284

في أحكام الأموات

 

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية(1)، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين، والتفصيل فيما يلي:

الاحتضار:

(119) الاحتضار يكون عند حضور الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، ويجب أن يُلقى المحتضر على ظهره(2) حين النزع(3)، وباطن قدميه إلى القبلة؛ بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

ويستحبّ التعجيل بتجهيزه حين يموت(4)، أي: إجراء مايلزم لكي يدفن، وإذا شكّ في موته فيجب الانتظار حتّى يعلم موته.

وذكر العلماء رضوان الله عليهم: أنّه يستحبّ نقله إلى المكان الذي كان


(1) ومعنى الواجب على سبيل الكفاية: أنّه يكفي في إنجازه قيام البعض به، فدفن الميّت ـ مثلا ـ واجب على سبيل الكفاية، بمعنى أنّه إذا قام به بعض المكلّفين كفى، ولا يلزم أن يشتركوا جميعاً في الدفن.(منه (رحمه الله)).
(2) هذا حكم احتياطي.
(3) النزع هو شدّة المرض على نحو يشرف المريض على الموت.(منه (رحمه الله)).
(4) حينما يعتبر التعجيل في ذلك إكراماً له يدخل في كبرى استحباب إكرام المؤمن، وأمّا إذا كان الإكرام في تأخيره لتجهيز تشييع ضخم ـ مثلاً ـ فقد يكون الاستحباب في التأخير، ومع فرض التساوي ينبغي الإسراع برجاء المطلوبيّة.
285

يعتاد الصلاة فيه إن اشتدّ عليه النزع، ويستحبّ تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة (عليهم السلام). وإذا مات فيستحبّ أن تُغمضَ عيناه، ويُطبق فمه، وتُمدّ ساقاه، وتُمدّ يداه إلى جانبيه، ويغطّى بثوب، ويُقرأ عنده القرآن، كما يستحبّ إعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته.

وجوب الغسل:

(120) يجب تغسيل الميت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأ ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمِّمَ على التفصيل الآتي.

(121) ومن مات ـ أو ماتت ـ وعليه الغسل من الجنابة، أو الحيض ـ لو كانت امرأة ـ غُسّل غسل الأموات وكفى، ولا يجب أن يغسّل غسلا آخر.

من يجب تغسيله؟

يجب تغسيل الميّت إذا توافرت فيه الاُمور التالية:

الأول: (122) أن يكون مسلماً، وأطفال المسلمين ومجانينهم بحكمهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل لا يترك الاهتمام والاحتياط بتغسيله قبل ذلك أيضاً إذا تمّت له أربعة أشهر(1). ولا فرق في الميت المسلم بين الشيعي والسني، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

 


(1) المقياس هو صدق عنوان استواء الخلقة.
286

وإذا علمنا أنّ أحد هذين الميّتين مسلم والآخر غير مسلم وتعذر التمييز والتعيين وجب غسل كلٍّ منهما وتكفينه ودفنه.

(123) الثاني: أن لا يكون الميّت شهيداً، فالشهيد لا يجب تغسيله، بل يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط ولا تكفين.

والمراد بالشهيد: من توافر فيه أمران:

أحدهما: أن يستشهد لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام.

والآخر: أن لا يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة، فإذا أدركوه وبه رمق من الحياة ثمّ مات وجب الغسل، وكلّ من توافر فيه هذان الأمران فهو شهيد، سواء أدركه المسلمون على أرض المعركة أو خارجها.

ولقد أطلق الشارع الأقدس كلمة « شهيد » على النفساء، ومن انهدم عليه الجدار ـ مثلا ـ فمات، والغريق، وعلى من مات دفاعاً عن ماله وأهله، وغير هؤلاء، والمراد: مساواتهم أو مشابهتهم للشهداء في الأجر والثواب، لا في عدم الغسل والتكفين.

(124) الثالث: أن لا يكون قد مات قتيلا بقصاص أو رجم، فلا يغسّل من قتل بحقٍّ قصاصاً؛ لأنّه ارتكب جناية القتل عمداً، ولا من رجم بحقٍّ أيضاً بالحجارة حتّى الموت؛ لأنّه اقترف فاحشة الزنا، لا يغسّل هذا المرجوم ولا ذاك المقتول، بل يؤمر كلّ منهما بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت، وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم، ويصلّى عليه بعد موته، ويدفن في مقابر المسلمين. وهكذا نعرف أنّ كلّ ميت يجب تغسيله، إلّا الشهيد، أو من قتل قصاصاً أو رجماً.

287

على من يجب التغسيل؟

(125) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يودّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفية الغسل والتيمّم البديل:

(126) يغسَّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور مادة عطرية تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. (يأتي الكلام عن التحنيط بعد قليل). وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(127) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نية القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة. ولو تعاون اثنان أو أكثر على الغسل وتهيئة وسائله فالمعتبر نية من باشر الغسل بالذات، واستند إليه العمل بحيث يعدّ عرفاً هو الغاسل، واحداً كان أو أكثر. وأخذ الشخص الذي يغسّل

288

الميت للمال لا يتعارض مع نية القربة إذا كان ثمناً لماء الغسل(1)، تماماً كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور، وكلّ ما لا يجب بذله مجّاناً.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

(128) ويسوغ غسل الميّت بمجرّد خروج الروح من جسده وقبل برده، ويجوز تغسيله من وراء الثوب، ولا يجوز للمغسّل أن ينظر إلى عورة الميّت، أو يلامسها بيده حين التغسيل، ويجوز ذلك للزوج بالنسبة إلى زوجته.

(129) وإذا تعذّر السدر والكافور وجب ـ بدلا عن الغسل الأول ـ الغسلبالماء الخالص، ينوي به أنّه بدل عن الغسل بالماء مع السدر، والتيمم أيضاً ينوي به كذلك أنّه بدل عن الغسل بالماء والسدر، ووجب ـ بدلا عن الغسل الثاني ـ الغسل بالماء الخالص والتيمّم، ينوي بكلٍّ منهما أنّه بدل عن الغسل بالماء والكافور، وبعد ذلك يجب الغسل بالماء الخالص.

(130) إذا تعذّر غسل الميّت لسبب من الأسباب وجب تيمّمه ثلاث مرّات، ناوياً بالأول أنّه بدل عن المرّة الاُولى من الغسل، وبالثاني أنّه بدل عن المرّة الثانية من الغسل، ثمّ يأتي بالثالث بدون حاجة إلى نية أنّه بدل عن المرّة الثالثة، وحين يُيَمَّم الميّت يُيَمِّمه الحي بيده، أي بيد الحي نفسه، ويُيَمِّمه أيضاً بيد الميت،



(1) صيرورة الشخص أجيراً لا تنافي القربة بل قد تؤكّده؛ لأنّ عقد الإيجار يخلق وجوباً جديداً عليه وهو وجوب الوفاء بالعقد، فبإمكانه أن يقصد امتثال هذا الوجوب قربةً إلى الله وبعد ذلك يأخذ الاُجرة باعتبار استحقاقه إيّاها بعقد الإيجار وبالوفاء به، وهذا كما ترى لا ينافي القربة.

289

أي يستعمل الاُسلوبين معاً إن أمكن(1)، ولا يسوغ تيمّم الميّت إلّا مع اليأس من الغسل والعجز عنه، ومع وجود الأمل بارتفاع العذر يجب الصبر والانتظار حتّى يحصل اليأس، أو الخوف على الجثمان من النتَن وغيره من الضرر.

(131) وإذا أمكن الغسل بعد التيمّم وقبل الدفن بطل التيمّم ووجب الغسل، وإذا أمكن الغسل بعد الدفن حرم نبش القبر وإخراج الميّت لأجل الغسل إذا أدّى ذلك إلى مضرّة تلحق بالميّت، ومثله تماماً إذا غسّل بلا سدر ولا كافور، وأمّا إذا لم يكن في النبش مضرّة وهدر لكرامة الميّت وجب إخراج الميّت وإجراء الغسل الواجب عليه.

شروط الغسل:

(132) لابدّ في غسل الميّت من أن يكون الماء مطلقاً وطاهراً، كما لابدّ أيضاً من طهارة السدر والكافور، وإباحة الجميع، مع عدم الحاجب على بدن الميّت.

(133) ويجب عند تغسيل أيّ موضع من بدن الميّت أن تُزال عنه النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعاً من جسد الميت قد غسل أو بعد الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل، وإنمّا يجب تطهير ذلك الموضع ما دام لم يدفن الميت تحت الثرى، وإذا خرج من الميت بول أو مني فلا يعاد غسله؛ حتى ولو حدث ذلك قبل أن يحمل إلى حفرته، ويكتفى بتطهير المحلّ.

 


(1) جملة من الخصوصيّات الواردة في هذا البند والبند السابق احتياطات استحبابيّة.
290

شروط المغَسّل:

وهي اُمور:

(134) الأول: البلوغ، فلا يجزي غسل الميّت من الصبي، حتى ولو غسّله على أكمل وجه، بمعنى أنّ البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.

(135) الثاني: العقل، فلا يجزي الغسل من المجنون.

(136) الثالث: الإسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر.

(137) الرابع: المماثلة بين الميّت والغاسل، فالذكر يغسّله ذكر، والاُنثى تغسّلها مثلها؛ ما عدا الزوج والزوجة فإنّ لكلٍّ منهما أن يغسّل الآخر.

وأيضاً يسوغ لكلٍّ من الذكر والاُنثى أن يغسّل الطفل غير المميّز، حتى ولو تجاوز عمره ثلاث سنين، صبيّاً كان أم صبيّة، ونريد بغير المميّز هنا: من لم يبلغ السنّ التي يحتشم فيها.

وأيضاً للمحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة أن يغسّل بعضهم بعضاً، دون النظر إلى العورة إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن(1)، والمراد بالمحارم هنا: من يحرم التزاوج فيما بين بعضهم البعض تحريماً مؤبّداً على أساس نسب أو رضاع أو مصاهرة، كالآباء والبنات والإخوة والأخوات.

وإذا اشتبه الميّت بين الذكر والاُنثى غسّل مرّتين: مرّةً بيد الذكر، واُخرى بيد الاُنثى، إلّا إذا كان دون سنّ البلوغ والتمييز فيغسّل مرّةً واحدةً بيد ذكر أو اُنثى.

(138) الخامس: أن يكون الغاسل وليّاً للميت، أو مأذوناً من قبل الولي، وهذا يعني أنّه إذا كان الغاسل ولياً للميت صحّ الغسل منه، ولا يحتاج إلى إذن


(1) إن وجد مماثل مسلم مخالف وغير مماثل ولكنّه مَحرم ومؤمن فالأحوط وجوباً الجمع بين التغسيلين.
291

وترخيص من غيره؛ لأنّه الولي، وإن كان الغاسل غير وليّ للميّت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحّة الغسل.

والولي هنا الزوج ـ في ما يعود إلى موت الزوجة ـ فإنّه يُقدّم حتّى على الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الاُولى رتبةً في الميراث، ومن بعدها الثانية، ثمّ الثالثة على التفصيل الموجود في أحكام الإرث. والبالغون في كلّ فئة مقدّمون على غيرهم(1).

وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فلا يوجد مايبرّر الجزم بتقديم الذكور على الإناث في هذا الحقّ(2).

وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وأن يأذن به إلى غيره سقط اعتبار إذنه، وصحّ تغسيل الميت من غير إذن، وكذلك أيضاً إذا تعذّر الاستئذان منه، كما إذا كان غائباً ولا يتاح الاتّصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه.

(139) إذا أوصى الميّت أن يتولّى ويباشر شخص معيّن غسله بنفسه، أو يباشر تجهيزه بالكامل ـ الغسل وغير الغسل ـ فهل يجب على هذا الشخص أن يلبي وينفّذ؟ وإذا لبّى ونفّذ فهل عليه أن يستأذن من الولي أيضاً؟

الجواب: كَـلاّ، بل له أن يرفض، وإذا قبل واستجاب باشر ونفّذ بلا استئذان من الولي، ولا يجوز في هذه الحالة أن يزاحمه الولي في تنفيذ الوصية.

وإذا أوصى الميت أن يكون التجهيز بنظر شخص معيّن وليس بمباشرته


(1) وكذلك الأكبر سنّاً إذا كان الفاصل السنّي بنحو يجعله أولى عرفاً فالأحوط وجوباً أن يفترض أولى شرعاً أيضاً.
(2) الذكورة توجب الأولويّة في العرف المتشرّعي، والأحوط وجوباً أن تعطى له الأولويّة الشرعيّة أيضاً. وإذا كانت الاُنثى هي الأكبر فالأحوط الجمع بين استجازة الاُنثى الأكبر وأكبر الذكور.
292

وممارسته جاز لهذا الشخص أن يرفض ما دام الموصي حيّاً، وبإمكانه أن يعهد إلى غيره. وإن لم يرفض حتّى مات الموصي لم يكن له أن يرفض حينئذ، وإذا تقبّل هذه المهمَة لم يكن عليه أن يستأذن من الولي، بل لايسمح للولي أو غيره في مباشرة التجهيز بدون إذن الوصي، وهذا يعني أنّ وصي الميّت مقدّم على الولي في هذه الناحية.

الحنوط:

(140) جاء في كتب اللغة: حنّط الميّت إذا عالج جثّته وحشاها بالحنوط كيلا يدركها فساد، والتحنيط عند الفقهاء: مسح الكافور براحة الكفّ على الأعضاء السبعة من الميّت التي يسجد عليها المصلّي، وهي: الجبهة، والكفّان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره أن يوضع شيء منه في عين الميت أو أنفه أو اُذنه أو على وجهه.

وتجب عملية التحنيط لكل ميّت يجب تغسيله، باستثناء المحرِم لحجٍّ أو عمرة إذا مات فإنّه لا يحنّط على ما تقدم في الفقرة (126). وموضع التحنيط بعد الغسل (وإذا كان الميت ممّن يُيَمّم بدلا عن الغسل فالتحنيط بعد التيمّم) وقبل التكفين أو في أثنائه.

ولابدّ أن يكون الكافور طاهراً ومباحاً ودقيقاً، لا خشناً وذا رائحة (1).

ولا تجب النية في التحنيط، ويجزي صدوره من كلّ بالغ عاقل مهما كان نـوع ديـنه أو مذهبـه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضاً إذا أحسن العمل وأتقنه.

 


(1) عطفٌ على المثبَت لا على المنفي.
293

الكفن:

(141) بعد أن يغسَّل الميّت المسلم ويحنَّط على الوجه المتقدّم يجب تكفينه بثلاث قطع، ذكراً كان أم اُنثى أم خُنثى، عاقلا أم غير عاقل، كبيراً أم صغيراً، حتى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر (1)، وإلّا يُلَفّ كيف اتّفق ويدفن (2).

والقطعة الاُولى: من الثلاث تسمّى « المئزر » يلفّ الميّت من السرة إلى الركبة (3).

والثانية: « القميص » من أعلى الكتفين إلى نصف الساق (4).

والثالثة: « الإزار » يغطّي البدن بالكامل من أعلى الرأس حتّى نهاية القدم.

والشرط في كلّ قطعة أن تستر ما تحتها.

(142) التكفين كالتغسيل من حيث وجوب الإذن والرخصة من الولي، أمّا نية القربة فهي شرط في التغسيل، لا في التكفين.

ويجزي التكفين من أيّ شخص صدر، سواء كان صغيراً أم كبيراً إذا أحسن العمل وأتقنه.

إذا تعذّر وجود القطع الثلاث أجزأ ما أمكن منها ولو ثوباً واحداً يستر كلّ البدن، وإذا تعذّر الساتر الغامر لكلّ البدن فما يستر الأكثر، وإذا لم يتيسّر إلّا ما يستر العورة تعيّن استعماله.

 


(1) المقياس هو استواء الخلقة عرفاً.
(2) هذا احتياط استحبابي.
(3) الامتداد إلى الركبة أحوط استحباباً، ويكفي مسمّى المئزر، ويستحب أن يكون المئزر مغطّياً للصدر والرجلين.
(4) هذا احتياط استحبابي، ويكفي مسمّى القميص.
294

شروط الكفن:

(143) يشترط في كلّ جزء من الكفن ـ للذكر كان أم للاُنثى ـ أن يكون طاهراً حتى من النجاسة المعفوّ عنها في الصلاة ـ يأتي الكلام عنها مفصّلا في فصول الصلاة ـ وأن يكون مباحاً، لا حريراً ولا ذهباً، ولا من حيوان لا يسوغ الأكل من لحمه (1)، جلداً كان أو شعراً أو وبراً، ولا من جلد حيوان مأكول (2)، ولا بأس بشعره ووبره.

ولكن هذه الشروط تسقط بالكامل عند العجز عنها، أمّا التكفين فلا يسقط بحال إلّا مع العجز عنه بالذات، كما سبقت الإشارة، وعلى هذا فإذا تعيّن وانحصر الكفن بالنجس، أو بالحرير، أو أيّ شيء ممنوع عند الاختيار كُفّن به الميت. أجَل، لا يجوز التكفين بالمغصوب إطلاقاً؛ لأنّ وجوده وعدمه بمنزلة سواء.

وإذا وجد في هذه الحال كفنان: أحدهما حرير والآخر نجس، أو أحدهما من جلد المذكّى المأكول والآخر من شعرِ ووبرِ غير ذلك فهل نتخيّر كما نشاء، أو يجب التقديم والتأخير؟

الجواب: إن وجد ثوب نجس من غير الحرير، بل من القطن مثلا، وثوب طاهر ولكنّه من الحرير كفّن الميت بهما معاً، إلّا أن يكون الحرير نجساً أيضاً فيترك عندئذ، ويُكتفى بالنجس غير الحرير.

وإن كان أحدهما نجساً ـ حريراً كان أم غير حرير ـ والآخر طاهراً وليس بحرير ولا بنجس كجلد مذكّى قُدّم هذا الجلد المذكّى على النجس.

 


(1) عدم كونه ذهباً أو ممّا لا يؤكل لحمه احتياط استحبابي.
(2) هذا أيضاً احتياط استحبابي، ولا تحرم مخالفته خصوصاً إذا لم يكن الكفن على شكل الجلد الأصلي بل كانت خيوطه مأخوذةً من الجلد.
295

وإن كان أحدهما حريراً طاهراً والآخر ليس بحرير ولا نجس كجلد المذكّى قدِّم جلد المذكّى على الحرير. وإن كان كلّ منهما طاهراً ومن غير الحرير ـ كجلد المذكّى المأكول وشعر ووبر غير المأكول من حيوان طاهر ـ فالحكم التخيير بينهما.

ولا بأس بالكفن منسوجاً من الحرير وغيره إذا كان غير الحرير هو الأغلب والأكثر من الحرير، فيسوغ مع توفّر هذا الشرط أن يكفّن بهذا النسيج الرجل والمرأة، حتّى مع التمكّن والقدرة على غيره.

إذا أصابت النجاسة كفن الميت وجبت إزالتها وتطهير المحلّ، حتّى ولو بعد أن يوسّد الميت في قبره. أمّا طريقة تطهير الكفن، وهل تكون بالغسل إن أمكن، أو بقصّ مكان النجاسة إن لم يمكن مع الحرص على بقاء صفة الكفن المطلوبة شرعاً، أو تبديله من الأساس؟ أمّا طريقة التطهير بذلك أو بغير ذلك فتتبع اختيار المكلّف مع مراعاة احترام الميّت وصيانته من الهتك ونحوه.

إذا كُفِّن الميت وشُكّ بعد الفراغ من التكفين في أنّ هذا التكفين هل جرى وفقاً لما يجب، أو لا؟ بني على الصحة(1).

الصلاة:

(144) بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه تجب الصلاة عليه وجوباً كفائياً إن كان من المسلمين وأهل القبلة، شيعياً كان أم سنيّاً، تقياً حتى الشهيد أم شقياً


(1) هذا فيما لا تكون صحته وبطلانه محسوسة، كما لو شك في أنّه هل كان قد طهّر الكفن المتنجّس أو لا، لا في مثل ما لو شكّ في أنّه هل كفّن بالحرير أو بالقطن ممّا يمكن تشخيصه بالرؤية وهو بعدُ غير مدفون.
296

حتى المنتحِر، ذكراً كان أم اُنثى، عاقلا أم مجنوناً، كبيراً أم صغيراً إذا بلغ سنّ السادسة، أو كان قد تعلّم أو تفهّم معنى الصلاة قبل هذه السنّ.

والصلاة على الميّت عبادة لا تصحّ بدون نية القربة. ويعتبر في المصلّي كلّ الشروط التي تقدّمت في الفقرة (134) وما بعدها أنّها معتبرة في المغسّل، سوى المماثلة في الذكورة والاُنوثة فإنّها شرط في المغسّل، وليست شرطاً في المصلّي.

شروط الصلاة:

(145) أمّا شروط الصلاة على الميّت فهي: أن توجد جثّته وتحضر بالفعل، حيث لا صلاة على غائب. وأن يوضع مستلقياً على ظهره، مستورَ العورة بأكفانه أو بشيء آخر إن تعذّر الكفن، وأن يستقبل المصلّي القبلة، ويقف خلف الجنازة محاذياً لها غير بعيد عنها، ورأس الميت إلى جهة يمين المصلّي، مع عدم الحائل بين المصلّي والميت، وأن تكون الصلاة من قيام لا من قعود، إلّا لمبرّر شرعي.

وليست الطهارة شرطاً في صحة الصلاة على الميت، فتصحّ ممّن لم يكن على وضوء، ومن الجنب، وممّن كان بدنه أو ثوبه نجساً، كما أنّ إباحة اللباس ليست شرطاً فيها، ولا إباحة المكان.

كيفية الصلاة:

(146) ومتى تمّ ما استعرضناه من شروط نوى المصلّي أنّه يصلّي على الميت قربةً إلى الله تعالى، وكبّر خمساً(1) بعدد الفرائض اليومية، ويأتي بعد


(1) يحتمل في المخالف جواز الاكتفاء بأربع تكبيرات، والأحوط وجوباً الخمس.
297

التكبيرة(1) الاُولى بالشهادة لله بالوحدانيّة، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة، وبعد الثانيةيصلّي على النبيّ المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة يدعو للميّت (2)، ثمّ يختم بالخامسة.

ولابدّ من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من شهادة وصلاة على النبيّ وأدعية، ولابدّ من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة وصورتها، ومن أجل ذلك أيضاً يترك الكلام الخارج منها(3) وفعل أيّ شيء تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرّع لله.

أحكام تتعلّق بهذه الصلاة:

(147) إذا كان الميّت من ذوي الكرامة والمنزلة العليا في الدين ساغ تكرار الصلاة عليه، أمّا على غيره فيجوز تكرارها بنيّة احتمال أن يكون ذلك مطلوباً شرعاً.

(148) إذا اجتمع أكثر من جنازة في آن واحد فهل يسوغ الجمع بينها


(1) هذه الصياغة لكيفيّة الدعاء بعد التكبيرات غير واجبة، بل يكفي مسمّى الدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل بعد كلّ تكبيرة ما عدا الخامسة، إلّا أنّه يستحب الدعاء للميّت، وخاصّةً أن يكون بعد التكبيرة الرابعة، وأن يصلّي قبل ذلك على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأفضل من الوجه المعروف الجمع بعد كلّ تكبيرة ـ عدا التكبيرة الأخيرة ـ بين الشهادتين، ثمّ الصلاة على محمّد وآله، ثمّ الدعاء للمؤمنين، ثمّ الدعاء للميّت.
(2) هذا بالنسبة للمؤمن، وأمّا بالنسبة للمخالف فإن كان معانداً يدعو عليه، وإن لم يكن معانداً يدعو للمؤمنين، وإن كان مجهول الحال يدعو له دعاءً معلّقاً على إيمانه، كأن يقول: «اللهمّ ولِّه من تولّى، واحشره مع من أحبّ»، أو يقول: «إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له»، أو نحو ذلك، وإن كان منافقاً ـ أي: مظهراً للإسلام ومبطناً للكفر ـ دعا عليه، أو اقتصر على أربع تكبيرات، أي: ترك التكبيرة التي يُدعى بعدها عادةً للميّت.
(3) إذا كان ماحياً لصورتها.
298

بالكامل في صلاة واحدة ؟

الجواب: يسوغ ذلك، وتكفي صلاة واحدة للجميع، وذلك بأحد شكلين:

الأوّل: أن توضع الجنائز كلّها أمام المصلّي، كلّ جنازة محاذية للجنازةالاُخرى هكذا ()، فكأنّ الجنائز صفوف متعدّدة، وكلّ صفٍّ يحتوي على جنازة واحدة.

الثاني: أن يشكَّل صفّ واحد متدرِّج على هندسة الدرج من مجموعالجنائز، بأن توضع جنازة، ثمّ يوضع رأس الجنازة الاُخرى عند إلية الجنازةالاُولى، وهكذا كما في هذه الصورة ()، ويقف المصلّي في الوسط، أي: في موضع النقطة التي تبدو في الصورة. ويدعو المصلّي بضمير التثنية للجنازتين. وبضمير الجمع للجنائز.

(149) وتجوز هذه الصلاة جماعةً وفرادى، ولكنّ المأموم يقرأ ويؤدّي التكبيرات الخمس بكيفيّتها المتقدّمة، ولا يكتفي بقراءة الإمام، ولا تعتبر العدالة في الإمام.

وإذا حضر شخص في أثناء صلاة الجماعة صلّى على الميت كما لو كان منفرداً، يتشهّد بعد الاُولى، ويصلّي على النبيّ وآله بعد الثانية... إلى آخره. وإذا فرغ الإمام قبله من صلاته أتى المأموم المذكور بما بقي من التكبيرات مع الدعاء، أو بلا دعاء بنيّة احتمال أن يكون ذلك راجحاً شرعاً.

(150) إذا حدث الشكّ والتردّد في أداء الصلاة على الميّت والإتيان بها وجب فعلها على الوجه المطلوب، وإذا حدث الشكّ في صحّتها بعد الفراغ منها فلا تجب الإعادة، وإذا علم بأنّها وقعت باطلةً وجب استئنافها من جديد.

(151) وإذا دفن الميّت بلا صلاة أو بصلاة باطلة ـ لسبب أو لآخر ـ صُلّيَ على قبره(1) ما لم يكن جسده قد تبدّد واضمحلّ.

 


(1) هذا حكم احتياطي.
299

صورة من الصلاة على الميّت:

(152) فيما يلي نذكر صورةً من الصلاة على الميّت يتيسّرحفظها لمن أراد.

1 ـ الله أكبر.

(أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له)، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً حيّاً قيّوماً دائماً أبداً، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، (وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله)، جاء بالهدى ودين الحقّ؛ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.

2 ـ الله أكبر.

(اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمد)، وبارك على محمّد وآل محمد، وترحّم على محمّد وآل محمّد، كأفضلِ ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.

3 ـ الله أكبر.

(اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات)، والمسلمين والمسلمات، الأحياءِ منهم والأموات، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات، إنّك على كلّ شيء قدير.

4 ـ الله أكبر.

(اللّهمّ اغفر لهذا الميّت) اللّهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدُك وابنُ عبدك وابنُ أمتك، وقد نزل بك وأنت خير منزول به، وقد احتاج إلى رحمتك وأنت الغنيّ عن عقابه، اللّهمّ إنّا لانعلم منه إلّا خيراً، وأنت أعلم به منّا، فإن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، واحشره مع خيرة عبادك الصالحين، وحَسُن اُولئك رفيقاً.

5 ـ الله أكبر. ثمّ تنصرف.

والجملة المقوّسة بعد كلّ تكبيرة تكفي، ويمكن للمصلّي الاجتزاء بها وترك باقي الدعاء.

300

وإذا كان الميّت امرأةً أمكنه أن يقول بعد التكبيرة الرابعة من التكبيرات الخمس: (اللّهمّ اغفر لهذه الميّتة). اللّهمّ إنّ هذه المسجّاة قدّامنا أمتك، وابنة عبدك وابنة أمتك، وقد نزلت بك وأنت خير منزول به، وقد احتاجت إلى رحمتك وأنت الغنيّ عن عقابها، اللّهمّ إنّا لا نعلم منها إلّا خيراً، وأنت أعلم بها مِنّا، فإن كانت محسنةً فزِد في إحسانها، وإن كانت مسيئةً فتجاوز عنها، واحشرها مع خيرة عبادك الصالحين، وحسن اُولئك رفيقاً.

الدفن:

(153) يجب دفن كلّ ميّت مسلم ـ ذكراً كان أم اُنثى ـ وجوباً كفائيّاً بالمعنى المتقدم في الغسل، وكذلك يجب دفن أطفالهم ودفن السقط منهم أيضاً، حتّى السقط الذي لم يبلغ أربعة أشهر من أشهر الحمل، فإنّه يلفُّ بخرقة ويدفن (1)، وإذا انفصل من الإنسان بعد موته وقبل دفنه شيء كالظفر أو السنّ والشعر فيجب دفنه، والأحسن احتياطاً واستحباباً أن يدفن معه (2).

 


(1) هذا احتياط استحبابيّ.
(2) لا بدّ من جعله في كفنه ودفنه معه، فإن لم يمكن ذلك كما لو كان قد دُفن الميّت فالأحوط وجوباً دفنه مستقلاًّ، هذا في الأجزاء التابعة كالظفر والسنّ والشعر، أمّا في الأجزاء المهمّة فلا شكّ في وجوب الدفن.
وهناك نكتة هامّة مؤثّرة في كثير من أحكام الميّت لابدّ من لفت النظر إليها، وتوضيحها: أنّ الموت موتان: موت القلب وموت المخّ.
وهما في غالب الأحيان مجتمعان في الميّت كما هو الحال في غالب الأموات، فهما يتقارنان فيهم أو يتقدّم ويتأخّر أحدهما عن الآخر بشيء يسير.

301

كيفيّته: بعد تغسيل الميّت وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه يدفن؛ وذلك بمواراته في حفرة من الأرض تمنع عنه الطيور والوحوش، وتكفّ رائحته وضرره عن الناس.

ويجب أن يُلقى في حفرته على جانبه الأيمن؛ موجّهاً وجهه والجانب الأمامي من بدنه إلى القبلة، فيكون رأسه إلى اليمين، ورجلاه إلى اليسار بالنسبة إلى القبلة. ومع الجهل بالقبلة والعجز عن معرفتها فأيّ جهة يظنّ بأنّها هي يوجّه



والأحكام في فرض الاجتماع واضحة لا غبار عليها.
وقد يتّفق موت المخّ مع بقاء القلب نابضاً في مدّة مديدة من الزمن، وهذا يتّفق فيما إذا مات المخّ واُبقي القلب نابضاً بالأدوات والآلات وهذا ما يسمّى عادة بالموت السريريّ، ويفعلون ذلك عادة فيما إذا أرادوا الاستفادة من أعضائه للأحياء فيُخرجون العين ـ مثلاً ـ سالمةً لإهدائها أو بيعها للعميان، وكذلك أعضاء اُخرى.
وهذا حكمه الشرعيّ الأوّليّ بشأن المسلم الميّت سريريّاً هو الحرمة؛ لأنّه يجب دفنه بجميع أعضائه، إلّا إذا توقّف واجب أهمّ على ذلك فيجوز، ولكن لهذا المسلم حقّ الدية.
وأمّا بلحاظ باقي أحكام الميّت فأحكام الإرث تجري من حين الموت السريريّ برغم أنّ القلب ينبض بالحياة، وكذلك وجوب تجهيزه وغُسله والصلاة عليه ودفنه إن كان مسلماً، وبدنه نجس ما لم يغسّل بلا إشكال، ولكن مسّه لا يوجب غسل مسّ الميّت؛ لأنّه لم يبرُد.
وقد يتّفق عكس ذلك، أي: أنّ القلب يصاب بسكتة ولكنّ المخّ لم يمت بعدُ كما قيل في هذه الأيّام في بعض الإذاعات: «إنّ امرأة اُصيبت بسكتة قلبيّة ثمّ رجعت بفاصل نصف ساعة»، ونُقل عن الأطبّاء أنّ هذه حالة نادرة وغريبة، يعني: أنّ المخّ يموت عادة بعد سكتة القلب بأقلّ من هذا المقدار من الزمان.
وعلى أيّ حال فمتى ما اتّفق شيء من هذا القبيل فهذا الشخص مادام لم يمت مخّه يعدّ حيّاً وليس حكمه حكم الأموات.
302

الميّت إليها، وإذا تعذّر العلم والظنّ معاً فإلى أيّ جهة يوجّه فهي كافية ومجزية.

ومن ركب البحر ومات ولا سبيل إلى تأخير جثمانه لمكان الضرر، ولا إلى دفنه في الأرض لبعد المسافة وضع في وعاء صلب يتّسع لجثمانه، واُحكم من كلّ جهاته، وسدّت جميع ثغراته، واُلقي في البحر. هذا بعد غسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه.

مكان الدفن:

(154) الدفن يجب أن يكون في الأرض كما عرفنا، فلا تجزي مواراته في داخل صندوق ونحوه؛ حتى ولو جعل الصندوق في بطن الأرض. كما لا يتحقّق الدفن المطلوب شرعاً بوضع الميت في موضع والبناء عليه فإنّ هذا لا يجوز، حتّى ولو كان الدافع اليه دافعاً مؤقّتاً لانتظار فرصة لنقله إلى المشاهد المشرّفة؛ فإنّ في ذلك تأجيلا للدفن الواجب شرعاً، فلا مناصَ إذن عن مواراة الميت في الأرض.

ويجب أن يلاحظ في الأرض التي يدفن فيها الميت ما يلي:

أوّلا: يجب أن يكون المكان مباحاً شرعاً، فلا يسوغ الدفن في أرض يملكها الغير بدون إذنه، ولا في أرض موقوفة لغير الدفن.

ثانياً: لا يسوغ دفن الميّت المسلم في مكان مرذول، كمحلّ القذارة والقمامة.

ثالثاً: لا يسوغ دفن المسلم في مقابر الكفّار (1)، كما لا يسوغ لغير المسلم أن يدفن في مقابر أهل الإسلام (2).

 


(1) فيما إذا استلزم توهينه بذلك، فلو مات ـ مثلاً ـ مسلم في بلد كافر لا مقبرة له إلّا مقبرة الكفّار فلم يكن يعدّ دفن المسلم فيه هتكاً له، إذ لم يكن محلّ مناسب لدفنه إلّا ذاك المكان ولم يمكن نقله إلى بلد المسلمين لم يحرم ذلك.
(2) هذا أيضاً راجع لاستلزام هتك الموتى المسلمين، ولهذا يجوز دفن المرأة الكافرة في مقبرة المسلمين لأجل جنينها الذي دبّ فيه الحياة وكان ولداً لِمسلم بصورة مشروعة.
303

وإذا حَمَلت غير المسلمة من مسلم بصورة مشروعة فجنينها بحكم أبيه المسلم، فإذا ماتت بعد أن دبّت الحياة في الجنين وأيضاً مات الجنين بموتها دفنت في مقابر المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرةً القبلة؛ ليكون وجه الحمل إليها.

والأحوط استحباباً أن يلاحظ في ذلك أن يكون الخدّ الأيمن للجنين نحو الأرض وخدّه الأيسر إلى أعلى؛ وذلك بأن توضع المرأة على جانبها الأيمن.

والأولى والأفضل أن يدفن الميت في أيّ بلد مسلم يموت فيه (1)، سواء مات في بلده أو في غيره فلا ينقل إلى بلد آخر. أجَل، يستحبّ نقل الميت إلى أماكن الطهر والقداسة (2)، وبالخصوص النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة.

(155) نبش القبر والكشف عن الميت حرام محرّم (3)، إلّا مع العلم بأنّ الأرض قد أفنته ولم تُبقِ له لحماً ولا عظماً، ويستثنى من هذا التحريم الحالات التالية:

أوّلا: إذا كان النبش لمصلحة الميت كنقله إلى النجف وكربلاء، أو للخوف على جثته من سيل أو وحش، أو تنفيذ وصية له فيما إذا كان قد أوصى بالدفن في غير المكان الذي دفن فيه وما أشبه.

ثانياً: لتدارك فتنة مستعصية، أو شرٍّ مستطير لا يمكن تفاديها إلّا برؤية جسد الميت ومشاهدته.

ثالثاً: فيما إذا دفن الميت ولم يراعَ في دفنه الشروط الشرعية، أو لم يكن قد استكمل ـ بالصورة الشرعية ـ التجهيزات السابقة على الدفن من التغسيل والتحنيط والتكفين، فإنّه ينبش حينئذ لتدارك الأمر؛ ما لم يكن في ذلك هدر


(1) هذا يتمّ بعنوان رجاء الاستحباب.
(2) بعنوان الرجاء والاستشفاع والتوسّل.
(3) هذا إذا استلزم الهتك، وعلى هذا الأساس قام بعض الاستثناءات المذكورة في المتن.
304

لكرامته وإطاحة بقدره. وأمّا إذا كان قد دفن بدون أن يصلّى عليه فيكفي أن يصلّى عليه وهو في قبره (1)، كما تقدم في الفقرة (151).

رابعاً: إذا دفن معه مال غير زهيد لشخص ولم يكن ذلك الشخص يأذن في ذلك، فينبش لكي يدفع ذلك المال إلى صاحبه.

وليس من مبرّرات النبش وجود ميّت آخر يراد دفنه في نفس القبر، فإنّه لا يجوز نبش القبر لدفن ميّت آخر فيه (2).

أحكام عامّة للأموات وتجهيزهم:

مجموعة الأعمال التي يجب إجراؤها على الأموات من التغسيل إلى الدفن تسمّى بالتجهيز، وللتجهيز أحكام عامّة نذكرها في ما يلي:

(156) أوّلا: أنّ كلّ مَن يمارس شيئاً من تلك التجهيزات لابدّ له إذا لم يكن هو ولي الميّت أن يستأذن منه، على التفصيل المتقدم في أحكام تغسيل الأموات،لاحظ الفقرة (140) و (141).

(157) ثانياً: أنّ الحدّ الأدنى المعقول من النفقات التي يتطلّبها التجهيز الواجب يُستوفى من تركة الميت. ونريد بالحدّ الأدنى المعقول: ما كان وافياً بالمطلوب شرعاً، وخالياً من الضعة والمهانة للميت، ويدخل في ذلك: ثمن الواجب من ماء الغسل والسدر والكافور والكفن، إلى ثمن الأرض للدفن والضريبة المفروضة، والحمّال والحفّار، كلّ ذلك يخرج من أصل تركة الميت مقدماً على الدَين والإرث والوصيّة.

وما زاد عن الحدّ الأدنى المعقول من نفقات التجهيز ـ أي النفقات التي تبذل


(1) الصلاة عليه وهو في قبره حكمٌ احتياطي.
(2) مادام مستلزماً للهتك.
305

للحصول على كفن أفضل أو أرض أحسن، وهكذا ـ لا يخرج من أصل التركة، وكذلك الأمر في نفقات الفاتحة، وإطعام الضيوف الذين يزورون ذوي الميت لتعزيتهم.

فإن اقتصر أولياء الميت وورثته على الحدّ الأدنى من التجهيز الواجب أخرجوا نفقات ذلك من التركة، سواء كان في الورثة صغار وقاصرون أم لا.

وإن أحبّ الورثة الكبار أن يجهّزوا الميت بتجهيز أفضل وأكثر مؤونةً أمكنهم أن يخرجوا الزائد ممّا ورثوه من التركة، وإن وجد في الورثة صغار أو قاصرون فكلّ الزائد من سهم الكبار في التركة، ولا يتحمّل الصغار والقاصرون منه شيئاً.

وإن قام غير الورثة بالتجهيز الأفضل وأنفق على ذلك فليس له أن يرجع على الورثة ويطالبهم بالزائد من النفقات، إلّا إذا كان ما فعله بأمر صادر منهم بصورة صريحة أو بصورة مفهومة عرفاً.

وإذا كان الميت قد أوصى بالصرف من ماله على التجهيز الأفضل وإقامة الفاتحة ونحو ذلك اُخرجت نفقات ذلك من الثلث.

(158) ثالثاً: ويستثنى ممّا ذكرنا في الفقرة السابقة: الزوجة إذا ماتتوزوجها حيّ، فإنّ كلّ ما يجب شرعاً لتجهيز الزوجة على الزوج، حتّى ولو كانت غنيةً أو صغيرةً أو مجنونةً، أو لم يدخل الزوج بها (الدخول: معناه المقاربة والاتّصال الجنسي)، أو كانت الزوجة غير دائمة (أي تزوجها متعةً)، أو مطلَّقة رجعية(1) وماتت فى العدّة.

وأيضاً لا فرق في مسؤولية الزوج عن تجهيز الزوجة بين أن يكون صغيراً أو كبيراً، وعاقلا أو مجنوناً، غنياً أو فقيراً إذا وجد مايكفي لنفقات التجهيز الواجب، أو أمكنه استقراضه بلا عسر ومشقّة.

 


(1) المطلّقة الرجعية: هي المطلّقة التي يجوز للزوج أن يرجع إليها في أثناء العدّة بدون حاجة إلى عقد جديد، وفي مقابلها المطلّقة البائن التي لا يجوز للزوج ذلك بالنسبة إليها.(منه (رحمه الله)).
306

وإذا ماتت الزوجة ومات زوجها في الوقت نفسه كان تجهيزها من تركتها، لا من تركة الزوج. وإذا أوصت بأن تجهّزَ من مالها وأخذت الوصية طريقها إلى التنفيذ لم يجب على الزوج شيء في ماله.

(159) رابعاً: إذا لم يكن للميّت تركة تسدّد منها نفقات التجهيز الواجب وجب على أقربائه الذين كانوا يجب عليهم الإنفاق عليه وإعالته أن يقوموا بتجهيزه (1).

(160) خامساً: إذا مات المسلم وشُكّ في أنّه هل تصدّى أحد من المسلمين لإجراء اللازم عليه من التجهيز وجب التصدّي لتجهيزه، وإذا عُلِمَ بأنّه قد جُهّزَ بصورة غير صحيحة شرعاً وجب أن يُجهَّزَ بصورة صحيحة، ويكفينا بالنسبة إلى إخواننا أبناء السنّة والجماعة أن يكون تجهيز موتاهم صحيحاً على مذهبهم.

وإذا علم المكلّف بأنّ الميت قد جُهِّزَ وشَكّ في أنّ تجهيزه هل كان صحيحاً من الناحية الشرعية أم لا؟ بنى على صحته، ولم يجب عليه شيء.

(161) سادساً: لا يجوز للإنسان أخذ الاُجرة على مجرّد القيام بالتجهيزات الواجبة(2) من التغسيل أو التحنيط أو التكفين أو الدفن، ويسوغ ثمن ماء الغسل، كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور، وغير ذلك من الأشياء التي يتطلّب التجهيز إحضارها وتوفيرها.

ويجوز أيضاً أخذ الاُجرة على كيفية خاصّة غير واجبة في التغسيل أو الدفن ونحوهما، كما في أخذ الاُجرة على الدفن في أرض معينة، أو التغسيل من ماء خاصّ، ونعني بذلك: أنّ المكلّف إذا قال لولي الميت: « لا أدفنه إلّا باُجرة » لم


(1) على الأحوط وجوباً.
(2) يجوز أخذ الاُجرة على الواجب الكفائي.
307

يجز ذلك، وإذا قال له: « أنا حاضر لدفنه، ولكنّي لا أدفنه في ذلك الموضع البعيد من الأرض الذي تريده منّي إلّا باُجرة » جاز له ذلك.

(162) سابعاً: كلّ ما سبق من التجهيزات الواجبة يثبت ويجب إذا كانت جثة الميت ناقصةً أيضاً، كالميت الذي قطعت أطرافه، أو الهيكل العظمي الذي تبدّد لحمه، وكذلك إذا عثر على جزء منه يشتمل على الصدر، أو عثر على الصدر خاصّةً فإنّه يُغسّل ويكفّن، بالنحو المناسب له، ويحنّط إذا كان فيه أحد مواضع التحنيط، ويصلّى عليه، ويدفن. وإذا لم يعثر على الصدر ولكن عثر على عظم من عظام الميت يشتمل على لحم(1) غُسّل ولُفّ بخرقة ودفن، ولا تجب الصلاة. وإذا عثر على لحم له بدون عظم لُفّ بخرقة ودفن، ولم يجب فيه التغسيل (2).

وأمّا الجزء أو العضو المنفصل من الحي فلا يجب فيه شيء من تلك الاُمور.

(163) ثامناً: لا يجوز التمثيل بالميت المسلم أو تشريح جثّته، ولا التصرّف فيها بنحو يوجب إهانته والمسّ من كرامته؛ لأنّ حرمة المسلم ميّتاً كحرمته حيّاً.

وهناك حالات يجوز فيها التشريح ونحوه للضرورة:

منها: إذا حَمَلت المرأة المسلمة ومات حملها وخيف منه على حياتها فإنّه يجب أوّلا أن تعالجَ إخراجَ الجنين من بطنها طبيبة من أهل الاختصاص، وعلى هذه القابلة المختصّة أن ترفق باُمّ الجنين جهدَ المستطيع، حتى ولو استدعى ذلك أن يُقطّعَ الحمل الميت إرباً.

وإن تعذّر وجود المرأة المختصّة والمحارم وانحصرت عملية الإخراج الجراحية الضرورية بأجنبيّ مختصٍّ فلا مانع ـ من الشريعة السمحة ـ أن يباشرها


(1) وكذلك لو لم يشتمل على لحم.
(2) الأحوط ـ إن لم يكن الأقوى ـ وجوب التغسيل.
308

بنفسه، بشرط الاقتصار على ما تدعو إليه الحاجة.

وإن ماتت اُمّ الجنين وهو حيّ أخرجته من بطنها الطبيبة المختصّة أو الطبيب المختصّ على الوجه المتقدّم في موت الجنين دون اُمّه، ويسوغ عندئذ فتح بطن الاُم الميتة؛ حيث يتوقّف إنقاذ الجنين الحي على ذلك.

ومنها: إذا توقّف تعلّم الطبّ على ممارسة التشريح لجثّة إنسان مسلم وكان العدد الواجب تواجده من الأطباء كفايةً غير متوفّر بعد ففي هذه الحالة يجوز ذلك بقدر الضرورة. والمقياس في عدم توفّر العدد الواجب من الأطبّاء أن يوجد في المنطقة ـ التي يريد المكلّف العمل في جزء منها كطبيب ـ من يموت من المرضى بسبب عدم توفّر الطبيب (1).

(164) تاسعاً: لا يجوز أن يُقتَطَع من شعر الميت أو ظفره شيء حال التغسيل، أو قبله، أو بعده، فلو اقُتطِعَ من ذلك شيء قبل أن يدفن وجب دفنه، والأحسن احتياطاً واستحباباً أن يدفن معه (2).

(165) عاشراً: إذا وجدت جنازة الميت مع شخص وكان هو المتولّي لشؤونها، وادّعى أنّه ولي الميّت صُدِّقَ في دعواه، وجرى عليه حكم الولّي شرعاً ما لم يثبت العكس.

 


(1) وكذلك لو توقّف واجب آخر على رفع مستوى الطبّ المتوقف على ذلك من قبيل توقف إعلاء راية الدولة الإسلاميّة المباركة في العالم وعِزّها وشأنها ـ أدام الله عزّها ورفع شأنها ـ على ذلك.
(2) بل لابدّ من جعله في كفنه ودفنه معه لدى الإمكان.