174


في نوادره، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال: لا، ثمّ قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): وضع عن اُمّتي ما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا». وهذا الحديث وإن كان تامّاً سنداً إلاّ أنّه غير مشتمل على (ما لا يعلمون).

وروي في الوسائل ـ ج 11، ب 56 من جهاد النفس، ص 295، الحديث الثاني ـ عن عمرو بن مروان بسند فيه معلّى بن محمّد، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «رفع عن اُمّتي أربع خصال: خطأُها، ونسيانها، وما اُكرهوا عليه، ومالم يطيقوا...». وهذا أيضاً غير مشتمل على (ما لا يعلمون).

وروي في نفس الباب، الحديث الثالث، وهي مرفوعة محمّد بن أحمد النهدي، عن الصادق(عليه السلام)عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «وضع عن اُمّتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لا يظهر بلسان أو يد». وهذا وإن كان مشتملاً على (ما لا يعلمون) لكنّه ساقط سنداً.

وخير الروايات المشتملة على (ما لا يعلمون) سنداً هي الرواية التي مضت عن الوسائل عن الخصال والتوحيد، وعيبها السنديّ الوحيد هو أنّ الصدوق رواها عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار الذي لم يرد نصّ على توثيقه.

توثيق (أحمد بن محمّد بن يحيى):

وهنا طريق لإثبات توثيق أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار لو تمّ ينتفي بذلك إشكال سند حديث الرفع، وهو أنّ الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) نقل بشكل مكثّف في الجزء الأوّل من

175


الاستبصار ـ بحسب الطبعة الجديدة المطبوعة في أربع مجلّدات ـ روايات يكون المقطع الأوّل من سندها ما يلي: (أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه)(1)، واقتصر على ذكر هذا السند فحسب. ولو لم تكن له شهادة حسّيّة بوثاقة الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وأحمد بن محمّد بن يحيى كان من المستبعد إلى حدّ الاطمئنان أن يقتصر في كلّ هذه الروايات على هذا السند مع امتلاكه لما لا شكّ في صحّته من سند إلى محمّد بن يحيى العطّار، وهو سنده إلى الكلينيّ، عن محمّد بن يحيى العطّار كما ورد في المشيخة. ولئن اختصّ هذا السند بكلّ ما رواه في التهذيبين عن كتب محمّد بن يحيى العطّار فإنّنا لا نشكّ أنّ أكثر هذه الروايات أو جميعها قد أخذها من كتب محمّد بن يحيى العطّار؛ إذ لا يوجد قبله عدا الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وأحمد بن محمّد بن يحيى، والأوّل قد نقل الشيخ عنه بعنوان (أخبرنا)، وهذا يعني أنّه لم يأخذها من كتابه، على أنّ الحسين بن عبيد الله ليست له كتب روائيّة، والثاني ليس له كتاب. وأمّا مَن بعد محمّد بن يحيى فهو ليس شخصاً معيّناً في جميع تلك الروايات، فإنّ السند من بعد محمّد بن يحيى العطّار يختلف كثيراً باختلاف تلك الروايات، وإنّما القاسم السنديّ المشترك فيما بينهما هو المقطع الأوّل من السند، وهو الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، وهذا يدلّ على أنّه أخذ كلّ تلك الروايات أو جلّها من كتاب محمّد بن يحيى العطّار لا ممّن قبله ولا ممّن بعده، ومن البعيد أن يكون له سند واضح


(1) راجع بهذا الصدد أحمد بن محمّد بن يحيى في تفصيل طبقات الرواة للسيّد الخوئيّ(رحمه الله)، ج 2، ص 706.

176


الصحّة إلى كتاب محمّد بن يحيى العطّار ثمّ يترك ذكره صدفة في كلّ تلك الروايات المكثّف وجودها في الجزء الأوّل من الاستبصار، ويقتصر فيها جميعاً على ذكر سند يوجد فيه من ليست له شهادة حسّيّة بوثاقته، أفلا يعني هذا أنّ الشيخ الطوسيّ يشهد بوثاقة الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وأحمد بن محمّد بن يحيى؟ فلو لم يكن يشهد بوثاقتهما فلماذا هذا الإصرار على ذكر سند غير صحيح وترك السند الصحيح؟ ولو كان يشهد بوثاقتهما عن حدس فلماذا هذا الإصرار على ذكر سند يكون صحيحاً عنده عن حدس واجتهاد وترك سند يكون صحيحاً عنده بالشهادة الحسّيّة أو ما يقرب من الحسّ؟ على أنّه من البعيد جدّاً كون وثاقتهما ثابتة عند الشيخ بالحدس لا بالحسّ، فإنّ أحدهما شيخه، والثاني قريب من زمانه؛ لأنّه شيخ شيخه.

ويؤيّد المطلوب: أنّ السند الوحيد الذي ذكره الشيخ في مشيخته إلى كتاب عليّ بن جعفر هو الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن العمركي بن عليّ النيسابوريّ البوفكي، عن عليّ بن جعفر، مع أنّ له سنداً تامّاً إلى كلّ من محمّد بن يحيى العطّار وعليّ بن جعفر.

وبإمكاننا أن نثبت أيضاً بنفس هذا المنهج وثاقة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد؛ لأنّ الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) أكثر في الجزء الأوّل من التهذيب والجزء الأوّل من ا لاستبصار روايته عن محمّد بن الحسن بن الوليد بواسطة المفيد عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه(1)


(1) راجع بهذا الصدد أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد في تفصيل طبقات الرواة للسيّد الخوئيّ(رحمه الله)، ج 2، ص 627.

177

ـ أعني: (رفع ما لا يعملون) ـ فإن أمكن تصحيح سنده نفعنا في المقام.

والإشكال في سند هذا الحديث يكون من جهتين:

الجهة الاُولى: أنّ الراوي عن الإمام في هذا الحديث هو إسماعيل الجعفيّ. وتحقيق الحال بلحاظ هذا الراوي ما يلي:

ذكر النجاشيّ في فهرسته: إسماعيل بن جابر الجعفيّ روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليهما السلام)، وهو الذي روى حديث الأذان(1)، له كتاب ذكره محمّد بن الحسن بن الوليد في فهرسته أخبرنا أبو الحسين عليّ بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عنه.

وذكر الشيخ الطوسيّ في فهرسته إسماعيل بن جابر من دون توصيف له بالجعفيّ أو بغيره، وقال: له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان، عن إسماعيل بن جابر، ورواه


مقتصراً على ذكر هذا السند مع أنّ له في الفهرست سنداً لا شكّ في تماميّته إلى محمّد بن الحسن بن الوليد الذي أخذ تلك الاحاديث من كتابه أو من كتاب من قبله، لا من كتاب أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد؛ إذ لم يعرف له كتاب، ولا من كتاب المفيد؛ إذ نقل عنه بعنوان (أخبرني) مع أنّ أكثر كتب المفيد ليست روائيّة، ومع أنّ القاسم المشترك في هذه الأسانيد الكثيرة إذا كان عبارة عن المفيد، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه فهذا دليل على أنّ كلّ تلك الروايات أو جلّها مأخوذة من كتاب محمّد بن الحسن بن الوليد.

(1) إشارة إلى الحديث المذكور في الكافي، ج 3 بحسب الطبعة الجديدة، باب بدء الأذان والإقامة من كتاب الصلاة، ح 3، ص 302 و 303.

178

حميد بن زياد، عن القاسم بن إسماعيل القرشيّ عنه.

وذكر الشيخ الطوسيّ في رجاله عنوان (إسماعيل بن جابر) من دون توصيف في أصحاب موسى بن جعفر(عليه السلام)وقال: (روى عنهما ـ يعني الباقر والصادق(عليهما السلام) ـ أيضاً).

وذكر أيضاً في رجاله عنوان (إسماعيل بن جابر الخثعميّ الكوفيّ) تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) من دون توثيق له، واُخرى في أصحاب الباقر(عليه السلام)قائلاً عنه: (ثقة ممدوح، له اُصول رواها عنه صفوان بن يحيى).

وقد ظهر بهذا العرض أنّ النصّ على التوثيق إنّما ورد بشأن إسماعيل بن جابر الخثعميّ، بينما راوي الحديث في المقام إنّما ذكر بعنوان إسماعيل الجعفيّ، فلو استبعدنا خروج إسماعيل الجعفيّ من دائرة هذه العناوين الثلاثة التي نقلناها عن النجاشيّ والشيخ فهو ينطبق على إسماعيل بن جابر الجعفيّ لا على إسماعيل بن جابر الخثعميّ، فكيف نثبت وثاقته؟

وطريق حلّ هذا الإشكال هو تبعيد احتمال التعدّد في المقام بافتراض انطباق الجعفيّ على الخثعميّ، كما لو فرض أنّ خثعم حيّ من الأحياء وأنّ الجعفيّ نسبة إلى رأس تلك القبيلة مثلاً، أو فرض أنّ كلمة الخثعميّ تصحيف لكلمة الجعفيّ(1).

والواقع: أنّ استبعاد احتمال التعدّد في المقام في محلّه، فإسماعيل بن جابر الخثعميّ مع إسماعيل بن جابر الجعفيّ منطبقان على شخص واحد وليسا شخصين؛ لأنّنا لو بنينا على تعدّدهما فلا يخلو الأمر من أحد فرضين:

الأوّل: أن يفترض أنّ مراد الشيخ من إسماعيل بن جابر الخثعميّ الذي ذكره



(1) أو أنّ كلمة الجعفيّ هي الخطأ، والصحيح هو الخثعميّ، كما اعتقده الشيخ التستريّ في قاموس الرجال.

179

في رجاله وإسماعيل بن جابر الذي ذكره في فهرسته واحد، وأنّ إسماعيل بن جابر الجعفيّ الذي ذكره النجاشيّ شخص آخر.

والثاني: أن يفترض أنّ إسماعيل بن جابر الخثعميّ الوارد في رجال الشيخ مغاير لإسماعيل بن جابر الوارد في فهرسته، ولإسماعيل بن جابر الجعفيّ الوارد في فهرست النجاشيّ، ولكلّ من هذين الفرضين مبعّدات إلى حد يحصل الظنّ الاطمئنانيّ بعدمه.

أمّا الفرض الأوّل: وهو اتّحاد إسماعيل بن جابر وإسماعيل بن جابر الخثعميّ الواردين في كلام الشيخ مع مغايرته لإسماعيل بن جابر الجعفيّ الوارد في كلام النجاشيّ، فيبعّده اُمور:

الأوّل: أنّه ـ بناءً على التعدّد ـ يلزم افتراض أنّ النجاشيّ لم يذكر في المقام إسماعيل بن جابر الخثعميّ الذي شهد الطوسيّ بوثاقته وممدوحيّته، وله اُصول، ويروي عنه المشايخ من قبيل صفوان. وعدم ذكر النجاشيّ لشخص من هذا القبيل مع تمام تتبّعه واهتمامه بعيد، خصوصاً ـ على ما يقال ـ من أنّ النجاشيّ أوسع وأدقّ من الشيخ باعتبار اختصاصه بهذا الفنّ.

والثاني: أنّه يلزم ـ على التعدّد ـ أنّ الشيخ أهمل في كلا كتابيه الفهرست والرجال مثل إسماعيل بن جابر الجعفيّ الذي ذكره النجاشيّ، وهو كثير الرواية جدّاً، وكان الشيخ(رحمه الله)معاصراً للنجاشيّ، وعلى علاقة به، فكيف لم يطّلع على إسماعيل بن جابر الجعفيّ، وقد تعهّد في مقدّمة كلّ من كتابيه ببذل قصارى جهده وطاقته في الاستقصاء، خصوصاً أنّ إسماعيل بن جابر الجعفيّ مذكور في رجال الكشّي الذي لخّصه الشيخ الطوسيّ وذكر عنه بعض الروايات، ولا يوجد في رجال الكشّي إسماعيل بن جابر الخثعميّ. وحينما نلاحظ التهذيب والاستبصار للشيخ الطوسيّ نرى أنّه يروي فيهما عن إسماعيل الجعفيّ تارةً، وعن إسماعيل

180

بن جابر اُخرى، ولا يذكر ولا مرّةً واحدة عن إسماعيل الخثعميّ في حدود فحصي لهذين الكتابين، وكيف نحتمل أنّ الشيخ ذكر في كتابيه في الرجال الخثعميّ الذي لم يروِ عنه ولا مرّة واحدة، ولا يذكر الجعفيّ الذي روى عنه روايات كثيرة؟!

والثالث: أنّ طريق النجاشيّ إلى إسماعيل بن جابر الجعفيّ، وطريق الشيخ إلى إسماعيل بن جابر متّحد في جميع رجاله، فمن البعيد جدّاً تعدّدهما، واتّحاد الطريقين في جميع رجاله صدفةً.

وهنا وقع سقط في كتاب الشيخ المامقانيّ(1) حيث نقل سند النجاشيّ إلى إسماعيل بن جابر الجعفيّ هكذا: أخبرنا أبو الحسين عليّ بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عنه. ونقل سند الشيخ إليه هكذا: أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان، عنه. فيتراءى أنّ السندين يختلفان في وجود الصفّار وعدمه، لكن الواقع أنّ المذكور في رجال النجاشيّ هكذا: (محمّد بن الحسن عن محمّد بن الحسن) والأوّل هو ابن الوليد، والثاني هو الصفّار، وفي كلام الشيخ حيث لم يذكر بالاسم فلم يقع تكرار في اللفظ لم تبتلِ عبارة كتاب الشيخ المامقانيّ بالسقط، ولكن ابتلت بالسقط عند نقل كلام النجاشيّ.

وأمّا الفرض الثاني: وهو فرض كون الخثعميّ غير الجعفيّ وغير إسماعيل بن جابر الذي جاء في كلام الشيخ مطلقاً ـ أي: من دون توصيف ـ فهذا أيضاً يبعّده اُمور:

الأوّل: نفس المبعّد الأوّل في الفرض الأوّل.



(1) راجع رجاله، ج 1، ص 130.

181

والثاني: أنّ الشيخ لماذا لم يذكر الخثعميّ في فهرسته مع كونه صاحب أصل مع اطّلاعه عليه، وتعّهده في مقدّمة الكتاب بالاستيعاب بقدر الإمكان.

والثالث: وحدة الراوي المباشر عن جابر بعناوينه الثلاثة المذكورة في كتاب النجاشيّ وكتابي الشيخ، وهو صفوان.

وقد نقل الشيخ المامقانيّ(رحمه الله) في رجاله عن جملة من المدقّقين أيضاً الجزم بالوحدة(1).

وهناك طريق آخر لتوثيق إسماعيل بن جابر الجعفيّ بقطع النظر عن اتّحاده مع الخثعميّ، وهو أنّ سند النجاشيّ إليه ينتهي بصفوان كما عرفت، وصفوان أحد الثلاثة الذين شهد الشيخ الطوسيّ(رحمه الله)بأنّهم لا يروون إلاّ عن ثقة.

بقي في المقام احتمال أن يكون إسماعيل الجعفيّ الذي روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى شخصاً آخر غير إسماعيل بن جابر، وإسماعيل بن جابر الجعفيّ أو الخثعميّ، فلعلّ إسماعيل الجعفيّ في المقام عبارة عن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ(2).

وما ذكره النجاشيّ في ترجمة إسماعيل بن جابر الجعفيّ من أنّه (هو الذي روى حديث الأذان) مشيراً بذلك إلى حديث عن الأذان مرويّ عن (إسماعيل الجعفيّ) لا يدلّ على أنّه متى ما ذكر عنوان (إسماعيل الجعفيّ) كان المقصود به إسماعيل بن جابر الجعفيّ، بل لا يبعد أنّ النجاشيّ إنّما نبّه على كونه هو راوي



(1) راجع رجال الشيخ المامقانيّ، ج 1، ص 131.

(2) ويوجد أيضاً في أصحاب الباقر(عليه السلام) إسماعيل بن عبد الخالق الجعفيّ، إلاّ أنّه قد يقال باستبعاد حمل إسماعيل الجعفيّ عليه، حيث لم تعرف رواية لهذا الاسم إلاّ رواية واحدة.

182

رواية الأذان بنكتة أنّ المقصود من عنوان (إسماعيل الجعفيّ) في الروايات عادةً هو إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ، فلمّا كان المقصود في خصوص هذه الرواية ابن جابر احتاج ذلك إلى التنبيه عليه حتّى لا يحمل على ما هو المتعارف، فنبّه النجاشيّ على ذلك.

ويشهد لكون المقصود من إسماعيل الجعفيّ حينما يطلق هو إسماعيل بن عبد الرحمن أنّه لا توجد رواية ـ بعد التتبّع في الكتب الأربعة ـ لإسماعيل الجعفيّ يروي عن غير الإمام الباقر(عليه السلام). نعم، إسماعيل بن جابر يروي في المئة خمساً وتسعين عن الإمام الصادق(عليه السلام)، فلو ضممنا هذه الملازمة الاتّفاقيّة إلى ما نعرفه من أنّ ابن عبد الرحمن هو من أصحاب الإمام الباقر(عليه السلام)، وأنّه بقي إلى حياة الإمام الصادق(عليه السلام)، ولا يذكر في تأريخه أنّه روى شيئاً عن الإمام الصادق(عليه السلام)بخلاف ابن جابر، فإنّه من أصحاب الصادق(عليه السلام)لاستبعدنا هذه الصدفة. فلو فرض أنّ إسماعيل الجعفيّ هو ابن جابر فكيف اتّفق صدفةً أنّه متى ما عنون بعنوان إسماعيل الجعفيّ يروي عن الإمام الباقر(عليه السلام)، ومتى ما عنون بعنوان إسماعيل بن جابر ففي المئة خمساً وتسعين يروي عن الإمام الصادق(عليه السلام)وتكون روايته عن الباقر(عليه السلام) قليلة جدّاً. وحلّ هذه الصدفة هو إبداء احتمال أن يكون المراد بإسماعيل الجعفيّ عادةً هو إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ الراوي عن الباقر(1). وفي خصوص رواية الأذان يعرف أهل الخبرة أنّ إسماعيل الجعفيّ


(1) قد يكون هذا قرينة ناقصة على صحّة حدس الشيخ التستريّ الذي ادّعى في رجاله أنّ إسماعيل بن عبد الرحمن هو الجعفي. وأمّا إسماعيل بن جابر فهو خثعميّ وليس جعفيّاً، وأنّ السبب في هذا الاشتباه أنّ جابر الجعفيّ مشهور فتخيّل أنّ إسماعيل بن جابر

183

هو ابن جابر، فنبّه النجاشيّ على ذلك.

فإذا احتملنا أنّ إسماعيل الجعفيّ الراوي لحديث الرفع هو ابن عبد الرحمن فقد سقط الحديث عن الاعتبار؛ لأنّ ابن عبد الرحمن لم يوثّق من قبل أحد ممّن يكون توثيقه حجّة(1)، ولا طريق إلى توثيقه إلاّ رواية صفوان عنه، حيث شهد الشيخ الطوسيّ بأنّ صفواناً لا يروي إلاّ عن ثقة، لكن رواية صفوان عنه إنّما وقعت في سند الصدوق في مشيخته إلى إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ، وقد وقع في السند قبل صفوان من لم يثبت توثيقه.

 


هو ابن لجابر الجعفيّ. ولو صحّ هذا الكلام فقول النجاشيّ(رحمه الله): «هو الذي روى حديث الأذان» اشتباه. ويبعّد ذلك أنّ هذا الكلام عناية خاصّة من النجاشيّ بالموضوع، فيستبعد خطأُه، ففرق بين أن يعبّر صدفة عن الخثعميّ بالجعفيّ خطأ وبين أن يتقصّد حديثاً لإسماعيل الجعفيّ كي يوضّح أنّه إسماعيل بن جابر. هذا وللشيخ الصدوق(رحمه الله) رواية عن إسماعيل بن جابر الجعفيّ، راجع الفقيه، ج 3، ح 1615. وممّا يؤيّد كون الخثعميّ تصحيفاً للجعفيّ أنّ ما ورد في رجال الشيخ بعنوان (إسماعيل بن جابر الخثعميّ) قد ورد في كتاب المولى القهبائيّ نقلاً عن رجال الشيخ بعنوان (إسماعيل بن جابر الجعفيّ) فيحتمل أنّ النسخة التي كانت من رجال الشيخ لدى المولى القهبائيّ كانت بعنوان الجعفيّ لا الخثعميّ.

ولكن يحتمل أيضاً أن يكون هذا تصحيحاً من قبل نفس المولى القهبائيّ. والظاهر أنّ أقوى الاحتمالات كون الخثعميّ تصحيفاً للجعفيّ ولو على أساس التشابه بينهما في الخطّ الكوفيّ.

(1) ذكر النجاشيّ في ترجمة بسطام بن الحصين بن عبد الرحمن الجعفيّ بن أخي خثيمة: (وإسماعيل كان وجهاً في أصحابنا، وأبوه وعمومته، وكان أوجههم إسماعيل، وهم بيت بالكوفة من جعفي.....) فقد تدّعى دلالة ذلك على وثاقته.

184

ولكن يمكن أن يقال في المقام: إنّ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ غير محتملة؛ لأنّه قد نصّ في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ على أنّه مات في حياة الإمام الصادق(عليه السلام)، وأحمد بن محمّد بن عيسى وإن كنّا لم نضبط تأريخ وفاته، ولكن ورد في ترجمته أنّه حضر جنازة أحمد بن محمّد بن خالد حافياً حاسراً(1). وقد جاء في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد أنّه توفّي في سنة 274، إذن فأحمد بن محمّد بن عيسى كان حيّاً في سنة 274 ـ أي: بعد وفاة الإمام الصادق(عليه السلام)بمئة وستّ وعشرين سنة ـ فلو فرض أنّه كان يروي عن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ الذي توفّي في حياة الإمام الصادق(عليه السلام) للزم أن يكون عمره ـ على الأقلّ ـ مئة وخمساً وأربعين سنة مثلاً، وهذا مضافاً إلى بعده في نفسه مطمأنّ بعدمه بلحاظ عدم النصّ عليه في كتب الرجال، وهم ينصّون عادةً على المعمّر كي لا يقع الاشتباه من هذه الناحية. فنحن وإن كنّا نميل ميلاً قويّاً بلحاظ ما مضى إلى أنّ إسماعيل الجعفيّ متى ما يطلق يراد به إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ، لا إسماعيل بن جابر الجعفيّ(2) لكن في خصوص حديث الرفع قد يجعل ما ذكرناه من عدم إمكان رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه قرينة على كون المقصود به ابن جابر الجعفيّ لا ابن عبد الرحمن.



(1) هذا غير ثابت؛ إذ لم يرو إلاّ من قِبل العلاّمة(رحمه الله) في الخلاصة نقلاً عن كتاب مجهول.

(2) وإن كان يطلق أيضاً نادراً على إسماعيل بن جابر الجعفيّ كما في رواية الأذان على ما قاله النجاشيّ، وكما فيما رواه الكلينيّ في الكافي ـ ج 6، الباب 20، من كتاب الطلاق، ح 1 و 3 ـ عن إسماعيل الجعفيّ، ورواه الصدوق بعينه في الفقيه ـ ج 3،ح 1615 ـ عن إسماعيل بن جابر الجعفيّ.

185

ولكن الواقع: أنّ هذا لا يشفع لتصحيح سند الحديث في المقام، فإنّ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إسماعيل بن جابر الجعفيّ الذي هو من أصحاب الباقر والصادق(عليهما السلام) من دون واسطة يطمأنّ بخلافه، فإمّا أنّ إسماعيل الجعفيّ هنا شخص آخر لا نعرفه، وإمّا أنّ الواسطة بينه وبين أحمد بن محمّد بن عيسى محذوف. ويؤيّد عدم كون أحمد بن محمّد بن عيسى هو الراوي المباشر لحديث الرفع عن إسماعيل بن جابر الجعفيّ المعروف اُمور:

الأوّل: أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى في روايات عديدة عن إسماعيل بن جابر بواسطة البرقيّ.

الثاني: أنّه لم ينقل عن أحمد بن محمّد بن عيسى في الفقه كلّه في غير المقام أنّه روى عن الإمام الصادق(عليه السلام)بواسطة واحدة، بل في جميع رواياته ـ بمقدار تتبّعي في الكتب الأربعة ـ يروي إمّا بواسطتين أو بثلاث وسائط عن الإمام الصادق(عليه السلام). وفي هذه الرواية يروي بواسطة واحدة وهي إسماعيل الجعفيّ، وتأريخ أحمد بن محمّد بن عيسى يقتضي أن يروي بأكثر من واسطة؛ لأنّ الإمام الصادق(عليه السلام) توفّي سنة 148 وأحمد بن محمّد بن عيسى كان حيّاً إلى سنة 274، فالفارق بينه وبين الإمام الصادق(عليه السلام) يكون 126 سنة، فمن المستبعد جدّاً وحدة الواسطة بينه وبين الإمام الصادق(عليه السلام)، إلاّ أن يفرض طول عمر مهمّ في الواسطة.

الثالث: أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى ينقل في كتاب النوادر الذي أخذ عنه صاحب الوسائل هذا الحديث ينقل فيه حديث الرفع أيضاً بصيغة اُخرى عن الحلبيّ، وهذا أشكل؛ فإنّنا إن لم نعثر على تصريح بزمان وفاة إسماعيل بن جابر فقد صرّح بعض علماء الرجال بأنّ الحلبيّ توفّي في أيّام الإمام الصادق(عليه السلام)، فالحلبيّ يكون من قبيل إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفيّ الذي لا نحتمل رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، وقد نقل حديث الرفع عن الحلبيّ وعن إسماعيل

186

الجعفيّ في سياق واحد، فكون هذه الرواية مردفة برواية اُخرى يقطع فيها بالإرسال، وإسقاط الواسطة يقوّي احتمال إسقاط الواسطة في المقام(1).

الرابع: أنّ الشيخ والنجاشيّ طريقهما إلى إسماعيل بن جابر يمرّ بمحمّد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان، عن إسماعيل بن جابر، ومحمّد بن عيسى بن عبيد من مشايخ أحمد بن محمّد بن عيسى، فإذا كان شيخه يروي عن إسماعيل بن جابر بالواسطة فكيف أصبح هو يروي عنه بلا واسطة؟

وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه: أنّ الحديث ساقط سنداً.

الجهة الثانية: أنّ هذا الحديث يرويه صاحب الوسائل بسنده إلى أحمد بن محمّد بن عيسى. ومن هنا يتوجّه الإشكال الثاني، وهو أنّ سند صاحب الوسائل إلى أحمد بن محمّد بن عيسى إنّما يكون بواسطة سند الشيخ إليه، وسند الشيخ إلى كلّ روايات أحمد بن محمّد بن عيسى ليس سواء، فله عدّة أسانيد كلّ منهما سند إلى طائفة من رواياته، بعضها تامّ، وبعضها غير تامّ؛ لوجود أحمد بن محمّد بن



(1) لا يخفى أنّنا لو كنّا نقبل رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن الإمام الصادق(عليه السلام)بواسطة واحدة، وكانت المشكلة في روايته عن الحلبيّ منحصرة في مشكلة التصريح بوفاة الحلبيّ في زمان الأمام الصادق(عليه السلام)أمكن أن يدّعى أنّ انصراف كلمة (الحلبيّ) إلى الحلبيّ المشهور وهو محمّد بن علي بن أبي شعبة إنّما يكون حينما يرد على لسان من ينقل عنه ممّن أدركه، أمّا حينما يرد على لسان من ينقل عنه ممّن لم يدرك محمّد بن علي بن أبي شعبة فهو محمول على غيره، فليحمل في المقام على يحيى بن عمران الحلبيّ، وهو أيضاً ثقة وهو يروي عن الصادق وعن الكاظم(عليهما السلام)، وحديث الرفع الذي رواه الحلبيّ مرويّ عن الصادق(عليه السلام). وعلى أيّ حال فالمهمّ في المقام أنّ فرض نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عن الصادق(عليه السلام)بواسطة واحدة يطمأنّ بخلافه.

187

يحيى فيه(1)، وهو لم يثبت توثيقه إلاّ بناءً على قاعدة أنّ مشايخ الثلاثة ـ أعني: مشايخ الصدوق والكلينيّ والشيخ ـ ثقات، وهذه القاعدة غير تامّة عندنا، فمن هنا يقع الإشكال.

والكلام في رفع هذا الإشكال يقع على مستويين:

الأوّل: رفعه على مستوى هذا الحديث الموجود فيه (رفع ما لا يعلمون).

والثاني: رفعه على مستوى مطلق ما ينقله الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

أمّا على المستوى الأوّل: فهذا الإشكال مرفوع في المقام؛ لأنّ صاحب الوسائل



(1) يوجد في أحد تلك الأسانيد الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى، لكنّه ـ بناءً على ما مضى منّا في ذيل حديث الرفع المنقول في الخصال والتوحيد من بيان لتوثيق أحمد بن محمّد بن يحيى والحسين بن عبيد الله الغضائريّ ـ يكون الإشكال محلولاً بلحاظهما، لكنّه يبقى الإشكال من ناحية وجود ابن أبي جيد في سند آخر له. وهذا أيضاً يمكن حلّه بأنّ الشيخ الطوسيّ ذكر في الفهرست سندين له إلى جميع كتب وروايات أحمد بن محمّد بن يحيى:

أحدهما: عدّة من أصحابنا منهم الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه و سعد بن عبد الله، عنه.

والثاني: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن يحيى، والحسن بن محمّد بن إسماعيل، عن أحمد بن محمّد. وقد مضى منّا في ذيل حديث الرفع المنقول في الخصال والتوحيد توضيح وثاقة الحسين بن عبيد الله، وأحمد بن محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد. ولو وسوسنا في السند الثاني ـ لعدم معرفتنا للعدّة التي نقلت عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ـ كفانا السند الأوّل.

188

صرّح بأنّ هذا الحديث مأخوذ من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى(1)، وقد صرّح الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) في مشيخته بسند تامّ له إلى نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى.

 

نظريّة التعويض:

وأمّا على المستوى الثاني: فحلّ الإشكال يكون عن طريق ما نسمّيه بنظريّة التعويض، وهي فرض التصرّف في السند، إمّا باعتبار المقطع الأوّل بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار المقطع الثاني بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار تمام السند واستبداله بسند آخر. وهذه النظريّة لها عدّة وجوه نذكرها لأنّها مفيدة جدّاً في تصحيح كثير من الروايات التي قد يعسر تصحيحها بالصورة الابتدائيّة، ونرى أنّه هل يأتي بعض هذه الوجوه في روايات أحمد بن محمّد بن عيسى أو لا؟

الوجه الأوّل: أن يفرض أنّ سند الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً وإن كان ضعيفاً بشخص لكنّه وقع بعد ذلك الشخص ثقة، أي: أنّه كان ذاك الثقة أقرب من ذاك الضعيف إلى الإمام وكان للشيخ إلى روايات ذلك الثقة سند صحيح



(1) وحتّى لو لم يصرّح صاحب الوسائل بذلك يكفينا أن لا يذكر اسم كتاب آخر؛ إذ يظهر من كلامه في خاتمة الوسائل أنّ الكتب التي نقل عنها في الوسائل ولم يسمّها منحصرة في كتب سمّـاها في آخر الوسائل، وليس فيها كتاب لأحمد بن محمّد بن عيسى عدا النوادر. ومن هنا يتّضح أنّنا لو وجدنا حديثاً في الوسائل عن أحمد بن محمّد بن عيسى من دون ذكر الكتاب الذي أخذ منه يكون الحديث تامّاً سنداً، بخلاف ما لو وجدنا حديثاً في التهذيب أو الاستبصار عنه من دون ذكر كتابه، فإنّه عندئذ لا يكون تامّاً سنداً إلاّ بلحاظ ما سيشرح في المتن من نظريّة التعويض.

189

فيعوّض بذلك السند عن المقطع الأوّل من سند الشيخ.

وهذا الوجه منطبق فيما نحن فيه؛ لأنّه في إحدى طائفتي أخبار(1) أحمد بن محمّد بن عيسى التي يرويها الشيخ بسند ضعيف يوجد بعد الضعف محمّد بن عليّ بن محبوب، والشيخ له طريق تامّ مصرّح به في الفهرست إلى جميع كتبه ورواياته، وفي الطائفة الاُخرى(2) يوجد بعد الضعف محمّد بن الحسن الصفّار(3)، والشيخ له طريق تامّ مصرّح به في الفهرست إلى جميع كتبه ورواياته(4).



(1) يقصد بها(رحمه الله) ما رواه الشيخ عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

(2) يقصد بها(رحمه الله) ما رواه الشيخ عن أبي الحسين بن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد.

(3) وكذلك محمّد بن الحسن بن الوليد.

(4) وقد يناقش أحد في الجزم بكون مجموع الأسانيد المختلفة الواردة في مشيخة الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) إلى المجموعات المتعدّدة من رواياته عن أحمد بن محمّد بن عيسى مستوعباً لجميع ما في كتبه من روايات عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

وهذا النقاش وإن كنّا نطمئنّ بخلافه، ولكن لو أنّ أحداً احتمله وأراد أن يتخلّص منه، فعلاجه هو الانتقال عن تصحيح سند الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى في المشيخة إلى تصحيح سنده إليه في الفهرست، فإنّ أسانيد الشيخ إليه في الفهرست مستوعبة لجميع كتبه ورواياته، وقد وقع فيها سعد بن عبد الله، وكذلك محمّد بن الحسن بن الوليد، وكذلك محمّد بن الحسن الصفّار عنه، وللشيخ الطوسيّ(رحمه الله) سند تامّ إلى كلّ هؤلاء الثلاثة؛ لأنّه يروي جميع كتبهم ورواياتهم عن عدّة من الأصحاب عن الصدوق عنهم، ومن تلك العدّة الشيخ المفيد بدليل ما صرّح به الشيخ في سنده إلى الصدوق في الفهرست.

190

وتحقيق الكلام في هذا الوجه مبنيّ على معرفة معنى قول الشيخ: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان)؛ إذ توجد في المراد منه بدواً احتملات عديدة:

الأوّل: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تكون في علم الله لمحمّد بن الحسن الصفّار مثلاً.

والثاني: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي ينسبها الشيخ إليه، ويعتقد وجداناً وتعبّداً أنّها له.

والثالث: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تنسب إليه.

والرابع: أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تنسب إليه، ووصلت إلى الشيخ.

أمّا الاحتمال الأوّل فلا يكون عقلائيّاً كما هو واضح؛ إذ لا يمكن عادةً للشيخ(قدس سره) أن يعلم جميع ما صدر في علم الله من أخبار عن الصفّار، ويعلم أنّه ليس له غير ما علمه هو.

ولو تمّ هذا الاحتمال تمّ هذا الوجه من نظريّة التعويض؛ إذ إنّ هذا الحديث لا نحتمل كون الشيخ قاطعاً بعدم صدوره من الصفّار، وإلاّ لما كان ينقله في كتابه، والمفروض أنّه لا يوجد حديث يشكّ الشيخ في أنّه صادر من الصفّار أو لا، فينحصر في أنّه كان قاطعاً بصدور هذا الحديث من الصفّار، فهو داخل في عموم قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان)(1).

ومن هنا ظهر حال الاحتمال الثالث، فإنّه أيضاً ليس عقلائيّاً؛ إذ عادةً لا يمكن للشيخ أن يعلم بجميع ما ينسب إلى الصفّار، ويعلم أنّه لا ينسب إليه غير ما علم به.



(1) أو يقال: إنّ هذا الحديث لو لم يكن قد وصله عن هذا الطريق لقطع بكذبه، لعلمه بأنّ جميع كتبه ورواياته وصلته عن هذا الطريق، ولو قطع بكذبه لما رواه في كتابه.

191

ولو تمّ هذا تمّ هذا الوجه من نظريّة التعويض أيضاً؛ إذ المفروض أنّ هذا الحديث ينسب إلى الصفّار، فهو داخل في عموم قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان).

وبعد وضوح بطلان الاحتمال الأوّل والثالث يدور الأمر بين الاحتمال الثاني والرابع.

وبناءً على الاحتمال الثاني لا يتمّ هذا الوجه من النظريّة؛ إذ كون هذا الحديث ممّا يعتبره الشيخ وجداناً وتعبّداً صادراً من الصفّار حتّى يكون داخلاً في عموم (أخبرني بجميع كتبه ورواياته) أوّل الكلام، وهذا بخلاف الاحتمال الرابع، فإنّ المفروض وصول هذا الحديث إلى الشيخ، فهو عليه داخل في عموم ذاك الكلام.

والاحتمال الثاني خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر أنّ الشيخ إنّما يقول هذا الكلام، أي: قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان) بما هو من أهل الرواية والحديث، لا بما هو مجتهد في الأحاديث يحكم بأنّه حقّاً حديثه أو لا، وإنّما قال الشيخ(رحمه الله) هذا الكلام لإمكان تصحيح روايات ذلك الشخص وكتبه لنا وإخراجها عن الإرسال، ولو فرض أنّ مقصوده خصوص الكتب والروايات التي يعتبرها الشيخ كتباً وروايات له لم يفد هذا الكلام في نفسه شيئاً؛ إذ لعلّ هذا الخبر الذي يرويه الشيخ عنه ليس له علم وجدانيّ أو تعبّديّ بأنّه له، ولا ينافي ذلك ذكره إيّاه، لكون هذا الحديث مرويّاً عنه.

والخلاصة: أنّ الظاهر عرفاً من هذا الكلام إنّما هو المعنى الرابع دون الثاني، ولذا لو رأينا في مكتبة الشيخ كتاباً للصفّار وعلمنا بأنّ هذا الكتاب قد رآه الشيخ ووصله نحكم بكونه للصفّار؛ لأنّ الشيخ ذكر لنفسه طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب الصفّار ورواياته(1). أمّا فرض تقييد الاحتمال الرابع بما إذا لم يروه الشيخ في


(1) وقد يفترض أنّ المقصود بقوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) هو كلّ ما رواه

192

كتابه بسند آخر فتقييد بلا موجب، ومخالف للظاهر والمتفاهم عرفاً.

 


الشيخ عنه، وعليه تتمّ نظريّة التعويض في المقام؛ لأنّ المفروض أنّ الحديث الفلانيّ قد رواه عنه، ولكن لا يتمّ سند كتاب يفترض أنّنا رأيناه في مكتبة الشيخ وعلمنا أنّه وصله؛ لأنّنا لا نعلم أنّه قد رواه.

إلاّ أنّ الوجه الذي اختاره اُستاذنا(رحمه الله) وهو كون المقصود كلّ ما وصله عنه أقوى من هذا الاحتمال، وهو كون المقصود كلّ ما رواه عنه، فإنّ الرواية أخصّ من الوصول، فكلّ ما رواه قد وصله، وليس من الضروريّ أنّ كلّ ما وصله قد رواه، إذن فعنوان (ما رواه) مشتمل على قيد زائد منفيّ بالإطلاق، أي: أنّ قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) كان مقتضى أصالة الإطلاق أن يحمل على جميع كتبه ورواياته في علم الله، لكن علمنا بقرينة مّا أنّ هذا غير مقصود، فدار الأمر بين أن يكون المقصود هو الإخبار بجميع ما وصله، أو يكون هناك قيد إضافيّ لم يبيّن وهو قيد رواياته عنه، والقيد الإضافي منفيّ بالإطلاق.

لا يقال: إنّه دار الأمر بين قيد الوصول وقيد الرواية، وصحيح أنّ دائرة الوصول أوسع من دائرة الرواية، لكن الإطلاق لا يعيّن المفهوم الواسع في مقابل المفهوم الضيّق، وإنّما ينفي القيد الزائد على مفهوم فرض تعيّنه.

فإنّه يقال: إنّ قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) لم يكن قضيّة حقيقيّة حتّى يمكن تقييده بأحد العنوانين بنحو القضيّة الحقيقيّة، بل هو قضيّة خارجيّة، وتقييده إنّما يتصوّر بنحو القضيّة الخارجيّة وحتّى لو اُخذ العنوان في التقييد كان في واقعه مشيراً إلى الأفراد الخارجيّة، والأفراد الخارجيّة التي خرجت بالتقييد أو التخصيص مردّدة بين الأقلّ والأكثر، فيقتصر على الأقلّ بحكم الإطلاق.

وعلى أيّة حال، فهذان الاحتمالان سيّان في ملائمتهما لنظريّة التعويض، فلا يؤثّر تعيين أحدهما وعدمه.

193

الوجه الثاني: عكس الوجه الأوّل، ففي الوجه الأوّل كنّا نستبدل المقطع الأوّل من السند بسند صحيح، وفي هذاالوجه نستبدل المقطع الثاني منه بسند صحيح، وهذا الوجه هو أن يفرض أنّ في سند الحديث الضعيف الذي رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً، وقع شخص ثقة قبل الضعف، ولا يوجد ضعف بين الشيخ وذاك الثقة، ويفرض أنّنا عثرنا على طريق تامّ لذلك الثقة يذكره إلى جميع ما وصله من كتب وروايات ثقة وقع بعد الضعف، وهو نفس أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً، أو إلى الإمام رأساً، أي: أن يكون له طريق تامّ لجميع ما وصله من الإمام الذي روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً، فنعوّض المقطع الثاني من السند إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، أو إلى الإمام بذلك؛ إذ قد ثبت ـ ولو تعبّداً بنقل الثقات الذين وقعوا قبل هذا الثقة ـ أنّ هذا الحديث يكون ممّا وصله، فيدخل في إطلاق السند الذي فرض له إلى جميع ما وصله من روايات أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً إذا عرفنا أنّ هذا الحديث لم يحصل عليه أحمد بن محمّد بن عيسى بعد قوله: (أخبرنا بكتبه ورواياته فلان عن فلان)، كما إذا علمنا أنّ هذا الكلام صدر منه بعد استكمال أمره في تحصيل الروايات.

وهذا الوجه جوهره في الحقيقة هو جوهر الوجه الأوّل، ولكن يختلف عنه في اُسلوبه.

الوجه الثالث: عبارة عن تعويض سند الشيخ مثلاً إلى صاحب كتاب في رواية ينقلها عن ذاك الكتاب إذا كان ضعيفاً بسند النجاشيّ إليه مثلاً إذا كان صحيحاً، فلو فرضنا أنّ الشيخ مثلاً روى عن عليّ بن الحسن بن فضّال حديثاً وكان في سند الشيخ إليه ضعف، وللنجاشيّ سند تامّ إليه فبالإمكان تعويض سند الشيخ بسند النجاشيّ بشرط أن يكون الشخص الذي وقع بعد الشيخ مباشرة ثقة، ونفترض أنّ للنجاشيّ مثلاً الذي هو ثقة يوجد ـ من حسن الصدفة ـ طريقان إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، أحدهما نفس طريق الشيخ المشتمل على الضعف، والآخر

194

طريق صحيح، ونفترض أنّ النجاشيّ لم يكتفِ بقوله بنحو الإجمال: (أخبرنا بجميع كتبه فلان عن فلان)، بل صرّح باسم الكتب، وكذلك الشيخ، ورأينا أنّ الكتب التي سمّاها الشيخ(قدس سره) قد سمّاها أيضاً النجاشيّ، فعندئذ نبدّل سند الشيخ الذي فيه ضعف بسند النجاشيّ الصحيح.

والوجه في هذا الاستبدال هو أنّ ظاهر كلام النجاشيّ الذي ذكر طريقين إلى كتب علي بن الحسن بن فضّال أنّ تلك الكتب نقلت له بالطريق الصحيح بنفس النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف، ولا يحتمل عقلائيّاً أنّ النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف تختلف عن النسخة التي وصلت إلى الشيخ بنفس ذلك الطريق، فإنّ المفروض أنّ من وقع بعد الشيخ بلا فاصل ثقة، فلا يحتمل أنّه أعطى نسخة إلى الشيخ ورواها عن عليّ بن الحسن بن فضّال، ونسخة اُخرى إلى النجاشيّ فرضها كذباً نفس ذلك الكتاب ورواها عنه، كما لا يحتمل عادةً عقلائيّاً أنّ ذاك الثقة كانت عنده نسختان مختلفتان من ذلك الكتاب، ولم ينبّه الشيخ ولا النجاشيّ إلى اختلاف النسختين، أو هو لم ينتبه إلى اختلاف النسختين مع وجودهما عنده، رغم ما كان متعارفاً وقتئذ لديهم من التدقيق في متون الأخبار والقراءة والمقابلة ونحو ذلك(1).



(1) لا يخفى أنّ هذا الكلام يتمّ كلّما كان الثقة المباشر للشيخ مباشراً للنجاشيّ أيضاً بالنسبة لنفس الكتب، سواءً فرضنا أنّ النجاشيّ كان يمتلك سندين أحدهما هو عين السند الضعيف الذي كان يمتلكه الشيخ، أو فرضنا أنّ النجاشيّ كان يمتلك سندين كلاهما غير سند الشيخ وكان أحدهما صحيحاً، وكان الشخص المباشر للنجاشيّ في السند الآخر هو نفس ذاك الثقة، أو فرضنا أنّ النجاشيّ كان يمتلك سنداً صحيحاً إلى نفس الكتب، وكان الشخص المباشر فيه للنجاشيّ هو ذاك الثقة من دون فرق بين أن يمتلك أو لا يمتلك سنداً آخر أصلاً.

195

وبهذا الوجه يمكن تصحيح طريق الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال الذي هو ضعيف بالزبيريّ، حيث قال الشيخ: (أخبرنا بكتبه قراءة عليه أكثرها والباقي إجازة أحمد بن عبدون عن عليّ بن محمّد بن الزبير سماعاً وإجازةً عن عليّ بن الحسن بن فضّال)، والزبيريّ لم تثبت وثاقته، لكن النجاشيّ له في فهرسته طريقان إلى كتبه، أحدهما نفس طريق الشيخ(1)، والآخر طريق آخر صحيح وهو: محمّد بن جعفر(2) في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن، وقد سمّى النجاشيّ جميع الكتب التي سمّاها الشيخ(3).

 


(1) لا يخفى أنّ الشخص المباشر في هذا الطريق للشيخ والنجاشيّ هو أحمد بن عبدون، ولا دليل على وثاقته إلاّ على مبنى السيّد الخوئيّ(رحمه الله) القائل بوثاقة مشايخ النجاشيّ، فإن لم نقبل بهذا الكلام فالشرط الأوّل ـ وهو وثاقة الراوي المباشر ـ مفقود في المقام.

(2) ومحمّد بن جعفر وإن لم يثبت توثيقه إلاّ على مبنى وثاقة مشايخ النجاشيّ، ولكن المفروض أنّ محمّد بن جعفر معه آخرون من مشايخ النجاشيّ، فإن لم نقل بالاطمئنان بأنّ أحدهم ـ على الأقلّ ـ كان ثقة فلا أقلّ من الاطمئنان أو القطع بعدم تواطئهم على الكذب في المقام، فإنّ مشايخ النجاشيّ إن لم نقل بوثاقتهم فلا شكّ في أنّهم لم يكونوا من الكذّابين.

(3) إلاّ أنّه ورد فيما عدّه الشيخ: كتاب صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ولم يرد هذا الاسم عن النجاشيّ، ولكن النجاشيّ عدّ كتباً عديدةً ممّا لم يعدّه الشيخ، ومنها كتاب وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فيحتمل قويّاً أنّ هذا هو كتاب صفات النبيّ، وأنّ إحدى الكلمتين تصحيف عن الآخر، أو أنّ الكتاب مشتمل على صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ووفاته، فسمّي تارةً بهذا الاسم، واُخرى بذاك الاسم، ولو فرض التعدّد فالحديث الذي لم يرد في صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله) نطمئنّ ـ بحساب الاحتمالات ـ بكونه مأخوذاً من كتاب آخر غير كتاب صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله).

196

إلاّ أنّ في هذا المثال طريقاً للمناقشة؛ وذلك لأنّ النجاشيّ قال: (أخبرنا فلان عن فلان بكتبه) ولم يعطف على كتبه رواياته، فقد يبدي أحد احتمال كون المقصود أخبرنا بعناوين كتبه لا بواقع كتبه.

كما أنّ هذا الإشكال ـ إن تمّ ـ يأتي حتّى في تصحيح طرق الشيخ إذا كان طريقه في المشيخة ضعيفاً وفي الفهرست صحيحاً. فنقول: إن لم يعطف في الفهرست رواياته على كتبه جاءت فيه نفس هذه المناقشة(1). نعم، حينما تعطف الروايات على الكتب لا نحتمل أن يكون المراد عناوين الروايات؛ إذ لا معنى


ومن الكتب التي ذكرها الشيخ(رحمه الله) هوكتاب (الأصفياء)، إلاّ أنّ النجاشيّ ذكر ما نصّه: (ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون الكتاب المنسوب إلى عليّ بن الحسن بن فضّال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويقولون: إنّه موضوع عليه لا أصل له، والله أعلم، قالوا: وهذا الكتاب ألصق رواية إلى أبي العباس بن عقدة وابن الزبير، ولم نرَ أحداً ممّن روى عن هذين الرجلين يقول قرأته على الشيخ، غير أنّه يضاف إلى كلّ رجل منهما بالإجازة حسب). وهذا الكلام يعني أنّ هذا الكتاب لم يصل إذن إلى النجاشيّ عن طريقه الصحيح؛ لأنّ هذا الكتاب لم تعرف روايته عن غير ابن عقدة وابن الزبير. فأحمد بن محمّد بن سعيد ـ الذي روى عنه كتب ابن فضّال محمّد بن جعفر في آخرين ـ لم يروِ هذا الكتاب، ولو فرض أنّه رواه فروايته تعارض ما قاله جماعة من شيوخ النجاشيّ من أنّ هذا الكتاب موضوع على ابن فضّال. وعلى أيّة حال فحينما نرى الرواية أجنبيّة عن مسألة الأصفياء نطمئنّ ـ بحساب الاحتمالات ـ بأنّها مأخوذة من كتاب آخر غير كتاب الأصفياء.

(1) لا يبعد القول بأنّ التتبّع في فهرست الشيخ الطوسيّ يوجب استظهار أنّ هدفه في قوله: (أخبرني بكتبه فلان عن فلان) هو إعطاء السند للكتب لا مجرّد سرد أسماء الكتب.

197

للعناوين في قبال الواقع بالنسبة للروايات، فبقرينة وحدة السياق يكون ظاهر الكلام هو الإخبار عن واقع الكتب أيضاً.

وعلى أيّة حال، فهذا إشكال صغرويّ ـ إن تمّ ـ لم يضرّ بأصل الكبرى، فهذا الوجه من التعويض صحيح ولو في خصوص فرض عطف الروايات على الكتب.

الوجه الرابع: أوسع من الوجوه الماضية، وحاصله: أنّنا إذا وجدنا طريقاً ضعيفاً من الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً، ولكن طريق الصدوق(رحمه الله) إليه كان صحيحاً في المشيخة، نحكم بصحّة الحديث الذي يرويه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى بذاك الطريق الضعيف، سواء كان الصدوق داخلاً في طريق الشيخ أو لا، وذلك باعتبار أنّ طريق الشيخ إلى الصدوق صحيح، فيتلفّق من طريق الشيخ إلى الصدوق والصدوق إلى أحمد بن محمّد بن عيسى طريق صحيح.

وهنا إشكال واضح، وهو أنّ الصدوق في المشيخة يذكر طرقه إلى الروايات التي رواها في من لا يحضره الفقيه، وهذه الرواية الضعيفة التي نريد تصحيحها غير موجودة في من لا يحضره الفقيه، وإلاّ لعملنا بها ابتداءً، وإنّما هي موجودة في كتاب التهذيب للشيخ الطوسيّ(رحمه الله)فكيف نعرف أنّ هذه الرواية الموجودة في كتاب التهذيب يرويها الصدوق أيضاً بذلك الطريق الصحيح؟

بل وحتّى لو كان الصدوق يصرّح في مشيخة الفقيه بأنّ هذه الطرق طرق إلى جميع كتب وروايات من يروي عنه كان هذا الإشكال أيضاً وارداً؛ لما عرفت من أنّ معنى هذا الكلام هو أنّ جميع الكتب والروايات الواصلة إليه يرويها بالسند الفلانيّ، ولا سبيل لنا لمعرفة أنّ هذا الحديث وصل إلى الصدوق(رحمه الله).

ولدفع هذا الإشكال لابدّ أنّ يتمسّك بما ذكره الشيخ الطوسيّ من الحوالة في آخر مشيخته في التهذيب والاستبصار على فهارس الشيوخ حيث قال في آخر مشيخته في التهذيب: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والاُصول،

198

ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ(رحمهم الله)، مَن أراده أخذه من هناك ـ إن شاء الله ـ وقد ذكرنا نحن مستوفىً في كتاب فهرست الشيعة).

وقال في آخر مشيخته في الاستبصار: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والاُصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور في الفهارس للشيوخ، فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء الله تعالى).

ومن هنا ظهر أنّ تماميّة الرجوع في مقام تصحيح سند خبر ذكره الشيخ إلى مشيخة الصدوق مبنيّة على دعوى أنّ المقصود من كلام الشيخ في آخر كتابيه ليس هو الحوالة على خصوص فهارس الشيوخ التي يذكر فيها طرقهم إلى أصحاب الكتب والاُصول بلحاظ كلّ ما وصل إليهم من كتبهم ورواياتهم، واستظهار أنّ كلامه(قدس سره)في كتابيه حوالة على القضيّة الخارجيّة من الفهارس الموجودة للشيوخ، ومن أجلى مصاديقها مشيخة الصدوق وإن كانت ـ بحسب مدلولها اللفظيّ ـ مشيخة لخصوص الروايات المذكورة في الفقيه، فإطلاق كلام الشيخ شامل لذلك، ويدلّ على أنّ نفس الطرق التي للصدوق إلى أصحاب هذه المصنّفات هي موجودة له أيضاً بالنسبة للروايات التي ذكرها في التهذيب، فإن لم يقطع بهذا الظهور لم يتمّ ذلك.

إن قلت: إنّ هذا الإطلاق معارض بقوله: (وقد ذكرنا نحن مستوفىً في كتاب فهرست الشيعة) فإنّ ظاهره أنّه ذكر جميع طرقه في فهرسته، فالحديث الضعيف في مشيخته إن وجدنا سنداً صحيحاً له في فهرسته فلا حاجة إلى الرجوع إلى مشيخة الصدوق، وإلاّ فمقتضى إخباره بذكر جميع طرقه في فهرسته أنّ الطريق الموجود في مشيخة الصدوق غير الموجود في فهرست الشيخ لم يكن عند الشيخ.

قلت: أوّلاً: إنّ هذا الظهور لكلمة (مستوفى) غير معلوم، ولا يبعد أن يكون