وُفِّق لإقامة دولة الإسلام على بقعة من بقاع الأرض.

وما أقبح ما ينقله بعض مخلصي الحدّاد من أنّ السيّد الإمام(قدس سره) أراد أن يلتقي به، ولكن الحدّاد لم يره أهلاً لذلك، فلم يشرّفه بهذا الشرف؟!

ثُمّ إنّ فهم الإسلام بهذا الشكل الذي أشرنا إليه، وطَرْحَه بهذا الأُسلوب والتوجّه


(1) السورة 28، القصص، الآيتان: 5 ـ 6.

199

إلى مغزاه المشتمل على الجانبين اللذين ألمحنا إليهما من روحه وواقعه النابض بالحياة له تأثير كبير على إبعاد الإنسان عن المعصية الذي لا يكفي فيه مجرّد التذكير بالجنّة والنار.

وتوضيح المقصود: أنّ الإنسان ميّال بسبب العامل الداخلي، وهي: شهوات النفس، والعامل الخارجي، وهي: المغريات إلى المعاصي والمخالفات. وللإسلام علاج عملي لذلك، لسنا هنا بصدد شرحه.

وإجمالُه: أنّ الإسلام جُعِلَ دين الفطرة، وجُعِلَ نظاماً يلبي الحاجات الحقيقيّة للإنسان، ويؤمّن ـ لو طبّق تطبيقاً حقيقيّاً على الحياة خارجاً ـ كلَّ حاجات الإنسان الواقعية، ولا يحدَّد الإنسان إلاّ من ناحية ميوله الشرّيرة غير الراجعة إلى الحاجات الحقيقية كالحسد وحبّ الإيذاء مثلاً، وكذلك من ناحية السَّرف في تلبية الحاجات الحقيقيّة والتي ترجع غالباً أو دائماً إلى ما يخرج من دائرة الحاجات الحقيقيّة. أمّا في دائرة تلك الحاجات الفطرية الطبيعية فليس للإسلام إلاّ تنظيم وتهذيب طريقة تلبيتها وإشباعها لا رفض ذلك، وما نراه خارجاً من فقر الفقراء أو عوز المعوزين لكثير ممّا يحتاجون إليه من وسائل الراحة أو الرفاه إن هو ـ عادة ـ إلاّ بسبب عدم تطبيق البشريّة لنظام الإسلام بشكله الكامل الموجب لقتر السماء والأرض خيراتهما وبركاتهما أو بسبب سوء التقسيم بين الناس ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(1) ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ﴾(2)


(1) السورة 7، الأعراف، الآية: 96.

(2) السورة 5، المائدة، الآية: 66.

200

﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً﴾(1) ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(2). فقتر النعمة وضيقها على المعوزين يعود في الحقيقة إلى ظلم الإنسان لا إلى فقر أودعه الله في الطبيعة.

وعلاوة على ذلك زوّد الله تبارك وتعالى الإنسان بالقوّة المميّزة للخير والشّر، وهي: العقل، والعقل يقتضي بطبيعة الحال في الإنسان أن يضحّي دائماً بمصلحته المهمّة في سبيل مصلحته الأهمّ، فالإنسان المعتقد بالله وبالجزاء ـ بعد فرض غضّ النظر عن الروحيات العرفانيّة، والمُثل العُليا، والعقل العملي والمصالح العامّة، وفرض حصر تفكيره ودوافعه في مصالحه الشخصيّة ـ يكفيه أن يوازن بين لذّة مؤقّتة ضعيفة محرّمة، ومصالحه الأُخرويّة أعني: النجاة من النار والفوز بالجنّة، فيستعدّ للتضحية بتلك اللّذة الضعيفة المؤقتة في سبيل مصلحته العُليا الدائمة.

ولكن الذي نراه عملاً هو: أنّ كثيراً من الناس المعتقدين بالمبدأ والمعاد لم يكفهم هذا الرادع للارتداع عن المعصية، وكأنّ السبب في ذلك: أنّ الدنيا نقد حاضر، والآخرة أمر مستقبلي مؤجَّل، وتوجد في الإنسان حالة الميل إلى الحاضر في مقابل الأمر المؤجّل الاستقبالي. وهذا نقص في طبيعة غالبيّة البشر.

ولعلّه يشير إلى هذه الحالة قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَؤُلاَء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾(3) وقوله تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ


(1) السورة 72، الجن، الآية: 16.

(2) السورة 14، إبراهيم، الآيات: 32 ـ 34.

(3) السورة 76، الإنسان، الآية: 27.

201

الآخِرَةَ﴾(1).

فلابدّ لهذا النقص من علاج، وقد ينجح ولو إلى حدّ مّا علاج ذلك بأصل التذكير بالتزاحم بين المصلحتين، وضرورة تضحية المهمّ في سبيل الأهم من ناحية، وتوضيح مدى أهميّة مصلحة الآخرة من ناحية أُخرى، من قبيل بيان أنّ الثواب جنّة عرضها السموات والأرض، والعقاب عقاب لا تقوم له السموات والأرض.

ولكنّنا نرى عملاً: أنّ هذا ـ أيضاً ـ غير كاف في كثير من النفوس.

وهنا مكمّل آخر لو أضيف إلى ذلك ينجح كثيراً، إلاّ في من غلب عليه الشقاء أو الخبث، وهو: أن تكشف له حقيقة الإسلام بشكله النابض بالحياة وبروحه الشفّافة الخلاّبة التي أشرنا إليها ضمن جانبين، فمن عرف روح الإسلام وتذوّقه ينال من ذلك لذّة لا تدانيها لذّة، وينسى كلَّ اللذائذ الدنيويّة الدنية والشهوات النفسية المهلكة. ولنعم ما قال الشاعر بالفارسيّة:

اگر لذّت ترك لذّت بدانى
دگر لذّت نفس لذّت نخوانى

ويضاف ـ أيضاً ـ إلى جانب لذّة العرفان ـ التي نعني بها التلذّذ برضوان الله، وتذوق حبّ الله إلى حدّ الشغف والتيم، وتحصيل اللقاء المعنوي بالله تعالى وكذلك لذّة المعرفة بتسيير الإسلام الحياة السعيدة بنظام كامل شامل ـ مكمّل آخر للابتعاد عن المعاصي، وهو: أن يسعى الإنسان في سبيل تفتيح منابع الخير المودعة من قبل الله في نفسه عادة، من قبيل حبّ الإيثار وحبّ الوفاء والصدق وما إلى ذلك، فإنّ هذه الغرائز ـ أيضاً ـ موجودة في الإنسان العادي إلى جنب الغرائز الشهوانيّة والحيوانيّة، ولعلّ هذا أحد معاني قوله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾(2) فكما يمكن للإنسان أن ينمّي غرائزه الحيوانيّة والشهوانيّة كذلك يمكنه أن ينمّي الغرائز الخيّرة


(1) السورة 75، القيامة، الآيتان: 20 ـ 21.

(2) السورة 90، البلد، الآية: 10.

202

في نفسه، وبإمكانك أن تحسب هذا الجانب ـ أيضاً ـ جزءاً من العرفان الإسلامي الصحيح، فيكون تذوّق حبّ الله، والالتذاذ بالوصول إلى الله، وبتحصيل رضا الله جزءاً من كلّ، وهو: تفتيح منابع الخير المعنوية الكاملة في النفس البشريّة وتنميتها، كما أنّ كلاً من هذين الأمرين يساعد الإنسان على الأمر الآخر، فالإيثار مثلاً وكذلك باقي صفات الخير يقرّب الإنسان إلى الله، كما أنّ الاقتراب إلى الله يحبّب إلى الإنسان جميع الخيرات.

وقد يكون الدافعُ للإنسان السالك في المراحل الأُولى إلى الخير أو إلى تحصيل رضوان الله التذاذَه بذلك، وكلّما مشى في الطريق أكثر إزداد التذاذه الذي يكون دافعاً له نحو الوصول إلى القمّة، ولكن المفروض بالإنسان السالك أن يصل إلى مستوىً يكون دافعه إلى الخير وإلى رضوان الله نفس الخير والرضوان لا الالتذاذ بهما، وإن كان الالتذاذ يشتدّ ـ عندئذ ـ بذلك.

وعلى أيّة حال، فقد اتَّضح بكلِّ ما سردناه: أنّ العرفان الذي تُفْتَرَض نتيجتُه الفناء والذوبان بالمعنى الحقيقي للكلمة في الله عرفانٌ كاذبٌ، بل قد ينتهي إلى الكفر والإلحاد، والمعصومون(عليهم السلام) منه براء. والعرفان الذي ينتهي إلى الفناء والذوبان في الله كفناء العاشق في المعشوق وذوبانه فيه المألوفِ في العشق المجازي بين الناس أنفسهم ـ بفرق أنّ قياس هذا العشق والفناء إلى ذاك العشق والذوبان قياسُ قطرة إلى بحر غير متناه ـ هو العرفان الصحيح الموروث عن المعصومين(عليهم السلام)«واجعلْ لساني بذكركَ لِهِجَاً، وقلبي بحبّك متيماً»(1) ويصل العارف إلى مستوىً لا تبقى له إرادة في مقابل إرادة الله تعالى « ... رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أجورَ الصابرين ...»(2).


(1) دعاء كميل.

(2) من خطبة للحسين(عليه السلام) لدى عزمه على الخروج إلى العراق، راجع البحار 44/367.

203

ختامه مسك:

والآن حان لنا أن نختم هذا المدخل المختصر إلى حديثنا العملي عن تزكية النفس بذكر رواية مرويّة عن الشبليّ، عن سيّدنا ومولانا زين العابدين(عليه السلام). وليس هذا هو الشبليّ المعروف المسمّى بجعفر بن يونس؛ فإنّه كان متأخِّراً عن زمان إمامنا زين العابدين(عليه السلام) بكثير، وكان قد مات في سنة ثلاث مئة وأربع وثلاثين أو خمس وثلاثين على ما ورد في روضات الجنّات(1)، والرواية ما يلي:

قال المحدّث النوري(رحمه الله) في مستدرك الوسائل(2) ما نصّه:

العالم الجليل الأوّاه السيّد عبدالله سبط المحدّث الجزائري في شرح النخبة قال: وجدت في عدّة مواضع اُوثِّقُها بخطّ بعض المشايخ الذين عاصرناهم مرسلاً أنّه: «لمّا رجع مولانا زين العابدين(عليه السلام) من الحجّ استقبله الشبليّ فقال(عليه السلام)له: حججت يا شبليّ؟ قال: نعم يابن رسول الله، فقال(عليه السلام): أنزلت الميقات، وتجرّدت عن مخيط الثياب، واغتسلت؟ قال: نعم، قال:فحين نزلت الميقات نويت أنّكَ خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا، قال: فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك نويت أنّكَ تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا، قال: فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قال: لا، قال: فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت.

ثُمَّ قال: تنظّفت، وأحرمت، وعقدت بالحجّ؟ قال: نعم، قال: فحين تنظّفت، وأحرمت، وعقدت الحجّ نويت أنّكَ تنظّفت بنورَةِ التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا، قال: فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلَّ محرّم حرّمه الله عزَّ وجلّ؟ قال: لا، قال: فحين عقدت الحجّ نويت أنّكَ قد حللت كلَّ عقد لغير الله؟


(1) روضات الجنّات 2/235. ط ـ إسماعيليان ـ قم.

(2) مستدرك الوسائل 10/166 ـ 172.

204

قال: لا، قال له(عليه السلام): ما تنظّفت، ولا أحرمت، ولا عقدت الحجّ.

قال له: أدخلت الميقات، وصلّيت ركعتي الإحرام، ولبّيت؟ قال: نعم، قال: فحين دخلت الميقات نويت أنّك بنيّة الزيارة؟ قال: لا، قال: فحين صلّيت الركعتين نويت أنّكَ تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد؟ قال: لا، قال: فحين لبّيت نويت أنّك نطقت لله ـ سبحانه ـ بكلّ طاعة، وصمتّ عن كلِّ معصية؟ قال: لا، قال له(عليه السلام): ما دخلت الميقات، ولا صلّيت، ولا لبّيت.

ثُمّ قال له: أدخلت الحرم، ورأيت الكعبة، وصلّيت؟ قال: نعم، قال: فحين دخلت الحرم نويت أنّك حرَّمت على نفسك كلَّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإسلام؟ قال: لا، قال: فحين وصلت مكّة نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟ قال: لا، قال(عليه السلام): فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صلّيت.

ثُمّ قال: طفت بالبيت، ومسست الأركان، وسعيت؟ قال: نعم، قال(عليه السلام): فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعَرَفَ منك ذلك علاّم الغيوب؟ قال: لا، قال: فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت.

ثُمّ قال له: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم(عليه السلام) وصلّيت به ركعتين؟ قال: نعم، فصاح(عليه السلام) صيحة كاد يفارق الدنيا، ثُمّ قال: آه آه، ثُمّ قال(عليه السلام): مَنْ صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين لا تضيّع أجر ما عَظُمَ حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة وقبض الحرام نظير أهل الآثام، ثُمّ قال(عليه السلام): نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم(عليه السلام) أنّك وقفت على كلِّ طاعة، وتخلّفت عن كلِّ معصية؟ قال: لا، قال: فحين صلّيت فيه ركعتين نويت أنّك صلّيت بصلاة إبراهيم(عليه السلام)، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟ قال: لا، قال له: فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه ركعتين.

ثُمّ قال(عليه السلام) له: أشرفت على بئر زمزم، وشربت من مائها؟ قال: نعم، قال: نويت

205

أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟ قال: لا، قال(عليه السلام): فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها.

ثُمّ قال له(عليه السلام): أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت، وتردّدت بينهما؟ قال: نعم، قال له: نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا، قال: فما سعيت، ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة.

ثُمّ قال: أخرجت إلى مِنى؟ قال: نعم، قال: نويت أنّك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال: لا، قال: فما خرجت إلى مِنى.

ثُمّ قال له: أوقفت الوقفة بعرفة، وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نَمِرة، ودعوت الله ـ سبحانه ـ عند الميل والجمرات؟ قال: نعم، قال: هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله ـ سبحانه ـ أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك واطلاعه على سريرتك وقلبك؟ قال: لا، قال: نويت بطلوعك جبل الرحمة أنّ الله يرحم كلَّ مؤمن ومؤمنة، ويتولّى كلَّ مسلم ومسلمة؟ قال: لا، قال: فنويت عند نَمِرة أنّك لا تأمر حتّى تأتمر، ولا تزجر حتّى تنزجر؟ قال: لا، قال: فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنّها شاهدة لك على الطاعات حافظة لك مع الحفظة بأمر ربّ السموات؟ قال: لا، قال: فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نَمِرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات.

ثُمّ قال: مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟ قال: نعم، قال:فحين صلّيت ركعتين نويت أنّها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كلَّ عسر، وتيسّر كلّ يسر؟ قال: لا، قال: فعندما مشيت بين العلمين، ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً نويت أن لا تعدل عن دين الحقِّ يميناً وشمالاً لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك؟ قال: لا، قال: فعندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية

206

وجهل، وثبّتّ كلَّ علم وعمل؟ قال: لا، قال: فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عزّ وجلّ؟ قال: لا، قال: فما مررت بالعلمين، ولا صلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى ولا مررت بالمشعر الحرام.

ثُمّ قال له: وصلت مِنى، ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة؟ قال: نعم، قال: فنويت عندما وصلت مِنى ورميت الجمار أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلَّ حاجتك؟ قال: لا، قال: فعندما رميت الجمار نويت أنّك رميت عدوّك إبليس وغضبته بتمام حجّك النفيس؟ قال: لا، قال: فعندما حلقت رأسك نويت أنّك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أُ مّك؟ قال: لا، قال: فعندما صلّيت في مسجد الخيف نويت أنّك لا تخاف إلاّ الله عزّوجلّ وذنبك، ولا ترجو إلاّ رحمة الله تعالى؟ قال: لا، قال: فعندما ذبحت هديك نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّكت به من حقيقة الورع، وأنّك اتَّبعت سنّة إبراهيم(عليه السلام) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه وحاجه(1) سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى الله تعالى لمن خلفه؟ قال: لا، قال: فعندما رجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة نويت أنّكَ أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته، وتمسّكْت بوُدِّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى الله تعالى؟ قال: لا، قال له زين العابدين(عليه السلام): فما وصلت مِنى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت نسكك، ولا صلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإفاضة، ولا تقرّبت، ارجع فإنّك لم تحجّ. فطفق الشبليّ يبكي على ما فرّطه في حجّه. ومازال يتعلّم حتّى حجّ من قابل


(1) لعلّ الصحيح: وحاجة سنّته لمن بعده، أي: إنّ سنّته كانت بحاجة لمن بعده إلى خَلَف له كإسماعيل، ولكنّه مع ذلك قرّبه قرباناً لامتثال أمر الله، أو الصحيح: وأحيى سنّته.

207

بمعرفة ويقين».

ولنعم ما قيل بالفارسيّة قريباً من مضامين هذه الرواية:

حاجيان آمدند با تعظيم
شاكر از رحمت خداى رحيم
آمده سوى مكّه از عرفات
زده لبيّك عمره از تنعيم
خسته از محنت و بلاى حجاز
رسته از دوزخ و عذاب اليم
يافته حجّ و عمره كرده تمام
بازگشته بسوى خانه سليم
من شدم ساعتى به استقبال
پاى كردم برون زحدّ گليم
مرمرا در ميان قافله بود
دوستى مخلص و عزيز و كريم
گفتم او را بگوى چون رستى
زين سفر كردنت به رنج و به بيم
تا زتو باز مانده ام جاويد
فكرتم را ندامت است نديم
شاد گشتم بدانكه حج كردى
چون تو كس نيست اندر اين اقليم
باز گو تا چگونه داشته اى
حرمت آن بزرگوار حريم
چون همى خواستى گرفت احرام
چه نيت كردى اندر آن تحريم
جمله بر خود حرام كرده بُدى
هر چه ما دون كردگار عظيم
گفت نى گفتمش زدى لبيك
از سر علم و از سر تعظيم
مى شنيدى نداى حقّ و جواب
باز دادى چنانكه داد كليم
گفت نى گفتمش چو در عرفات
ايستادى و يافتى تقديم
عارف حقّ شدى و منكر خويش
به تو از معرفت رسيد نسيم
گفت نى گفتمش چو مى رفتى
در حرم همچو اهل كهف و رقيم
ايمن از شرّ نفس خود بودى
در غم حرقت و عذاب جحيم
گفت نى گفتمش چو سنگ جمار
همى انداختى بديو رجيم
از خود انداختى برون يكسو
همه عادات و فعلهاى ذميم

208

گفت نى گفتمش چو مى كُشتى
گو سپند از پى اسير و يتيم
قرب حقّ ديدى اوّل و كردى
قتل و قربان نفس دون لئيم
گفت نى گفتمش چو گشتى تو
مطّلع بر مقام ابراهيم
كردى از صدق و اعتقاد و يقين
خويشى خويش را به حقّ تسليم
گفت نى گفتمش بوقت طواف
كه دويدى بهروله چو ظليم
از طواف همه ملائكيان
ياد كردى بگرد عرش عظيم
گفت نى گفتمش چوكردى سعى
از صفا سوى مروه بر تقسيم
ديدى اندر صفاى خود كونين
شد دلت فارغ از جحيم ونعيم
گفت نى گفتمش چو گشتى باز
مانده از هجر كعبه دل بدونيم
كردى آنجا بگور مر خود را
همچنان استخوان كه گشته رميم
گفت از اين باب هر چه گفتى تو
من ندانسته ام صحيح وسقيم
گفتم اى دوست پس نكردى حج
نشدى در مقام محو مقيم
رفته و مكّه ديده آمده باز
محنت باديه خريده بسيم
گرتو خواهى كه حج كنى پس ازين
اين چنين كن كه كردمت تعليم

هذا تمام كلامنا في مدخل الحديث العملي عن تزكية النفس.

 

209

 

 

 

 

الحلقة الثالثة

 

البحث العملي لتزكية النفس