376

كفر أو غير ذلك نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً مكانه، أو تولّى الصرف بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعيّن وصيّاً أصلا.

(مسألة: 20) إذا نسي الوصيّ مصرف المال الموصَى به وعجز عن معرفته صرفه في وجوه البرّ إذا كان التردّد بين غير المحصور، أمّا إذا تردّد بين محصور ففيه إشكال، ولا يبعد الرجوع إلى القرعة في تعيينه (1).

(مسألة: 21) يجوز للموصِي أن يجعل ناظراً على الوصيّ مشرفاً ومطّلعاً على عمله بحيث لا يجوز للوصيّ أن يعمل بالوصيّة إلّا باطّلاع الناظر وإشرافه عليه، فإذا عمل بدون إشرافه كان بدون إذن من الموصِي وخيانة له، وإذا عمل باطّلاعه كان مأذوناً فيه وأداءً لوظيفته، ولا يجب على الوصيّ متابعة مثل هذا الناظر في

(1) إن كانت الوصيّة عهديّة يكون المال باقياً على ملك الميّت بحساب ثلثه، ولايجوز التصرّف فيه إلّا في حدود ما طابت به نفسه.

فإذا تردّد المصرف بين غير المحصور، فإن كان الاحتمال في بعض الأطراف غير موهون، يبدو لنا وجوب الصرف فيه؛ لأنّ ضآلة الاحتمال التي تُسقط طرف العلم الإجماليّ في غير المحصور عن التنجيز لم تسقط هذا الطرف عن التنجيز.

وإن تعدّدت الأطراف المحتملة بهذه الدرجة، يرجع إلى القرعة بين تلك الأطراف.

وإن كانت الأطراف كلّها محتملة بدرجة موهونة غير معتنىً بها، فلا تنجيز عقلائيّ لواحدة من هذه المحتملات بالخصوص، فلا يبقى إلّا صرف المال في وجوه البرّ التي لا تخرج عن دائرة تلك الأطراف.

وإن كانت الوصيّة تمليكيّة، فيكون المال فعلاً ملكاً للموصى إليه، فمع فرض تردّده في محصور، وتساوي الاحتمالات، فالذي كنّا قد اخترناه في كتابنا في القضاء ص 638 هو: أنّ المرجع في فرض جهل نفس الأطراف بالحال في باب الأموال هو التقسيم بقاعدة العدل والإنصاف، والله العالم.

ومع قوّة الاحتمال في بعض الأطراف يصرف المال على المحتمل الأقوى تقديماً للامتثال الظنّيّ على الامتثال الاحتماليّ.

ومع تردّده بين أشخاص غير محصورين يطبّق على المال حكم مجهول المالك.

377

رأيه ونظره، فإذا أوصى الموصي باستنابة من يصلّي عنه فاستناب الوصيّ زيداً وكان الناظر يريد استنابة عمرو ويراها أرجح لم يقدح ذلك في صحّة استنابة زيد، وليس للناظر الاعتراض عليه في ذلك. نعم، لو جعل على الوصيّ ناظراً له بمعنى أن يكون عمل الوصيّ بنظره ففي المثال المذكور لا تصحّ استنابة زيد، وتجب استنابة عمرو، لكنّ هذا المعنى خلاف ظاهر جعل الناظر على الوصيّ، وتختلف أيضاً الصورتان بأنّه إذا خان الوصيّ وجب على الناظر مدافعته في الصورة الاُولى (1)، ولو قصّر في ذلك كان ضامناً (2)، وليس كذلك في الصورة الثانية، وربّما تقوم القرائن على خلاف ذلك، وفي الصورتين إذا مات الناظر لزم الوصيّ الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 22) الوصيّة جائزة من طرف الموصِي، فإذا أوصى بشيء جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى إلى أحد جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى بأشياء جاز له العدول عن جميعها وعن بعضها، كما يجوز له تبديل جميعها وتبديل بعضها ما دام فيه الروح إذا وجدت فيه الشرائط المتقدّمة من العقل والاختيار وغيرهما، وإذا أوصى إلى شخص ثمّ أوصى إلى آخر ولم يخبر الوصيّ الأوّل بالعدول عنه إلى غيره فمات، فعمل الوصيّ الأوّل بالوصيّة ثمّ علم، كانت الغرامة على الميّت تخرج من أصل التركة (3)، ثمّ يخرج الثلث للوصيّ الثاني. هذا إذا لم يكن العدول عن الأوّل لسبب ظاهر، أمّا إذا كان لسبب ظاهر كما إذا هاجر الوصيّ الأوّل إلى بلاد بعيدة، أو حدث بينه وبين الوصيّ عداوة ومقاطعة فعدل عنه، كان ما صرفه الوصيّ الأوّل من مال نفسه.



(1) كأنّ المفروض عنده(قدس سره) أنّ الوصيّ لم يسقط بالخيانة عن الوصاية ولكن ظاهر جعل الناظر بالمعنى الأوّل أنّه أراد مدافعته لدى الخيانة كي يرجعه إلى الصواب، ولا يرى(قدس سره) ظهوراً كهذا في جعل الناظر بالمعنى الثاني.

(2) لم نعرف سبباً لضمان الناظر. نعم، لا شكّ في ضمان نفس الوصيّ.

(3) يعني: أنّه أصبح هذا ديناً على الميّت فيخرج من الأصل.

378

(مسألة: 23) يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول، مثل أن يقول: «رجعت عن وصيّتي إلى زيد»، وبالفعل، مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثمّ يوصي بوقفه، ومثل أن يوصي بوقف عين ثمّ يبيعها أو يهبها.

(مسألة: 24) لا يعتبر في وجوب العمل بالوصيّة مرور مدّة طويلة أو قصيرة، فإذا أوصى ثمّ مات بلا فصل وجب العمل بها، وكذا إذا مات بعد مرور سنين. نعم، يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شكّ في الرجوع بنى على عدمه.

(مسألة: 25) إذا قال: إذا متّ في هذا السفر فوصيّي فلان، ووصيّتي كذا وكذا، فإذا لم يمت في ذلك السفر ومات في غيره لم يجب العمل بوصيّته ولم يكن له وصيّ. أمّا إذا كان الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيّته وإن لم يمت في ذلك السفر (1)، ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحجّاج عند العزم على الحجّ، ومثلهم زوّار الرضا(عليه السلام) والمسافرون أسفاراً بعيدة، فإنّ الظاهر أنّ هؤلاء وأمثالهم لم يقيّدوا الوصيّة بالموت في ذلك السفر، وإنّما كان الداعي على الوصيّة خوف الموت في ذلك السفر، فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقّق الرجوع عنها.

(مسألة: 26) يجوز للوصي أن يأخذ اُجرةً مثل عمله إذا كان له اُجرة (2)، إلّا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجّاناً، كما لو صرّح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه، فلا يجوز له أخذ الاُجرة حينئذ، ويجب عليه العمل بالوصيّة إن كان قد قبل، أمّا إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال، والأقرب العدم (3). هذا بالنسبة إلى العمل

(1) كون الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه أعمّ من تحقّق الإطلاق في الوصيّة، والمقياس هو الاستظهار العرفيّ الذي قد يختلف من مورد لآخر.

(2) لأجل أنّ الأمر يوجب الضمان.

(3) يبدو أنّ مفروض كلامه أنّ الموصي قد حمّل الوصيّة عليه بلا اُجرة، مع أنّ عمله كان يستحقّ الاُجرة، فلا تعارض بين هذا الكلام وبين ما مضى منه في أوّل الوصيّة: من أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول.

379

الذي أوصى إليه فيه، كالبيع والشراء وإعطاء الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته. أمّا لو أوصى بأعمال اُخرى مثل أن يوصي إلى زيد أن يحجّ عنه أو يصلّي عنه أو نحو ذلك لم يجب عليه القبول حتّى لو لم يعلم ذلك في حياة الموصي، ولو قبل في حياته: فإن كان أوصى إليه بالعمل مجّاناً مثل أن يحجّ فقبل لم يبعد جواز الردّ بعد وفاته (1)، وإذا جعل له اُجرةً معيّنةً بأن قال له: حِجَّ عنّي بمئة دينار كان إجارةً ووجب العمل بها، وله الاُجرة إذا كان قد قبل في حياته، وإلّا لم يجب، ولو كان باُجرة غير معيّنة عندهما بأن قال له: حِجَّ عنّي باُجرة المثل ولم تكن الاُجرة معلومةً عندهما فقبل في حياته لم يبعد أيضاً عدم وجوب العمل وجريان حكم الإجارة الفاسدة (2)، ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل، وهل يستحقّ الاُجرة على تقدير العمل ؟ إشكال، لاحتمال صدق الوصيّة، لكنّ الظاهر جريان حكم الجعالة فتفسد بالموت (3)، فيجري في أمثال ذلك أحكام العقد والإيقاع من حيث الصحّة والفساد، واللزوم والجواز، والفساد بالموت وعدمه، وربّما تكون المعاملة بينهما



(1) كأنّه لانصراف روايات عدم جواز الردّ(1) إلى الأعمال التي هي موضوع ولايته، أي: الأعمال التي بإمكانه أن يرسل شخصاً لتحقيقها، فيكون فعل الرسول فعلاً له، كما في البيع والشراء وأداء الديون، دون التي ليست تحت ولايته، كأن يرسل شخصاً يصلّي أو يحجّ، فإنّ هذا لا يصبح مصداقاً لصلاته وحجّه.

(2) بناءً على أنّ هذا الشكل من مجهوليّة الاُجرة يوجب فساد الإجارة.

(3) إن كان الجُعل عيناً خارجيّة من التركة لا كلّيّاً في الذمّة، دخل ذلك في الوصيّة التمليكيّة، فتنفذ حينما تنفذ الوصايا التمليكيّة، وأمّا إن كان كلّيّاً في الذمّة، فالظاهر أنّ هذه جعالة تفسد بالموت.


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من الوصايا.

380

من قبيل الصلح الذي لا يقدح فيه الجهالة ولا الموت، فيجب العمل به بعد الموت.

(مسألة: 27) تثبت الوصيّة التمليكيّة بشهادة مسلمَين عادلَين، وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصَى له (1)، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين كغيرها من الدعاوى الماليّة (2)، وتختصّ أيضاً بأنّها تثبت بشهادة النساء منفردات، فيثبت ربعها بشهادة مسلمة عادلة، ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات، وتمامها بشهادة أربع مسلمات عادلات بلا حاجة إلى اليمين في شهادتهنّ (3).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولا يخلو الثبوت بذلك من إشكال؛ لاحتمال اختصاص الثبوت بذلك بالدين». ونِعمَ ما أفاد(1).

(2) لقوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾(2). سورة 2 البقرة، الآية: 282.

(3) وقد دلّ على ذلك بعض النصوص(3)، ولا يبعد ثبوت الربع بشهادة الرجل


(1) راجع بهذا الصدد: الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 14 من كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

(2) بناءً على التعدّي العرفيّ إلى جميع الحقوق الماليّة.

وقد يستدلّ أيضاً برواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (على كلام في ثبوت وثاقته) قال: «كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن(عليه السلام): امرأة شهدت على وصيّة رجل لم يشهدها غيرها، وفي الورثة من يصدّقها، وفيهم من يتّهمها، فكتب: لا، إلّا أن يكون رجل وامرأتان، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها». الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الشهادات، ح 34، ص 360.

(3) كصحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام): «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة، فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصيّة»، وصحيح ربعي عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في شهادة امرأة حضرت رجلاً يوصي، فقال: يجوز في ربع ما أوصى بحساب شهادتها». الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الشهادات، ح 15 و16.

381

أمّا الوصيّة العهديّة (وهي الوصاية بالولاية) فلا تثبت إلّا بشهادة مسلمَين عادلَين.

(مسألة: 28) تثبت الوصيّة التمليكيّة بشهادة ذمّيَّين عدلَين في دينهما عند عدم عدول المسلمين، ولا تثبت بشهادة غيرهما من الكفّار، وفي ثبوت الوصيّة العهديّة بذلك إشكال (1).

(مسألة: 29) تثبت الوصيّة التمليكيّة بإقرار الورثة جميعهم إذا كانوا عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولا، وإذا أقرّ بعضهم دون بعض تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرِّ دون المنكِر. نعم، إذا أقرّ منهم اثنان وكانا عدلَين تثبت الوصيّة بتمامها، وإذا كان عدلا واحداً تثبت أيضاً مع يمين الموصَى له (2). وأمّا في الوصيّة العهديّة فتثبت أصل الوصيّة بإقرار الورثة جميعهم، وإذا أقرّ بعضهم ثبت بعض الموصَى به على نسبة حصّة المقرّ وينقص من حقّه، وأمّا نفس الولاية فثبوتها بنفس الإقرار ولو من جميعهم إشكال وإن كان هو الأظهر. نعم، إذا أقرّ اثنان عدلان منهم ثبتت بلا إشكال.



العادل أيضاً (1).

(1) أفاد اُستاذنا(قدس سره): «الأقرب الثبوت». ونِعمَ ما أفاد(2).

(2) تقدّم الإشكال في ذلك في التعليق على قول المصنّف(رحمه الله): «..وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصى له» في أوّل المسألة رقم (27).


(1) تعدّياً من مورد النصّ الماضي من المرأة إلى الرجل بالأولويّة العرفيّة.

(2) لإطلاق الآية الشريفة 106 من سورة المائدة: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ﴾.

382

 

فصل في منجّزات المريض:

(مسألة: 1) إذا تصرّف المريض في مرض الموت تصرّفاً منجّزاً: فإن لم يكن مشتملا على المحاباة كما إذا باع بثمن المثل أو آجر باُجرة المثل، فلا إشكال في صحّته ولزوم العمل به، وإذا كان مشتملا على نوع من المحاباة والعطاء المجّاني، كما إذا أعتق، أو أبرأ، أو وهب هبةً مجّانيةً غير معوّضة أو معوّضةً بأقلّ من القيمة، أو باع بأقلّ من ثمن المثل، أو آجر بأقلّ من اُجرة المثل، أو نحو ذلك ممّا يستوجب نقصاً في ماله فالظاهر أنّه نافذ كتصرّفه في حال الصحّة (1)، والقول بأنّه



(1) لعلّ الأفضل أن يستثنى من نفوذ منجّزات المريض فرض مزاحمة الدَين لنفوذها(1).


(1) لصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 39 من الوصايا، ح 5، ص 355 ـ 356.

وإن شئت إجمالاً من أصل بحث نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة فكالتالي:

إنّ هناك روايات كثيرة واضحة في نفوذ منجزات المريض حتّى المحاباتيّة أو العطاءات المجّانيّة.

والظاهر أنّ التامّ منها سنداً والصريح دلالةً روايتان:

الاُولى: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «قلت له: الرجل يكون له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت». الفقيه، ج 4، ص 149 بحسب طبعة الآخونديّ، ح 518. والوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 من الوصايا، ذيل ح 2، ص 297.

والثانية: موثّقة عمّار الساباطيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «قلت له: الميّت أحقّ بماله مادام فيه

383



الروح يبين به؟ قال:نعم، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث». الوسائل، المصدر الماضي، ح 7، ص 299.

وهناك روايتان اُخريان تامّتان سنداً، ولكن دلالتهما بالظهور لا بالصراحة:

الاُولى: معتبرة الحلبيّ، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمها، هل على أهلها أن يكاتبوها؟ قال: ليس ذلك لها، ولكن لها ثلثها فلتخدم بحساب ما عتق منها». الوسائل، ج 23 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 64 من العتق، ح 6، ص 102. وفي السند زرعة، وهو واقفيّ ثقة.

والثانية: صحيحة عبدالله بن سنان: «أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها إن شاؤوا وإن أبوا؟ قال: لا، ولكن لها من نفسها ثلثها، وللوارث ثلثاها يستخدمها بحساب الذي له منها، ويكون لها من نفسها بحساب الذي عتق منها». نفس المصدر، ح 7.

وإنّما أقول: إنّهما ليستا صريحتين لإمكان حمل العتق عند الموت على معنى الوصيّة بالعتق.

وبالمقابل توجد روايات كثيرة تعارض مضمون نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة، أو العطاءات المجّانيّة، والتامّ منها سنداً ما يلي:

1 ـ حديث سماعة: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن عطيّة الوالد لولده، فقال: أمّا إذا كان صحيحاً، فهو ماله يصنع به ما شاء. وأمّا في مرضه فلا يصلح». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 من الوصايا، ح 11، ص 300، بناءً على حمله على مرض الموت.

والتشويش باد على هذا الحديث؛ لعدم تخصيصه للمرض بمرض الموت.

2 ـ صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يخصّ بعض ولده بالعطيّة، قال: إن كان موسراً فنعم، وإن كان معسراً فلا». الوسائل، المصدر الماضي، ح 12، ص 300.

والتشويش هنا أوضح، فلا نستطيع أن نفهم معنىً معقولاً لهذا الحديث، إلّا أن نُخرجه عن

384



محلّ البحث، ونحمله على معنى: أنّه إن كان معسراً كان تخصيص بعض ولده بالعطيّة مضرّاً بما يجب عليه من تغطية النفقة الواجبة عليه لجميع ولده.

3 ـ صحيح الحلبيّ قال: «سُئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه، فتبرِئه منه في مرضها، فقال: لا». الوسائل، المصدر الماضي، ح 15، ص 301.

والتشويش أيضاً باد على هذا الحديث؛ إذ لم يفرض موتها في مرضها.

4 ـ صحيح سماعة، قال: «سألته عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه، فتُبرئه منه في مرضها، فقال: لا، ولكنّها إن وهبت له، جاز ما وهبت له من ثلثها». الوسائل، نفس المصدر الماضي، ح 16، ص 301.

والتشويش فيه ـ إضافة إلى ما مضى في الحديث السابق ـ عبارة عن تفصيله بين الإبراء والهبة.

5 ـ صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل حضره الموت، فأعتق غلامه، وأوصى بوصيّة، فكان أكثر من الثلث، قال: يمضي عتق الغلام، ويكون النقصان في ما بقي». الوسائل، نفس المجلّد، ب 67 من الوصايا، ح 1، ص 399.

وهذا الحديث إن فسّر بمعنى: أنّ مجموع العتق والوصيّة كان أكثر من الثلث، فهذا وإن دلّ على عدم نفوذ العتق إلّا بترجيحه على تلك الوصايا، إذن فالعتق بوصفه تصرّفاً محاباتيّاً من منجزات المريض غير نافذ، ولكن التعبير عن الوصيّة بالعتق بعبارة «أعتق غلامه عند حضور موته» أمر معقول، فيحمل على ذلك جمعاً بين هذا الحديث والحديثين الماضيين التامّين سنداً الصريحين في نفوذ عطايا المريض في مرض موته.

6 ـ صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن(عليه السلام): «في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته، وأعتق مملوكاً، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث، كيف يصنع به في وصيّته؟ قال: يبدأ بالعتق فينفّذه». نفس المصدر، ح 2، ص 400.

385

يخرج من الثلث فإذا زاد عليه لم ينفذ إلّا بإجازة الوارث ضعيف، وإذا أقرّ بعين أو دين لوارث أو لغيره: فإن كان المقرّ مأموناً ومصدَّقاً في نفسه نفذ الإقرار من



فإن فسّر ذلك بمعنى: أنّ ما أوصى به من المال لذوي قرابته يزيد على الثلث، ومع ذلك أمر(عليه السلام)بتنفيذ العتق، فهوعلى نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة أو المجّانيّة أدلّ منه على عدم النفوذ.

وإن فسّر ذلك بمعنى: أنّ مجموع العتق مع ما جعل لذوي قرابته كان يزيد على الثلث، وقد عبّر عن ذلك بتعبير «جميع ما أوصى به» فهذا شاهد لما قلنا في الرواية السابقة: من أنّ تفسير العتق عند الموت بمعنى الوصيّة بالعتق أمر معقول.

7 ـ صحيح ابن أبي عمير عن رجل عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)، «قال في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه، فقال: إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث، وجاز العتق». نفس المصدر، ح 4، ص 400.

هذا بحسب عبارة الكافي، وروى الشيخ مثله، إلّا أنّه في أكثر النسخ «عن جميل» بدل «عن رجل».

وهذا إن فسّر بمعنى: أنّ وصاياه بأكثر من الثلث غير عتق مماليكه، وأنّ كلمة «ردّ إلى الثلث» راجعة إلى وصيّته، وقد قال: «جاز العتق»، إذن فالحديث دلّ على نفوذ منجزات المريض المجّانيّة، لا على عدم نفوذها.

وإن فسّر بمعنى: أنّ عتق مماليكه زائداً على وصاياه كان أكثر من الثلث، حمل ذلك في مقابل روايتي نفوذ منجزات المريض حتّى المحاباتيّة أو المجّانيّة الصريحتين في ذلك والتامّتين سنداً، على أنّ المقصود بقوله: «أعتق مماليكه في مرضه» هي الوصيّة بالعتق.

8 ـ معتبرة الحسن بن الجهم، قال: «سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول في رجل أعتق مملوكاً وقد حضره الموت، وأشهد له بذلك وقيمته ستمئة درهم، وعليه دين ثلاثمئة درهم ولم يترك شيئاً غيره، قال: يعتق منه سدسه؛ لأنّه إنّما له منه ثلاثمئة درهم، ويقضى عنه ثلاثمئة درهم، وله من الثلاثمئة ثلثها وهو السدس من الجميع». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 39 من الوصايا، ح 4، ص 354.

386

الأصل، وإن كان متّهماً نفذ من الثلث (1). هذا إذا كان الإقرار في مرض الموت،



(1) إشارة إلى بعض الروايات(1).


وهذا يمكن أن يستفاد منه عدم نفوذ المنجز الذي يزاحم الدين.

ولكنّه يقبل الحمل على الوصيّة؛ لأنّه عبّر بتعبير «يعتق منه سدسه» ولم يعبّر بتعبير «انعتق منه سدسه».

9 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج في من مات وترك ديناً كثيراً، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم، فأعتقهم عند الموت. والرواية مفصّلة جاء فيها تأييد للإمام(عليه السلام) لحكم ابن أبي ليلى الذي حكم بأن يبيعهم ويدفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنّه ليس له أن يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم، وكان قد رجع ابن أبي ليلى عن رأيه، ووافق ابن شبرمة في رأي مخالف لهذا الرأي. الوسائل، نفس المجلّد والباب، ح 5، ص 354 ـ 356.

وهذا يدلّ على أنّ منجزات المريض إن زاحمها الدين لم تنفذ.

وهذا أخصّ من الروايات التي دلّت على نفوذ منجزات المريض.

فيبدو أنّ النتيجة هي أن يستثنى من نفوذ منجزات المريض فرض مزاحمة الدين إيّاها.

10 ـ صحيح جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أو صحيح جميل عن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين، فقال: إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله، جاز عتقه، وإلّا لم يجز». نفس المصدر، ح 6، ص 356.

وكأنّ هذا مضمونٌ لا يمكن الأخذ به، أو أنّه محرّف، أو مشوّش.

(1) كصحيح منصور بن حازم، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً، فقال: إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي اُوصى له». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من الوصايا، ح 1، ص 291، وصحيح أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل معه مال مضاربة، فمات وعليه دين، وأوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، إذا كان مصدّقاً». نفس المصدر، ح 14، ص 296.

387

أمّا إذا كان في حال الصحّة أو في المرض غير مرض الموت اُخرج من الأصل وإن كان متّهماً.

(مسألة: 2) إذا قال: «هذا وقف بعد وفاتي»، أو: «أنت بريء الذمّة من ديني بعد وفاتي»، أو نحو ذلك ممّا يتضمّن تعليق الإيقاع على الوفاة فهو باطل لا يصحّ وإن أجاز الورثة(1)، فالإنشاء المعلَّق على الوفاة إنّما يصحّ في مقامين: إنشاء الملك، وهي الوصيّة التمليكيّة، وإنشاء العتق، وهو التدبير، ولا يصحّ في غيرهما من أنواع الإنشاء، فإذا قال: بعتُ، أو آجرت، أو صالحت، أو وقفت، أو أبرأت، أو طلّقت بعد وفاتي بطل، ولا يجري عليه حكم الوصيّة بالبيع أو الوقف ـ مثلا ـ بحيث يجب على الورثة أن يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته كما إذا أوصى بذلك. نعم، إذا فُهِم من كلامه أنّه يريد الوصيّة بالبيع أو الوقف كانت وصيّته صحيحةً ووجب العمل بها. والله سبحانه العالم.



(1) أي: أنّ إجازة الورثة لا تصحّح هذا الأمر الباطل، وأفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): (أنّ إجازة الوارث وإن كانت لا تصحّح هذا الإنشاء من المورّث، لكن لا يبعد أن تصبح تلك الإجازة بنفسها وقفاً وإبراءً من الوارث إن وقعت بعد موت الموصي، ولا يضرّ بذلك تعليق الإنشاء من المورّث؛ لأنّ الإنشاء من حين انتسابه إلى الوارث بالإجازة واجد لما علّق عليه، فيصبح من قبيل ما لو قال الولد بعد موت والده: «هذا وقف بعد موت والدي». نعم، لو أنّ الوارث أجاز كلام المورّث، في حال حياة المورّث فلا أثر لذلك). ونِعمَ ما أفاد.

389

المعاملات

23

 

 

 

كتاب الوقف

 

○  تعريف الوقف وأنواعه.

○  شروط صحّة الوقف وبعض أحكامه.

○  شرائط الواقف.

○  شرائط العين الموقوفة.

○  شرائط الموقوف عليه.

○  بيان المراد من بعض عبارات الواقف.

○  بعض أحكام الوقف.

○  إلحاق فيه بابان.

391

 

 

 

 

 

[تعريف الوقف وأنواعه:]

وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.

(مسألة: 1) لا يكفي في تحقّقه مجرّد النيّة، بل لابدّ من مظهر لها مثل: وقفتُ، وحبستُ، ونحوهما ممّا يدلّ على المقصود، والظاهر وقوعه بالمعاطاة، مثل أن يعطي إلى قيِّم المشهد آلات الإسراج، أو يعطيه الفراش، أو نحو ذلك، بل ربّما يقع بالفعل بلا معاطاة، مثل أن يعمر الجدار أو الاُسطوانة الخربة من المسجد أو نحو ذلك، فإنّه إذا مات من دون إجراء صيغة الوقف لا يرجع ميراثاً إلى ورثته.

(مسألة: 2) الوقف تارةً يكون له موقوف عليه يقصد عود المنفعة إليه، وتارةً لا يكون كذلك، والثاني وقف المسجد، فإنّ الواقف لم يلحظ في الوقف منفعةً خاصّة، وإنّما لاحظ مجرّد حفظ العنوان الخاصّ وهو عنوان المسجديّة، وهذا القسم لا يكون له موقوف عليه، وإذا لاحظ الواقف منفعةً خاصّةً مثل الصلاة أو الذكر أو الدعاء أو نحوها من أنحاء العبادة فقال: وقفت هذا المكان على المصلّين أو الذاكرين أو الداعين أو نحو ذلك لم يصر مسجداً، ولم تجرِ عليه أحكام المسجد، وإنّما يصير وقفاً على الصلاة أو غيرها ممّا لاحظ الواقف، ويكون من القسم الأوّل الذي له موقوف عليه، وهو الذي لاحظ الواقف فيه المنفعة، وهو على أقسام:

الأوّل: أن يلحظ عود المنفعة إلى الموقوف عليهم بصيرورتها ملكاً لهم(1)، كما



(1) لا إشكال في أنّ وقف المسجد ليس تمليكاً كما هو واضح، ولكن سائر أنحاء

392

إذا قال: هذا المكان وقف على أولادي(1) على أن تكون منافعه لهم، أو هذه البستان وقف على أولادي على أن تكون ثمرتها لهم، فتكون المنافع والثمرة ملكاً لهم كسائر أملاكهم تجوز المعاوضة منهم عليها ويرثها وارثهم، وتضمن لهم عند طروء سبب الضمان، وتجب الزكاة على كلّ واحد منهم عند بلوغ حصّته النصاب.



الوقف كلّها يرجع إلى تمليك العين الموقوفة للموقوف عليه، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله). نعم، الموقوف عليه يكون على أقسام:

فتارة: يكون الموقوف عليه أشخاصاً، كما لو وقف البستان على زيد وأولاده، فتكون منافعه لهم، ويترتّب على ذلك جواز المعاوضة على المنافع، وانتقالها بالإرث، وضمانها بأسباب الضمان كالإتلاف، وتجب الزكاة ولو قبل القبض إذا بلغت حصّة الواحد منهم النصاب.

واُخرى: يكون الموقوف عليه عنواناً عامّاً كعنوان الفقراء أو العلماء، فالعنوان العامّ هو المالك للعين، وتكون المنافع للعنوان العامّ، ولا يملك المنافع مصاديق العنوان إلّا بالقبض، ويكون لوليّ الوقف المعاوضة على المنفعة، وأسبابُ الضمان كالإتلاف توجب الضمان لذلك العنوان، ولكن لا تورث المنافع ولا تتعلّق بها الزكاة إلّا بعد القبض.

وثالثةً: يكون الموقوف عليه حيثيّة من الحيثيّات من قبيل وقف الدار على الإسكان، أو وقف البستان على الإطعام من غلاّته، سواء كان المقصود الإسكان والإطعام للأفراد أو للعنوان، فتكون تلك الحيثيّة هي المالكة للعين، إلّا أنّ مثل هذه الحيثيّة يوجد عقلائيّاً ضيق في قابليّتها للملكيّة، فلا تملك سوى الانتفاع بالعين على الوجه المخصوص من الإسكان أو الإطعام مثلاً، فلا تجوز المعاوضة على المنفعة، كما أنّه لا يجري عليها حكم الزكاة ولا الإرث، أمّا لو غصب العين الموقوفة غاصب فحال دون انتفاع أهلها بها، فلا يبعد ضمان ما فوّته من انتفاع على أهله.

(1) هذا داخل فيما شرحناه من الوقف على الأشخاص.

393

الثاني: أن تلحظ المنافع مصروفةً عليهم من دون تمليك، فلا تجوز المعاوضة من أحدِ الموقوف عليهم على حصّته، ولا تجب فيها الزكاة وإن بلغت النصاب، ولا يرثها وارث الموقوف عليه إذا مات قبل أن تصرف المنفعة عليه، وتضمن المنفعة بطروء سبب الضمان، وهذا القسم على نوعين:

الأوّل: أن يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، كما إذا قال: هذه الشجرة وقف على أولادي يأكلون ثمرتها(1)، وفي مثله لا يجوز للوليّ تبديلها والمعاوضة عليها، بل يصرف نفس الثمرة عليهم بتمليكهم إيّاها ليأكلوها، أو يبذلها لهم ليأكلوها.

الثاني: أن لا يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، بل يلحظ الأعمّ منها ومن بدلها، كما إذا قال: هذه البستان وقف على أولادي تصرف منفعتها عليهم(2)، سواء أكان بتبديلها إلى عين اُخرى بأن يبدّل الوليّ الثمرة بالحنطة أو الدقيق أو الدراهم، أم ببذل نفسها لهم.

القسم الثالث: أن يلاحظ الواقف انتفاع الموقوف عليهم مباشرةً باستيفاء المنفعة بأنفسهم، مثل وقف خانات المسافرين، والرباطات، والمدارس، وكتب العلم والأدعية، ونحوها(3)، وهذا القسم كما لا تجوز المعاوضة على منافعه لا من الموقوف عليهم ولا من الوليّ لاتوارث فيه، ولا ضمان فيه إذا غصب المنفعة



(1) هذا داخل فيما ذكرناه من الوقف على حيثيّة خاصّة، وقد كنّا قسّمناه إلى قسمين: الوقف على الحيثيّة الخاصّة للأفراد، أو على الحيثيّة الخاصّة للعنوان، وهذا داخل في القسم الأوّل.

(2) كأنّ المقصود: الوقف على عنوان الولد كالوقف على عنوان العالم أو الفقير.

(3) هذا مرجعه إلى الوقف على حيثيّة خاصّة قائمة بالعنوان، أي: القسم الثاني من قسمي الوقف على الحيثيّة الخاصّة اللذين أشرنا إليهما.

394

غاصب(1)، بخلاف الأقسام السابقة، فإنّ منافعها مضمونة كما عرفت.

(مسألة: 3) الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه وإن كان أحوط، ولا سيّما في الوقف بلحاظ ملك المنفعة، سواء أكان عامّاً مثل الوقف على العلماء، أم خاصّاً مثل الوقف على أولاده، فيقبل في الأوّل الحاكم الشرعيّ، وفي الثاني الموقوف عليهم من الطبقة الاُولى(2).

 

[شروط صحّة الوقف وبعض أحكامه:]

(مسألة: 4) الأحوط اعتبار القربة في صحّة الوقف وإن كان الأظهر عدم اعتبارها في مثل الوقف على الذرّيّة(3).

(مسألة: 5) يعتبر في صحّة الوقف القبض بإذن الواقف(4)، فإذا مات قبل



(1) مضى منّا: أنّه لا يبعد ضمان ما فوّته الغاصب من انتفاع على أهله.

(2) لا دليل على شرط القبول إطلاقاً بعد صدق عنوان الوقف قبل القبول.

(3) لا دليل على شرط القربة إطلاقاً بعد صدق عنوان الوقف ولو كان بلا قربة.

(4) لا دليل على اعتبار القبض في الأوقاف العامّة بعد صدق عنوان الوقف قبل القبض. نعم، في الوقف على الأشخاص لابدّ من شرط القبض: إمّا في صحّته، وإمّا في لزومه(1).


(1) للروايات، كصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟ فقال: إن كان وقفها لوُلده ولغيرهم ثمّ جعل لها قيّماً، لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا صغاراً وقد شرط ولايتها لهم حتّى بلغوا فيحوزها لهم، لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا كباراً ولم يسلّمها إليهم ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه، فله أن يرجع فيها؛ لأنّهم لا يحوزونها عنه وقد بلغوا»، الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت،

395

القبض بطل، ولا يعتبر في القبض الفوريّة.

(مسألة: 6) يكفي في تحقّق القبض في مثل الوقف على الذرّيّة قبض الطبقة الاُولى.

(مسألة: 7) إذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده وكانت العين في يده كفى ذلك في تحقّق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر، وإذا كانت العين في يد غيره فلابدّ من أخذها منه ليتحقّق قبض وليّهم.

(مسألة: 8) إذا كانت العين بيد الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها ولم يحتج إلى قبض جديد.

(مسألة: 9) يكفي في قبض غير المنقول رفع الواقف يده عنه والإذن في استيلاء الموقوف عليهم عليه(1).

(مسألة: 10) في اعتبار القبض في صحّة الوقف على الجهات العامّة إشكال(2)، ولا سيّما إذا كان من نيّة الواقف أن تبقى في يده ويعمل بها على حسب ما وقف، والأحوط اعتباره، ولكنّ الظاهر عدم اعتبار قبض الحاكم الشرعيّ، فإذا



(1) المتيقّن في صحّة القبض ليس هو مجرّد الإذن في استيلاء الموقوف عليهم، بل تحقّق الاستيلاء خارجاً.

(2) مضى: أنّه لا دليل على شرط القبض في الأوقاف العامّة.


ب 4 من الوقوف والصدقات، ح 4، ص 180، وإن كانت العبارة لا تخلو من تشويش. وصحيح أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ فيما ورد عليه من جواب مسائله عن محمّد بن عثمان العمريّ عن صاحب الزمان(عليه السلام): «وأمّا ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه، فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، وكلّ ما سُلّم فلا خيار فيه لصاحبه...». نفس المصدر، ح 8، ص 182.

396

وقف مقبرةً كفى الإذن في الدفن فيها، وإذا وقف مكاناً للصلاة كفى الإذن في الصلاة فيه، وإذا وقف حسينيّة كفى الإذن في إقامة العزاء فيها، وكذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين، والدار على سكنى العلماء والفقراء فإنّه يكفي في قبضها الإذن في السكنى، وإذا وقف حصيراً للمسجد كفى وضعه في المسجد، وكذا في مثل آلات المشاهد والمعابد والمساجد ونحوها فإنّ الظاهر أنّه يكفي في قبضها وضعها فيها بقصد استعمالها. وإذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو نحوها فعمّره فالظاهر كفاية ذلك في تماميّة الوقف وإن لم يقبضه قابض، وإذا مات لم يرجع ميراثاً لوارثه، كما عرفت.

(مسألة: 11) إذا وقف على أولاده الكبار فقبض واحد منهم، صحّ القبض في حصّته، ولم يصحَّ في حصّة الباقين.

(مسألة: 12) إذا جعل الولاية على الوقف لنفسه، كفى في قبض العين الموقوفة بقاؤها في يده(1). نعم، إذا كانت في يد غيره توقّف على أخذها منه، وإذا جعل الولاية لغيره لم يكفِ في قبضها تسليمها إلى الموقوف عليهم، بل لابدّ من قبض الوليّ(2).

(مسألة: 13) إذا وقف بستانه على الفقراء فدفع ثمرتها إليهم مع كونها في يده، لم يكن ذلك كافياً في القبض. نعم، إذا كان من نيّته أن تبقى في يده ففيه إشكال(3).



(1) في المورد الذي يشترط فيه القبض لا يكفي قبض وليّ الوقف، بل لابدّ من قبض الموقوف عليه.

(2) قلنا: إنّ المناط في مورد يشترط فيه القبض هو قبض الموقوف عليه لا قبض وليّ الوقف.

(3) مضى: أنّه لا دليل على اشتراط القبض في الأوقاف العامّة.

397

(مسألة: 14) الوقوف التي تتعارف عند الأعراب بأن يقفوا شاةً على أن يكون الذكر المتولّد منها « ذبيحة » يعني يذبح ويؤكل، والاُنثى « منيحة » يعني تبقى وينتفع بصوفها ولبنها، فإذا ولدت ذكراً كان ذبيحة، وإذا ولدت اُنثى كانت منيحة، وهكذا إذا كان وقفهم معلّقاً على شفاء مريض أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من الغزو أو المرض أو نحو ذلك فهي باطلة(1)، وإذا كانت منجّزةً غير معلّقة ففي الحكم ببطلانها من جهة عدم القبض إشكال ؛ لما عرفت من الإشكال في اعتبار القبض في الوقف على الجهات العامّة، ولا سيّما مع نيّة الواقف أن تبقى بيده ويعمل بها على حسب ما وقف(2)، والإشكال في صحّة الوقوف المذكورة من جهة عدم الصيغة وعدم تعيين المصرف ضعيف.

(مسألة: 15) لا يجوز في الوقف توقيته بمدّة، فإذا قال: داري وقف على أولادي سنةً أو عشر سنين بطل، والظاهر عدم صحّته حبساً(3).

(مسألة: 16) إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده صحّ وقفاً، فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف حين الموت لا حين الانقراض، فإذا مات الواقف عن ولدين ومات أحدهما قبل الانقراض وترك ولداً ثمّ انقرض الموقوف عليهم، كانت العين الموقوفة مشتركةً بين العمّ وابن أخيه.

(مسألة: 17) لا فرق فيما ذكرنا من صحّة الوقف ورجوعه إلى ورثة الواقف



(1) هذا حكم احتياطيّ وكأنّ مدركه دعوى الإجماع على مبطليّة التعليق للعقود.

(2) تقدّم: أنّه لا دليل على اشتراط القبض في الأوقاف العامّة.

(3) أمّا بطلانه وقفاً فلأنّ الوقف يستبطن في مفهومه عدم التوقيت، وأمّا بطلانه حبساً فلأنّ الحبس يستبطن عدم خروج العين من ملك المالك في حين أنّ الوقف يستبطن خروج العين من ملك المالك.

398

بين كون الموقوف عليه ممّا ينقرض غالباً وكونه ممّا لا ينقرض غالباً فاتّفق انقراضه. نعم، يستثنى من ذلك ما إذا ظهر من القرائن(1) أنّ خصوصيّة الموقوف عليه ملحوظة بنحو تعدّد المطلوب بأن كان الواقف قد أنشأ التصدّق بالعين وكونه على نحو خاصّ، فإذا بطلت الخصوصيّة بقي أصل التصدّق، فإذا قامت القرينة على ذلك وانقرض الموقوف عليه لم يرجع إلى الوارث أو ورثته، بل يجب أن يتصدّق به(2).

(مسألة: 18) إذا وقف عيناً على غيره وشرط عودها إليه عند الحاجة، ففي صحّته قولان، والأظهر البطلان(3).

(مسألة: 19) يشترط في صحّة الوقف التنجيز(4)، فلو علّقه على أمر مستقبل معلوم الحصول أو متوقّع الحصول أو أمر حاليٍّ محتمل الحصول إذا كان لا يتوقّف عليه صحّة العقد بطل، فإذا قال: وقفت داري إذا جاء رأس الشهر، أو إذا ولد لي



(1) وقد يكون نفس كون الوقف على من لا ينقرض غالباً قرينة على ظهور الكلام في تخلّي الواقف نهائيّاً عن الوقف.

(2) بل يجب البناء على بقائه وقفاً، والأحوط وجوباً البناء على بقائه وقفاً بلحاظ أقرب الجهات إلى الموقوف عليهم المنقرضين. أمّا فرض ظهور القرائن في أنّ المقصود التصدّق بالعين وكونه على النحو المخصوص وهو الوقف بالنحو المفترض، فالظاهر أنّه فرض غير واقعيّ.

(3) لما مضى: من أنّ الوقف يستبطن في مفهومه عدم التوقيت. نعم، لو اُرجع الأمر إلى ما يستبطن عدم التوقيت، بل إلى انقراض الموقوف عليهم، صحّ، كما لو قيّد الموقوف عليهم بالفقراء غير المعاصرين لتجدّد الحاجة للواقف.

(4) أهمّ منشأ له دعوى الإجماع كما ادّعي ذلك في البيع أيضاً، وكون ذلك إجماعاً تعبّديّاً غير واضح عندنا. نعم، لا إشكال في أنّ مقتضى الاحتياط عدم التعليق ـ لشبهة الإجماع ـ مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات الموجودة في المتن.

399

ذكر، أو إن كان هذا اليوم يوم الجمعة، بطل، وإذا علّقه على أمر حاليٍّ معلومالحصول أو مجهول الحصول إذا كان يتوقّف عليه صحّة العقد كما إذا قال زيد: وقفت داري إن كنتُ زيداً، أو وقفت داري إن كانت لي، صحّ.

(مسألة: 20) إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي بطل، إلّا أن يفهم منه الوصيّة بالوقف فيجب العمل بها فيوقف بعده.

(مسألة: 21) يشترط في صحّة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف، فإذا وقف على نفسه بطل(1)، وإذا قال: داري وقف عليَّ وعلى أخي على نحو التشريك بطل الوقف في نصف الدار، وإذا كان على نحو الترتيب بأن قصد الوقف على نفسه ثمّ على أخيه، كان الوقف من المنقطع الأوّل، وإن قصد الوقف على أخيه ثمّ على نفسه كان من المنقطع الآخر، أو قال: هي وقف على أخي ثمّ على نفسي ثمّ على أخي كان من المنقطع الوسط، والأقسام الثلاثة كلّها باطلة بالنسبة إلى نفسه(2).



(1) أصل اشتراط إخراج الواقف نفسه وبطلان الوقف على النفس واضح فيما هو المفهوم العرفيّ من عنوان الوقف، فلو وقف على نفسه لم تشمله إطلاقات أدلّة الوقف، ولكن قد يقف على عنوان عامّ يصبح هو مصداقاً له كما لو وقف على عنوان عالم البلد وكان هو مصداقاً له، وهذا لا ينبغي الإشكال في دخوله في المطلقات.

(2) أمّا أصل الوقف المنقطع الأوّل أو الوسط أو الآخر فالظاهر صحّته؛ لإطلاق أدلّة: «الوقوف حسب ما يوقفها أهلها»(1).


(1) كصحيحة الصفّار الواردة في الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من الوقوف والصدقات، ح 1، ص 175: «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ...»، وصحيحة محمّد بن يحيى: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد(عليه السلام)...». نفس المصدر، ح 2، ص 175 ـ 176، وصحيحة الصفّار: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام) أسأله...». نفس المصدر، ب 7 من تلك الأبواب، ح 2، ص 192 ـ 193.

400

(مسألة: 22) إذا وقف على أولاده واشترط عليهم وفاء ديونه من مالهم عرفيّةً كانت الديون أم شرعيّةً كالزكاة والكفّارات الماليّة، صحّ(1)، وإن اشترط وفاء ديونه من الوقف بطل(2).

(مسألة: 23) إذا وقف على جيرانه واشترط عليهم أكل ضيوفه أو القيام بمؤونة أهله وأولاده حتّى زوجته صحّ(3). نعم، إذا اشترط عليهم نفقة زوجته الواجبة عليه من الوقف بطل(4)، وإن كان من مالهم صحّ.

(مسألة: 24) إذا وقف عيناً له على وفاء ديونه العرفيّة والشرعيّة بعد الموت، ففي صحّته كما قيل إشكال، وكذا في الإشكال ما لو وقفها على أداء العبادات عنه بعد الوفاة(5).



(1) لا يخفى أنّ الوقف لم يكن أمراً متقوّماً بتوافق بين الواقف والموقوف عليه حتّى يتعقّل فيه التقييد بشرط من هذا القبيل، بل كان مجرّد إيقاع من قِبل الواقف، فلو صحّ لم يبقَ أثر لهذا الشرط. نعم، بالإمكان إرجاع الشرط إلى التقييد في الموقوف عليه، بأن يقف على من يوفي دينه، فالذي أراد أن يكون مصداقاً للموقوف عليه يضطرّ إلى وفاء دين الواقف كي ينطبق عليه القيد الذي اُخذ في الموقوف عليه.

(2) لو رجع الشرط إلى التقييد في الموقوف عليه فلا مبرّر لبطلانه، ولو رجع الشرط إلى استثناء بعض المنافع من الوقف فأيضاً لا مبرّر لبطلانه.

(3) لابدّ من رجوع الشرط إلى التقييد في الموقوف عليه حتّى يصحّ بالمعنى المتقدّم في المسألة السابقة.

(4) تقدّم في المسألة السابقة: أنّه إن كان ذلك بمعنى التقييد في الموقوف عليه أو بمعنى استثناء بعض المنافع من الوقف، فلا مبرّر لبطلانه. نعم، لو أراد الوقف على نفسه، فلا إشكال في بطلانه.

(5) وجه الاستشكال احتمال رجوع ذلك عرفاً إلى الوصيّة وأن يكون حكمه حكم الوصيّة لا حكم الوقف.