344

وجاء بعد ذلك دور النظرية الحديثة في الفقه الفرنسي عن السبب وهي تتلخص في رفض النظرية التقليدية للسبب مع قبول أصل نظرية السبب في صياغة جديدة ويقال: إنّ الفقه الفرنسي كان متأخراً في هذه المسألة عن القضاء الفرنسي ذلك أنّ القضاء باعتباره كان يواجه الحياة العملية أدرك ضيق النظرية التقليدية وعقمها فلم يرض به وسار في طريق غير طريق الفقه التقليدي وتوسع في تحديد السبب فجعله هو الباعث الدافع إلى التعاقد، وقد عاد القضاء بذلك ـ عن غير قصد ـ إلى نظرية السبب عند الكنسيين لأنّها هي النظرية التي تنتج في العمل. وما لبث الفقه الحديث أن انضمّ إلى القضاء في نظريته الجديدة إذ أدرك مدى ما فيها من خصوبة ومرونة.

 

النظريّة الحديثة في السبب:

وهنا نستعرض موقف النظريّة الحديثة في السبب في مرحلتين: أوّلا رفضها للنظرية التقليدية في السبب، وثانياً قبولها لنظرية السبب في صياغة جديدة:

أمّا رفض النظرية التقليدية للسبب فيقال: إنّ فيها عيباً جوهرياً وهو عقمها وعدم اضافتها شيئاً إلى الثروة القانونيّة فكل من الشروط الثلاثة الماضية وهي وجود السبب القصدي وصحته ومشروعيته يمكن الاستغناء عنه بسهولة:

أمّا وجود السبب فقد قالوا: إنّ السبب إذا لم يكن موجوداً فانّ الالتزام لا يقوم، فإذا اُكره شخص على إمضاء سند لسبب لا وجود له كقرض لم يتم فانّ العقد يكون باطلا لا للإكراه فأنّ الإكراه لا يبطل العقد وإنّما يجعله قابلا للإبطال بل لفقدان السبب وإذا أمضى شخص سند مجاملة لدائن صوري كان العقد باطلا لفقدان السبب أيضاً كما مضى شرحه.

345

والجواب: أنّه في المثال الثاني تغنينا قواعد الصوريّة عن نظرية السبب فالسند صوري والدين لا وجود له فيما بين الطرفين ولم يقم عقد حقيقي في المقام كي نحتاج في إبطاله إلى نظرية السبب. أمّا بالنسبة إلى الغير (حامل السند) فيؤخذ باعتماده على العقد الظاهر وأمّا فيما ذكر من مثال الإكراه فأيضاً من السهل أن نصل إلى النتيجة ذاتها وهي البطلان عن غير طريق نظرية السبب لانّنا إذا اعتبرنا السند تصرفا صادراً عن إرادة منفردة فهو التزام بدفع مبلغ واجب بعقد القرض، ولما كان هذا المبلغ لا وجود له فمحل الالتزام معدوم فيسقط الالتزام بفقدان المحل لا بفقدان السبب، وإذا اعتبرنا السند هو عقد القرض ذاته فالتزام المقترض يكون متقابلا لالتزام المقرض ولا بد من أن يتسلم المقترض مبلغ القرض حتى يلتزم بردّه ومن دون تسلّمه إياه يسقط التزامه إمّا لأنّ القرض عقد عيني لم يتم بالتسليم وإمّا لأنّ القرض عقد رضائي (وفقاً للتقنين الجديد) لم يقم فيه المقرض بتنفيذ التزامه وهما التزامان متقابلان ومترابطان يسقط أحدهما عند عدم تنفيذ الآخر.

وبشكل عام نقول: إنّ الالتزام في العقد الملزم للجانبين سببه حسب النظرية التقليدية هو الالتزام المقابل، ولكن ما أيسر علينا أن نستبدل بفكرة السبب هذه فكرة الارتباط التي قال بها بلانيول فنفس التقابل بين الالتزامين يوجب سقوط أحدهما بسقوط الآخر أو عدم تنفيذه بلا حاجة إلى نظرية السبب، بل لعلَّ فكرة الارتباط والتقابل من الناحية الفنيّة أدق من فكرة السبب ذلك أنّ انعدام السبب جزاؤه البطلان كما هو معروف فإذا انعدم السبب عند تكوين العقد أو بعده كان من الواجب أن يكون الجزاء واحداً في الحالتين ولكننا نرى أنّ العقد يبطل في الحالة الاُولى ويفسخ في الحالة الثانية وفي هذا التفريق عيب فنّي

346

واضح. أمّا فكرة الارتباط والتقابل فأكثر مرونة من فكرة السبب وهي تسمح بأن نقول بالبطلان إذا انعدم أحد الالتزامين المتقابلين عند تكوين العقد إذ منطق الارتباط يقتضي عندئذ البطلان وتسمح في نفس الوقت بان نقول بالفسخ إذا انقطع أحد الالتزامين المتقابلين بعد أن وجد(1).

 


(1) التفريق بين فكرة السبب وفكرة الارتباط يكون بحاجة إلى بيان أعمق وأكثر فنيّة من هذا المقدار من البيان وذلك بتوضيح نقطتين أوّلا توضيح إنّ فكرة السبب غير فكرة الارتباط وليس الفرق في التعبير فقط، وثانياً توضيح أنّه لماذا يجب أن يكون الجزاء في نظرية السبب عند فقدان الالتزام المقابل وقت التكوين وبعده واحداً ولكن فكرة الارتباط تسمح باختلاف الجزاء في الحالتين؟

أمّا النقطة الاُولى ـ فبالإمكان أن يقال: انّ فكرة السبب تستبطن مفهوم الداعوية بينما فكرة الارتباط لا تستبطن أكثر من التقابل بين الالتزامين وربط أحدهما بالآخر، وعلاقة الارتباط أخفّ من علاقة الداعوية ولذا يمكن أن يفترض في مورد مّا عدم تحقق الداعوية المنحصرة رغم تحقق الارتباط كما لو فرضنا أنّ البائع كان مصمّماً على أن يلتزم بدفع العين إلى صاحبه ولو مجّاناً ومن دون ثمن لأنّ وجود العين عنده يكون ضارّاً بحاله أو لأنّه يحبْ أن يتمتع صاحبه بهذه العين حتى لو لم يلتزم بدفع الثمن إليه أو لأي سبب آخر، ولكن بما أنّ البيع كان أنفع له من الهبة والتبرع لأنّه يحقّق له هدف دفع العين إلى صاحبه زائداً الحصول على قيمة العين اختار البيع فقد أصبح التزام المشتري بدفع الثمن مقابلا لالتزام البايع بدفع العين ومرتبطاً به من دون أن يكون سبباً وداعياً إليه بشكل منحصر، وهذا بنفسه يبرهن حسنة لفكرة الارتباط تمتاز بها عن فكرة السبب لأنّها أوسع وأشمل بخلاف فكرة السبب التي لا تصدق في جميع موارد العقد الملزم للطرفين إذ في المثال الذي ذكرناه يوجد داع آخر مستقل لالتزام البايع بالثمن فإذا انفقد التزام المشتري الذي هو في أحسن الأحوال ليس إلّا داعياً غير منحصر وقد لا يكون إلّا جزء الداعي في مقابل داع آخر مستقل فليس المفروض أن يكون

347

أمّا في العقود العينية فقد قالت النظرية التقليدية بأنّ العقد العيني سببه التسليم فإذ لم يتم التسليم لم يتمّ الالتزام لانعدام سببه. ولكن من السهل القول بانّ الالتزام لا يقوم لا لانعدام السبب بل لعدم انعقاد العقد العيني لانّ معنى عينية العقد كون قوامه بالتسليم.

 


زواله سبباً لبطلان التزام البايع المشتمل على داع آخر وهذا بخلاف ما لو لاحظنا فكرة الارتباط فانّها تشمل حتى مثل هذا المثال.

وأمّا النقطة الثانية ـ فبالإمكان أن يقال: إنّ السرّ في التفريق بين فكرة السبب وفكرة الارتباط بدعوى ضرورة وحدة الجزاء في فكرة السبب حدوثاً وبقاء وعدم ضرورتها في فكرة الارتباط هو أنّ سببية أحد الالتزامين للآخر بمعنى داعويته له يجب أن ترجع بروحها إلى سببية تنفيذ أحد الالتزامين للالتزام الآخر، إذ أي قيمة للالتزام الذي لا ينفّذ في الدعوة إلى الالتزام الآخر؟ ولعله لهذا انقدح في ذهن كاپيتان تبديل سببية الالتزام بسببية التنفيذ كما مضى، وإذا كان التنفيذ هو الداعي للالتزام ففقده في موطنه يستوجب جزاءً واحداً من دون فرق بين فرض معرفتنا بانفقاده من أوّل الأمر أو انكشاف انفقاده في وقت متأخر، أمّا الارتباط والتقابل المفهوم من العقد فليس بين أحد الالتزامين وتنفيذ الالتزام الآخر أو بقائه، بل هو ارتباط بين الالتزامين بوجودهما الحدوثي المقوّم للعقد، فإذا فقد أحدهما حدوثاً بطل الآخر لانّهما مترابطان أما فقده بقاء أو فقد التنفيذ فهو ليس فقداً لأحد الأمرين المترابطين في العقد فلا ينبغي أن يكون جزاؤه بطلان العقد، ولكن بما أنّ الالتزامين كانا مترابطين ومتقابلين فعدم تنفيذ أحدهما أو عدم بقائه يؤدّي إلى حق عدم تنفيذ الآخر أو حق الفسخ، والخلاصة أنّه بناء على نظرية السبب يكون فقد الالتزام حدوثاً وبقاء فقداً للسبب ولذا يجب أن يتحد الجزاءان وبناء على نظرية الارتباط يكون فقد الالتزام حدوثاً فقداً لأحد الأمرين المرتبطين بينما فقده بقاءً يعني فقد تنفيذ أحد الأمرين المرتبطين لا فقد نفس الأمر المرتبط فمن المعقول اختلافهما في الجزاء.

348

وأمّا في التبرعات فقد قالت النظرية التقليدية: إنّ السبب في التبرعات هو نيّة التبرع فإذا لم تكن هذه النيّة موجودة لم يقم التزام المتبرع لانعدام السبب. ولكن الواقع ان الرضا بالتبرع لا ينفك عن نيّة التبرع فإذا انعدمت نيّة التبرع بطلت الهبة بفقدان الرضا بها لا بفقدان السبب(1).

هذا كله بلحاظ الشرط الأوّل وهو شرط وجود السبب. وأمّا صحة السبب وهي الشرط الثاني فالسبب غيرالصحيح كمارأينا إما سبب موهوم أو سبب صوري.

أمّا في السبب الموهوم فدائماً يمكن الاستغناء عن نظرية السبب بنظرية المحل لأنّ العاقد قد توهّم وجود المحل وهو غير موجود فالشخص غير الوارث الذي تخارج مع وارث يتعامل في حق معدوم، وهذا حال دائن التركة الذي يحصل على إقرار بالدين بعد أن استوفاه، وحال الموصى له الذي يتعامل في الموصى به إذا كانت الوصية باطلة أو كان الموصي قد عدل عنها، وحال الدائن الذي يجدّد ديناً قديماً بعد أن يستوفيه.

وأمّا السبب الظاهر الصوري فقد رأينا أنه لا يُبطل العقد إلّا إذا كان يخفي سبباً موهوماً أو سبباً غير مشروع، وقد فرغنا عن السبب الموهوم وننتقل الآن إلى السبب غير المشروع.

وأمّا مشروعية السبب وهي الشرط الثالث فمن السهل أن نستغني عن


(1) وأمّا ما مضى عن كاپيتان من الجواب على ذلك بأنّ نيّة التبرع غير الرضا فقد يرضى أحد بالالتزام من دون نيّة التبرع فجوابه: أنّ التبرع صنف من العقد غير عقود الالتزام التي ليست تبرعية فلو أمضى سنداً بدين في ذمته لآخر بدافع ردّ القرض مثلا ثم تبيّن عدم وجود الدين كان عقد التبرع باطلا بفقدان الرضا به والالتزام بأداء الدين باطلا بفقدان المحل أو بفقدان الالتزام المتقابل له.

349

السبب المشروع في العقود الملزمة للجانبين بفكرة الارتباط التي مضت فمن يتعهّد بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود لا يقوم التزامه لعدم مشروعية المحل وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام غير مشروع ومن يتعهّد بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود لا يقوم التزامه لاستحالة المحل إذْ هو لا يستطيع انشاء التزام قد وجد بحكم القانون قبل هذا الانشاء، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام مستحيل.

وأمّا في العقود العينية والتبرعات فانّ اشتراط مشروعية السبب غير مفهوم، فالسبب في العقود العينية هو التسليم ولا يتصور ان يكون التسليم غير مشروع إلّا إذا وقع على محل غير مشروع وعند ذلك لا ينعقد العقد لعدم مشروعية المحل لا لعدم مشروعية السبب، والسبب في التبرعات هو نيّة التبرع وكيف يتصور أن تكون نيّة التبرع في ذاتها غير مشروعة؟ إنّ وجه الاستحالة في ذلك هو الذي يفسّر إنّ بعض أنصار النظرية التقليديّة ومنهم كاپيتان يجنحون إلى اعتبار السبب في التبرعات هو الباعث الدافع إلى التبرع، بل إنّ القانون الروماني ذاته يعتد بالباعث في الوصايا وبعض الهبات.

وأمّا الصياغة الجديدة لنظرية السبب التي مشى عليها أوّلا القضاء الفرنسي ثم صيغت فقهياً في الفقه الفرنسي فهي تفسير السبب بالباعث الدافع للملتزم في أن يلتزم، فيشترط في هذا الباعث أن يكون مشروعاً لا يحرّمه القانون ولا يتنافى مع النظام العام ولا مع الآداب وهذا رجوع إلى نظرية الفقهاء الكنسيين في السبب. ولا يجوز بداهة أن يعتد بالباعث الذي دفع أحد المتعاقدين إلى التعاقد إذا كان هذا الباعث مجهولا للمتعاقد الآخر، وإلّا استطاع أي متعاقد أن يتخلص من

350

التزاماته بدعوى أنّ الباعث له على التعاقد ـ وهو أمر مستكن في خفايا الضمير ـ من شأنه أن يجعل العقد باطلا، فلا بدّ إذن من صلة وثيقة تربط كلا من المتعاقدين بالباعث فما هو الضابط في ذلك؟ أيكفي أن يكون الباعث معلوماً من الطرف الآخر؟ أو يجب أن يكون متفقاً عليه في العقد بين المتعاقدين كما مضى عن كاپيتان؟ أو يصح التوسط بين هذين الحدين فيشترط أن يكون ذات الباعث باعثاً للطرف الآخر أيضاً وإنْ لم يكن بينهما توافق عقدي على ذلك؟ وليسمّ هذا بكون الطرف الآخر مساهماً في الباعث.

إنّ أنصار النظرية الحديثة لا يشترطون وجوب الاتفاق العقدي على الباعث فيما بين المتعاقدين بل هم منقسمون بين مرتبة العلم ومرتبة المساهمة(1). والقضاء الفرنسي يكتفي بمرتبة العلم ويعتد بالباعث الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد ما دام المتعاقد الآخر يعلم أو يستطيع أن يعلم بهذا الباعث.

أمّا الفقه الفرنسي فيميّز بين المعاوضات والتبرعات فيتطلب في الاُولى مرتبة أعلى ولكن الفقهاء يختلفون في تحديد هذه المرتبة.

فيذهب (چوسران) إلى أنّه يكفي أن يكون الباعث في المعاوضات معلوماً من المتعاقد الآخر حتى يكون في هذا وقاية للتعامل من أن يتزعزع. أمّا في التبرعات فانّ الإرادة التي نقف عندها هي إرادة المتبرع وحده فهي الإرادة التي


(1) وبالامكان القول في ما إذا وصل الأمر إلى مستوى الاتفاق العقدي على الباعث: بأنّ الأمر رجع مرّة اُخرى إلى عدم مشروعية المحلّ فتلغو نظرية السبب من أساسها إذا كان الاتفاق العقدي على مستوى الشرط وتصورنا الشرط بنحو لا يرجع إلى القيد في متعلق العقد وفي نفس الوقت التزمنا بتسرّب الفساد من الشرط إلى العقد الأصلي.

351

تسيطر على التصرف سواء في ذلك أن يتم التبرع بتقابل إرادتين كالهبة أو بإرادة واحدة كالوصية، وهو لذلك يعتد بالباعث الذي دفع ا لمتبرع إلى تبرعه سواء كان معلوماً للطرف الآخر أو مجهولا لديه.

ويذهب (بواجيزان) إلى وجوب الوصول إلى مرتبة المساهمة في المعاوضات والاكتفاء بمرتبة العلم في التبرعات ذلك أنّ المعاوضات تختلف عن التبرعات في أنّ الاُولى بذل فيها كل من المتعاوضين شيئاً من عنده، فإرادة كل منهما تقوم بدور أساسي في تكوين العقد ومن ثمّ وجب أن تساهم كل إرادة من هاتين الإرادتين في الباعث الذي دفع إلى التعاقد مساهمة إيجابية، وان تتعاون الإرادتان معاً في تحقيق الفرض غير المشروع، أمّا في التبرعات فإرادة المتبرع وحدها هي الأساسية، إذ المتبرع وحده هو الذي بذل ومن ثم جاز الاقتصار على هذه المرتبة السلبية، وهي مرتبة العلم فهي كافية لاستقرار التعامل.

قال السنهوري(1): وإذا كان الذي يعنينا في انضباط معيار الباعث هو استقرار التعامل فالقضاء الفرنسي على حق فيما ذهب إليه من الاكتفاء بمرتبة العلم سواء كان التصرف تبرعاً أو معاوضة.

وجاء بعد ذلك دور نظرية السبب في التقنين المدني المصريّ الجديد فاعتنق التقنين المصري الجديد نفس النظرية الحديثة الفرنسية من تفسير السبب بالباعث الدافع إلى التعاقد مشترطاً أن يكون السبب معلوماً من المتعاقد الآخر، فإذا كان الباعث الذي دفع أحد المتعاقدين إلى التعاقد غير مشروع ولم يكن المتعاقد الآخر يعلم بهذا الباعث وليس في استطاعته أن يعلم به فعدم المشروعية


(1) في الوسيط 1: 501، آخر الفقرة 283.

352

هنا لا يعتد به ويكون العقد صحيحاً(1).

وهذه النظرية الحديثة التي أخذ بها القانون الجديد المصري سبقه إليها الفقه والقضاء في مصر.

وقد خطا التقنين الجديد المصري خطوة اُخرى تخلّف عنها الفقه المصري وتلك الخطوة هي أنّه لا يوجد في التقنين الجديد للسبب إلّا شرط واحد وهو أن يكون مشروعاً ولم يشترط فيه أن يكون السبب صحيحاً وسبقه إلى ذلك القضاء المصري فتراه يكاد يقتصر على السبب غير المشروع في إبطال العقد وقلَّ أنْ تجد تطبيقاً قضائياً لما يدعى بالسبب غير الصحيح.

والاقتصار على شرط المشروعية مع حذف شرط الصحة أمر طبيعي بعد أنْ فسّر السبب بالباعث لا بالغرض المباشر المقصود في العقد وذلك لأمرين:

الأوّل ـ أنّ الغلط في الباعث يعود إلى نقص في الرضا الذي هو ركن آخر من أركان العقد فلا داعي لإدراجه في بحث السبب ويصبح بالإمكان حصر الهدف من نظرية السبب في حماية المصلحة العامة للمجتمع وهي المشروعية دون


(1) قال هنا السنهوري في الوسيط 1: 516، في آخر الفقرة 289: إنّ العقد هنا يقوم لا على الإرادة الحقيقية فهي غير مشروعة ولكن على الإرإدة الظاهرة.

أقول: إنّ هذا لا ينحصر تفسيره بالأخذ بالإرادة الظاهرة بل يمكن القول بانّ المقياس هو الإرادة الباطنة إلّا أنَّ عدم مشروعيتها لا يبطل العقد ما لم يعلم بذلك المتعاقد الآخر ولم يكن المفروض به أن يعلم والاختلاف بين مذهب الإرادة الظاهرة ومذهب الإرادة الباطنة هنا بعد اشتراط علم المتعاقد الآخر في البطلان يكون صورياً بحتاً وإنما مقصودنا من هذا الكلام: انّ الذي يقول: لا بدّ من الاعتداد بالإرادة الباطنة لأنّها هي الإرادة الحقيقية لا يكون كلامه هذا منافياً لشرط العلم في المقام.

353

حماية مصلحة العاقد التي يقوم بها ركن آخر وهو الرضا كما أنّ السبب لو فُسّر بمعناه القديم وهو الغرض المباشر للعقد فأيضاً يكون الغلط فيه راجعاً إلى انعدام الرضا أو انعدام المحلّ.

والثاني ـ إنّ نظرية السبب تذكر لإثبات بطلان العقد والبطلان إنّما يناسب فرض عدم مشروعية السبب لا فرض الغلط في السبب بعد أنْ كان السبب عبارة عن الباعث فالبطلان لئن كان يناسب كونه جزاء للغلط في السبب بمعناه القديم وهو الغرض المباشر في العقد لشدّة لصوقه بالعقد فهو لا يناسب السبب بمعنى الباعث الخارج عن العقد فان أثّر أثراً فانّما يؤثر في قابلية العقد للإبطال لا في البطلان. إذن فالشرط الوحيد في السبب ينبغي أن يكون هو شرط المشروعية كما كان عليه الفقهاء الكنسيون في بادئ الأمر دون شرط الصحة وقد مضى في ما سبق عن النظرية القديمة للسبب إنّ صحة العقد مشروطة بشروط ثلاثة: وجود السبب، وصحته، ومشروعيته. وقد استغنينا الآن عن شرط الصحة وفصلنا بين منطقة الغلط ومنطقة السبب. وأمّا شرط الوجود فأيضاً لا محل له بعد تفسير السبب بالباعث لعدم إمكان تصوير وجود إرادة من غير باعث كي نحتاج إلى شرط وجوده فلا تبقى من الشروط الثلاثة عدا شرط المشروعية، ومن هنا يبدو ضعف في صياغة القانون المصري الجديد المادة 136 حيث تقول: (إذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا) فكلمة (إذا لم يكن للالتزام سبب) كأنّها تشير إلى شرط الوجود وقد عرفت انّه لا محل له.

وقد قال السنهوري: «إنّ هناك مأخذين على التقنين الجديد تجمّعا في العبارة التي صدّرت بها المادة 136 فقد جاء في صدر هذه المادة (إذا لم يكن للالتزام سبب) فالسبب نسب إلى الالتزام وكان الاولى أن ينسب إلى العقد إذْ هو

354

متلازم مع الإرادة كما رأينا ثم افترض النص احتمال أن يكون هناك التزام دونسبب وهذا الاحتمال لا يتصور فما دمنا نجعل السبب هو الباعث فكل إرادة لا بدّ أن يكون لها باعث إلّا إذا صدرت من غير ذي تمييز»(1).

وأمّا القوانين الچرمانية فهي لا تقيم عادة وزناً للسبب بمعنى الباعث إلّا إذا اُخذ في متن العقد، وأخذه في متن العقد يعني رجوعه إلى المحل(2). ومن هنا لا ترى في القوانين الچرمانيّة أثراً من نظرية السبب بمعنى الباعث وهذا المنحى يناسب إيمانهم بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة، نعم لديهم فكرة عن السبب بمعناه الأوّل عن الغرض المباشر يُميّزون على اساسه بين التصرف المسبب والتصرف المجرد وبإمكانك أنْ ترى شرح الكلام حول التصرف المسبب والتصرف المجرد في كتاب الوسيط(3).

وعلى أيّة حال فقد خَلُصَ من هذا البحث أن نظرية السبب بمعناه القديم يُغني عنها البحث عن سائر أركان العقد ولم يبق شيء معقول من نظرية السبب عدا البحث عن السبب بمعنى الباعث وعن شرط المشروعية فحسب.

 

نظرية السبب في ضوء الفقه الإسلامي

ومن هنا تبدو قيمة الفقه الإسلامي الذي لم يركّز الكلام من أوّل الأمر إلّا على هذا المعنى الأخير وهو الباعث أو الغاية من العقد بلحاظ المشروعية وعدمها


(1) في الوسيط 1: 526، الفقرة 294.

(2) إلّا إذا أخذ على نحو الشرط وتصورنا عدم رجوع الشرط إلى القيد وفي نفس الوقت التزمنا بسريان فساده إلى العقد الأصلي.

(3) الوسيط 1: 463 ـ 470، الفقرة 285 ـ 287.

355

وذلك تحت عنوان ان حرمة الغاية في العقد أو البيع هل توجب حرمة أو بطلان ذلك أو لا؟ وأنّ بيع العنب ممّن يصنعه خمراً أو الخشب ممّن يصنعه صنماً أو صليباً أو السلاح ممّن يحارب به الإسلام والمسلمين أو نحو ذلك جائز أو لا؟ وهذا التطواف الطويل الفارغ الذي رأيته في الفقه الغربي لا تراه في الفقه الإسلامي إطلاقاً.

 

تقييم السنهوري لنظرية الإسلام حول السبب:

وقال السنهوري في كتاب مصادر الحق: إنّ هناك عاملين متعاكسين في التأثير على الفقه الإسلامي في مدى التزامه لنظرية السبب أو رفضه إيّاها.

1 ـ أنّه فقه ذو نزعة موضوعية بارزة يعتد بالتعبير عن الإرادة دون الإرادة ذاتها، أي يأخذ بمذهب الإرادة الظاهرة لا بمذهب الإرادة الباطنة فهو أقرب بكثير من هذه الناحية إلى الفقه الجرماني منه إلى الفقه اللاتيني. والفقه ذو النزعة الموضوعية يكون أكثر استعصاء على نظرية السبب من الفقه ذي النزعة الذاتية ومن ثم تستعصي النزعة الموضوعية للفقه الإسلامي على نظرية السبب فكان المترقب لولا العامل الثاني ان تضمر نظرية السبب في الفقه الإسلامي كما ضمرت في الفقه الجرماني.

2 ـ ولكن الفقه الإسلامي من جهة اُخرى فقه تتغلّب فيه العوامل الأدبية والخلقية والدينية وهذا يقتضي ان يعتد بالباعث الذي تقاس به شرف النوايا وطهارتها فكان المترقب لولا العامل الأوّل ان تكون لنظرية السبب وهي نظرية خلقية مكان ملحوظ يضاهي مكانها في الفقه اللاتيني. وبين هذين العاملين المتعارضين يتراوح الفقه الإسلامي ففى بعض مذاهبه نرى نظرية السبب تختفي تحت ستار من صيغة العقد والتعبير عن الإرادة ويختلط السبب بالمحلّ فلا يعتد

356

بالسبب، أي الباعث على التعاقد إلّا حيث يتضمنه التعبير عن الإرادة وفي مذاهباُخرى تتغلب العوامل الأدبية والخلقية والدينية فيعتد بالباعث ولو لم يتضمنه التعبير عن الإرادة ويكون العقد صحيحاً أو باطلا تبعاً لما إذا كان هذا الباعث مشروعاً أو غير مشروع.

ثم يستعرض السنهوري ضمور نظرية السبب في المذهبين الحنفي والشافعي وظهورها في المذهبين المالكي والحنبلي ويعقّبه بكلام مختصر عن المذاهب الاُخرى(1).

أقول: أما بالنسبة لما ذكره في العامل الأوّل من أنّ الفقه الإسلامي يتجه إلى نظرية الإرادة الظاهرة فقد مضى منّا: إنّ تلك النظرية فكرةً واصطلاحاً غربية بحتة لا علاقة بها بالفقه الإسلامي أبداً، والفقه الإسلامي يقصد بالإرادة، الإرادة بمعناها الحقيقي وهي الإرادة الباطنة، وأمّا ما يسمّى بالإرادة الظاهرة في مصطلح الغرب فينظر الفقه الإسلامي إليها بمنظار الأمارة والقرينة القابل لثبوت العكس.

نعم اتجاه الفقه الإسلامي إلى الإرادة الحقيقية لا يحتّم عليه الأخذ بنظرية السبب بمعنى الباعث، ففرق بين أصل إرادة العقد وبين الباعث والغاية لها، فبإمكان من يتجه في بحثه إلى الإرادة الباطنة أن يقتصر على دراسة الإرادة العقديّة ولا يرى أثراً للباعث.

وأمّا ما ذكره من العامل الثاني وهو الاتجاه الخلقي في الفقه الإسلامي فلا ريب إنّ الفقه الإسلامي فقه الأخلاق والآداب ولكن هذا لا يحتّم عليه الأخذ بنظرية السبب بمعنى كون عدم مشروعية الباعث موجباً لبطلان العقد. فإنّ المحتّم


(1) 4: 51 ـ 80.

357

على الفقه الإسلامي انّما هو أنْ يضرب في نظامه الفقهي على يد من يعمل ما ينافي الأخلاق، وأن يمنع عن البواعث غير المشروعة أمّا أنّ هذا هل سيكون عن طريق إبطال أو تحريم العقد الذي يكون باعثه غير مشروع أو يكتفى فيه بمنع العاقد في ظرف تصدّيه لتنفيذ باعثه غير المشروع عن ذلك والحيلولة دونه ودون حصول ما يهدفه؟ فللفقه الحرّية في ذلك وسيظهر إن شاء الله في آخر البحث أنّ النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) فيها تفصيل بين البواعث غير المشروعة بلحاظ شدّة أو ضعف مخالفتها للأخلاق فقد يحرم بيع الخشب ممّن يصنعه صنماً من دون أن يحرم بيع العنب ممّن يصنعه خمراً علماً بأنّ عبادة الصنم أشدّ قبحاً من شرب الخمر.

وعلى أيّة حال فالباعث غير المشروع تارة يكون مأخوذاً في الاتفاق العقدي واُخرى لا يكون كذلك.

فإنْ كان مأخوذاً في الاتفاق العقدي على مستوى رجوعه إلى محل العقد فلا إشكال في الفقه الإسلامي في بطلان العقد وهذا ما يبحثه الفقه الإسلامي تحت عنوان بيع ما يحرم الانتفاع به أو الإيجار على المنفعة المحرّمة ونحو ذلك ولا علاقة له بالسبب.

وإن كان مأخوذاً في الاتفاق العقدي على مستوى الشرط فهو بالنسبة لذات الشرط يكون محلا للشرط ويرى الفقه الإسلامي عندئذ فساد الشرط. وبالنسبة للعقد الأصلي قد بحثه الفقه الإسلامي تحت عنوان: أنّ الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أو لا؟

وأمّا إنْ لم يكن الباعث مأخوذاً في الاتفاق العقدي فقد بحثه الفقه الإسلامي تحت مسائل من قبيل بيع العنب ممّن يصنعه خمراً، أو بيع الخشب ممّن

358

يصنعه صنماً ونحو ذلك، ووقع الخلاف فيه على وجوه، نظير الخلاف الوارد فيالفقه الغربي، فمثلا جاء في مصباح الفقاهة للشيخ التوحيدي الذي هو تقرير لبحث استاذه السيد الخوئي (رحمه الله): «في المختلف: (إذا كان البايع يعلم أنّ المشتري يعمل الخشب صنماً أو شيئاً من الملاهي حرم بيعه وإن لم يشترط في العقد ذلك لنا: انّه قد اشتمل على نوع مفسدة فيكون محرماً لأنّه اعانة على المنكر). ونُقل عن ابن ادريس جواز ذلك لانّ الوزر على مَنْ يجعله كذلك لا على البائع، وفصّل المصنف (رحمه الله) ـ يعني الشيخ الأنصاري (قدس سره)في المكاسب ـ بين ما لم يقصد منه الحرام فحكم بجواز بيعه وبين ما قصد منه الحرام، فحكم بحرمته لكونه إعانة على الإثم فتكون محرمة بلا خلاف»(1) انتهى ما أردنا نقله عن مصباح الفقاهة.

ونفس صاحب المختلف وهو العلاّمة (رحمه الله)اختار في القواعد التفصيل بين ما لو شرط الحرام فيحرم أو لم يشترط فلا يحرم، ونسب في مفتاح الكرامة إلى ظاهر المشهور التفصيل بين ما إذا قصد الحرام وما إذا كان عالماً بذلك من دون قصده إياه فيحرم البيع في الأوّل دون الثاني، وذكر وجهاً لحمل أقوالهم على اختصاص المنع بصورة الشرط وعدم كفاية مجرد القصد، وهو أنّه لو كان مجرد القصد مبطلا لزم البطلان سواء كان البائع قاصداً أو لا، وسواء كان عالماً أو لا، لأنّ القصد من طرف المشتري مفروض على أي حال، فانّ عِلَم البائع انّما يتعلق غالباً بقصد المشتري، لا بانّه سوف يصرفه في الحرام رغم عدم قصده الآن. فلو فسد العقد من جانب المشتري فسد من الجانبين لعدم إمكانية التفصيل بين البايع والمشتري في الفساد(2).


(1) مصباح الفقاهة 1: 170.

(2) راجع مفتاح الكرامة 4: 37.

359

أقول: إنّ هذا الكلام إنّما تكون له صورة بناء على حمل المنع أو الحرمةعلى البطلان، أو على ما يشمل البطلان دون مجرد الحكم التكليفي، وإلّا فإمكان التفصيل بين المشتري القاصد للحرام والبائع غير العالم بذلك في غاية الوضوح.

وعلى أيّة حال فالدليل على بطلان العقد أو حرمته بعدم مشروعية الباعث قد يكون عبارة عن دليل عام يشمل ابتداء كل عقد، وقد يكون عبارة عن أدلّة خاصة واردة في موارد مخصوصة كبيع العنب أو الخشب أو السلاح ممّن يصنعه خمراً أو صنماً أو صليباً أو يحارب به المسلمين، ثم ينتزع منها حكم عام بلحاظ كل العقود.

وعلى كل تقدير تارةً نستنتج الحرمة التكليفية فحسب، واُخرى نستنتج البطلان فهنا لدينا بحثان:

 

حرمة العقد عند عدم مشروعية الباعث:

البحث الأوّل: في الحرمة التكليفية للعقد حينما يكون الباعث إليه للشخص المقابل غير مشروع، ونبحث ذلك أوّلا على مستوى الأدلّة العامة ثم على مستوى الاستنتاج من الأدلّة الخاصّة.

1 ـ مقتضى الأدلّة العامّة:

أمّا على مستوى الأدلّة العامة للتحريم فقد اختار السيد الإمام الخميني (رحمه الله)الحرمة بمجرد العلم وبلا حاجة إلى قيد الشرط أو قصد تحقق الحرام، واستدل على ذلك بوجوه ثلاثة(1) على تأمّل له في إطلاق الوجه الثاني:


(1) راجع المكاسب المحرمة للسيد الإمام (رحمه الله) 1: 129 ـ 144.

360

أ ـ دعوى حكم العقل:

الوجه الأوّل ـ دعوى حكم العقل بقبح تهيئة شرائط أو أسباب المعصية والإثم لمَن يعصي الله تبارك وتعالى كما يحكم بقبح المعصية، ولا فرق في ذلك بين كون الهدف من ذلك تحقق تلك المعصية أو لا، وبين كون السبب من الأسباب القريبة أو البعيدة، ولا بين كون السبب منحصراً عند هذا الشخص أو أنّ العاصي سيشتري العنب مثلا من شخص آخر لو امتنع هذا عن بيعه منه فيجعله خمراً، ولا بين كون المشتري قاصداً بالفعل لاستعمال العين المبيعة في المحرّم وكونه غير قاصد ذلك بالفعل ولكنَّ البايع يعلم أنّه سيتحقق له هذا القصد في المستقبل، أو أنّ نفس حصوله على هذه العين سيقدح في نفسه الداعي إلى صرفها في المعصية. وكذلك لا مجال لأي تفصيل آخر من أمثال هذه التفاصيل إلّا بشدّة القبح وضعفه، أمّا أصل القبح فهو عنصر مشترك في كل هذه الموارد، والقبح العقلي يؤدّي إلى الحرمة الشرعية.

وليس المقياس في صحة هذا الوجه صدق عنوان الإعانة كي يشكّك في بعض الفروض في صدق هذا العنوان كما لو خصّص صدق هذا العنوان بما إذا كان هدف البائع من هذا البيع تمكين المشتري من المعصية أو حصولها منه، أو بخصوص الأسباب القريبة دون البعيدة، أو بما إذا كان المشتري من الآن عازماً على الصرف في المعصية دون ما إذا علمنا بانّه سينقدح في نفسه داعي المعصية في المستقبل ونحو ذلك، وانّما المدّعى في هذا الدليل هو حكم العقل بقبح تهيئة أسباب وشرائط المعصية لشخص مّا من دون ارتباط لذلك بصدق عنوان الإعانة عليه وعدمه. هذا وما قلناه في علم الاُصول من أنّ مقدمة الحرام ليست حراماً إنّما يعني عدم الملازمة بين حرمة الفعل وحرمة مقدمته، فنفس فاعل الحرام لا

361

يكون بارتكابه للمقدمات مرتكباً لحرام إضافي، أمّا غير الفاعل الذي هيأ الأسباب والشرائط لفاعل الحرام فعمله هذا بنفسه حرام لا من باب حرمة المقدمة بل من باب حكم العقل عليه بقبح ذلك، بينما لا يوجد قبح إضافي في مقدمة الحرام بالنسبة لنفس مرتكب الحرام. وقد تثار بوجه هذا الدليل عدة نقائض:

الأوّل ـ أنّ هذا الوجه قد يحرّم مثل البيع المعاطاتي دون مثل البيع الذي يتم بالعقد اللفظي، فان دخول العين في ملك مَن يستفيد منه فائدة محرّمة بالعقد اللفظي يمكن للبائع إخراجه عن غير سلسلة أسباب وقوع المحرم وشرائطه بترك التسليم إذْ لو باعه العنب مثلا ثم لم يسلّمه إليه بل حال بينه وبين تسلّمه للعنب ما دام قاصداً لتحويله إلى الخمر ردعاً له عن المنكر لم يكن هذا تهيئة لأسباب المعصية.

والثاني ـ إنَّ هناك بعض المصاديق لتهيئة الأسباب أو الشرائط والمقدمات ضروري الجواز فقهياً، بينما الدليل العقلي لا يقبل التخصيص. مثاله مَن تزوّج رغم علمه إجمالا بانّ بعض أولاده أو أحفاده سيعصي الله تبارك وتعالى، ومَن اتّجر رغم علمه بأنّه حينما يربح في التجارة يصبح مشمولا لقوانين ضرائب السلطة غير الشرعية فيأخذ منه السلطان الضرائب ظلماً وعدواناً وقد هيّأ هو بتجارته أسباب هذا العمل المحرّم للسلطان.

فلو كان دليلنا على حرمة العقد المؤدّي إلى فعل الحرام دليلا نقلياً لسهل الجواب على مثل هذه النقوض بخروجها من ذاك الدليل إمّا تخصيصاً بضرورة من الفقه أو بأدلة الحث على النكاح مثلا مع عدم انفكاكه غالباً عن مثل هذا العلم الإجمالي، أو بالسيرة القطعية في زمان المعصوم، أو تخصصاً بدعوى كون تلك الضرورة أو السيرة موجبة لانصراف الدليل، أو ببيان أنّ العنوان المأخوذ في لسان

362

الدليل لا يشمل مثل هذا الفرض كما لو كان الدليل دالّاً على حرمة عنوان الإعانة على الإثم فقد يقال بانّ عنوان الإعانة لا يصدق على مثل ذلك كما ورد عن المحقق النائيني (رحمه الله)تخصيص صدق الإعانة بإيجاد الأسباب التي ليست هي في سلسلة علل خلق الإرادة وتحققها في نفس العاصي فانّما تصدق الإعانة حينما تكون الإرادة بمعنى أنّ الدافع النفساني تامّة في نفس العاصي من غير ناحية احتياجه في تحقيق المعصية إلى السبب الفلاني فعندئذ يكون تأمين ذاك السبب له إعانة على المعصية على كلام في أنّ صدق الإعانة هل يختص بإيجاد السبب المباشر، أي الجزء الأخير من المقدمات أو يشمل المقدمات البعيدة؟ وهل يختص بما إذا كان داعي مُوجد السبب هو تحقق المعصية أو لا؟ واختار المحقق النائيني أنّ صدق الإعانة يختص بما إذا أوجد الجزء الأخير من المقدمات كإعطاء العصا بيد مَن أرادَ ضرب مظلوم أو قصد توصّل الغير إلى الحرام أمّا مع عدم القصد وعدم كون المقدمة المأتي بها هي المقدمة المباشرة فلا تصدق الإعانة. وعلى أيّة حال فحتى لو قلنا بصدق الإعانة في هذا الفرض فهذا لا يشمل في نظر المحقق النائيني مثل مثال النكاح والتجارة لانّ المقدمات هنا واقعة في الرتبة السابقة على إرادة العاصي للمعصية(1).

والسيد الخوئي (رحمه الله) فصّل بين مثل مثال النكاح مع العلم إجمالا بانّ بعض الأولاد أو الأحفاد سيعصي الله، ومثل مثال التجارة مع العلم بأدائه إلى أخذ الضرائب من قِبَل السلطان الجائر، ففرض أنّ صدق الإعانة يختص بما إذا لم تكن المقدمة التي أوجدها عبارة عمّـا يكون دخيلا في وجود نفس المُعان كما في مثل


(1) راجع المكاسب والبيع للشيخ الآملي 1: 26 و 27.

363

النكاح فليس العباس بن عبد المطلب معيناً على قتل الأئمة (عليهم السلام) لكونه قد أولد خلفاء بني العباس فالمفروض أن يكون وجود المعان مفروغاً عنه وتكون تلك المقدمة من مقدمات صدور المعصية منه، وهذا صادق في مثال التجارة وإن لم يكن في نظر السيد الخوئي حراماً لعدم حرمة الإعانة على الإثم(1).

وعلى أيّة حال فكل هذه الكلمات لها مجال في المورد الذي أوردها فيه المحقق النائيني والسيد الخوئي وهو البحث عن مدى دلالة الدليل اللفظي على حرمة الإعانة. أمّا في ما هو محل كلام السيد الإمام (رحمه الله) الآن من دعوى دلالة العقل على قبح إيجاد أسباب وشرائط المعصية فكل هذه التفاصيل لا مجال لها لأنّ المسألة ليست مسألة لغوية نبحث فيها عن معنى الإعانة فيبدو في الذهن استفحال هذا النقض. حيث يقال لئن صحّ أنّ العقل يحكم بقبح ذلك فماذا تقولون في الموارد التي لا شك في عدم الحرمة فيها فقهياً؟ !

والثالث ـ أنّه لئن صح حكم العقل بقبح إيجاد سبب المعصية لأنّه يؤدي إلى معصية المولى تبارك وتعالى فهذا إنّما يكون فيما إذا لم يكن المشتري عند الامتناع من بيع العين إيّاه سيشتريها من شخص آخر بحيث لا يكون امتناعنا هذا مؤثراً في تقليل المعصية، أمّا إذا كان الأمر كذلك كما لو كان المشتري يريد تخمير كميّة معينة من العنب لا تخمير أكبر مقدار يبيعه البائعون وكانت الكمية المعيّنة موجودة لدى غيرنا أيضاً بحيث لو امتنعنا من بيعها إيّاه لاشتراها من غيرنا فهنا لا موجب للقبح المدّعى في المقام.

وهذا النقض يذكر عادةً على ما سيأتي إن شاء الله من الدليل الثالث من أدلّة


(1) راجع المحاضرات 1: 133، ومصباح الفقاهة 1: 179.

364

الحرمة في المقام وهو دليل وجوب دفع المنكر حيث يقال: انّ امتناعنا عن بيع العين إيّاه لا يدفع المنكر لأنّه سوف يشتريها من غيرنا. أمّا هذا الدليل الأوّل الذي صيغ بعنوان قبح إيجاب أسباب المعصية فقد يدّعى سلامته من هذا النقض حتى لو تمَّ في الدليل الثالث، والفرق هو أنّ عنوان دفع المنكر المدعى وجوبه في الدليل الثالث قد يُقال إنّه عنوان بسيط لا يتحقق إلّا بامتناع الكل من بيع العين إيّاه، فإذا عرفنا عدم الامتناع من قِبَل البعض فقد عجزنا عن تحقيق المنع، وهذا نظير ما إذا أوجب رفع جسم ثقيل من الأرض وهو لا يمكن إلّا بتعاون اُناس عديدين على حمله فإذا امتنع عن ذلك عجز الآخرون عن رفعه وسقط التكليف عنهم.

وأمّا ما يدعى في هذا الدليل الأوّل فهو قبح إيجاد سبب المعصية، وإيجاد سبب المعصية عنوان انحلالي له مصاديق عديدة كلها محرّمة فكل مَنْ باع العنب من هذا الذي يريد تخميره فقد أوجد سبب المعصية وهو حرام وليس مصداقه منحصراً بفرد واحد مرتبط بالكل كما في رفع الجسم الثقيل حتى يسقط التكليف عن البعض عند امتناع الآخرين فما نحن فيه ليس من قبيل إيجاب رفع جسم ثقيل وإنّما هو من قبيل تحريم قتل المؤمن فلو علم أحد أنّه لو لم يقتل المؤمن الفلاني لقتله شخص آخر لم يكن هذا مجوّزاً لقتله إيّاه فإنّ حرمة القتل أمر انحلالي متوجّه إلى كل واحد من المكلفين مستقلا وكذلك الأمر في ما نحن فيه فحرمة إيجاد سبب الحرام حكم انحلالي متوجه إلى جميع آحاد المكلفين وعصيان البعض لا يبرّر عصيان الآخرين.

إلّا أنّ الواقع هو أنّنا لسنا أمام دليل لفظي دلّ على حرمة إيجاد سبب المعصية كي نستظهر منه الانحلال وإنّما نحن أمام حكم عقليّ بالقبح وهذا الحكم العقليّ لو كان فانّما النكتة المعقولة له هي التقليل من وجود ما هو مبغوض للمولى

365

سبحانه أو إزالته من صفحة الوجود وإن شئت فقل إنّ الدليل الثالث إذا فرض وجوب دفع المنكر فيه عقلياً لا شرعياً مع الدليل الأوّل في واقعهما ينبغي أن يكونا دليلا واحداً، ولا يتصور لايجاد سبب المعصية قبح مستقل عن قبح ترك دفع المنكر ولذا لا نحسّ فيمَن أوجد سبب المعصية باشتداد القبح نتيجة صدق كلا العنوانين على ما هو مقتضى الاستدلال بكلا الدليلين، فلئن فسّرنا هذا الدليل الأوّل بتفسير معقول وهو التفسير الراجع إلى أحد شقيّ الدليل الثالث، أعني وجوب دفع المنكر عقلا كان لإيراد هذا النقض عليه مجال. هذه هي النقائض الثلاثة التي يمكن إبرازها بلحاظ هذا الدليل.

أمّا النقض الأوّل ـ وهو عدم شموله للبيع الذي يتم بالعقد اللفظي فلم يتعرض له السيد الإمام (رحمه الله) في المقام ولكنه حينما بحث مسألة البطلان بعد فرض الحرمة التفت إلى مسألة الفرق بين البيع اللفظي والبيع المعاطاتي، حيث إنّ ما يحتّم وقوع البيع في طريق تحقق المعصية إنّما هو التسليم لا العقد اللفظي، وذكر أنّ الحرمة في البيع المعاطاتي ثابتة على عنوان منطبق على مصداق البيع المعاطاتي وهو التسليم لا على نفس عنوان البيع حتى تفترض دلالتها على بطلان البيع. وفي البيع اللفظي يقع بعد تمامية البيع التزاحم بين دليل حرمة العنوان المحرّم المنطبق على التسليم ودليل وجوب تسليم المثمن...،(1). ولعله يريد أن يقول: إنَّ عدم بطلان البيع هنا أيضاً واضح لأنّ الحرمة هنا أصلا لم تكن ثابتة على البيع وإنّما كانت ثابتة على التسليم ومزاحمة للوجوب الناشئ من البيع كما ويحتمل أيضاً أن يقول (رحمه الله)بحرمة البيع هنا لكونه مورّطاً للمكلف في التزاحم بين


(1) راجع المكاسب المحرّمة للسيد الإمام 1: 149.

366

وجوب التسليم وحرمة الإعانة على الإثم، أو إيجاد سبب من أسباب المعصية، إذ لو صحّ القول بقبح إيجاد سبب من أسباب معصية الغير صحّ القول أيضاً بأنّ إيجاد ما يورّط نفس الموجد في التزاحم بين تكليفين يضطر إلى مخالفة أحدهما أيضاً قبيح عقلا، فانّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإنْ كان ينافيه خطاباً، والبيع اللفظي هنا من هذا القبيل لأنّه يورّط البائع في التزاحم بين حرمة التسليم بعنوانه سبباً من أسباب معصية المشتري ووجوبه بعنوانه تسليماً للمثمن فيكون هذا البيان جواباً على النقص الأوّل من النقائص التي بيّناها.

إلّا أنّ هذا الجواب مبتن على الإيمان بكون وجوب تسليم المثمن في حدّ ذاته مطلقاً يشمل فرض ما إذا كان المشتري سيصرفه في الحرام، وعلى القول بانّ اجتماع هذا الوجوب مع حرمة التسبيب إلى المعصية من باب التزاحم، وعدم رجوعه أو رجوع مطلق باب التزاحم إلى التعارض وإلّا لتقدم دليل حرمة التسبيب على دليل وجوب التسليم باعتبار تقدم الدليل العقلي على الدليل اللفظي لدى التعارض فلا يصبح البيع مورّطاً للإنسان في التزاحم بين تكليفين، وعلى أيّة حال فالمهم عندي هو النقض الثاني والثالث لانّهما في نظري مدخلان للبحث الحلّي في المقام.

وأمّا النقض الثاني ـ وهو الانتقاض بموارد لا شك بضرورة من الفقه في كون الحكم فيها هو الجواز كالنكاح الذي قد يوجب العلم الإجمالي بتورط بعض الأولاد أو الأحفاد في معصية الله، أو التجارة التي تؤدّي إلى أخذ الظالم للضرائب. فقد أجاب على ذلك السيد الإمام (رحمه الله) بأنّ القبيح عقلا إنّما هو تحصيل الشرائط والأسباب للمعصية لا مطلق ما له دخل في تحقق المعصية كتجارة التاجر العالم بأخذ الظالم للضرائب منه، والنكاح ممّن يعلم بتحقق العصيان من الأولاد أو

367

الأحفاد فمثل هذا ليس قبيحاً لأنّه ليس من قبيل تهيئة الأسباب ولم يذكر (رحمه الله) ما هو المقياس المميز عنده بين المعنى الذي يقصده في المقام بتهيئة الأسباب وغيره، ولعلّه يقصد بذلك التفصيل بين ما يكون من مقدمات إرادة العاصي كتجارة التاجر، والنكاح المؤدّي إلى وجود الولد، وما يكون من مقدمات تحقق الفعل بعد افتراض تمامية الإرادة من غير زاوية وجود الأدوات كإعطاء العصا بيد الظالم الذي يريد ضرب المظلوم فهذا نظير التفصيل الذي ادعاه المحقق النائيني (رحمه الله)في صدق عنوان الإعانة إلّا أنّ مثل هذا التفصيل في المقام لا مورد له لانّنا لو سلّمنا بحكم العقل بقبح تهيئة الأسباب فإنّما نسلّمه برجوعه بروحه إلى دعوى أنّ من وظيفة العبودية والإخلاص للمولى هو تقريب المولى دائماً نحو حصول أغراضه وإخلاء الساحة عمّـا يبغضه المولى ولو كان ذاك المحبوب أو المبغوض من فعل الآخرين، ولا يفرق في ذلك بين ما يكون سبباً وبين المقدمات التي لا ترجع إلى السبب، وإن كان قد يقع الفرق بين مورد ومورد بشدة القبح وضعفه.

والحاصل: أنّ النكتة الفنيّة للفرق بين الموارد المقطوع بالجواز فيها فقهياً وغيرها لم تتضح حتى الآن. وكذلك من ضروريات الفقه جواز المبايعات مع الكفار حيث لا شك في أنّ الكفار الذميين كانوا في زمن المعصومين معاشرين مع المسلمين ومتعايشين معهم في بلادهم وكان بيع المآكل والمشارب والأدوات منهم قائماً على قدم وساق وكان ذلك مورد رضا الأئمة (عليهم السلام) من دون شك مع العلم في نهار شهر رمضان بانّ كثيراً منهم سيصرف هذا المأكل أو المشرب في الإفطار المحرّم، أو العلم بانّ الطعام الذي يأكلونه ينجّسونه بريقهم ثم يأكلون النجس وهم مكلفون بالفروع كالمسلمين.

وأجاب على ذلك السيد الإمام (رحمه الله) بانّ هذه التكاليف غير مُنجَّزة على

368

الكفار عادة وغالباً لانّهم في غير ما شذّ وندر قاصرون وليسوا مقصرين، من دون فرق في ذلك بين عوامهم وعلمائهم، أمّا عوامهم فلعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب نظير عوام المسلمين، وأمّا علماؤهم فالغالب فيهم أنّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفولة والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة بحيث كل ما ورد على خلافها ردّوه بعقولهم المجبولة على خلاف الحق من بدو نشوئهم.

أقول: لو سلّمنا قصورهم رغم انحشارهم مع المسلمين في بلادهم آنذاك فهذا لا يدفع النقض وذلك لانّ العقل لو حكم بقبح تهيئة مقدمة المعصية علينا إلى حدّ الإلزام. فهذا ليس على أساس حقّ ذاك العاصي علينا، أي حق أن لا نسبّب لدخوله نار جهنم مثلا. فانّنا بتهيئة المقدّمة لا نسلب منه الاختيار في التورط في المعصية وعدمه. ولا يكون له بذلك حجة علينا كي يقال: إنّ هذا الحق ينتفي حينما ينتفي تنجز الحكم عليه بقصوره، وانّما كان حكم العقل بذلك علينا على أساس حق المولى تعالى علينا في تقريبه إلى أغراضه المولوية وإخلاء الساحة عمّـا يبغضه وهذا ثابت في المثال المذكور لانّ القصور وعدم التنجز لا يفني الغرض المولوي، فإذا كان الغرض المولوي لا زال ثابتاً في حق القاصر فعليَّ أن لا أورطه فيما يبغض المولى ولا اُهيّىء له أسباب ذلك وحتى إذا قلنا إن نفس جرأة الفاعل على المولى ما يغيظ المولى وقد انتفت بالقصور وعدم التنجز فالهدف الآخر للمولى وهو الهدف الكامن في متعلق الحكم لا زال موجوداً لعدم سقوط الحكم بالقصور. ولئن كان الفاعل غافلا عن ذلك فانّي غير غافل عنه فيجب عليّ الحفاظ عليه بحكم العقل المفروض في المقام.