231

المعاملات

8

 

 

 

 

كتاب المضاربة

 

 

 

 

 

 

 

233

 

 

 

 

 

وهي: أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتّجر فيه على أن يكون له حصّة من الربح (1)، ولا تصحّ إلّا بالأثمان من الذهب والفضّة، فلا تصحّ بالأوراق النقديّة، ولا بالفلوس، ولا النَيكل، ولا بغيرها من المسكوكات المعدودة من الأثمان، كما لا تصحّ أيضاً بالعروض، فإذا اُريد المعاملة على الفلوس أو النَيكل أو العروض أو نحوها قصدا المعاملة بنحو الجعالة، فتجري عليها أحكام الجعالة لا المضاربة (2). ثمّ إنّك عرفت أنّ مقتضى المضاربة الشركة في الربح، ويكون للعامل ما شرط له



(1) المضاربة اسم لما قاله المصنّف(رحمه الله) من دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليتّجر فيه على أن تكون له حصّة من الربح، ولها بعض أحكامها الخاصّة التعبّديّة، من قبيل: أنّ العامل لو خالف قيود صاحب المال، من قبيل: عدم الاتّجار بالمال في بلد آخر، أو عدم اتّجاره إلّا بالجنس الفلانيّ، فخسر، تحمّل العامل الخسارة، ولكن لو ربح، كان الربح بينهما وفق النسبة التي كانت مفروضة بينهما.

أمّا لو سمّي عقد آخر بغير هذا المضمون، وكان عُرفيّاً، فشمله ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾، فذلك ليس مضاربة حاملة لحكم تعبّديّ من هذا القبيل.

(2) روايات المضاربة لم يرد فيها إلّا عنوان المضاربة بالمال، وهذا العنوان صادق على الاتّجار بكلّ عين يمكن البيع والشراء بها، سواء كان بالأثمان من الذهب والفضّة، أو بالأوراق المألوفة في زماننا، أو بالعروض، ولا داعي للقيد الموجود في المتن(1).


(1) والإجماعات المنقولة المحتملة المدركيّة لا قيمة لها. وتجد قسماً من روايات المضاربة في الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، كتاب المضاربة، ب 1، ص 15 ـ 18.

234

من الحصّة ربعاً أو نصفاً أو غير ذلك، وإذا وقعت فاسدةً كان للعامل اُجرة المثل، ويكون تمام الربح لصاحب المال (1).

(مسألة: 1) المضاربة من العقود الجائزة(2) تبطل بالموت والجنون (3).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «هذا إذا كان قد ظهر ربح، وأمّا إذا ظهر عدمه، فلا إشكال في عدم استحقاق العامل لاُجرة المثل، وأمّا إذا لم يتبيّن بعدُ، وكان العامل قد أنجز بعض العمليّة التي يترقّب ربح بإكمالها، فلا يبعد ثبوت اُجرة المثل...»، والظاهر صحّة ما أفاده(قدس سره)(1).

(2) أصل كون المضاربة من العقود الجائزة ثابت بالإجماع القطعيّ، ولكن ليس هذا معناه: أنّ للمالك حقّ الفسخ بعد ظهور الربح كي يتملّك كلّ الربح، ويعطي للعامل اُجرة المثل لعمله، وإنّما معناه: أنّ المالك غير ملزم بإبقاء إذنه للعامل بالعمل، فلو سحب إذنه تعذّر على العامل العمل، فإن كان بعد ظهور الربح كانت للعامل حصّته من الربح، وإن كان بعد ظهور عدمه فلا شيء له، وإن كان قبل ظهور الربح وظهور عدمه فله اُجرة المثل كما تقدّم في المسألة السابقة.

وأيضاً العامل له حقّ الفسخ، وهذا لا يعني: أنّ له أن يفسخ حتّى يبدّل حصّته من الربح باُجرة المثل، وإنّما يكون حال الربح والعمل ما ذكرناه، فإن كان الفسخ بعد ظهور الربح فله حصّته من الربح، وإن كان بعد ظهور عدمه فلا شيء له، وإن كان قبل ظهور الربح وقبل ظهور عدمه فله اُجرة المثل لمقدار عمله.

وهذا التفسير لكون المضاربة من العقود الجائزة من إفادات اُستاذنا(قدس سره).

(3) فصّل اُستاذنا الشهيد(قدس سره) بين الموت والجنون، فقال في الموت: بأنّ الأقرب


(1) لأنّه إذا ظهر عدم الربح، فقد أسقط هو احترام عمله بالتزامه بعدم أخذ شيء إن لم يكن ربح، وإذا ظهر الربح فلم يسقط هو احترام عمله، ولم يسلم له الربح؛ لفرض فساد المعاملة، فيستحقّ اُجرة المثل، وأمّا إذا لم يتبيّن شيء، فهو حتّى الآن لم يسقط احترام عمله، فيستحقّ اُجرة المثل؛ لأنّه عمل بأمر صاحب المال.

235

(مسألة: 2) يجب على العامل أن يقتصر على التصرّف المأذون، فإذا أمره أن يبيعه بسعر معيّن أو بلد معيّن أو سوق معيّن فتعدّى إلى غيره لم ينفذ تصرّفه وتوقّف على الإجازة. نعم، إذا أطلق صاحب المال الإذن ولم يعيِّن تصرّف كيف شاء على الوجه اللائق في نظره.

(مسألة: 3) لا يشترط العلم بمقدار المال وإن كان أحوط.

(مسألة: 4) يملك العامل الحصّة بالظهور، ولا خسران عليه بدون التفريط، وإذا اشترط عليه تحمّل الخسران لم يصحَّ الشرط، وفي بطلانها بذلك إشكال (1).



بطلانها به، وقال في الجنون: بأنّ إطلاق بطلانها بالجنون محلّ إشكال.

وكلامه(قدس سره) وجيهٌ(1).

(1) يصحّ الشرط وتبطل المضاربة، فيصير الربح كلّه للعامل(2).


(1) أمّا توضيح ما أفاده في فرض الموت، فهو: أنّ من حقّ مالك الأرض مثلاً أن يأكل في حياته ربح أرضه لما بعد موته بمثل الإيجار، فتنتقل الأرض إلى الوارث مسلوبة المنفعة، ولكن ليس من حقّ صاحب العمل أن يأكل عمل ما بعد موته ـ أي: العمل الذي كان يصدر منه لو كان يبقى حيّاً ـ ولا من حقّ التاجر أن يأكل ربح التجارة بماله بلحاظ ما بعد موته.

وأمّا استشكاله(قدس سره) في إطلاق بطلانه بالجنون، فتوضيحه: أنّه إذا افترضنا أنّ مالك المال هو الذي عرض عليه الجنون، فمن حقّ وليّه أن يُمضي المعاملة حينما يرى مصلحته في ذلك.

وإذا افترضنا أنّ العامل هو الذي عرض عليه الجنون، فقد يتّفق أنّ المجنون يكون قادراً على إنجاز العمل، وعندئذ يكون أيضاً من حقّ وليّه أن يُمضي المعاملة حينما يرى المصلحة في ذلك.

(2) كما دلّ على ذلك صحيح محمّد بن قيس، الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من المضاربة، ص 22 ـ 23.

236

(مسألة: 5) إذا اختلف المالك والعامل في قدر رأس المال وفي التلف وفي عدم التفريط وفي الخسران كان القول قول العامل، وإذا اختلفا في ردِّ المال كان القول قول المالك على الأقوى، وكذا إذا اختلفا في قدر نصيب العامل.

(مسألة: 6) ينفق العامل في السفر من أصل المال قدر كفايته.

(مسألة: 7) قيل: إنّ الإطلاق يقتضي الشراء بعين المال لا بالذمّة، وفيه إشكال، بل منع. نعم، لا يجوز له الشراء بأكثر من ثمن المثل إلّا إذا اقتضت المصلحة ذلك.

(مسألة: 8) إذا فسخ المالك المضاربة قبل ظهور الربح ففي استحقاق العامل اُجرة المثل قولان، أقواهما العدم، وأولى منه بذلك مالو كان الفسخ من العامل، أو حصل الانفساخ القهريّ بموت أو جنون (1).



(1) متى ما وقع فسخ أو انفساخ، فحاله حال ما إذا وقعت المضاربة فاسدة في ما مرّ منّا: من أنّه إذا ظهر عدم الربح، فلا ضمان على صاحب المال، وإذا ظهر الربح فله حصّة منه، وإذا لم يظهر بعدُ شيء، فالعامل يستحقّ اُجرة المثل.

237

المعاملات

9

 

 

 

كتاب الوديعة

 

 

 

 

 

238

 

 

239

 

 

 

 

 

وهي من العقود الجائزة، ومفادها الائتمان في الحفظ.

(مسألة: 1) يجب حفظ العين بمجرى العادة، وإذا عيّن المالك محرزاً تعيّن، فلو خالف ضمن إلّا مع الخوف إذا لم ينصَّ المالك على الخوف، وإلّا ضمن حتّى مع الخوف، وكذا يضمن لو تصرّف فيها تصرّفاً منافياً للاستئمان وموجباً لصدق الخيانة، كما إذا خلطها بماله بحيث لا تتميّز، أو أودعه كيساً مختوماً ففتح ختمه، أو أودعه طعاماً فأكل بعضه، أو دراهم فاستقرض بعضها، وإذا أودعه كيسين فتصرّف في أحدهما ضمنه دون الآخر، وإذا كان التصرّف لا يوجب صدق الخيانة كما إذا كتب على الكيس بيتاً من الشعر أو نقش عليه نقشاً أو نحو ذلك، فإنّه لا يوجب ضمان الوديعة وإن كان التصرّف حراماً لكونه غير مأذون فيه.

(مسألة: 2) يجب على الودعيِّ علف الدابّة وسقيها، ويرجع به على المالك.

(مسألة: 3) إذا فرّط الودعيّ ضمن، ولا يزول الضمان إلّا بالردِّ إلى المالك، أو الإبراء منه.

(مسألة: 4) يجب على الودعيّ أن يحلف للظالم ويورّي إن أمكن (1)، ولو



(1) لا يجب عليه أن يورّي وإن كان أحوط وأحسن، ونحن لا نفرّق في الحكم بين التورية والكذب، فمتى ما حرم الكذب حرمت التورية.

240

أقرّ له ضمن.

(مسألة: 5) يجب ردّ الوديعة إلى المودِع أو وارثه بعد موته وإن كان كافراً، إلّا إذا كان المودِع غاصباً فيجب ردّها إلى مالكها، فإن ردّها إلى المودِع ضمن، ولو جهل المالك عرّف بها، فإن لم يعرفه تصدّق بها عنه، فإن لم يرضَ بذلك ضمنها، ولو أجبره الغاصب على أخذها منه لم يضمن، وإذا أودعه الكافر الحربيّ حرمت عليه الخيانة، ولم يصحّ له التملّك للمال ولا بيعه (1).

(مسألة: 6) إذا اختلف المالك والودعيّ في التلف وعدم التفريط والردّ وقيمة العين كان القول قول الودعيِّ مع يمينه، وإذا اختلفا في أنّها دين أو وديعة مع التلف كان القول قول المالك مع يمينه (2).

(مسألة: 7) لا يصحّ إيداع الصبيِّ والمجنون، فإن لم يكن مميِّزاً لم يضمن الوديعة حتّى إذا أتلف، وإذا كان مميِّزاً ضمن بالإتلاف. وهل يضمن بمجرّد



(1) لا أقلّ من إطلاق دليل وجوب ردّ الأمانات إلى أهلها، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾(1).

(2) لموثّقة إسحاق بن عمّار، قال: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنّما كانت لي عليك قرضاً، فقال: المال لازم له، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة»(2).

وموثّقه الآخر عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل قال لرجل: لي عليك ألف درهم، فقال الرجل: لا، ولكنّها وديعة، فقال أبو عبدالله(عليه السلام): القول قول صاحب المال مع يمينه»(3).


(1) 4 سورة النساء، الآية: 58.

(2) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 7 من الوديعة، ص 85.

(3) الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 18 من الرهن، ص 404.

241

القبض وإن لم يكن مفرّطاً ؟ إشكال (1). نعم، إذا كان بإذن الوليّ لم يضمن بالقبض ويضمن بالإتلاف، وفي ضمانه بالتفريط والإهمال إشكال (2).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أظهره عدم الضمان». ونِعمَ ما أفاد(1).

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «الأظهر الضمان». ونِعمَ ما أفاد(2).


(1) لأنّ تسليطه عليه كان من قبل المالك، فما لم يفرّط في حفظه لا دليل على ضمانه.

(2) لأنّ تفريطه يعني بالنتيجة إتلافه، وهو مميّز بحسب الفرض، فيضمن.

243

المعاملات

10

 

 

 

 

كتاب العارية

 

 

 

 

 

 

 

245

 

 

 

 

 

وهي عقد ثمرته التبرّع بالمنفعة (1).

(مسألة: 1) كلّ عين مملوكة يصحّ الانتفاع بها مع بقائها، تصحّ إعارتها، وتجوز إعارة ما تملك منفعته وإن لم تملك عينه.

(مسألة: 2) ينتفع المستعير على العادة الجارية ولا يجوز له التعدّي عن ذلك، فإن تعدّى ضمن، ولا يضمن مع عدمه إلّا أن يشترط عليه الضمان، أو تكون العين من الذهب أو الفضّة وإن لم يكونا مسكوكين على إشكال ضعيف(2)، ولو اشترط عدم الضمان فيهما صحّ.



(1) العارية يمكن تصوّرها بشكلين:

الأوّل: أن يقصد المعير تمليك المستعير المنفعة مجّاناً، فلو غصبها غاصب ضمن المنافع للمستعير.

والثاني: ما هو ظاهر الاستعارة لو كانت بدون قرينة، وهو التسليط على العين للانتفاع بها، فلو غصبها غاصب ضمن منافعها للمالك، لا للمستعير.

(2) قوله: «على إشكال ضعيف» راجع إلى قوله: «وإن لم يكونا مسكوكين»، ومعنى العبارة: أنّ الضمان في المسكوك لا شكّ فيه؛ للروايات، وفي غير المسكوك أيضاً يقوى احتمال الضمان؛ للروايات المطلقة الواردة في مطلق الذهب والفضّة؛ لأنّ إطلاق الروايات المطلقة لا يقيّد بالروايات الخاصّة بالمسكوك؛ لأنّهما مثبتتان لا تعارض بينهما، فالإشكال في ذلك ضعيف، ولكنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) قال: «بل الإشكال قويّ، ولكن لا

246

(مسألة: 3) إذا نقصت العين المستعارة بالاستعمال المأذون فيه لم تضمن، وإذااستعار من الغاصب ضمن، فإن كان جاهلا رجع على المعير بما أخذ منه إذا كان قد غرّه.

(مسألة: 4) إذا أذن له في انتفاع خاصٍّ لم يجز التعدّي عنه إلى غيره وإن كان معتاداً.

(مسألة: 5) تصحّ الإعارة للرهن، وللمالك المطالبة بالفكّ بعد المدّة، بل قيل: له المطالبة قبلها أيضاً(1) ولا يبطل الرهن، وإذا لم يفكَّ الرهن جاز بيع العين في وفاء الدين، وحينئذ يضمن المستعير العين بما بيعت به، إلّا أن تباع بأقلّ من قيمة المثل (2)، وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير الفكِّ إشكال (3).



يترك معه الاحتياط»، ونِعمَ ما أفاد(1).

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «هذا القول قريب». ونِعمَ ما أفاد(2).

(2) فحينئذ يضمن ثمن المثل.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «لا يبعد عدم الضمان، إلّا إذا اشترط». ونِعمَ ما أفاد(3).


(1) وذلك لأنّ احتمال كون الروايات الخاصّة بالمسكوك مفسّرة لعنوان الذهب والفضّة الواردين في الروايات المطلقة قويّ. راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من العارية، ص 96 ـ 97.

(2) لأنّنا إن فسّرنا العارية بمعنى التمليك المجّانيّ للمنفعة، فالمنفعة الباقية هبة غير مقبوضة، ولا شكّ في عدم لزومها، أو قل: إنّ التمليك بعدُ غير تامّ؛ لأنّ المنفعة الباقية لا تعتبر أمراً موجوداً قبل وقتها، وإن فسّرنا العارية بمعنى تسليط المستعير على العين، فهي من العقود الإذنيّة البحت، من قبيل: الوكالة والوديعة، ولا تشتمل على ربط قرار بقرار، كي يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقود.

(3) لأنّ الإعارة كانت مستمرّة إلى حين التلف، وتلف العين المعارة لا يوجب الضمان.

247

المعاملات

11

 

 

 

 

كتاب اللُقطَة

 

 

 

 

 

 

249

 

 

 

 

 

وهي المال الضائع الذي لا يد لأحد عليه المجهول مالكه.

(مسألة: 1) الضائع إمّا إنسان، أو حيوان، أو غيرهما من الأموال، والأوّل يسمّى لقيطاً، والثاني يسمّى ضالّة، والثالث يسمّى لُقطةً بالمعنى الأخصّ.

(مسألة: 2) لقيط دار الإسلام محكوم بحرّيّته.

(مسألة: 3) أخذ اللقيط واجب على الكفاية إذا توقّف عليه حفظه، فإذا أخذه كان أحقّ بتربيته وحضانته من غيره، إلّا أن يوجد من له الولاية عليه لنسب أو غيره، فيجب دفعه إليه حينئذ ولا يجري عليه حكم الالتقاط.

(مسألة: 4) ما كان في يد اللقيط من مال محكوم بأنّه ملكه.

(مسألة: 5) يشترط في ملتقط الصبيّ: البلوغ والعقل والحرّيّة، فلا اعتبار بالتقاط الصبيّ والمجنون والعبد إلّا بإذن مولاه، بل يشترط الإسلام فيه إذا كان اللقيط محكوماً بإسلامه، فلو التقط الكافر صبيّاً في دار الإسلام لم يجرِ على التقاطه أحكام الالتقاط، ولا يكون أحقَّ بحضانته.

(مسألة: 6) اللقيط إن وجد متبرّع بنفقته أنفق عليه، وإلّا فإن كان له مال اُنفق عليه منه بعد الاستئذان من الحاكم الشرعيّ أو من يقوم مقامه،

250

وإلّا أنفق الملتقط من ماله عليه ورجع بها عليه إن لم يكن قد تبرّع بها، وإلّا لم يرجع (1).

(مسألة: 7) يكره أخذ الضالّة حتّى لو خيف عليها التلف.

(مسألة: 8) إذا وجد حيوان في غير العمران كالبراري والجبال والآجام والفلوات ونحوها من المواضع الخالية من السكّان: فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن السباع لكبر جثّته أو سرعة عدوه أو قوّته ـ كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها ـ لم يجز أخذه، سواء أكان في كلا وماء أم لم يكن فيها إذا كان صحيحاً يقوى على السعي إليهما، فإن أخذه الواجد حينئذ كان آثماً وضامناً له وتجب عليه نفقته، ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلَبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته، وإذا ركبه أو حمّله حملا كان عليه اُجرته، ولا يبرأ من ضمانه إلّا بدفعه إلى مالكه. نعم، إذا يئس من الوصول إليه ومعرفته تصدّق به عنه بإذن الحاكم الشرعيّ. وإن كان الحيوان لا يقوى على الامتناع من السباع جاز له أخذه كالشاة وأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ ونِعمَ ما أفاد ـ: «أنّه لا يبعد جواز الرجوع فيما إذا اختار اللقيط بعد البلوغ قطع الصلة بملتقطه، وتوالى آخرين؛ لإطلاق رواية عبدالرحمن»، ويقصد(رحمه الله) بالرواية صحيحة عبدالرحمن العرزميّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام)، قال: «المنبوذ حرّ، فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه، وإلّا فليردّ عليه النفقة، وليذهب فليوالِ من شاء»(1).


(1) راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 22 من اللقطة، ح 3، ص 467.

251

ونحوها، فإن أخذه فالأحوط(1) أن يعرّف بها في موضع الالتقاط(2) وماحوله (3)، فإن لم يعرف المالك جاز له تملّكها والتصرّف فيها بالأكل والبيع، والمشهور أنّه يضمنها حينئذ بقيمتها، وقيل: لا يضمن بل عليه دفع القيمة إذا جاء صاحبها من دون اشتغال ذمّته بمال، وكلاهما محلّ إشكال (4)، وجاز له أيضاً إبقاؤها عنده إلى أن يعرف صاحبها ولا ضمان عليه حينئذ.

(مسألة: 9) إذا ترك الحيوان صاحبه في الطريق: فإن كان قد أعرض عنه جاز لكلِّ أحد تملّكه كالمباحات الأصليّة، ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه عن جهد وكلل بحيث لا يقدر أن يبقى عنده ولا يقدر أن يأخذه معه، فإذا كان الموضع الذي تركه فيه لا يقدر فيه الحيوان على التعيّش فيه لأنّه لاماء فيه ولا كلأ ولا يقوى الحيوان فيه على السعي إليهما جاز لكلِّ أحد أخذه وتملّكه، وأمّا إذا كان



(1) إن لم يكن الأقوى(1).

(2) سنة كاملة على الأحوط.

(3) لا شكّ في أنّ الاحتياط الحسَن هو توسعة التعريف لما حوله وإن كنّا لم نجد دليلاً على ذلك.

(4) إنّما يتمّ الضمان بعد التعريف سنة إن جاء صاحبها يطلبها(2).


(1) لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء، هل تحلّ له؟ قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، فخذها وعرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلبها أن ترّد عليه ثمنها». راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 13 من اللقطة، ح 6، ص 459.

(2) لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) الآنف الذكر.

252

يقدر الحيوان فيه على التعيّش لم يجز لأحد أخذه ولا تملّكه، فمن أخذه كان ضامناً له، وكذا إذا تركه عن جهد وكان ناوياً للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه.

(مسألة: 10) إذا وجد الحيوان في العمران ـ وهو المواضع المسكونة التي يكون الحيوان فيها مأموناً كالبلاد والقرى وما حولها ممّا يتعارف وصول الحيوان منها إليه ـ لم يجز له أخذه، ومن أخذه ضمنه، والأحوط لو لم يكن أقوى وجوب التعريف سنةً كغيره من اللقطة، وبعدها يبقى في يده مضموناً إلى أن يؤدّيه إلى مالكه، فإن يئس منه تصدّق به بإذن الحاكم الشرعيّ. نعم، إذا كان غير مأمون من التلف عادةً لبعض الطوارئ لم يبعد جريان حكم غير العمران من جواز تملّكه في الحال بعد التعريف على الأحوط ومن ضمانه له كما سبق. هذا كلّه في غير الشاة، أمّا هي فالمشهور أنّه إذا وجدها في العمران حبسها ثلاثة أيّام، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها، ولا يخلو من وجه (1).

(مسألة: 11) إذا دخلت الدجاجة أو السخلة في دار الإنسان لا يجوز له أخذها، ويجوز إخراجها من الدار وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها، أمّا إذا



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولكنّه غير وجيه». ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) لأنّ الرواية الدالّة على ذلك عبارة عمّا ورد في الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسةآل البيت، ب 13 من اللقطة، ح 6، ص 459 بسند الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن موسى الهمدانيّ عن منصور بن العبّاس عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن عبدالله بن بكير عن ابن أبي يعفور قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): جاء رجل من المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة، فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام ويسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، وإلّا باعها وتصدّق بثمنها».

والرواية ساقطة سنداً بمحمّد بن موسى الهمدانيّ المتّهم بالوضع والكذب، وبمنصور بن عبّاس الذي لا دليل على وثاقته عدا وقوعه في سند كامل الزيارات، ولا عبرة لدينا به.

253

أخذها ففي جريان حكم اللقطة عليها إشكال، والأحوط التعريف بها حتّى يحصل اليأس من معرفة مالكها (1)، ثمّ يتصدّق بها ويضمنها لصاحبها إذا ظهر.

(مسألة: 12) إذا احتاجت الضالّة إلى النفقة: فإن وجِد متبرّع بها أنفق عليها، وإلّا أنفق عليها من ماله ورجع بها على المالك (2)، وإذا كان للّقطة نماء أو منفعة استوفاها الملتقط(3) ويكون بدل ما أنفقه عليها، ولكن بحسب القيمة على الأقوى.

(مسألة: 13) كلّ مال ليس حيواناً ولا إنساناً إذا كان ضائعاً ومجهول المالك



(1) الأحوط وجوباً التعريف سنة كاملة برغم حصول اليأس قبل ذلك.

(2) الظاهر: أنّ المقصود هو فرض جواز أخذ الضالّة؛ إذ في فرض الحرمة يكون غاصباً، ومن الواضح عدم الرجوع في فرض الغصب إلى المالك بما أنفق، ولكن الأحوط وجوباً عندنا عدم الرجوع إلى المالك حتّى في مورد جواز الالتقاط(1).

(3) إن كان التقاطها من القسم الجائز.


(1) ولعلّ خير دليل على الرجوع إلى المالك صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام)قال: «سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها». الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من اللقطة، ح 8، ص 443 بناءً على تفسير الرواية بأنّ المقصود بالجارية الأمة، وأنّ بيعها يكون لأخذ مقدار ما أنفق عليها.

ولكن ذكر محقّق كتاب التهذيب، ج 6، علي أكبر الغفّاريّ: أنّ المراد بالجارية هنا الصبيّة في قبال الغلام، و «بيعها» محرّف استخدامها؛ إذ لو كان حلّ له بيعها حلّ له فرجها، فإنّ الذي يبتاعها يبتاعها غالباً لذلك، وتصير ملك يمينه [فلم لا يحلّ له تملّكها مع دفع تتمّة القيمة لو كانت إلى المالك].

واستشهد هذا المحقّق لذلك أيضاً برواية محمّد بن أحمد بحسب نسخة الكافي، أو قل: رواية محمّد بحسب نسخة التهذيب ـ وأنا لم أعرف من هو محمّد بن أحمد، ولا من هو محمّد. راجع الوسائل، المجلّد السابق من الطبعة السابقة، ب 22 من اللقطة، ح 4، ص 467 ـ قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن اللقيطة، فقال: لا تباع ولا تشترى، ولكن تستخدم بما أنفقت عليها».

254

ـ وهو المسمّى لقطة بالمعنى الأخصّ ـ يجوز أخذه على كراهة، ولا فرق بين ما يوجد في الحرم وغيره، وإن كانت كراهة الأخذ في الأوّل أشدّ وآكد، حتّى قيل: إنّه حرام، بل هو المشهور، ولكنّه ضعيف (1).

(مسألة: 14) اللقطة المذكورة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها بمجرّد الأخذ، ولا يجب فيها التعريف ولا الفحص عن مالكها (2)، وفي ملكها بدون قصد التملّك قول، والأحوط الأوّل، ثمّ إذا جاء المالك: فإن كانت العين موجودةً ردّهاإليه، وإن كانت تالفةً لم يكن عليه البدل، وقيل: عليه البدل، وهو ضعيف، وإن كان قيمتها درهماً فما زاد وجب عليه التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم يعرفه:



(1) والأحوط استحباباً الاجتناب.

(2) ليس المقياس عنوان مادون الدرهم، وإنّما المقياس: أنّ كلّ لقطة يكون ظاهر حال الناس فيها عدم الاهتمام بالمطالبة بها يجوز أخذها والتصرّف فيها، وإذا جاء المالك بعد ذلك وطالب بماله، وجب ردّه، ومع عدم تيسّر العين فله البدل كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره)(1).


(1) أمّا عدم العبرة بعنوان مادون الدرهم، فلأنّ دليله: إمّا هو مرسل الصدوق: «وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك، فلا تعرّفها» الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من اللقطة، ح 9، ص 443، أو خبر محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله(عليه السلام): «وما كان دون الدرهم فلا يعرّف». نفس المصدر، ب 4 من اللقطة، ح 1، ص 446 ـ 447. وهذا أيضاً ساقط بالإرسال.

وأمّا كون العبرة بكون ظاهر حال الناس فيها عدم الاهتمام بالمطالبة، فدليله: إمّا عبارة عن إذن الفحوى، أو عبارة عن صحيح حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بلقطة العصا والشظاظ [عود صغير يدخل في عروة الخرج ويشدّ عليه] والوتد والحبل والعقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر(عليه السلام): ليس لهذا طالب». وسواء كان الدليل إذن الفحوى أو كان الدليل هذا الحديث تنتهي الدلالة إذا جاء الطالب وطالب بماله.

255

فإن كان قد التقطها في الحرم تخيّر بين أمرين: التصدّق بها عن مالكها (1)، وإبقائها أمانةً عنده لمالكها وليس له تملّكها، وإن التقطها في غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة: تملّكها مع الضمان، والتصدّق بها مع الضمان (2)، وإبقائها أمانةً في يده بلا ضمان.

(مسألة: 15) المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه دون غيره من الأمكنة والأزمنة (3).

(مسألة: 16) المراد من الدرهم ما يزيد على نصف المثقال الصيرفيّ قليلا، فإنّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع مثقال (4).

(مسألة: 17) إذا كان المال لا يمكن فيه التعريف: إمّا لأنّه لاعلامة فيه كالمسكوكات المفردة والمصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه الأزمنة، أو لأنّ مالكه قد سافر إلى البلاد البعيدة التي يتعذّر الوصول إليها، أو لأنّ الملتقِط يخاف من الخطر والتهمة إن عرّف بها، أو نحو ذلك من الموانع سقط التعريف، والأحوط التصدّق بها عنه، وإن كان جواز التملّك لا يخلو من وجه (5).



(1) لا تجب نيّة كون التصدّق عن مالكها.

(2) بمعنى: أنّه لو وجد صدفة المالك بعد التملّك أو التصدّق، خيّره بين قبول ثواب المال وبين المطالبة بالمبلغ.

(3) قد عرفت أنّه لا عبرة بقيمة الدرهم أصلاً.

(4) مع إنكار مقياس الدرهم ـ كما عرفت ـ لا تصل النوبة هنا لهذه المسألة.

(5) اللقطة غير القابلة للتعريف إن كان عدم قبولها للتعريف على أساس سعة دائرة الجهالة، جاز تملّكها من دون تعريف وإن كان الأحوط استحباباً التصدّق بها مع الضمان كما بعد التعريف في ما يقبل التعريف.

وإن كان على أساس آخر، فالأحوط وجوباً التصدّق بها بإذن حاكم الشرع، أو إيكال أمرها إلى حاكم الشرع.