206

وعلى كلّ حال، فالتحقّق ملحوظ أوّلاً في أمثال هذه الموارد، وهذا بخلاف القسم الثاني من الإنشاء.

وأمّا الفرق الإثباتيّ، فهو عدم وجود الأداة المستقلّة التي تساعد علىافتراض وعاء آخر غير وعاء التحقّق الذي يقتضيه نفس التجرّد كما عرفت، في حين أنّها موجودة في القسم الثاني من الإنشاء الذي يختصّ بتعبير متمحّض في الإنشائيّة.

 

الأدوات الإنشائيّة التي لا تدخل على جملة تامّة:

بقي الكلام في الأدوات الإنشائيّة التي لا تدخل على جملة تامّة، بل قد يتصوّر أنّه تكون الجملة تامّة بها، كما في قولنا: «يا زيد»، فإنّ ما سبق في الجمل الإنشائيّة لا يمكن تطبيقه بدون عناية على جملة النداء؛ إذ لا توجد فيها بقطع النظر عن حرف النداء نسبة تصادقيّة، فنقول:

إنّ تصوير مفاد الجملة الندائيّة يمكن أن يكون: إمّا بتقريب إرجاعها إلى جملة فعليّة، بحيث يكون قولنا: «يا زيد» في قوّة قولنا: «أدعو زيداً» ـ طبعاً بداعي الإنشاء لا الإخبار(1) ـ فيطبّق عليه ما ذكرناه في الجملة الفعليّة. وإمّا بتقريب آخر، حاصله: أنّ حرف النداء باعتباره منبّهاً تكوينيّاً على حدّ المنبّهيّة التكوينيّة لكلّ صوت، فإطلاقه إيجاد لما هو المنبّه تكويناً، لا لما هو حاك ودالٍّ عليه بالدلالة اللفظيّة، ولكن حيث إنّ المنبّهيّة التكوينيّة لحرف النداء نسبتها إلى زيد


(1) مع فرض فرق بين كلمة «يا» وكلمة «أدعو»، وهو أخذ الدلالة في «يا» على ما في النفس من الإنشاء على مستوى الدلالة التصوّريّة في الموضوع له؛ ولذا لم يكن مشتركاً بين الإنشاء والإخبار.

207

وغير زيد على حدّ واحد، وحيث إنّه حينما يراد به تنبيه زيد بالخصوص لابدّ من دالّ على ذلك، فلابدّ من أن تكون هيئة «يا زيد» موضوعة لتوجّه النداء نحو زيد الذي هو أمر نسبيّ قائم في الذهن بين النداء وزيد، وبهذا يظهر أنّه لا يمكن استبدال حرف النداء بأيّ صوت آخر برغم منبّهيّته التكوينيّة؛ وذلك لأنّ الهيئة المتحصّلة من ضمّ صوت آخر إلى كلمة زيد غير موضوعة لإفادة توجّه النداء نحو زيد بالخصوص، فلا يحصل ربط بذلك. وعلى هذا الأساس نعرف الفرق بين نداء زيد و«يا زيد»، فإنّ نداء زيد دالّ حكائيّ على حصّة خاصّة من مفهوم النداء، وأمّا «يا زيد» فهو نداء حقيقيّ، وقد اُفيد توجّههه إلى زيد بدالّ حكائيّ. وإن شئت قلت: إنّ نداء زيد أو تنبيهه تارة يكون موجوداً بوجود حكائيّ مقيّداً وقيداً، وذلك بعبارة مثل قولنا: تنبيه زيد، واُخرى يكون موجوداً بنفسه حقيقة مقيّداً وقيداً، كما إذا أمسكنا زيداً وجذبناه بقصد كسب انتباهه، فإنّ المنبّه وكونه منبّهاً لزيد موجود حقيقةً، وثالثة يكون أصل المنبّه موجوداً حقيقةً، وتكون نسبته وتوجّهه إلى زيد موجوداً بوجود حكائيّ.

وهذه النسبة ناقصة؛ لأنّ موطنها الأصليّ هو الخارج، فإنّ التنبيه وكونه تنبيهاً لزيد أمرٌ خارجيّ، والهيئة دلّت على النسبة التحليليّة بين التنبيه وزيد. وفرق هذه النسبة عن النسبة في «نداء زيد»، أو «تنبيه زيد» أنّ النسبة في «نداء زيد» أو «تنبيه زيد» نسبة بين مفهوم النداء أو التنبيه وزيد، وهذه نسبة بين واقع النداء أو التنبيه وزيد.

فإن قلت: إذا كانت النسبة في «يا زيد» ناقصة، إذن فهي نسبة تحليليّة، وهي مع طرفيها شيء واحد في الذهن، إذن فما معنى كون جزء تحليليّ من ذلك موجوداً حقيقة، وجزء تحليليّ آخر منه موجوداً بوجود حكائيّ؟!

208

قلت: مقصودنا من ذلك: أنّ مجموع الوجود الخارجيّ للمنبّه مع تلك الهيئة تعاونا في إعطاء ذاك الشيء الواحد إلى الذهن، لا أنّ كلّ واحد منهما أوجد حقيقة جزءاً مستقلاًّ من ذاك الشيء، حتّى يقال: إنّه لا يعقل ذلك.

هذا، ولا ضير في افتراض كون الحكاية عن توجّه واقع المنبّه إلى زيد، بمعنى إعطاء صورة ذلك إلى الذهن عن طريق إيجاد واقع المنبّه، ونسبته بالوجود الحكائيّ إلى زيد موجدة لواقع ذي الصورة، أي: أنّه يتحقّق بذلك واقعاً تنبيه زيد، من قبيل إيجاد بعض الحالات النفسيّة في شخص عن طريق الإيجاد بوجودها فيه.

فإن قلت: إذا كانت هذه النسبة ناقصة، فلماذا نرى أنّ «يا زيد» جملة تامّة يصحّ السكوت عليها؟

قلت: إنّها ليست جملة تامّة بمعنى أنّها أوجدت نسبة بين شيئين مستقلّين كافيين في إيجاد تلك النسبة، وصحّ سكوت المخاطب على تلك النسبة على حدّ تماميّة «زيد قائم» مثلاً. نعم، هي تامّة بمعنى أنّه كان المقصود إيجاد تنبيه زيد خارجاً وقد وجد هذا التنبيه، فليست هناك حالة انتظاريّة من ناحية التنبيه، فيرجع زيد متوجّهاً إلى المنادي، لكي يسمع ما يريد أن يقوله له(1).

هذا تمام الكلام في حقيقة المعنى الحرفيّ ومعنى هيئات الجمل.


(1) يمكن افتراض كون حرف النداء موضوعاً لنسبة ندائيّة، أو دعوتيّة، أونوع من النسبة الطلبيّة تختلف عن التنبيه التكوينيّ، وتكون هذه النسبة مولدهاالأصليّ الذهن، فهي نسبة تامّة، أحد طرفيها الداعي باعتباره حاضراً لدى نفسه، والثاني المدعوّ باعتبار حضور صورته لدى نفس الداعي، شبيهاً بما شرحناه في النسبة الاستفهاميّة.

209

كيفيّة وضع الحروف والهيئات:

بقي الكلام في أنّه هل من الصحيح: أنّ الحروف والهيئات يكون الوضع فيها عامّاً والموضوع له فيها خاصّاً، أو لا؟

فنقول: إنّ الكلام تارة يقع في موارد النسب الواقعيّة بحسب مصطلحنا، كالنسبة التصادقيّة، والإضرابيّة، والتفسيريّة، والتأكيديّة، ونحو ذلك، واُخرى في النسب التحليليّة، كنسبة الظرفيّة.

أمّا الكلام في النسب الواقعيّة، فلابدّ أن نعرف أوّلاً: ما المراد بكون الموضوع له فيها عامّاً، أو خاصّاً؟ فنقول: ليس المراد هو الصدق على كثيرين في الخارج وعدم الصدق؛ لوضوح: أنّ النسبة الواقعيّة التي موطنها الأصليّ هو الذهن لا تصدّق على الخارج أصلاً، ففي الخارج لا يتعقّل إضراب أو تفسير ونحو ذلك، ولا يتعقّل في الخارج التصادق؛ إذ الخارج وعاء الوحدة، لا وعاء التصادق.

كما أنّه ليس المراد بالعموميّة والخصوصيّة ما جاء في كلام المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، من أنّ معنى الخصوصيّة كون تقيّد المعنى الحرفيّ بطرفيه داخلاً في حريم معنى الحرف وإن كان طرفاه خارجين عنه من باب دخول التقيّد وخروج القيد، ومعنى العموميّة كون التقيّد والقيد كلاهما خارجين(1). فإنّ هذا الكلام لا معنى له؛ إذ ليس لنا زائداً على المعنى الحرفيّ أمران: قيد وتقيّد حتّى يتكلّم في أنّه: هل كلاهما خارجان عن حريم معنى الحرف أو أنّ التقيّد داخل والقيد خارج؛ فإنّ المعنى الحرفيّ امتيازه عن المعنى الاسميّ هو: أنّه بذاته ربط، فلا يحتاج إلى ربط


(1) راجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 54 ـ 59 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات ج 1، ص 28 ـ 29.

210

وتقيّد، وإلاّ لاحتاج ذاك الربط والتقيّد إلى ربط وتقيّد آخر، وهكذا.

والذي ينبغي أن يقال في معنى: أنّ الموضوع له عامّ أو خاصّ: إنّ أفراد هذه النسب الواقعيّة كأفراد النسبة التصادقيّة، أو أفراد النسبة الإضرابيّة، أو أفراد النسبة التأكيديّة، وغير ذلك هل يتصوّر بينها جامع حقيقيّ مع إلغاء خصوصيّات الطرفين يصدق على كثيرين في نفس عالم الذهن، حتّى يعقل وضع اللفظ بإزائه، فيكون الموضوع له عامّاً، أو لا يتصّور جامع حقيقيّ بينها، فيكون الموضوع له خاصّاً لا محالة؟

والصحيح: استحالة الجامع كما بيّنّاه في المسلك الثالث في المعنى الحرفيّ. وخلاصة ما بيّنّاه: أنّ النسبة متقوّمة بتمام ذاتها بشخص الطرفين، فإن تحفّظنا على خصوصيّات الأطراف استحال أخذ الجامع لتباين الخصوصيّات، وإن ألغينا خصوصيّات الأطراف ألغينا بذلك نفس النسب، فلا جامع حقيقيّ ذاتيّ بين الأفراد، فيتعيّن وضع الحرف بإزاء أفراد هذه النسب. وهذا معنى: أنّ الموضوع له خاصّ، والواضع يتصوّر مفهوماً إجماليّاً ـ حسب تصوّراتهم للوضع ـ ويشير به إلى أشخاص النسبة التصادقيّة، أو الإضرابيّة مثلاً، فيكون الوضع عامّاً.

وأمّا الكلام في النسب التحليليّة من قبيل مفاد «في» ونحو ذلك من النسب التي يكون موطنها الأصليّ هو الخارج، فهنا ـ بحسب الحقيقة ـ لابدّ من الكلام في المرتبة السابقة على البحث عن كون الموضوع له عامّاً أو خاصّاً في أنّه هل هناك للحرف وضع مستقلّ ليقع الكلام في أنّ الموضوع له خاصّ أو عامّ، أو ليس له وضع مستقلّ؟ وعليه نقول: إنّ الصحيح: أنّ كلمة «في» في قولنا مثلاً: «نار في الموقد» ليس لها وضع مستقلّ، وذلك لما وضّحنا من أنّ النسب التي موطنها الأصليّ هو الخارج هي نسب تحليليّة، ومعنى النسبة التحليليّة: أنّ هناك وجوداً

211

واحداً في عالم الذهن، وهو وجود لمركّب تحليليّ أحد أجزاء ماهيته التحليليّة هو النسبة، وقد مضى البرهان على ذلك، وإذا كان كذلك استحال كون جملة «نار في الموقد» دالّة على ثلاثة معان بنحو تعدّد الدالّ والمدلول؛ لأنّ هذا معناه وجود ثلاثة انتقالات ذهنيّة بعدد كلمات الجملة، مع أنّنا برهنّا على أنّ هناك لحاظاً واحداً في الذهن، ومعنىً واحداً في ذاك الصقع وإن تعدّدت أجزاؤه التحليليّة، وانتقالاً واحداً للذهن، فكيف يعقل أن تكون كلمة «في» بنفسها في هذه الجملة تعطي معنىً، وكلمة «نار» تعطي معنىً آخر، وكلمة «الموقد» تعطي معنىً ثالثاً؟! فالصحيح: أنّ هناك دلالة تصوّريّة واحدة لمجموع «نار في الموقد»، فوضع الحرف في النسب التحليليّة وضع ضمنيّ، كما أنّ مدلوله ضمنيّ تحليليّ، وعليه يقع الكلام في هذه الجملة والمعنى الوحداني: هل هذا بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، أو لا؟ وطبعاً من الواضح: أنّ الأمر كذلك، فإنّ الواضع بعد أن وضع كلمة «النار» لمعناها، وكلمة «الموقد» لمعناها، ووضع كلمة «رجل» لمعناها، وكلمة «الحديقة» لمعناها، وهكذا جاء إلى جملة «نار في الموقد»، وجملة «رجل في الحديقة»، ونحو ذلك، فوضعها لتلك الحصص، وهو لم يتصوّر تمام هذه الجمل، بل أشار إليها إجمالاً. فالوضع عامّ لكنّه وضع لواقع الحصص، فالموضوع له خاصّ.

نعم لو أخذنا جملة واحدة معيّنة من قبيل: «نار في الموقد» فليس معناها خاصّاً بلحاظ أفراد هذا المعنى؛ فإنّ هذه الجملة تعطي حصّة خاصّة من المفهوم الاسميّ الذي يتصوّر فيه الجامع، وليست من قبيل الحروف التي تدلّ على النسب الواقعيّة، فالموضوع له بلحاظ هذه الأفراد عامّ، وإن كان خاصّاً بلحاظ أفراد كلّيّ المحصّص بالنسبة الظرفيّة مثلاً، أي: أنّه وضع بوضع واحد «نار في الموقد»

212

لحصّة، و «رجل في الحديقة» لحصّة اُخرى وهكذا(1).

 


(1) ولا بأس بالحديث في نهاية المطاف عن ثمرة بحث المعاني الحرفيّة ولو مختصراً.

وليس المقصود بالثمرة الثمرة العمليّة التي تنتج بالفعل أثراً عمليّاً لكلّ فقيه؛ إذ ربّ فقيه يرى لنفسه دليلاً آخر يثبت ما أراد استفادته من بحث المعنى الحرفيّ في المورد الفلانيّ، أو يرى مناقشة في أصل تلك الثمرة، أو يرى مبنىً في بحث آخر غير بحث الحروف يوجب إلغاء تلك الثمرة، ولكن كلّ هذا لا يعني جواز حذف بحث المعاني الحرفيّة عن قاموس علم الاُصول، بل يضطرّ الفقيه إلى بحث المعاني الحرفيّة، وبحث تلك النكاتوالمباني الاُخرى، كي يثق بالنهاية إلى النتيجة التي يفتي بها؛ إذ من المحتمل إذا بحث أن لا يقتنع بتلك النكتة التي ما أبقت مورداً للثمرة، وبالتالي يصبح بحث الحروف منتجاً له.

والثمرات التي يمكن تفريعها على بحث الحروف على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما قد يترتّب على أصل بحث المعنى الحرفيّ، ونذكر لذلك مثالين:

المثال الأوّل: ما قد يقال من أنّ الوجوب المستفاد من صيغة الأمر؛ أو من جملة الأمر لا يمكن أن يُقيّد بقيد، فوجوب الحجّ مثلاً لا يمكن تقييده بالوقت المخصوص، وبالتالي سيتقدّم الوجوب على وقت الحجّ، ويكون الوقت قيداً للمادّة لا للهيئة، ويستنتج من ذلك وجوب المقدّمات المفوّتة من قبل أوان الواجب؛ لأنّ وجوب ذي المقدّمة فعليّ من قبل الوقت، فيترشّح الوجوب على المقدّمات. والوجه في عدم إمكان تقييد الهيئة: إمّا القول بأنّ المعنى الحرفيّ جزئيّ؛ لأنّ الموضوع له فيه خاصّ، فلا يقبل التقييد، أو القول بأنّ المعنى الحرفيّ لا يمكن الالتفات إليه، بمعنى: أنّه مندكّ في الأطراف، وليس له استقلال ذاتيّ كي يمكن تقييده.

ومثل هذه الثمرة كافية في ضرورة بحث المعنى الحرفيّ وإن كان للفقيه والاُصوليّ طُرقاً لمناقشتها، إلاّ أنّه ـ كما ـ قلنا لو لم يبحثها كيف يناقشها؟!

فمثلاً قد يقول القائل: نحن لدينا طرق اُخرى للوصول إلى وجوب المقدّمات المفوّتة

213


كلزوم فوات غرض المولى في وقته على تقدير ترك المقدّمات قبل الوقت.

أو يقول القائل: إنّ الاندكاك بالمستوى المانع عن الالتفات المستقلّ، أو التقييد إنّما هو في النسب الناقصة؛ لأنّ وجودها تحليليّ بحت، لا واقعيّ. أمّا الوجوب الذي يستفاد من النسبة التامّة فليس تقييده مستحيلاً؛ لأنّ له وجوداً واقعيّاً في الذهن.

أو يقول القائل: إنّ كون الموضوع له خاصّاً، وكون المعنى الحرفيّ جزئيّاً إنّما هو بلحاظ أطرافه التي تَقَوُّم النسبة بها، لأنّه لو قشّر المعنى الحرفي عنها لم يبقَ شيء، ولو لم يقشّر عنها لم نحصل على الجامع الحقيقيّ. أمّا بلحاظ القيود الاُخرى العَرَضيّة، فبالإمكان تقييد المعنى الحرفيّ بها.

إلاّ أنّ كلّ هذه الأجوبة لو تمّ بعضها لا يمنع ـ كما قلنا ـ عن ضرورة بحث المعاني الحرفيّة.

المثال الثاني: ما قد يقال في مفهوم الشرط من توقّفه على تعليق سنخ الحكم على الشرط، كي ينتفي بانتفاء الشرط سنخ الحكم، فيثبت المفهوم، إلاّ أنّ تعليق سنخ الحكم محال؛ لأنّ مفاد الهيئة معنىً حرفيّ جزئيّ، فلا يدلّ إلاّ على شخص الحكم، أو لأنّه معنىً اندكاكيّ لا يقبل الإطلاق والتقييد.

وهب أنّ فقيهاً اُصوليّاً يناقش في ذلك: إمّا بإنكار المفهوم، حتّى بعد فرض إمكان الإطلاق في المعنى الحرفيّ؛ وذلك للقول بأنّ الجزاء نسبته إلى الشرط كنسبة المحمول إلى الموضوع، والإطلاق إنّما يتمّ في الموضوع لا في المحمول، فقولنا مثلاً: «إنّ النار حارّة» إنّما يدلّ على أنّ النار بكلّ أقسامها تحمل الحرارة، لا على أنّ النار تحمل جميع أقسام الحرارة.

وإمّا بإنكار كون جزئيّة المعنى الحرفيّ مانعة عن الإطلاق والتقييد؛ لما أشرنا إليه من أنّ جزئيّة المعنى الحرفيّ إنّما هي بلحاظ أطرافها الركنيّة، لا بلحاظ قيود اُخرى تُعرض عليها، وبإنكار كون معنى الهيئة التامّة مندكّاً بنحو يستحيل إطلاقه وتقييده، إلاّ أنّ كلّ هذا

214


لو تمّ لم يمنع عن ضرورة بحث المعنى الحرفيّ كما أشرنا إليه.

القسم الثاني: ما قد يترتّب على الفرق الجوهريّ بين النسب التامّة والنسب الناقصة، ونذكر لذلك مثالاً، وهو: دعوى الفرق بين مفهوم الشرط ومفهوم الوصف، بالإيمان بالأوّل وإنكار الثاني، ببيان: أنّ أداة الشرط تدلّ على النسبة الشرطيّة التامّة بين طرفين: أحدهما: نسبة الجزاء، والثاني: نسبة الشرط. وبما أنّ نسبة الجزاء علّقت على الشرط نجري فيها الإطلاق لإثبات أنّ المعلّق سنخ الحكم، فيثبت المفهوم، في حين أنّه لو بدّل قوله: «إن كان الرجل عالماً فأكرمه» بقوله: «أكرم الرجل العالم» فهنا ليست النسبة بين الرجل والإكرام تامّة، ولا يوجد هناك ما يدلّ على تعليقها على العلم، ويبقى أن يقال في تقريب المفهوم: إنّنا نجري الإطلاق في الرجل الواجب إكرامه بلحاظ وقوعه طرفاً للنسبة الناقصة مع العالم، فيقال بمقتضى الإطلاق: إنّ كلّ رجل يجب إكرامه يكون مقيّداً بكونه عالماً، وبهذا يثبت المفهوم، وهو: أنّ الرجل الذي لا يكون عالماً لا يجب إكرامه، ولكن يرد على ذلك: أنّ النسبة بين الرجل والعالم نسبة ناقصة، فقد أصبح الموصوف والصفة حصّة واحدة، فلا معنى لإجراء الإطلاق في الموصوف وحده؛ لأنّه اندكّ ضمن الحصّة، فلا يجري الإطلاق إلاّ في الحصّة، ومعنى إطلاق الحصّة وجوب إكرام كلّ رجل عالم، أمّا عدم وجوب إكرام غير العالم كما لو كان الرجل جاهلاً ولكنّه كان عادلاً مثلاً، فغير معلوم.

القسم الثالث: ما قد يترتّب على الخلاف في فهم حقيقة غُصن من أغصان الحروف، من قبيل: معنى أداة الشرط مثلاً، فقد يقال: إنّ أداة الشرط تجعل الشرط ركناً ثالثاً للنسبة الموجودة بين الموضوع والمحمول في الجزاء، وقد يقال: إنّ أداة الشرط تعلّق نسبة الجزاء التي ليس لها إلاّ رُكنان: الموضوع والمحمول، على الشرط، فعلى الثاني قد يتمّ مفهوم الشرط لإجراء الإطلاق في النسبة المعلّقة على الشرط لإثبات أنّ المعلّق سنخ الحكم، في حين أنّنا لو قلنا: إنّ النسبة في الجزاء أصبحت ثلاثيّة الأركان، ثالثها الشرط، لم يكن انتفاء الشرط إلاّ موجباً لانتفاء هذا الشخص من الحكم، فيبطل المفهوم.

215


الأسماء المبهمة:

ولنختم الحديث في هذا الفصل عن كلام حول الأسماء المبهمة كالموصولات والضمائر وأسماء الإشارة، حيث قد يقال فيها أيضاً بأنّ الوضع فيها عامّ والموضوع له فيها خاصّ، كما قيل في الحروف والهيئات، فينبغي تثليث البحث عن الحروف والهيئات بالبحث عن الأسماء المبهمة.

وقد مشى الآخوند الخراسانيّ(رحمه الله) في هذا القسم نحو مشيه في الحروف والهيئات، فذكر: أنّ بالإمكان إرجاع الفرق بين الأسماء المبهمة وغيرها في الوضع، لا في الموضوع له، ويكون فرقه في الوضع بلحاظ طور الاستعمال، فأسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها، وكذا بعض الضمائر، كما أنّ بعض الضمائر وضعت ليخاطب بها المعنى. والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخّص، لا أنّ التشخّص نتج من كون المستعمل فيه أو الموضوع له خاصّاً (راجع الكفاية، ج 1، ص 16 بحسب طبعة المشكينيّ).

وأورد عليه السيّد الخوئيّ(رحمه الله) بأنّنا حتّى لو سلّمنا الاتّحاد الذاتيّ بين المعنى الحرفيّ والاسميّ، وكون اللحاظ الآليّ والاستقلاليّ ملحوظين في مقام الاستعمال، وغير مأخوذين في الموضوع له لا نقبل بمثل ذلك في الإشارة إلى المعنى. والفرق بين الموردين هو: أنّ لحاظ المعنى في مرحلة الاستعمال ضروريّ لابدّ منه، سواء أخذه الواضع قيداً للموضوع له أو لا؛ لأنّ الاستعمال فعل اختياريّ للمستعمل، متوقّف على لحاظ المعنى واللفظ، فلا يلزم على الواضع أن يجعل لحاظ المعنى ـ آليّاً كان أو استقلاليّاً ـ قيداً للموضوع له، بل يكون ذلك عبثاً ولغواً بعد ضرورة وجوده في مقام الاستعمال، ولكن الإشارة إلى المعنى ليست ممّا لابدّ منه في مرحلة الاستعمال، حتّى يستغني الواضع من أخذها قيداً في الموضوع له، فإنّ المقصود بالإشارة إن كان هو نفس استعمال اللفظ في المعنى، والدلالة باللفظ على المعنى، فهذا غير مخصوص بأسماء الإشارة وما يلحق بها، بل يشترك فيها جميع الألفاظ، وإن كان أمراً زائداً على الاستعمال،

216


فلابدّ للواضع من أخذه في الموضوع له؛ إذ ليس هو كلحاظ المعنى الذي لابدّ منه في مقام الاستعمال، فإنّ الاستعمال بدونه ممكن.

والتحقيق: أنّ الوضع الذي هو عبارة عن التعهّد يشمل واقع الإشارة والتخاطب في المقام، فكلّ متكلّم تعهّد في نفسه بأنّه متى ما قصد تفهيم معاني أدوات الإشارة والتخاطب يُقرن بالاستعمال واقع الخطاب، أو واقع الإشارة باليد، أو الرأس، أو العين مثلاً، فبدون الإشارة أو الخطاب لا توجد للّفظ دلالة على معناه.

هذا، وبما أنّ كلمة «هذا» أو «هو» وضعت لواقع المفرد المذكّر، أعني به كلّ مفهوم كلّيّ أو جزئيّ يكون مذكّراً، لا لمفهوم المفرد المذكّر بأن يصبح لفظ «هذا» مرادفاً للّفظ «المفرد المذكر»، إذن فيكون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً، وكذلك الحال في باقي أسماء الإشارة والضمائر (راجع المحاضرات، ج 1، ص 90 ـ 91).

وأورد السيّد الاُستاذ(رحمه الله) على كلّ ما مضى بما يلي، وذلك بناءً على النقل الوارد في كتاب السيّد الهاشميّ حفظه الله (بحوث في علم الاُصول، ج 1، ص 337 ـ 338):

أوّلاً: أنّ ما أفاده السيّد الخوئيّ(رحمه الله) من التفصيل بين لحاظ الآليّة أو الاستقلاليّة في الاستعمال والإشارة أو التخاطب في المقام بإمكان استغناء الواضع عن أخذ الأوّل في الموضوع له؛ لأنّه لابدّ منه في الاستعمال بخلاف الثاني، غير صحيح، فإنّ ما لابدّ منه في الاستعمال إنّما هو أصل لحاظ المعنى، أمّا كونه آليّاً في الحروف أو استقلاليّاً في الأسماء، فليس ممّا لابدّ منه. فهذا أيضاً بحاجة إلى أخذه من قبل الواضع مثلاً. والشيخ الآخوند(رحمه الله)لم يقل بنفي أخذ ذلك بحسب الوضع من قبل الواضع، وإنّما قال بأنّ آليّة اللحاظ أو استقلاليّته لدى الاستعمال مأخوذة بلحاظ الوضع في نفس العلقة الوضعيّة، لا في الموضوع له، ويفترض ذلك أيضاً في الإشارة والتخاطب أيضاً.

نعم يرد على الآخوند(رحمه الله) أنّ تقييد العلقة الوضعيّة بقيد ما من دون تضيّق في الموضوع له على التصوّرات الصحيحة لحقيقة الوضع غير ممكن، وأنّ دعوى الترادف في المعنى

217


والموضوع له بين كلمة «هذا» وكلمة المفرد المذكّر مثلاً خلاف الوجدان.

وثانياً: أنّ فرض أخذ واقع الإشارة أو التخاطب من قبل الواضع في الموضوع له ـ كما أفاده السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ـ مبنيّ على مبناه من مسلك التعهّد، وكون الدلالة الوضعيّة تصديقيّة، وقد أوضحنا نحن بطلان هذا المسلك.

ويقول(رحمه الله) على ما في كتاب السيّد الهاشميّ: والصحيح: أنّ كلمة «هذا» تستبطن الإشارة بلا إشكال؛ لشهادة الوجدان اللغويّ بذلك، ولكن لا بمعنى وضعها لمفهوم الإشارة، فإنّ مفهوم الإشارة ليس إشارة، كما أنّ مفهوم النسبة ليس نسبة، ولا بمعنى وضعها لواقع الإشارة الذي هو فعل من النفس، ونحو توجّه خاصّ(1)؛ لأنّ هذا يعني كون الكلمة ذات مدلول تصديقيّ بحسب وضعها، وقد أبطلنا ذلك، ولا بمعنى وضعها للمقيّد بواقع الإشارة، لا على نحو دخول القيد والتقيّد، ولا على نحو دخول التقيّد وخروج القيد؛ لأنّه يستبطن أيضاً محذور الرجوع إلى التعهّد والدلالة التصديقيّة، بل توضيح ما نقوله من استبطان كلمة «هذا» للإشارة هو: أنّ الإشارة نحو نسبة وربط مخصوص بين المشير والمشار إليه، والنسبة الإشاريّة مع مفهوم الإشارة تكون تماماً كالنسبة الابتدائيّة مع مفهوم الابتداء، وكما أنّ النسبة الابتدائيّة لها صورة ذهنيّة في مرحلة المدلول التصوّريّ، كذلك تلك النسبة الإشاريّة، ولفظة «هذا» موضوعة لكلّ مفرد مذكّر واقع طرفاً لهذه النسبة الإشاريّة، لا بمعنى: أنّ الواقع الخارجيّ للإشارة مأخوذ، ليلزم انقلاب الدلالة الوضعيّة إلى التصديقيّة، بل الإشارة بما هي أمر نسبيّ تصوّريّ مأخوذة على حدّ سائر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى أنّ ما مضى منّا نقله من محاضرات الشيخ الفيّاض كان عبارة عن فرض الإشارة بمثل اليد أو الرأس أو العين، لا الإشارة بمعنى توجّه خاصّ من النفس، ولكن من الواضح: أنّ هذا التعبير الوارد هنا عن اُستاذنا(قدس سره) أدقّ وأنسب لمقام السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وكأنّه المقصود من التخاطب أيضاً، بمعنى: أنّه قصد بالتخاطب نحو توجّه خاصّ من النفس.

218


النسب الحرفيّة في مرحلة المدلول التصوّريّ. ونفس الشيء يقال في التخاطب أيضاً، فإنّه يحقّق نسبة معيّنة تخاطبيّة على الوجه المذكور، وعلى هذا الأساس يكون الوضع في المبهمات من قبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ.

أقول: إنّ عدم كون الواقع الخارجيّ للإشارة مأخوذاً قيداً في الموضوع له؛ لأنّه يلزم من ذلك انقلاب الدلالة الوضعيّة إلى التصديقيّة، بل المأخوذ صورة ذهنيّة عن واقع الإشارة، قد ينقض بالنسبة التصادقيّة في مثل «زيد قائم»؛ فإنّ الهيئة تعطي للذهن واقع النسبة التصادقيّة، لا صورة عنها، ومع ذلك لم تنقلب الدلالة الوضعيّة إلى التصدّقيّة، فإنّ المقياس في انقلابها إلى التصدّقيّة إنّما هو فرض رجوع الوضع إلى التعهّد، ومع عدمه لا تكون الدلالة الوضعيّة كاشفة كي يحصل بها التصديق، ومجرّد إعطاء واقع النسبة لا يعني الكشف.

ولكن يحتمل أن يكون المقصود في المقام هو: أنّه بما أنّ النسبة التصادقيّة كان بالإمكان خلق مثلها في ذهن السامع، فكون الهيئة موضوعة لواقع النسبة التصادقيّة لم يكن بمعنى الكشف عنها، ولكن النسب التي لا يمكن خلقها في ذهن السامع برغم كونها ذهنيّة الموطن بلحاظ نفس المتكلّم، وذلك كالإشارة والتخاطب، وكالاستفهام على تفسير مضى منّا للاستفهام، فهنا لا معنى لفرض كون الوضع معطياً لواقع النسبة، إلاّ أن يكون الواضع كاشفاً عن واقع النسبة. وهذا رجوع إلى الدلالة التصديقيّة، إذن فمعنى إعطاء الوضع للنسبة إلى ذهن السامع إعطاؤه لصورة ما عنها إلى ذهن السامع ولو تحليليّة. أمّا ما يوجد في نفس المتكلّم، فلا ينبغي الإشكال في أنّه عبارة عن واقع النسبة كما قلناه في الاستفهام.

ثُمّ إنّ السرّ في عدم كون مجرّد الإشارة كلاماً تامّاً برغم أنّها ذهنيّة الموطن وغير تحليليّة هو: أنّ الإشارة لابدّ لها من هدف عقلائيّ، لا يتمّ بمجرّد الإشارة، وهو الإخبارعن حالة للمشار إليه مثلاً، أو الأمر بإيجاد، أو نحو ذلك، فليس النقصان هنا

219


بمعنى تحليليّة النسبة في ذهن المتكلّم، بل بمعنىً آخر. وهذا نظير ما قاله اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في نسبة النداء، حيث فرضها تحليليّة، ولكن في نفس الوقت كان يعتبر الكلام تامّاً بمعنىً آخر من التماميّة، غير واقعيّة النسبة، وكان ذاك المعنى عبارة عن أنّ الهدف المقصود من الكلام وهو التنبيه قد حصل.

بقي الكلام في الأسماء الموصولة. والظاهر أنّها أيضاً موضوعة بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ لكلّ أمر واقع طرفاً للنسبة الناقصة بين الموصول والصلة، والتي تدلّ عليها هيئة الموصول والصلة.

وقد تقول: لماذا تكون نسبة الموصول والصلة ناقصة مع أنّها ذهنيّة المولد؟

ولكن الجواب ما مضى منّا في نسبة الوصف والموصوف، من أنّ البرهان إنّما دلّ على نقصان كلّ نسبة ذهنيّة تكون خارجيّة المولد، ولم يقم البرهان على أنّ كلّ نسبة ذهنيّة المولد لابدّ وأن تكون واقعيّة وتامّة.

ثُمّ إنّه قد اتّضح بكلّ ما ذكرناه السرّ في أنّ الأسماء المبهمة دائماً تتلوّن بلون المورد، ولا يمكن أن يجرى فيها الإطلاق بأكثر ممّا يناسبه المورد بحجّة أنّ المورد لا يخصّص الوارد، فمثلاً لو كان الحديث بين شخصين عن عدد من الرمّانات، فقال أحدهما لصاحبه: «إنّي اُحبّ ما هو أكبر» لم يكن لصاحبه أن يحمل هذا الكلام على إطلاقه في كلّ شيء يستفيد منه أنّه يحبّ في جميع الفواكه، أو الأطعمة، أو في كلّ الأشياء ما هو أكبر. والسّرّ في ذلك: أنّ الأسماء المبهمة موضوعة بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ لأيّ معنىً يشير إليه المتكلّم مثلاً، أو يريده طرفاً للصلة، فأوّلاً يجب تحديد ذاك المعنى الذي جعل طرفاً للصلة، أو مشار إليه مثلاً بمناسبات المورد، وبعد ذلك يصحّ التمسّك بإطلاق ذاك المعنى المفهوم بمناسبات المورد لأفراده، أو لحالاته.

وقد يقال ببيان آخر لتوضيح تلوّن المبهمات بلون موردها لو تمّ لم يختصّ بالمبهمات بالمعنى المصطلح المذكور في المقام بل يشمل حتّى مثل كلمة «شيء» وما شاكل ذلك

220

 

 


ممّا يكون مبهماً، بمعنى كون سعة مفاده فوق ما يؤلف قصده في الموارد المتعارفة، وإن كان يقصد مفاده بسعته الواسعة في بعض الموارد التي تناسب ذلك من قبيل: ﴿إنّ الله على كلّ شيء قدير﴾، وعندئذ يقال: إنّه في المورد الذي لا يناسب إرادة تلك السعة كما هو الغالب ينصرف عرفاً ذاك المبهم إلى دائرة المورد، ولا يفهم منه الإطلاق بالقدر المعقول من الإطلاق، فحينما يقول القائل مثلاً في مورد الأطعمة: «إنّي لا اُحبّ شيئاً» حمل ذلك على الأطعمة، لا على كلّ ما يعقل دخوله في دائرة عدم الحبّ.

وعلى أيّ حال، فسواء تمّ هذا البيان أو لم يتمّ، فلا إشكال في أنّ المورد يبطل إطلاق الأسماء المبهمة بالمعنى المصطلح لهذه الكلمة كالموصولات؛ وذلك لما عرفت من أنّ الموضوع له فيها خاصّ، فالمعنى المقصود من تلك الكلمة يجب أوّلاً تعيينه بقرينة المورد، ثُمّ إجراء الإطلاق ومقدّمات الحكمة في دائرة ذاك المعنى المقصود.

221

المقدّمة

3

 

 

 

 

 

 

الدلالة على المعنى المجازيّ

 

 

 

○ العناية المصحّحة للمجاز.

○ وجه التحقيق في المسألة.

 

223

 

 

 

 

 

 

الأمر الثالث: في أنّ المعنى المجازيّ هل يحتاج إلى عناية زائدة على الوضع الأوّل، أو لا؟

لا إشكال في أنّ اللفظ له دلالتان اقتضائيّتان: الاُولى: الدلالة على المعنى الحقيقيّ، والثانية: الدلالة على المعنى المجازيّ، ولا إشكال أيضاً في أنّ الدلالة الثانية في طول الدلالة الاُولى، أي: متوقّفة على وجود مانع عن فعليّة الدلالة الاُولى، وإلاّ لأصبحت الدلالة الحقيقيّة فعليّة، ولم تصل النوبة إلى الدلالة المجازيّة، ولا إشكال أيضاً في أنّ الدلالة الاُولى بحاجة إلى العناية الوضعيّة، وإنّما الكلام في الدلالة الشأنيّة الثانية، كدلالة «أسد» على الرجل الشجاع، فهل هي بحاجة أيضاً إلى عناية زائدة وراء الوضع الأوّل، أو لا؟ وقد وقع الخلاف في ذلك.

وهذا الخلاف ينبغي أن يكون في مجاز الكلمة لا في مجاز السكاكيّ؛ لأنّ التجوّز في مجاز السكاكيّ إنّما هو في مرحلة التطبيق والادّعاء لا في مرحلة الاستعمال، فاللفظ لم يستعمل إلاّ في معناه الحقيقيّ، فلا معنى للكلام في مرحلة الاستعمال في أنّه هل يحتاج إلى عناية وراء الوضع الأوّل، أو لا. فالكلام إنّما هو في القسم الأوّل، وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، فهناك مسلك يقول بأنّ هذا الاستعمال بحاجة إلى عناية إضافيّة وراء الوضع الأوّل.

224

العناية المصحّحة للمجاز:

وهذه العناية الإضافيّة يمكن تفسيرها بعدّة وجوه:

الوجه الأوّل: ما اختاره المحقّق العراقيّ(رحمه الله)(1) من أنّ قدماء لغة العرب ومؤسّسيها قد فتحوا باب المجاز، واستعملوا اللفظ في المعنى المجازيّ، وعلى أساس استعمالهم صحّ استعمالنا؛ إذ لو لم يكن العرب قديماً قد استعملوه لم يكن عربيّاً؛ لأنّ العربيّ ما استعمله العرب، وإذا لم يكن عربيّاً كان معنى ذلك: أنّه لم يصحّ استعماله.

وهذا الوجه غير صحيح، فإنّنا ننقل الكلام إلى نفس استعمال الأقدمين، ونقول: هل هو مستند إلى الوضع أو لا؟ فإن كان مستنداً إلى الوضع، رجعنا إلى الوجه الثالث القائل بأنّ تلك العناية هو الوضع، وسيأتي الكلام فيه، وإبطاله، وإن كان مستنداً إلى الطبع، وبنفس الوضع السابق، فنفس ما صحّح لهم الاستعمال، وأوجب لهم التفهيم صحّح لنا الاستعمال أيضاً، وأوجب لنا التفهيم في عرض واحد، وليس استعمالنا في طول استعمالهم. وأمّا دعوى: أنّهم لو لم يستعملوا لما كان عربيّاً، فغير صحيح، فإنّ المراد من العربيّ ما كان يستمدّ صحّته من الوضع العربيّ، لا ما استعملوه وجرى على لسانهم.

الوجه الثاني: ما يظهر من صاحب الكفاية كتفسير لرأي القائل بالاحتياج إلى عناية زائدة، وهو: أنّ يقال: إنّ الاستعمال المجازيّ بحاجة إلى الترخيص من قبل الواضع(2).


(1) لم أره في المقالات، ولا في نهاية الأفكار، ولعلّه موجود في تقرير آخر، أو أ نّني غفلتُ عن محلّ وجوده.

(2) راجع الكفاية، ج 1، ص 199 بحسب طبعة المشكينيّ.

225

فإن كان هذا هو مقصود صاحب هذا المسلك، ورد عليه: أنّ المراد بالترخيص: إن كان هو الترخيص التكليفيّ، فمن المعلوم أنّ هذا شأن المولى الذي تجب إطاعته، لا شأن الواضع، وإن كان هو الترخيص الوضعيّ بمعنى جعل الصحّة للاستعمال، فمن المعلوم أنّ صحّة الاستعمال بما هي هي غير مجعولة بنفسها، وإنّما تنتزع من ناحية الوضع، فرجعنا إلى الوضع، وستعرف بطلانه في ردّ الوجه الثالث.

الوجه الثالث: أن يقال: إنّ تلك العناية عبارة عن وضع جديد في قبال الوضع للمعنى الحقيقيّ، والكلام في هذا الوجه: تارةً يقع بناءً على مسلك المشهور في تفسير الوضع المصحّح للاستعمال الحقيقيّ الذي ينتج الدلالة التصوّريّة فقط، واُخرى على مسلك التعهّد الذي ينتج الدلالة التصديقيّة.

أمّا بناءً على المسلك الأوّل، فمن الواضح أنّ الكلام على هذا المسلك يقع في الدلالة التصوّريّة للّفظ على المعنى المجازيّ، لا الدلالة التصديقيّة؛ لأنّنا نريد أن نتكلّم في كيفيّة تصحيح دلالة اللفظ على المعنى المجازيّ الموازية لدلالته على المعنى الحقيقيّ الناشئة من الوضع، وهي دلالة تصوّريّة حسب الفرض، فيكون الوضع للمعنى المجازيّ بنفس المعنى للوضع للمعنى الحقيقيّ، لا بمعنى التعهّد مثلاً، فالكلام إذن في الدلالة التصوّريّة للّفظ على المعنى المجازيّ، وعلى هذا الأساس قد يقال بأنّ هذه الدلالة التصوّريّة بحاجة إلى وضع كما كانت الدلالة التصوّريّة على المعنى الحقيقيّ بحاجة إلى ذلك؛ لعدم وجود العلاقة الذاتيّة بين الألفاظ والمعاني، وهذا الوضع يمكن أن يدّعى فيه أحد وجوه:

الأوّل: أن يكون على حدّ وضع اللفظ للمعنى الحقيقيّ، غاية الأمر أنّ وضع «أسد» للحيوان المفترس شخصيّ، ووضعه للرجل الشجاع نوعيّ؛ حيث إنّ الواضع وضع كلّ لفظ له معنى حقيقيّ لما يشابه معناه الحقيقيّ.

226

ويرد عليه: أنّ هذا لا يفسّر الطوليّة بين دلالة اللفظ على المعنى الحقيقيّ ودلالته على المعنى المجازيّ، وكون الاُولى أقوى من الثانية بنحو لا تصل النوبة إلى الثانية، إلاّ في طول عدم تماميّة الاُولى؛ لأنّ الوضعين عرضيّان، فينتجان دلالتين عرضيّتين، وكذلك لا يفسّر أيضاً الطوليّة بين نفس الدلالات المجازيّة، فإنّها إذا كانت كلّها بالوضع في عرض واحد، فلماذا يكون بعضها حاكماً على بعض، وأقوى منه؟

الثاني: أن يكون الوضع الثاني للمعنى المجازيّ متعلّقاً باللفظ لا بمجرّده، بل بضمّ ضميمة، وهي القرينة الدالّة على المعنى المجازيّ، فاللفظ مع القرينة موضوع للمعنى المجازيّ.

فإن قيل: إنّ هذا الوضع لغو؛ لأنّ المفروض فيه وجود القرينة على المعنى المجازيّ، وفرض ذلك هو فرض وجود الدالّ على المعنى المجازيّ، فيكون الوضع لغواً؛ لوجود الدالّ بدونه.

قلنا: إنّ الغرض من الوضع تصحيح الاستعمال، لا مجرّد إيجاد الدلالة، ومن الواضح أنّ صحّة الإتيان بلفظ عند قصد معنىً عرفاً لا يكفي فيه مجرّد انفهام ذلك المعنى ولو بالقرينة، بل لابدّ من مناسبة خاصّة بين اللفظ والمعنى، وهي لا تحصل إلاّ بالوضع؛ ولهذا نجد أنّ إنساناً لو أراد الرجل الشجاع بكلمة قمر، ونصب قرينة على ذلك لم يكن استعماله صحيحاً، وإن كان مفهماً بلحاظ القرينة.

ويرد على هذا الوجه: أنّ صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازيّ لا تتوقّف على نصب القرينة المعيّنة للمعنى المجازيّ، فلابدّ إذن من مصحّح أوسع من الوضع المفروض.

الثالث: أن يكون الوضع الثاني متعلّقاً باللفظ المقيّد بالقرينة الصارفة

227

عن المعنى الحقيقيّ، فذات القرينة وحدها لا تكفي لانفهام المعنى المجازيّ المقصود، فلا موضوع هنا لإشكال اللغويّة التي ذكرناها في الوجه السابق، وأجبنا عليها.

ودائرة هذا الوضع وإن كانت أوسع من سابقه، ولكن دائرة صحّة الاستعمال المجازيّ أوسع من ذلك أيضاً؛ لوضوح صحّته في مورد تعلّق غرض المتكلّم بالإجمال، وعدم نصب قرينة صارفة أصلاً.

الرابع: أن تكون الضميمة التي قيّد اللفظ بها لدى وضعه للمعنى المجازيّ هي عدم إرادة المعنى الحقيقيّ لا عدم القرينة المعيّنة ولا عدم القرينة الصارفة، ومثل هذا التصوير لا يمكن أن يعترض عليه بأنّ دائرة صحّة الاستعمال أوسع من ذلك، ولكن يرد عليه: أنّه لا يمكن أن يفسِّر أقوائيّة الدلالة التصوّريّة على المعنى الحقيقيّ منها على المعنى المجازيّ في فرض صدوره بدون إرادة، كما لو صدر عن لافظ غير شاعر، كما في فرض اصطكاك الحجرين؛ لأنّ مقتضى هذا الوجه فعليّة الوضعين في هذه الصورة، ومقتضى ذلك فعليّة الدلالتين على نحو واحد، مع أنّه لا إشكال في تبادر المعنى الحقيقيّ، وعدم كون الدلالتين عرضيّتين.

ثُمّ إنّ تعقّل أخذ عدم إرادة المعنى الحقيقيّ قيداً للّفظ لا يخلو من إشكال؛ لأنّ المراد من ذلك إن كان أخذ عدم الإرادة الواقعيّ القائم في نفس المتكلّم قيداً في اللفظ الموضوع للمعنى المجازيّ، فهو يوجب عدم كون الدلالة بمعنى السببيّة بين تصوّرين، كما هو معنى الدلالة التصوّريّة المناسبة لهذا المسلك، بل بمعنى السببيّة بين تصديق وتصوّر، وإن كان بمعنى أخذ عدم الإرادة بمعناه التصوّريّ قيداً في اللفظ الدالّ على المعنى المجازيّ، فهو أشنع؛ لأنّ المستعمل استعمل اللفظ في المعنى المجازيّ بقطع النظر عن أيّ تصوّر لعدم الإرادة.

228

وجه التحقيق في المسألة:

والتحقيق: أنّ صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازيّ ودلالته التصوّريّة عليه ليست بحاجة إلى وضع زائد أصلاً، بل يكفي في ذلك نفس وضع اللفظ للمعنى الحقيقيّ؛ وذلك لأنّ الوضع كما تقدّم يوجد اقتراناً تصوّريّاً أكيداً بين اللفظ والمعنى الحقيقيّ، وهذا الاقتران هو ملاك الانتقال التصوّريّ من اللفظ إلى المعنى، وهناك اقتران تصوّريّ فطريّ بين المعنى الحقيقيّ والمعنى المجازيّ لشدّة المشابهة بينهما مثلاً، وينتج عن مجموع الاقترانين اقتران تصوّريّ أضعف بين نفس اللفظ والمعنى المجازيّ، وهذا الاقتران نحو علاقة بين اللفظ والمعنى مصحّحة للاستعمال من قبل المتكلّم، وللانتقال والدلالة التصوّريّة في ذهن السامع، ولمّا كانت درجة هذا الاقتران المتحصّل أضعف من درجة الاقتران الأوّل؛ لأنّه اقتران بالواسطة كانت الدلالة اللفظيّة على المعنى الحقيقيّ أشدّ من الدلالة اللفظيّة على المعنى المجازيّ، وبذلك نفسّر الطوليّة بين الدلالتين، بل الطوليّة بين الدلالات المجازيّة فيما بين أنفسها أيضاً؛ لأنّ مراتب الاقتران بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ مختلفة، فتختلف تبعاً لذلك درجة الاقتران الناشئ الذي يقوم بين اللفظ والمعنى المجازيّ.

وأمّا بناءً على المسلك الثاني، وهو المسلك القائل بالتعهّد، فقد يقال بالاحتياج إلى تعهّد خاصّ بالمعنى المجازيّ، وعدم الاكتفاء بالعلاقة التي أشرنا إلى حصولها بين اللفظ والمعنى المجازيّ؛ لأنّ هذا المسلك يرى أنّ دلالة اللفظ الوضعيّة على المعنى الحقيقيّ دلالة تصديقيّة، والمطلوب في المقام تصحيح دلالة اللفظ على المعنى المجازيّ في ظرف وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقيّ على نحو دلالة اللفظ الوضعيّة على المعنى الحقيقيّ عند التجرّد عن القرينة، وهذا يعني: أنّ المقصود في المقام تفسير وتبرير الدلالة التصديقيّة للفظ على المعنى المجازيّ،

229

والدلالة التصديقيّة لا تحصل بمجرّد المناسبة الطبيعيّة والاقتران التصوّريّ، بل إنّما تحصل بسبب الملازمة التي تنشأ من التعهّد، فلابدّ من الالتزام بالتعهّد لتصحيح الدلالات المجازيّة.

وما يقال في تصوير التعهّد المذكور بنحو يتعقّل الجمع بينه وبين التعهّد المصحّح للدلالة على المعنى الحقيقيّ عدّة أنحاء:

أحدها: الالتزام بتعهّدين، وطرف أحد التعهّدين هو اللفظ المجرّد عن قرينة قائمة على المعنى المجازيّ، وطرف التعهّد الآخر هو اللفظ المقرون بالقرينة المعيّنة للمعنى المجازيّ.

ويرد عليه: أنّ هذا التعهّد الثاني لغو، لا يفيد لا لتصحيح الاستعمال بمعنى إخراجه عن كونه استعمالاً بلا مناسبة، من قبيل: استعمال القمر في الرجل الشجاع مع القرينة؛ لما عرفت من أنّ الاقتران بالواسطة الذي يحصل بين اللفظ والمعنى المجازيّ يكفي لتصحيح الاستعمال بهذا المعنى، ولا للهدف المفروض من إيجاد الدلالة التصديقيّة؛ لكفاية القرينة المعيّنة للمعنى المجازيّ لإيجاد الدلالة التصديقيّة، فنفس القرينة تكون بمثابة تعهّد شخصيّ في كلّ استعمال، فلا حاجة إلى التعهّد النوعيّ.

ثانيها: الالتزام بأنّ طرف التعهّد الثاني هو اللفظ المقيّد بالقرينة الصارفة. ولا يرد عليه إشكال اللغويّة؛ لعدم كفاية القرينة الصارفة في الدلالة على المعنى المجازيّ، ولكن يرد عليه كما يرد على سابقه ـ بعد الالتفات إلى أنّ دائرة صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازيّ أوسع من موارد وجود القرينة الصارفة فضلاً عن المعيّنة؛ لوجاهة استعمال اللفظ في المعنى المجازيّ عرفاً بلا قرينة في حالات تعلّق الغرض بالإبهام، وهذا كاشف عن أنّ ملاك صحّة الاستعمال ليس هو التعهّد المذكور، بل المناسبة الطبيعيّة ـ ما سوف يأتي توضيحه، من أنّ ذلك يكفي

230

لإيجاد الدلالة التصديقيّة أيضاً بلا ضمّ التعهّد المذكور، فيكون لغواً.

ثالثها: الالتزام بأنّ طرف التعهّد الثاني هو اللفظ المقرون بعدم إرادة المعنى الحقيقيّ، لا بالقرينة. ودائرة هذا التعهّد ليست أضيق من دائرة صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازيّ، فلا يكون صاحب هذا الوجه مضطرّاً إلى التسليم بوجود ملاك لصحّة الاستعمال في المعنى المجازيّ، سوى التعهّد المفترض، وبهذا الوجه تحفظ الطوليّة بين التعهّدين؛ حيث إنّ مقتضى أصالة الوفاء بالتعهّد الأوّل هو إرادة المعنى الحقيقيّ من اللفظ الخالي من القرينة، ولكن متى ما بطل مفاد هذا الأصل إمّا تخصّصاً لوجود القرينة، أو تخصيصاً مخالفةً للتعهّد الأوّل، تنقّح بذلك موضوع التعهّد الثاني.

رابعها: الالتزام بتعهّدين مطلقين: أحدهما: التعهّد بقصد تفهيم المعنى الحقيقيّ، والآخر: التعهّد بقصد تفهيم أحد المعنيين: الحقيقيّ أو المجازيّ، فمع عدم القرينة يكون مقتضى أصالة الوفاء بكلا التعهّدين الحمل على المعنى الحقيقيّ، وإذا علم بالإخلال بالتعهّد الأوّل جرت أصالة الوفاء بالتعهّد الثاني.

ولكن التحقيق: أنّ فرض تعهّد آخر بلحاظ المعنى المجازيّ لغو؛ لتماميّة الدلالة التصوّريّة والتصديقيّة للّفظ على المعنى المجازيّ بدونه.

أمّا الدلالة التصوّريّة، وهي دلالة اُنسيّة عند أصحاب التعهّد، وليست وضعيّة، فهي حاصلة بعد فرض غضّ النظر عن المعنى الحقيقيّ؛ وذلك للمناسبة الطبعيّة التي أشرنا إليها سابقاً. وهذه الدلالة الاُنسيّة وإن لم توجب بمفردها تلازماً بين اللفظ وقصد المعنى المجازيّ المؤدّي إلى الدلالة التصوّريّة، ولكنّها تكفي لتصحيح الاستعمال وإخراجه عن كونه غلطاً؛ لوضوح: أنّ إخراج الاستعمال عن كونه غلطاً لا يتوقّف على فعليّة الكشف التصديقيّ للّفظ عن المراد، وإلاّ لما صحّ الاستعمال في موارد الإجمال، وإنّما يكفي فيه كون اللفظ ممّا يترقّب، أو من شأنه أن يلفت