564

الشكّ:

(114) إذا وجد المصلّي نفسه قائماً وشكّ في أنّه هل ركع وقام من ركوعه، أو لا يزال لم يركع؟ وجب عليه أن يركع، وإذا وجد نفسه راكعاً وشكّ في أنّه هل ذكر الذكر الواجب في ركوعه؟ وجب عليه أن يذكر.

(115) وإذا وجد نفسه في السجود وشكّ في أنّه هل ركع قبل ذلك، أوْ لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه، وأمّا إذا حصل له هذا الشكّ وهو يهوي قبل أن يسجد فعليه أن يقوم منتصباً ثمّ يركع.

(116) وإذا ركع ورفع رأسه من الركوع وشكّ هل أتى بالركوع على الوجه الصحيح، أوْ لا؟ مضى ولم يعتنِ بشكّه. وكذلك إذا أدّى الذكر الواجب في ركوعه، وبعد إكمال الذكر شكّ في أنّه هل نطق به صحيحاً، أم لا؟ فإنّه يمضي.

الآداب:

(117) يستحبّ للمصلّي حين يريد أن يركع أن يكبّر قبل هويّه إلى الركوع، ويرفع يديه حال التكبير إلى اُذنيه أو إلى جانبي وجهه.

كما يستحبّ له حال الركوع وضع كفّيه على ركبتيه ـ ولكنّ المستحبّ للمرأة أن تضع كفيّها على فخذيها ـ وردّ ركبتيه إلى الخلف، وتسوية ظهره، ومدّ عنقه موازياً لظهره، وأن يكون نظره بين قدميه، ويكرّر التسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر. وأن يقول عند القيام من الركوع: « سمع الله لمن حمده ».

 

السُجُود

 

(118) يجب على المصلّي بعد رفع الرأس من الركوع والوقوف قائماً

565

أن يسجد سجدتين، والسجود مرّتين واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بدون سجدتين.

ونعني بالسجود: وضع الجبهة على الأرض أو أخشابها ونباتها خضوعاً لله تعالى، على ما يأتي من التوضيح والتفصيل، وليس كلّ وضع سجوداً، بل الوضع المشتمل على الاعتماد والتركيز وإلقاء الثقل، لا مجرّد المماسّة (1).

وللسجود واجبات كما يلي:

(119) أوّلا: أن يضع المصلّي مقداراً من الجبهة على الأرض يحقّق السجود عرفاً، كمقدار عقد أحد أصابعه أو أقلّ من ذلك قليلا، فلا يكفي أن يضع جبهته على ما يشبه رأس الإبرة من أخشاب الأرض ونباتاتها، كما لا يجب أن يضع كامل جبهته ولا جزءً كبيراً منها على الأرض، بل يكفي ما ذكرناه.

ولو كان مقدار عقد الإصبع متفرّقاً ووضع جبهته عليه وهو متفرّق كفاه ذلك أيضاً، كحبّات المسبحة إذا سجد المصلّي عليها (2).

ومن كان على جبهته علّة لا يستطيع السجود عليها ولكنها لم تستغرق الجبهة بالكامل احتال بكلّ وسيلة ليقع الجزء السليم من جبهته على ما ينبغي أن يسجد عليه.

 


(1) بل وكذلك الحال في باقي أعضاء السجود، لا في خصوص الجبهة فحسب.
(2) بشرط صدق عنوان السجود على الأرض، كما في مثال حبّات السبحة الذي ورد في المتن.أمّا لو كان من قبيل انتشار شعر المرأة على جبهتها ـ مثلاً ـ ووصول خطوط من الجبهة على الأرض من خلال الشعرات فقد لا يصدق على ذلك هذا العنوان ولو كان المجموع بمقدار درهم أو طرف الأنملة فعندئذ يشكل الاجتزاء بذلك.
566

وإن استغرقت العلّة الجبهة بالكامل سجد علي أيّ جزء شاء من وجهه.

(120) ثانياً: أن يبسط الساجد باطن كفّيه على الأرض، وإن تعذّر الباطن بسطهما على الظاهر، وإن قطعت الكفّ فالأقرب إليها من الذراع (1)، ولا يكفي وضع رؤوس أصابع الكفّين على الأرض، ولا أن يضمّ باطن الأصابع إلى باطن الكفّ بحيث تكون مقبوضةً لا مبسوطة، ويكفي مسمّى وضع الكفّين على الأرض، أي وضعهما على الأرض ولو بصورة تقريبية، ولا يجب استيعابهما بالكامل.

(121) ثالثاً: أن يلصق ركبتيه بالأرض، ويكفي أن يلصق جزءً من الركبة بالأرض، ولا يجب الاستيعاب (2).

(122) رابعاً: أن يضع طَرَفَي إبهامي القدمين على الأرض، وتسمّى الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان بأعضاء السجود السبعة.

(123) خامساً: أن يذكر في سجوده وهو مطمئنّ مستقرّ فيقول:

« سبحانَ ربّيَ الأعلى وبحمده » مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: « سبحان الله » ثلاث مرّات أو أكثر، أو يقول نفس العدد من غير ذلك من ألوان الذكر المتقدّمة في الركوع في الفقرة (107)، ولا فرق بين الجهر والإخفات.

ويجب في حال الذكر أن تكون الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان جميعاً على النحو المقرّر آنفاً بصورة مطمئنة مستقرّة.

 


(1) هو مخيّر بين أن يضع الذراع عموديّاً على الأرض، أو يبسط كلّ الذراع اُفقيّاً على الأرض.
(2) عدم الاستيعاب الناتج من كون الركبة محدّبةً قهري، أمّا عدم الاستيعاب بمعنى أن يصلّي ـ مثلاً ـ على حافّة السطح فيكون نصف ركبته على الأرض ـ مثلاً ـ والباقي على الهواء فهذا خلاف الاحتياط الواجب.
567

(124) وإذا هوى إلى السجود وتحقّق منه ما يسمّى سجوداً، ولكن ارتفع رأسه فجأةً قبل الذكر أو بعده من غير قصد فماذا يصنع ؟

الجواب: إذا حدث ذلك في السجدة الاُولى اعتبرت السجدة الاُولى قد انتهت بهذا الارتفاع المفاجئ، فإن استطاع أن يحتفظ بتوازنه ويملك رأسه من السقوط ثانيةً جلس معتدلا ومطمئنّاً، وسجد ثانيةً واكتفى بذلك. وإن لم يملك رأسه، بل عادت الجبهة إلى الهوي والسجود ثانياً بدون قصد فعليه أن يرفع رأسه ويسجد مرّةً ثانيهً ويتمّ الصلاة.

وهكذا إذا حدث ذلك في السجدة الثانية فإنّ عليه أن يحتفظ بتوازنه، ويحول دون سقوط رأسه مرّةً اُخرى إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكن وسقط رأسه ثانيةً رفع رأسه وواصل صلاته ولا شيء عليه.

(125) سادساً: أن يرفع رأسه من السجدة الاُولى معتدلا منتصباً في جلوسه ومطمئنّاً، ثمّ يهوي إلى السجدة الثانية عن هذا الاعتدال والانتصاب كما ركع عن قيام.

وعلى المصلّي أيضاً أن يجلس قليلا ومطمئنّاً بعد السجدة الثانية، حتّى ولو لم يكن لديه واجب معيّن من تشهّد وتسليم، كما في الركعة الاُولى والثالثة من الصلاة الرباعيّة.

(126) سابعاً: أن يكون موضع الجبهة مساوياً لموقفه وموضع قدميه من غير علوٍّ أو هبوط، إلّا أن يكون تفاوتاً يسيراً لا يزيد على أربع أصابع فقط. أمّا التساوي بين موضع بقيّة أعضاء السجود فليس بشرط، لا بين بعضها مع بعض، ولا بين شيء منها وموضع الجبهة، فيجوز انخفاض موضع الكفّين أو الركبتين وارتفاعهما أيضاً عن موضع الجبهة بأكثر من أربع أصابع، وكذا بين الكفّين والركبتين.

568

(127) ثامناً: أن يكون المكان الذي يسجد عليه المصلّي ويضع عليه الأعضاء السبعة للسجود مملوكاً له، أو غير مملوك لأحد، أو مملوكاً لشخص آخر يأذن له في السجود عليه. وأمّا إذا كان المكان لشخص آخر لا يأذن بذلك فلا يسوغ للإنسان أن يغتصبه منه ويسجد عليه، وإذا صنع ذلك كانت صلاته باطلة.

ومن الناحية النظريّة: إذا افترضنا شخصاً اغتصب من آخر مساحةً من أرضه فضمّها إلى بيته، ووقف في ذلك الموضع المغتصب يصلّي، فكبّر وقرأ وركع، وحين أراد أن يسجد تقدّم بضع خطوات فدخل في حدود بيته الأصلي الذي يملكه، وسجد على أرضه وكانت أعضاء سجوده السبعة كلّها خارج نطاق الغصب صحّت صلاته؛ لأنّ بطلان الصلاة وفسادها بسبب الغصب يدور مدار مكان المصلّي في حالة سجوده، فإن كان مكانه في هذه الحال بالذات مغصوباً تبطل صلاته، وإلّا فهي صحيحة.

ونقصد بالمكان: مايضع المصلّي جسمه وثقله عليه دون الفضاء، أو السقف الذي فوقه، أو حائط البيت، أو الخيمة، فهذه الأشياء إذا كانت مغصوبةً لا تبطل الصلاة بسبب ذلك ما دامت أعضاء السجود السبعة تقع على مواضع غير مغصوبة، بل إذا كانت الأرض مغصوبةً ولكن بُلّطت بحجر مباح أو زُفِّتَت بموادّ مباحة صحّت الصلاة(1).

ولا يكفي مجرّد وضع حصير مباح أو سجّادة مباحة أو فراش من أيّ نوع آخر على الأرض المغصوبة لكي تصحّ الصلاة.

ومن سُجنَ في مكان مغصوب وصلّى فيه فصلاته صحيحة.

وقد لا يكون المكان مغصوباً، ولكن تجب على الإنسان مغادرته وتحرم


(1) فيه إشكال؛ لإمكان القول بوقوع ثقل الجسم على الأرض تحت الحجر أو الموادّ.
569

عليه الاقامة فيه؛ لمضرّة تصيبه في بدنه أو في دينه، كالوقوع في الحرام من حيث يريد أو لا يريد، فإذا عصى الإنسان ولم يغادره وصلّى فيه فإنّ صلاته صحيحة.

وإذا اعتقد الإنسان أنّ هذا المكان غصب، ومع ذلك صلّى وسجد فيه مختاراً بطلت صلاته؛ حتّى ولو انكشف أنّ المكان مباح وغير محظور.

وإذا كان المكان مشتركاً بين شخصين فلا يسوغ لأحدهما أن يتصرّف فيه بدون إذن شريكه، ولو صلّى وسجد عليه بدون إذن كانت صلاته باطلة.

وإذا كانت الأرض مجهولةَ المالك ولا يمكن التعرّف على مالكها توقّفَ التصرّف فيها وصحّة الصلاة والسجود عليها على الاستئذان من الحاكم الشرعي.

والمراد بإذن المالك لك بالصلاة في أرضه: أنّه لا يكره ولا يتضايق من ذلك، وإذا شككت في ذلك فلا تسوغ الصلاة حينئذ. وأمّا إذا حصل لديك الاطمئنان بأنّه لا يكره فلا بأس، سواء حصل من قول المالك وتصريحه، أو من طريقة أهل العرف وعاداتهم، أو من إحساس المصلّي وشعوره بأنّ المالك لا يكره صلاته هذه وسجوده؛ اعتماداً على ظاهر الحال أو بعض القرائن.

ولكن إذا اعتقد الإنسان بأنّ المالك يأذن بالتصرّف في أرضه، فصلّى وسجد ثمّ اتّضح له أنّ المالك لايرضى بذلك فصلاته غير صحيحة.

(128) تاسعاً: أن لا يزيد على سجدتين في ركعة واحدة، ولا يأتي بسجدة في غير موضعها المقرّر لها، فلو سجد ثلاث سجدات أو سجد قبل الركوع عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.

(129) عاشراً: يشترط في الموضع الذي يسجد عليه ما يلي:

أ ـ أن يكون طاهراً، وليس هذا شرطاً في سائر المواضع في المكان الذي يصلّي عليه الإنسان، فإذا صلّى على أرض متنجّسَة وكان موضع الجبهة طاهراً

570

كفاه وصحّت صلاته إذا لم تكن الأرض أو ثياب المصلّي مرطوبةً على نحو تنتقل النجاسة إلى ملابس المصلّي أو بدنه.

ب ـ أن يكون الموضع بدرجة من الصلابة تُتيح للمصلّي أن يمكّن جبهته عند السجود عليه، لامثل الطين الذي لا يُتاح فيه ذلك، وإذا لم يجد المصلّي موضعاً لجبهته إلّا الموضع الرخو الذي تغوص فيه الجبهة ولا تتمكّن منه وضع جبهته عليه بدون اعتماد وضغط، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً مراعاة هذه النقطة في المواضع السبعة لأعضاء السجود، فموضع اليدين أيضاً يجب أن يكون على النحو المذكور.

وإذا كان الموضع رخواً بدرجة ما ولكنّه إذا سجد عليه أمكن أن يصلَ بالضغط إلى قرار ثابت تستقرّ عليه الجبهة وتتمكّن صحّ ذلك.

ومثاله: أن تضع ورقةً على فراش قطنيّ منفوش وتسجد عليها، فإنّ الورقة تهبط عندما تضع جبهتك عليها؛ لرخاوة القطن، ولكنّها تستقرّ أخيراً، فإذا سجد عليها المصلّي انتظر إلى أن تستقرّ، ثمّ ذكر وصحّ سجوده.

ج ـ أن يكون من الأرض، أو من نباتها ممّا لايؤكل ولا يلبس في الأغلب، ولا عبرة بما يؤكل أو يلبس نادراً وعند الضرورة القاهرة. ونقصد بما يؤكل وما يلبس: ما يصلح لذلك وإن لم يكن فعلا ممّا يؤكل لحاجته إلى الطبخ، أو ممّا يلبس لحاجته إلى النسج.

ويدخل في نطاق الأرض التي يجوز السجود عليها كلّ ما تقدم في فصل التيمّم أنّه يسوغ التيمّم به، فلاحظ الفقرة (14) من ذلك الفصل.

ولا يسوغ بحال، السجود على ما خرج عن اسم الأرض: كالذهب والفضّة والزجاج وما أشبه، وما خرج عن اسم النبات كالفحم والرماد.

571

وإذا أحضر المصلّي ما يصحّ السجود عليه من التراب أو غيره وبدأ صلاته ثمّ فقده وهو في أثناء الصلاة فماذا يصنع؟

الجواب: إذا كان في الوقت سعة لأداء الصلاة فيه(1) ولو بمقدار ركعة واحدة وجب عليه أن يقطعها ويستأنف الصلاة من جديد، وإن ضاق الوقت حتّى عن الركعة الواحدة سجد على طرف ثوبه مهما كان نوعه، وإن تعذّر ذلك سجد على ما تيسّر.

وقد تسأل عن القرطاس (الورق) هل يسوغ السجود عليه؟

والجواب: أنّه يسوغ ذلك وإن كان الأجدر احتياطاً استحباباً بالمصلّي أن لا يستعمل في سجوده القرطاس المتّخذ من القطن والكتّان والحرير (2)، أي ما يتّخذ من مادّة لا يسوغ السجود عليها.

وقد يسجد المصلّي على شيء من النايلون ـ مثلا ـ أو من شيء آخر لايصحّ السجود عليه متخيّلا أنّه من القرطاس أو غيره ممّا يصحّ السجود عليه، وبعد أن يرفع رأسه من السجدة الاُولى أو الثانية ينكشف له الواقع، وفي هذه الحالة إن شاء قطع الصلاة واستأنفها من جديد، وإن أحبّ أن يتمّ الصلاة مراعياً أن يكون محلّ سجوده مناسباً في ما يأتي به بعد ذلك من سجدات ثمّ يعيد الصلاة فهو أحسن وأحوط استحباباً.

 


(1) إن كان ثوبه من نبات الأرض ممّا يلبس كالقطن والكتّان كفى الاضطرار الوقتي لجواز السجود عليه، وإن كان من غير نبات الأرض لم يجز السجود عليه إلّا في الاضطرار المستوعب لتمام الوقت.
(2) بل لا يترك هذا الاحتياط لو فرض وجود قرطاس من هذا القبيل، ولا أظنّه موجوداً.
572

حالات العجز:

(130) من تعذّر عليه الانحناء الكامل للسجود انحنى حسب قدرته، ورفع ما يصحّ عليه السجود إلى جبهته(1) مع وضع سائر أعضاء السجود الستّة على مواضعها. وإذا لم يتمكّن من الانحناء بجسمه إطلاقاً وجب أن يرفع هو، أو يُرفَع له ما يصحّ السجود عليه إلى جبهته(2) ويومئ برأسه، وإذا لم يتمكّن من الإيماء بالرأس أومأ بالعينين.

الخلل:

(131) إذا صلّى المكلّف وترك في ركعة من ركعاتها كلتا السجدتين، أو زاد سجدتين فصلاته باطلة، سواء كان عامداً في الترك وملتفتاً إلى الحكم الشرعي، أو ناسياً، أو جاهلا.

وإذا صلّى وترك سجدةً واحدة: فإن كان عامداً ملتفتاً بطلت صلاته، وإن كان ناسياً أو غير ملتفت إلى الحكم الشرعي بأنّ ذلك لا يسوغ فصلاته صحيحة،


(1) هذا إذا كان قادراً على السجود العرفي، بمعنى تمكّنه من السجود على ما يكون أرفع من محلّ قدمه بأكثر من لبنة أو أربع أصابع، وإنّما العجز يكون عن الانحناء بمقدار ما يساوي موضع قدمه أو ما لا يزيد عليه بأكثر من لبنة.
أمّا إذا عجز حتّى عن ذلك كفاه الإيماء، ولكنّ الأفضل رفع ما يصحّ السجود عليه كي ينحني عليه.
(2) يكفي الإيماء، ولكنّ الأفضل أن يرفع أو يرفع له ما يصحّ السجود عليه كي ينحني عليه، والأحوط أن لا يكون من يرفع له ذلك امرأة؛ لورود النهي عن ذلك إلّا لدى انحصار الأمر بها. وأيضاً الأحوط وجوباً في حالة الإيماء أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه.
573

وعليه أن يتدارك بأداء السجدة بعد الصلاة مع سجدتي السهو (1)، على ما يأتي في الخلل من فصل الأحكام العامة للصلاة.

وإذا صلّى وزاد سجدةً واحدةً بطلت صلاته مع العمد والالتفات، وصحّت مع النسيان أو عدم الالتفات إلى الحكم الشرعي.

وإذا ترك سجدةً أو سجدتين غفلةً وقام لركعة اُخرى ثمّ انتبه فماذا يصنع؟

والجواب: إذا كان قد نسي سجدتين من ركعة واحدة ولم يتفطّن إلّا بعد أن ركع بطلت صلاته، وإذا كان قد نسي سجدةً واحدةً وتفطّن بعد أن ركع مضى وصحّت صلاته، وعليه أن يؤدّيها مع سجدتي السهو(2) بعد الصلاة.

وإذا كان قد نسي سجدةً واحدةً أو سجدتين وقام وتفطّن قبل أن يركع رجع وألغى ما كان قد أتى به من قيام وغيره، وأتى بالسجدة وواصل صلاته ولا شيء عليه.

وإذا تشهّد المصلّي وسلّم في الركعة الأخيرة ثمّ تذكّر أنّه قد نسي من الركعة الأخيرة سجدةً أو سجدتين فماذا يصنع؟

والجواب: يأتي في مبطلات الصلاة من فصل الأحكام العامّة للصلاة: أنّ هناك ما يبطل الصلاة إذا وقع فيها عن عمد والتفات خاصّة كالكلام، وهناك ما يبطل الصلاة إذا وقع فيها حتّى ولو كان سهواً، كأحد موجبات الوضوء، وعلى هذا فإن تفطّن هذا المصلّي بعد التسليم إلى نسيانه قبل أن يأتي بأيّ مبطل وقبل أن تمرّ فترة طويلة من الزمن تقطع الاتّصال كان عليه أن يأتي بما نسيه من السجود، ثمّ يتشهّد ويسلّم ولا شيء عليه، وكذلك الأمر إذا كان قد صدر منه مبطل من


(1) إيجاب سجدتي السهو أمر احتياطي.
(2) إيجاب سجدتي السهو أمر احتياطي.
574

القسم الأول الذي لا يبطل إلّا في حالة العمد والالتفات كالكلام.

وأمّا إذا كان قد صدر منه مبطل من القسم الثاني فهناك حالتان:

الاُولى: أن يكون قد نسي سجدتين فتبطل صلاته.

الثانية: أن يكون ما نَسيه سجدةً واحدةً فتصحّ صلاته، وعليه أن يؤدّي السجدة وهو على طهارة ويسجد سجدتي السهو.

وإذا سجد ونسي الذكر حتّى رفع رأسه فلا شيء عليه، وإذا ذكر ونسي الاستقرار والاطمئنان فلم يستقرّ حال الذكر صحّ الذكر ولم يُعِدْه، وكذلك إذا تحرّك حال الذكر بدون اختيار، كما تقدّم في ذكر الركوع تماماً (1).

الشكّ:

(132) إذا وجد المصلّي نفسه قائماً وشكّ هل هذا هو قيامه لركعة جديدة ـ مثلا ـ بعد فراغه من السجدتين للركعة السابقة، أو أنّه لا يزال في تلك الركعة وقد قام من ركوعها ليهوي إلى السجود؟ فعليه في هذه الحالة أن يفترض نفسه قبل السجود، فيسجد سجدتين ثمّ يقوم للركعة الجديدة.

وإذا وجد نفسه جالساً وشكّ هل سجد سجدتين أو سجدةً واحدةً؟ فعليه أن يسجد سجدةً ثانية.

وإذا كان ينهض للقيام إلى الركعة اللاحقة وشكّ في ذلك فعليه أن يعود ويسجد.

 


(1) وتقدّم منّا هناك الاحتياط الواجب بتكرار الذكر مادام أنّ العذر سواء السهو أو الاضطرار ارتفع قبل رفع الرأس.
575

وإذا شكّ هل سجد أوّلا بعد أن يكون قد قام لركعة جديدة، أو بدأ بالتشهّد في الركعتين الثانية والرابعة؟ فلا يعتني بشكّه.

وإذا سجد ورفع رأسه ثمّ شكّ هل كان سجوده على الوجه المطلوب، أوْ لا؟ مضى ولم يعتنِ بشكّه، وكذلك إذا جاء بالذكر المطلوب في سجوده وبعد إكمال الذكر شكّ في صحّته.

الآداب:

(133) يستحبّ للمصلّي عندما ينهض قائماً من ركوعه أن يكبّر وهو منتصب، رافعاً يديه حال التكبير إلى الاُذنين أو إلى جانبي وجهه ثمّ يهوي إلى السجود، ويستحبّ للساجد أن يجعل أنفه أيضاً على شيء كما يجعل الأعضاء السبعة، وأن يكرّر الذكر ثلاثاً، أو خمساً (1)، أو سبعاً وهو الأفضل.

وإذا رفع رأسه من السجدة الاُولى وجلس استحبّ له أن يكبّر، وإذا همّ بالهوي إلى الثانية استحبّ له أن يكبّر أيضاً، وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية وجلس استحبّ له أن يكبّر أيضاً.

ويعتبر السجود بمفرده من أعظم العبادات والمستحبّات إذا كان لله بقصد التذلّل، وقد جاء في الحديث أنّه « أقرب مايكون العبد إلى ربّه وهو ساجد »(2)، ويختصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذا الاحترام والتذلّل له، فيحرم السجود لغيره سبحانه.

 


(1) خصوصية الخمس مبنيّة على رجاء المطلوبيّة.
(2) وسائل الشيعة 4: 927، الباب 6 من أبواب الركوع، الحديث 4.
576

ويجب السجود عند قراءة إحدى آيات السجدة، وهي أربع آيات تقدمت الإشارة إلى تعيينها في الفقرة (45) من فصل الغسل من فصول الطهارة، ويسمّى هذا السجود بسجود التلاوة.

ونقصد بالقراءة: التلفّظ بألفاظها، فلا أثر للمطالعة الصامتة. وإذا كرّر قراءتها كرّر السجود.

وكالقراءة في ذلك الاستماع ـ وهو الإصغاء إلى قراءتها ـ فإنّه يوجب على المستمع السجود، ولا أثر للسماع العابر، إذ ليس فيه استماع وإصغاء، ولا فرق في الاستماع الذي يجب بسببه السجود بين أن يستمع لإنسان وهو يقرأ، أو لمذيع أو لمسجّل ففي كلّ هذه الحالات يجب السجود.

وإذا استمع للآية وهو في السيارة أو في شارع لا يُتاح له أن يسجد فيه فالأجدر به وجوباً أن يومئ برأسه إيماءً، ويؤجّل السجود إلى أقرب فرصة ممكنة.

ولا يجب في هذا السجود ذكر، ولا تكبير، ولا طهارة، ولا استقبال، ولا غير ذلك من واجبات الصلاة وشروطها، ويستثنى من ذلك خمسة اُمور يجب توفيرها في سجود التلاوة، وهي كما يلي:

أوّلا: النية، فينوي السجود لله قربةً إلى الله تعالى.

ثانياً: أن يضع أعضاء السجود السبعة كما يضعها حالة السجود في الصلاة، لاحظ الفقرة (122).

ثالثاً: أن يكون المكان مباحاً، كما تقدم في الفقرة (127).

رابعاً: أن لا يتفاوت موضع الجبهة عن الموقف، على ما مرّ في الفقرة (126).

577

خامساً: أن يضع الساجد جبهته على الأرض أو القرطاس أو الخشب، وغير ذلك ممّا يصحّ للساجد في الصلاة أن يضع جبهته عليه حال السجود، على ما تقدم في المادة (ج) من الفقرة (129).

ومن المستحبّات الأكيدة سجدة الشكر، إذ يستحبّ للإنسان أن يسجدشكراً لله تعالى عند تجدّد كلّ نعمة، ودفع كلّ نقمة، والتوفيق لأداء كلّ فريضة، أو عمل جليل، ويقول في سجوده: « شكراً لله » مرّةً واحدةً أو أكثر، والأفضل أن يكرّر هذه الكلمة في سجوده مائة مرّة.

 

التشهُّد والتسليم

 

التشهّد:

(134) إذا فرغ المصلّي من السجدة الثانية في الركعة الاُولى وجلس لم يكن عليه شيء إلّا النهوض للركعة الثانية، وإذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس ويتشهّد، والمراد بالتشهّد هنا: الشهادة لله بالتوحيد، ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة والصلاة على النبي والآل الأطهار، وصورته: « أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدهُ ورسولُهُ، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ».

وإذا فرغ من التشهّد: فإن كانت الصلاة مكوّنةً من ركعتين سلّم (وسيأتي معنى التسليم) وتمّت بذلك صلاته. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات قام بعد الفراغ من التشهّد للركعة الثالثة، حتّى إذا أكمل سجدتها الثانية رفع رأسه منها وجلس وأتى بذلك التشهّد وعقّبه بالتسليم. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من أربع

578

ركعات لم يكن عليه ـ بعد إكمال الركعة الثالثة والجلوس عقيب رفع الرأس من سجدته الثانية ـ شيء إلّا النهوض للرابعة، فإذا أكمل الرابعة ورفع رأسه من سجدتها الثانية جلس وأتى بذلك التشهّد؛ وعقّبه بالتسليم، ويتمّ بذلك صلاته.

وعلى هذا الأساس تعرف أنّ التشهّد يجب في الصلاة الثنائية (ذات الركعتين) مرّةً واحدةً، وفي الثلاثية والرباعية مرّتين.

واجباته:

(135) يجب في التشهّد الجلوس المستقرّ المطمئنّ، ولا يضرّ تحريك اليد مع الاحتفاظ بالثبات والاستقرار، وعلى هذا لا يسوغ الابتداء بالتشهّد عند رفع الرأس من السجود، ولا الانتهاء منه عند النهوض إلى القيام.

ولابدّ من إيقاعه على النهج العربي، وبلا فصل قاطع للارتباط عرفاً بين ألفاظه وكلماته، وهو ما يسمّى بالموالاة، وللمتشهّد أن يجهر أو يخفت بتشهّده كما يشاء.

وإذا لم يتعلّم الانسان التشهّد وداهمه الوقت وضاق عن السؤال والتعلّم استعان بمن يلقّنه، أو قرأه في ورقة، ومع العجز حتّى عن هذا أتى بما يحسن ممّا يعتبر شهادةً لله وللرسول. والأجنبي عن اللغة إذا وقع في مثل هذه الحيرة والعجز أتى بما يعادل التشهّد في لغته؛ ريثما يتّسع الوقت لتعلّم التشهّد بنصّه العربي.

الخلل:

(136) إذا ترك التشهّد في صلاته عامداً وملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يسوغ بطلت صلاته، وإذا كان ذلك عن نسيان، أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي صحّت

579

صلاته، وعليه أن يؤدّيه بعد الفراغ من الصلاة مع سجدتي سهو (1)، على ما يأتي توضيحه في باب الخلل.

وإذا نسي التشهّد في الركعة الثانية ونهض للركعة الثالثة ثمّ تذكّر فماذا يصنع؟

الجواب: إذا تفطّن قبل أن يركع ركوع الركعة الثالثة رجع إلى التشهّد وجلس؛ وتشهّد وقام للركعة الثالثة، وألغى ما كان قد أتى به من واجباتها قبل أن يتفطّن. وإذا لم يتفطّن إلّا بعد أن ركع مضى في صلاته وأدّى بعد إكمالها ما نسيه من التشهّد(2) مع سجدتي سهو.

الشكّ:

(137) إذا وجد المصلّي نفسه جالساً بعد السجدة الثانية؛ وشكّ أنّه هل تشهّد أو بعد لم يتشّهد؟ فعليه أن يتشهّد، وإذا نهض للركعة الثالثة وفي حالة النهوض شكّ في أنّه تشهّد أوْ لا، فعليه أن يرجع ويتشهّد، وإذا حصل له هذا الشكّ بعد أن


(1) هذا الحكم مبنيّ على الاحتياط، والاكتفاء بالقضاء في التشهّد الثاني محتمل احتمالاً قويّاً.
هذا فيما إذا تذكّر فوت التشهّد بعد صدور المنافي الذي ينافي الصلاة حتّى لدى صدوره سهواً، كمحو صورة الصلاة أو استدبار القبلة. أمّا إذا تذكّر الفوت بعد السلام وقبل صدور شيء من هذا القبيل منه ففي الواقع لم يفته التشهّد وإنّما وقع منه السلام في غير محلّه، فيتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.
وكذلك الحال فيما لو نسي السجدة أو السجدتين من الركعة الأخيرة وتذكّر بعد السلام وقبل الإتيان بالمنافي الذي ينافي الصلاة حتّى في حالة السهو فعليه أن يرجع إلى ما نسيه من السجدة، ويتمّ الصلاة ثمّ يسجد سجدتي السهو للسلام الأوّل الواقع في غير محلّه.
(2) قضاء التشهّد الأوّل للصلاة المشتملة على تشهدين مبنيّ على الاحتياط.
580

وقف قائماً مضى. وكذلك إذا بدأ بالتسليم الواجب في الركعة الأخيرة وشكّ في أنّه هل تشهّد، أوْ لا؟

وإذا تشهّد وشكّ بعد الفراغ من التشهّد أو من جزء منه في أنّه هل أتى به صحيحاً أو لا فليس عليه أن يعيده.

الآداب:

(138) يستحبّ للمتشهّد أن يقول قبل البدء بالتشهد: « الحمد لله »، أو يقول: « بسم الله وبالله، والحمد لله، وخير الأسماء لله »، أو يقول: « الأسماء الحسنى كلّها لله ». ويستحبّ له بعد الصلاة على النبي أن يقول: « وتقبّل شفاعته وارفع درجته »، والأفضل أن يضع يديه على فخذيه منضمّة الأصابع خلال التشهّد.

التسليم:

(139) وهو آخر واجبات الصلاة، وموضعه بعد التشهّد من الركعة الأخيرة في كلّ صلاة، وبه يخرج المصلّي من الصلاة، ويحلّ له ما كان محرّماً عليه من كلام وضحك، وغير ذلك ممّا سيأتي استعراضه في مبطلات الصلاة من فصل الأحكام العامّة للصلاة.

فإذا كانت الصلاة ذات ركعتين تشهّد وسلّم في الثانية، وإن كانت ثلاثيةً تشهّد وسلّم في الثالثة، وإن كانت رباعيةً تشهّد وسلّم في الرابعة.

وللتسليم صيغتان: إحداهما: « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ». والاُخرى: « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ». ويُخيّر المصلّي بين الصيغتين؛ فأيّتهما قرأ فقد أدّى ماوجب عليه وخرج من الصلاة.

والأفضل استحباباً الجمع بين الصيغتين معاً، على أن يقدّم الاُولى على

581

الثانية ويقول هكذا: « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ».

وفي حالة الجمع تقع الصيغة الاُولى واجبة، والصيغة الثانية مستحبة. وإذا قرأ أوّل ما قرأ الصيغة الثانية تكون هي الواجبة، ولا يُطلَب منه بعدها أن يأتي بالصيغة الاُولى.

ولو اكتفى المصلّي في التسليم بقول: « السلام عليكم » من الصيغة الثانية ولم يقل التتمّة ولا الصيغة الاُولى صحّت صلاته أيضاً.

وكلّ شرط لازم في التشهّد فهو كذلك في التسليم، جلوساً واطمئناناً، وعربيةً، وترتيباً، وموالاةً. وأيضاً يجري على الجاهل والعاجز هنا ما يجري عليه هناك. ويجوز الجهر بالتسليم كما يجوز الإخفات به.

الخلل:

(140) إذا نسي التسليم ثمّ تفطّن إليه ففي ذلك حالات:

الاُولى: أن لا يكون قد صدر منه قبل تفطّنه إلى نسيانه أيّ شيء ممّا يبطل الصلاة، وفي هذه الحالة يأتي بالتسليم؛ وتصحّ صلاته بذلك إذا لم تكن قد مضت فترة طويلة من الزمن قبل انتباهه، وإلّا فلا حاجة به إلى تسليم؛ وتصحّ صلاته.

الثانية: أن يكون قد صدر منه ما يبطل الصلاة من القسم الأول، وهو ما لا يبطلها إلّا في حالة العمد والالتفات، لاحظ الفقرة (131)، وعليه في هذه الحالة أن يأتي بالتسليم؛ وتصحّ صلاته إذا لم تمضِ فترة طويلة تمنع عن الاتّصال، وإلّا صحّت صلاته ولا شيء عليه، فالحكم في الحالة الاُولى والحالة الثانية واحد.

الثالثة: أن يكون قد صدر منه مبطل من القسم الثاني، وهو ما يبطلها على

582

أيّ حال، لاحظ الفقرة (131).

والأجدر به في هذه الحالة وجوباً واحتياطاً أن يستأنف الصلاة من جديد.

الشكّ:

(141) إذا شكّ المصلّي في أنّه هل سلّم أوْ لا؟ فلا يجب عليه أن يسلّم إذا حصل له هذا الشكّ بعد فترة طويلة من الانصراف عن الصلاة تقطع الاتصال، وكذلك إذا كان قد صدر منه شيء ممّا يبطل الصلاة علي أيّ حال، أي القسم الثاني من المبطلات الذي تقدّم معناه في الفقرة (131)، وفي غير هاتين الحالتين يجب عليه أن يأتي بالتسليم، فإذا أتى به صحّت صلاته. ويدخل في نطاق ذلك ما إذا شكّ في أنّه سلّم أوْ لا، وكان قد بدأ بالتعقيب منذ لحظة فإنّه يعود ويسلّم.

وإذا سلّم وبعد الفراغ من صيغة التسليم شكّ في أنّه هل أدّاها بصورةصحيحة أوْ لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه.

الآداب:

(142) ذكرنا أنّه يستحبّ للمصلّي أن يجمع بين الصيغتين، والأفضل من ذلك أن يقول قبل الصيغتين: « السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ».

كما يستحّب للمصلّي حال التسليم وضع اليدين على الفخذين، كما تقدّم في التشهّد.

 

ما يُقرأ في الركعتين الأخيرتين

 

(143) إذا كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات أو أربع ركعات وجب على

583

المصلّي ـ بعد أن يتشهّد في آخر الركعة الثانية ـ القيام للركعة الثالثة في الصلاة الثلاثية، وللركعة الثالثة ثمّ الرابعة في الصلاة الرباعية.

ونتحدّث الآن عمّا يجب على المصلّي أن يقوله إذا قام وانتصب واطمأنّ للركعة الثالثة والرابعة.

المصلّي مخيّر، فله أن يقرأ فيها الفاتحة ويقتصر عليها، وله بدلا عنها أن يقرأ مكرّراً ثلاث مرّات هذا التسبيح « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »، ولا يكفي التسبيح مرّةً واحدة (1).

ويستثنى من هذا التخيير المأموم؛ فإنّ الأجدر به وجوباً واحتياطاً أن يسبّح ولا يكتفي بالفاتحة.

(144) ويجب الإخفات في الركعة الثالثة والرابعة، سواء اختار المصلّي التسبيح أم قراءة الفاتحة. أجل، له أن يجهر ببسملة الفاتحة، كما يجب الحفاظ على النصّ العربّي وإعرابه وبنائه، وكذلك يجب أن يكون المصلّي خلال القراءة أو التسبيح قائماً مستقرّاً مطمئنّاً، كما تقدم في القراءة في الركعتين الاُولَيَين.

(145) وإذا نوى المصلّي أن يقرأ الفاتحة فسبق لسانه إلى التسبيح أو بالعكس لم يعتَن بما نطق لسانه به بدون قصد، واستأنف من جديد أحد الأمرين من الفاتحة أو التسبيح. وإذا بدأ بأحدهما عن قصد والتفات ثّم رغب في العدول عنه إلى الآخر جاز له ذلك.

وإذا خُيّل للمصلّي أنّه في الركعة الاُولى أو الثانية فقرأ الفاتحة، وبعد الفراغ منها تفطّن إلى أنّه في الثالثة أو الرابعة اكتفى بما قرأ.



(1) الأقوى كفاية التسبيحات الأربع مرّةً واحدة، والأحوط ثلاث مرّات.

584

الخلل:

(146) إذا ترك الفاتحة والتسبيح معاً وركع عامداً ملتفتاً إلى أنّه لا يجوز بطلت صلاته، وإذا ترك ذلك ناسياً أو غير ملتفت إلى الحكم الشرعّي وتفطّن بعد أن ركع صحّت صلاته ولا شيء عليه، وإذا تذكّر قبل الوصول إلى مستوى الراكع وجب عليه أن يؤدّي ما نسيه؛ حتّى ولو كان في حالة الهوي إلى الركوع فإنّ عليه أن ينتصب قائماً ويؤدّي ما عليه ثمّ يركع.

وإذا قرأ أو سبّح جهراً نسياناً، أو لعدم علمه بالحكم الشرعّي صحّت قراءته وتسبيحه، ولا يعيد حتّى إذا تفطّن قبل الركوع.

الشكّ:

(147) إذا شكّ المصلّي وهو واقف في الركعة الثالثة أو الرابعة ولم يدرِ هل قرأ أو سبّح أو لا؟ وجب عليه أن يقرأ أو يسبّح، وإذا شكّ في ذلك حالة الهوي إلى الركوع وجب عليه أن يعود معتدلا؛ فيقرأ أو يسبّح، وإذا شكّ في ذلك بعد أنوصل إلى مستوى الراكع مضى ولم يعتنِ بشكّه.

وإذا قرأ أو سبّح وبعد الفراغ من ذلك شكّ ولم يدرِ هل أدّى ذلك على الوجه المطلوب، أو لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه.

وإذا سبّح وشكّ في العدد هل أتى بتسبيحتين أو بثلاث مثلا؟ افترض الأقلّ، وأتى بما يكمله ثلاثاً (1).

 


(1) مضى كفاية التسبيحات الأربع مرّةً واحدة.
585

الآداب:

(148) يستحبّ للمصلّي إذا فرغ من التسبيحات الثلاث أن يعقّبها بالاستغفار، قائلا: « استغفر الله ربّي وأتوب إليه » أو: « اللهمّ اغفر لي ».

والأفضل للمصلّي منفرداً أن يختار التسبيح، وأمّا المأموم فقد عرفت أنّ هذا هو الأجدر به احتياطاً ووجوباً.

 

القنوت

 

(149) من الأجزاء المستحبّة في الصلاة ـ كلّ صلاة ـ القنوت، فيثاب المصلّي إذا قنت، ولا يضرّه إذا تركه.

والقنوت في اللغة: الطاعة والخضوع، وعند الفقهاء: الدعاء والثناء على الله تعالى في موضع خاصٍّ من الصلاة. وهو مستحبّ في الفرائض والنوافل.

وموضعه في الصلاة الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، وإنّما أخّرنا الحديث عنه عن الركوع والسجود وغيرهما من الواجبات لأنّه مستحبّ، وليس بواجب.

ويستثنى من ذلك صلاة الوتر، فإنّها ركعة واحدة، وقنوتها قبل ركوعها. كما يستثنى صلاة الجمعة؛ فإنّ فيها قنوتين، كما تقدّم في فصل أنواع الصلاة الفقرة (44). وكذلك يستثنى صلاة العيدين، على ما تقدم في الفقرة (202) من فصل أنواع الصلاة.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يتيسّر من دعاء أو ذكر أو حمد وثناء، ويغتفر فيه اللحن مادةً وإعراباً مع صدق اسم الدعاء أو الذكر

586

عليه عرفاً.

ومن نسيه قبل الركوع أتى به بعده، وإذا هوى إلى الركوع ناسياً للقنوت وتفطّن قبل أن يصل إلى مستوى الراكع عاد قائماً فقنت.

ويستحبّ التكبير قبل القنوت، وأن يقنت وهو رافع يديه إلى حيال وجهه (1).

 

الصلاة قائِماً أو جالِساً

 

(150) على ضوء ما تقدم في أجزاء الصلاة يتّضح أنّ خمسة أنحاء من القيام واجبة في الصلاة:

الأول: القيام حال تكبيرة الإحرام.

الثاني: القيام حال القراءة أو التسبيح.

الثالث: القيام الذي يركع عنه المصلّي.

الرابع: القيام حالة الركوع، بمعنى أن يكون ركوعه ركوع القائم، لا ركوع الجالس.

الخامس: القيام بعد رفع الرأس من الركوع.

وترك أىّ واحد من هذه الأنحاء يبطل الصلاة إذا كان عن عمد والتفات إلى الحكم الشرعي.

وأمّا إذا كان سهواً ونسياناً، أو بدون التفات إلى الحكم الشرعيّ فالصلاة تبطل إذا كان المتروك هو الأول؛ بأن كبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس. أو الثالث؛


(1) بل يحتمل تقوّم القنوت الشرعي في الصلاة برفع اليدين.
587

بأن ركع ناهضاً من جلوسه لا هاوياً من قيامه. أو الرابع، بأن ركع ركوع الجالس.

ولا تبطل الصلاة إذا كان المتروك الثاني، بأن قرأ أو سبّح جالساً، أو الخامس بأن هوى بعد الركوع بدون قيام وسجد.

والصلاة تنقسم: إلى صلاة من قيام، وصلاة من جلوس، فالصلاة من قيام بصورتها الكاملة ما كان المصلّي فيها محافظاً على الأنحاء الخمسة من القيام جميعاً.

والصلاة من جلوس بصورتها الشاملة ما كان المصلّي فيها جالساً منذ تكبيرة الإحرام إلى النهاية.

ولا يسوغ الانتقال من الصلاة من قيام إلى الصلاة من جلوس في صلوات الفريضة، إلّا في حالات الضرورة، كما سيأتي.

(151) ويشترط في القيام الصلاتيّ بأنحائه مع القدرة والإمكان شروط:

الأول: الاعتدال في القيام والانتصاب، فلا يسوغ الانحناء ولا التمايل يمنةً أو يسرة، ولا التباعد بين الرجلين وتفريج الفخذين الذي يخرج القيام عن الانتصاب والاعتدال.

ويستثنى من ذلك: القيام الرابع، وهو القيام حالة الركوع، فإنّ قيام الراكع لا معنى فيه للاعتدال والانتصاب، وإنّما نريد بقيام الراكع أن يكون ركوعه وهو واقف، لا جالس.

الثاني: الوقوف، فلا يسوغ له أن يكبّر أو يقرأ ـ مثلا ـ وهو يمشي.

الثالث: الطمأنينة، بمعنى أن لا يكون في قيامه مضطرباً يتحرّك ويتمايل يمنةً ويسرة، ويستثنى القيام الثالث، وهو القيام الذي يركع عنه المصلّي فإنّه لا تجب فيه الطمأنينة.

ولا يشترط في القيام الوقوف على القدمين معاً، فلو كان واقفاً على

588

إحداهما مع مراعاة الشروط المتقدّمة كفى.

ولا يشترط أيضاً أن يكون مستقلاًّ ومعتمداً على نفسه في القيام، فلو اعتمد على حائط ونحوه كفاه أيضاً.

حالات العجز:

(152) إذا كان المكلّف عاجزاً عن الصلاة من قيام بصورتها الكاملة وجب عليه أن يحافظ على القيام بالقدر الممكن، وذلك كما يلي:

أ ـ إذا كان قادراً على القيام ولكنّه غير قادر على ركوع القائم ولا على الانحناء له بجسمه فالأجدر به احتياطاً ووجوباً أن يصلّي مرّتين، فمرّةً يصلّي من قيام ويستبدل الركوع بالإيماء برأسه، ومرّةً اُخرى يصلّي من قيام ويركع ركوع الجالس (1).

ب ـ إذا كان قادراً على القيام ولكنّه غير قادر على ركوع القائم أو الانحناء له بجسمه، وإذا بدأ صلاته قائماً فلا يتمكّن أن يركع ركوع الجالس فهو بين أمرين: إمّا أن يصلّي من قيام ويومئ للركوع برأسه، وإمّا أن يصلّي من جلوس بصورته الشاملة، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يختار الأمر الأول.

ج ـ إذا كان قادراً على القيام ولكن بدون ما تقدم له من شروط وجب عليه أن يقوم بالصورة الممكنة له، ولا يسوغ له الجلوس.

د ـ إذا كان قادراً على القيام ولكنّه لا يُتاح له أن يواصل القيام طيلة مدة الصلاة وجب عليه أن يقوم في الركعات الاُولى إلى أن يعجز ويضطرّ إلى الجلوس، فيصلّي جالساً، فإذا استعاد قوّته بعد ذلك وتمكّن من استئناف القيام قام، وهكذا


(1) الظاهر كفاية الركوع الإيمائي.