749

ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.

ج ـ إذا اُكره على الخروج.

وأمّا إذا خرج بدون حاجة ضرورية، جاهلا بأنّ ذلك يبطل الاعتكاف، أو ناسياً لاعتكافه فعليه أن يعتبر اعتكافه باطلا.

وفي كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه أن يقتصر في ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التي سوّغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وإذا اضطرّ إلى الجلوس لم يجلس في ظلٍّ وتحرّى مهما أمكن أقرب الطرق.

(9) الثامن: أن يترك كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه ممّا يأتي بيانه في التزامات المعتكف الفقرة (10 ـ 15)، فإذا مارس عامداً شيئاً من تلك الأشياء بطل اعتكافه.

والأجدر بالمعتكف احتياطاً ووجوباً أن يفترض اعتكافه باطلا حتّى في صورة صدور أحد تلك الأشياء منه نسياناً أو جهلا.

وإذا وقع هذا النسيان أو الجهل في اليوم الثالث فالأجدر به احتياطاً ووجوباً أن يكمل اعتكافه؛ لاحتمال أن يقبل منه، ولكن لا يعوّل عليه.

التزامات الاعتكاف:

يجب على المعتكف من ابتداء اعتكافه إلى انتهائه أن يجتنب نهاراً أو ليلا عمّا يلي:

(10) أوّلا: مباشرة النساء بالجماع، أو بما دون ذلك من الاستمتاع(1)بالتقبيل واللمس أيضاً.

 


(1) على الأحوط.
750

(11) ثانياً: الاستمناء(1) (أي: إنزال المنيّ باليد أو بآلة).

(12) ثالثاً: شمّ الطيب، وهو كلّ مادّة لها رائحة طيّبة وتتّخذ للشمّ والتطيّب، كعِطر الورد والقرنفل وغيره.

(13) رابعاً: التلذّذ بما للرياحين من رائحة طيّبة، والرياحين كلّ نبات ذو رائحة طيّبة، كالورد والياسمين.

(14) خامساً: التجارة بشتّى أنواعها، ولا يدخل في نطاق ذلك ما يمارسه الإنسان من أعمال نافعة في حياته، كالخياطة والطبخ والحياكة ونحو ذلك.

وإذا تاجر وهو معتكف فباع واشترى بطل اعتكافه، ولكنّ البيع والشراء صحيح والتجارة نافذة المفعول.

(15) سادساً: المماراة، ونريد بها هنا: المجادلة والمنازعة في قضيّة لإثبات وجهة نظر معيّنة فيها حبّاً للظهور والفوز على الأقران، سواء كانت وجهة النظر هذه صحيحةً بذاتها أوْ لا، وسواء كانت القضيّة المطروحة للجدال دينيّةً أو غير دينيّة. وأمّا إذا كان الجدال والنقاش بروح موضوعيّة وبدافع إثبات الحقّ، أو حرصاً على تصحيح خطأ الآخرين فلا ضير فيه.

أحكام الاعتكاف:

(16) الاعتكاف مستحبّ ومندوب بطبيعته، وقد يجب لسبب طارئ، كما لو أوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو عهد أو يمين.

(17) وإذا بدأ الإنسان اعتكافه فيسوغ له في أيّ لحظة أن يهدم اعتكافه ويغادر المسجد، فيعود إلى حالته الاعتياديّة، ويستثنى من ذلك ما يلي:

 


(1) على الأحوط.
751

أولا: إذا كان قد وجب عليه الاعتكاف بنذر ونحوه في تلك الأيام بالذات فإنّه يجب عليه حينئذ أن يواصل اعتكافه، وأمّا إذا كان قد نذر أن يعتكف بدون أن يحدّد أياماً معيّنةً فله إذا شرع في الاعتكاف أن يهدمه، مؤجّلا الوفاء إلى أيام اُخرى.

ثانياً: إذا كان قد مضى على المعتكف يومان ـ أي نهاران ـ فإنّ عليه في هذه الحالة أن يكمل اعتكافه حتّى ولو كان قد بدأه مستحباً، إلّا في حالة واحدة، وهي أن يكون حين نوى الاعتكاف شرط بينه وبين ربّه أن يرجع في اعتكافه ويهدمه متى شاء، أو في حالات معينة، ففي هذه الحالة يسوغ له أن يهدم اعتكافه وفقاً لشرطه حتّى في اليوم الثالث.

(18) وكلّما فسد الاعتكاف لأيّ سبب من الأسباب السابقة فماذا يترتّب على من فسد اعتكافه ؟

والجواب: أنّ هذا له حالات، كما يلي:

أ ـ أن يكون اعتكافه مستحباً عند البدء وقد فسد قبل مضي نهارين منه ففي هذه الحالة لا يجب عليه إعادته.

ب ـ أن يكون اعتكافه مستحباً عند البدء وقد فسد بعد مضي يومين فيجب عليه حينئذ إعادته، ولكن لا تجب إعادته على الفور، بل له أن يعيده بعد مدّة.

وأمّا إذا بدأ الاعتكاف في وقت لا يشرع فيه الاعتكاف، أو في مكان لا يصحّ فيه، كما لو اعتكف يوم العيد، أو قبله بيوم أو يومين، أو اعتكف في غير المسجد ثمّ تفطّن في الأثناء انصرف عن اعتكافه ولا إعادة عليه.

ج ـ أن يكون قد نذر الاعتكاف واعتكف وفاءً بنذره فعليه أن يعيد اعتكافه، سواء كان نذره محدّداً بتلك الأيام التي فسد فيها الاعتكاف بالذات أو

752

غير محدّد، غير أنّ الإعادة في حالة النذر المحدّد تسمّى قضاءً؛ لأنّها تقع بعد انتهاء الأمد المحدّد في النذر، ولا يجب فيها الفور. وأمّا في الحالة الثانية فالإعادة عمل بالنذر ووفاء له في وقته المحدّد فيه، ويجب أن تقع وفق المدّة المحدّدة في النذر.

(19) وإذا تعمّد المعتكف مقاربة زوجته فعليه الكفّارة، سواء كان ذلك في الليل أو في النهار، ولا كفّارة عليه إذا تعمّد غير ذلك ممّا يحرم عليه، وإنّما عليه أن يتوب.

وإذا قارب هذا المعتكف في النهار وهو صائم في شهر رمضان، أو صائم صيام قضاء شهر رمضان فعليه كفّارتان: إحداهما على أساس أنّه تحدّى بذلك اعتكافه، والاُخرى كفّارة إفطار صيام شهر رمضان، أو كفّارة إفطار قضاء شهر رمضان.

وسيأتي في فصل الكفّارات تحديد الكفّارة التي تجب على المعتكف بالمقاربة.

وإذا افترضنا في الحالة الآنفة الذكر أنّ الاعتكاف في تلك الأيام بالذات كان منذوراً وجبت على المعتكف الذي قارب زوجته كفّارة ثالثة من أجل تحدّيهِ للنذر.

753

العبادات

6

الحجّ والعُمرة

 

 

○   تمهيد.

○   واجبات حجّة التمتّع.

○   العمرة والحجّ المفردان.

○   ماذا يحرم على المحرِم؟

○   متى يجب الحجّ؟

○   الاستنابة في الحجّ.

○   الطواف المستحبّ.

 

 

755

تمهيد

 

(1) الحجّ من العبادات الاجتماعية في الإسلام، ذات المغزى العظيم روحياً ومدنياً، وهو يشبه الاعتكاف في كونه نقلةً إلى الله تعالى، غير أنّ الاعتكاف نقلة فردية يعتكف بموجبها هذا الفرد أو ذاك في بيت من بيوت الله.

والحجّ نقلة جماعية يتّجه فيها جمهور المسلمين المكلّفين بأداء هذه الفريضة، أو المتطوّعين للتواجد في مكان واحد وزمان واحد ولممارسة شعائر موحّدة.

والعُمرة عادةً تشبه الحجّ في جملة من واجباته، ولكنّ مجالها يقتصر بعد الإحرام على الحضور في المسجد الحرام، والصفا والمروة وأداء واجباتها هناك، بينما يمتدّ مجال الحجّ وواجباته إلى خارج مكّة، ويتطلّب السفر إلى عرفات والمشعر ومِنى.

والحجّ مستحبّ عموماً، باستثناء الحجّة الاُولى للمستطيع فإنّها واجبة، والعُمرة المفردة مستحبّة عموماً، باستثناء العمرة الاُولى للمستطيع فإنّها واجبة.

(2) وكلّ من يستطيع الحجّ وهو يبعد في مسكنه وموطنه عن مكّة أكثر من

756

ستّة وثمانين كيلومتراً وخُمسَي الكيلومتر الواحد(1) فعليه أن يعتمر ويحجّ، بادِئاً بالعمرة وخاتمِاً بالحجّ، وتسمّى الحجّة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي بالحجّ بحجّة التمتّع، وتعتبر العُمرة الجزء الأول من حجّة التمتّع.

وإذا لم يتمكّن هذا البعيد من الحجّ ولكن تمكّن من العمرة فلا تجب عليه بمفردها، ولكن يستحبّ له أن يأتي بها.

(3) وكلّ من يستطيع (وهو أقرب من ذلك موطناً ومسكناً إلى المسجد الحرام) فعليه أن يحجّ ويعتمر مبتدئاً بالحجّ ومنتهياً بالعمرة (2)، وتسمّى مثل هذه الحجّة بحجّة الإفراد، وتعتبر العمرة فيها عملا مستقلاًّ عن الحجّ؛ ولهذا يعبّر عنها بالعمرة المفردة.

وإذا لم يتمكّن هذا القريب من الحجّ ولكنّه استطاع للعمرة المفردة وجب عليه أن يعتمر عمرةً مفردةً خلافاً للبعيد؛ لأنّ عمرة البعيد جزء من حجّته، فإذا لم يتح له الحجّ فلا تجب عليه العمرة. وعمرة القريب منفصلة عن حجّته، فإذا


(1) المقصود: أنّ المسافة الملحوظة لكون أهل بلد ما من حاضري المسجد الحرام أو من غيرهم هو ضعف المسافة التي تكون مقياساً للسفر والقصر، فمسافة القصر قدّرت بثمانية فراسخ أو بريدين أو أربعة وعشرين ميلاً حسب تعبير الروايات، وهذه قدّرت بثمانية وأربعين ميلاً، وبما أنّه (رحمه الله) أفاد في بحث صلاة المسافر أنّ ما يساوي ثمانية فراسخ بلغة الكيلو مترات المألوفة اليوم عبارة عن ثلاثة وأربعين كيلو متراً وخُمس الكيلو متر الواحد أفاد هنا أيضاً: أنّ المسافة عبارة عن ستة وثمانين كيلو متراً وخمسي الكيلو متر.ولكن مضى منّا هناك: أنّ هذا التحديد ليس مسلّماً؛ لوجود بعض التحديدات الاُخرى، وأنّ أثر الفرق من الناحية العمليّة في واقع حياتنا المعاش شبه المعدوم، وكذلك يتكرّر نفس الكلام في ما نحن فيه.
(2) هذا فيما لو أراد الإتيان بالعمرة في أشهر الحجّ من نفس السنة.
757

لم يتح له الحجّ واُتيحت العمرة وجبت عليه.

وتسمّى الحَجّة الواجبة التي يأتي بها المستطيع بحَجّة الإسلام.

(4) وكلّ مكلف ـ سواء كان قريباً أو بعيداً ـ إذا أراد أن يحجّ استحباباً وتطوّعاً فله أن يختار حجّة التمتّع أو حجّة الإفراد، وإذا أراد أن يعتمر في غير موسم الحجّ فله أن يأتي بعمرة مفردة، ولا يسوغ له أن يأتي بعمرة التمتّع لأنّها جزء من حجّة التمتّع، ولا تنفصل عن الحجّ بحال، فلا تقع إلّا في موسمه.

(5) وليس للعمرة المفردة وقت فهي دائماً، وإذا اعتمر في شهر جاز له أن يكرّر العمرة في نفس الشهر، بل في نفس الاُسبوع أيضاً (1).

وأمّا عمرة التمتّع فهي بوصفها جزءً من الحجّ لا تقع إلّا في أشهر الحجّ، ويبدأ وقتها من بداية شهر شوّال ويستمرّ إلى اليوم التاسع من ذي الحجّة، على أن يكون بالإمكان أداء العمرة والإحرام للحجّ وإدراك موقف عرفات ظهر يوم التاسع.

ونحن في ما يلي سنشرح بإيجاز حجّة التمتّع ابتداءً من أول أعمال العمرة وانتهاءً بآخر أعمال الحجّ؛ لأنّ حجّة التمتّع هي الشكل الواجب من الحجّ على غالب المؤمنين؛ نظراً إلى تواجدهم في مناطق سكنيّة بعيدة عن مكّة المكرّمة.

 

واجبات حجّة التمتّع

 

واجبات حَجّة التمتّع هي واجبات عمرة التمتّع أولا، وواجبات حجّ التمتّع ثانياً.

 


(1) بل لا يجوز له ذلك إلّا بعنوان الرجاء، والأحوط عدم الإتيان بالعمرة في أيّام التشريق من ذي الحجّة.
758

واجبات عمرة التمتّع:

(6) وواجبات عمرة التمتّع خمسة، وهي: الإحرام، ثمّ الطواف، فصلاة الطواف، ثمّ السعي بين الصفا والمروة، ثمّ التقصير، وهو أخذ شيء من الشعر أو الأظفار.

فأوّل ما يبدأ القاصد لحجّة التمتّع بالإحرام، ويجب أن يكون الإحرام لذلك من أحد المواقيت الخمسة، أو من نقطة محاذية لها، أو من نقطة أبعد عن مكّة بما يتيسّر له من تلك المواقيت إذا نذر ذلك، أي: أن تكون المسافة بين تلك النقطة التي ينذر الإحرام منها ومكّة أطول من المسافة بين الميقات ومكّة. والمواقيت الخمسة هي:

1 ـ مسجد الشجرة (1)، على مقربة من المدينة المنوّرة.

2 ـ قرن المنازل، ويمرّ به من الطائف إلى مكّة.

3 ـ الجحفة، وهي قرية كانت معمورةً قديماً وخربت، وتبعد عن مكّة المكرّمة بحوالي مائتين وعشرين كيلومتراً على ما يقال، ولا تقع على الطريق الاعتياديّ بين جدّة ومكّة أو بين المدينة ومكّة، بل لابدّ مِن قصدِها لمن أرادها.

4 ـ وادي العقيق.

5 ـ يَلَمْلَم.

(7) وصورة الإحرام وواجباته: أن يلبس المحرِم ثوبَي الإحرام: الإزار والرداء، وينوي الإحرام لعمرة التمتّع من حَجّة الإسلام، ويلبّي قائلا: « لَبّيْكَ اللهُمّ لَبّيْك، لَبّيْكَ لا شريكَ لَكَ لَبّيْك » فإذا لبّى كذلك أصبح محرِماً، وحرمت عليه أشياء معيّنة ـ يأتي بيانها في المحرّمات على المحرِم ـ كالمقاربة الجنسيّة للنساء،


(1) بل منطقة ذي الحليفة.
759

والطيب، ولبس الثياب المخِيطة، والتدهين، والصيد، وغير ذلك.

ويستحبّ له أن يغتسل قبيل الإحرام، ولا يعتبر في صحة الإحرام ذلك، بل يصحّ الإحرام حتّى من الجنب والحائض.

ولبس ثوبَي الإحرام واجب على الرجال، ولا يجب على النساء، بل يمكن للمرأة أن تُحرِم في ثيابها الاعتيادية.

فإذا أحرم الحاجّ اتّجه نحو مكّة، فأدّى الواجب الثاني ـ وهو الطواف ـ حول الكعبة الشريفة سبع مرّات، وتسمّى كلّ مرّة شوطاً.

(8) وصورة الطواف: أن يقف إلى جانب الحجر الأسود قريباً منه، أو بعيداً عنه مراعياً أن تكون الكعبة الشريفة إلى جانبه الأيسر، ثمّ ينوي طواف عمرة التمتّع، فيطوف حول الكعبة سبع مرّات، مبتدئاً في كلّ مرّة بالحجر ومنتهياً في كلّ مرّة إليه.

ويجب أن يتوفّر في حالة الطواف اُمور:

منها: الطهارة من الحدث.

ومنها: الطهارة من النجاسة.

ومنها: ستر العورة، وهي ما يجب عليه ستره في الصلاة. وقد تقدم تحديد ذلك في الفقرة (9) من فصل الشروط والأجزاء العامّة من فصول الصلاة.

ومنها: أن يكون الطائِف مختوناً إذا كان رجلا أو صبيّاً.

وإذا شكّ في عدد أشواط طوافه وهو يطوف بطل طوافه.

وإذا طاف شوطاً ثامناً قاصداً بذلك أن يكون هذا الشوط جزءً من طوافه بطل طوافه أيضاً.

(9) فإذا فرغ الطائف من طوافه وجبت عليه صلاة الطواف، وهي الواجب الثالث في عمرة التمتّع.

760

وصورتها: ركعتان كصلاة الصبح، وله أن يقرأ فيها جهراً أو إخفاتاً. ويتوخّى الطائف وجوباً أن تكون صلاته خلف مقام إبراهيم وعلى مقربة منه (1)، وإذا تعذّر عليه أن يصلي خلفه صلّى على مقربة منه من أيّ جانب تيسّر، فإن لم يتيسّر ذلك صلّى في المسجد أينما شاء.

(10) وبعد الانتهاء من ركعتي الطواف يجب على الحاجّ الاتّجاه إلى الصفا والمروة، وهما على مقربة من المسجد الحرام للسعي بينهما، وهو الواجب الرابع في عمرة التمتّع.

وصورته: أن ينوي السعي بين الصفا والمروة لعمرة التمتّع من حَجّة الإسلام قربةً إلى الله تعالى، ويسير بادئاً بالصفا منتهياً إلى المروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يقطع المسافة بينهما سبع مرّات، ويسمّى كلّ واحد منها شوطاً (أربع مرّات ذاهباً من الصفا إلى المروة، وثلاث مرّات راجعاً من المروة إلى الصفا)، وبهذا يكون ختام السعي عند المروة.

ولا يجب في السعي أن يكون الساعِي طاهراً من الحدث والخبث، ولا أن يمشي على قدميه، بل يكفيه الركوب حتّى ولو كان متمكّناً من المشي. وإذا شكّ في عدد الأشواط وهو يسعى بطل سعيه.

وإذا سعى شوطاً ثامناً بقصد أن يجعله جزءً من سعيه بطل سعيه أيضاً.

(11) وبعد ذلك يجب على الحاجّ التقصير، وهو الواجب الخامس والأخير من واجبات عمرة التمتّع، وذلك بأن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره، ولا يلزم أن يكون ذلك في مكان مخصوص.

(12) وبالتقصير يخرج المحرِم من إحرام العمرة، ويحلّ له كل ما كان قد



(1) لا يخفى أنّ عنواني القرب والخلف يتأثّران عرفاً سعةً وضيقاً بمدى كثرة الزحام وقلّته.

761

حرم عليه بسبب إحرامه، عدا الحلق فلا يحلق رأسه، وله أن يمارس غير ذلك من الاُمور التي منعه منها إحرامه.

(13) وله أيضاً أن يخرج من مكّة إذا أحبّ إلى المناطق القريبة (1)، من قبيل عرفات أو جدّة أو الطائف إذا كان واثقاً من تمكّنه من الرجوع إلى مكّة للإحرام للحجّ.

واجبات حجّ التمتّع:

وتتلخّص واجبات حجّ التمتّع في ثلاثة عشر أمراً، وهي: الإحرام، الوقوف في عرفات، الوقوف في المزدلفة، رمي جمرة العقبة، النحر أو الذبح، الحلق أو التقصير، الطواف، صلاة الطواف، السعي، طواف النساء، صلاة طواف النساء، المبيت في مِنى، رمي الجمار الثلاث في اليومين الحادي عشر والثاني عشر.

(14) فأوّل واجبات حجّ التمتّع الإحرام، وصورته نفس صورة الإحرام لعمرة التمتّع، غير أنّه ينوي هنا الإحرام لحجّ التمتّع قربةً إلى الله تعالى. ومكانه مكّة، وزمانه يجب أن يكون قبل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة، على نحو يتمكّن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات.

(15) وبعد أن يحرم الحاجّ عليه أن يتواجد في عرفات من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى الغروب، وله أن يتأخّر عن أوّل الظهر بحوالي ساعة أيضاً، ولكن لا يجوز له أن يغادر عرفات قبل الغروب.

 


(1) المقياس هو الوثوق بالرجوع، أمّا قرب المكان فقد يكون مؤثّراً في حصول هذا الوثوق، والأحوط وجوباً ترك الخروج إلّا لحاجة مهمّة.
762

(16) فإذا حلّ الغروب كان له أن يغادرها، وكان عليه أن يتجّه نحو المزدلفة (المشعر). والمطلوب منه هناك أمران:

أحدهما: المبيت في المشعر، أي قضاء بقية الليل فيه، سواء نام أو لم ينم.

والآخر: التواجد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (1)، وهذا من أهمّ واجبات الحجّ.

(17) فإذا طلعت عليه شمس اليوم العاشر وهو في المشعر خرج منه متّجها نحو مِنى وعليه أن يُنْجِزَ في ذلك اليوم في مِنى ثلاثة اُمور على التوالي، وهي: رمي جمرة العقبة، ثمّ ذبح الهدي أو نحره، ثمّ الحلق أو التقصير.

(18) ورمي جمرة العقبة وقته بين طلوع الشمس وغروبها، ويجب أن يكون بسبع حُصَيات على سبيل التتابع، لا دفعةً واحد.

(19) والهَدي عبارة عن الذبيحة التي يجب على الحاجّ بحجّ التمتّع أن يذبحها أو ينحرها بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة.

(20) وعلى الحاجّ الرجل بعد ذلك أن يحلق رأسه إذا كان يحجّ لأول مرّة، وأمّا إذا كان يحجّ للمرة الثانية فهو مخيّر بين الحلق والتقصير. والمرأة عليها التقصير دائماً.

ونريد بالحلق: حلق شعر الرأس بتمامه، ونريد بالتقصير: أخذ شيء من الشعر أو الأظافر.

(21) فإذا أنجز الحاجّ ذلك حلّ له كلّ ما كان قد حرم عليه بسبب إحرامه، سوى الطيب والنساء والصيد، وكان عليه بعد ذلك أن يذهب إلى مكّة ليأتي



(1) الظاهر جواز الإفاضة من المشعر قبيل طلوع الشمس، ولكن لا يتجاوز على الأحوط وادي محسّر حتّى تطلع الشمس.

763

بما يلي:

(22) أولا: طواف الحجّ، وهو كطواف عمرة التمتّع، إلّا أنّه ينوي به طواف الحجّ.

(23) ثانياً: صلاة الطواف، وهي أيضاً كصلاة طواف العمرة.

(24) ثالثاً: السعي بين الصفا والمروة، نظير ما تقدم في العمرة على أن ينوي به سعي الحجّ.

(25) رابعاً: طواف النساء وصلاته، وهو كطواف العمرة والحجّ وصلاتهما تماماً، غير أنّ الحاجّ ـ رجلا كان أو امرأةً ـ ينوي به طواف النساء.

(26) وبطواف الحجّ وصلاته والسعي يحلّ الطيب للحاجّ، وبطواف النساء بعد ذلك تحلّ النساء لأزواجهنّ والرجال لزوجاتهم، ومن أجل ذلك سُمّي بطواف النساء.

(27) وهذه الواجبات إبتداءً من طواف الحجّ وانتهاءً بطواف النساء وركعتيه يرجّح للحاجّ استحباباً أن يؤدّيها في اليوم العاشر أو الحادي عشرة، وله أن يؤخّرها عن هذا الموعد على أن يؤدّيها خلال شهر ذي الحجّة.

(28) وعلى الحاجّ أن يبيت في مِنى في ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، والمبيت يعني التواجد في مِنى إمّا من أول الليل إلى نصفه، أو من منتصفه إلى طلوع الفجر.

ويجب في نهار اليوم الحادي عشر رمي ثلاث جمرات تباعاً، وهي: الاُولى، والوسطى، وجمرة العقبة التي رماها في يوم العيد. وكيفية الرمي كما تقدم في رمي يوم العيد. ونفس الشيء يكرّره في اليوم الثاني عشر.

ويسمح له بالخروج والانصراف بعد حلول ظهر اليوم الثاني عشر، وبذلك يفرغ الحاجّ من كلّ ما عليه من واجبات.

764

هذه صورة موجزة عن حجّ التمتّع ركّزنا فيها على النقاط الأساسية، تاركين التفاصيل وكثيراً من الأحكام اعتماداً على مناسكنا الخاصّة (موجز أحكام الحجّ).

 

[ العمرة والحجّ المفردان ]

 

وما دمنا قد استعرضنا الصورة الموجزة لحجّة التمتّع بعمرتها فينبغي أن نشير أوّلا إلى الفوارق بين عمرة التمتّع والعمرة المفردة؛ لتتّضح صورة العمرة المفردة أيضاً. وثانياً إلى الفوارق بين حجّ التمتّع وحجّ الإفراد؛ لتتّضح صورة حجّة الإفراد.

الفوارق بين العُمرتين:

أمّا الفوارق بين عمرة التمتّع والعمرة المفردة فيمكن تلخيصها في ما يلي:

(29) أولا: أنّ العمرة المفردة تشتمل على طواف آخر حول البيت يسمّى بطواف النساء، ويعتبر آخر أعمال العمرة المفردة، بينما لا يجب في عمرة التمتّع إلّا طواف واحد.

(30) ثانياً: أنّ عمرة التمتّع لا يخرج الإنسان عن الإحرام منها وقيوده الشرعية إلّا بالتقصير، بينما يخرج في العمرة المفردة عن إحرامها بالتقصير أو الحلق.

(31) ثالثاً: أنّ الإحرام لعمرة التمتّع لا يجوز إلّا من أماكن معينة تسمّى المواقيت، كما تقدم، وأمّا العمرة المفردة فيجوز الإحرام لها من أدنى الحِلّ في

765

حالة عدم المرور على تلك المواقيت (1). وأدنى الحِلّ يعني قبيل الدخولإلى منطقة الحرم المحيطة بمكّة، وهي المنطقة التي لا يجوز لحاجٍّ دخولها إلّا محرِماً.

(32) رابعاً: أنّ عمرة التمتّع بوصفها جزءً من حجّ التمتّع لا يمكن إنجازها بصورة مستقلّة عن الحجّ، خلافاً للعمرة المفردة التي تعتبر عملا مستقلاًّ عن الحجّ، ولهذا من أراد أن يعتمر عمرةً مستحبّةً بدون حّج يتحتّم عليه أن يأتي بعمرة مفردة، لا بعمرة التمتّع.

(33) خامساً: أنّ عمرة التمتّع لا تقع إلّا في أشهر الحجّ، وهي: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، وتصحّ العمرة المفردة في جميع الشهور، وأفضلها للعمرة المفردة شهر رجب.

الفوارق بين الحَجّين:

وأمّا الفوارق بين حجّ التمتّع وحجّ الإفراد فتتمثّل في ما يأتي:

(34) أولا: أنّ حجّ التمتّع ترتبط صحّته بوقوع عمرة التمتّع قبله بصورة صحيحة، ولا تتوقّف صحّة حجّ الإفراد على ذلك.

(35) ثانياً: يكون الإحرام لحجّ التمتّع بمكّة، وأمّا الإحرام لحجّ الإفراد فيكون من أحد المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتّع (2)، وقد تقدم ذكرها في


(1) حتّى ولو مرّ على المحاذي لأحدها.
(2) أمّا أهل مكّة فيكفي لإحرامهم للحجّ الإحرام من أدنى الحلّ، وكذلك من كان ساكناً في مكّة ولم تنقلب بعدُ وظيفته إلى الإفراد فيكفي عندئذ لإحرامهم لعمرة التمتّع الخروج إلى أدنى الحلّ.
766

الفقرة (6).

(36) ثالثاً: يجب النحر أو الذبح في حجّ التمتّع، كما مرّ بنا، ولا يعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد.

أجَل، إذا صَحِب المؤدّي لحجّ الإفراد هدياً معه وقت الإحرام؛ بأن أحضر شاةً ـ مثلا ـ وأعدّها ليسوقها معه في حجّه وجب عليه أن يضحّي بذلك الهدي يوم العيد، ويسمّى الحجّ حينئذ بحجّ القِران؛ حيث إنّ الحاجّ يُقرِن معه الهدي.

(37) رابعاً: لا يجوز اختياراً تقديم الطواف والسعي على الوقوف بعرفات والمزدلفة (المشعر) في حجّ التمتّع، ويجوز ذلك في حجّ الإفراد.

 

ماذا يَحرُم عَلى المُحرِم؟

 

(38) ذكرنا سابقاً: أنّ الحاجّ إذا أحرم للعمرة أو للحجّ حرمت عليه أشياء معيّنة، وهي على سبيل الإيجاز كما يلي:

1 ـ صيد الحيوان البرّي.

2 ـ الاستمتاع الجنسي.

3 ـ الطِيب والرَياحيِن.

4 ـ الزينة.

5 ـ النظر في المرآة.

6 ـ الاكتحال.

7 ـ إخراج الدم من البدن.

8 ـ الفسوق: (الكذب والسبّ).

9 ـ الجِدال.

767

10 ـ قتل هوامّ الجسد: (القمل والبراغيث ونحوها).

11 ـ التدهّن.

12 ـ إزالة الشعر عن البدن.

13 ـ تقليم الأظافر.

14 ـ الارتماس: (غمس الرأس بكامله في الماء).

15 ـ حمل السلاح.

16 ـ قلع شجر الحرم ونبته.

17 ـ لبس الثياب الاعتيادية، وهذا يحرم على الرجال خاصّة.

18 ـ لبس الحذاء الذي يستر تمام ظهر القدم أو الجورَب، وهذا يحرم على الرجال خاصّة.

19 ـ ستر الرأس، وهو محرّم على الرجال خاصّة.

20 ـ التظليل بظلٍّ يتحرّك بحركة المحرِم.

ومثاله: ركوب المحرِم باخرةً أو طائرةً أو سيّارةً غير مكشوفة فتسير به بحراً أو جوّاً أو برّاً. ومثله أيضاً أن يسير المحرم وهو يحمل بيده مظلّةً يستظلّ بها حال سيره، وهذا محرّم على الرجال خاصّة، ولا يحرم عليهم الجلوس في خيمة أو في سيارة وهي واقفة.

21 ـ ستر الوجه، وهذا محرّم على النساء خاصّة.

22 ـ لبس القُفّازَين(1)، وهذا محرّم على النساء خاصّة.

وتفصيل الحديث عن هذه المحرّمات وحدودها وبعض استثناءاتها موكول إلى مناسكنا (موجز أحكام الحجّ).



(1) القُفّاز: لباس الكفّ، وتسمّيه العامّة « الكفوف ». المنجد في اللغة.

768

متى يجب الحج؟

 

(39) يجب الحجّ على: البالغ، العاقل، الحرّ، المستطيع.

والاستطاعة تتكوّن من العناصر التالية:

أولا: الإمكانية المالية لنفقات سفر الحجّ ذهاباً وإياباً لمن يريد الرجوع إلى بلده، وذهاباً لمن لايريد الرجوع.

ثانياً: الأمن والسلامة على نفسه وماله وعرضه في الطريق، وعند ممارسة أعمال الحجّ.

ثالثاً: تمكّنه بعد الإنفاق على سفر الحجّ من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج بسبب الحج وما أنفقه عليه.

رابعاً: أن لا يكون ملزماً شرعاً منذ بداية حصول المال لديه بصرفه في واجب أهمّ، كدين حانَ وقت وفائه والدائن يطالِب به.

(40) ويعوّض عن الإمكانية المالية للشخص أن يبذل له آخر القيام بنفقات حجّه، فيجب عليه الحجّ حينئذ، سواء أكان مديناً أم لا ما دامت استجابته لبذل الباذل لا أثر لها بشأن وفاء الدين.

 

الاستنابة في الحجّ

 

تجب الاستنابة في الحجّ ـ بمعنى إرسال شخص آخر للحجّ عنه ـ في حالتين:

(41) الاُولى: إذا كان الإنسان موسراً ولم يُتَح له أن يحجّ لمرض أو أيّ

769

عائق آخر، أو اُتيح له ذلك ولكنّه تسامح ولم يحجّ حتّى ضعف عن الحجّ وعجز عنه لسبب من الأسباب فعليه إذا انقطع أمله في التمكّن من القيام المباشر بالحجّ أن يستنيب شخصاً يحجّ عنه، والأجدر به استحباباً أن يختار شخصاً لم يحجّ من قبل لينوب عنه (1).

(42) الثانية: إذا وجب الحجّ على المكلّف بسبب الاستطاعة ولم يحجّ إلى أن تُوُفّيَ وجب الإنفاق من تركته لتهيئة من يحجّ عنه، وتسدّد نفقات هذا الحجّ من تركة الميّت على الوجه التالي:

(43) (أ) إذا لم يكن الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه اُخرجت النفقات من التركة، ولكن في هذه الحالة لا حقّ للميّت إلّا في نفقات حجّة ميقاتية (2).

والحجّة الميقاتية هي: الحجّة التي لا تكلف النائب السفر إلّا من الميقات الذي يجب الإحرام منه، ونفقاتها أقلّ من الحجّة البلدية التي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه.

فإذا أمكن وجدان شخص يسكن في الميقات، أو على مقربة منه واستئجاره للحجّ نيابةً عن الميّت أجزأ ذلك.

وفي كلّ حالة نقول فيها: إنّ نفقات الحجّ تخرج من التركة نعني بذلك: أنّ هذا الميّت لو كان قد أوصى بثلثه ليصرف في وجوه البّر ـ مثلا ـ فالواجب أوّلا إخراج نفقات الحجّ من التركة ككلٍّ، ثمّ تقسيم الباقي إلى ثلاثة أقسام وتخصيص قسم منها للميّت وفقاً للوصية.

(44) (ب) إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه(3) من تركته وجب


(1) ولا يترك هذا الاحتياط فيما إذا كان ذلك الإنسان الموسر رجلاً.
(2) إلّا أن لا توجد حجّة ميقاتيّة، كما يفهم هذا الاستثناء من المتن الذي يأتي في البند (48).
(3) يعني حجّة الإسلام.
770

الإنفاق من التركة على حجّة بلدية عنه، ولكن إذا خالف الوصي أو الوارث ودفع عن الميّت حجّةً ميقاتيةً من أجل أنّها أرخص برأت بذلك ذمّة الميّت، ولا تجب إعادة الحجّ.

(45) (ج) إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه(1) وأوصى أيضاً بإخراج ثلث التركة لأغراض اُخرى فوصيته نافذة، ويجب الإنفاق من التركة على حجّة بلدية عنه، ثمّ إخراج ثلث الباقي من التركة تنفيذاً للوصية.

(46) (د) إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه(2) وأن تؤدّي عنه اُمور اُخرى: من صلاة وصيام، أو وجوه البرّ والخير على أن يسدّد ذلك كله من الثلث: فإن اتّسع الثلث لذلك كلّه فهو المطلوب، وإن لم يتّسع إلّا لنصف النفقة التي تتطلّبها كلّ تلك الاُمور الموصى بها اُخرج نصف نفقة الحجّ من الثلث، واُخرج النصف الآخر من باقي التركة.

(47) وإذا علم الوارث بأنّ مورّثه كان مستطيعاً وقد وجب عليه الحجّ ولم يعلم بأنّه هل حجّ أم لا؟ وجب عليه أن يتنازل عن مقدار من التركة بالقدر الذي يفي بحجّة ميقاتية عنه على الأقلّ، فيحجّ عنه من تركته.

(48) ومن مات وعليه حجّة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستئجار عنه في سنة موته، ولا يجوز تأجيل ذلك إلى سنة اُخرى. ولا يبرّر التأجيل أن لا يجد الوارث أو الوصي في تلك السنة من يقبل باُجور الحجّة الميقاتية، إذ يتعيّن عليه في هذه الحالة دفع اُجور الحجّة البلدية من تركة الميّت.

وكذلك إذا اقترح الأجير اُجرةً أكبر ممّا هو مقرّر عادةً للنيابة في الحجّ ولم يوجد من يقبل بأقلّ من ذلك فإنّ الواجب تلبية اقتراحه، ولا يسوغ التأجيل


(1) يعني حجّة الإسلام.
(2) يعني حجّة الإسلام.
771

إلى سنة اُخرى.

(49) قد يموت الشخص ويترك مالا قد تعلّق به الخمس ولم يؤدّه، كما أنّه لم يحجّ حَجّة الإسلام في نفس الوقت فيجب إخراج الخمس والإنفاق على الحجّ من الباقي، فإن لم يتّسع الباقي للحجّ سقط واكتفى بإخراج الخمس المتعلق بذلك المال.

وإذا كان هذا الشخص قد أوصى بأن يحجّ عنه حَجّة الإسلام من ماله على الرغم من أنّ ماله متعلّق للخمس فعلى الوصي أن يدفع الخمس أولا، ثم ينفق على الحجّ من الباقي، ولا يجوز له أن ينفق على الحجّ من المال الذي لا يزال الخمس ثابتاً فيه.

(50) وإذا كانت التركة بمجموعها لا تتّسع للحدّ الأدنى من نفقات الحجّ سقط الحجّ، وكانت التركة للورثة ما لم يوجد دين أو وصية، ولا يجب على الورثة تكميل النفقة من مالهم الخاص، كما لا يجب عليهم بذل النفقة للحجّ إذا لم يكن للمّيت تركة إطلاقاً، سواء أوصى بأن يحجّ عنه أو لم يوصِ بذلك.

(51) إذا وجبت حَجّة الإسلام على شخص فمات قبل أن يحجّ ولم يوصِ بالحجّ عنه، وتبرّع متبرّع بالحجّ نيابةً عنه دون أن يأخذ من التركة شيئاً فالتركة للورثة، ولا يجب عليهم أن يستثنوا مقدار نفقات الحجّ منها لمصلحة الميّت.

وفي نفس الفرض إذا كان الميّت قد أوصى بإخراج حَجّة الإسلام من ثلثه وتبرّع المتبرِّع بالحجّ عنه لم يجز للورثة إهمال الوصية رأساً، بل وجب صرف مقدار نفقات الحجّ من الثلث في وجوه الخير والإحسان (1).



(1) الظاهر رجوع المال إلى الورثة.

772

(52) وقد تسأل: هل يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل الاستئجار للحجّ إذا كان المورث قد وجبت عليه حجّة الإسلام ولم يؤدّها إلى أن مات ؟

والجواب: إذا كانت التركة واسعةً على نحو لا يخشى عليها عادةً والتزم الوارث بتهيئة الحجّة النيابية المطلوبة جاز له التصرّف في التركة.

(53) وقد تسأل عن الحكم: إذا اختلف الورثة فأقرّ بعضهم بأنّ على الميّت حَجّة الإسلام وأنكر الآخرون أو تمرّدوا فماذا يصنع ذلك الوارث المقرّ المتحرّج في دينه ؟

والجواب: أنّ هذا ليس عليه أن يسدّد كلّ نفقات الحجّ من نصيبه الخاصّ به، فإذا كانت نفقة الحجّ بقدر ربع التركة فليس عليه إلّا أن يبذل ربع ما عنده من أجل الحجّ، فإن اتّفق وجود متبرّع بسائر النفقة أدّى إليه ربع ما عنده، وإلّا تصرّف في كامل حصّته ولا شيء عليه (1).

(54) وإذا وجب الاستئجار لحَجّة الإسلام عن الميّت ـ وفقاً لما تقدم في الفقرة (42) ـ وأهمل من كانت التركة في حيازته حتى تلف المال كان ضامناً، وعليه الإنفاق من ماله على الاستئجار للحجّ عن الميّت.

وإذا تلف المال المذكور في حيازة الوصيّ بدون تفريط وإهمال فلا يضمن، ووجب الإنفاق على الاستئجار للحجّ عن الميّت من باقي التركة.

(55) وإذا أوصى الميّت بالحجّ عنه حَجّة الإسلام، وبعد مدّة مات الوصي ولم يعلم الورثة أنّه هل نفّذَ الوصية أم لا ؟ فيجب إخراج المال الكافي للحجّ من التركة، ولا يسوغ الاعتماد على احتمال التنفيذ.



(1) بل عليه أن يصرف المقدار المتعلق بحصّته على الميّت في سبيل الخير.

773

(56) وإذا كان الشخص قد حجّ حَجّة الإسلام وأوصى بأن يحجّ عنه حَجّة اُخرى اعتبرت نفقات ذلك من الثلث.

وإذا أوصى بحَجّة ولم يعلم هل أنّها حَجّة الإسلام أم غيرها ؟ اعتبرت نفقاتها من الثلث (1).

(57) وإذا أوصى بأن يحجّ عنه حَجّة الإسلام وعيّن مقداراً معيّناً من المال لينفق على ذلك: فإن كان هذا المال أكثر من الاُجرة الاعتيادية التي يتطلّبها الحجّ عن الميّت اُخرج مقدار الاُجرة الاعتيادية من التركة رأساً، واعتبر الزائد منه عن الاُجرة الاعتيادية من ثلث الباقي. وإذا لم يزد على الاُجرة الاعتيادية فيخرج من التركة رأساً.

(58) وإذا كانت الاُجرة الاعتيادية على درجات تبعاً لنوعية الأجير ووجب إخراجها من تركة الميّت، جاز الأخذ بأعلى تلك الدرجات، كما يجوز الأخذ بأدناها.

(59) وإذا كان لدى شخص أو في ذمّته مال لشخص آخر، ومات صاحب المال بعد أن استقرّت في عهدته حجّة الإسلام، واحتمل الشخص الذي في حيازته أو في ذمّته المال أنّه إذا أدّى إلى الورثة أكلوه ولم ينفقوا منه على الحجّ عن الميّت، كان عليه أن ينفق من ذلك المال للحجّ عن الميّت، فإن زاد المال عن اُجرة الحجّ ردّ الزائد إلى الورثة. ولا فرق في طريقة الإنفاق بين أن يستأجر شخصاً للحجّ عن الميّت، أو يحجّ بنفسه نائباً عنه.



(1) لا إشكال في ذلك عندما يكون الشك في وجوب الحجّ على الميّت، أمّا لو علم بوجوبه عليه وشك في أدائه إيّاه فالظاهر هو البناء على عدم أدائه إيّاه فيخرج من الأصل.