109

أبْحَاث تَمهيديّة

3

التقليد والاجتهاد

 

 

○  تمهيد.

○  التقليد.

○  الاجتهاد.

○  الاحتياط.

 

 

111

بسم الله الرحمن الرحیم

[تمهيد]

 

الطرق الثلاث لطاعة الله:

(1) في دين الله سبحانه أوامر ونواه، جلّت عظمته يسأل عباده عنها، ولا وسيلة لمعرفة المكلّف بأنّه قد أدّى إلى الله طاعته في أمره واتّقاه في نهيه، إلّا إذا كان في جميع أفعاله وتروكه مجتهداً في أحكام الشريعة، أو مقلِّداً لمن هو أهل للتقليد والاقتداء به، أو محتاطاً، على أن يستند في احتياطه إلى علمه هو واجتهاده أو إلى تقليد مجتهد معيّن.

هذا في غير البديهيات الدينية والمسلّمات الواضحة، كوجوب الصوم والصلاة، وحرمة الزنا والربا، وكالمسائل القطعية التي يمكن العلم بها بلا جهد ودرس، كبعض الواجبات، وكثير من المستحبّات، وأكثر المباحات التي يعرف حكمها الكثير من الناس الذين يعيشون في البيئات الدينية، ومنها ـ على سبيل المثال ـ وجوب العدّة على زوجة الميّت وعلى المطلّقة الشابّة بعد المقاربة، واستحباب الأذكار والدعوات، وإباحة أكل الرمّان، فإنّ هذا النوع من الأحكام لااجتهاد فيه ولا تقليد ولا احتياط.

وأيضاً لا تقليد في تطبيق المعاني الكلّية على أفرادها الخارجية والتمييز بينها، من قبيل: أنّ هذا المائع السائل أمامك هل هو خمر أو خلّ؟ فقد يجهل

112

المرجع أنّه خمر، ولكنّك تعلم أنّه خمر، فعليك أن تتصرّف وفقاً لعلمك.

تعريف الطرق الثلاث:

(2) الاجتهاد: هو القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرَّر له.

والاحتياط: أن يأتي المكلّف بكلّ شيء يحتمل فيه الأمر والوجوب، ولا يحتمل تحريمه على الإطلاق، وأن يترك كلّ شيء يحتمل فيه النهي والتحريم، ولا يحتمل فيه الوجوب بحال.

والتقليد: قدوة واُسوة، ويتحقّق بمجرّد العمل، أو بمجرّد الجزم والعزم على العمل ـ عند الحاجة ـ بقول مجتهد معيّن، فأحد هذين كاف في صحة التقليد، وواف في جواز البقاء عليه بعد موت المقلّد على ما يأتي (1).

 


(1) ما قد يفترض أثراً شرعياً مترتباً على عنوان التقليد أحد اُمور أربعة:
الأوّل: جواز الاجتزاء بالعمل بهذا الرأي مدّة بقائه وبقاء المقلِّد على تقليده وبقاء شروط الحجّية.
الثاني: إجزاء ما وقع من العمل في زمان هذا الرأي بعد ما انكشف خلافه ولو بمعنى تبدّل الرأي أو تبدّل التقليد.
الثالث: جواز البقاء عليه بعد وفاة الفقيه.
الرابع: حرمة العدول عنه في الأحكام الإلزاميّة إلى رأي غير الأعلم ولو كان مساوياً.
أمّا الأوّل ـ وهو الاجتزاء الفعلي ـ: فموضوعه في الحقيقة هو العلم بمطابقة العمل لذاك الرأي الحجّة، سواء كان العمل مستنداً إلى ذاك الرأي أو كان التطابق قد حصل بالصدفة وعن غير عمد.


113

حكم من ترك الطرق الثلاث:

(3) لا وزن لعمل عامل غير مجتهد في أحكام الله تعالى، ولا محتاط فيها، ولا مقتد بمجتهد عادل، حتّى ولو كان العامل جاهلا بوجوب التقليد أو الاحتياط؛ لأنّ الجهل هنا ليس بعذر، ولكن لو تكشّف له أنّ عمله كان على النهج المطلوب منه واقعاً بالتمام والكمال، أو كان موافقاً لفتوى من يجب عليه تقليده ساعة الكشف والعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط، لو كان هذا كفاه عمله السابق، ولا شيء عليه.

وإذا تنبَّه وعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط ولكنّه شكّ في أنّ عمله السابق بلا تقليد واحتياط هل كان على المنهج المطلوب حتّى لا يجب القضاء ـ على حدّ تعبير الفقهاء، وهم يطلقون كلمة « القضاء » على الإتيان بالفعل المأمور به بعد فوات أمده المضروب له ـ أو لم يكن على النحو المطلوب، بل كان باطلا حتى يقضي المكلّف ما فات؟ فماذا يصنع؟



وأمّا الثاني ـ وهو الإجزاء بعد انكشاف الخلاف ـ: فموضوعه هو الاستناد في العمل أو في ترك القضاء والإعادة إلى ذاك الرأي.
وأمّا الثالث ـ وهو جواز البقاء على التقليد مع وفاة الفقيه ما لم تثبت أعلميّة الحيّ منه ـ: فهذا ما نفتي به، ومن حقّنا أن نفتي به على ما نفهمه من الحديث الشريف الذي يقول: «أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟! ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصريّ؟». وسائل الشيعة: 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ص 145.
وأمّا الرابع ـ وهو حرمة العدول ـ: فموضوعها بالدقّة هو حصول العلم الإجمالي ببطلان أحد العملين، وليس عنوان التقليد.
114

الجواب: أمّا في ما يعود إلى القضاء فقط فلا يجب عليه في مثل هذا الفرض، وتجب الإعادة ما بقي وقت الفريضة.

115

التقليد

 

(4) التقليد هو الطريق الأكثر عمليةً لجُلّ الناس، فقد اعتاد الناس في كلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك المجال، وهو واجب على كلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد.

ويشترط في مَن يُرجَع إليه في التقليد: البلوغ(1)، والعقل، والذكورة، وطيب الولادة(2)، والإيمان، والاجتهاد، والعدالة(3)، والحياة، أي: يجبفي سائر الأحوال أن يبدأ التقليد بالعمل، أو الالتزام بقول الحيّ دونالميّت.

(5) إذا تعدّد المجتهدون الذين تتوفّر فيهم الشروط السابقة وكانوا متّفقين في آرائهم وفتاواهم فبإمكان المقلِّد أن يرجع إلى أيّ واحد منهم، ولكنّ هذا مجرّد افتراض نظريٍّ، وليس واقعاً في الحياة العمليّة عادةً؛ لأنّ الاجتهاد مثار للاختلاف بين المجتهدين غالباً، فإذا اختلفوا وعلم المقلِّد بأنّهم مختلفون في آرائهم فلمن يرجع؟ ومن يقلِّد؟

 


(1) شرط البلوغ غير واضح إلّا إذا كان بمعنى عدم الأمن على صدقه في الفتوى على أساس إيمانه بعدم حرمة الكذب والتضليل عليه، أو كان بمعنى عدم ثبوت ملكة العدالة والتقوى فيه على أساس أنّه لا يرى نفسه مكلَّفاً بشيء.
(2)ومعنى طيب الولادة: أن يكون قد ولد بصورة مشروعة.(منه (قدس سره)).
(3)سيأتي معنى العدالة اللازمة في المرجع في الفقرة (32) من هذا الباب.(منه (قدس سره)).
116

والجواب: أنّه يرجع إلى الأعلم في الشريعة(1)، والأعرف والأقدر على تطبيق أحكامها في مواردها، مع فهم للحياة وشؤونها بالقدر الذي تتطلّبه معرفة أحكامها من تلك الأدلّة.

وبعبارة موجزة: يجب على المقلِّد أن يقلّد الأعلم من المجتهدين في هذه الحالة.

(6) وكيف يعرف الأعلم بالمعنى الذي فصّلناه؟

والجواب: أنّه يعرف بطرق، منها:

أوّلا: شهادة عدلين من المجتهدين الأكفّاء، أو الأفاضل القادرين على التقويم العلمي، وسيأتي معنى العادل في الفقرة (32) من هذا الباب.

ثانياً: الخبرة، والممارسة الشخصية من المقلِّد إذا كان له من الفضل والعلم ما يتيح له ذلك وإن لم يكن مجتهداً، وأخيراً بكلّ سبب يؤدّي إلى يقين المقلِّد وإيمانه بأنّ فلاناً أعلم ـ مهما كان السبب ـ فإنّ ذلك يحتّم عليه أن يقلّده دون سواه، ومن ذلك: الشياع بين أهل العلم والفضل، أو الشياع في صفوف الاُمّة إذا أدّى إلى يقين المقلِّد بأنّ من شاع أنّه أعلم هو الأعلم حقّاً.

ويجب على المقلِّد الفحص والبحث عن الأعلم في كلّ مظنّة وسبيل ممكن، وأيضاً يجب على المكلّف أن يحتاط في أعماله مدّة البحث والفحص(2).

(7) قد يتّفق ويصادف أن يكون الأعلم أكثر من واحد من بين المجتهدين، أي اثنين ـ مثلا ـ هما على مستوىً واحد مقدِرةً وفضلا، وقد اختلفا في الفتوى، فهل هناك مرجِّحات غير العلم والاجتهاد توجب تقديم أحدهما على الآخر في


(1) نحن نقصد بالأعلم من كان فاصل الفهم بينه وبين غيره كبيراً جدّاً.
(2) إن لم يكن يعلم بوجود الأعلم فيما بين الفقهاء تَخيَّر في التقليد فيما بينهم.
117

التقليد؟

الجواب: الواجب حينئذ في كلّ واقعة الأخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط(1). وبكلمة اُخرى: لا يتصرّف المكلّف تصرّفاً إلّا إذا اتّفقا على الترخيص فيه.

(8) إذا شكّ المكلّف وتردّد هل زيد أعلم من بكر ـ مثلا ـ أو بكر أعلم منه، أو هما في درجة واحدة؟

إذا حدث هذا ينظر: فإن كان المكلّف على يقين بأنّ أحدهما ـ ولنفرض مثلا أنّه زيد ـ كان من قبل أعلم بلا ريب ولكنّ بكراً جدّ ونشط في البحث أمداً غير قصير بعد العلم بأعلمية زيد حتى احتمل المكلّف أو ظنّ بأنّه قد وصل إلى درجة زيد في العلم أو تفوّق عليه، إن كان هذا فعلى المكلّف أن يقلّد زيداً لا بكراً، وإن لم يسبق العلم بأعلمية زيد وشكّ هل بكر في علمه بمنزلة زيد، أو أعلم منه منذ البداية، أو هو دونه؟ فالواجب في كلّ واقعة الأخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط(2).

(9) إذا قلّد الأعلم ثمّ وجد من هو أعلم منه يقيناً تحوّل من السابق إلى اللاحق، ومعنى هذا: أنّ التقليد يدور مع الأعلم كيفما دار وجوداً وعدماً.

وإذا قلّد الأعلم ثمّ حصل من يساويه جاز له أن يستمرّ على تقليده.

(10) من تخيّل ـ لسبب أو لآخر ـ أنّ فلاناً هو المجتهد الأعلم وبعد حين ظهر له العكس فعليه أن يستدرك ويعدل إلى المجتهد الأعلم، ويسمّى هذا المقلِّد بالمشتبه.

 


(1) بل يتخيّر.
(2) بل يتخيّر.
118

أمّا الفرائض والواجبات التي أدّاها حين الاشتباه من صلاة وصيام ونحوهما فليس عليه أن يقضيها ما دام المقلَّد السابق مجتهداً، وإن كان أقلّ علماً من غيره. وأمّا إذا ظهر له أنّ المقلَّد السابق لم يكن مجتهداً فعليه أن يقضي كلّ ماثبت لديه أنّه قد أدّاه باطلا في رأي مقلَّده الجديد، وسيأتي تأكيد ذلك وتفصيله في الفقرتين (18) و (19).

(11) لا يجوز التحوّل والتنقّل في التقليد من مرجع إلى مرجع مهما كانت الظروف والأسباب(1) إلّا بعد القطع واليقين بوجود المبرّر الشرعي، وهو: أن يفقد المرجع بعض الشروط الرئيسية، أو يوجد من هو أعلم منه، كما قلنا في الفقرة العاشرة.

(12) يستطيع المقلِّد أن يتعرّف على فتوى مقلَّده بإحدى الوسائل التالية:

أوّلا: أن يستمع منه مباشرةً.

ثانياً: أن ينقل الفتوى إليه شاهدان عادلان، وتسمّى شهادة العادلين بالبيّنة.

ثالثاً: أن يخبره بها شخص واحد عادل، أو شخص واحد يعرفه بصدق اللهجة والتحرّج عن الكذب حتّى لو لم يكن عادلا وملتزماً دينياً في كلّ سلوكه، ويسمّى بالثقة، وعلى هذا الأساس فنحن كلّما ذكرنا الثقة فهو يشمل العادل.

رابعاً: أن يجد الفتوى في كتاب أ لّفه المرجع أو أقرّه، كالرسالة العملية الصادرة منه.

(13) إذا جاءه ثقة بفتوى عن مقلَّده، وجاءه ثقة آخر بفتوى تتعارض مع الفتوى الاُولى فكيف يصنع المقلِّد ؟



(1) هذا فيما إذا أدّى ذلك إلى العلم الإجمالي ببطلان أحد العملين الإلزاميين، ومع ذلك يكون عدم التنقّل حكماً احتياطيّاً.

119

والجواب: أنّ الثقتين إذا كان يتحدّثان عن زمنين مختلفين وجب العمل بالفتوى المنقولة عن الزمن المتأخّر.

مثال ذلك: أن يخبر أحدهما عن فتوى سمعها قبل سنة، ويخبر الآخر عن فتوى سمعها قبل شهر، فيعمل على أساس الخبر الثاني.

وأمّا إذا كانا يتحدّثان عن زمن واحد فلا يمكن للمقلِّد أن يعتمد على أيّ واحد منهما، بل يحتاط إلى أن يتّضح له واقع الحال.

(14) إذا شكّ المقلِّد في أنّ فتوى المقلَّد تغيّرت واحتمل أنّه عدل عنها إلى فتوىً جديدة فيعمل على أساس أنّ الفتوى السابقة لا تزال باقية، ما لم يقم دليل شرعي على العكس.

والشيء نفسه نقوله كلّما شكّ في بقاء واحد من الشروط التي يجب توفّرها في المرجع، فإنّه يعمل على أساس أنّها باقية، ويظلّ على علاقته به ما لم يثبت العكس.

(15) قد تعرض لصلاة المكلّف المقلِّد عارضة وهو يؤدّيها ولا يعرف لها حكماً ودواءً فماذا يصنع، وهو لا يستطيع أن يسأل عن الحكم في أثناء الصلاة؟

الجواب: يسوغ له في هذا الفرض أن يثق بظنّه ويعمل به، حيث لا وسيلة سواه، شريطة أن يرجع إلى مقلَّده ويسأله عن حكم ماعرض له ويعمل بموجب قوله وفتواه، ولا يجوز له أن يهمل السؤال ويكتفي بظنّه هو واحتماله.

في حالات موت المرجع:

(16) إذا مات المرجع في التقليد فما هو تكليف من كان مقتدياً به ومقلِّداً له؟

والجواب: عن هذا السؤال يستدعي التفصيل الآتي:

120

1 ـ قد يكون الميّت المقلَّد أعلم من كلّ الأحياء الموجودين بالفعل، وفي هذا الفرض يستمرّ المكلّف على تقليد الميّت تماماً، كما لو كان المرجع حيّاً بلا أدنى فرق فيما عمل به من أقوال المرجع وفيما لم يعمل.

2 ـ وقد يكون الحي أعلم من الميّت، وعلى هذا يجب العدول إلى تقليد الحي في كلّ المسائل دون استثناء.

3 ـ وقد يوجد في الأحياء من هو مساو للميّت علماً واجتهاداً، وحينئذ ينظر: فإن كان الميّت أسبق في الأعلمية استمرّ المكلّف على تقليد الميت، وإن تبيّن أنّهما كانا على مستوىً واحد منذ البداية فالواجب في كلّ واقعة الأخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط(1).

ومن الضروريّ الإشارة إلى أنّه في الحالات التي يسوغ للمقلِّد أن يستمرّ على تقليد المرجع الميّت لا يحقّ له أن يستمرّ هكذا بصورة اعتباطية، وإنّما يسوغ له الاستمرار كذلك بعد أن يتعرّف على الأعلم من المجتهدين الأحياء ويرجع إليه في التقليد، فيسمح له بالاستمرار على العمل بفتاوى المرجع الميّت(2)، وإذا لم يصنع ذلك واستمرّ على تقليد الميت بصورة اعتباطية كان كمن يعمل بدون تقليد.

(17) إذا استمّر المكلّف على تقليد الميّت بفتوى الأعلم الحي، ثمّ مات هذا المفتي فعلى المكلّف أن يرجع ثانيةً إلى أعلم آخر من الأحياء في بقائه على تقليد


(1) بل يجوز له البقاء على تقليد الميّت.
(2) لو كان الميّت أعلم من أعلم الأحياء ولم يدرك المقلِّد بعقله وجوب البقاء على تقليد الميّت الأعلم ولا وجوب أخذ وظيفته من أعلم الأحياء ينحصر أمره لا محالة بالأخذ في كلّ مسألة بالأحوط مِن قولَي الميّت الأعلم من الأحياء وأعلم الأحياء.
121

الميت(1).

في حالات العدول:

(18) إذا عدل المقلِّد ـ بمبرّر شرعيّ ـ من مرجع إلى آخر فكيف يصنع بما أدّاه من صلاة وصيام ونحوهما في الفترة السابقة؟

ومثال ذلك: مَن يموت مرجعه فيعدل إلى تقليد المجتهد الحيّ الأعلم(2)، أو من يقلّد الأعلم ثم يصبح غيره أعلم منه في حياته فيعدل إليه؛ وكلّ من التقليدين في حينه صحيح.

والجواب: أنّه لا يجب عليه أن يقضي تلك الواجبات التي أدّاها وانتهى وقتها، حتّى ولو كانت باطلةً في رأي مقلَّده الجديد.

وأمّا إذا صلّى صلاة الظهر ـ مثلا ـ على رأي مقلَّده الأول، ثمّ عدل إلى المقلَّد الجديد بمبرّر شرعي قبل أن تغرب الشمس وجب عليه أن يقوّم صلاته على أساس فتاوى المرجع الجديد(3).

فإن كانت صلاته متّفقةً مع فتاواه فهي صحيحة ولا تجب إعادتها، وإن كانت صلاته مختلفةً مع فتاواه فالاختلاف على قسمين:

أحدهما: الاختلاف في نقطة يُعذر فيها الجاهل فلا تجب إعادة الصلاة؛ لأنّه كان جاهلا. ومثالها: أن يكون قد قرأ التسبيحات في الركعة الثالثة مرّةً


(1) هنا أيضاً قد تتكرّر المشكلة التي أثرناها في البند السابق، والعلاج نفس العلاج من الأخذ بالاحتياط، إلّا أنّه هنا يكون احتياطه بالأخذ بالأحوط من قولي أعلم الأحياء وأعلم الميّتين والذي هو في نفس الوقت أعلم من أعلم الأحياء.
(2) عرفت تعليقنا على ذلك.
(3) هنا أيضاً نقول بإجزاء عمله السابق.
122

واحدةً والمرجع الجديد يرى وجوبها ثلاث مرّات.

والآخر: الاختلاف في نقطة لا يُعذر فيها الجاهل فتجب الإعادة. ومثالها: أن يكون قد توضّأ للصلاة بماء الورد وفقاً لرأي مقلَّده السابق، والمرجع الجديد يرى بطلان هذا الوضوء.

(19) إذا قلّد المكلّف شخصاً وعمل على رأيه فترةً من الزمن، ثم اتّضح أنّ تقليده لم يكن صحيحاً، كما إذا ظهر له أنّ ذلك الشخص لم يكن مجتهداً، فعدل عنه إلى المجتهد فماذا يصنع بما أدّاه من فرائض على رأي مقلَّده السابق ؟

والجواب: أنّ الفريضة التي لا يزال وقتها باقياً يجب عليه إعادتها، إلّا في حالتين:

الاُولى: أن يعلم بأنّها متّفقة مع رأي مقلَّده الجديد.

الثانية: أن تكون مختلفةً في نقطة يُعذر فيها الجاهل.

وأمّا الفريضة التي مضى وقتها فيجب قضاؤها، إلّا في ثلاث حالات:

الاُولى: أن يعلم بأنّها متّفقة مع رأي مقلَّده الجديد.

الثانية: أن يشكّ هل هي متّفقة مع رأي المقلَّد الجديد، أو لا؛ نظراً لأنّه لا يتذكّر طريقة أدائه لها ؟

الثالثة: أن يعلم بأنّها مختلفة مع رأي المقلَّد الجديد، ولكن في نقطة يُعذر فيها الجاهل.

(20) الوكيل والوصي ينفّذان أمر الأصيل وفقاً لتقليده هو، وليس لتقليدهما(1)؛ لقرينة المناسبة والاعتبار، ولدلالة ظاهر الحال على أنّ الأصيل



(1) هذا يتمّ فيما لو كان هناك انصراف للتوكيل أو الوصيّة إلى إرادة العمل وفقاً لتقليد الموكِّل أو الموصِي.

123

لو باشر العمل بنفسه لأتى به على موجب تقليده، وليس على مقتضى تقليد الآخرين.

وأمّا الأصيل نفسه فهو إنّما يتصرّف وفقاً لتقليده، ويعتبر رأي مقلَّده هو المقياس، لا في عمله فحسب، بل في عمل الآخرين أيضاً بقدر ما يتّصل به.

ومثال ذلك: أن يقوم خالد بمعاملة خاصّة فيبيع ديناراً نقداً بدينار ونصف مؤجلا اعتماداً على رأي مقلَّده الذي يقول بجواز ذلك، وزيد مقلِّد لمن يرى بطلان هذه المعاملة، ففي هذه الحالة يجب على زيد أن يتّبع رأي مقلَّده، فيعتبر المعاملة التي قام بها خالد باطلةً، والمال الذي انتقل إلى خالد بسببها غير جائز، ولا يسمح لنفسه بأن يشتري منه ذلك المال.

وقد يرتبط زيد وخالد في معاملة واحدة كعقد بيع مثلا، وعقد البيع يشتمل على بيع ـ أي إيجاب ـ من قبل البائع وشراء ـ أي قبول ـ من قبل المشتري، ففي هذه الحالة لا يجوز لكلٍّ منهما أن يعتبر المعاملة صحيحةً إلّا إذا كانت متّفقةً مع رأي مقلَّده.

ويستثنى من ذلك الحالات التي يُعذر فيها الجاهل، ويقع العمل منه صحيحاً، كما إذا كان خالد مقلِّداً لمن يرى أنّ التسبيحات إنّما تجب في الركعة الثالثة والرابعة مرّةً واحدةً، وزيد مقلِّد لمن يرى أنّها تجب ثلاث مرّات، فيقتدي زيد بخالد الذي يأتي بها مرّةً واحدة، ويصحّ هذا الاقتداء؛ لأنّ التسبيحات يُعذَر الجاهل في تركها أو ترك شيء منها، فتكون صلاة خالد على هذا الأساس صحيحةً لدى زيد(1).



(1) طبعاً لا يشمل مقصوده(رحمه الله) فرض خطأ الإمام في القراءة التي يتحمّلها عن المأموم، فهنا رغم إيمان المأموم بصحّة قراءة الإمام لنفس الإمام لا يجزي اقتداؤه به.

124

الاجتهاد

 

(21) الاجتهاد واجب كفائي على المسلمين، ومعنى ذلك: أنّه إذا قام به البعض وبلغوا درجة الاجتهاد سقط الوجوب عن الآخرين، وإذا أهمل المسلمون جميعاً هذا الواجب فلم يتوفّر مجتهد كان الجميع آثمين.

والعدد الواجب توفّره من المجتهدين ليس محدّداً شرعاً، بل يتحدّد وفقاً للحاجة.

(22) والاجتهاد على قسمين:

أحدهما كامل، ويسمّى ذو الاجتهاد الكامل بالمجتهد المطلق، وهو القدير على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرّر في مختلف أبواب الفقه.

والآخر ناقص، ويسمّى ذو الاجتهاد الناقص بالمتجزّئ، وهو الذي اجتهد في بعض المسائل الشرعية دون بعض، فكان قديراً على استخراج الحكم الشرعي في نطاق محدود من المسائل فقط.

وكلّ من المجتهد المطلق والمجتهد المتجزّئ يجوز له أن يعمل على وفق اجتهاده في حدود قدرته على استخراج الحكم من دليله، ويجوز لكلٍّ منهما أن يعبّر عن رأيه وفتواه، ولكنّهما يختلفان في آثار اُخرى، كما يأتي في الفقرة التالية.

(23) المجتهد المطلق إذا توافرت فيه سائر الشروط الشرعية في مرجع التقليد المتقدّمة في الفقرة (4) جاز للمكلف أن يقلّده كما تقدم، وكانت له الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين، شريطة أن يكون كُفؤاً لذلك من الناحية الدينية والواقعية معاً.

125

وللمجتهد المطلق أيضاً ولاية القضاء، ويسمّى على هذا الأساس بالحاكم الشرعي. وسيأتي الحديث عن الولاية العامة والقضاء وأحكامه في القسم الرابع من « الفتاوى الواضحة » إن شاء الله تعالى.

وأمّا المجتهد المتجزّئ فليست له الولاية الشرعية العامة، ولا ولاية القضاء(1)، ولا يجوز للمكلف أن يقلّده حتى في ما اجتهد فيه من مسائل، إلّا إذا أصبح فيها أعلم من المجتهد المطلق(2).

ويدخل ضمن ولاية المجتهد رعاية شؤون القاصرين من أيتام ومجانين إذا لم يكن لهم ولي خاصّ، وكذلك رعاية شؤون الأوقاف العامة التي ليس لها متولٍّ خاصّ بنصّ الواقف. ورعاية المجتهد لهذه الشؤون قد يكون بالمباشرة، وقد يكون بتعيين آخرين.

وإذا عيّن المجتهد شخصاً لرعاية شيء من ذلك ومات هذا المجتهد فهل يسوغ لذلك الشخص أن يواصل رعايته اعتماداً على ذلك التعيين؟

والجواب: أنّ المجتهد الذي مات: إن كان قد عيّن ذلك الشخص كوكيل عنه في الرعاية فبموت ذلك المجتهد ينتهي دور الشخص الوكيل، ويجب عليه أن يرجع إلى مجتهد حيّ.

وإن كان المجتهد الذي مات قد منحه ولايةً بأن قال له مثلا: جعلتك وليّاً على مال هذا اليتيم فتبقى هذه الولاية نافذة المفعول حتّى بعد موت ذلك


(1) وهذا لا ينافي جواز منح المجتهد المطلق منصب القضاء له، كما يجوز له أيضاً منحه لغير المجتهد الذي يلتزم في قضائه برأي المجتهد طبعاً.
(2) بل مع التساوي أيضاً يجوز تقليده، ولكنّ فرض التساوي مشكلٌ فضلاً عن فرض الأعلميّة.
126

المجتهد(1).

وإذا أمر الحاكم الشرعي بشيء تقديراً منه للمصلحة العامّة وجب اتّباعه على جميع المسلمين، ولا يعذر في مخالفته، حتّى من يرى أنّ تلك المصلحة لا أهميّة لها.

ومثال ذلك: أنّ الشريعة حرّمت الاحتكار في بعض السلع الضرورية، وتركت للحاكم الشرعي أن يمنع عنه في سائر السلع، ويأمر بأثمان محدّدة تبعاً لما يقدّره من المصلحة العامّة، فإذا استعمل الحاكم الشرعي صلاحيته هذه وجبت إطاعته.

(24) من ليس مجتهداً يحرم عليه الإفتاء، ومن كان مجتهداً ولكنّه لم تتوفّرفيه سائر الشروط الشرعية للمرجع لا يحرم عليه الإفتاء، بمعنى الإخبار عن رأيه وما أدّى إليه اجتهاده، ولكن يحرم عليه أن ينصب نفسه علماً ومرجعاً للإفتاء للآخرين.

(25) من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه أن يقضي بين الناس، وتحرم المحاكمة والمرافعة لديه والشهادة عنده، وكلّ مال يحكم به فهو حرام محرّم حتى على صاحب الحقّ.

أجل، إذا انحصر استيفاء الحقّ واستنقاذه بالترافع عند من ليس أهلا جاز ذلك، فإن حكم بالحقّ وكان المحكوم به عيناً أخذها صاحبها، وإن كان مالا في الذمّة استأذن الحاكم الشرعي في أخذه(2).

 


(1) هذا غير صحيح؛ لأنّ ولاية الفقيه تنتهي بموته، بمعنى أنّ ولايته منذ البدء كانت بلحاظ مدّة حياته، لا بلحاظ ما هو أوسع من ذلك، فبانتهائها تنتهي ولاية من نصبه.
(2) بل يجوز له أخذه بعنوان التقاصّ.
127

(26) المجتهد الذي توافرت فيه الشروط الشرعية بكاملها إذا قضى في خصومة بين شخصين لأحدهما على الآخر ولم يألُ جهداً في تطبيق موازين القضاء لم يجز لأيّ مجتهد آخر أن ينقض ذلك الحكم بإصدار حكم على خلافه، حتّى ولو كان على يقين بأنّ من قضى المجتهد الأول لصالحه ليس هو صاحب الحقّ.

(27) وإذا قضى هذا المجتهد بأنّ الدار التي يدّعيها زيد له ـ مثلا ـ دون بكر، وهناك من يعلم بأنّ الدار لبكر لا لزيد فهل يعمل هذا العالم في سلوكه وتعامله الشخصي على أساس ما صدر من قضاء ؟ أو على أساس علمه ـ مثلا ـ إذا أراد أن يستأجر تلك الدار، فهل يتّصل بزيد أو ببكر ؟

والجواب: أنّه يعمل على أساس علمه(1)، وأمّا غير من يعلم يقيناً بأنّ الدار ليست لزيد فيجب عليه أن يسلك عملياً وفقاً لحكم المجتهد، ولا يجوز له أن يخالفه.



(1) بل تحرم عليه مخالفة حكم القاضي، كما تحرم عليه مخالفة علمه أيضاً، ففي هذا المثال المذكور في المتن لا يتصرّف في الدار إلّا بمراضاة بكر وزيد معاً.

128

الاحتياط

 

(28) الاحتياط هو الطريق الثالث لطاعة الله تعالى، وقد تقدم تعريفه، وهو على قسمين؛ لأنّه: تارةً يستدعي التكرار، واُخرى لا يستدعيه.

ومثال الأول: أن يجهل المكلّف في بعض الحالات أنّ الواجب عليه صلاة القصر ـ وهي صلاة الظهر مثلا تؤدّى ركعتين ـ أو صلاة التمام، وهي صلاة الظهر ـ مثلا ـ تؤدّى أربع ركعات، فإذا أراد أن يحتاط تحتّم عليه أن يعيد الصلاة مرّتين: قصراً تارةً، وتماماً اُخرى.

ومثال الثاني: أن يجهل المكلّف حكم الإقامة للصلاة، فلا يدري هل هي واجبة أو مستحبّة؟ فإذا أراد أن يحتاط أقام وصلّى، وليس في ذلك تكرار.

وكلا القسمين جائز، سواء كان المكلّف متمكّناً من التعرّف على الحكم الشرعي وتحديده بالضبط عن طريق الاجتهاد أو التقليد، أو لا.

(29) ولكنّ هذا لا يعني أنّ المكلّف الاعتياديّ يمكنه أن يستغني بالاحتياط عن التقليد؛ وذلك لأنّ معرفة الاُسلوب الذي يحصل به الاحتياط تحتاج إلى اطّلاع وانتباه فقهيّين واسعين، فلابدّ للمحتاط أن يحيط علماً بكلّ الأشياء التي من المحتمل وجوبها لكي يأتي بها، وبكلّ الأشياء التي من المحتمل حرمتها لكي يتركها، وقد يكون شيء واحد يحقّق الاحتياط في حالة دون اُخرى.

ومثال ذلك: أنّ إنشاء حياة زوجية بعقد نكاح يتمّ بلغة غير عربية مخالف للاحتياط؛ لأنّ هناك من يقول بأنّ اللغة العربية شرط في عقد النكاح، ولكن إذا

129

وقع العقد على هذا النحو فنفي الزوجية وما تستدعيه من تكاليف مخالف للاحتياط أيضاً، لأنّ هناك من يقول بصحة هذا العقد.

(30) وإضافةً إلى ذلك قد يتعذّر الاحتياط أحياناً بصورة نهائية، وذلك فيما إذا كان الإنسان يخشى من تورّطه في مخالفة حكم الله تعالى على أيّ حال، ولا يمكنه التأكّد من طاعته إلّا إذا تعرّف على الحكم بصورة محدّدة.

ومثال ذلك: أن ينذر شخص نذراً وينهاه والده عنه؛ فهو يحتمل أنّ الوفاء بالنذر واجب لأنّه نذر؛ ويحتمل أنّه حرام رعايةً لنهي الوالد، ولا يمكنه أن يحتاط والحالة هذه، فيتعيّن عليه الاجتهاد، أو التقليد للتعرّف على الحكم الشرعي بصورة محدّدة.

(31) وكثيراً ما تواجه الإنسان حالات لا يمكنه فيها أن يطمئنّ إلى أنّ تصرّفه تجاهها مرضي شرعاً ما لم يتعلّم مسبقاً أحكامها، إذ لا يتاح له الاحتياط في تلك اللحظة بدون تعلّم مسبق، ومن ذلك: حالات الشكّ في عدد الركعات، أو بعض أجزاء الصلاة، ولهذا يجب على المكلّف أن يتعلّم ويعرف حكم ما قد يعرض له من شكٍّ في ذلك، وأيضاً عليه أن يتعلّم حكم مايزيده في عباداته أو يتركه منها سهواً أو نسياناً.

وعلى العموم يجب على كلّ مكلّف ـ رجلا أو امرأةً ـ أن يكون على بصيرة من دينه، ومعرفة بالأحكام التي من الممكن أن يتعرّض لها ولا يمكن أن يعطيها حقّها إلّا بتعلمها.

ولا عذر للمكلف في ترك الفرائض والواجبات جهلا بما يجب عليه منها، ولا عذر له في الإتيان بها بصورة غير صحيحة جهلا منه بخصائصها وأجزائها وشروطها، بل يتحتّم عليه أن يتعلّم ذلك، حتّى إذا صلّى أو صام ـ مثلا ـ علم أنّه

130

أدّى لله ما عليه من هذه العبادة الواجبة على النهج المطلوب؛ لأنّه متفقِّه بقدر ما يعلم بصحّتها والاكتفاء بها، والخروج عن عهدة أمرها ووجوبها.

العدالة:

(32) تقدّم في الفقرة (4): أنّ العدالة شرط في مرجع التقليد، كما أنّها شرط في مواضع عديدة شرعاً، ولهذا نشير إليها فيما يلي:

العدالة: عبارة عن الاستقامة على شرع الإسلام وطريقته، قال تعالى: ﴿فاسْتَقِمْ كَمَا اُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ...﴾(1). وقال:﴿وَأنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلى الطّرِيقَةِ...﴾(2). شريطة أن تكون هذه الاستقامة طبيعةً ثابتةً للعادل تماماً، كالعادة. ولا فرق من هذه الجهة بين ترك الذنب الكبير والذنب الصغير، ولا بين فعل الواجب المتعب وغيره ما دام الإذعان والاستسلام ركناً من أركان السمع والطاعة لأمر الله ونهيه، أيّاً كان لونهما ووزنهما.

أمّا من استثقل شرع الله وأحكامه فهو من الذين أشارت إليهم الآية الكريمة ﴿وَإنّهَا لَكَبِيرَةٌ إلّا على الخَاشِعِينَ﴾(3).

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أنّ العدالة شرط أساسي في مواقع شرعية متعدّدة، فالمرجعية العليا للتقليد، والولاية العامة على المسلمين، والقضاء، وإمامة صلاة الجماعة، وإقامة الشهادة التي يأخذ بها القاضي، والشهادة على الطلاق، كلّ هذه المسؤوليات يشترط فيها عدالة الإنسان الذي يتحمّلها، والعدالة


(1) هود: 112.
(2) الجنّ: 16.
(3) البقرة: 45.
131

في الجميع بمعنى الاستقامة على الشرع كما تقدم، وهذه الاستقامة تستند إلى طبيعة ثابتة في الإنسان المستقيم، وكلّما كانت المسؤولية أكبر وأوسع وأجلّ خطراً كانت العدالة في من يتحمّلها بحاجة إلى رسوخ أشدّ وأكمل في طبيعة الاستقامة لكي يُعصم بها من المزالق، ومن أجل ذلك صحّ القول: بأنّ المرجعية تتوقّف على درجة عالية من العدالة، ورسوخ أكيد في الاستقامة والإخلاص لله سبحانه وتعالى.

(33) طرق معرفة العدالة: تُعرَف العدالة:

أوّلا: بالحسّ والممارسة.

ثانياً: بشهادة عادلين بها.

ثالثاً: بشهادة الثقة(1). مرّ تفسير الثقة في الفقرة (12).

رابعاً: بحسن الظاهر والسيرة الحسنة بين الناس، بمعنى: أن يكون معروفاً عندهم بالاستقامة والصلاح والتديّن، فإنّ ذلك دليل على العدالة ولو لم يحصل الوثوق والاطمئنان بسبب ذلك.

(34) إذا مارس العادل في لحظة ضعف أو هوىً ذنباً زالت عنه العدالة، فإذا ندم وتاب فهو عادل ما دام طبع الطاعة والانقياد ثابتاً في نفسه.



(1) ثبوت العدالة بجميع ما لها من الأحكام بخبر الواحد الثقة دون حاجة إلى شهادة عدلَين مشكلٌ.

133

أبْحَاث تَمهيديّة

4

التكليف وَشُروطه

 

 

○  شروط التكليف.

○  آثار عامّة للتكليف الشرعي.

○  تقسيم الأحكام.