736

القضاء انعقد نذره، ووجب عليه أوّلا أن يقضي ما عليه من صيام، ثمّ يصوم كما نذر.

وليس من الشروط في الصيام المستحبّ أن تستأذن الزوجة من زوجها إذا أرادت أن تصوم استحباباً، فيصحّ صيامها بدون إذنه، إلّا إذا طلب منها ترك الصوم بدافع الرغبة في الاستمتاع بها ومقاربتها.

نيته:

(27) ويكفي في نية الصيام المستحبّ أن ينوي في الليل صيام نهار غد قربةً إلى الله تعالى، ويستمرّ مجال النية للصيام المستحبّ حتى إلى آخر النهار، فإذا لم يكن المكلّف قد مارس في نهاره شيئاً من المفطرات وبدا له أن يصوم استحباباً قبل الغروب بساعة أو بضع دقائق جاز له ذلك، ولا يضرّ به أنّه لم يكن ناوياً للصيام طيلة النهار، أو أنّه كان عازماً على الإفطار ما دام لم يفطر فعلا.

صورته:

(28) وصورة الصيام المستحبّ هي صورة صيام شهر رمضان وقضائه، غير أنّه يختلف عنه في نقطة، وهي: أنّه يسوغ للمكلف في الصيام المستحبّ أن يُصبح جنباً متعمّداً، بمعنى أنّه إذا حصلت منه جنابة في الليل وهو يريد أن يصوم في النهار استحباباً فلا يلزمه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، ويصحّ صيامه، خلافاً لمن يصوم رمضان أداءً أو قضاءً.

كما يختلف الصيام المستحبّ عن قضاء شهر رمضان في أنّ الإنسان إذا

737

أفاق من نومه صباحاً فوجد نفسه محتلماً جاز له أن يصوم ذلك النهار استحباباً، ولا يجوز له أن يصومه من قضاء شهر رمضان.

أحكامه:

(29) وبإمكان الصائم صياماً مستحبّاً أن يهدم صيامه متى شاء، قبل الظهر أو بعد الظهر، ولا شيء عليه.

ويهدم الصيام المستحبّ بتعمّد الإفطار على النحو الذي يهدم صيام رمضان. أمّا إذا أفطر نسياناً فصيامه صحيح.

قد يجب الصيام المستحبّ:

(30) وقد يجب الصيام المستحبّ بسبب طارئ، وذلك فيما إذا نذر المكلّف لله تعالى أن يصوم، أو حلف على ذلك يميناً بالله سبحانه، أو عاهده عزّ وجلّ على الصيام فيصبح واجباً، وهذا الوجوب قد يسبّب أحكاماً جديدةً لهذا الصيام المستحبّ ـ بعد أن تَحوّل إلى واجب ـ تختلف عن أحكام الصيام المستحبّ، وهي كما يلي (1):

(31) أولا: إذا نذر أن يصوم يوماً معيّناً وجب عليه أن ينوي صيامه منذ البدء، ولا يسوغ له أن يؤخّر النية عن طلوع الفجر فضلا عن تأخيرها عن الظهر، كما كان يسوغ في الصيام المستحبّ.

(32) ثانياً: إذا نذر أن يصوم يوماً معيّناً فلا يجوز له أن يهدم صيامه في


(1) تعرّض (رحمه الله) هنا لأحكام خمسة للصوم الواجب بالنذر، ويلحق العهد بالنذر في كلّ هذه الأحكام، ولا يلحق اليمين به إلّا في الحكم الثاني.
738

ذلك اليوم، لا بعد الظهر ولا قبله. وأمّا إذا نذر أن يصوم يوماً بدون تعيين ثم اختار يوماً للوفاء وصامه جاز له أن يهدم صيامه، سواء كان قبل الظهر أو بعده، ويستبدله بيوم آخر.

(33) ثالثاً: يجب على الناذر حينما يصوم أن يقصد بذلك الوفاء بالنذر، وأمّا إذا لم يقصد ذلك فلا يعتبر وفاءً، ويبقى النذر في عهدته.

(34) رابعاً: في حالة كون اليوم المنذور صيامه محدّداً يسوغ للناذر أن يسافر في ذلك اليوم ويُعفى من الصيام حينئذ، ولكن عليه حينئذ قضاء صيام ذلك اليوم المنذور الذي سافر فيه(1).

(35) خامساً: قد تقدّم أنّ الصيام المستحبّ في حالة السفر غير سائغ، ولكن إذا نذر المكلّف الصيام المستحبّ وأصبح واجباً بسبب ذلك ساغ له أن يصوم في السفر وفاءً لنذره، شريطة أن يكون قد نصّ في نذره على أن يكون صيامه في السفر، أو نصّ على أن يصوم اليوم الفلاني، سواء كان حاضراً أو مسافراً.

ومثال ذلك: أن يقول: « لله عَلَيَّ أن أصوم في سفرتي هذه اُسبوعاً »، أو يقول: « لله عَلَيَّ أن أصوم شهر رجب المقبل سواء كنت حاضراً فيه أو مسافراً »، ففي مثل ذلك يصحّ منه الصيام في السفر وفاءً لنذره.

 

الصيام المحرّم

 

الصيام المحرّم أنواع، وهي كما يلي:

(36) أولا: صيام اليوم الأول من شوّال، وهو يوم عيد الفطر.

739

(37) ثانياً: صيام اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم عيد الأضحى.

(38) ثالثاً: صيام يوم الحادي عشر والثاني عشر(1) من ذي الحجّة لمن كان متواجداً في منى لممارسة مناسك الحجّ، والأجدر بغيره أيضاً وجوباً أن يحتاط ولا يصوم هذين اليومين أيضاً (2).

ويستثنى ممّا تقدم: صيام شهرين من أشهر الحُرُم(3) الواجب تكفيراً عن القتل في بعض الحالات، فإنّه يسوغ أن يشمل العيد وغيره.

(39) رابعاً: كلّ صيام غير مشروع، كصيام المريض، وصيام الحائض والنفساء، وصيام من نذر لله أن يصوم شكراً على معصية، كما إذا بغى إنسان على مؤمن ونذر أن يصوم لله شكراً وفرحاً إذا مكّنه الله من قتله، وكذلك أيضاً صيام المسافر، عدا الحالات التي مرّ استثناؤها في الفقرات (24) و (26) و (35).

ومن الصيام غير المشروع: صيام الوصال، وهو: أن ينوي الصوم وتمديده إلى ما بعد المغرب، ويسمّى بصوم الوصال؛ لأنّ الصائم يوصل فيه الليل بالنهار، وهذا غير مشروع ولا يصحّ. وأمّا إذا صام المكلّف ناوياً الإمساك إلى المغرب؛ ولكن تأخّر في إفطاره ساعةً أو ساعتين، أو لم يفطر طيلة تلك الليلة فصيامه صحيح ولا شيء عليه.

 


(1) وكذلك اليوم الثالث عشر لمن بقي في منى.
(2) يقصد بغيره المتواجد في منى غير الممارس لمناسك الحجّ، ولا يقصد بذلك غير المتواجد في منى.
(3) الأشهر الحُرُم هي: شهر ذي القعدة، وذي الحجّة، ومحرّم، ورجب. (منه (رحمه الله)).
740

ومن الصيام غير المشروع أيضاً: صيام اليوم الذي يشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان، ولم يثبت بدليل شرعيّ أنّه من شهر رمضان، إذا نوى الصائم لصيام هذا اليوم أن يكون من شهر رمضان على الرغم من شكّه فإنّ ذلك غير مشروع، كما تقدم في الفقرة (74) من الفصل السابق.

ومن الصيام غير المشروع: صيام الصمت، وهو: أن يصوم الإنسان ناوياً أن يكون الصمت عن الكلام جزءً من صيامه.

(40) ويختلف النوع الرابع المحرّم ـ الصوم غير المشروع ـ عن الأنواع الثلاثة الاُولى في نقطة، وهي: أنّه في الأقسام الثلاثة الاُولى يحرم الصيام ولو لم يكن بنية القربة، وأمّا في النوع الرابع فيحرم إذا كان بنية القربة، ولا يحرم إذا لم يكن كذلك، ولكنّه لا يعتبر حينئذ صياماً شرعاً، وإنّما هو تصرّف شخصي بحت.

 

جدول للمقارنة

 

(41) وفي ما يلي نذكر جدولا للمقارنة بين أقسام الصيام في أهمّ الأحكام على ضوء ما تقدم تسهيلا للمراجع.

المفطرات: تشترك كلّ أقسام الصيام في المفطرات الثمانية المتقدّمة.

السهو: تشترك كلّ أقسام الصيام في أنّها لا تبطل بالإفطار سهواً ونسياناً.

النية: لا يجوز أن تتأخّر النية في شهر رمضان عن طلوع الفجر، وكذلك في الصوم المنذور في يوم محدّد، ولا يجوز أن تتأخّر النية في سائر أقسام الصيام الواجب عن الظهر، بل يجب أن تحدث قبل الظهر، ويجوز في الصيام المستحبّ

741

أن تتأخّر النية عن الظهر أيضاً.

تعمّد البقاء على الجنابة ليلا إلى أن يطلع الفجر: لا يجوز ذلك في شهر رمضان، ولا يجزي معه قضاء شهر رمضان، ولا الصيام الواجب تكفيراً أو تعويضاً (1)، ولا يضرّ بالصيام المستحبّ حتى ولو وجب بنذر أو عهد أو يمين.

الإصباح محتلماً: لا يضرّ ذلك في كلّ صيام، عدا صيام قضاء شهر رمضان.

نسيان الجنب لجنابته حتى يصبح: يبطل بذلك صيام شهر رمضان وقضاؤه، دون غيرهما من الصيام الواجب أو المستحبّ.

الإفطار وهدم الصيام: لا يجوز ذلك في كلّ صيام وجب إيقاعه في ذلك النهار بالذات، كصيام نهار شهر رمضان، أو صيام نهار نذر المكلّف أن يصومه بالذات، ويجوز ذلك في غير هذه الحالة، سواء كان قبل الظهر أو بعده، ولكن في قضاء صيام شهر رمضان لا يجوز بعد الظهر، وإنّما يجوز قبل الظهر.

الكفّارة: لا كفّارة على ترك نية الصيام الواجب بدون إفطار. ولا كفّارة على الإفطار المحرّم إلّا في حالتين، وهما: الإفطار في صيام شهر رمضان، والإفطار بعد الظهر في قضاء صيام شهر رمضان. وأمّا إذا نذر صيام يوم معيّن ثمّ ترك صيامه عامداً بدون عذر شرعيّ فعليه كفّارة النذر بمجرّد ترك نية الصيام، سواء فطر وتناول فعلا شيئاً من الطعام والشراب أوْ لا. وسيأتي في فصل الكفّارات تحديد كفّارة النذر واليمين والعهد.

الصيام في السفر: لا يصحّ بحال صيام شهر رمضان أو قضاؤه في السفر الذي يتحتّم فيه التقصير في الصلاة، ولا يصح الصيام المستحبّ في السفر إلّا إذا



(1) لا يضرّ البقاء على الجنابة بصيام التكفير ولا التعويض إلّا على أساس احتياط استحبابي.

742

أصبح واجباً بالنذر ونصّ الناذر فيه على السفر، كما تقدم في الفقرة (35)، وهناك حالة واحدة يصحّ فيها الصيام المستحبّ في السفر بدون نذر تقدمت في الفقرة (26).

وأمّا صيام التكفير والتعويض فبعض أقسامه يصحّ في حالة السفر، وبعضها لا يصحّ في هذه الحالة، ومن صيام التكفير الذي لا يصحّ في السفر صيام كفّارة الإفطار في شهر رمضان.

الصيام في حالة العذر الصحّي: لا يصحّ الصيام بكلّ أقسامه من المريض الذي يضرّ به الصوم، وكلّ من كان معذوراً من ناحية صحّية؛ على ما تقدم في الفصل السابق الفقرة (6)، وكذلك لا يصحّ الصيام بكلّ أقسامه من الحائض والنفساء.

743

العبادات

5

الاعتكاف

 

 

○   تمهيد.

○   شرائط الاعتكاف.

○   التزامات الاعتكاف.

○   أحكام الاعتكاف.

 

 

745

تمهيد:

(1) الاعتكاف والعكوف في اللغة: الإقامة على الشيء في المكان.

وفي الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبّد لله وحده.

وهو مشروع قرآناً وسنّةً وإجماعاً. ويبدو أنّ الشريعة الإسلامية بعد أن ألغت فكرة الترهّب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرةً سلبيةً خاطئةً ﴿ورهبانيةً ابتدعوها﴾(1) شرّعت الاعتكاف؛ ليكون وسيلةً موقوتهً وعبادةً محدودةً تؤدّى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب الله؛ يعمّق فيها الإنسان صلته بربّه ويتزود بما تُتيح له العبادة من زاد؛ ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعلية.

وأساس الاعتكاف يتمثّل في المكث ثلاثة أيام في المسجد. وله شروط من أهمّها: الصيام، والتزامات منها: اجتناب الاستمتاع الجنسي. وفي ما يلي نستعرض الشرائط أولا.

 


(1) الحديد: 27.
746

شرائط الاعتكاف:

للاعتكاف شروط لا يصحّ بدونها، وهي كما يأتي:

(2) الأول: العقل.

(3) الثاني: الإيمان.

(4) الثالث: نية القربة ابتداءً واستمراراً كسائر العبادات.

وقد مرّ بنا أنّ النية للصيام يمكن أن تتّخذ في الليل، فينوي الإنسان من الليل أن يصوم نهار غد، وينام ويصبح من نومه صائماً ويصحّ صومه على الرغم من أنّ الفجر طلع عليه وهو نائم، فهل يصحّ مثل ذلك في الاعتكاف بأن يذهب إلى المسجد ليلا وينوي أن يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد وينام ويصبح معتكفاً؟

والجواب: أنّ صحّة اعتكاف من هذا القبيل غير واضحة، فالأجدر بالمكلف في حالة من هذا القبيل أن يتّخذ إحدى طريقتين: إمّا أن يستيقظ عند طلوع الفجر وينوي لكي تقترن النية بطلوع الفجر، وإمّا أن ينوي الابتداء بالاعتكاف فعلا من نصف الليل أو أوّله. والمهمّ ـ على أيّ حال ـ أن تتواجد النية عند بداية الاعتكاف.

والمهمّ في النية: أن ينوي الاعتكاف في المسجد قربةً إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن يقصد باعتكافه التوفّر على مزيد من الدعاء والصلاة وإن كان هذا أفضل وأكمل، غير أنّ الاعتكاف بذاته عبادة يصحّ أن يقصد ويتقرّب به إلى الله تعالى، فإن انضمّ إلى ذلك التفرّغ للعبادة وممارسة المزيد من الدعاء والصلاة كان نوراً على نور.

(5) الرابع: الصيام في الأيام الثلاثة، فمن لا يصحّ منه الصوم لا يصحّ منه

747

الاعتكاف، فالمريض والمسافر لا يتأتّى لهما أن يعتكفا، إذ لا يصحّ منهما الصيام.أجَلْ، يمكن للمسافر أن يتوصّل إلى ذلك بأن ينذر أن يصوم في سفره ـ على ما تقدم في الصيام المستحبّ من فصل صيام غير شهر رمضان ـ وحينئذ يسوغ له أن يعتكف ويصوم.

وللمعتكف أن ينوي بالصيام أيّ صيام مشروع بالنسبة إليه، فيصحّ له أن يصوم صيام قضاء شهر رمضان، أو صيام الكفّارة، كما يصحّ له أن يصوم صياماً مستحباً إذا توفّرت له الشروط التي يصحّ معها الصيام المستحبّ، ومن تلك الشروط: أن لا يكون عليه صيام واجب، على ما تقدم في فصل صيام غير شهر رمضان، فمن كان عليه قضاء شهر رمضان وأراد أن يعتكف في غير شهر رمضان فعليه أن ينوي بصيامه الصيام الواجب.

وكما يجب أن يكون المعتكف ممّن يصحّ منه الصوم كذلك يجب أن تكون أيام الاعتكاف ممّا يصحّ فيها الصوم، فلا يصحّ الاعتكاف في عيد الفطر أو عيد الأضحى مثلا، إذ لا يسوغ الصيام فيهما.

وكلّ ما يفسد الصوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله؛ لأنّ الصوم شرط في صحّته، والمشروط يبطل ببطلان شرطه.

(6) الخامس: العدد، وأقلّه ثلاثة أيام ـ ثلاثة نهارات ـ تتوسّطها ليلتان، ويسوغ أن يكون أكثر من ذلك، بأن ينوي الاعتكاف من بداية ليلة الجمعة إلى نهاية نهار الأحد أو إلى صباح الاثنين، فيكون اعتكافه مكوَّناً من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أو إلى غروب الاثنين، أو أكثر من ذلك.

(7) السادس: أن يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه الناس، ويعتبر مسجداً جامعاً ورئيسياً في البلد. فليس من المعلوم أن يصحّ الاعتكاف في مسجد صغير جانبي.

748

ويجب أن يكون المسجد المقصود ممارسة الاعتكاف فيه محدّداً وواحداً، فلا يسوغ الاعتكاف في مسجدين على نحو يمكث في هذا يوماً وفي ذاك يوماً أو يومين، وعليه فإذا اعتكف في مسجد وتعذّر البقاء فيه للإتمام والإكمال بطل الاعتكاف من الأساس، ولا يسوغ توزيعه بين مسجدين وإن تقاربا أو تجاورا.

والمسجد يشمل كلّ طوابقه من السطح والسراديب. ولو خصّ المعتكف بنيّته زاويةً خاصّةً من المسجد فنوى الاعتكاف في تلك الزاوية بالذات فلا أثر لهذا القصد، ويسوغ لهذا القاصد أن يمكث ويتنقّل في كلّ أجزاء ذلك المسجد.

(8) السابع: أن لا يخرج المعتكف من مسجده إلّا لضرورة شرعية أو عرفية، فمن الضرورة الشرعية: أن يخرج لغسل الجنابة، إذ لا يجوز له أن يمكث في المسجد ويغتسل حتّى ولو كان ذلك ممكناً. أو لحضور صلاة الجمعة إذا اُقيمت (1). ومن الضرورة العرفية: أن يخرج لقضاء الحاجة، أو لعلاج مرض داهمه، ونحو ذلك.

ومن الضرورة أيضاً: أن يخرج لغير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة، كغسل مسّ الميّت، سواء أمكنه الاغتسال في داخل المسجد أو لا (2).

فإذا لم تكن هناك حاجة ضرورية للخروج شرعاً أو عرفاً وخرج على الرغم من ذلك فلا يعوّل على اعتكافه هذا ويعتبره باطلا، ويستثنى من ذلك الاُمور التالية:

أـ إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته فإنّه لا يبطل بذلك اعتكافه.

 


(1) بشكل كان يجب حضورها.
(2) إن أمكنه الاغتسال في داخل المسجد فجواز الخروج مشروط بأن يُعدّ ذلك عرفاً ضرورة، وإلّا فلا.
749

ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.

ج ـ إذا اُكره على الخروج.

وأمّا إذا خرج بدون حاجة ضرورية، جاهلا بأنّ ذلك يبطل الاعتكاف، أو ناسياً لاعتكافه فعليه أن يعتبر اعتكافه باطلا.

وفي كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه أن يقتصر في ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التي سوّغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وإذا اضطرّ إلى الجلوس لم يجلس في ظلٍّ وتحرّى مهما أمكن أقرب الطرق.

(9) الثامن: أن يترك كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه ممّا يأتي بيانه في التزامات المعتكف الفقرة (10 ـ 15)، فإذا مارس عامداً شيئاً من تلك الأشياء بطل اعتكافه.

والأجدر بالمعتكف احتياطاً ووجوباً أن يفترض اعتكافه باطلا حتّى في صورة صدور أحد تلك الأشياء منه نسياناً أو جهلا.

وإذا وقع هذا النسيان أو الجهل في اليوم الثالث فالأجدر به احتياطاً ووجوباً أن يكمل اعتكافه؛ لاحتمال أن يقبل منه، ولكن لا يعوّل عليه.

التزامات الاعتكاف:

يجب على المعتكف من ابتداء اعتكافه إلى انتهائه أن يجتنب نهاراً أو ليلا عمّا يلي:

(10) أوّلا: مباشرة النساء بالجماع، أو بما دون ذلك من الاستمتاع(1)بالتقبيل واللمس أيضاً.

 


(1) على الأحوط.
750

(11) ثانياً: الاستمناء(1) (أي: إنزال المنيّ باليد أو بآلة).

(12) ثالثاً: شمّ الطيب، وهو كلّ مادّة لها رائحة طيّبة وتتّخذ للشمّ والتطيّب، كعِطر الورد والقرنفل وغيره.

(13) رابعاً: التلذّذ بما للرياحين من رائحة طيّبة، والرياحين كلّ نبات ذو رائحة طيّبة، كالورد والياسمين.

(14) خامساً: التجارة بشتّى أنواعها، ولا يدخل في نطاق ذلك ما يمارسه الإنسان من أعمال نافعة في حياته، كالخياطة والطبخ والحياكة ونحو ذلك.

وإذا تاجر وهو معتكف فباع واشترى بطل اعتكافه، ولكنّ البيع والشراء صحيح والتجارة نافذة المفعول.

(15) سادساً: المماراة، ونريد بها هنا: المجادلة والمنازعة في قضيّة لإثبات وجهة نظر معيّنة فيها حبّاً للظهور والفوز على الأقران، سواء كانت وجهة النظر هذه صحيحةً بذاتها أوْ لا، وسواء كانت القضيّة المطروحة للجدال دينيّةً أو غير دينيّة. وأمّا إذا كان الجدال والنقاش بروح موضوعيّة وبدافع إثبات الحقّ، أو حرصاً على تصحيح خطأ الآخرين فلا ضير فيه.

أحكام الاعتكاف:

(16) الاعتكاف مستحبّ ومندوب بطبيعته، وقد يجب لسبب طارئ، كما لو أوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو عهد أو يمين.

(17) وإذا بدأ الإنسان اعتكافه فيسوغ له في أيّ لحظة أن يهدم اعتكافه ويغادر المسجد، فيعود إلى حالته الاعتياديّة، ويستثنى من ذلك ما يلي:

 


(1) على الأحوط.
751

أولا: إذا كان قد وجب عليه الاعتكاف بنذر ونحوه في تلك الأيام بالذات فإنّه يجب عليه حينئذ أن يواصل اعتكافه، وأمّا إذا كان قد نذر أن يعتكف بدون أن يحدّد أياماً معيّنةً فله إذا شرع في الاعتكاف أن يهدمه، مؤجّلا الوفاء إلى أيام اُخرى.

ثانياً: إذا كان قد مضى على المعتكف يومان ـ أي نهاران ـ فإنّ عليه في هذه الحالة أن يكمل اعتكافه حتّى ولو كان قد بدأه مستحباً، إلّا في حالة واحدة، وهي أن يكون حين نوى الاعتكاف شرط بينه وبين ربّه أن يرجع في اعتكافه ويهدمه متى شاء، أو في حالات معينة، ففي هذه الحالة يسوغ له أن يهدم اعتكافه وفقاً لشرطه حتّى في اليوم الثالث.

(18) وكلّما فسد الاعتكاف لأيّ سبب من الأسباب السابقة فماذا يترتّب على من فسد اعتكافه ؟

والجواب: أنّ هذا له حالات، كما يلي:

أ ـ أن يكون اعتكافه مستحباً عند البدء وقد فسد قبل مضي نهارين منه ففي هذه الحالة لا يجب عليه إعادته.

ب ـ أن يكون اعتكافه مستحباً عند البدء وقد فسد بعد مضي يومين فيجب عليه حينئذ إعادته، ولكن لا تجب إعادته على الفور، بل له أن يعيده بعد مدّة.

وأمّا إذا بدأ الاعتكاف في وقت لا يشرع فيه الاعتكاف، أو في مكان لا يصحّ فيه، كما لو اعتكف يوم العيد، أو قبله بيوم أو يومين، أو اعتكف في غير المسجد ثمّ تفطّن في الأثناء انصرف عن اعتكافه ولا إعادة عليه.

ج ـ أن يكون قد نذر الاعتكاف واعتكف وفاءً بنذره فعليه أن يعيد اعتكافه، سواء كان نذره محدّداً بتلك الأيام التي فسد فيها الاعتكاف بالذات أو

752

غير محدّد، غير أنّ الإعادة في حالة النذر المحدّد تسمّى قضاءً؛ لأنّها تقع بعد انتهاء الأمد المحدّد في النذر، ولا يجب فيها الفور. وأمّا في الحالة الثانية فالإعادة عمل بالنذر ووفاء له في وقته المحدّد فيه، ويجب أن تقع وفق المدّة المحدّدة في النذر.

(19) وإذا تعمّد المعتكف مقاربة زوجته فعليه الكفّارة، سواء كان ذلك في الليل أو في النهار، ولا كفّارة عليه إذا تعمّد غير ذلك ممّا يحرم عليه، وإنّما عليه أن يتوب.

وإذا قارب هذا المعتكف في النهار وهو صائم في شهر رمضان، أو صائم صيام قضاء شهر رمضان فعليه كفّارتان: إحداهما على أساس أنّه تحدّى بذلك اعتكافه، والاُخرى كفّارة إفطار صيام شهر رمضان، أو كفّارة إفطار قضاء شهر رمضان.

وسيأتي في فصل الكفّارات تحديد الكفّارة التي تجب على المعتكف بالمقاربة.

وإذا افترضنا في الحالة الآنفة الذكر أنّ الاعتكاف في تلك الأيام بالذات كان منذوراً وجبت على المعتكف الذي قارب زوجته كفّارة ثالثة من أجل تحدّيهِ للنذر.

753

العبادات

6

الحجّ والعُمرة

 

 

○   تمهيد.

○   واجبات حجّة التمتّع.

○   العمرة والحجّ المفردان.

○   ماذا يحرم على المحرِم؟

○   متى يجب الحجّ؟

○   الاستنابة في الحجّ.

○   الطواف المستحبّ.

 

 

755

تمهيد

 

(1) الحجّ من العبادات الاجتماعية في الإسلام، ذات المغزى العظيم روحياً ومدنياً، وهو يشبه الاعتكاف في كونه نقلةً إلى الله تعالى، غير أنّ الاعتكاف نقلة فردية يعتكف بموجبها هذا الفرد أو ذاك في بيت من بيوت الله.

والحجّ نقلة جماعية يتّجه فيها جمهور المسلمين المكلّفين بأداء هذه الفريضة، أو المتطوّعين للتواجد في مكان واحد وزمان واحد ولممارسة شعائر موحّدة.

والعُمرة عادةً تشبه الحجّ في جملة من واجباته، ولكنّ مجالها يقتصر بعد الإحرام على الحضور في المسجد الحرام، والصفا والمروة وأداء واجباتها هناك، بينما يمتدّ مجال الحجّ وواجباته إلى خارج مكّة، ويتطلّب السفر إلى عرفات والمشعر ومِنى.

والحجّ مستحبّ عموماً، باستثناء الحجّة الاُولى للمستطيع فإنّها واجبة، والعُمرة المفردة مستحبّة عموماً، باستثناء العمرة الاُولى للمستطيع فإنّها واجبة.

(2) وكلّ من يستطيع الحجّ وهو يبعد في مسكنه وموطنه عن مكّة أكثر من

756

ستّة وثمانين كيلومتراً وخُمسَي الكيلومتر الواحد(1) فعليه أن يعتمر ويحجّ، بادِئاً بالعمرة وخاتمِاً بالحجّ، وتسمّى الحجّة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي بالحجّ بحجّة التمتّع، وتعتبر العُمرة الجزء الأول من حجّة التمتّع.

وإذا لم يتمكّن هذا البعيد من الحجّ ولكن تمكّن من العمرة فلا تجب عليه بمفردها، ولكن يستحبّ له أن يأتي بها.

(3) وكلّ من يستطيع (وهو أقرب من ذلك موطناً ومسكناً إلى المسجد الحرام) فعليه أن يحجّ ويعتمر مبتدئاً بالحجّ ومنتهياً بالعمرة (2)، وتسمّى مثل هذه الحجّة بحجّة الإفراد، وتعتبر العمرة فيها عملا مستقلاًّ عن الحجّ؛ ولهذا يعبّر عنها بالعمرة المفردة.

وإذا لم يتمكّن هذا القريب من الحجّ ولكنّه استطاع للعمرة المفردة وجب عليه أن يعتمر عمرةً مفردةً خلافاً للبعيد؛ لأنّ عمرة البعيد جزء من حجّته، فإذا لم يتح له الحجّ فلا تجب عليه العمرة. وعمرة القريب منفصلة عن حجّته، فإذا


(1) المقصود: أنّ المسافة الملحوظة لكون أهل بلد ما من حاضري المسجد الحرام أو من غيرهم هو ضعف المسافة التي تكون مقياساً للسفر والقصر، فمسافة القصر قدّرت بثمانية فراسخ أو بريدين أو أربعة وعشرين ميلاً حسب تعبير الروايات، وهذه قدّرت بثمانية وأربعين ميلاً، وبما أنّه (رحمه الله) أفاد في بحث صلاة المسافر أنّ ما يساوي ثمانية فراسخ بلغة الكيلو مترات المألوفة اليوم عبارة عن ثلاثة وأربعين كيلو متراً وخُمس الكيلو متر الواحد أفاد هنا أيضاً: أنّ المسافة عبارة عن ستة وثمانين كيلو متراً وخمسي الكيلو متر.ولكن مضى منّا هناك: أنّ هذا التحديد ليس مسلّماً؛ لوجود بعض التحديدات الاُخرى، وأنّ أثر الفرق من الناحية العمليّة في واقع حياتنا المعاش شبه المعدوم، وكذلك يتكرّر نفس الكلام في ما نحن فيه.
(2) هذا فيما لو أراد الإتيان بالعمرة في أشهر الحجّ من نفس السنة.
757

لم يتح له الحجّ واُتيحت العمرة وجبت عليه.

وتسمّى الحَجّة الواجبة التي يأتي بها المستطيع بحَجّة الإسلام.

(4) وكلّ مكلف ـ سواء كان قريباً أو بعيداً ـ إذا أراد أن يحجّ استحباباً وتطوّعاً فله أن يختار حجّة التمتّع أو حجّة الإفراد، وإذا أراد أن يعتمر في غير موسم الحجّ فله أن يأتي بعمرة مفردة، ولا يسوغ له أن يأتي بعمرة التمتّع لأنّها جزء من حجّة التمتّع، ولا تنفصل عن الحجّ بحال، فلا تقع إلّا في موسمه.

(5) وليس للعمرة المفردة وقت فهي دائماً، وإذا اعتمر في شهر جاز له أن يكرّر العمرة في نفس الشهر، بل في نفس الاُسبوع أيضاً (1).

وأمّا عمرة التمتّع فهي بوصفها جزءً من الحجّ لا تقع إلّا في أشهر الحجّ، ويبدأ وقتها من بداية شهر شوّال ويستمرّ إلى اليوم التاسع من ذي الحجّة، على أن يكون بالإمكان أداء العمرة والإحرام للحجّ وإدراك موقف عرفات ظهر يوم التاسع.

ونحن في ما يلي سنشرح بإيجاز حجّة التمتّع ابتداءً من أول أعمال العمرة وانتهاءً بآخر أعمال الحجّ؛ لأنّ حجّة التمتّع هي الشكل الواجب من الحجّ على غالب المؤمنين؛ نظراً إلى تواجدهم في مناطق سكنيّة بعيدة عن مكّة المكرّمة.

 

واجبات حجّة التمتّع

 

واجبات حَجّة التمتّع هي واجبات عمرة التمتّع أولا، وواجبات حجّ التمتّع ثانياً.

 


(1) بل لا يجوز له ذلك إلّا بعنوان الرجاء، والأحوط عدم الإتيان بالعمرة في أيّام التشريق من ذي الحجّة.
758

واجبات عمرة التمتّع:

(6) وواجبات عمرة التمتّع خمسة، وهي: الإحرام، ثمّ الطواف، فصلاة الطواف، ثمّ السعي بين الصفا والمروة، ثمّ التقصير، وهو أخذ شيء من الشعر أو الأظفار.

فأوّل ما يبدأ القاصد لحجّة التمتّع بالإحرام، ويجب أن يكون الإحرام لذلك من أحد المواقيت الخمسة، أو من نقطة محاذية لها، أو من نقطة أبعد عن مكّة بما يتيسّر له من تلك المواقيت إذا نذر ذلك، أي: أن تكون المسافة بين تلك النقطة التي ينذر الإحرام منها ومكّة أطول من المسافة بين الميقات ومكّة. والمواقيت الخمسة هي:

1 ـ مسجد الشجرة (1)، على مقربة من المدينة المنوّرة.

2 ـ قرن المنازل، ويمرّ به من الطائف إلى مكّة.

3 ـ الجحفة، وهي قرية كانت معمورةً قديماً وخربت، وتبعد عن مكّة المكرّمة بحوالي مائتين وعشرين كيلومتراً على ما يقال، ولا تقع على الطريق الاعتياديّ بين جدّة ومكّة أو بين المدينة ومكّة، بل لابدّ مِن قصدِها لمن أرادها.

4 ـ وادي العقيق.

5 ـ يَلَمْلَم.

(7) وصورة الإحرام وواجباته: أن يلبس المحرِم ثوبَي الإحرام: الإزار والرداء، وينوي الإحرام لعمرة التمتّع من حَجّة الإسلام، ويلبّي قائلا: « لَبّيْكَ اللهُمّ لَبّيْك، لَبّيْكَ لا شريكَ لَكَ لَبّيْك » فإذا لبّى كذلك أصبح محرِماً، وحرمت عليه أشياء معيّنة ـ يأتي بيانها في المحرّمات على المحرِم ـ كالمقاربة الجنسيّة للنساء،


(1) بل منطقة ذي الحليفة.
759

والطيب، ولبس الثياب المخِيطة، والتدهين، والصيد، وغير ذلك.

ويستحبّ له أن يغتسل قبيل الإحرام، ولا يعتبر في صحة الإحرام ذلك، بل يصحّ الإحرام حتّى من الجنب والحائض.

ولبس ثوبَي الإحرام واجب على الرجال، ولا يجب على النساء، بل يمكن للمرأة أن تُحرِم في ثيابها الاعتيادية.

فإذا أحرم الحاجّ اتّجه نحو مكّة، فأدّى الواجب الثاني ـ وهو الطواف ـ حول الكعبة الشريفة سبع مرّات، وتسمّى كلّ مرّة شوطاً.

(8) وصورة الطواف: أن يقف إلى جانب الحجر الأسود قريباً منه، أو بعيداً عنه مراعياً أن تكون الكعبة الشريفة إلى جانبه الأيسر، ثمّ ينوي طواف عمرة التمتّع، فيطوف حول الكعبة سبع مرّات، مبتدئاً في كلّ مرّة بالحجر ومنتهياً في كلّ مرّة إليه.

ويجب أن يتوفّر في حالة الطواف اُمور:

منها: الطهارة من الحدث.

ومنها: الطهارة من النجاسة.

ومنها: ستر العورة، وهي ما يجب عليه ستره في الصلاة. وقد تقدم تحديد ذلك في الفقرة (9) من فصل الشروط والأجزاء العامّة من فصول الصلاة.

ومنها: أن يكون الطائِف مختوناً إذا كان رجلا أو صبيّاً.

وإذا شكّ في عدد أشواط طوافه وهو يطوف بطل طوافه.

وإذا طاف شوطاً ثامناً قاصداً بذلك أن يكون هذا الشوط جزءً من طوافه بطل طوافه أيضاً.

(9) فإذا فرغ الطائف من طوافه وجبت عليه صلاة الطواف، وهي الواجب الثالث في عمرة التمتّع.

760

وصورتها: ركعتان كصلاة الصبح، وله أن يقرأ فيها جهراً أو إخفاتاً. ويتوخّى الطائف وجوباً أن تكون صلاته خلف مقام إبراهيم وعلى مقربة منه (1)، وإذا تعذّر عليه أن يصلي خلفه صلّى على مقربة منه من أيّ جانب تيسّر، فإن لم يتيسّر ذلك صلّى في المسجد أينما شاء.

(10) وبعد الانتهاء من ركعتي الطواف يجب على الحاجّ الاتّجاه إلى الصفا والمروة، وهما على مقربة من المسجد الحرام للسعي بينهما، وهو الواجب الرابع في عمرة التمتّع.

وصورته: أن ينوي السعي بين الصفا والمروة لعمرة التمتّع من حَجّة الإسلام قربةً إلى الله تعالى، ويسير بادئاً بالصفا منتهياً إلى المروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يقطع المسافة بينهما سبع مرّات، ويسمّى كلّ واحد منها شوطاً (أربع مرّات ذاهباً من الصفا إلى المروة، وثلاث مرّات راجعاً من المروة إلى الصفا)، وبهذا يكون ختام السعي عند المروة.

ولا يجب في السعي أن يكون الساعِي طاهراً من الحدث والخبث، ولا أن يمشي على قدميه، بل يكفيه الركوب حتّى ولو كان متمكّناً من المشي. وإذا شكّ في عدد الأشواط وهو يسعى بطل سعيه.

وإذا سعى شوطاً ثامناً بقصد أن يجعله جزءً من سعيه بطل سعيه أيضاً.

(11) وبعد ذلك يجب على الحاجّ التقصير، وهو الواجب الخامس والأخير من واجبات عمرة التمتّع، وذلك بأن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره، ولا يلزم أن يكون ذلك في مكان مخصوص.

(12) وبالتقصير يخرج المحرِم من إحرام العمرة، ويحلّ له كل ما كان قد



(1) لا يخفى أنّ عنواني القرب والخلف يتأثّران عرفاً سعةً وضيقاً بمدى كثرة الزحام وقلّته.