273

أو ثوبها فهي كبرى، وحكمها أن تبدّل الخرقة والقطنة، أو تطهّرهما وتطهّر المكان، وأن تغتسل ثلاثة أغسال: واحد لصلاة الفجر، وآخر تجمع به بين الظهرين (الظهر والعصر)، وثالث تجمع به بين العشائين (المغرب والعشاء) وغسل الاستحاضة الكبرى يغنيها عن الوضوء.

(90) وفي سائر الأحوال يجب أن تعجّل وتبادر إلى الصلاة بعد قيامها وتأديتها لما وجب عليها من غسل ووضوء(1)، ومع ذلك يسوغ لها أن تأتي بالمستحبات قبل الصلاة، كالأذان والإقامة، وفي أثنائها أيضاً كالقنوت.

فإذا تماهلت وتسامحت فلم تبادر إلى الصلاة على الوجه الذي قرّرناه وجب عليها أن تعيد عملية الطهارة من جديد، وتبادر إلى الصلاة عقيبها، ولا يكفيها أن تصلّي بدون إعادة لعملية الطهارة.

(91) وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليومية جاز لها أن تصلّي أيّ صلاة اُخرى على أن تتوضّأ لكلّ صلاة، ولا حاجة بها إلى إعادة الغسل حتّى ولو كانت ذات استحاضة كبرى.

أحكام عامة لدم الاستحاضة:

(92)إذا انقطع دم الاستحاضة وأصبحت المرأة نقيةً منه ونظيفة، ولكن كان ذلك قبل أن تؤدّي وتقوم بعملية الطهارة الواجبة عليها من غسل ووضوء فهل تستغني عن هذه العملية؟ وماذا تصنع؟

 


(1) يُستثنى من ذلك غسل المستحاضة المتوسطة فيجوز الفصل بينه وبين الصلاة، ولو فصلت بينهما يجب تأخير الوضوء عن الغسل؛ لأنّه لا يجوز لها الفصل بين الوضوء والصلاة.
274

الجواب: يجب عليها أن تقوم بعملية الطهارة التي كانت واجبةً عليها وتصلّي، بل لو انقطع الدم أثناء عملية الطهارة، أو أثناء الصلاة، أو بعدها وفي الوقت متّسع للطهارة والصلاة وجب عليها في كلّ هذه الحالات والفروض أن تستأنف وتعيد الطهارة والصلاة.

(93) إذا سمحت الفرصة بجزء من وقت الصلاة يتّسع لها وللطهارة ـ بمعنى أن الدم كان ينقطع عنها في ذلك الجزء من الوقت ـ فعليها أن تتأخّر وتنتظر إلى أن تحين الفرصة فتنتهزها على الفور، وإذا تقدمت في صلاتها على الوقت المتاح بطلت، حتى ولو كانت مع الغسل والوضوء، وإذا أضاعت الفرصة وأخّرت الصلاة عمداً فهي آثمة، ولا بأس عليها مع النسيان، ويجب عليها حينئذ أن تؤدّي عملية الطهارة المقرّرة لها وتصلّي.

وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة فصلّت وفقاً لحالتها كمستحاضة، ثمّ انقطع الدم لا على وجه النقاء والخلاص من الاستحاضة الحالية، بل انقطع لأمد معيّن يتّسع للطهارة والصلاة وجب عليها أن تقوم من جديد بعملية الطهارة التي كانت واجبةً عليها وتصلّي.

(94) المستحاضة بشتّى أقسامها إذا تركت سهواً أو عمداً عملية الاختبار بالقطنة على الوجه المتقدّم ثمّ أدّت أيّة عبادة فلا يجوز لها الاكتفاء بما فعلت؛ إلّا إذا علمت وأيقنت أنّ ماأدّته وقامت به كان وافياً بالمطلوب منها والواجب عليها شرعاً.

(95) إذا انقطع دم الاستحاضة وانتهت المرأة منه وأدّت عملية الطهارة ـ التي كانت واجبةً عليها كمستحاضة ـ فلها أن تبادر فوراً إلى الصلاة، ولها أن تؤجّلها إلى آخر الوقت، وتعود إلى حكمها الاعتياديّ في التطهير والصلاة كما

275

كانت قبل الاستحاضة.

(96) إذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أشدّ منه ـ لتزايد الدم ـ وجب عليها أن تؤدّي منذ ذلك الحين عملية الطهارة وفقاً لاستحاضتهاالحالية.

ومثال ذلك: امرأة استحاضتها وسطى وقد اغتسلت قبل صلاة الصبح، ثمّ عند الغروب وجدت استحاضتها كبرى فيجب عليها أن تغتسل لصلاتي المغرب والعشاء.

(97) وإذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أدنى منه وجب عليها أن تؤدّي لأول مرّة عملية الطهارة وفقاً لحالتها السابقة، ثمّ تعمل على أساس استحاضتها الحالية.

ومثال ذلك: مستحاضة باستحاضة كبرى وأثبت الاختبار أنّ استحاضتها صارت صغرى عند الظهر ـ مثلا ـ فيجب عليها أن تغتسل(1) وتصلّي الظهر والعصر، ولا حاجة بها بعد ذلك للغسل لصلاتي المغرب والعشاء، بل تكتفي بالوضوء لكلّ صلاة.

(98) يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تدخل المساجد وتمكث فيها، وتقرأ سور العزائم وآيات السجدة منها، سواء أدّت ما يجب عليها من عملية الطهارة لصلواتها اليومية، أم لا.



(1) وكذلك المستحاضة الوسطى لو انتقلت بعد صلاة الصبح ـ مثلاً ـ إلى الصغرى وجب عليها الغسل لليوم الآتي بلا إشكال، والأحوط تقديم الغسل على صلاة الظهر لنفس اليوم الحاضر، بل لإعادة صلاة الصبح لو كان الوقت يسمح بذلك.

276

وطلاق المستحاضة حتّى الكبرى جائز وصحيح، على العكس من الحائض. ولا يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تمسّ كتابة المصحف الشريف بدون أن تؤدّي عملية الطهارة المناسبة لها، وإذا أدّت عملية الطهارة المناسبة لها على وجه يسوغ لها فعلا أن تصلّي بتلك الطهارة جاز لها أن تمسّ الكتابة(1).

أحكام للوسطى والكبرى:

(99) إذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى قبل الفجر أو بعد الفجر ولم تغتسل لصلاة الصبح بأن كانت نائمةً ـ مثلا ـ وجب عليها أن تغتسل لصلاة الظهرين، وهكذا...

وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي الظهر والعصر، ولا تعيد الغسل لصلاتي المغرب والعشاء. وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً كذلك بعد صلاتي الظهر والعصر وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي المغرب والعشاء.

وإذا استمرّت الاستحاضة الوسطى إلى اليوم الثاني وجب الغسل قبل صلاة الصبح من اليوم الثاني(2)، سواء كانت في اليوم الأول قد اغتسلت صباحاً أو ظهراً أو مغرباً.

 


(1) بل الأحوط وجوباً تركه.
(2) بل وحتّى لو نقت بعد انتهاء وقت صلاة العشاء وقبل الصباح بناءً على أنّ وقت صلاة العشاء ينتهي قبل ذلك، أمّا لو نقت قبل ذلك فالواجب عليها الغسل وإعادة الصلاة.
277

(100) يجب على المستحاضة حين الصلاة أن تتحفّظ بخرقة ونحوها، وتحرص كلّ الحرص على حبس الدم وعدم تجاوزه إلى الخارج إن أمكن بلا ضرر، وإذا أهملت تهاوناً وتجاوز الدم حين الصلاة فعليها أن تعيدها مع الحرص المطلوب، ولا يجب تجديد الغسل(1).

(101) إذا اغتسلت المستحاضة الكبرى لصلاة الظهرين، ولكنّها فرّقت ولم تجمع بينهما لعذر أو غير عذر فعليها أن تغتسل مرّةً ثانيةً لصلاة العصر، وكذلك الحكم في العشائين: صلاة المغرب وصلاة العشاء.

(102) إذا فعلت المستحاضة الكبرى أو الوسطى ما يجب عليها من غسل جاز لزوجها أن يقاربها، ولا يقاربها بدون ذلك(2).

وأمّا المستحاضة الصغرى فيجوز لزوجها مقاربتها على كلّ حال.

(103) يصحّ الصوم من المستحاضة الصغرى والوسطى، سواء تطهّرت بوضوء أو بغسل أم لا. وأمّا المستحاضة بالاستحاضة الكبرى فلا يصحّ الصوم منها ما لم تكن مؤدّيةً في النهار الذي تصوم فيه لغسل(3) صلاة الصبح وغسل الظهر والعصر، بل لكي تكون على يقين من صحة صومها يجب أن تكون قد اغتسلت للمغرب والعشاء من الليلة التي تريد أن تصوم في نهارها، فلا يقين بصحة صوم السبت ـ مثلا ـ إلّا إذا اغتسلت لصلاتي المغرب والعشاء من ليلة السبت،


(1) الأحوط وجوباً فيما إذا خرج الدم عن تهاون تجديد الغسل في الكثيرة وتجديد الوضوء في المتوسطة، بل لا معنى لوجوب التحفّظ إلّا هذا فإنّ الوجوب النفسي غير محتمل.
(2) على الأحوط وجوباً.
(3) صوم المستحاضة غير مشروط بالغسل.
278

واغتسلت لصلاة الصبح من نهار السبت، واغتسلت لصلاتي الظهر والعصر منه. وأمّا كيفية غسل المستحاضة الوسطى وغسل المستحاضة الكبرى فقد تقدّمت في الأحكام العامّة للغسل.

279

في النفاس وأحكامه

 

(104) النفاس بكسر النون، وهو لغةً ولادة المرأة، فمتى ولدت قيل: هي نفساء، ووليدها منفوس. ودم النفاس في عرف الفقهاء: هو الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة، فإن ولدت ولم ترَ الدم إطلاقاً، أو رأته بسبب مرض، أو بسبب غير الولادة فلا نفاس حتّى ولو خرج من الرحم بالذات.

والنفساء لها أحكام تشابه أحكام الحائض، وتترك العبادات، وعليها غسل عند نقائها يسمّى بغسل النفاس، وسيأتي التفصيل.

(105) يتحقّق النفاس بالسقط تماماً كما يتحقّق بالولادة، فإذا أسقطت المرأة حملها، ورأت الدم بسببه أجرت عليه أحكام دم النفاس.

(106) لا حدّ لأقلّ النفاس، فيتحقّق بالقطرة، وإذا قضت عشرة أيام من تاريخ الولادة ولم ترَ فيهنّ دماً فلا نفاس حتّى ولو رأت بعد العشرة دماً كثيراً وغزيراً.

أمّا أكثر النفاس فعشرة أيام ابتداءً من رؤية الدم، لا من تاريخ الولادة، وعلى هذا فإذا لم ترَ الدم ـ مثلا ـ إلّا في اليوم السابع من ولادتها كان هذا اليوم السابع هو اليوم الأول(1) من الأيام العشرة التي هي الحدّ الأقصى للنفاس، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تاريخ الولادة.

(107) إذا رأت الدم بعد الولادة بلا فاصل، ثمّ انقطع يوماً أو أكثر، وقبل


(1) مع فرض الاحتفاظ باستناده إلى الولادة.
280

انتهاء اليوم العاشر رأت دماً كان الدمان وما بينهما نفاساً واحداً(1).

(108) إذا ولدت توأمين، وبين الولادتين فاصل قصير أو طويل، وكانت قد رأت الدم عند ولادة الأول، ثمّ انقطع، ورأته بعد ذلك عند ولادة الثاني فهل الزمن المتخلّل بين الدمين يعدّ طهراً، أم نفاساً ؟

الجواب: يعدّ هذا الزمن طهراً لا نفاساً حتّى ولو كان بمقدار لحظة، ويكون للمرأة عندئذ نفاسان، لكلّ ولد نفاس مستقلّ عن الآخر.

(109) الدم الذي تراه المرأة حين الطلق وقبل الولادة ليس بنفاس سواء اتّصل بدم الولادة أم انفصل عنه، وأيضاً ما هو بحيض، إلّا مع العلم بأنّه حيض، وإنمّا هو استحاضة. وأمّا ما تراه الحامل من دم قبل الطلق فيطبق عليه حكم دم الحامل المتقدّم في أحكام الحيض في الفقرة (69) من هذا الفصل.

(110) وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يشترط أن يفصل بين دم الحيض الذي تراه المرأة قبل الولادة ودم النفاس عشرة أيام؛ لأنّ هذه العشرة شرط للطهر بين حيضتين؛ لا بين حيض ونفاس.

(111) متى انقطع الدم عن النفساء ونقت اغتسلت وانتهى بذلك نفاسها؛ حتّى ولو كان انقطاعه بعد فترة قصيرة من وقت الولادة، كيوم أو أقلّ من ذلك؛ لما تقدّم في الفقرة (106) من أنّه لا حدّ لأقلّ النفاس.

(112) النفساء إذا كانت ذات عادة عددية أقلّ من عشرة أيام واستمرّ بها دم النفاس وتجاوز عن عدد أيام عادتها: فإن كانت على يقين بأنّه سيستمرّ حتى



(1) كأنّ المقصود: أنّ الدم الثاني مهما كان محكوماً بالنفاس فالدمان وما بينهما نفاس واحد، وليس المقصود كون الدم الثاني محكوماً بالنفاس حتماً، فمثلاً قد يكون الدم الثاني من بعد تجاوز مقدار عادتها فلا يكون محكوماً بالنفاس.

281

يتجاوز عشرة أيام من ابتداء رؤية الدم أنهت نفاسها واغتسلت؛ وجعلت نفسها مستحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوز العشرة أضافت إلى نفاسها يومين أو أكثر ـ حسب اختيارها ـ على أن لا يزيد المجموع على عشرة، واعتبرت نفسها بعد ذلك مستحاضة.

(113) النفساء إذا لم تكن ذات عادة عددية واستمرّ بها الدم واصلت نفاسها، واستمرّت في ترك العبادة ما لم يتجاوز عشرة أيام، فإذا انقطع دون أن يتجاوز العشرة كان ذلك نفاسها، ومثلها أيضاً ذات العادة العددية إذا كان عدد عادتها عشرة أيام.

(114) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز عشرة أيام: فإن كانت ذات عادة عددية جعلت أيام عادتها نفاساً والباقي استحاضة، وهذا يعني أن تقضي ما تركته بعد أيام عادتها من عبادة. وإذا لم تكن ذات عادة عددية جعلت الأيام العشرة كلّها نفاساً وما بعدها استحاضة.

(115) إذا كانت النفساء ذات عادة عددية ولكنّها نستها ولم تتذكّرها فماذا تصنع قبل أن يتجاوز دمها عشرة أيام ؟ وماذا تصنع إذا تجاوز ؟

والجواب: أنّها تفترض أكبر الاحتمالات في عادتها، فإذا كانت لا تدري هل أنّها خمسة أو ستّة ؟ اعتبرتها ستّة، وطبّقت على نفسها حكم ذات العادة العددية التي كانت عادتها ستة أيام، على النحو المتقدّم في الفقرة (112) و (114).

(116) النفساء كالحائض يجب عليها كلّما احتملت انقطاع دم النفاس أن تختبر حالها وتفحص بقطنة، كما تقدم في أحكام الحيض.

(117) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز العشرة وبقي مستمرّاً مدّةً طويلة وأخذت تعمل عمل المستحاضة فكيف تستطيع أنّ تعرف أن عادتها الشهرية قد

282

جاءتها بعد نفاسها؟ ومتى تجعل الدم حيضاً؟

والجواب: أنّ هذه المرأة إذا كانت ذات عادة وقتية تظلّ على الاستحاضة إلّا في حالتين:

الاُولى: أن ترى الدم في أيام عادتها، فتعتبره حيضاً ولو لم يكن بصفة الحيض.

الثانية: أن تراه بصفة الحيض في غير أيام العادة متميّزاً بلونه وشدّته عمّا سبقه من دم، فتجمع بين تروك الحائض وواجبات المستحاضة(1).

وإذا لم تكن ذات عادة وقتية: فإن تميّز بعض الدم بصفة الحيض وكان واجداً لشروطه العامة(2) اعتبرته حيضاً، وإن كان كلّه فاقداً لصفة الحيض ظلّت على استحاضتها. وإن كان كلّه واجداً لصفة الحيض أصبح حكمها حكم المضطربة، وقد تقدم في أحكام الحيض، وهو: أن تجعل حيضها في كلّ شهر ستّة أو سبعة أيام حسب اختيارها، وتعتبر نفسها في غير تلك المدة من أيام الشهر مستحاضة.

(118) حكم النفساء والحائض واحد (3): من تحريم مسّ كتابة المصحف،


(1) هذا الاحتياط ينبغي أن يكون خاصّاً بما قبل ثبوت طروء الحيض عليها، أمّا بعد ذلك فحالها حال الحائض الاعتياديّة التي استمرّ بها الدم بعد انتهاء أيّام العادة والتي يكون حكمها هو الرجوع إلى وقت العادة لا التمييز، هذا. ونحن لا نؤمن بهذا الاحتياط في مورده الذي شرحناه، بل نفتي بكون هذا الدم دم الحيض.
(2) نقصد: الشروط العامة التي تقدمت في الفقرة (56) وما بعدها من هذا الفصل.(منه (رحمه الله)).
(3) حكمهما واحد في بعض المحرّمات بالفتوى، وفي بعضها بالاحتياط الوجوبي، ومن المحرّمات وضع شيء في المسجد.
283

وقراءة آية السجدة من العزائم، والمكوث في المسجد، والوطء، وعدم صحة الطلاق. وكما لا تكلّف الحائض بالصلاة والصيام ولا يصحّان منها كذلك النفساء تماماً تترك الصلاة والصيام ما دامت في نفاسها، وتقضي بعد ذلك الصيام دون الصلاة، ويباح للنفساء مايباح للحائض.

وصورة الغسل من النفاس تماماً كصورة الغسل من الحيض والاستحاضة والجنابة. وقد تقدّمت كيفية الغسل على العموم في الأحكام العامة للغسل.

284

في أحكام الأموات

 

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية(1)، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين، والتفصيل فيما يلي:

الاحتضار:

(119) الاحتضار يكون عند حضور الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، ويجب أن يُلقى المحتضر على ظهره(2) حين النزع(3)، وباطن قدميه إلى القبلة؛ بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

ويستحبّ التعجيل بتجهيزه حين يموت(4)، أي: إجراء مايلزم لكي يدفن، وإذا شكّ في موته فيجب الانتظار حتّى يعلم موته.

وذكر العلماء رضوان الله عليهم: أنّه يستحبّ نقله إلى المكان الذي كان


(1) ومعنى الواجب على سبيل الكفاية: أنّه يكفي في إنجازه قيام البعض به، فدفن الميّت ـ مثلا ـ واجب على سبيل الكفاية، بمعنى أنّه إذا قام به بعض المكلّفين كفى، ولا يلزم أن يشتركوا جميعاً في الدفن.(منه (رحمه الله)).
(2) هذا حكم احتياطي.
(3) النزع هو شدّة المرض على نحو يشرف المريض على الموت.(منه (رحمه الله)).
(4) حينما يعتبر التعجيل في ذلك إكراماً له يدخل في كبرى استحباب إكرام المؤمن، وأمّا إذا كان الإكرام في تأخيره لتجهيز تشييع ضخم ـ مثلاً ـ فقد يكون الاستحباب في التأخير، ومع فرض التساوي ينبغي الإسراع برجاء المطلوبيّة.
285

يعتاد الصلاة فيه إن اشتدّ عليه النزع، ويستحبّ تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة (عليهم السلام). وإذا مات فيستحبّ أن تُغمضَ عيناه، ويُطبق فمه، وتُمدّ ساقاه، وتُمدّ يداه إلى جانبيه، ويغطّى بثوب، ويُقرأ عنده القرآن، كما يستحبّ إعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته.

وجوب الغسل:

(120) يجب تغسيل الميت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأ ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمِّمَ على التفصيل الآتي.

(121) ومن مات ـ أو ماتت ـ وعليه الغسل من الجنابة، أو الحيض ـ لو كانت امرأة ـ غُسّل غسل الأموات وكفى، ولا يجب أن يغسّل غسلا آخر.

من يجب تغسيله؟

يجب تغسيل الميّت إذا توافرت فيه الاُمور التالية:

الأول: (122) أن يكون مسلماً، وأطفال المسلمين ومجانينهم بحكمهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل لا يترك الاهتمام والاحتياط بتغسيله قبل ذلك أيضاً إذا تمّت له أربعة أشهر(1). ولا فرق في الميت المسلم بين الشيعي والسني، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

 


(1) المقياس هو صدق عنوان استواء الخلقة.
286

وإذا علمنا أنّ أحد هذين الميّتين مسلم والآخر غير مسلم وتعذر التمييز والتعيين وجب غسل كلٍّ منهما وتكفينه ودفنه.

(123) الثاني: أن لا يكون الميّت شهيداً، فالشهيد لا يجب تغسيله، بل يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط ولا تكفين.

والمراد بالشهيد: من توافر فيه أمران:

أحدهما: أن يستشهد لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام.

والآخر: أن لا يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة، فإذا أدركوه وبه رمق من الحياة ثمّ مات وجب الغسل، وكلّ من توافر فيه هذان الأمران فهو شهيد، سواء أدركه المسلمون على أرض المعركة أو خارجها.

ولقد أطلق الشارع الأقدس كلمة « شهيد » على النفساء، ومن انهدم عليه الجدار ـ مثلا ـ فمات، والغريق، وعلى من مات دفاعاً عن ماله وأهله، وغير هؤلاء، والمراد: مساواتهم أو مشابهتهم للشهداء في الأجر والثواب، لا في عدم الغسل والتكفين.

(124) الثالث: أن لا يكون قد مات قتيلا بقصاص أو رجم، فلا يغسّل من قتل بحقٍّ قصاصاً؛ لأنّه ارتكب جناية القتل عمداً، ولا من رجم بحقٍّ أيضاً بالحجارة حتّى الموت؛ لأنّه اقترف فاحشة الزنا، لا يغسّل هذا المرجوم ولا ذاك المقتول، بل يؤمر كلّ منهما بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت، وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم، ويصلّى عليه بعد موته، ويدفن في مقابر المسلمين. وهكذا نعرف أنّ كلّ ميت يجب تغسيله، إلّا الشهيد، أو من قتل قصاصاً أو رجماً.

287

على من يجب التغسيل؟

(125) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يودّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفية الغسل والتيمّم البديل:

(126) يغسَّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور مادة عطرية تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. (يأتي الكلام عن التحنيط بعد قليل). وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(127) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نية القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة. ولو تعاون اثنان أو أكثر على الغسل وتهيئة وسائله فالمعتبر نية من باشر الغسل بالذات، واستند إليه العمل بحيث يعدّ عرفاً هو الغاسل، واحداً كان أو أكثر. وأخذ الشخص الذي يغسّل

288

الميت للمال لا يتعارض مع نية القربة إذا كان ثمناً لماء الغسل(1)، تماماً كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور، وكلّ ما لا يجب بذله مجّاناً.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

(128) ويسوغ غسل الميّت بمجرّد خروج الروح من جسده وقبل برده، ويجوز تغسيله من وراء الثوب، ولا يجوز للمغسّل أن ينظر إلى عورة الميّت، أو يلامسها بيده حين التغسيل، ويجوز ذلك للزوج بالنسبة إلى زوجته.

(129) وإذا تعذّر السدر والكافور وجب ـ بدلا عن الغسل الأول ـ الغسلبالماء الخالص، ينوي به أنّه بدل عن الغسل بالماء مع السدر، والتيمم أيضاً ينوي به كذلك أنّه بدل عن الغسل بالماء والسدر، ووجب ـ بدلا عن الغسل الثاني ـ الغسل بالماء الخالص والتيمّم، ينوي بكلٍّ منهما أنّه بدل عن الغسل بالماء والكافور، وبعد ذلك يجب الغسل بالماء الخالص.

(130) إذا تعذّر غسل الميّت لسبب من الأسباب وجب تيمّمه ثلاث مرّات، ناوياً بالأول أنّه بدل عن المرّة الاُولى من الغسل، وبالثاني أنّه بدل عن المرّة الثانية من الغسل، ثمّ يأتي بالثالث بدون حاجة إلى نية أنّه بدل عن المرّة الثالثة، وحين يُيَمَّم الميّت يُيَمِّمه الحي بيده، أي بيد الحي نفسه، ويُيَمِّمه أيضاً بيد الميت،



(1) صيرورة الشخص أجيراً لا تنافي القربة بل قد تؤكّده؛ لأنّ عقد الإيجار يخلق وجوباً جديداً عليه وهو وجوب الوفاء بالعقد، فبإمكانه أن يقصد امتثال هذا الوجوب قربةً إلى الله وبعد ذلك يأخذ الاُجرة باعتبار استحقاقه إيّاها بعقد الإيجار وبالوفاء به، وهذا كما ترى لا ينافي القربة.

289

أي يستعمل الاُسلوبين معاً إن أمكن(1)، ولا يسوغ تيمّم الميّت إلّا مع اليأس من الغسل والعجز عنه، ومع وجود الأمل بارتفاع العذر يجب الصبر والانتظار حتّى يحصل اليأس، أو الخوف على الجثمان من النتَن وغيره من الضرر.

(131) وإذا أمكن الغسل بعد التيمّم وقبل الدفن بطل التيمّم ووجب الغسل، وإذا أمكن الغسل بعد الدفن حرم نبش القبر وإخراج الميّت لأجل الغسل إذا أدّى ذلك إلى مضرّة تلحق بالميّت، ومثله تماماً إذا غسّل بلا سدر ولا كافور، وأمّا إذا لم يكن في النبش مضرّة وهدر لكرامة الميّت وجب إخراج الميّت وإجراء الغسل الواجب عليه.

شروط الغسل:

(132) لابدّ في غسل الميّت من أن يكون الماء مطلقاً وطاهراً، كما لابدّ أيضاً من طهارة السدر والكافور، وإباحة الجميع، مع عدم الحاجب على بدن الميّت.

(133) ويجب عند تغسيل أيّ موضع من بدن الميّت أن تُزال عنه النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعاً من جسد الميت قد غسل أو بعد الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل، وإنمّا يجب تطهير ذلك الموضع ما دام لم يدفن الميت تحت الثرى، وإذا خرج من الميت بول أو مني فلا يعاد غسله؛ حتى ولو حدث ذلك قبل أن يحمل إلى حفرته، ويكتفى بتطهير المحلّ.

 


(1) جملة من الخصوصيّات الواردة في هذا البند والبند السابق احتياطات استحبابيّة.
290

شروط المغَسّل:

وهي اُمور:

(134) الأول: البلوغ، فلا يجزي غسل الميّت من الصبي، حتى ولو غسّله على أكمل وجه، بمعنى أنّ البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.

(135) الثاني: العقل، فلا يجزي الغسل من المجنون.

(136) الثالث: الإسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر.

(137) الرابع: المماثلة بين الميّت والغاسل، فالذكر يغسّله ذكر، والاُنثى تغسّلها مثلها؛ ما عدا الزوج والزوجة فإنّ لكلٍّ منهما أن يغسّل الآخر.

وأيضاً يسوغ لكلٍّ من الذكر والاُنثى أن يغسّل الطفل غير المميّز، حتى ولو تجاوز عمره ثلاث سنين، صبيّاً كان أم صبيّة، ونريد بغير المميّز هنا: من لم يبلغ السنّ التي يحتشم فيها.

وأيضاً للمحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة أن يغسّل بعضهم بعضاً، دون النظر إلى العورة إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن(1)، والمراد بالمحارم هنا: من يحرم التزاوج فيما بين بعضهم البعض تحريماً مؤبّداً على أساس نسب أو رضاع أو مصاهرة، كالآباء والبنات والإخوة والأخوات.

وإذا اشتبه الميّت بين الذكر والاُنثى غسّل مرّتين: مرّةً بيد الذكر، واُخرى بيد الاُنثى، إلّا إذا كان دون سنّ البلوغ والتمييز فيغسّل مرّةً واحدةً بيد ذكر أو اُنثى.

(138) الخامس: أن يكون الغاسل وليّاً للميت، أو مأذوناً من قبل الولي، وهذا يعني أنّه إذا كان الغاسل ولياً للميت صحّ الغسل منه، ولا يحتاج إلى إذن


(1) إن وجد مماثل مسلم مخالف وغير مماثل ولكنّه مَحرم ومؤمن فالأحوط وجوباً الجمع بين التغسيلين.
291

وترخيص من غيره؛ لأنّه الولي، وإن كان الغاسل غير وليّ للميّت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحّة الغسل.

والولي هنا الزوج ـ في ما يعود إلى موت الزوجة ـ فإنّه يُقدّم حتّى على الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الاُولى رتبةً في الميراث، ومن بعدها الثانية، ثمّ الثالثة على التفصيل الموجود في أحكام الإرث. والبالغون في كلّ فئة مقدّمون على غيرهم(1).

وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فلا يوجد مايبرّر الجزم بتقديم الذكور على الإناث في هذا الحقّ(2).

وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وأن يأذن به إلى غيره سقط اعتبار إذنه، وصحّ تغسيل الميت من غير إذن، وكذلك أيضاً إذا تعذّر الاستئذان منه، كما إذا كان غائباً ولا يتاح الاتّصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه.

(139) إذا أوصى الميّت أن يتولّى ويباشر شخص معيّن غسله بنفسه، أو يباشر تجهيزه بالكامل ـ الغسل وغير الغسل ـ فهل يجب على هذا الشخص أن يلبي وينفّذ؟ وإذا لبّى ونفّذ فهل عليه أن يستأذن من الولي أيضاً؟

الجواب: كَـلاّ، بل له أن يرفض، وإذا قبل واستجاب باشر ونفّذ بلا استئذان من الولي، ولا يجوز في هذه الحالة أن يزاحمه الولي في تنفيذ الوصية.

وإذا أوصى الميت أن يكون التجهيز بنظر شخص معيّن وليس بمباشرته


(1) وكذلك الأكبر سنّاً إذا كان الفاصل السنّي بنحو يجعله أولى عرفاً فالأحوط وجوباً أن يفترض أولى شرعاً أيضاً.
(2) الذكورة توجب الأولويّة في العرف المتشرّعي، والأحوط وجوباً أن تعطى له الأولويّة الشرعيّة أيضاً. وإذا كانت الاُنثى هي الأكبر فالأحوط الجمع بين استجازة الاُنثى الأكبر وأكبر الذكور.
292

وممارسته جاز لهذا الشخص أن يرفض ما دام الموصي حيّاً، وبإمكانه أن يعهد إلى غيره. وإن لم يرفض حتّى مات الموصي لم يكن له أن يرفض حينئذ، وإذا تقبّل هذه المهمَة لم يكن عليه أن يستأذن من الولي، بل لايسمح للولي أو غيره في مباشرة التجهيز بدون إذن الوصي، وهذا يعني أنّ وصي الميّت مقدّم على الولي في هذه الناحية.

الحنوط:

(140) جاء في كتب اللغة: حنّط الميّت إذا عالج جثّته وحشاها بالحنوط كيلا يدركها فساد، والتحنيط عند الفقهاء: مسح الكافور براحة الكفّ على الأعضاء السبعة من الميّت التي يسجد عليها المصلّي، وهي: الجبهة، والكفّان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره أن يوضع شيء منه في عين الميت أو أنفه أو اُذنه أو على وجهه.

وتجب عملية التحنيط لكل ميّت يجب تغسيله، باستثناء المحرِم لحجٍّ أو عمرة إذا مات فإنّه لا يحنّط على ما تقدم في الفقرة (126). وموضع التحنيط بعد الغسل (وإذا كان الميت ممّن يُيَمّم بدلا عن الغسل فالتحنيط بعد التيمّم) وقبل التكفين أو في أثنائه.

ولابدّ أن يكون الكافور طاهراً ومباحاً ودقيقاً، لا خشناً وذا رائحة (1).

ولا تجب النية في التحنيط، ويجزي صدوره من كلّ بالغ عاقل مهما كان نـوع ديـنه أو مذهبـه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضاً إذا أحسن العمل وأتقنه.

 


(1) عطفٌ على المثبَت لا على المنفي.
293

الكفن:

(141) بعد أن يغسَّل الميّت المسلم ويحنَّط على الوجه المتقدّم يجب تكفينه بثلاث قطع، ذكراً كان أم اُنثى أم خُنثى، عاقلا أم غير عاقل، كبيراً أم صغيراً، حتى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر (1)، وإلّا يُلَفّ كيف اتّفق ويدفن (2).

والقطعة الاُولى: من الثلاث تسمّى « المئزر » يلفّ الميّت من السرة إلى الركبة (3).

والثانية: « القميص » من أعلى الكتفين إلى نصف الساق (4).

والثالثة: « الإزار » يغطّي البدن بالكامل من أعلى الرأس حتّى نهاية القدم.

والشرط في كلّ قطعة أن تستر ما تحتها.

(142) التكفين كالتغسيل من حيث وجوب الإذن والرخصة من الولي، أمّا نية القربة فهي شرط في التغسيل، لا في التكفين.

ويجزي التكفين من أيّ شخص صدر، سواء كان صغيراً أم كبيراً إذا أحسن العمل وأتقنه.

إذا تعذّر وجود القطع الثلاث أجزأ ما أمكن منها ولو ثوباً واحداً يستر كلّ البدن، وإذا تعذّر الساتر الغامر لكلّ البدن فما يستر الأكثر، وإذا لم يتيسّر إلّا ما يستر العورة تعيّن استعماله.

 


(1) المقياس هو استواء الخلقة عرفاً.
(2) هذا احتياط استحبابي.
(3) الامتداد إلى الركبة أحوط استحباباً، ويكفي مسمّى المئزر، ويستحب أن يكون المئزر مغطّياً للصدر والرجلين.
(4) هذا احتياط استحبابي، ويكفي مسمّى القميص.
294

شروط الكفن:

(143) يشترط في كلّ جزء من الكفن ـ للذكر كان أم للاُنثى ـ أن يكون طاهراً حتى من النجاسة المعفوّ عنها في الصلاة ـ يأتي الكلام عنها مفصّلا في فصول الصلاة ـ وأن يكون مباحاً، لا حريراً ولا ذهباً، ولا من حيوان لا يسوغ الأكل من لحمه (1)، جلداً كان أو شعراً أو وبراً، ولا من جلد حيوان مأكول (2)، ولا بأس بشعره ووبره.

ولكن هذه الشروط تسقط بالكامل عند العجز عنها، أمّا التكفين فلا يسقط بحال إلّا مع العجز عنه بالذات، كما سبقت الإشارة، وعلى هذا فإذا تعيّن وانحصر الكفن بالنجس، أو بالحرير، أو أيّ شيء ممنوع عند الاختيار كُفّن به الميت. أجَل، لا يجوز التكفين بالمغصوب إطلاقاً؛ لأنّ وجوده وعدمه بمنزلة سواء.

وإذا وجد في هذه الحال كفنان: أحدهما حرير والآخر نجس، أو أحدهما من جلد المذكّى المأكول والآخر من شعرِ ووبرِ غير ذلك فهل نتخيّر كما نشاء، أو يجب التقديم والتأخير؟

الجواب: إن وجد ثوب نجس من غير الحرير، بل من القطن مثلا، وثوب طاهر ولكنّه من الحرير كفّن الميت بهما معاً، إلّا أن يكون الحرير نجساً أيضاً فيترك عندئذ، ويُكتفى بالنجس غير الحرير.

وإن كان أحدهما نجساً ـ حريراً كان أم غير حرير ـ والآخر طاهراً وليس بحرير ولا بنجس كجلد مذكّى قُدّم هذا الجلد المذكّى على النجس.

 


(1) عدم كونه ذهباً أو ممّا لا يؤكل لحمه احتياط استحبابي.
(2) هذا أيضاً احتياط استحبابي، ولا تحرم مخالفته خصوصاً إذا لم يكن الكفن على شكل الجلد الأصلي بل كانت خيوطه مأخوذةً من الجلد.
295

وإن كان أحدهما حريراً طاهراً والآخر ليس بحرير ولا نجس كجلد المذكّى قدِّم جلد المذكّى على الحرير. وإن كان كلّ منهما طاهراً ومن غير الحرير ـ كجلد المذكّى المأكول وشعر ووبر غير المأكول من حيوان طاهر ـ فالحكم التخيير بينهما.

ولا بأس بالكفن منسوجاً من الحرير وغيره إذا كان غير الحرير هو الأغلب والأكثر من الحرير، فيسوغ مع توفّر هذا الشرط أن يكفّن بهذا النسيج الرجل والمرأة، حتّى مع التمكّن والقدرة على غيره.

إذا أصابت النجاسة كفن الميت وجبت إزالتها وتطهير المحلّ، حتّى ولو بعد أن يوسّد الميت في قبره. أمّا طريقة تطهير الكفن، وهل تكون بالغسل إن أمكن، أو بقصّ مكان النجاسة إن لم يمكن مع الحرص على بقاء صفة الكفن المطلوبة شرعاً، أو تبديله من الأساس؟ أمّا طريقة التطهير بذلك أو بغير ذلك فتتبع اختيار المكلّف مع مراعاة احترام الميّت وصيانته من الهتك ونحوه.

إذا كُفِّن الميت وشُكّ بعد الفراغ من التكفين في أنّ هذا التكفين هل جرى وفقاً لما يجب، أو لا؟ بني على الصحة(1).

الصلاة:

(144) بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه تجب الصلاة عليه وجوباً كفائياً إن كان من المسلمين وأهل القبلة، شيعياً كان أم سنيّاً، تقياً حتى الشهيد أم شقياً


(1) هذا فيما لا تكون صحته وبطلانه محسوسة، كما لو شك في أنّه هل كان قد طهّر الكفن المتنجّس أو لا، لا في مثل ما لو شكّ في أنّه هل كفّن بالحرير أو بالقطن ممّا يمكن تشخيصه بالرؤية وهو بعدُ غير مدفون.
296

حتى المنتحِر، ذكراً كان أم اُنثى، عاقلا أم مجنوناً، كبيراً أم صغيراً إذا بلغ سنّ السادسة، أو كان قد تعلّم أو تفهّم معنى الصلاة قبل هذه السنّ.

والصلاة على الميّت عبادة لا تصحّ بدون نية القربة. ويعتبر في المصلّي كلّ الشروط التي تقدّمت في الفقرة (134) وما بعدها أنّها معتبرة في المغسّل، سوى المماثلة في الذكورة والاُنوثة فإنّها شرط في المغسّل، وليست شرطاً في المصلّي.

شروط الصلاة:

(145) أمّا شروط الصلاة على الميّت فهي: أن توجد جثّته وتحضر بالفعل، حيث لا صلاة على غائب. وأن يوضع مستلقياً على ظهره، مستورَ العورة بأكفانه أو بشيء آخر إن تعذّر الكفن، وأن يستقبل المصلّي القبلة، ويقف خلف الجنازة محاذياً لها غير بعيد عنها، ورأس الميت إلى جهة يمين المصلّي، مع عدم الحائل بين المصلّي والميت، وأن تكون الصلاة من قيام لا من قعود، إلّا لمبرّر شرعي.

وليست الطهارة شرطاً في صحة الصلاة على الميت، فتصحّ ممّن لم يكن على وضوء، ومن الجنب، وممّن كان بدنه أو ثوبه نجساً، كما أنّ إباحة اللباس ليست شرطاً فيها، ولا إباحة المكان.

كيفية الصلاة:

(146) ومتى تمّ ما استعرضناه من شروط نوى المصلّي أنّه يصلّي على الميت قربةً إلى الله تعالى، وكبّر خمساً(1) بعدد الفرائض اليومية، ويأتي بعد


(1) يحتمل في المخالف جواز الاكتفاء بأربع تكبيرات، والأحوط وجوباً الخمس.
297

التكبيرة(1) الاُولى بالشهادة لله بالوحدانيّة، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة، وبعد الثانيةيصلّي على النبيّ المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة يدعو للميّت (2)، ثمّ يختم بالخامسة.

ولابدّ من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من شهادة وصلاة على النبيّ وأدعية، ولابدّ من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة وصورتها، ومن أجل ذلك أيضاً يترك الكلام الخارج منها(3) وفعل أيّ شيء تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرّع لله.

أحكام تتعلّق بهذه الصلاة:

(147) إذا كان الميّت من ذوي الكرامة والمنزلة العليا في الدين ساغ تكرار الصلاة عليه، أمّا على غيره فيجوز تكرارها بنيّة احتمال أن يكون ذلك مطلوباً شرعاً.

(148) إذا اجتمع أكثر من جنازة في آن واحد فهل يسوغ الجمع بينها


(1) هذه الصياغة لكيفيّة الدعاء بعد التكبيرات غير واجبة، بل يكفي مسمّى الدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل بعد كلّ تكبيرة ما عدا الخامسة، إلّا أنّه يستحب الدعاء للميّت، وخاصّةً أن يكون بعد التكبيرة الرابعة، وأن يصلّي قبل ذلك على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأفضل من الوجه المعروف الجمع بعد كلّ تكبيرة ـ عدا التكبيرة الأخيرة ـ بين الشهادتين، ثمّ الصلاة على محمّد وآله، ثمّ الدعاء للمؤمنين، ثمّ الدعاء للميّت.
(2) هذا بالنسبة للمؤمن، وأمّا بالنسبة للمخالف فإن كان معانداً يدعو عليه، وإن لم يكن معانداً يدعو للمؤمنين، وإن كان مجهول الحال يدعو له دعاءً معلّقاً على إيمانه، كأن يقول: «اللهمّ ولِّه من تولّى، واحشره مع من أحبّ»، أو يقول: «إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له»، أو نحو ذلك، وإن كان منافقاً ـ أي: مظهراً للإسلام ومبطناً للكفر ـ دعا عليه، أو اقتصر على أربع تكبيرات، أي: ترك التكبيرة التي يُدعى بعدها عادةً للميّت.
(3) إذا كان ماحياً لصورتها.