133 ـ والسابع: الغنائم المنقولة في حرب الكفّار ابتداءً بغير إذن الإمام أو نائبه(1).
وتدعم هاتين الروايتين روايات اُخرى غير تامّة سنداً، من قبيل مرسلة حمّاد: «وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة، والدابّة الفارهة، والثوب، والمتاع بما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة، وقبل إخراج الخمس...»(1).
ورواية أبي بصير (وفي السند أحمد بن هلال) عن أبي عبدالله(عليه السلام) «سألته عن صفو المال، قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة (وهي ـ كما عن الصحاح ـ: الجميلة الحسناء)، والمركب الفاره، والسيف القاطع، والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة. فهذا صفو المال»(2).
وكانت قطائع الملوك استثناءً من ملك المسلمين، وهذه الصفايا استثناء من ملك المقاتلين.
(1) والسابع: الغنائم المنقولة في حرب الكفّار ابتداءً بغير إذن الإمام أو نائبه.
وهذا هو المشهور بين أصحابنا، والمدّعى عليه الإجماع.
وهناك روايتان يمكن الاستدلال بهما على ذلك، وهما:
1 ـ صحيحة معاوية بن وهب الماضية: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(3).
وكلمة «أربعة أخماس» أخذناها من مصدر الحديث، وهو الكافي من كتاب الجهاد، وباب قسمة الغنيمة، ح 1، ص 43 بحسب طبعة الآخونديّ من المجلّد الخامس، ولعلّه
←
(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.
(2) المصدر نفسه، ح 15.
(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3، وب 41 من جهاد العدوّ، ح 1.
هو الصحيح، لا ما ورد في الوسائل من كلمة «ثلاثة أخماس».
وقد كتب محقّق تلك الطبعة من الكافي «علي أكبر الغفّاري» تحت الخط على كلمة «أربعة أخماس» ما يلي: «كذا في نسخة المطبوع بطهران، وفي الوافي وأكثر نسخ الكتاب والمرآة: [ثلاثة أخماس] وقال المجلسي: هذا نادر، لم يقل به أحد، ولعلّه كان مذهب بعض المخالفين صدر ذلك تقيّةً منهم، ورواية الكافي له غريب، وعدّه الفيض(رحمه الله)من الشواذّ والمتشابهات».
وعلى أيّ حال، فللاستدلال بهذا الحديث على المقصود وجهان:
الأوّل: فرض تسليط أداة الشرط في الحديث على جملتين: إحداهما: «إن قاتلوا عليها» والثانية: «مع أمير أمّره الإمام عليهم» فللحديث مفهومان; لأنّ فيه شرطين ذكرا بصدد التحديد، وقد صرّح الإمام(عليه السلام) في آخر الحديث بالمفهوم الثاني، ولم يصرّح بالمفهوم الأوّل. وعدم تصريحه به لا يضرّ بالدلالة.
والثاني: لو فرض تسليط الشرط على «قاتلوا» فحسب ـ ولو بنكتة: أنّ بعث الإمام فرضٌ موجود في أصل سؤال السائل ـ فلا يبقى عندئذ وجه لاستفادة المطلوب من الحديث، إلّا التمسّك بمفهوم القيد، وهو قيد «مع أمير أمّره الإمام عليهم»، فمفهومه هو: أنّه إن لم يكن بإذن الإمام ومع أمير أمّره الإمام، فكلّ الغنيمة للإمام.
ولكن لا يخفى عليك ضعف هذا المفهوم.
2 ـ مرسلة الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبدالله(عليه السلام) (وهي غير تامّة سنداً حتّى لولا الإرسال) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام. وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس»(1).
←
(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 16.
وهذه واضحة الدلالة على المقصود، إلّا أنّها ساقطة سنداً.
وفي المقابل توجد روايات قد تدلّ على خلاف المقصود:
الاُولى: رواية الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم خَ لَ) فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدّي خمساً (وفي التهذيب خمسها) ويطيب له»(1).
والسند هو: الشيخ بإسناده إلى سعد، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالله بن مسكان، عن الحلبيّ.
والظاهر: أنّ عليّ بن إسماعيل هو عليّ بن إسماعيل بن عيسى، ولا دليل على وثاقته عدا وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك.
والثانية: صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله...»(2).
والعيب الدلالي في هذه الرواية هو أنّها غير واردة في موضوع الحرب والفتح.
والثالثة: صحيح حفص عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخمس»(3).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو استظهار: أنّ المقصود بذكر الناصب لم يكن فرض
←
(1) الوسائل، كتاب الخمس، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 8.
(2) الوسائل، كتاب الخمس، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.
(3) الوسائل، كتاب الخمس، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.
خصوصيّة له في مقابل الكافر، بل كان هو إلحاقه بالكافر في الحكم.
والعيب الدلالي في هذه الرواية هو أنّها غير واردة في موضوع الحرب والفتح.
ولنا مناقشة عامّة في كلّ هذه الروايات، وهي: أنّها جميعاً تنسجم مع افتراض كون المال المفروض فيها من الأنفال، ومع افتراض عدم كونها من الأنفال; وذلك لأنّه بعد وضوح أنّ المقصود هي الأموال المنقولة لا الأراضي الثابتة، فأمرها دائر بين أن تكون من الأنفال أو تكون للغانمين، وعلى الثاني يكون الأمر بالتخميس أمراً طبيعيّاً، وعلى الأوّل يكون سماح الإمام ـ الذي كان المال جميعاً له ـ للغانمين بالاكتفاء بالتخميس أمراً طبيعيّاً مادام الإمام غير مبسوط اليد أو غائباً، كما قد يقال في باب المعادن: إنّ تخميسه لا يعني عدم كون الغنائم من الأنفال، وإنّما يعني سماح صاحب الأنفال وهو الإمام بذلك، ومتى ما ظهرت دولة الحقّ وأرادت كلّ المعدن سلّم له.
إذن فلو تمّت دلالة ما مضى من صحيحة معاوية بن وهب، أو تمّ سند مرسلة الورّاق، فهذه الروايات لا تعارضها.
فالمهمّ في عدم إثبات المقصود ـ وهو كون ذلك من الأنفال ـ ضعف دلالة الصحيحة وضعف سند المرسلة.
ويمكن إثبات كون الغنائم المنقولة إذا كانت الحرب بغير إذن الإمام من الأنفال بالتمسّك بآية الأنفال التي جعلت غنائم وقعة بدر من الأنفال، والتي كانت بإشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله)فكيف بالحرب التي تكون بغير إذن، وبغير أمير أمّره الإمام؟!
نعم، الكلام في كون هذا أنفالاً بالمعنى المصطلح في لغة الروايات وعدمه يرجع في روحه إلى أنّه هل دخل ذلك في آية التخميس فلا نسمّيه أنفالاً، ونقول: إنّ ما عدا الخمس للمقاتلين، أو لم يدخل في آية التخميس فنسمّيه أنفالاً، أي: لا يكون للمقاتلين شيء، ويكون كلّه للإمام؟
←
134 ـ والثامن: المعادن (1). والاكتفاء بتخميسها الذي مضى سابقاً إنّما هو حكم
والصحيح: هو الثاني، لأنّه لا شكّ في أنّ قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء...﴾ناظر إلى الحرب المشروعة، لا الحرب المحرّمة. ولا شكّ: أنّ الحرب تحرم إلّا بإذن الإمام، أو نائبه في عصر الغيبة بناءً على ولاية الفقيه، أو بأن تكون الحرب دفاعيّة، و في غير ذلك لا يحتمل تملّك المقاتلين للغنيمة بسبب الحرب المحرّمة عليهم.
(1) والثامن: المعادن.
وفي أصل كون المعادن من الأنفال وعدمه، وفي حدود ما هو منها من الأنفال اختلاف كثير. فلنَرَ أوّلاً: ما هو الأصل في عدّها من الأنفال، حتّى نستطيع أن نبحث أصل الإيمان بكون المعادن من الأنفال وحدود ذلك، لو آمنّا به؟
والأصل في ذلك أحد اُمور ثلاثة:
الأوّل: موثّقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من أرض الجزية لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال»(1).
وفي التعبير بــ «أرض الجزية» اتّبعنا المصدر، وهو تفسير عليّ بن إبراهيم، ولم نتّبع الوسائل.
أمّا جملة: «والمعادن منها» فربّما تُقرأ: «والمعادن فيها»، إلّا أنّه قال الشيخ المنتظريّ: «الموجود في مطبوعين من التفسير ـ يعني تفسير عليّ بن إبراهيم الذي هو الأصل في هذا الحديث ـ كلمة «منها»، ولم أعثر على: «فيها»»(2).
←
(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.
(2) المجلّد 4 من ولاية الفقيه، ص 73.
والثاني: صحيحة أبي سيّار: «وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا...»(1).
والثالث: دعوى: أنّ المفهوم من عناوين: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، وكلّ أرض لا ربّ لها أنّ هذه أنفال بما هي مصاديق للنفل في كلّ مجتمع ما، ولا إشكال في أنّ المعادن كذلك.
أمّا استظهار: أنّ هذه مصاديق للنفل في كلّ مجتمع ما، فله تقريبان:
التقريب الأوّل: أنّ الجمع بين اُمور من هذا القبيل، وهي: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، وكلّ أرض لا ربّ لها يوجب انتزاع العرف منها القاسم المشترك، واستظهار كون ذاك هو الأنفال، وهو كلّ ما يعدّ نفلاً وثانويّاً في حياة أيّ مجتمع اعتياديّ، أو ما يعدّ عادة في الحكومات المختلفة ملكاً للحكومات، ولا شكّ في أنّ المعادن من هذا القبيل.
فإن كان هذا الفهم إلى حدّ القطع فقد ثبت المطلوب، وإن كان هذا الفهم إلى حدّ الاستظهار، فقد يقال: لا قيمة لهذا الاستظهار; لأنّ العناوين الثلاثة ذكرت متفرقّة، فاثنان منها وردا في صحيحة حفص(2)، وواحد منها وهو: «كلّ أرض لا ربّ لها» ورد في موثّقة إسحاق(3)، واستظهار إرادة الجامع يكون نتيجة اتّصال بعضها ببعض.
وموثّقة إسحاق وإن اشتملت على كلمة «والمعادن منها» ولكن ليس المفروض بنا فعلاً قبول الاستدلال بهذه الكلمة على أنفاليّة المعدن; لأنّ هذا رجوع إلى الدليل الأوّل.
وربما يقال: يكفي اتّصال اثنين منها أحدهما بالآخر في هذا الانتزاع والاستظهار
←
(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.
(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.
(3) المصدر نفسه، ح 20.
العرفيّ، وذلك واقع في صحيحة حفص.
التقريب الثاني: أن يقال: لا حاجة إلى جمع بعض هذه العناوين ببعض في هذا الانتزاع والاستظهار; وذلك لأنّ النفل له معنىً عرفيّ، وهو الثانويّة، كما تسمّى الصلوات المستحبّة بالنوافل بالقياس إلى الواجبة، ويسمّى الحفيد بالنفل بالقياس إلى الولد. ونكتة تسمية الأنفال بالأنفال قد تكون نفليّة ما اُخذ من الكفّار بالقياس إلى المسلمين، كما هو الحال في آية الأنفال بحسب نزولها وبغضّ النظر عن الإطلاق المفترض لها فيما سيأتي في روايات ميراث من لا وراث له. وهذا بعيد عن روايات هذه العناوين، واُخرى تكون نفليّتها بالقياس إلى الناس في كلّ مجتمع اعتياديّ. وهذا هو المقصود من العناوين الواردة في هذه الروايات، من الأرض الخربة، أو بطون الأودية، أو كلّ أرض لا ربّ لها; وذلك بدليل: أنّه لم يفرض فيها الانتقال من الكفّار إلى المسلمين. إذن فتنفيلها لا يكون إلّا بمعنى: أنّه بالنسبة للناس الاعتياديّين في أيّ مجتمع ما يكون نفلاً، ولا شكّ: أنّ المعادن تكون كذلك.
ولا بدّ أن يقع البحث هنا في عدّة اُمور:
الأمر الأوّل: في أصل كون المعادن من الأنفال ولو في الجملة; لأنّ البعض أنكر ذلك وإن كان أصل كونها في الجملة من الأنفال هو المشهور عندنا.
وقد نقل عن العامّة: أنّ الناس فيها شرع سواء(1).
وهذا رأي نادر عندنا نقل عن النافع، والبيان، والدروس، واللمعة(2).
ولعلّ الوجه في إنكار ذلك ثبوت الخمس فيه، فلو كان المعدن أنفالاً لكان كلّه للإمام،
←
(1) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 71.
(2) المصدر نفسه، ص 68 ـ 69.
ولا معنى لثبوت الخمس فيه.
إلّا أنّ هذا الوجه لو كان مقصوداً فهو غير وجيه; لأنّه قد يكون ثبوت الخمس فيه بمعنى سماح الإمام بتلك الأربعة أخماس لمن دفع الخمس، ويظهر الأثر العملي لكونه من الأنفال أنّه متى ما رأى الإمام أو رئيس الحكومة الإسلاميّة المنع عن تملّك شيء من الأنفال كان له ذلك.
والحقّ هو: الاعتراف بكون المعدن في الجملة أنفالاً; وذلك للوجوه التي شرحناها.
الأمر الثاني: قيل بالتفصيل بين المعدن الذي يكون في أرض الأنفال فهو من الأنفال، والذي يكون في الملك الشخصيّ فهو ملك شخصيّ، وما يكون في الأرض المفتوحة عنوة فهو أيضاً يتبع أرضه، ويكون لعموم المسلمين، كما في السرائر، والمعتبر، والمنتهى، والروضة، وعن التحرير أيضاً(1).
ولعلّ وجهه: قاعدة: تبعيّة ما في الأرض للأرض عقلائيّاً.
إلّا أنّ هذا لا يقف أمام الإطلاق المستفاد من الأدلّة الماضية، ومجرّد دعوى: ارتكاز تبعيّة ما في الأرض للأرض عقلائيّاً ليست بمستوىً يوجب انصراف الإطلاق، بل ربّما يدّعى: أنّ الاعتبار العقلائيّ يناسب كون أمثال هذه الاُمور للسلطان، كما هو المتعارف في جميع الدول والحكومات الدارجة(2).
ولعلّه يستدلّ أيضا لهذا الرأي، أو لخصوص: أنّ المعدن الذي يكون من الأنفال هو المعدن الواقع في أرض الأنفال بما مضى من موثّقة إسحاق بن عمّار، حيث ورد فيها: «والمعادن منها»(3) فيفسّر ذلك بمعنى: المعادن من أرض الأنفال، بل وبناءً على نسخة
←
(1) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 69.
(2) راجع المصدر السابق، ص 74.
(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.
«والمعادن فيها» يكون رجوع الضمير إلى أرض الأنفال أوضح.
إلّا أنّ هذا الوجه أيضاً ليس وجيهاً، فقد عرفت: أنّ نسخة «والمعادن فيها» غير ثابتة، وإنّما الثابت نسخة «والمعادن منها». وعليه نقول: إنّ تفسير ذلك بالمعادن من أرض الخراج خلاف الظاهر. نعم، لو قال: «ومعادنها» كان هذا ظاهراً في رجوع الضمير إلى أرض الأنفال، ولكن الظاهر من هذه العبارة رجوع الضمير إلى الأنفال، فيكون المعنى: «والمعادن تكون من الأنفال». فهذه من المطلقات التي نتمسّك بها، وليست ممّا تشهد لعدم الإطلاق.
الأمر الثالث: وقيل بالتفصيل بين المعادن الظاهرة والمعادن الباطنة، فالظاهرة يكون الناس فيها شرعاً سواء، والباطنة تكون للإمام على كلام في معنى الظاهرة والباطنة، فقد يفسّر ذلك بمعنى: أنّ ما يكون جاهزاً تحت الأرض، ولا يحتاج إلى العلاج بالتصفية والتحليل من أعماق التراب، كالقير والنفط والكبريت، فهي الظاهرة، وما يحتاج إلى الاستخراج بالتصفية والتحليل، كالحديد والذهب والفضّة، فهي الباطنة، وقد يفسّر بمعنى: أنّ ما كان في ظاهر الأرض أو قريباً من الظاهر فهي الظاهرة، وما كان في أغوار الأرض فهي باطنة.
وقد روى الشيخ المنتظريّ عن الشهيد في المسالك في تفسير المعادن الظاهرة والباطنة:
«الظاهرة هي التي يبدو جوهرها من غير عمل، وإنّما السعي والعمل لتحصيله، ثُمّ تحصيله قد يسهل وقد يلحقه تعب، وذلك كالنفط، وأحجار الرحى، والبرمة ـ وهي الأحجار التي كانت تصنع منها القُدور ـ والكبريت، والقار. والباطنة هي التي لا يظهر جوهرها إلّا بالعمل والمعالجة، كالذهب، والفضّة، والفيروزج، والياقوت، والرصاص، والنحاس، والحديد، وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض، سواء كانت موجودة في
←
إرفاقيّ من قِبَل الإمام.
ونلحق بها الغوص والكنز الذي تقادم عليه الدهر (1)، بل يحتمل إلحاق مجهول
ظاهر الأرض بحيث لا يتوقّف الشروع فيها على حفر شيء من الأرض خارج عنها، أم في باطنها، لكنّ القسم الأوّل منها ـ يعني ما كان في ظاهر الأرض ـ في حكم المعادن الظاهرة بقول مطلق»(1).
أقول: إنّ التفصيل بين المعادن الظاهرة والباطنة ـ سواء كان بالمعنى الأوّل أو الثاني أو كان المقصود بالظاهرة الجامع بين المعنيين ـ خلاف الإطلاقات التي أشرنا إليها.
(1) الأمر الرابع: نحن نذهب إلى أكثر من القول بإطلاق كون المعادن للإمام، ونلحق الغوص به; لصحيحة أبي سيّار الماضية(2)، فإنّ موردها الغوص. وإن شئت فسمّ القاسم المشترك بين المعدن والغوص بالركاز.
بل وبإمكاننا إلحاق الكنز بهما; وذلك بالوجه الثالث من الوجوه التي عددناها لإثبات كون المعدن من الأنفال، وهو التعدّي من عناوين: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، وكلّ أرض لا ربّ لها بأحد التقريبين الماضيين.
وإن شئت فسمّ القاسم المشترك بين الغوص والمعدن والكنز بالركاز.
وأيضاً يشهد لكون الكنز الذي أكل عليه الدهر وشرب من الأنفال أنّه قد مرّ هذا الكنز حتماً ـ قبل انقطاع صاحبه مع جميع طبقات الورّاث ـ بفترة صيرورته مجهول المالك، فدخل في دليلنا على أنّ مجهولة المالك التي لا يمكن التعريف بها والوصول إلى أصحابها تكون من الأنفال، وذلك عبارة عن صحيحة داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته
←
(1) ولاية الفقيه، ج 4، ص 72.
(2) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.
إليه وتخلّصت منه، قال: فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): والله أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي والله. قال: فأنا والله، ما لَه صاحب غيري. قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك، ولك الأمن ممّا خفت منه. قال: فقسّمه بين إخوته»(1).
وسند الحديث ما يلي: محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن عمر، عن الحجّال، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي عبدالله(عليه السلام).
وما في بعض النسخ من داود بن أبي زيد خطأ; فإنّ داود بن أبي زيد من أصحاب الهادي(عليه السلام). كما أنّ ما في بعض النسخ بدلاً عن الحجّال (الجمّال) خطأ; فإنّ راوي كتاب دواد بن أبي يزيد هو الحجّال. والشيء المنسجم في المقام والمتعارف في الكافي كما هو وارد في (ج 5 / 138، ح 7، بحسب نسخة الآخوندي) وفي الفقيه (ج 3، ح 854 بحسب طبعة الآخوندي) هو الحجّال عن دواد بن أبي يزيد.
أمّا موسى بن عمر فالظاهر: أنّه هو موسى بن عمر بن بزيع بقرينة الطبقة; فإنّ الحجّال من أصحاب الرضا(عليه السلام) ويعتبر من أصحاب الجواد والهادي(عليهما السلام).
فسند الحديث تامّ.
ويؤيّد هذا السند: أنّ الصدوق(قدس سره) نقل نفس الحديث في الفقيه (ج 3، ح 854) بسنده عن الحجّال.
وإنّما جعلناه مؤيداً وليس دليلاً; لأنّنا لم نعرف ما هو سند الفقيه إلى الحجّال، ولكنّنا عرفنا سند الفقيه إلى داود بن أبي يزيد في مشيخته، وهو: «أبوه عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن أبي محمّد الحجّال، عن داود بن
←
(1) الوسائل، ج 25، ب 7 من اللقطة، ح 1، ص 450، بحسب طبعة آل البيت.
المالك غير القابل للتعريف به، فالأحوط إيصاله إلى حاكم الشرع.
135 ـ والتاسع: ميراث من لا وارث له (1).
أبي يزيد»، فنحدس أن يكون سنده إلى الحجّال هو هذا السند الذي أنهاه هنا إلى الحجّال إلى داود بن أبي يزيد.
ولا إشكال في صحّته، إلّا أنّ هذا مجرّد حدس، فلو لم يصل إلى مستوى الاطمئنان فلا حجّيّة فيه.
(1) والتاسع: ميراث من لا وارث له.
وهذه مسألة إجماعيّة أو شبه إجماعيّة.
وتدلّ على ذلك روايات كثيرة من قبيل:
1 ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فما له من الأنفال»(1).
2 ـ صحيحة محمّد الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾قال: «من مات وليس له مولىً، فماله من الأنفال»(2).
3 ـ صحيحة الحلبيّ أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «من مات وترك ديناً فعلينا دينه وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً فلورثته، ومن مات وليس له موالي فماله من الأنفال»(3).
4 ـ موثّقة أبان بن تغلب قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «من مات لا مولىً له ولا ورثة، فهو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾»(4).
←
(1) الوسائل، ج 26، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح 1، ص 246 بحسب طبعة آل البيت.
(2) المصدر نفسه، ح 3 ص 247.
(3) المصدر نفسه، ح 4 ص 248.
(4) المصدر نفسه، ح 8 ص 249.
وفي السند محمّد بن زياد، والظاهر: أنّه محمّد بن زياد بن عيسى، ويكفي في توثيقه رواية صفوان بن يحيى عنه.
وقريب منها النسخة الواردة في (الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 14) وسندها خير من سند النسخة الاُولى، لأنّها صحيحة وتلك موثّقة.
نعم في سندها قاسم بن محمّد الجوهري، ونصحّحه برواية صفوان بن يحيى عنه(1).
5 ـ خبر حمزة بن حمران، رواه الشيخ بإسناده إلى حمزة بن حمران عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... إن كان الرجل الميّت يوالي إلى رجل من المسلمين وضمن جريرته وحدثه، أو شهد بذلك على نفسه، فإنّ ميراث الميّت له، وإن كان الميّت لم يتوالَ إلى أحد حتّى مات، فإنّ ميراثه لإمام المسلمين...»(2).
←
(1) راجع لإثبات رواية صفوان بن يحيى عنه مشايخ الثقاة للشيخ عرفانيان(رحمه الله) قسم الرواة الذين روى عنهم صفوان بن يحيى، رقم 144.
(2) الوسائل، ج 26، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح 11، ص 250 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت. وقد روى صاحب الوسائل(رحمه الله) هذا الحديث أيضاً في ج 28، ب 10 من أبواب حدّ السرقة، ح 5، ص 266 من الطبعة نفسها مع تغيير يسير في بعض الألفاظ كالتالي:
«... فقال أبو عبدالله(عليه السلام): إن كان الرجل الميّت توالى إلى أحد من المسلمين فضمن جريرته وحدثه، وأشهد بذلك على نفسه، فإنّ ميراث الميّت له. وإن كان الميّت لم يتولَ إلى أحد حتّى مات، فإنّ ميراثه لإمام المسلمين...».
ووردت عين هذه العبائر ـ سوى ورود كلمة «رجل» بدلاً من كلمة «أحد» في قوله: «توالى إلى أحد من المسلمين» ـ في نقل الشيخ(رحمه الله) في التهذيب، ج 10، ح 139، ص 131 بحسب نشر دار الكتاب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة.
وحمزة بن حمران تثبت وثاقته برواية صفوان وابن أبي عمير عنه.
ولكن خالد بن نافع لا دليل على وثاقته، سواء اُريد به خالد بن نافع الأشعريّ أو خالد بن نافع البجليّ.
6 ـ مرسلة حمّاد وفيها: «وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلةله»(1).
7 ـ صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في من أعتق عبداً سائبة: أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين، فليشهد أنّه يضمن جريرته وكلّ حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين»(2).
8 ـ رواية عمّار بن أبي الأحوص قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن السائبة، فقال: انظروا في القرآن، فما كان فيه «فتحرير رقبة» فتلك يا عمّار السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا الله فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله، وما كان ولاؤه لرسول الله فإنّ ولاءه للإمام، وجنايته على الإمام، وميراثه له»(3).
وكأنّ المعنى: أنّ العبد الذي حرّر بعنوان الكفّارة ليس داخلاً تحت قاعدة (الولاء لمن أعتق) فهو سائبة، فيوالي من أحبّ، فإن لم يوالِ أحداً فولاؤه للإمام.
أمّا السند فبحسب ما ورد في الوسائل وقع عليّ بن رئاب وعمّار بن أبي الأحوص في عرض واحد، فعدم ثبوت وثاقة عمّار بن أبي الأحوص لا يضرّ بالسند.
←
(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.
(2) الوسائل، ج26، ب3 من ولاء ضمان الجريرة، ح12، ص250 ـ 251 بحسب طبعة آل البيت.
(3) المصدر نفسه، ح 6، ص 248.
ولكن الموجود في الكافي(1): «عن ابن رئاب، عن عمّار بن أبي الأحوص» وبناءً على هذا يسقط السند بعدم ثبوت وثاقة عمّار بن أبي الأحوص.
وعبارة الرواية حتّى الواردة في الوسائل تشهد لصحّة ما في الكافي، دون ما في الوسائل إذ قال: «قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)» فلو كان ابن رئاب وعمّار في عرض واحد كان المفروض أن يقول مثلاً: «قالا: سألنا أبا جعفر(عليه السلام)».
وأمّا في التهذيب فاسم ابن رئاب محذوف نهائيّاً(2).
9 ـ روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن عبّاد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار، عن أبي الحسن(عليه السلام) في رجل صار في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثاً، كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو؟! يعني نفسه»(3).
والسند ضعيف بعبّاد بن سليمان; لأنّه لا دليل على وثاقته عدا وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ولا عبرة به.
10 ـ رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: مكاتب اشترى نفسه، وخلّف مالاً قيمته مئة ألف ولا وارث له، قال: يرثه من يلي جريرته. قال: قلت: من الضامن لجريرته؟ قال: الضامن لجرائر المسلمين»(4).
←
(1) ج 7، كتاب المواريث، باب ولاء السائبة، ح 2، ص 171 بحسب طبعة الآخونديّ.
(2) راجع التهذيب، ج 9، ح 1410 بحسب طبعة الآخوندي، وكذلك الاستبصار، ج 4، ح 748 بحسب طبعة الآخوندي.
(3) الوسائل، ج 26، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح 13، ص 251.
(4) الوسائل، ج 26، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح 7، ص 60 بحسب طبعة آل البيت.
وفي السند إسماعيل بن مرار الذي لا دليل على وثاقته عدا وروده في كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك.
11 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، وفي آخرها: «ومن مات وليس له مولىً، فماله من الأنفال»(1).
بقي الكلام فيما قد تفترض معارضته لهذه الروايات وذلك ما يلي:
أوّلاً: ما دلّ على أنّ ميراث السائبة لأقرب الناس لمولاه، وهي موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «السائبة ليس لأحد عليها سبيل، فإن والى أحداً فميراثه له وجريرته عليه، وإن لم يوالِ أحداً فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه»(2).
ولا أظنّ وجود عامل بهذه الرواية، فتسقط.
وثانياً: الروايات العديدة التي دلّت على أنّ ميراث السائبة الذي ليس له مولىً يجعل في بيت مال المسلمين، من قبيل:
1 ـ موثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سمعته يقول: من اُعتق سائبة فليتوالَ من يشاء، وعلى من والى جريرته، وله ميراثه، فإن سكت حتّى يموت اُخذ ميراثه، فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ»(3).
2 ـ صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن مملوك اُعتق سائبة؟ قال: يتولّى من شاء وعلى من تولاّه جريرته وله ميراثه. قلت: فإن سكت حتّى يموت؟ قال: يجعل ماله في بيت مال المسلمين»(4).
←
(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.
(2) الوسائل، ج26، ب3 من ولاء ضمان الجريرة، ح10، ص249 ـ 250 بحسب طبعة آل البيت.
(3) المصدر نفسه، ح 9، ص 249.
(4) المصدر نفسه، ب 4 من ولاء ضمان الجريرة، ح 8، ص 254.
3 ـ صحيحته الاُخرى عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل مسلم قتل وله أب نصرانيّ، لمن تكون ديته؟ قال: تُؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين; لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»(1).
فكأنّ مقتضى هذه الروايات: أنّ هذا المال حاله حال الخراج.
ولا أظنّ أنّ هناك داعياً إلى حمل هذه الروايات على التقيّة، أو على أنّها معرضعنها كما هما بعض محتملات الجواهر(2)، بل الأفضل حملها على بيت مال الإمامة;وذلك لصراحة عدد من الروايات في إطلاق بيت مال المسلمين على بيت مال الإمامة،من قبيل:
1 ـ صحيحة عبدالله بن سنان وعبدالله بن بكير جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدرى من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اُعطوا ديته من بيت مال المسلمين، ولايبطل دم امرئ مسلم; لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام...»(3).
2 ـ صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام) في الرجل يقتل وليس له وليّ إلّا الإمام: إنّه ليس للإمام أن يعفو، له أن يقتل أو يأخذ الدية، فيجعلها في بيت مال المسلمين; لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»(4).
3 ـ صحيحته الاُخرى قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً،
←
(1) المصدر نفسه، ح 5، ص 253.
(2) جواهر الكلام، ج 39، ص 260.
(3) الوسائل، ج29، ب6 من دعوى القتل وما يثبت به، ح1، ص145 بحسب طبعة آل البيت.
(4) الوسائل، ج29، ب60 من أبواب القصاص في النفس، ح2، ص125 بحسب طبعة آل البيت.
136 ـ والعاشر: المياه العامّة (1).
فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، فجعلها في بيت مال المسلمين; لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين. قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: إنّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو»(1).
(1) والعاشر: المياه العامّة:
لصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا»(2).
وقد أتى الشيخ الكلينيّ(قدس سره) لهذا الحديث بسند هو من أوضح الأسانيد صحّة واعتباراً وهو: «عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص البختريّ».
إلّا أنّ العيب الموجود في هذا الحديث ما جاء فيها من كلمة «أو سقي منها»، فأصل أن تكون المياه العامّة من الأنفال أمر معقول، ومنسجم أيضاً مع ما هو المتعارف لدى حكومات اليوم من سيطرتها عادة على المياه العامّة، وكذلك الأمر فيما سقت، فإنّ ما سقت تكون من المحياة إحياءً طبيعيّاً، وقد مضى البحث عن كونها من مصاديق «كلّ أرض لا ربّ لها» وقد تعرّضنا لذلك في نهاية بحثنا عن رقبة الأرض.
←
(1) المصدر نفسه، ح 1، ص 124.
(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 18.
ولكن التعامل مع «ما سُقي منها» معاملة الأنفال لا أظنّ أحداً يفتي به، فهذا الجزء الأخير من الرواية قد يخلق إشكالاً في المقام. فإن قلنا: إنّ سقوط جملة من الرواية بالإعراض لا يسقط باقي الرواية عن الحجّيّة، تمّ الاستدلال بالحديث على المقصود. على أنّه قد يكون الجزء الأخير ممّا اُبيح إباحة عامّة من قبل صاحب الأنفال كإباحة الأرض للإحياء.
وعلى أيّ حال، فبقطع النظر عن هذه الرواية قد جزم الشيخ المنتظري بأنّ البحار والشطوط والأنهار الكبار من الأنفال، ببيان: أنّ المقياس في كون الشيء من الأنفال كونه من الأموال العامّة غير المتعلّقة بالأشخاص.
ومن هنا ألحق الشيخ المنتظريّ الخطوط الجوّيّة بذلك، فليس لأحد حقّ العبور منها من دون إذن وليّ الأمر(1).
(1) راجع ولاية الفقيه، ج 4، ص 100.
137 ـ وهذه مثال للقسم الثالث من الأموال العامّة: وهو ما يكون مملوكاً لعموم المسلمين.
وأرض الخراج: هي التي فتحت بالقتال من قِبَل المسلمين في حرب مشروعة، وكانت عامرة حين الفتح. وخراجها للمسلمين(1).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
19 / ربيع الآخر / 1426 هـ
(1) وللتشابك الموجود بين هذا البحث وبحث الأنفال اضطررنا فيما سبق أن نورد شيئاً من هذا البحث، ونحيل التفاصيل بأكثر ممّا مضى إلى بحث الجهاد إن وفّقنا الله لذلك.