599

الأحكام العامّة

1

مبطلات الصلاة

 

 

○   1 ـ صدور ما يوجب الوضوء أو الغسل.

○   2 ـ الانحراف عن القبلة.

○   3 ـ ما يمحي صورة الصلاة.

○   القهقهة.

○   البكاء.

○   الأكل والشرب.

○   التكلّم.

 

 

601

تبطل الصلاة بمختلف أنواعها(1) باُمور:

منها: ما يبطل الصلاة بصورة مؤكّدة.

ومنها: ما يفرض على المصلّي وجوباً واحتياطاً أن يعيد صلاته. وهذه الاُمور كما يلي:

(1) أوّلا: إذا وقع منه ما يوجب الوضوء عليه أو الغسل في أثناء الصلاة. ولا فرق في بطلان الصلاة بذلك بين أن يخرج عن عمد أو بلا قصد وبين أن يقع في أوّل الصلاة أو في آخرها، حتّى ولو وقع في أثناء التسليم؛ فإنّ على المصلّي حينئذ أن يعيد صلاته.

(2) ثانياً: إذا التفت في الصلاة ببدنه أو بوجهه على نحو لم يعدّ مستقبلا للقبلة وكان متعمّداً في ذلك فإنّ صلاته تبطل، حتّى ولو أسرع إلى تدارك الموقف وأعاد وجهه وبدنه إلى القبلة. وأمّا إذا لم يكن متعمّداً، بل كان ناسياً وذاهلا فلا تعتبر صلاته باطلة، إلّا إذا توفّر أمران:

 


(1) الصلاة على الميّت لا تبطل ببعض ما يأتي، وهي ليست صلاةً إلّا بالاسم، كما تقدم.(منه (رحمه الله)).
602

أحدهما: أن يتفطّن لذلك قبل انتهاء الوقت المضروب للصلاة، فلو تفطّن بعد ذلك لم يكن عليه شيء.

والآخر: أن يكون قد التفت بكلّ بدنه التفاتاً شديداً جعل القبلة وراء ظهره أو عن يمينه أو يساره، فلو مال عن القبلة على نحو كانت القبلة أقرب من ذلك إلى وجهه صحّت صلاته، أي أن يكون انحرافه عن القبلة بأقلّ من تسعين درجة، أقلّ من زاوية قائمة.

(3) ثالثاً: إذا صدرت من المصلّي أفعال وتصرّفات لا يبقى معها للصلاة اسم ولا صورة فإنّ ذلك يبطل الصلاة، سواء صدر منه ذلك عن عمد واختيار، أم عن سهو وذهول، أم عن اضطرار والتجاء، ومن أمثلة ذلك: الرقص والتصفيق (1)، وممارسة الخيّاط لخياطة الثوب، وممارسة الطبيب لفحص المريض والكشف عليه، ونحو ذلك.

ولا تضرّ الحركة الخفيفة أثناء الصلاة مع بقاء اسمها وشكلها، كالإشارة باليد إلى شيء، أو رفع ما على الرأس أو وضعه، أو استعمال المروحة، أو الانحناء لتناول شيء من الأرض، أو المشي قليلا إلى إحدى الجهات مع الحفاظ على الاستقبال.

كما يجوز أيضاً للمرأة المصلّية حمل الصبي وإرضاعه (2)، كما يسوغ للمصلّي قتل الحية والعقرب مثلا.

(4) رابعاً: القهقهة، وهي شدّة الضحك والترجيع به، وتبطل الصلاة بذلك، سواء كان المصلّي مختاراً أو مضطراً، وأمّا إذا صدر منه ذلك بسبب نسيانه وذهوله


(1) إذا كان ماحياً لصورة الصلاة.
(2) يعني ما لم يُؤدِّ إلى محو صورة الصلاة.
603

عن الصلاة فلا شيء عليه وكانت صلاته صحيحة.

ولا تبطل الصلاة بالتبسّم ولو كان عن عمد، ولا بامتلاء الجوف بالضحك واحمرار الوجه مع سيطرة المصلّي على نفسه وحبسه لصوته.

(5) خامساً: البكاء، فإنّه يُبطل الصلاة إذا توفّرت فيه الاُمور التالية:

أوّلا: أن يكون مشتملا على صوت، فلا تبطل الصلاة إذا دمعت عينا المصلّي بدون صوت.

ثانياً: أن يكون الدافع إلى البكاء دافعاً شخصياً، كالبكاء على قريب له، أو لأمر من اُمور الدنيا. وأمّا إذا كان الدافع دينياً فلا تبطل به الصلاة، كالبكاء خوفاً من الله تعالى، أو شوقاً إلى رضوانه، أو تضرّعاً إليه لقضاء حاجة ماسّة، أو البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام) أو لمصيبة اُخرى من مصائب الإسلام.

ثالثاً: أن يبكي المصلّي وهو ملتفت إلى أنّه يصلّي، فإذا بكى ذاهلا عن الصلاة صحّت صلاته.

فمتى توفّرت هذه الاُمور الثلاثة كان البكاء مبطلا (1)، حتّى ولو صدر من المصلّي اضطراراً وبدون قدرة على إمساكه.

(6) سادساً: الأكل والشرب، سواء مَحيا صورة الصلاة وذهبا باسمها أوْ لا، هذا إذا أكل أو شرب وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة، وأمّا إذا كان ناسياً وذاهلا عن الصلاة فلا تبطل بذلك؛ إلّا إذا أكل وشرب على نحو محا صورة الصلاة وذهب باسمها.

ويسوغ ـ بصورة استثنائية ـ للمصلّي في صلاة الوتر ـ إذا كان عطشاناً وقد نوى الصوم؛ وكان الفجر قريباً يخشى مفاجأته ـ أن يشرب الماء إذا كان أمامه أو


(1) هذا حكمٌ احتياطي.
604

قريباً منه قدر خطوتين أو ثلاث؛ فيتخطى إليه ويشرب حتّى يرتوي؛ ثمّ يرجع إلى مكانه ويتمّ صلاته.

ولا حرج على المصلّي عموماً في ابتلاع بقايا الطعام اللاحقة بالأسنان، أو بقايا حلاوة السكر الذائب في الفم، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ أكلا وشرباً بالمعنى الكامل.

(7) سابعاً: التكلّم، فكلّ من تكلّم في صلاته وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة بطلت صلاته، ونعني بالتكلّم: النطق ولو بحرف واحد، سواء أكان لهذا الحرف معنىً أم كان بلا معنى، وسواء أخاطَبَ بما نطق أحداً أم لم يخاطب. وإذا تكلّم ساهياً عن الصلاة صحّت صلاته.

ولا بأس بالتَنحنُح والأنين والتأوُّه والنفخ؛ لأنّ ذلك كلّه لا يعتبر تكلّماً.

ويستثنى من بطلان الصلاة بسبب التكلّم:

(8) أوّلا: إذا كان الكلام مناجاةً لله سبحانه.

(9) ثانياً: إذا كان ذكراً أو دعاءً شريطة أن لا يخاطب به غير الله تعالى، فإذا قال المصلّي: « غفر الله لك » بطلت صلاته وإن كان هذا الكلام دعاء؛ لأنّه خوطب به غير الله تعالى. وأمّا إذا قال: « اغفر لي يا ربّي، أو غفر الله لأبي » لم تبطل صلاته.

(10) ثالثاً: إذا كان المصلّي يقرأ القرآن في كلامه، فإنّ الصلاة لا تبطل بقراءة القرآن.

(11) رابعاً: إذا سلّم عليه مسلّم فإنّه يسوغ له ويجب عليه أن يردّ السلام، فإذا كان المسلّم قد قال: « السلام عليك »، أو: « سلام عليك »، أو: « السلام عليكم » أجاب بشيء من هذه العبارات أيضاً، مقدّماً كلمة « السلام » على كلمة « عليك » أو « عليكم ».

605

وإذا كان المسلّم قد قال على خلاف العادة « عليك السلام »، أو « عليكم السلام » فبإمكان المصلّي أن يجيب كيفما أراد؛ مقدّماً كلمة « السلام »، أو مؤخّراً لها عن كلمة « عليك » أو « عليكم » (1).

وكذلك الأمر إذا لم يتنبّه المصلّي إلى عبارة مَن سلّم عليه، فلم يعرف ـ مثلا ـ هل قال: « سلام عليكم »، أو: « عليكم السلام » فإنّ بإمكان المصلّي في هذه الحالة أن يجيب بأحد هذين النحوين (2).

وإذا لم يردّ المصلّي السلام إطلاقاً صحّت صلاته وكان مقصّراً في عدم ردّ التحية.

(12) وكلّ ما تقدّم من المبطلات لا يبطل الصلاة إذا كان المصلّي قد أتى به وهو جاهل بالحكم الشرعي وغير ملتفت إلى أنّه مبطل، إلّا الأول والثاني. وكلّ ما كان ماحياً لاسم الصلاة وصورتها فإنّ الجهل فيها ليس عذراً.

(13) وضع إحدى اليدين على الاُخرى حال القراءة في الصلاة غير مطلوب شرعاً، ومن صنع ذلك قاصداً أنّه مطلوب ومحبوب للشارع فقد فعل حراماً؛ لأنّه شرّع (3)، ومن أتى به ولم يقصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته تقع صحيحة، وأمّا إذا قصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته باطلة ما لم يكن معتقداً خطأً بأنه جزء.

 


(1) والأحوط وجوباً أن يعيد الصلاة بعد ذلك.
(2) ثمّ يعيد الصلاة احتياطاً.
(3) الأحوط وجوباً تركه حتّى بلا قصد التشريع، ولكن لو فعله لم تبطل صلاته إلّا إذا قصد الجزئيّة.
606

وكذلك أيضاً قول « آمين » بعد قراءة الفاتحة (1).

وإذا شكّ المصلّي في أنّه هل أتى بما يبطل الصلاة مضى ولا شيء عليه.

(14) وقطع الصلاة المندوبة سائغ، وأمّا الفريضة الواجبة فلا تقطع إلّا بشرط وجود مبرّر ضروري، أو حاجة يهتمّ بها ويخشى فواتها إذا واصل صلاته، فمن كان يصلّي في البيت وحده وطُرِق الباب أو دُقّ جرس التلفون وهو مهتمّ بالتعرف على الطارق ويخشى أن يتعذّر عليه ذلك إذا واصل صلاته جاز له قطع الصلاة والتعرّف على ما يهمّه.



(1) الأحوط وجوباً البناء على بطلان الصلاة بقولة «آمين» بعد الحمد ولو لم تكن بقصد الجزئيّة.

607

الأحكام العامّة

2

قضاء الصلاة

 

 

○   ماذا يقضى من الصلاة؟

○   ما هو سبب القضاء؟

○   كيف تقضى الصلاة؟

○   أحكام لصلاة القضاء.

○   القضاء عن الوالد.

 

 

609

لكلٍّ من كلمتي « الأداء » و « القضاء » معان في اللغة، وقد تستعملان في معنىً واحد، مثل « أدّى ما عليه من دَين »، و « قضى ما عليه من دَين »، بمعنى أعطى الدين لأهله كاملا.

ولكن في الفقه تستعمل كلمة « الأداء » غالباً في تأدية الشيء والإتيان به في حينه المعيّن ووقته المحدّد له دون تأخير، وتستعمل كلمة « القضاء » غالباً في تدارك الشيء المطلوب الذي فات أداؤه وتلافيه بالإتيان به بعد انتهاء وقته، مثلا يقال فقهياً عمّن أدّى صلاة العصر قبل غروب الشمس: قد أدّى الصلاة، فإذا تركها في وقتها وأتى بها بعد غروب الشمس يقال: قضى الصلاة.

ونحن نسير على هذا الأساس في استعمال هاتين الكلمتين.

ماذا يُقضى من الصلاة؟

(15) تُقضى الفرائض الخمس من الصلوات اليومية وجوباً، فمن فاتته واحدة منها يجب عليه أن يقضيها، وتُقضى صلاة الآيات وجوباً أيضاً باستثناء حالة واحدة، وهي: أن تكون الآية خسوفاً أو كسوفاً غير مستوعبين لكلّ قرص القمر أو الشمس، ويكون المكلّف غير عالم حين وقوع الخسوف أو الكسوف

610

بذلك، ففي هذه الحالة لا يجب القضاء، وفي غيرها من الحالات يجب.

(16) وتُقضى أيضاً نوافل الصلوات اليومية استحباباً، بمعنى أنّ مَن لم يؤدّ تلك النوافل في أوقاتها استحبّ له أن يقضيها.

(17) وتُقضى استحباباً كلّ نافلة مؤقّتة ولا تؤدّى في وقتها (1)، كصلاة أوّل الشهر ـ مثلا ـ فإنّه يستحب قضاؤها ويستثنى من ذلك صلاة العيدين فإنّها لا تقضى كما يأتي.

(18) وإذا وجبت إحدى النوافل المؤقّتة يوميةً أو غيرها بنذر ونحوه فالأجدر بالمكلف احتياطاً استحباباً أن يقضيها(2) إذا فاتته في وقتها، وإذا لم يقضِها لم يكن آثماً.

(19) ولا قضاء لصلاة الجمعة، فإنّ الانسان إذا لم يؤدّها في وقتها تعيّن عليه أن يصلّي الظهر. ولا قضاء لصلاة العيدين في حالات وجوبها واستحبابها. ولا قضاء للنوافل غير المؤقّتة؛ لأنّها لا تختصّ بوقت دون وقت، غير أنّ الأجدر بالمكلف إذا نذر أن يأتي بواحدة منها وعيّن في نذره زمناً خاصّاً ولم يأتِ بها في ذلك الزمن أنّ الأجدر به في هذه الحالة احتياطاً استحباباً أن يقضيها، وإذا لم يقضِها لم يكن آثماً.

ما هو سبب القضاء؟

(20) وسبب القضاء عدم أداء الصلاة المقرّرة بصورة صحيحة في وقتها المضروب لها، إمّا بتركها رأساً، أو بالإتيان بها بصورة باطلة شرعاً، والعبارة


(1) يفعل ذلك بنيّة الرجاء لا الورود.
(2) بقصد الرجاء.
611

الشاملة هي فوت الصلاة في وقتها، فمن فاتته الصلاة في وقتها توجّه إليه القضاء.

(21) وليس كلّ مَن لم يؤدّ الصلاة فقد فاتته الصلاة ويجب عليه قضاؤها، وإنّما يتوقّف ذلك على توفّر أحد الأمرين التاليين:

الأوّل: أن يكون الإنسان قد كُلّف بتلك الصلاة في وقتها المضروب لها ولم يصلّها عصياناً أو نسياناً أو جهلا منه بالتكليف، ونحو ذلك فيجب على المكلّف حينئذ أن يقضيها. ويُستثنى من ذلك الكافر بالأصل الذي نشأ على الكفر؛ فإنّه لا يقضي ما يتركه من صلوات على الرغم من أنّه مكلَّف بكلّ صلاة في وقتها، وأمّا المسلم الذي يكفر عن رِدّة فيترك الصلاة فيجب عليه القضاء.

الثاني: أن يكون الإنسان قد سقط عنه التكليف بتلك الصلاة في وقتها؛ بسبب عدم وجود الشرط الثالث من الشروط العامّة للتكليف وهو القدرة، فمن كان غير مكلّف بالصلاة في وقتها لعجزه وقتئذ عن أدائها يجب عليه قضاؤها، سواء كان العجز ناشئاً من فقدان الإنسان لوعيه كعجز النائم إذا استمرّ نومه طيلة وقت الصلاة، وكذلك المخدَّر، أو كان العجز لسبب آخر مع وجدان الإنسان لوعيه، من قبيل الإنسان الذي عجز عن الحصول على ما يتوضّأ به أو يتيمّم به للصلاة، ففي كلّ هذه الحالات يجب القضاء.

ويستثنى من ذلك ما إذا حصل فقدان الوعي بسبب إغماء قاهر لا دخل للإنسان فيه، كالمريض يُغمى عليه ففي هذه الحالة لا يجب القضاء.

(22) وعلى أساس ما تقدّم يتّضح أنّه لا قضاء للصلوات التي تفوت الناس حال الصغر وعدم البلوغ، أو حال الجنون، أو حال الحيض، أو حال النفاس؛ لأنّ هؤلاء وإن كانوا قد تركوا الصلاة في تلك الحالات ولكنّهم لم يكونوا مكلَّفين بها

612

بسبب الصغر أو الجنون أو الحيض أو النفاس، فلا يجب قضاء ما ترك بسبب تلك الأشياء إذا كانت تلك الأشياء مستوعبةً لوقت الصلاة.

(23) وإذا دخل وقت الفريضة على الإنسان وهو غير بالغ أو مجنون أو مغمىً عليه بإغماء قاهر، أو كافر بالأصل ـ أي نشأ كافراً ـ وقبل انتهاء الوقت بلغ أو عقل أو أفاق من الإغماء أو أسلم: فإن كان قد بقي من الوقت ما يتّسع ولو لركعة من صلاة الفريضة (حتى ولو مع التيمّم إذا لم يتيسّر الوضوء لضيق الوقت) وجب عليه ـ كما تقدّم في أوقات الصلاة ـ أن يصلّي صلاة الفريضة قبل انتهاء الوقت، فإذا لم يصلّ كذلك حتى انتهى وجب عليه القضاء.

وإن كان ما بقي من الوقت حين بلغ أو عقل أو أفاق أو أسلم لا يتّسع حتّى لركعة من ذلك القبيل فلا تجب عليه تلك الصلاة؛ ولا يجب عليه قضاؤها.

(24) وإذا دخل وقت الفريضة على المرأة وهي حائض ثمّ نَقَت قبل انتهاء الوقت فهناك حالتان:

الاُولى: أن تنقى وفي الوقت متّسع للغسل والصلاة؛ فيجب عليها أن تغتسل وتصلّي، وإذا لم تفعل وجب عليها القضاء.

الثانية: أن تنقى وليس في الوقت متّسع للغسل؛ وإنّما يتّسع للتيمّم، فيجب عليها أن تتيمّم وتصلّي، وإذا لم تفعل فلا يجب عليها القضاء.

(25) وإذا دخل وقت الفريضة على الإنسان وهو سليم من الجنون أو الإغماء؛ ثمّ مُنِيَ بأحدهما في أثناء الوقت قبل أن يؤدّي الصلاة وجب عليه القضاء بعد الإفاقة إذا كانت الفترة التي سبقت الجنون أو الإغماء من وقت الفريضة تتّسع لصلاة فريضة تامّة بما يجب لها من التطهير، وكذلك إذا كانت تتّسع لصلاة فريضة تامّة فقط وكان بإمكان الإنسان أن يتطهّر لها قبل دخول الوقت، وأمّا إذا

613

كانت تلك الفترة لاتتّسع لأداء صلاة فريضة تامّة فلا يجب القضاء.

وكذلك الأمر إذا حاضت المرأة أو بدأ بها النفاس بعد دخول وقت الفريضة ولم تكن قد صلّت.

كيف تُقضى الصلاة؟

(26) تُقضى الصلاة ويؤتى بها خارج الوقت بنفس الطريقة والكيفية التي كان من المفروض مراعاتها لو أتى بها أداءً في أثناء الوقت، فما فات الإنسان من صلاة وهو مسافر يقضيه قصراً ولو كان حين القضاء في بلدته، وما فات من صلاة وهو حاضر في بلدته يقضيه تماماً ولو كان حين القضاء مسافراً.

وإذا دخل عليه وقت الفريضة وهو في حال السفر ورجع إلى بلده قبل انتهاء الوقت ولكن لم يصلّ وجب عليه أن يأتي بها عند القضاء تماماً مراعاةً لحالته في آخر الوقت، وفي حالة العكس يأتي بها قصراً.

(27) وليس للقضاء وقت خاصّ، فمن فاتته فريضة ووجب عليه قضاؤها له أن يأتي بها متى شاء، وليس من الواجب الإسراع بإقامتها، بل له تأجيلها ما لم يؤدّ ذلك إلى الإهمال ويعرّضها إلى الفوات نهائياً.

(28) وإذا فاتته أكثر من صلاة واحدة ـ كصلاتين مثلا ـ فإن كانتا ظهراً وعصراً ليوم واحد، أو مغرباً وعشاءً لليلة واحدة وجب أن يقضي الظهر قبل العصر، وأن يقضي المغرب قبل العشاء، وإن كانتا على نحو آخر فهو مخيَّر في تقديم ما شاء وتأخير ما شاء، كما إذا فاتته صبح وظهر ومغرب.

وعلى هذا الأساس فمن فاتته الصلاة سنةً كاملة أو شهراً كاملا أمكنه أن

614

يقضي الصلوات بالترتيب: الصبح، ثم الظهر والعصر، ثمّ المغرب والعشاء، ثمّ الصبح، وهكذا، وأمكنه أن يختار اُسلوباً آخر، فيقضي ـ مثلا ـ صلوات الصبح كلّها، ثمّ صلوات الظهر كلّها، أو صلوات الظهر والعصر كلّها، ثمّ صلوات المغرب والعشاء كلّها.

الشكّ:

(29) إذا شكّ في أنّه هل فاتته فريضة فيما مضى من صلوات أوْ لا؟ فلا يجب عليه أن يأتي بها. وإذا علم أنّه لم يكن يصلّي فترةً من الزمن وشكّ في أنّه هل كان بالغاً وقتئذ أوْ لا؟ فلا يجب عليه أيضاً الإتيان بها.

وإذا علم أنّ صلاة فاتته ولا يدري هل هي الصبح أو الظهر أو المغرب؟ وجب عليه أن يأتي بثلاث صلوات رَكعتين وأربع ركعات وثلاث ركعات. وإذا علم أنّه قد فاتته فريضة ذات أربع ركعات ولم يعلم هل هي الظهر أو العصر أو العشاء؟ صلّى صلاةً رباعيةً عمّا في عهدته، وكان مخيّراً في القراءة بين الجهر والإخفات.

وإذا فاتته فرائض ولا يعلم عددها؛ فلا يدري ـ مثلا ـ هل هي خمس صلوات أو أكثر؟ أمكنه أن يقضي خمس صلوات ويكتفي بذلك، وهكذا يجوز أن يقتصر دائماً على الأقلّ عدداً.

أحكام لصلاة القضاء:

(30) إذا اجتمعت على المكلّف صلاة فائتة وصلاة حاضرة لا يزال وقتها باقياً فهو مخيّر بأيّهما بدأ؛ ما لم يكن وقت الصلاة الحاضرة ضيّقاً ويخشى أن

615

تفوت إذا تشاغل عنها بالقضاء، فمن نام عن صلاة الصبح ولم يقضِها حتى صار الظهر جاز له أن يصلّي الظهر، ثمّ يقضي الصبح، وجاز له العكس ما لم يكن وقت الظهر ضيّقاً.

(31) وإذا كان على الإنسان قضاء صلاة أو صلوات فهل يسوغ له أن يؤدّيها في حالة مرضه وعجزه عن إنجازها بالصورة الكاملة، مثلا يتيمّم ويصلّي، أو يصلّي من جلوس؟

والجواب: إذا كان واثقاً من استرجاعه لصحّته بعد ذلك فعليه أن يؤخِّر القضاء إلى حين يتمكّن من الإتيان بها كاملة، وإلّا جاز له أن يقضي على النحو الذي يناسب حاله كمريض أو عاجز.

وقد تسأل: أنّه إذا قضى ماعليه في هذه الحالة فصلّى جالساً؛ ونشط بعد ذلك وزال مرضه فهل يكرِّر القضاء ويصلّي قائماً؟

والجواب: نعم، يجب ذلك ما دام النقص الذي وقع منه في صلاته ممّا لا يُعذَر فيه الجاهل (1)، كما في هذا المثال. وسيأتي في أحكام الخلل التمييز بين ما يُعذَر فيه الجاهل وما لا يُعذَر.

القضاء عن الوالد:

(32) وكما يجب على المكلّف أن يقضي ما فاته من الصلوات الواجبة التي ذكرناها كذلك يجب أن يقضي ما فات والده من تلك الصلوات إذا كان الولد ذكراً؛ ولم يكن للوالد ولد ذكر أكبر منه حيّ حين وفاة والده، ولا يجب ذلك على البنت، ولا على الابن الأصغر.

 


(1) بل تجب الإعادة حتّى لو كان النقص ممّا يعذر فيه الجاهل.
616

وإذا كان للوالد ابنان متساويان في العمر، كما لو كانا مولودين لأب واحد من زوجتين في وقت واحد كان القضاء عنه في عهدتهما متضامنين، فإن أدّى أحدهما سقط عن الآخر، وإلّا كانا آثمين معاً.

وإذا أدّى أحدهما قسماً وأدّى أخوه القسم الآخر تحقّق المطلوب أيضاً.

وإذا كان هذان الابنان توأمينِ كان القضاء على أسبقِهما ولادةً.

وإذا أوصى الوالد بأن يُقضى عنه من تركته ونفّذت الوصية سقط القضاء عن ابنه، وكذلك إذا تبرّع متبرّع آخر بالقضاء عن والده.

ويجوز للابن الذي وجب عليه القضاء عن أبيه أن يستأجر لذلك خروجاً عن العهدة، ويبذل من ماله الاُجرة إذا لم يكن الوالد قد أوصى بإخراجها من الثلث، وإلّا كان بالإمكان إخراجها من الثلث.

وإذا شكّ الولد في أنّ أباه هل فاتته صلوات في حياته أم لا ؟ فلا يجب عليه شيء. وإذا كان الولد على يقين من أنّ أباه كانت عليه صلوات ولكنّه شكّ في أنّه هل أدّاها قبل وفاته أم لا ؟ فعليه أن يؤدّيها.

617

الأحكام العامّة

3

الخلل

 

 

○   الحالات التي تبطل فيها الصلاة على أيّ حال.

○   الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة.

 

 

619

قد يُخِلُّ المصلّي بشيء ممّا يجب عليه في صلاته: إمّا عن عمد والتفات، وإمّا عن غفلة ونسيان، وإمّا عن جهل بالحكم الشرعي. وقد استعرضنا في فصل الأجزاء والشروط العامّة بصورة متفرّقة عدداً كبيراً من هذه الحالات مع أحكامها من خلال عرض تلك الأجزاء والشرائط، ونزيد ذلك توضيحاً واستيعاباً فيما يلي. فنستعرض بصورة متتابعة مجموعةً من الحالات للخلل، ونذكر أحكامها، ثمّ نوضّح القواعد العامّة التي تقوم تلك الأحكام على أساسها.

(33) إذا أخلّ المصلّي بواجبه فترك شيئاً من أجزاء الصلاة أو شرائطها عامداً، أو عالماً بأنّه جزء أو شرط بطلت صلاته؛ لأنّها ناقصة.

(34) وإذا زاد في صلاته عامداً وملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز بطلت صلاته، كما تقدّم في الفقرة (156) من فصل الشروط والأجزاء العامّة.

وأمّا في غير حالة العامد الملتفت إذا أنقص أو أزاد فهناك حالات تبطل فيها الصلاة بالنقص أو الزيادة على أيّ حال، وهناك حالات لا تبطل فيها.

620

الحالات التي تبطل فيها الصلاة على أيّ حال

 

(35) أمّا الحالات التي تبطل فيها الصلاة على أيّ حال فهي كما يلي:

1 ـ إذا ترك تكبيرة الإحرام نسياناً أو جهلا ثمّ تفطّن في أثناء الصلاة أو بعدها.

2 ـ إذا ترك الركوع من ركعة حتّى سجد السجدة الثانية منها ثمّ تفطن في أثناء الصلاة أو بعدها.

3 ـ إذا ترك كلتا السجدتين من ركعة إلى أن ركع ركوع الركعة التي بعدها ثمّ تفطّن.

4 ـ إذا ترك القيام حال تكبيرة الإحرام فكبّر جالساً وهو ممّن يجب عليه القيام.

5 ـ إذا ترك القيام في الركوع فركع جالساً وهو ممّن يجب عليه القيام فيه.

6 ـ إذا ركع ناهضاً من حالة الجلوس، لا هاوياً من حالة القيام.

7 ـ إذا صلّى بدون ما يجب عليه من وضوء وغسل وتيمّم، أو صدر منه في أثناء الصلاة ما يوجب الوضوء أو الغسل.

8 ـ إذا صدرت منه تصرّفات أدّت إلى محوِ اسم الصلاة والذهاب بصورتها.

9 ـ إذا صلّى في النجاسة ـ التي لا تسوغ في الصلاة ـ نسياناً، أو جهلا بالحكم.

10 ـ إذا ركع في ركعة واحدة ركوعين.

11 ـ إذا سجد في ركعة واحدة أربع سجدات.

12 ـ إذا صلّى إلى غير القبلة جهلا منه بأنّ استقبال القبلة واجب فصلاته

621

باطلة.

13 ـ إذا كان عالماً بأنّ استقبال القبلة في الصلاة واجب؛ ولكن نسي هذا الوجوب فصلّى إلى غير القبلة نسياناً فصلاته باطلة.

14 ـ إذا صلّى والقبلة عن يمينه أو يساره أو خلفه وهو يعتقد بأنّها أمامه، واكتشف الحال قبل انتهاء الوقت فصلاته باطلة.

15 ـ إذا صلّى قبل الوقت المحدّد جهلا منه بالوقت، أو غفلةً، أو اعتقاداً بدخول الوقت المحدّد لها فإنّ الصلاة تقع باطلة، وكذلك إذا وقعت بداية الصلاة قبل الوقت، إلّا في حالة واحدة تقدمت في فصل أنواع الصلاة الفقرة (80).

622

الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة

 

أمّا الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة من الناسي أو الجاهل بالحكم الشرعي غير الملتفت إليه فهي ما سوى ذلك، وتنقسم إلى قسمين:

أحدهما: الحالات التي يجب فيها على المصلّي أن يتدارك ما صدر منه ويعود إلى ما نسيه، فيأتي به وما بعده ويواصل صلاته.

والآخر: الحالات التي لا يجب فيها على المصلّي التدارك والإتيان بما نسيه، بل يكتفي بصلاته الناقصة (نريد بالتدارك: الإتيان بما تركه وبما بعده من أعمال).

حالات التدارك:

(36) أمّا حالات التدارك فهي كما يلي:

إذا ترك شيئاً من فاتحة الكتاب أو السورة التي عقيبها وتفطّن قبل الركوع من تلك الركعة فإنّه يأتي بما تركه وما بعده ويواصل صلاته.

إذا ترك شيئاً ممّا يجب مِن قراءة أو تسبيحات في الركعة الثالثة أو الرابعة وتفطّن قبل الركوع من تلك الركعة فإنّه يأتي بما تركه وما بعده ويواصل صلاته.

إذا ترك الركوع وتفطّن قبل أن يسجد السجدة الثانية من تلك الركعة فإنّه يقوم واقفاً ثمّ يأتي بالركوع وما بعده ويواصل صلاته.

إذا ترك السجدتين من ركعة، أو السجدة الثانية منها فقط وتفطّن قبل أن يركع في الركعة اللاحقة رجع إلى السجود وأتى به وبما بعده وواصل صلاته.

623

إذا ترك التشهّد في الركعة الثانية ونهض قائماً وتفطّن قبل أن يركع رجع وأتى بالتشهّد وبما بعده وواصل صلاته.

إذا ترك سجدتين من الركعة الأخيرة أو التشهّد من تلك الركعة أو التسليم وتفطّن قبل أن يحدث ـ أي قبل أن يصدر منه ما يوجب الوضوء أو الغسل ـ أو تنمحي صورة الصلاة وتنقطع نهائياً تدارك وأتى بما تركه وما بعده.

حالات عدم التدارك:

(37) وأمّا حالات عدم وجوب التدارك على مَن ترك نسياناً، أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي فهي كما يلي:

إذا ترك القراءة (الفاتحة، أو السورة) أو أيّ جزء من ذلك، أو ما ينبغي أن يقال في الركعة الثالثة والرابعة (الفاتحة، أو التسبيحات) أو أيّ جزء من ذلك وتفطّن بعد أن ركع فلا يجب عليه التدارك، ويواصل صلاته.

إذا ترك الذكر في ركوع أو سجود وتفطّن بعد أن رفع رأسه وخرج عن حالة الراكع أو الساجد فلا يجب عليه التدارك، ويواصل صلاته.

إذا ترك السجدة الثانية من أيّ ركعة، أو التشهّد من الركعة الثانية، أو شيئاً من هذا التشهّد حتىّ ركع في الركعة اللاحقة فلا يجب عليه التدارك، ويواصل صلاته، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه بعد الانتهاء من الصلاة على ما يأتي.

إذا ترك السجدة الثانية من الركعة الأخيرة، أو التشهّد منها، أو التسليم وتفطّن بعد أن مضت فترة طويلة وذهبت صورة الصلاة نهائياً فقد صحّت صلاته ومضت، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه من السجدة أو التشهّد على ما يأتي.

وإذا ترك القيام حال القراءة فقرأ جالساً وتفطّن بعد أن أكمل القراءة