451

أدلّة وضع المشتقّ للأعمّ بنحو الموجبة الجزئيّة:

نعم يبقى هناك بحث معقول في دعوى الأعمّيّة بنحو الموجبة الجزئيّة في مشتقّات الحِرَف والصناعات، وأسماء الآلات، وبعض أسماء الأماكن كمذبح، فقد يقال في بعض هذه المشتقّات بنحو الموجبة الجزئيّة: إنّها موضوعة للأعمّ، وهذا يستحقّ نحواً من الالتفات، فقد يتراءى أنّ المشتقّ في أمثال هذه الاُمور حقيقة في


الموضوع المقدّر الوجود، ولكن بالإمكان أن يكون زمان هذا التلبّس قبل زمان الحكم، كما لو قال: «يجب في يوم الفطر إكرام العلماء» وقصد بذلك خصوص من انقضى عنه المبدأ، أي: العلماء الذين نسوا علمهم من قبل الفطر، فإنّ هذا كما يمكن تخريجه على لحاظ الحال السابق، فيكون معنى الكلام: يجب في الفطر إكرام من كان عالماً فيما سبق، وهذا خلاف ظهور القضيّة في ذاتها في التقارن بين العنوان والجزاء، وإن كان موافقاً لأصالة الحقيقة بناءً على كون المشتقّ حقيقةً في خصوص المتلبّس بالفعل، كذلك يمكن تخريجه على لحاظ حال الانقضاء، وهذا موافق لظهور القضيّة في ذاتها في التقارن بين الشرط والجزاء.

وقد ثبت بهذا العرض: أنّ الصحيح في الجواب على الاستدلال بروايات التمسّك بالآية لنفي خلافة الخلفاء الأوائل بعد فرض تماميّة السند هو طريقة صاحب الكفاية(رحمه الله)، من أنّ التمسّك بالآية لإبطال خلافة من كان مشركاً يتمّ في حالتين: الاُولى ما لو كان المشتقّ حقيقة في الأعمّ، والثانية ما لو كان مقتضى القرينة كمناسبات الحكم والموضوع كفاية حدوث العنوان لتحقّق الحكم حدوثاً وبقاءً. وبما أنّ النكتة الثانية موجودة فيما نحن فيه؛ لأنّ عظمة منصب الإمامة تصرف الكلام إلى الظهور في كفاية حدوث الظلم؛ لعدم قابليّة هذا المنصب حتّى بعد انتهاء الظلم، فاستدلال الإمام(عليه السلام) بالآية المباركة لنفي قابليّة من أشرك في أوّل أمره للإمامة لا يصلح دليلاً على حقّانيّة النكتة الاُولى، وهي كون المشتقّ حقيقة في الأعمّ من المتلبّس بالفعل ومن انقضى عنه المبدأ؛ لأنّ وجه الاستدلال لم يكن منحصراً بذلك (راجع الكفاية، ج 1، ص 74 ـ 76 بحسب طبعة المشكينيّ).

452

الأعمّ؛ إذ الصائغ مثلاً يصدق على وجه الحقيقة وجداناً على من حرفته الصياغة حتّى حينما يذهب إلى بيته ليأكل الطعام، أو يذهب إلى الصلاة مثلاً بالرغم من أنّ المبدأ قد انقضى عنه، وكذلك المذبح اسم للمكان المعدّ للذبح في البلد وإن لم يكن فيه ذبح بالفعل، وهكذا.

وما يمكن أن يجاب به على ذلك هو: أن يقال: إنّ هناك وجوهاً خمسة لتفسير صحّة إطلاق مثل الصائغ مع عدم التلبّس الفعليّ، أحدها يناسب القول بالأعمّ دون الباقي، فإذا عيّن بعض الباقي أو لم يثبت تعيين ذاك الوجه المناسب للقول بالأعمّ، لا يتمّ هذا الدليل.

إذن، فلتكميل هذا الدليل لابدّ من إبطال الوجوه الاُخرى حتّى ينحصر الأمر في الوجه المناسب للقول بالأعمّ، فنقول دفاعاً عن القول بالأعمّ في هذه المشتقّات (ولو موقّتاً إلى أن نأتي بعد ذلك إلى الجواب): إنّه لا إشكال في شهادة الوجدان بوجود فرق كبير بين مثل «صائغ» ومثل «ضارب» فلئن صحّ: أنّ كلمة «ضارب» لا تصدق على من انقضى عنه الضرب، لا ينبغي الشكّ في صدق كلمة «صائغ» حقيقةً على هذا الصائغ الذي يكون بالفعل مشغولاً بالصلاة، أو تناول الطعام، أو نحو ذلك، والذي يمكن أن تفسّر به هذه الظاهرة أحد وجوه خمسة:

الوجه الأوّل: هو ما يدّعيه القائل بالأعمّ في هذه المشتقّات، وهو: أنّ المشتقّ في هذه الموارد موضوع للأعمّ من المتلبّس بالفعل وممّا انقضى عنه المبدأ خلافاً لسائر المشتقّات. إذن فمن الطبيعيّ أن يصدق «صائغ» على هذا الإنسان حتّى في وقت الاستراحة أو أكل الطعام؛ لما اُخذ من التوسّع في مدلول الهيئة الموجب للصدق في غير وقت التلبّس بالمبدأ.

الوجه الثاني: أن يقال بالتوسّع في مدلول المادّة، فيقال: إنّ كلمة «صائغ» وإن

453

كانت حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ بالفعل، لكن مبدأها ليست هي ذات الصياغة، بل حرفتها وصناعتها، فما دام متلبّساً بالحرفة يصدق عليه أنّه صائغ وإن لم يكن مشغولاً بالصياغة بالفعل.

وما يمكن للأعمّيّ أن يبطل به هذا الوجه هو: أن يقال: إنّنا نرى بالوجدان أنّ مادّة الصياغة في مثل «صاغ» و«يصوغ» تدلّ على الحدث لا الحرفة، ونضمّ إلى ذلك: أنّ وضع المادّة في جميع صيغ تلك المادّة وضع واحد نوعيّ، ولا يكون متعدّداً باختلاف الصيغ، إذن فلو كانت المادّة في «صائغ» بمعنى الحرفة والصناعة، للزم أن تكون كذلك في «صاغ» و«يصوغ» أيضاً، بينما ليس الأمر كذلك.

الوجه الثالث: أن يقال: إنّ الهيئة في «صائغ» موضوعة للمتلبّس الشأنيّ، لا الفعليّ، فالتوسّع يكون في الهيئة، لكن لا بحملها على الأعمّ من المتلبّس وغيره، بل بحملها على التلبّس الأعمّ من التلبّس الفعليّ والشأنيّ، والتلبّس الشأنيّ محفوظ في المقام.

وقد يقال في مقام إبطاله أيضاً: إنّ هذا لازمه كون هيئة «صائغ» موضوعة بوضع شخصيّ للتلبّس الأعمّ من الفعليّ والشأنيّ، بينما هيئة «فاعل» موضوعة بوضع واحد نوعيّ، لا بأوضاع متعدّدة، فإن فرض: أنّ هذا الوضع النوعيّ الواحد عبارة عن الوضع للأعمّ من التلبّس الفعليّ والشأنيّ، فهذا خلف ما فرض من أنّ مثل «ضارب» لا يصدق على غير المتلبّس الفعليّ بالضرب، وبعد انقضاء الضرب عنه ليس ضارباً. وإن فرض: أنّه عبارة عن الوضع للذات المتلبّسة بالتلبّس الفعليّ، بطل هذا الوجه، إلاّ أن يلتزم بالوضع الشخصيّ وبأوضاع متعدّدة في صيغة «فاعل»، وليس كذلك.

الوجه الرابع: أنّ التصرّف ليس في مدلول مادّة «صائغ»، ولا في مدلول هيئته

454

حتّى ترد الإشكالات السابقة، وإنّما التصرّف في مدلول جملة «زيد صائغ» الدالّة على الجري والهوهويّة، وأنّ المحمول عين الموضوع، فنقول: إنّه بقرينة كون الصياغة حرفةً وصناعةً يكون مدلول الجملة هو الهوهويّة والجري الشأنيّ لا الفعليّ، أي: هذا هو ذاك شأناً لا فعلاً، فالتصرّف إنّما هو في مدلول الجملة بقرينة قضيّة خارجيّة، وهي وجود أشخاص جالسين في دكاكينهم مثلاً بعنوان: أنّ حرفتهم الصياغة مع عدم الانشغال فعلاً بالصياغة.

ويمكن الإشكال على ذلك بأنّ الوجدان قاض بأنّ كلمة «صائغ» في نفسها حينما نلحظها بما هي مدلول كلمة أفراديّة نرى أنّ مفهومها أوسع من مفهوم «ضارب»، وليس المتبادر منه (بلا فرض جملة) هو خصوص المتلبّس بالفعل، بل أعمّ من ذلك، فالوجدان حاكم بأنّ السعة المدّعاة إنّما هي بلحاظ نفس المشتقّ، بينما هذا الوجه يفرض أنّها بلحاظ الجملة.

الوجه الخامس: أن يكون التصرّف في أمر خارجيّ، فالعرف باعتبار تكرّر الصياغة منه يُعمل عناية ارتكازية بحيث يرى كأنّ الصياغة مستمرّة منه، والفترات المتخلّلة تلغى بالنظر العرفيّ، فهذا إعمال عناية في أمر خارجي، أي: في حال هذا الرجل، فكأنّه يُرى أنّه يصوغ دائماً ويحرّك يديه بالصياغة دائماً، فبعد إعمال هذه العناية ينطبق عليه صائغ بلا تصّرف في المادّة، أو الهيئة، أو مدلول الجملة.

وهذا أيضاً يمكن للأعمّيّ أن يبطله؛ إذ لو صحّت هذه العناية العرفيّة الارتكازيّة، إذن لصدق عرفاً أن نقول حينما يكون زيد الصائغ مشغولاً بالصلاة مثلاً: إنّ زيداً متلبّس بالصياغة فعلاً، بينما لا نقول كذلك، فإذا بطلت كلّ هذه الوجوه تعيّن الوجه الأوّل، وهو الوضع للأعمّ.

هذا أحسن ما يمكن أن يقال في تقريب التفصيل.

455

ولكن مع ذلك يرد على القول بالتفصيل:

أوّلاً: أنّه وإن صدق وجداناً الصائغ على من رَفع يده عن العمل فعلاً لأجل الاستراحة أو غيرها، إلاّ أنّ هذا يمكن تفسيره بافتراض التوسّع في مدلول الهيئة بوضعها للمتلبّس الأعمّ من الفعليّ والشأنيّ، وهو الوجه الثالث من الأوجه الماضية، وليس من حقّ القائل بالتفصيل أن يبطل هذا الوجه بدعوى: كون هيئة «فاعل» موضوعة بوضع نوعيّ واحد لا أكثر؛ لأنّ هذا المفصّل مضطرّ إلى الالتزام بتعدّد الوضع في هيئة «فاعل»؛ إذ هو يسلّم أنّ كلمة «ضارب» ونحوها موضوعة للمتلبّس بالفعل، ولكن كلمة «صائغ» موضوعة للأعمّ. وهذا معناه: أنّ الهيئة في مثل «ضارب» موضوعة للمتلبّس بالفعل، وفي مثل «صائغ» موضوعة للأعمّ، فقد تعدّد الوضع، فلماذا يستوحش من افتراض: أنّ الهيئة في «ضارب» موضوعة للتلبّس الفعليّ، وفي «صائغ» للأعمّ من التلبّس الفعليّ والشأنيّ؟ وكيف يُبطل هذا الوجه بلزوم تعدّد الوضع؟!

وثانياً: أنّ الصحيح هو الوجه الثالث، وهو وضع الهيئة للتلبّس الأعمّ من الشأنيّ والفعليّ بلاحاجة إلى فرض وضع شخصيّ لهيئة «صائغ»، وتعدّد الوضع في هيئة «فاعل»، وذلك بأن يقال: إنّ هيئة «فاعل» مطلقاً موضوعة للتلبّس الأعمّ من الفعليّ والشأنيّ حتّى في مثل «ضارب»، إلاّ أنّ المقصود من التلبّس الشأنيّ هو التلبّس الاحترافيّ، أي: اتّخاذ المبدأ حِرفةً أو ديدناً وطريقةً لا مجرّد إمكان التلبّس وقابليّته، غاية الأمر: أنّ هذا النحو من التلبّس ليس له مصداق في مثل «ضارب» و«قائم»؛ لأنّ الضرب أو القيام لم يتّخذ حرفة في السوق، لكن له مصداق في «صائغ»؛ لأنّ الصياغة اُتّخذت حرفة في السوق، وفي مذبح؛ لأنّ مكاناً معيّناً في البلد اُعدّ للذبح وهكذا. فهذا نوع من التلبّس إن ثبت في «ضارب»

456

صدق أيضاً عنواب «ضارب» ولو مع عدم وجود الضرب فعلاً خارجاً، فالتفاوت إنّما هو في المصداق لا في المفهوم.

وثالثاً: أنّ تفسير ظاهرة صدق «صائغ» على المستريح ساعةً مثلاً بالوجه الأوّل وهو الوضع للأعمّ غير صحيح؛ لأنّه لو كانت نكتة صحّة الإطلاق: أنّ كلمة «صائغ» موضوعة للأعمّ من المتلبّس وممّن انقضى عنه المبدأ، لزم صحّة الإطلاق بلا عناية حتّى لو ترك الحرفة والصناعة وأصبح عطّاراً أو بقّالا، مع أنّه لا إشكال بحسب الوجدان في أنّ إطلاق «صائغ» عليه بعد تركه للحرفة يكون تماماً كإطلاق «ضارب» عليه بعد انتهاء الضرب، وأيضاً كلمة «صائغ» لو كانت موضوعة للأعمّ، للزم: أنّ غير المحترف إن صاغ صدفةً مرّة واحدة وأنهى العمليّة صدق عليه «صائغ» مدى عمره، مع أنّه لا إشكال في عدم الصدق إلاّ بالعناية إن كان لا يصدق «ضارب» على من ترك الضرب إلاّ بالعناية كما هو المفروض، وليس ذلك إلاّ لما قلناه من أنّ التلبّس شرط، لكنّه بمعنىً يشمل التلبّس المنهجيّ والديدنيّ.

وقد تلخّص من كلّ ما ذكرناه: أنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس.

 

خاتمة

 

بقيت هنا خاتمة للبحث وهي: أنّه إذا كان المشتقّ اسماً للأعمّ، فمن الواضح الفرق بينه وبين المبدأ؛ إذ يصدق حتّى عند زوال المبدأ، لكن بعد أن ثبت الوضع لخصوص المتلبّس يقع تشابه بينهما حيث إنّه بمجرّد زوال المبدأ يزول الوصف الاشتقاقيّ، فيقع الكلام في أنّه: هل هناك فرق بين المدلولين، أو هما معنىً واحد

457

ومفهوم واحد، وإنّما الاختلاف في خصوصيّات هذا المفهوم وطوارئه؟ ومن هذا البحث يكون النزاع في بساطة المفهوم الاشتقاقيّ وتركّبه، فمن يقول بالعينيّة يقول بالبساطة، ومن يقول بعدمها يمكن أن يقول بالتركّب، ومن أجل أن نعرف الفرق بين المبدأ والوصف الاشتقاقيّ يجب أن نعرف مقدّمة معنى المبدأ، أي: المصادر وأسماء المصادر، ونرى بعد ذلك أنّ مدلول المشتقّ هل هو متّحد معه أو مغاير؟

 

معنى المبدأ:

فنقول: قد قيل: إنّ المصدر أصل الكلام، أي: أصل المشتقّات، وليس المقصود: أنّه بوجوده اللفظيّ مصدر للمشتقّات بوجوداتها اللفظيّة؛ لوضوح: أنّ له وجوداً لفظيّاً خاصّاً مبايناً للوجودات اللفظيّة للمشتقّات، باعتبار أنّ كلاّ منها متقوّم بهيئة مباينة لهيئة الصيغ الاُخرى، ولا يشذّ المصدر عن باقي الصيغ في ذلك، فهو أيضاً متقوّم بهيئة خاصّة به، بل المقصود: الأصالة بلحاظ المعنى والمدلول، بمعنى: أنّ مفاد المصدر هو مادّة مفادات سائر المشتقّات، وهو المعنى المحفوظ والساري فيها، فإنّ هذا هو الذي يمكن ادّعاؤه في المقام.

وهذا الكلام إنّما يتمّ لو آمنّا بأنّ المصدر يكون دائماً أو أحياناً ـ على أقلّ تقدير ـ بمعنى ذات الحدث من دون أخذ أيّ عناية زائدة في معناه بواسطة الهيئة، وإلاّ أصبح المصدر في عرض باقي الصيغ.

ومن هنا وقع الكلام في أنّ هيئة المصدر هل هي موضوعة لعناية زائدة كأن تكون مفيدة لمعنىً نسبيّ تُحصِّص ذلك الحدث كما هو الحال في هيئة سائر المشتقّات، أو أنّ هيئة المصدر إنّما جيء بها لحفظ المادّة في قالب ما، ولا تدلّ على أيّة عناية زائدة؟

458

والمعروف بين المحقّقين المتأخّرين: أنّ هيئة المصدر موضوعة لمعنىً، وهذا له وجهان:

الوجه الأوّل: ما هو المعروف بين المحقّقين المتأخّرين من أنّ هيئة المصدر موضوعة لنسبة ناقصة تقييديّة بين مدلول المادّة، أي: الحدث وبين فاعل ما أو مفعول ما على نحو الإبهام والإجمال، وبذلك اختلف المصدر عن أسماء المصادر وعن الجوامد حيث إنّه لم يؤخذ في هيئتها أيّ مدلول نسبيّ.

ولكن يمكن الاستشكال في أخذ النسبة الناقصة التقييديّة في مدلول هيئة المصدر بعدّة تقريبات:

التقريب الأوّل: ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1) من أنّه لو كانت النسبة الناقصة التي هي معنىً حرفيّ مأخوذة في المصدر، للزم كونه مبنيّاً؛ لأنّ أحد أسباب البناء في لغة العرب تضمّن الاسم للمعنى الحرفيّ وشبهه به.

وهذا جوابه واضح؛ فإنّ ما عدّ سبباً للبناء هو كون الاسم بمادّته متضمّناً للمعنى الحرفيّ، وعليه قيل: إنّ اسم الإشارة والموصول من المبنيّات؛ لأنّه متضمّن (أي: بمادّته) للمعنى الحرفيّ؛ لأنّه يدلّ على معنىً متقوّم بغيره، وغير متحصّل في نفسه، وأمّا المصدر فمادّته ليست هكذا. ولا ينبغي توهّم كفاية تضمّن هيئة الكلمة للمعنى الحرفيّ للبناء بدليل بناء الفعل المتضمّن للمعنى الحرفيّ بهيئته لا بمادّته. والجواب: أنّ الفعل مبنيّ بالأصالة لا لتضمّنه للمعنى الحرفيّ.

التقريب الثاني: أن يقال: إنّه يلزم من وضع هيئة المصدر لنسبة الحدث إلى ذات ما


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 63 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

459

اجتماع نسبتين ناقصتين في قولنا: «ضربُ زيد» يكون الحدث طرفاً لهما في عرض واحد، وهذا محال؛ فإنّ معنى كون الشيء طرفاً لنسبة ناقصة تقييديّة اندكاكه في مفهوم تركيبيّ، فإن فُرض اندكاك ذلك المفهوم التركيبيّ مرّةً اُخرى في مفهوم تركيبيّ أوسع، فهذا معقول، وهذا معناه: كون النسبتين طوليّتين من قبيل قولنا: «ماء الورد الجيّد»، فماء نسب إلى الورد بنسبة إضافيّة، ثُمّ أصبح ماء الورد بما هو ماء الورد موصوفاً بالجودة. وأمّا إذا لم يفرض اندكاك ذاك المفهوم التركيبيّ في مفهوم تركيبيّ آخر، بل اُريد جعل نفس المعنى الذي اندكّ في المفهوم التركيبيّ الأوّل مندكّاً مرّةً اُخرى في مفهوم تركيبيّ آخر، فهذا معناه: وجود ذلك المعنى في ضمن صورتين ومفهومين، وهو مساوق لتعدّده، وهذا معنى ما قلناه من استحالة كون شيء واحد طرفاً لنسبتين ناقصتين تقييديّتين في عرض واحد، بينما يلزم أن يكون الحدث في (ضربُ زيد) طرفاً لنسبتين كذلك؛ إذ جعل من ناحية طرفاً للنسبة المستفادة من هيئة المصدر إلى ذات ما، ومن ناحية اُخرى طرفاً للنسبة الإضافيّة إلى زيد، وهذا محال.

ولا يمكن أن يقال: إنّ طرف النسبة لزيد ليس هو الحدث، بل هو تلك الذات المبهمة، فكأنّ معنى (ضربُ زيد): ضرب ذات تكون تلك الذات هي زيد، فإنّ هذا خلاف شهادة الوجدان بأنّ الحدث في قولنا: (ضربُ زيد) أصبح بنفسه طرفاً للنسبة إلى زيد، لا أنّ الذات المبهمة أصبحت كذلك، وعليه فقد اجتمع على الحدث نسبتان ناقصتان تقييديّتان.

ولا يمكن فرض كون النسبتين طوليّتين حتّى يصبح المقام من قبيل: «ماء الورد الجيّد»، أو «ماء وردِ زيد» بأن يقال: إنّ الحدث نسب إلى ذات مبهمة، ثُمّ نسب الحدث بما هو منسوب إلى الذات المبهمة إلى زيد، فإنّ هذا غير صحيح؛ لأنّ

460

نسبة الضرب إلى زيد هي عين نسبته إلى الذات، أي: أنّهما متطابقتان خارجاً، وليست إحداهما موضوعاً للاُخرى حتّى تكونا طوليّتين.

وهذا التقريب إن بيّن بهذا المقدار أمكن الجواب عليه بأنّ هذا الإشكال مبنيّ على أن يكون مفاد هيئة المصدر هي النسبة مع الذات المبهمة، وأمّا إذا قلنا: إنّ هيئة المصدر تدلّ على النسبة فحسب لا على طرفها، ويتجسّد طرفها فيما يضاف إليه وهو زيد مثلاً، فيرتفع الإشكال؛ إذ لا توجد عندنا نسبتان، وإنّما توجد عندنا نسبة واحدة يكون الدالّ على تلك النسبة هي هيئة المصدر، والدالّ على أحد طرفي النسبة ـ وهو الحدث ـ هي مادّة المصدر، وهيئة الإضافة تعيّن الطرف الآخر في المضاف إليه، إلاّ أنّ هذا الجواب يمكن المناقشة فيه، وذلك بتكميل هذا التقريب بأحد التقريبين الآتيين:

التقريب الثالث: أنّ هيئة المصدر: إمّا لا تدلّ على النسبة، أو تدلّ على النسبة مع طرفها وهو ذات ما، أو تدلّ على النسبة من دون دلالة على طرفها.

أمّا الأوّل، فهو المطلوب. وأمّا الثاني، فيلزم منه كون الحدث في مثل «ضربُ زيد» طرفاً لنسبتين تقييديتين في عرض واحد بالنحو الذي مضى بيانه في التقريب الثاني. وأمّا الثالث فيلزم من ذلك أن يكون المصدر واجب النسبة كما يقال في الفعل، من قبيل «ضَرَبَ»: إنّه واجب النسبة، فيقال مثلاً: «ضربُ زيد» ولا يستعمل «ضَرَبَ» مستقلاً، بينما تستعمل كلمة «الضرب» مستقلّةً، فيقال: «الضرب حلال» أو «الضرب حرام» ونحو ذلك.

والجواب: أنّ هذا الاعتراض إنّما يرد على المشهور القائلين بأخذ النسبة في مدلول المصدر لو كانوا يقولون بأنّ النسبة دائماً مأخوذة في هيئة المصدر، بينما لا يقولون كذلك، بل يقولون: إنّ المصدر يجوز تجريده عن النسبة واستعماله

461

بمعنى اسم المصدر، ويكون شغل الهيئة عندئذ حفظ المادّة فقط، كما يجوز استعماله مع إرادة النسبة من هيئته، ولا ضير في الالتزام بعدم جواز استعماله مستقلاًّ متى ما اُريدت النسبة من هيئته.

التقريب الرابع: أنّنا لا نقبل: أنّ إضافة المصدر إلى زيد فقط تدلّ على تعيين طرف النسبة، فإنّ هيئة الإضافة تدلّ على النسبة بدليل الإضافة في الجوامد كغلام زيد، فإنّ نسبة غلام إلى زيد لم تفهم من هيئة غلام، وإنّما فهمت من هيئة الإضافة، فإذا التزمناً بأنّ هيئة المصدر دلّت على النسبة، لزم اجتماع نسبتين(1) في «ضربُ زيد» بين المضاف والمضاف إليه، مع أنّ الوجدان شاهد على أنّ جملة «ضرب زيد» تكون تماماً كجملة «غلام زيد» ليست فيها إلاّ نسبة واحدة(2).

وقد تحصّل: أنّه لم تؤخذ النسبة الناقصة التقييديّة في مدلول المصدر.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(3) حيث لم يقبل الوجه الأوّل، وهو أخذ النسبة الناقصة في مفاد المصدر؛ إذ يرد عليه في نظره: أنّ لازم ذلك صيرورة المصدر مبنيّاً، فذكر في مقام تصوير أنّ المصدر موضوع لمعنىً زائد على ذات الحدث: أنّ المصدر بمادّته موضوع لذات الحدث كما أنّ اسم المصدر أيضاً كذلك، فَغسْل وغُسْل كلاهما بمادّته موضوع لذات الحدث، لكن هيئة كلّ منهما موضوعة لمعنىً يقابل الآخر، فهيئة اسم المصدر موضوعة لتقييد الحدث بعدم الانتساب إلى الذات، أي: ملاحظة الحدث بما هو شيء في مقابل الذات ومقيّداً بعدم الانتساب


(1) لعلّ المقصود: اجتماع دلالتين على نسبة واحدة.

(2) أو دلالة واحدة على النسبة.

(3) راجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 99 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 63 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

462

إليها، وأمّا هيئة المصدر فهي موضوعة لإلغاء هذا التقييد، أي: التقييد بعدم الانتساب، لا أنّها موضوعة للانتساب كما هو الوجه الأوّل.

إلاّ أنّ هذا الوجه لا يخلو من خفاء، فإنّه بظاهره(1) لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّه إن كان مراده بوضع الهيئة في اسم المصدر للتقيّد بعدم الانتساب دلالتها على عدم الانتساب ونفيها له، فهيئة «غُسل» مثلاً تدلّ على تقييد مادّتها بأن لا تكون منسوبةً إلى الذات، ورد عليه أوّلاً: أنّه خلاف الوجدان في اسم المصدر؛ إذ لو كان كذلك لزم عدم صدق اسم المصدر على الغُسل الخارجيّ؛ لأنّ أيّ غسل يقع في الخارج فهو منسوب إلى المغسِّل، ولزم أيضاً عدم صحّة إضافة اسم المصدر بأن يقال مثلاً: «غُسلُ زيد»، فيلزم من الإضافة الغلط والتناقض مع أنّه ليس كذلك(2).

وثانياً: أنّه لو سلّم أنّ هيئة اسم المصدر موضوعة للدلالة على عدم الانتساب، ففي المصدر يكفي للتخلّص من هذا القيد عدم وضع هيئته لذلك بلا حاجة إلى وضع الهيئة لإلغاء ذلك.

وإن كان المراد: أنّ الهيئة تدلّ على عدم الانتساب من ناحية اسم المصدر، أي: أنّ مدلول اسم المصدر بما هو ليس فيه انتساب، ولا ينافي ذلك عروض الانتساب إليه، فلسنا نقول: إنّ الهيئة تدلّ على عدم الانتساب كما في الفرض الأوّل، بل


(1) كأنّ هذا إشارة إلى إمكان إرجاع كلام الشيخ النائينيّ(رحمه الله) بروحه إلى معنىً آخر غير ظاهر من كلامه، وهذا المعنى هو ما سيختاره اُستاذنا(رحمه الله) في بيان الفرق بين المصدر واسم المصدر، إلاّ أنّ الشيخ النائينيّ(رحمه الله)يُسند هذا الفرق إلى الهيئة.

(2) وإن كان المراد: أنّ الهيئة في اسم المصدر موضوعة للتقيّد بأن لا ينسب المستعمِل ذاك الاسم إلى شيء، فهذا لا ينتقض بكون الغُسل خارجاً منتسباً إلى فاعل، ولكنّه ينتقض بالنقض الثاني، وهو صحّة إضافة اسم المصدر بأن يقال مثلاً: «غُسل زيد».

463

نقول: إنّه من ناحية اسم المصدر لا دلالة على الانتساب، ورد عليه أوّلاً: أنّ عدم الانتساب من جهته الذي لا ينافي الانتساب من جهة الإضافة كما في «غُسلُ زيد» وإن كان صحيحاً، لكن هذا يكفي فيه أن لا تكون هيئة اسم المصدر موضوعة للنسبة، فما معنى افتراض: أنّ هيئة اسم المصدر موضوعة لعدم الانتساب؟!

وثانياً: لو فرض: أنّ مراده ذلك، إذن فالمقابل لعدم الدلالة على الانتساب في اسم المصدر هو الدلالة على الانتساب في المصدر، و هذا رجوع إلى القول الأوّل الذي لا يَلتزِم به. فهذا المعنى للتمييز بين المصدر واسم المصدر لا يتمّ. هذا.

وأمّا الوجوه التي قد يستدلّ بها على أخذ النسبة الناقصة في هيئة المصدر، فهي اُمور:

الدليل الأوّل: أنّه لا إشكال في وجود فرق وجداناً بين المصدر واسم المصدر، فإن قلنا بأنّ هيئة المصدر تدلّ على النسبة الناقصة دون اسم المصدر، فالفرق بينهما واضح. وأمّا إذا قلنا: إنّ المصدر أيضاً لا يدلّ إلاّ على ذات الحدث، إذن فلا يبقى فرق بين المصدر واسم المصدر.

وتحقيق الكلام في ذلك: أنّه في مقام التفرقة بين المصدر واسم المصدر يمكن تصوير المائز بين المفهومين بأحد وجوه عديدة:

الوجه الأوّل: ما بنى عليه المشهور من أنّ المصدر اُخذت فيه النسبة الناقصة التقييديّة بخلاف اسم المصدر.

فإن بطلت الوجوه الآتية وانحصر الأمر في هذا الوجه، تمّ هذا الدليل على أخذ النسبة الناقصة في المصدر مثلاً، وإلاّ لم يتمّ هذا الدليل.

الوجه الثاني: أنّ نسبة المصدر إلى اسم المصدر نسبة الفعل إلى الانفعال، فالمصدر هو أن يفعل، واسم المصدر هو الانفعال.

464

وهذا بظاهره لا يمكن المساعدة عليه لو لم يرجع إلى معنىً آخر؛ لوضوح: أنّ الانفعال بنفسه مصدر من المصادر؛ فإنّ أحد المصادر المزيدة هو الانفعال، فنسبة الانكسار إلى الكسر والانجبار إلى الجبر ليست هي نسبة اسم المصدر إلى المصدر، بل نسبة المصدر المزيد إلى المصدر المجرّد.

الوجه الثالث: أنّ مدلول المصدر هو الفعل، ومدلول اسم المصدر هو النتيجة المتحصّلة من الفعل، فمثلاً عمليّة البيع مفاد المصدر، والنتيجة وهي الملكيّة مفاد اسم المصدر.

وهذا أيضاً بظاهره غير صحيح ما لم يرجع إلى وجه آخر، فإنّ هذا إنّما يناسب باب المسبّبات التوليديّة فقط، فيفرض السبب مفاداً للمصدر والمسبّب مفاداً لاسم المصدر، وفي كثير من الموارد ليس شيئان من هذا القبيل كالغَسل والغُسل.

الوجه الرابع: أنّنا إذا لاحظنا الفعل مع نتيجة الفعل، ففي ذلك ثلاث حالات:

1 ـ أن نقصد بالنتيجة ما خلّف العمل من الصورة في مادّة ثابتة قبل العمل، وبالتالي تنفصل تلك الصورة عن عمل العامل نهائيّاً، وذلك من قبيل: نسبة النسج إلى النسيج كما في الفراش، فالفراش مثلاً وإن كان نتيجة للنسج، لكن مادّته ثابتة قبل النسج، وفي ذلك يكون الفعل مع النتيجة شيئين متغايرين لكلّ منهما مصداق خاصّ خارجاً غير مصداق الآخر(1).

2 ـ أن يكون الفعل مُوجداً لأصل الذات والمادّة من قبيل: الخلق والمخلوق، والتغاير بينهما تحليليّ؛ إذ أنّ خلق الله هو ذات زيد وعمرو وغيرهما، ولا تغاير بين الخلق والذات الناتجة من الخلق، إلاّ أنّ هذا الشيء الواحد يحلّله العرف أو


(1) والنتيجة بهذا المعنى أجنبيّة عن فكرة اسم المصدر نهائيّاً.

465

العقل إلى فعل وذات(1).

3 ـ أن لا تكون النتيجة عبارة عن الذات المخلوقة، ولا تُقصد بها صورة تبقى منفصلة عن الفعل في مادّة اُخرى، بل يُقصد بها ما هو في واقعها نفس الفعل كالقيام والشرب والأكل، وما إلى ذلك ممّا يكون مخلوقاً للفاعل من دون أن يكون ذاتاً، فهذا المخلوق أيضاً هو عين الخلق كما في القسم الثاني، ولكنّه أيضاً ينحلّ عرفاً أو عقلاً إلى خلق ومخلوق بنفس روح التحليل في القسم الثاني، وإن كان التحليل هنا أخفى منه في القسم الثاني؛ إذ كون العمل هناك متمثّلاً في ذات ما يساعد على التحليل أكثر، ولكن مع ذلك يحلّل القيام الذي هو شيء واحد حقيقة بنحو من العناية والاعتبار إلى مرحلتين: مرحلة إيجاد القيام، ومرحلة انوجاد القيام، أو قل: مرحلة الخلق بالمعنى المعقول في غير الله سبحانه وتعالى، ومرحلة المخلوق، أو قل: مرحلة كونه حدثاً يصدر عن الفاعل مثلاً، ومرحلة كونه موجوداً بالذات في الخارج، والمرحلة الاُولى يعبّر عنها بالمصدر، والمرحلة الثانية يعبّر عنها باسم المصدر دون أخذ نسبة في أحدهما(2).

 


(1) وهذه الذات إن لوحظت بوصفها مباينة للفعل كما هو المفهوم من كلمة المخلوق، كانت أجنبيّة عن معنى اسم المصدر، وإن لوحظت بما لها من نوع اتّحاد مع الفعل أو المصدر، كان هذا عبارة عن الخلق بالمعنى الاسم المصدريّ.

(2) فالقيام بالمعنى الأوّل يسمّى مصدراً، وبالمعنى الثاني يسمّى اسم مصدر. ثمّ إنّه مضى عن الشيخ النائينيّ(رحمه الله) دعوى الفرق بين المصدر واسم المصدر بأنّ الثاني موضوع للحدث متقيّداً بواسطة الهيئة بعدم الانتساب إلى الذات، أي: ملاحظة الحدث بما هو شيء في مقابل الذات، والأوّل موضوع للحدث مع إلغاء هذا التقييد بواسطة هيئته، ومضى عن اُستاذنا الشهيد(قدس سره): أنّ هذا بظاهره لا يمكن المساعدة عليه، وكأنّ قوله(قدس سره): (هذا بظاهره...) ←

466

وإذا اتّضح ذلك قلنا: من المظنون أنّ مراد من قال: إنّهما كالفعل والانفعال، أو كالسبب والمسبّب هو هذا المعنى، وهو تحليل الفعل إلى إيجاد وانوجاد، إلاّ أنّه عبّر عنه بتعبير عنائيّ حيث إنّ أصل التحليل كان عنائيّاً.

وبهذا يتّضح أوّلاً: الفرق بين المصدر واسمه، فالمصدر يوازي الخلق في الحالة الثانية، واسم المصدر يوازي الذات في الحالة الثانية؛ ولذا كان اسم المصدر أعمق في الاسميّة، وثانياً: بطلان الدليل الأوّل على أخذ النسبة الناقصة في المصدر.

الدليل الثاني: أن يقال: إنّ النسبة الناقصة التقييديّة لو لم تكن مأخوذة في مفاد هيئة المصدر، لم يبقَ فرق بين المصادر أنفسها مجرّداتها ومزيداتها، فلا يبقى فرق بين خروج وإخراج، أو بين كرم وإكرام وتكريم؛ لأنّ المصادر المجرّدة والمزيدة مشتركة في المادّة، فلو لم تكن الهيئات موضوعة لنسب مختلفة لم يبقَ فرق بينها، فلابدّ من الالتزام بأنّها بمادّتها موضوعة للحدث، وكلّ هيئة موضوعة لنسبة ناقصة غير النسبة الناقصة الاُخرى(1).

وهذا الدليل أيضاً قابل للمناقشة؛ لأنّ النسبة التي يدّعى أخذها في المصدر المزيد وبها يمتاز عن المصدر المجرّد يمكننا أن نحوّلها إلى مفهوم اسميّ،


إشارة إلى إمكان إرجاع كلام الشيخ النائينيّ(رحمه الله) في روحه إلى معنىً آخر معقول، والظاهر: أنّ مقصوده هو هذا المعنى الذي تبلور هنا من تحليل الفعل إلى كونه حدثاً يصدر عن الفاعل، وكونه موجوداً بالذات في الخارج، وأنّ المصدر موضوع للأوّل واسم المصدر موضوع للثاني، فيمكن أن يكون هذا المطلب في روحه هو المقصود للشيخ النائينيّ(رحمه الله) مع إسناد هذا الفرق إلى هيئة المصدر وهيئة اسم المصدر.

(1) هذا الوجه وارد في كلمات الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله). راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 100 ـ 101 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم.

467

ونأخذها في مدلول المادّة بأن يدّعى أنّ المادّة لم تؤخذ في كلّ المصادر على حدّ سواء، بل مادّة المصدر المجرّد موضوعة لذات الحدث، ومادّة هيئة الأفعال مثلاً موضوعة لذات الحدث مع مفهوم اسميّ يوازي النسبة المدّعى دخلها في المعنى، فيقال في إخراج وإدخال ونحوهما بدلاً عن فرض كون الهيئة موضوعة للنسبة التحميليّة: إنّ المادّة موضوعة لتحميل ذات الحدث الذي يدلّ عليه المصدر المجرّد من ذلك الباب، ويقال في باب الانفعال بدلاً عن فرض وضع الهيئة لنسبة ينتزع منها مفهوم المطاوعة: إنّ المادّة موضوعة لمفهوم مطاوعة الحدث وهكذا.

الدليل الثالث ـ وهو أوجه من السابقين وأدقّ ـ: أن يقال: إنّه إذا لاحظنا مصدرين من المصادر المجرّدة كالضرب والخروج، نرى أنّ كلاًّ منهما له قابل وله فاعل. نعم، الفاعل والقابل قد يتّحدان كمن يضرب نفسه أو يخرج بنفسه، وقد يختلفان كمن يضرب غيره ومن يُخرج غيره، وعليه فلو فرضنا أنّ النسبة الناقصة لم تكن مأخوذة أصلاً لا في الضرب ولا في الخروج ولا في غيرهما، كان ينبغي أن تصحّ إضافة الضرب إلى كلّ ما تصحّ إضافة الخروج إليه: من الفاعل أو القابل وبالعكس، في حين أنّه يصحّ أن نضيف الضرب إلى فاعله فنقول: «ضرب زيد لعمرو»، ولا يصحّ أن نضيف الخروج إلاّ إلى قابله، فلا يقال: «خروج زيد» بمعنى الخروج الذي أوجده في غيره، ولا يقال أيضاً: «موت الله» بمعنى الموت الذي أوجده في غيره، فهذا كاشف عن أنّ هناك نحوين من النسبة الناقصة التقييديّة، ففي بعض المصادر اُخذت النسبة التقييديّة إلى القابل، وفي بعضها اُخذت النسبة التقييديّة إلى الفاعل، أو اُخذ فيه كلاهما، أو ما يعمّهما؛ ولذا تصحّ إضافته إلى كلّ واحد منهما.

والجواب: أنّنا بيّنّا في مقام تصوير الفرق بين المعنى المصدريّ واسم المصدر أنّ العرف أو العقل يحلّل القيام أو الخروج أو أيّ حدث آخر إلى مرحلتين: مرحلة

468

التكوين ومرحلة التكوّن، والاُولى نسمّيها بالمصدر والثانية باسم المصدر. وهنا نقول: إنّ المرحلة الاُولى أيضاً تنحلّ إلى جهتين: جهة الفعل وجهة القبول، وبعض المصادر موضوعة لإحدى الجهتين فقط، وبعضها يناسب كلتا الجهتين، فما وضع لجهة القبول لا يضاف إلى الفاعل، وما وضع لجهة الفعل أو الأعمّ كالضرب صحّت إضافته إلى الفاعل، فصحّة إضافة بعض المصادر إلى الفاعل دون بعض أيضاً من شؤون معنى المادّة.

وقد اتّضح من تمام ما ذكرناه: أنّ النسبة الناقصة التقييديّة غير مأخوذة في المعنى الموضوع لهيئة المصدر.

 

مدلول المشتقّ:

وبعد هذا نبحث مدلول الأوصاف الاشتقاقيّة، وفرقه عمّا عرفت من مدلول المصدر، ويمكن تلخيص الأقوال فيما هو مدلول المشتقّ في أربعة:

القول الأوّل: أنّه موضوع بمادّته لذات الحدث كالمصدر، وبهيئته لأخذ الحدث لا بشرط من حيث الحمل ـ بمعنىً يأتي توضيحه إن شاء الله ـ ولم تؤخذ فيه أيّ نسبة من النسب. ومن يقول بهذا يقول في المصدر: إنّ الهيئة غير موضوعة للنسبة، وهذا ما ذهب إليه المحقّق الدوّانيّ(رحمه الله) وتبعه من المحقّقين المتأخّرين المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1)، وفي أصحاب هذا الرأي من يقول: إنّ هيئة المصدر وضعت للبشرط لائيّة عن الحمل.

القول الثاني: أنّ المشتقّ موضوع لعنوان بسيط منتزع عن الذات بلحاظ قيام


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 65، وفوائد الاُصول، ج 1، ص 106 ـ 109 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

469

المبدأ به، فالذات والمبدأ كلاهما غير مأخوذ في المشتقّ، وإنّما المشتقّ عنوان بسيط نسبته إلى الذات نسبة العنوان الانتزاعيّ إلى منشأ انتزاعه، ونسبته إلى المبدأ نسبة العنوان الانتزاعيّ إلى مصحّح انتزاعه. وهذا ظاهر كلام صاحب الكفاية حيث ذكر: أنّه موضوع لمفهوم بسيط منتزع عن الذات بلحاظ تلبّسها بالمبدأ(1).

القول الثالث: أنّه بمادّته موضوع للحدث، وبهيئته للنسبة بحيث يكون حال المشتقّ حال المصدر على المعروف المشهور الذي منعناه، لكن لابدّ أن يدّعى أنّ النسبة هنا غير النسبة هناك؛ ليبقى فرق بين المشتقّ والمبدأ. وهذا القول ظاهر كلام المحقّق العراقيّ(رحمه الله)(2).

القول الرابع: هو القول بأنّ مدلول المشتقّ هو عبارة عن الذات والنسبة والمبدأ بنحو التركيب، فليس عنواناً انتزاعيّاً عن الذات بلحاظ المبدأ، بل الذات والمبدأ داخلان فيه. وهذا الوجه اختاره ببعض معانيه المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله)(3) والسيّد الاُستاذ دامت بركاته(4).

 

تحقيق القول الأوّل:

أمّا القول الأوّل، فينحلّ إلى دعوىً سلبيّة، وهي: أنّ النسبة والذات لم تؤخذا


(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 77 بحسب طبعة المشكينيّ.

(2) راجع نهاية الأفكار، ج 1، ص 143 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، والمقالات، ج 1، ص 190 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ.

(3) راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 139 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم.

(4) راجع أجود التقريرات، ج 1، المحشّى بتعليق السيّد الخوئيّ، ص 65 ـ 66، تحت الخطّ، وراجع المحاضرات، ج 1، ص 267 ـ 268 بحسب طبعة مطبعة النجف.

470

في مدلول هيئة المشتقّ، ودعوىً إثباتيّة، وهي: أنّ اللابشرطيّة اُخذت فيه:

أمّا الدعوى السلبيّة فاستدلّ عليها بعدّة وجوه في كلمات المحقّق الدوّانيّ والمحقّق النائينيّ(رحمهما الله):

الأوّل: ما ذكره المحقّق الدوّانيّ(رحمه الله)(1) من أنّه إن رأينا جسماً أبيض، فالمحسوس بالذات هو نفس البياض لا الذات؛ لأنّ ما يحسّه الحسّ البصريّ إنّما هو اللون والضوء دون ذات الجسم، وحينئذ لو لم يقم عندنا برهان على أنّ البياض عرض، وأنّه يحتاج إلى ذات، وكنّا نحتمل قيامه بذاته بلاحاجة إلى جسم وراءه، فهل كنّا نصف ما نراه بأنّه أبيض، أو لا؟ طبعاً لا إشكال بحسب الوجدان العرفيّ في أنّنا نصفه بذلك بلا انتظار لبرهان الفلاسفة على كونه عرضاً عارضاً على الذات، فلو كان المشتقّ اُخذ فيه المبدأ والذات والنسبة، إذن لما أمكن توصيفه بأنّه أبيض قبل قيام البرهان على كونه عرضاً قائماً بالذات.

وهذا البيان من المحقّق الدوّانيّ(رحمه الله) في الحقيقة تعقيد وتطويل للمسافة بلا موجب، ويمكن توسيع هذا البيان بأن نقول: إنّه حتّى بعد قيام البرهان على عرضيّة البياض للذات أيضاً نصف نفس العرض، فنقول: البياض أبيض(2) والنور نيّر، كما نقول أيضاً: الوجود موجود، فبإمكان المحقّق الدوّانيّ أن يستدلّ بهذه الإطلاقات، ويقول: إذا فرض أخذ نفس النسبة والذات في المشتقّ، فكيف صحّ


(1) نقل الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) هذا الوجه عن الحكيم السبزواريّ(رحمه الله) في تعليقاته على الأسفار عن المحقّق الدوّانيّ(رحمه الله). راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 131 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم.

(2) وهذا الوجه هو الذي نقله الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) عن بهمنيار تلميذ الشيخ الرئيس، راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 131 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم.

471

إطلاق العنوان الاشتقاقيّ على نفس البياض والنور والوجود، مع أنّه ليس هنا ذات لها البياض، أو لها النوريّة، أو لها الوجود، وكذلك يمكن إجراء هذا البرهان فيما إذا قام برهان في مبدأ على أنّه عين الذات كما هو الحال في علمه سبحانه، فليس هناك ذات وعرض ونسبة ومع ذلك يطلق عليه: أنّه عالم.

والجواب عن هذا البرهان في تمام هذه الموارد: أنّه إن كان من يقول بأخذ النسبة والذات يقصد بالذات ذاتاً بقيد المغايرة مع المبدأ، فهذا الإشكال وارد عليه. وأمّا إن كان المدّعى أخذُ ذات مبهمة في مدلول المشتقّ بنحو قابل لأن يكون غير المبدأ تارةً وعينه اُخرى، وأخذ النسبة لا بمعنى التلبّس المساوق للاثنينيّة والمغايرة، بل بمعنى الوجدان وكون هذه الذات واجدة للمبدأ، فهذا الإشكال غير وارد، فإنّه في كلّ هذه الموارد يوجد هناك شيء، وهذا الشيء واجد للمبدأ، ولكن وجدانه للمبدأ وجدان ذاتيّ لا عرضيّ. ففرق بين وجدان الحائط للبياض ووجدان نفس البياض للبياض، وبين وجدان الشمس للنوريّة ووجدان النور لها وهكذا، فهذا وجدان ذاتيّ في مرتبة ذاته، وذاك وجدان عرضيّ في مرتبة عرضه، فإذا اُريد هكذا لم يرد شيء من هذه الإشكالات من دليل المحقّق الدوّانيّ(رحمه الله)أو تعميماته وإضافاته.

الثاني: ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1)، وهو: أنّ مدلول الأوصاف الاشتقاقيّة: إمّا أن يقال: إنّ الذات مأخوذة فيه بلا نسبة أو مع نسبة، وكلاهما باطل، فيتعيّن كون مفاده المبدأ. أمّا أخذ الذات فيه بلا نسبة فلا معنى له؛ فإنّ مدلول المادّة هو


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 63 و 65 ـ 66 بحسب الطبعة المحشّاة بتعليقات السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

472

الحدث، فإن كان مدلول الهيئة هو الذات بلا نسبة، لزم عدم أيّ ارتباط بين مدلول المادّة ومدلول الهيئة، وهو خلاف الوجدان. وأمّا أخذ الذات مع النسبة فيلزم منه تضمّن الكلمة لمعنىً حرفيّ، وذلك يوجب البناء عند العرب مع أنّ الأوصاف الاشتقاقيّة غير مبنيّة.

ويرد عليه أوّلاً: أنّه يمكن اختيار أخذ الذات مع النسبة، ولا يلزم البناء؛ لما سبقت الإشارة إليه من أنّ التضمّن للمعنى الحرفيّ إنّما يوجب البناء إذا كان بلحاظ مادّة الاسم. وأمّا إذا كان التضمّن بلحاظ الهيئة فلم يثبت كونه سبباً للبناء في لغة العرب.

وثانياً: لو سلّمنا أنّ التضمّن حتّى بلحاظ مدلول الهيئة يوجب البناء فهذا لا ينطبق على محلّ الكلام؛ إذ بناءً على أخذ الذات والنسبة يكون مفاد المشتقّ ـ بحسب الحقيقة ـ الحصّة الخاصّة من الذات، أي: الذات التي لها الضرب أو العلم مثلاً، والحصّة الخاصّة بما هي حصّة خاصّة مفهوم اسميّ، ومجرّد رجوعه بالتحليل إلى تقيّد وقيد ومقيّد لا يكفي، ومرادهم من كون تضمّن المعنى الحرفيّ موجباً للبناء: أنّ مدلول الكلمة إذا كان غير متقوّم في نفسه كما في أسماء الاشارة والموصولات، لزم البناء، ومفهوم الهيئة هنا حصّة خاصّة متقوّمة في نفسها وإن كان رجوعه بالتحليل إلى قيد ومقيّد وتقيّد كافياً للبناء، لزم بناء أكثر الأسماء الجوامد، فالسرير مثلاً يرجع بالتحليل إلى الخشب المصفّف، والسيف يرجع بالتحليل مثلاً إلى الحديد المدبَّب وهكذا، فيلزم بناء كلّ هذه الكلمات.

الثالث: ما أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله) أيضاً، وحاصله: أنّ النسبة: إمّا أن تكون مأخوذة مع الذات أو بدونها، فإن كانت مع الذات فهو باطل؛ لما يأتي من براهين المحقّق الشريف(رحمه الله)، وإن كانت بلا ذات فهذا غير معقول؛ لأنّ النسبة تتقوّم بطرفين،

473

ولا يعقل تقوّمها بطرف واحد(1).

وهذا الكلام بظاهره واضح البطلان؛ إذ بالإمكان اختيار الشقّ الثاني، واحتياج النسبة إلى الطرفين بحسب الخارج وفي نفس الأمر صحيح، لكن لا يلزم أن يكون طرفاها مدلولين لنفس الدالّ على النسبة، وإلاّ فماذا يقول في الحروف التي تدلّ على النسبة، فكلمة «في» مثلاً تدلّ على النسبة الظرفيّة مع أنَّها لاتدلّ على طرفيها، فهل لزم من ذلك عدم تقوّم النسبة بالطرفين؟! فكان الأحسن له التمسّك لإبطال الشقّ الثاني أيضاً ببراهين المحقّق الشريف(2) التي سوف يأتي أنّه لا محصّل لها.

إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون مقصود المحقّق النائينيّ(رحمه الله) مطلباً آخر وإن كانت العبارة قاصرة عن أدائه، وهو: أنّه إن كان المأخوذ هو النسبة بلا ذات لزم تقوّم النسبة بطرف واحد لا في نفس الأمر والواقع، بل في مرحلة المدلول المطابقيّ التصوّريّ للكلام، فكلمة «قائم» مثلاً كلمة غير مستقلّة، ولابدّ لها من متمّم، بينما من الواضح كونها كلمة مستقلّة، ولو لم تكن مستقلّة فلا متمّم لها في لغة العرب أصلاً، فيكون هذا الكلام فنّيّاً، إلاّ أنّه يبقى الإشكال عليه بإمكان أخذ الشقّ الأوّل وإبطال براهين المحقّق الشريف بما سيأتي إن شاء الله.

الرابع: أنّه إن اُخذت النسبة مع الذات، لزمت محاذير المحقّق الشريف، وإن


(1) كأنّ هذا الوجه متصيَّد من كلمات الميرزا(رحمه الله)، فإنّي لم أجده بهذا الشكل في شيء من تقريري بحثه. نعم، لديه(رحمه الله) بعض البراهين على عدم أخذ الذات في المشتقّ، ولديه كلام منفصل عن ذلك في كلا التقريرين حول أخذ النسبة في المشتقّ دون الذات، وهو: أنّ هذا غير معقول؛ لأنّ النسبة تتقوّم بطرفين.

راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 63 بحسب الطبعة المحشّاة بتعليقات السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وراجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 103 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) لا أعرف برهاناً للمحقّق الشريف لإبطال الشِقّ الثاني.

474

اُخذت بدون الذات لزم إباء المشتقّ عن الحمل على الذات؛ إذ فرض لحاظ النسبة فرض المغايرة والاثنينيّة، وفرض الحمل هو فرض الوحدة والاتّحاد(1).

ويرد عليه أيضاً ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من بطلان محاذير المحقّق الشريف(رحمه الله).

وأمّا الدعوى الإثباتيّة وهي: أنّ هيئة المشتقّ موضوعة للاّبشرطيّة، وبهذا أصبح مدلول المادّة صالحاً للحمل على الذات بخلاف المصدر الموضوع هيئته للبشرط لائيّة من حيث الحمل، فهذه الجهة تحتاج إلى تفسير، فقد فسّرت اللاّبشرطيّة والبِشرط لائيّة بثلاثة تفسيرات:

التفسير الأوّل: ما ساق إليه الجمود على حاقّ العبارة، فقيل: إنّ هذا يعني انحفاظ مفهوم واحد في المشتقّ والمصدر، وهذا المفهوم الواحد إذا قيس إلى الحمل فتارة يؤخذ لا بشرط عن الحمل، وهذا ما وضع له المشتقّ، واُخرى يؤخذ بشرط لا عن الحمل، وهذا ما وضع له المصدر، فالفرق فقط في كيفيّة مقايسة هذا المفهوم الوحدانيّ إلى الحمل.

وأشكلوا عليه بأنّ أخذ المبدأ ولحاظه مقيّداً بشرط لا عن الحمل، أو مطلقاً ولا بشرط عن ذلك لا أثر له في صحّة الحمل وإبطاله؛ إذ هذان اعتباران في عالم الذهن في كيفيّة لحاظ هذا المفهوم الوحدانيّ، وهذا لا ربط له بالحمل، فالحمل يحتاج إلى اتّحاد في الوجود، فإذا كان هذا الاتّحاد في الوجود مع الذات ثابتاً صحّ الحمل على كلا التقديرين، وإلاّ لم يصحّ الحمل على كلا التقديرين.

وهذا الكلام ينحلّ إلى أمرين:


(1) لم أرَ هذا الوجه في شيء من التقريرين للشيخ النائينيّ(رحمه الله).

475

1 ـ إنّ هذا المفهوم الوحدانيّ إذا كان مغايراً للذات، لم يمكن تصحيح حمله بمجرّد اعتبار اللابشرطيّة. وهذا الكلام صحيح؛ فإنّ الحمل الحقيقيّ مرجعه إلى الهوهويّة، وهي فرع أن يكون عين الذات ومتّحداً معه، ومجرّد اعتبار اللابشرطيّة لا يوجب ذلك، فلو اعتبرنا الحجر لا بشرط من ناحية الحمل على الإنسان مثلاً، فمن الواضح: أنّ هذا لا يصحّح حمله على الإنسان.

2 ـ إنّه مع فرض الاتّحاد في الوجود لا يمكن إبطال الحمل بالاعتبار؛ إذ مجرّد أخذه بشرط لا لا يؤثّر فيما هو ملاك الحمل والهوهويّة.

وهذا الأمر الثاني قابل للمناقشة في المقام؛ إذ إنّ أخذ هذا المفهوم الوحدانيّ بشرط لا عن الحمل قد يكون مانعاً تعبّديّاً عن الحمل، وتوضيح ذلك: أنّ أخذه بشرط لا عن الحمل مرجعه إلى أخذ عدم الحمل قيداً، وأخذه قيداً يتصوّر على وجهين:

الأوّل: كون المقصود: أخذ عدم واقع الحمل خارجاً قيداً للعلقة الوضعيّة بناءً على ما سبق في بحث الحروف من أنّ أمثال صاحب الكفاية من المشهور تصوّروا إمكان تقييد العلقة الوضعيّة، فنفرض كون الوضع مقيّداً بظرف عدم الحمل على الذات من قبيل دعوى صاحب الكفاية: أنّ الوضع مقيّد باللحاظ الآليّ تارة والاستقلاليّ اُخرى، ومعه لا يصحّ الحمل؛ إذ عند الحمل ينتفي الوضع لكونه مشروطاً بزمان عدم الحمل، فكأنّ كلمة (عِلم) في ظرف الحمل تكون مهملة، فلا يمكن حملها على زيد بالرغم من فرض اتّحاد المبدأ خارجاً مع الذات.

الثاني: أن يكون عدم الحمل لا بمعنى عدم الحمل بوجوده الخارجيّ، بل عدم الحمل بما هو مفهوم من المفاهيم التصوّريّة، ويؤخذ قيداً في المعنى الموضوع له لا شرطاً للعلقة الوضعيّة، بمعنى: أنّ لفظ «العلم» مثلاً موضوع لحصّة خاصّة من