383

استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنىً:

الجهة الثالثة: في أنّه: هل يمكن استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنىً واحد، أو لا؟

وهذا البحث يتطرّق أيضاً في استعمال اللفظ في معنىً حقيقيّ مع معنىً مجازيّ، أو في معنيين مجازيين.

وينبغي أن يعلم أنّ المقصود باستعمال المشترك في معنيين: استعماله فيهما بما هما معنيان بحيث يكون هناك استعمالان، لا استعماله فيهما بعد إلباسهما ثوب الوحدة وجعلهما معنىً واحداً مركّباً تركيباً اعتباريّاً؛ فإنّ هذا استعمال واحد للفظ في معنىً واحد، وهو خارج عمّا نحن فيه.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّه ادّعى جماعة من المحقّقين استحالة استعمال اللفظ في معنيين، وقرّب ذلك بثلاثة أوجه:

الوجه الأوّل: ما نسب إلى المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1)، وحاصله: أنّ استعمال اللفظ في معنيين يتوقّف على تصوّر المعنى ولحاظه، فإذا أراد استعماله فيهما في وقت واحد لزم أن يلحظ في وقت واحد كليهما، وعندئذ نتساءل: هل يلحظهما بلحاظ واحد، أو بلحاظين؟ فإن فرض أنّه يلحظهما بلحاظ واحد، أي: أنّه يركّب منهما تركيباً اعتباريّاً وحدانيّاً، ويلبسهما ثوب الوحدة، ويلحظ هذا الواحد، فهذا خلف


وجواب اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) على ذلك هو: أنّ بالإمكان الاحتفاظ بتعدّد الوضع أيضاً، وذلك بالالتزام بعدّة تعهّدات مشروطة ومقيّدة لا مطلقة، فوزان ذلك وزان الوجوب التخييريّ بناءً على رجوعه إلى عدّة وجوبات مشروطة، لا إلى وجوب أحدها.

(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 51 ـ 52.

384

وخروج عن محلّ الكلام. وإن فرض أنّه يلحظهما بلحاظين، فهذا غير معقول؛ لأنّ النفس بقطع النظر عن ضمّ ضمائم إليها لا يصدر عنها لحاظان في وقت واحد لبساطتها. نعم، يمكن ذلك بضمّ الضمائم من قبيل: أنّ النفس مع ضمّ جهاز البصر تلحظ المبصر، ومع ضمّ جهاز اللمس تلحظ الملموس، ففي وقت واحد تلحظ شكل التفّاحة ونعومتها، لكن بتوسّط الحيثيّات والقوى(1).

وهذا البرهان غير تامّ؛ لأنّنا نختار الشقّ الثاني، أعني: أنّه يلحظهما لحاظين استقلاليّين. ودعوى استحالة صدور لحاظين من النفس باطلة نقضاً وحلاًّ:

أمّا النقض، فيمكن أن ننقض بأمرين:

الأوّل: أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) يعترف بأنّ النفس يمكن أن تلحظ مركّباً اعتباريّاً. ومن الواضح: أنّ المركّب الاعتباري تلبسه النفس ثوب الوحدة، والنفس حينما تعطي ثوب الوحدة لابدّ لها أن تلحظ ما تعطيها إيّاه، وهو في المرتبة السابقة على هذه الوحدة شيئان مستقلاّن، أو أشياء، إذن فالنفس تلحظ هذه الأشياء بما هي كثيرة ثُمّ تلبسها الوحدة.

الثاني: أنّه عند تشكيل قضيّة تصديقيّة لها موضوع ومحمول لابدّ أن يكون الموضوع ملحوظاً والمحمول ملحوظاً، وإلاّ لاستحال صدور الحكم، وعندئذ نسأل: هل يلحظهما بلحاظ واحد أو بلحاظين مستقلّين؟ فان فرض لحاظهما بلحاظ واحد، صار شيئاً مركّباً واستحال انعقاد جملة تامّة منهما. وإن فرض لحاظهما بلحاظين مستقلّين فقد ثبت إمكان تعدّد اللحاظ في آن صدور الحكم من


(1) هذا الذيل، وهو بيان إمكان تعدّد اللحاظ بتوسّط ضمّ الحيثيّات والقوى غير موجود في أجود التقريرات.

385

قبل النفس(1).

وأمّا الحلّ، فمجاله في الفلسفة لا هنا، ولكنّنا نقول إجمالاً: إنّ النفس ليست بسيطة بذاك المعنى الذي تطبّق على تصويراتها قاعدة (أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد)، بل يمكن صدور متعدّد منها بقطع النظر عن القوى.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله)(2)، وهو مبنيّ على أساس أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ وجود اللفظ وجود لماهيتين دائماً، فهو وجود حقيقيّ لماهية اللفظ، ووجود تنزيليّ لماهية المعنى؛ لأنّ اللفظ اعتبر وجوداً للمعنى، وعندئذ نقول: إنّ الوجود التنزيليّ لماهية المعنى مع الوجود الحقيقيّ لماهية اللفظ أحدهما عين الآخر، فتعدّد أحدهما يساوق تعدّد الآخر، ووحدة أحدهما يساوق وحدة الآخر؛ لأنّهما شيء واحد.

والأمر الثاني: أنّ الوجود والإيجاد شيء واحد أيضاً، إذن فتعدّد الإيجاد يساوق تعدّد الوجود، ووحدته تساوق وحدة الوجود.

وعلى ضوء هذين الأمرين نقول: إنّ الاستعمال عبارة عن إيجاد الوجود التنزيلي للمعنى، فإذا اُريد استعماله في معنيين، فهناك استعمالان، أي: هناك إيجادان تنزيليّان، وقد قلنا: إن الإيجاد عين الوجود.

فإذا تعدّد إيجاد المعنى إيجاداً تنزيليّاً كان هناك وجودان تنزيليّان بحكم الأمر الثاني، وإذا كان هناك وجودان تنزيليّان فهناك وجودان حقيقيّان للّفظ بحكم الأمر الأوّل، فنحتاج إلى وجودين حقيقيّين للّفظ، بينما لا يوجد ذلك، إذن


(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 1، ص 206 بحسب طبعة مطبعة النجف.

(2) راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 88 ـ 89 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم. وراجع أيضاً بحوث في علم الاُصول للشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله)، ص 42 ـ 43.

386

فاستعمال اللفظ في معنيين محال.

وهذا الكلام أيضاً لا يتحصّل لنا منه إلاّ الألفاظ والمصطلحات، فلنفرض: أنّ الاستعمال إيجاد تنزيليّ للمعنى، لكنّ الإيجاد التنزيليّ معناه إيجاد التنزيل، غاية الأمر: أنّه ينسب بالمسامحة وبالعرض إلى الشيء، فالإيجادان التنزيليّان بمعنى إيجادين لتنزيلين، وهنا تنزيلان متعدّدان، غاية الأمر أنّهما تنزيلان لشيء واحد، وأيّ محذور في ذلك؟ فهذا من قبيل ما لو نزّل زيد منزلة الشيخ المفيد ومنزلة السيّد المرتضى، فهو وجود تنزيليّ لكلّ واحد منهما، أفهل يفترض: أنّ اجتماع هذين التنزيلين محال، أو يفترض: أنّ زيداً شخصان؛ لأنّ الوجود الحقيقيّ لزيد عين الوجود التنزيليّ للشيخ المفيد أو السيّد المرتضى، فتعدّد الوجود التنزيليّ يستلزم تعدّد الوجود الحقيقيّ؟!

الوجه الثالث: ما ذكره صاحب الكفاية من أنّ الاستعمال عبارة عن أن يرى المعنى باللفظ، ويكون اللفظ فانياً في المعنى كفناء المرآة في ذي المرآة، فاللفظ لوحظ لحاظاً آليّاً كما أنّ من يرى وجهه في المرآة تكون رؤيته للمرآة آليّة ولوجهه استقلاليّة، وإذا فنى اللفظ في المعنى، فمعنى ذلك: أنّه استهلك في عالم التصوّر واللحاظ في جنب المعنى، فكيف يمكن أن يستهلك في نفس الوقت في جنب معنىً آخر؟!(1).

 


(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 54 ـ 55 بحسب طبعة المشكينيّ.

ثُمّ إنّ الشيخ العراقيّ(رحمه الله) حاول إقامة برهان على عدم إمكان لحاظ اللفظ فانياً في معنيين مستقلّين، ومرآةً لكلّ واحد منهما على استقلاله (كما يظهر من مراجعة المقالات، ج 1، ص 161 ـ 162 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم)، وهو: أنّ الاستعمال إذا

387


كان من باب العلاميّة، فغاية ما يلزم من استعمال اللفظ في معنيين مستقلّين تعدّد لحاظ المعنى، ولا محذور في ذلك؛ فإنّ اللحاظين رغم كونهما مثلين يشفع لإمكانيّة اجتماعهما أنّهما مختلفان في المتعلّق، فأحدهما لحاظ لهذا المعنى، والآخر لحاظ للمعنى الثاني. وهذا حاله حال اجتماع الحبّ والبغض مثلاً في النفس بالنسبة لمتعلّقين رغم أنّ الحبّ والبغض متضادّان، فتضادّهما لم يمنع عن اجتماعهما في النفس؛ لأنّ تعدّد المتعلّق كان شفيعاً لإمكانيّة اجتماعهما، حيث تعلّق الحب بشخص والبغض بشخص آخر مثلاً، وتعدّد اللحاظ في جانب المعنى لا يوجب تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ؛ لأنّ اللفظ لم يفرض إلاّ علامة للمعنى، أي: كون الانتقال إليه سبباً للانتقال إلى المعنى، وقد يكون شيء ما علامة لشيئين أو أكثر، ويوجب الانتقال إليهما أو إليها رغم أنّ العلامة لم تلحظ إلاّ مرّة واحدة، والانتقال إلى المعنى أو لحاظه ليس من خلال لحاظ اللفظ، بل هو أمر مستقلّ عن لحاظ اللفظ، وغاية الأمر: أنّ لحاظ اللفظ كان سبباً للانتقال إلى المعنى، لا أنّ الإنتقال إلى المعنى كان من خلاله. وأمّا إذا فرض: أنّ الاستعمال يستبطن لحاظ اللفظ فانياً في المعنى ومرآةً له، فهذا يعني: أنّ لحاظ المعنى لم يكن إلاّ من خلال لحاظ اللفظ، ولحاظ المعنى هو يعني مرآتيّة لحاظ اللفظ، فتعدّد اللحاظ في جانب المعنى يعني ـ لا محالة ـ تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ، ولئن كان تعدّد اللحاظ في جانب المعنى معقولاً؛ لأنّ تعدّد المتعلّق ـ وهو المعنى كان ـ كفيلاً بحلّ مشكلة استحالة اجتماع المثلين، فتعدّد اللحاظ في جانب اللفظ خال عن هذا الحلّ؛ لأنّ المتعلّق واحد وهو اللفظ الواحد، فيلزم من ذلك اجتماع المثلين في صفحة النفس، وهو محال.

أقول: لو انتهى البحث إلى هذا المستوى من الحديث، أمكن أن يقال: إنّ تعدّد المفنيّ فيه كفيل بحلّ إشكال استحالة الاجتماع؛ فإنّ الفناء هو عين اللحاظ الفنائيّ، فتعدّد المفنيّ فيه يكون نوعاً من تعدّد متعلّق اللحاظ الفنائيّ؛ لأنّ اللحاظ الفنائيّ له متعلّقان: أحدهما الفاني، والثاني المفنيّ فيه، فتعدّد المفنيّ فيه يكون تعدّداً لمتعلّق اللحاظ، ورافعاً لمشكلة

388


استحالة اجتماع لحاظين فنائيّين كما كان تعدّد المتعلّق في طرف لحاظ المعنى رافعاً لمشكلة استحالة اجتماع لحاظين.

ثُمّ نقل المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في مقالاته برهاناً آخر على استحالة استعمال اللفظ في معنيين لو تمّ جرى حتّى بناءً على مبنى العلاميّة والأماريّة، ولا يختصّ بمعنى المرآتيّة والفناء، وهو: أنّ الانتقال إلى المعنى مسبّب عن تصوّر اللفظ ومعلول له فإذا فرض انتقالان إلى معنيين مستقلّين بسبب لفظ واحد كان هذا يعني توارد معلولين على علّة واحدة، وهذا مستحيل.

وأجاب عليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله) بأنّ اللفظ يكون بضمّ القرينة علّة للانتقال إلى معنىً من المعاني المتعددة التي فرض اللفظ مشتركاً بينها. والانتقال إلى معنيين يتوقّف على تعدّد القرينة، فيكون اللفظ بضمّ إحدى القرينتين سبباً للانتقال إلى أحد المعنيين، وبضمّ القرينة الاُخرى سبباً للانتقال إلى المعنى الآخر، ولا محذور في ذلك (راجع المقالات، ج 1، ص 162 ـ 163 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم).

أقول: إنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) أورد على هذا البرهان (على ما ورد في تقرير السيّد الهاشميّ حفظه الله، ج 1، ص 151):

أوّلاً بأنّ اللفظ ليس علّة تامّة بوحده لإيجاد معنىً خاصّ في الذهن، بل هناك جزء آخر للعلّة، وهو القرن الأكيد الحاصل بالوضع، أو الاُلفة الذهنيّة الحاصلة بالقرن الأكيد. وهذا متعدّد بتعدّد المعاني، فيمكن افتراض أنّه بضمّ ذلك تعدّد المعلول، وهو وجود المعنى في الذهن، فلم يلزم صدور الكثير عن الواحد بلا حاجة إلى ما ذكره المحقّق العراقيّ(رحمه الله)من التخلّص عن ذلك بفرض ضمّ القرينة.

وثانياً: أنّ هذا البرهان فيه خلط بين الاستعمال وتفهيم المعنى، فإنّ حديثنا في إمكانيّة وعدم إمكانيّة استعمال اللفظ في المعنى. واستعمال اللفظ في المعنى لا يلازم التفهيم، بل قد يقصد المستعمل الإجمال، ومسألة لزوم تعدّد المعلول ـ وهو ما ينسبق إلى الذهن من

389


المعنى لعلّة واحدة ـ راجعة إلى جانب التفهيم، لا إلى جانب الاستعمال.

ثُمّ إنّ المحقّق العراقيّ(رحمه الله) قد اختار في مقالاته استحالة استعمال اللفظ في معنيين بحجّة: أنّ الاستعمال يستبطن اللحاظ الفنائيّ للّفظ في المعنى. ففرض تعدّد المعنى مع استقلال أحد المعنيين عن الآخر يستدعي تعدّد لحاظ اللفظ، وهذا يعني اجتماع المثلين. ولكن الذي ورد اختياره في نهاية الأفكار هو إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وذلك (على ما ورد في نهاية الأفكار، ج 1، ص 105 ـ 110 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم) لأجل أنّ الاستحالة إنّما تتمّ فيما لو فرض المعنيان مستقلّين في عالم اللحاظ، فيلزم تعدّد اللحاظ المنتهي إلى اجتماع المثلين بالبيان الذي عرفت. أمّا لو فرض المعنيان مستقلّين في ذاتهما لا في عالم اللحاظ، فلا يلزم هذا المحذور؛ إذ بالإمكان تعلّق لحاظ واحد بكلا المعنيين برغم استقلال أحدهما عن الآخر في ذاتهما. وقد جمع(رحمه الله)عدّة قرائن على أنّ القائلين بالاستحالة إنّما قصدوا بذلك الاستحالة في فرض استقلال المعنيين أحدهما عن الآخر حتّى في عالم اللحاظ، وقال: لا يظنّ بهم إرادة دعوى الامتناع في هذه الصورة، فإنّ تمام همّهم في المنع عقلاً إنّما هو صورة استقلال المعنيين بوصف الملحوظيّة.

وعلى أيّ حال، فبعد إمكان هذا القسم من الاستعمال في نفسه، أي: الاستعمال بلا تعدّد اللحاظ لا يوجد لدينا برهان عقليّ على استحالة استعمال اللفظ في معنيين.

أقول: إن تعدّد المعنى في عالم الوضع مثلاً، أو في عالم وجوده الخارجيّ، أو عالم تقرّره الماهويّ، أو عالم تصوّر ذهنيّ غير اللحاظ الاستعماليّ، أو نحو ذلك لا أثر له في البحث؛ إذ كلّ ذلك لا يجعل المستعمل فيه ـ بما هو مستعمل فيه ـ متعدّداً، وإنّما الكلام في تعدّده في عالم اللحاظ الاستعماليّ، وتعدّده في عالم اللحاظ الاستعماليّ هو عين تعدّد اللحاظ، ويكون مرجع وحدة اللحاظ الاستعماليّ ـ لا محالة ـ إلى وحدة المعنى المستعمل فيه، وإرادة المجموع من حيث المجموع، والذي هو استعمال للّفظ في معنىً

390

واعترض السيّدالاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على ذلك بأنّ هذا مبنيّ على مسلك المشهور: من أنّ الوضع عبارة عن الاعتبار والتنزيل، إذن فكأنّه اُفني في المعنى. وأمّا إذا كان الوضع عبارة عن التعهّد، فقد جعل اللفظ علامة على إرادة المعنى، وليس بابه باب الفناء(1).

والتحقيق: أنّ كلام المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) غير مربوط بباب الوضع، بل مربوط بتشخيص الاستعمال؛ فإنّ هناك بابين: الأوّل: باب الوضع، ونتكلّم فيه فيما يضعه الواضع لتكوّن الدلالة، والثاني: باب الاستعمال، فيتكلّم فيه في أنّه بعد تماميّة الوضع كيف يستعمل المستعمل؟ فهل الاستعمال عبارة عن المرآتيّة والفناء في ذي المرآة، أو بابه باب العلامة وذي العلامة، من قبيل: العمود الذي يوضع على رأس الفرسخ؟ وكلّ واحد من الاحتمالين معقول على جميع المباني في باب الوضع، ولا برهان على تعيّن المرآتيّة كما لا برهان على تعيّن العلاميّة. ومن هنا يبطل كلام صاحب الكفاية، فإنّ قوله: إنّ اللفظ إذا اندكّ في جنب معنىً لا يعقل اندكاكه في نفس الوقت في جنب معنىً آخر مبنيّ على المرآتيّة والفناء، بينما يمكن للمستعمل أن يتّبع طريقة الاستعمال العلاميّ دون الاستعمال المرآتيّ، فيتعقّل عندئذ استعمال اللفظ في معنيين، سواء فرضنا أنّ الوضع عبارة عن الاعتبار والتنزيل أو فرضنا أنّه عبارة عن التعهّد(2).

 


واحد مجازيّ، وهو خروج عن موضع البحث.

(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 207 ـ 208 بحسب طبعة مطبعة النجف.

(2) جعل السيّد الخوئيّ(رحمه الله) كون الاستعمال إفناءً للّفظ في المعنى أو مجرّد إيجاد العلامة تابعاً لكون الوضع تنزيلاً للّفظ منزلة المعنى أو تعهّداً والتزاماً نفسانيّاً، في حين أنّه

لا يوجد أيّ مبرّر لفرض هذه التبعيّة.

391

نعم، حيث إنّ المرآتيّة في الاستعمال هي الغالب، وهي المنصرف من الاستعمالات العرفيّة تكون هذه نكتة في استظهار عدم كون الاستعمال في معنيين.

ولا إشكال في أنّ إرادة أكثر من معنىً خلاف الظاهر، فما هي النكتة في ذلك؟


توضيح ذلك: أنّه إذا فرضنا أنّ الوضع عبارة عن التنزيل، أو اعتبار اللفظ معنىً ونحو ذلك، فالواضع شخص والمستعمل شخص آخر، وعمل الواضع شيء وهو تنزيل اللفظ منزلة المعنى أو اعتباره معنىً، وعمل المستعمل شيء آخر وهو: إمّا استعمال اللفظ في المعنى على شكل مجرّد لحاظ العلاميّة، أو استعماله فيه على شكل اللحاظ المرآتيّ والفناء. وعمل الواضع من التنزيل أو الاعتبار لا يعيّن أحد الأمرين على المستعمل؛ إذ لا نكتة لهذا التعيين.

وإذا فرضنا أنّ الوضع عبارة عن التعهّد فالواضع والمستعمل واحد. والاستعمال ـ في الحقيقة ـ يكون وفاءً بذاك التعهّد، فعندئذ لو فرض أنّ التعهّد تعلّق بالجامع بين لحاظ العلاميّة واللحاظ المرآتيّ أو الفنائيّ، أي: أنّه تعهّد مثلا بأنّه متى ما أتى باللفظ قصد المعنى بأحد الشكلين، فهذا التعهّد لا يعيّن شكل الوفاء به لدى الاستعمال، فهو لدى الاستعمال بإمكانه أن يلحظ اللفظ كعلامة، وبإمكانه أن يحلظه لحاظاً فنائيّاً ومرآتيّاً للمعنى، ولو فرض أنّ التعهّد تعلّق بأحد الأمرين بالخصوص، أي: أنّه تعهّد مثلاً بأنّه متى ما أتى باللفظ لاحظه لحاظاً فنائيّاً في ذاك المعنى، أو تعهّد بأنّه متى ما أتى باللفظ استعمله استعمال العلامة لذاك المعنى، فهنا يجب أن يكون الاستعمال تبعاً للوضع؛ لأنّ الوضع هو التعهّد، والاستعمال وفاءٌ بذلك التعهّد، ولكن عندئذ لا يوجد دليل على أنّه يجب أن يكون التعهّد تعهّداً باللحاظ العلاميّ لا الفنائيّ كي يقال: إنّه إذن تعيّن أن يكون الاستعمال علاميّاً، بل التعهّد معقول بكلا الشكلين، وبالجامع بينهما، وبالتالي لا دليل على ضرورة كون الاستعمال على شكل العلاميّة.

392

فذهب من ذهب إلى أنّ النكتة هي أخذ قيد الوحدة في المعنى الموضوع له إلى آخر ما قرأناه في الكتب(1)، بينما ليس الأمر كذلك، وإنّما النكتة ما عرفت. فتحصّل: أنّ الاستعمال في معنيين معقول، لكنّه خلاف ظاهر الدليل(2).

 


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 209 بحسب طبعة مطبعة النجف، ونهاية الأفكار، ج 1، ص 111 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وغير ذلك من الكتب.

(2) ولو تنزّلنا عن ذلك، وافترضنا: أنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنىً معقول ومألوف كاستعماله في معنىً واحد، فهل يمكن إثبات ذلك بالإطلاق؟ الجواب: لا؛ وذلك لأنّه لو قصد بالإطلاق الإطلاق الحكمي، فهو إنّما يجري فيما إذا اُحرزت إرادة الجامع وشكّ في قيد لم يبيّن، في حين أنّه لو كان المقصود في المقام من إجراء الإطلاق احراز إرادة الجامع بين المعاني، فأوّلاً: إحراز إرادة الجامع ليس بالإطلاق، بل ـ كما قلنا ـ لابدّ من إحرازها سابقاً ثُمّ نفي طروّ القيد عليه بالإطلاق. وثانياً: أنّ فرض إرادة الجامع لا يعني استعمال اللفظ في أكثر من معنىً، بل يعني استعماله في معنىً واحد مجازيّ، وهو الجامع. وهذا خلف بحثنا.

ولو كان المقصود إحراز إرادة الجميع فليس هذا هو دأب الإطلاق؛ فإنّ دأبه رفض القيود لا جمع الحصص المحتملة.

ولو قصد بالإطلاق الإطلاق بملاك ترك التفصيل، فلو صحّ هذا أثبت أيضاً إرادة الجامع، وهذا يعني أيضاً استعمال اللفظ في معنىً واحد مجازيّ، وهو الجامع، وليس هذا هو المقصود في المقام.

بقي الكلام فيما قد يقال من أنّ المحذور الموجود في استعمال اللفظ في أكثر من معنىً ـ سواء كان عبارة عن محذور الاستحالة، أو محذور مخالفة الظاهر؛ لأجل ظهور الاستعمال في النظر الفنائيّ، أو أيّ محذور آخر ـ غير موجود في مورد التثنية والجمع.

وكأنّ الأصل في ذلك ما ورد في كلام صاحب المعالم(رحمه الله) من أنّ التثنية أو الجمع في قوّة تكرار اللفظ، فلو قال: «جئني بعينين»، فكأنّما قال: «جئني بعين وعين»، فلا مانع من أن يريد بإحداهما الذهب مثلاً، وبالآخر الفضّة، فإنّ المعتبر في تصحيح التثنية أو الجمع إنّما

393


هو الاتّفاق في اللفظ لا الاتّفاق في المعنى، وبهذا صحّت التثنية والجمع في الأعلام (راجع كتاب المعالم، ص 61 بحسب طبعة مؤسّسة عبد الرحيم العلميّ التوأم بترجمة وشرح المترجم هادي المازندرانيّ).

أقول: لو قصد بالعينين فردين من الذهب وفردين من الفضّة ـ مثلاً ـ رجع ذلك إلى أصل الاستعمال في معنيين من دون خصوصيّة لعلامة التثنية، إلاّ أنّ هذا غير مقصود لصاحب المعالم ومن يحذو حذوه حتماً.

ولو أنّ أحداً قصد هذا المعنى، فلو كان يرى المادّة والهيئة في التثنية بمجموعهما موضوعاً بوضع موحّد، فهذا من استعمال اللفظ في معنيين بما فيه من المحذور الماضي، ولو كان يرى أنّ المادّة موضوعة لأصل المعنى والهيئة موضوعة للتعدّد، فقد ذكر السيّد الخوئيّ(رحمه الله): أنّ هذا داخل في استعمال المادّة في معنيين، وهو مشتمل على نفس المحذور المفترض في أصل استعمال اللفظ في معنيين. أمّا الهيئة فلم تستعمل في معنيين برغم أنّه فهم منها أربعة أفراد من طبيعتي الفضّة والذهب، فإنّ هذا إنّما كان بتبع أنّ التثنية تُعدِّد نفس المعنى المقصود من المادّة، والمفروض: أنّه قصد بالمادّة الذهب والفضّة معاً، فلا محالة تصبح الافراد ببركة التثنية أربعة، وذلك من قبيل: ما لو ثُنّيت العشرة فقيل: عشرتان، أو ثُنّيت الطائفة فقيل: طائفتان، فمن الواضح أنّ الأعداد الشخصيّة ستكون أكثر من اثنين؛ لأنّ المفرد لهاتين التثنيتين كان مشتملاً على أكثر من فرد شخصيّ، وقد ثنّي ذاك المفرد حسب الفرض (راجع المحاضرات للفيّاض، ج 1، ص 211 ـ 212).

وأورد على ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) (على ما ورد في تقرير السيّد الهاشميّ حفظه الله،ج 1، ص 156) بأنّ مادّة العين إذا كانت مستعملة في المجموع من الذهب والفضّة، صحّ هذا الكلام، إلاّ أنّ هذا خروج عن استعمال المادّة في معنيين، ورجوع إلى استعمالها في معنىً واحد مجازيّ، وهو خلف فرض البحث. أمّا إذا كانت مستعملة في معنيين مستقلّين فالهيئة أيضاً استعملت في تثنيتين، وهذا يعني تورّط الهيئة كالمادّة في مشكلة الاستعمال

394


في معنيين.

وعلى أ يّة حال، فأصل هذا الحديث خروج عمّا قصده القائل بجواز استعمال التثنية في معنيين، أو عرفيّته وعدم اشتماله على المحذور المفترض في استعمال المفرد في معنيين.

وأمّا ما أفاده صاحب المعالم(رحمه الله) من أنّ التثنية بمنزلة تكرار اللفظ فلا مانع من إرادة معنيين في مقابل اللفظين، فقد أورد عليه صاحب الكفاية بأنّ التثنية إنّما هي بمنزلة تكرار اللفظ بما قصد به من المعنى، لا تكراره محضاً مع فرض إرادة معنيين منه. وأمّا تثنية الأعلام فقد أوّلها بإرادة المسمّى (راجع الكفاية، ج 1، ص 56 بحسب طبعة المشكينيّ).

وذكر الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله): أنّ فرض كون مفاد الهيئة تكرار ذات اللفظ لا معنى له؛ فإنّ الهيئة تطرأ على المادّة لكي يطرأ مفادها وهو التعدّد على مفاد المادّة؛ لأنّ مفاد المادّة وهي الطبيعة يمكن تكرارها، بمعنى تجسّدها في فردين منها. أمّا طروء مفاد الهيئة على لفظ المادّة بما هو لفظ فممّا لا معنى له؛ لأنّ اللفظ والمعنى مقولتان متباينتان (راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 92 ـ 93 بحسب طبعة مكتبة الطباطبائيّ بقم).

وأمّا المحقّق العراقيّ(رحمه الله) فهو يرى أنّ فرض كون هيئة التثنية بمنزلة تكرار اللفظ لا ينفع شيئاً في حلّ مشكلة استعمال اللفظ في معنيين؛ لأنّ مشكلة استعمال اللفظ في معنيين في نظره عبارة عن لزوم اجتماع لحاظين على لفظ واحد، واللفظ في المقام واحد على أيّ حال، فإنّ فرض كون الهيئة تعطي معنى تكرار اللفظ، لم يوجب تكرّر اللفظ حقيقة. هذا مضافاً إلى بيان آخر موجود في المقالات مقتضب يمكن توجيهه بهذا التقريب، وهو: أنّنا إن فسّرنا التثنية بمعنى كونها في قوّة تكرار لفظ المادّة مع حمل كلّ من المادّتين المفترضتين على معنى فرد من أفراد الطبيعة، فيكون (رجل) في مثل (رجلان) مستعملاً بمعنى الفرد من الرجل كان هذا مجازاً، ومن الواضح بطلان تفسير التثنية بهذا التفسير. وإن فسّرناها بمعنى كونها في قوّة تكرار لفظ المادّة مع حمل كلّ من المادّتين المفترضتين

395


على معنى الطبيعة، فتكرار ذكر الطبيعة لا يعني الدلالة على فردين، بينما لا إشكال في أنّ التثنية تدلّ على إرادة فردين، إذن ينحصر الأمر في تفسير ثالث، وهو: أنّ المادّة تدلّ على الطبيعة، والهيئة تدلّ على تمثّل الطبيعة في فرد، لا على تكرار المادّة. وبهذا يبطل تفسير مثل كلمة (عينين) بمعنى معنيين من العين كالذهب والفضّة، أو الباكية والجارية؛ لأنّ المادّة مستعملة في إحدى تلك الطبائع، والهيئة تدلّ على تجسّد تلك الطبيعة في فردين (راجع المقالات، ج 1، ص 167 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم).

أقول: لعلّ الجذر الوجدانيّ الذي أدّى إلى توهّم كون استعمال اللفظ في التثنية في معنيين ممكنأ، أو سليماً ـ بخلاف استعمال المفرد في ذلك ـ هو: إمكانيّة حمل المادّة ولو مجازاً على إرادة المسمّى، ودلالة الهيئة عندئذ على إرادة مسمّيين كما يقال في الأعلام.

وعلى أيّة حال، فقد اتّضح بكلّ ما عرضناه: أنّه لا فرق في استعمال اللفظ في معنيين بطلاناً أو مخالفةً للظاهر بين المفرد والتثنية و الجمع.

بقي الكلام في أنّه: لئن كانت هيئة التثنية تدلّ على تجسّد مفاد المادّة في فردين مثلاً فكيف نفسّر تثنية الأعلام باعتبار أنّ العلم معناه جزئيّ غير قابل للتكثّر، فلا يمكن فرض تجسّد مفاده في فردين؟! فهل ننكر على هذا الأساس فرض الوضع النوعيّ لهيئة التثنية في مقابل وضع المادّة، ونفترض أنّ كلّ تثنية وضعت بمادّتها وهيئتها للمعنى المناسب لموردها، أو يمكن تفسير هيئة التثنية في مورد الأعلام بالتفسير العامّ المنسجم مع تثنية أسماء الأجناس؟

لعلّ أشهر جواب وأسهله على ذلك هو تأويل المادّة في التثنية والجمع بمعنى المسمّى، فزيدان يعني مسمّيان بزيد.

واكتفى صاحب المعالم في الإيراد على ذلك باستبداه بطلانه حيث قال: «وتأويل بعضهم له بالمسمّى تعسّف بعيد» (راجع المعالم، ص 61 بحسب الطبعة المشتملة على ترجمة وشرح هادي المازندرانيّ).

396


ولكنّ المحقّق العراقيّ(رحمه الله) عمّق الإشكال على ذلك باستلزامه لنكارة العلم الشخصيّ عند تثنيته، مع أنّهم يرتّبون آثار المعرفة على ذلك (راجع المقالات، المقالة 11، ص 167 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم). ونسب ما يشبه ذلك أيضاً السيّد الهاشميّ ـ حفظه الله ـ إلى اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) (راجع تقريره، ج 1، ص 157).

ولكن المركوز في ذهني خلاف ذلك، أي: أنّ العلم المثنّى يدخل عليه لام التعريف، وأيضاً يوصَف بالنكرة لا المعرفة وعليك بمراجعة الكتب النحويّة، والأدب المنقول عن العرب.

أمّا ما وجدته أنا في بعض الكتب، فقد ورد في كتاب النحو الوافي (ج 1، ص 118 ـ 119 بحسب طبعة دار المعارف بمصر) في باب المثنّى قوله: «أمّا العلم فلا يُثنّى؛ لأنّ الأصل فيه أن يكون مسمّاه شخصاً واحداً معيّناً، ولا يثنّى إلاّ عند اشتراك عدّة أفراد في اسم واحد. وهذا معنى قول النحويين: «لا يثنّى العلم إلاّ بعد قصد تنكيره» وحينئذ تزاد عليه: (ال) التثنية لتعيد له التعريف، أو يسبقه حرف من حروف النداء مثل: (يا) لإفادة التعيين والتخصيص أيضاً بسبب القصد المتّجه لشخصين معيّنين نحو: يا محمّدان، أو إضافتة إلى معرفة مثل: حضر محمّداك ...».

وقال أيضاً في الصفحة 265 في باب أقسام العَلَم تحت الخطّ: «... فكلمة مثل محمّد هي علم، فهي معرفة، فإذا ثنّي أو جمع قيل: محمّدان، محمّدون وكلاهما نكرة طبقاً لشروط التثنية والجمع، فإذا أردنا تعيينه وتعريفه زيدت عليه (أل) مثلاً كي تجعله معرفة».

هذا، ولو كان النقض مخصوصاً بباب الأعلام لعلّه كان يسهل حلّه بدعوى التنكير والتأويل بالمسمّى.

ولكن قد يعمّق النقض بالنظر إلى باب الإشارة والضمير، حيث لا إشكال في عدم تنكير الضمير المثنّى أو اسم الإشارة المثنّى؛ لوضوح توغّلهما في التعريف حتّى في حالة التثنية والجمع.

397


وقد نقل الشيخ العراقيّ(رحمه الله) عن الفصول: أنّه عجز عن حلّ الإشكال في تثنية الإشارات، فذهب إلى كون الوضع في تثنية الإشارات لمجموع المادّة والهيئة، وعدم وجود وضع نوعيّ لهيئة التثنية بلحاظ الإشارات، وعدم مراعاة قواعد التثنية فيها من كونها من باب الدالّين والمدلولين.

وأورد عليه المحقّق العراقيّ بأنّه لا يساعده الوجدان والذوق السليم.

وأفاد المحقّق العراقيّ في حلّ الإشكال وجهين:

أحدهما: مخصوص بباب الإشارة والضمير، وهو دعوى: أنّ التثنية تفيد فيها تكرار تجسّد المعنى المبهم الذي دلّت عليه المادّة من المفرد المذكّر مثلاً، والمعروض للإشارة التي بها أصبح معرفة، فيكون المتكرّر متعلّق التعيّن بالإشارة؛ ولذا يكون معرفة، وليس المتعيّن بالإشارة متكرّراً كي لا يقبل التكرّر، أو يخرج عن التعريف والتعيّن بسبب التكرّر (راجع المقالات 1، المقالة 11، ص 168 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ).

وأورد عليه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) (على ما نقله السيّد الهاشميّ حفظه الله في تقريره، ج 1، ص 157) بأنّ الإشارة إن فرض انفهامها من المادّة أصبح التكرّر في طول الإشارة؛ لأنّ التثنية تكرّر مفاد المادّة حسب الفرض، في حين أنّ المتعيّن لا يقبل التكرّر. وإن فرض انفهامها من الهيئة، فهذا يعني: أنّ هيئة التثنية خرجت في باب اسم الإشارة عن مفادها المألوف والموضوع لها نوعاً، وهو مجرّد الدلالة على التعدّد أو التكرار، فلم ينجح العلاج فيما هو المقصود من تفسير هيئة التثنية هنا بما هو المألوف في سائر الموارد.

أقول: لعلّ مقصود الشيخ العراقيّ(رحمه الله) هو: أنّ هيئة التثنية موضوعة للمقدار الممكن من تعديد تجسّد ما يكون داخلاً في مفاد المادّة. أمّا أنّها هل تفيد تعديد كلّ مفادها، أو تفيد تعديد جزء تحليليّ منها، فهذا يختلف باختلاف ما يمكن في المورد، ففي مثل اسم الجنس الذي لا توجد فيه إشارة تكون هيئة التثنية مفيدة لتعديد تجسّد الطبيعة المفهومة من المادّة في فردين، وفي مثل اسم الإشارة الذي لا يمكن تعديد تجسّد المتعيّن ←

398


بالإشارة فيه تكون الهيئة مفيدة لتعديد تجسّد ما يشار إليه، وتعرض الإشارة المستفادة من المادّة على المتكرّر في طول التكرار لا قبله.

وثانيهما: الالتزام بنظريّة صاحب المعالم من كون التثنية في العلم في حكم تكرار اللفظ، بفرق: أنّ صاحب المعالم كان يلتزم بكون مفاد التثنية عبارة عن حكم تكرار اللفظ مطلقاً، ولكن الشيخ العراقيّ(رحمه الله) يقول (كما ورد في المقالات، المقالة 11، ص 167 ـ 168): إنّ علامة التثنية تدلّ على تكرّر طبيعة مدخوله لفظاً أو معنىً، وبما أنّه في باب اسم الجنس لم يمكن تكرار اللفظ للزوم محذور المجاز من إرادة الفرد من الموضوع للطبيعة، فانصرف الأمر إلى تكرار المعنى، أيّ: تجسّد معنى الطبيعة في فردين. أما في باب العلم، فالأمر على العكس؛ إذ لا يمكن تكرار المعنى إلاّ بتنكير العلم، فانصرف الأمر إلى تكرار اللفظ، فبذلك تحلّ مشكلة تثنية العلم، بل ومشكلة تثنية أسماء الإشارة أيضاً المتوغّلة في التعريف، والتي لا معنى فيها للتأويل بالمسمّى أصلاً.

وأورد عليه الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) في نهاية الدراية (ج 1، ص 92 ـ 93) بما مضى من أنّ الهيئة قد طرأت على المادّة، ومفاد الهيئة طرأ على مفاد المادّة، وأدخل تعديلاً على مفاد المادّة. ولا معنى لفرض طروء مفاد الهيئة على لفظ المادّة وتأثير مفادها في تعديل لفظ المادّة وتكريره؛ لأنّ اللفظ والمفاد مقولتان متباينتان.

وإذا كان مفاد هيئة التثنية هو التعديد ـ وهو راجع إلى المعنى ـ فلا محالة نقع في مشكلة: أنّ معنى العلَم بما أنّه غير قابل للتعديد فلابدّ في تفسير تثنية العلم من مثل التأويل إلى المسمّى ممّا يقبل التكثير والتعديد.

ثُمّ ذكر الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) حلاًّ آخر لإمكان تفسير تثنية الأعلام من دون رجوعه إلى التأويل بالمسمّى، وهو أن يفترض: أنّ المادّة في مثل «زيدان» لم تستعمل في المعنى الموضوع له، وهو الشخص المسمّى، بل استعملت في نوع هذا اللفظ، لكن بما له من معنىً، أي: أنّ شخص اللفظ الذي صدر من المتكلّم هو لفظٌ، ونوع ذلك اللفظ هو المعنى،

399


ولكن لا بما هو لفظ خاو عن المعنى كما في قولنا مثلاً: «ضرب صوت معتمد على مقاطع الفم»، بل بما هو لفظ حاك عن المعنى كما في قولنا مثلاً: «ضرب فعل مشتمل على النسبة»، فلفظة «ضرب» استعملت هنا في نوع ضرب لا في معنى الضرب الموضوع له، ولكن لم تستعمل في نوع هذا اللفظ غير المشير إلى المعنى، فإنّ نوع هذا اللفظ ليس فعلاً مشتملاً على النسبة، بل استعملت في نوع ضرب بما هو مشير إلى ذاك المعنى المشتمل على النسبة. وهذا أمر بين أمرين، أي: بين أن يكون شخص هذا اللفظ مستعملاً في نوعه الخاوي عن المعنى وبين أن يكون مستعملاً في معناه الموضوع له، فهو مستعمل في نوعه الحاكي عن ذاك المعنى، فإذا فرض أنّ شخص لفظة زيد في قولنا «زيدان» مستعمل في نوع هذا اللفظ بما هو حاك عن المعنى، فمن المعلوم أنّ هذا النوع له أفراد عديدة بعدد المسمّين بزيد، فقد ثنّي حتّى يقصد بذلك فردان من هذا المعنى الكلّيّ من دون أن ننتهي إلى استعمال اللفظ في المسمّى، أو نثنّي معنىً جزئيّاً لا يقبل التثنية.

وقد أورد على ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) (بحسب ما ورد في تقرير السيّد الهاشميّ حفظه الله، ج 1، ص 159) بأنّ ما جُعل قيداً لمفهوم نوع اللفظ الذي فرض هو المعنى المقصود بكلمة «زيد» هل هو مفهوم الدلالة على المعنى، أو حقيقة الدلالة على المعنى وواقعها؟

إن فرض الأوّل ورد عليه: أوّلاً: أنّه لا يتبادر إلى الذهن من جملة «جاءني زيدان» مثلاً مفهوم الدلالة إطلاقاً.

وثانياً: لا نعلم كيف صار الذهن ينسبق إلى واقع معنى اللفظ، وهو الشخص الذي جعل «زيد» عَلَماً له من كلمة استعملت في نوع اللفظ، المقيّد بمفهوم الدلالة لا حقيقة الدلالة؛ إذ لا شكّ في أنّه يفهم من قوله «جاءني زيدان» مجيء شخصين واقعيّين، لا مجرّد لفظين دالّين على شخصين.

وإن فرض الثاني، وهو تقيّد نوع اللفظ الذي هو مفهوم كلمة «زيد» بواقع الدلالة، فمن الواضح: أنّ المفهوم لا يعقل تقييده إلاّ بمفهوم لا بالواقع، والانتقال التصوّريّ إنّما يكون

400

 

 


بين مفهومين لا بين مفهوم وواقع.

أقول: ويمكن بيان الإشكال بصياغة اُخرى، وذلك ببيان: أنّ قياس ذلك بمثل (ضرب فعل مشتمل على النسبة) قياس مع الفارق؛ فإنّ كلمة «ضرب» في هذه الجملة تشير إلى ما هو بالنظر التصوّريّ الاستعماليّ واقع نوع هذه الكلمة بما هي دالّة على معنىً نسبيّ، وبالنظر التصديقيّ تشير إلى هذا المفهوم، ولا تشير ـ بأيّ وجه من الوجوه ـ إلى معنى الفعل الدالّ على صدور الضرب لا بما هو مفهوم في النظر التصديقيّ، ولا بما هو فان في واقع هذا المفهوم في النظر التصوّريّ، وأمّا مادّة زيد في كلمة «زيدان» في قولنا مثلاً: «جاءني زيدان» فحقّاً يقصد بها ما هو بالنظر التصديقيّ مفهوم شخص ما، وبالنظر الفنائيّ الاستعماليّ، أو التصوّريّ واقع شخص ما. وأمّا هذا المفهوم الوسط، وهو نوع لفظة زيد الحاكية عن المعنى، فلا يتبادر إلى الذهن من هذه الجملة أبداً. ولو تبادر إلى الذهن فلا ندري كيف يفنى في واقع الشخصين؟! إذ لا يوجد إلاّ فناء استعماليّ واحد، فلا معنى لفرض فناء استعماليّ في فناء استعماليّ.

401

المقدّمة

11

 

 

 

المشتقّ

 

 

○ مقدّمات.

○ مقتضى الأصل العمليّ في المشتقّات.

○ أدلّة القولين في وضع المشتقّ.

○ خاتمة.

 

 

 

403

 

 

 

 

 

 

الأمر الحادي عشر: في المشتقّ.

لا إشكال في صحّة استعمال المشتقّ في المتلبّس بالمبدأ فعلاً، وفيما انقضى عنه المبدأ، وفيما يتلبّس به في المستقبل، كما أنّه لا إشكال في كونه حقيقة في الأوّل ومجازاً في الثالث، وإنّما الكلام في أنّه: هل هو حقيقة في الثاني أيضاً، أي: حقيقة في الأعمّ من المتلبّس بالمبدأ بالفعل وممّا انقضى عنه المبدأ، أو حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ بالفعل؟ فمنهم من يقول بالأوّل، ومنهم من يقول بالثاني، ومنهم من يفصّل بين بعض المشتقّات وبعض. وتحقيق الكلام يتوقّف على مقدّمات:

 

مقدّمات

 

تحرير محلّ النزاع:

المقدّمة الاُولى: في تحرير محلّ النزاع.

لا يخفى: أنّه توجد لدينا ثلاث دوائر من الأسماء بعضها أعمّ من بعض:

1 ـ دائرة الأوصاف الاشتقاقيّة.

404

2 ـ دائرة مطلق الأسماء الاشتقاقيّة، فتشمل المصادر مثلاً، مع أنّه لا توصف الذات بها إلاّ بنحو المسامحة.

3 ـ مطلق الأسماء ولو كان جامداً، كالإنسان والحيوان.

ولابدّ أن نعرف أنّ كلّ دائرة من هذه الدوائر بأيّ مقدار تدخل في محلّ النزاع؟ فهل النزاع يشمل هذه الدوائر بكاملها أو بعضها، أو يشمل قسماً خاصّاً ممّا يدخل في هذه الدوائر؟

ولكي نعرف ذلك يجب أن نرى ما هو الملاك والميزان الفنّيّ في تعقّل النزاع حتّى نطبّقه بعد ذلك على هذه الدوائر.

وقد قالوا: إنّ الضابط الفنّيّ في جريان النزاع وتعقّله مركّب من ركنين:

الأوّل: أن يكون جارياً على الذات، أي: ممّا يحمل على الذات ويوصف به، كاسم الفاعل والمفعول دون المصدر، فلا يقال: «زيد ضربٌ» إلاّ بنحو من المجاز مثلاً والمسامحة، فما لا يحمل على الذات لا معنى لأن يقال: هل هو حقيقة في خصوص المتلبّس بالفعل، أو الأعمّ؟

الثاني: أن تكون الحيثيّة المصحّحة للحمل المسمّاة بالمبدأ ممكنة الانفكاك عن الذات مع بقاء الذات. أمّا إذا ارتفعت الذات بارتفاعها، فما معنى كون المشتقّ حقيقة فيها أو مجازاً؟! ففي مثل «العالم» و«الضارب» يعقل النزاع؛ إذ يمكن ارتفاع العلم والضرب مع بقاء الذات. وهذا بخلاف ما إذا كانت الحيثيّة ذاتيّة بمعنى الذاتيّ في كتاب الكلّيّات، كما في النوع والجنس والفصل.

وقد أرادوا هم بهذا الضابط أن يخرجوا بالركن الأوّل المصادر، وبالركن الثاني مثل الشجر والحجر والحيوان ممّا يكون مبدؤه ذاتيّاً، وهو الحالّ في النوع والجنس والفصل، إلاّ أنّهم وقعوا في مشكلة، وهي: أنّ الركن الثاني يخرج

405

الصفات العرضيّة التي هي لازم للذات، وذلك كالواجب والممكن والممتنع والسبب والمولِّد والمولَّد ونحو ذلك، فإنّه لا يعقل زوال هذا العرضيّ مع بقاء الذات.

ومن هنا اضطرّ السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ لدفع هذا الإشكال أن يقول: إنّنا نتكلّم في وضع الهيئات الاشتقاقيّة، ووضعها نوعيّ، فهيئة (واجب) مثلاً بشخصها لم توضع حتّى يقع هذا الإشكال، ويقال: إنّه لا يعقل زوال المبدأ وبقاء الذات، وإنّما الموضوع هو طبيعة هيئة فاعل، ولا إشكال في أنّ هذه الهيئة قابلة لزوال المبدأ فيها عن الذات ولو بلحاظ بعض الأفراد(1).

إلاّ أنّ التحقيق: أنّ هذه البلبلة نشأت من عدم تحديد الركن الثاني، فوقع خلط بين الاستحالة الفلسفيّة والاستحالة المنطقيّة. ونقصد بالاستحالة المنطقيّة: الاستحالة على أساس التناقض، كانفكاك الإنسان عن الإنسانيّة بأن تبقى الذات بالرغم من زوال المبدأ، فإنّ هذا معناه اجتماع النقيضين، وبالاستحالة الفلسفيّة: كلّ استحالة لا ترجع إلى التناقض، كانفكاك النار عن الحرارة، وذات الواجب عن الوجوب، أو ذات الممكن عن الإمكان ونحو ذلك، فإذا فرض: أنّ الركن الثاني يجب أن يكون هو عدم استحالة زوال المبدأ مع بقاء الذات استحالة منطقيّة لا فلسفيّة ارتفع الإشكال، فإنّ هذه الاستحالة إنّما هي في الذاتيّات، حيث إنّ زوالها مع بقاء الذات تناقض؛ إذ هي عين الذات أو جزؤها. وأمّا في العرضيّات اللازمة، فلا تناقض في فرض زوالها مع بقاء الذات، وإنّما الاستحالة في ذلك فلسفيّة. وبناء على هذا الفرض يكون الأولى أن نعبّر عن الركن الثاني بأن يكون


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 228 بحسب طبعة مطبعة النجف.

406

المبدأ غير الذات؛ إذ متى ما كان عينه كان الارتفاع مع بقاء الذات مستحيلاً على أساس التناقض، ومتى ما كان غيره فليس في فرض ارتفاع المبدأ مع بقاء الذات تناقض، فالركن الثاني لو عبّر عنه بالصياغة المشهورة، وهي: عدم استحالة انفكاك المبدأ عن الذات، جاء هذا الإشكال، ولو عبّر عنه بهذه الصياغة، وهي: أن يكون المبدأ غير الذات، لم يكن موضوع لهذا الإشكال.

يبقى الكلام في أنّ أيّ الصياغتين أحقّ بالركنيّة؟

فنقول: إنّ النزاع في المقام إنّما هو في الوضع، وإنّه هل وضع للأعمّ أو لا؟ ومن المعلوم أنّ الغرض من توسعة دائرة الوضع بنحو يشمل الذات المنقضية عنها المبدأ ليس هو توسعة دائرة الوجود الخارجيّ بأن يصحّ أن يقال: هذا موجود، وإنّما الغرض توسعة دائرة الاستعمال بحيث يمكن الاستعمال في المنقضي عنه المبدأ. ومن المعلوم أنّ الاستعمال موقوف على التصوّر، لا على الوجود الخارجيّ، فضابط إمكان الاستعمال إمكان التصوّر، لا إمكان الوجود الخارجيّ. وفي موارد مغايرة المبدأ للذات يمكن تصوّر الذات المنفكّة عن المبدأ، وإن كان المبدأ من الأوصاف اللازمة للذات، فبالإمكان تصوّر ذات انقضى عنها الوجوب، أو الإمكان، أو العلّيّة، أو غير ذلك من الصفات اللازمة للذات، فإذا أمكن التصوّر تعقّل الاستعمال، وإذا تعقّل الاستعمال تعقّل الوضع، وإذا تعقّل الوضع تعقّل النزاع. وأمّا في موارد كون المبدأ عين الذات تماماً أو جزءها، من قبيل: الإنسان والإنسانيّة، أو الإنسان والحيوانيّة فلا يمكن تصوير الوضع للأعمّ، فإنّه إذا اُريد بالقول بالوضع للأعمّ: أنّ كلمة «الإنسان» موضوعة مثلاً للأعمّ من الإنسان المتلبّس بالإنسانيّة بالفعل والمنقضية عنه الإنسانيّة، فهذا غير متصوّر، فإنّنا بمجرّد أن فرضنا الذات فرضنا فعليّة التلبّس؛ لأنّ المبدأ محتوىً في الذات، والجمع بين

407

فرض الإنسان وعدم فرضه مستحيل، فهذا الذي تصوّرناه يكون في اُفق التصوّر متلبّساً بالمبدأ، وإن اُريد الجمع بين تصوّر الإنسان وتصوّر اللاإنسانيّة بحيث اُخذ النفي في المتصوّر لا في التصوّر فهذا معقول، لكنّ التلبّس هنا موجود؛ فإنّ فرض الذات هو فرض فعليّة التلبّس.

فتحصّل: أنّه ينبغي أن يكون مقصودهم بالاستحالة هنا الاستحالة المنطقيّة لا الاستحالة الفلسفيّة.

وبعد أن تحقّق ما هو ملاك النزاع نأتي إلى الدوائر الثلاث لنرى مدى جريان النزاع فيها:

ولنبدأ بالدائرة الأوسع، وهي دائرة مطلق الأسماء وإن كانت من الجوامد، فنقول: قد فصّلوا في الأسماء الجوامد بين قسمين، فقالوا: إنّ ما يكون موضوعاً لما هو منتزع من مرتبة الذات، كالماء والنار والشجر والحجر ومثل هذا لا يجري فيه النزاع؛ لعدم معقوليّة انفكاك المبدأ عن الذات، وما يكون موضوعاً لعناوين عرضيّة منتزعة بلحاظ أمر خارج عن الذات، كالزوج والزوجة والسيف والمنشار والسرير ونحو ذلك يجري فيه النزاع؛ لتعقّل انفكاك المبدأ عن الذات.

أقول: أمّا القسم الثاني، فدخوله في محلّ النزاع صحيح؛ لأنّ كلا الركنين موجود فيه، فالعنوان جار على الذات، والمبدأ مغاير للذات. وأمّا القسم الأوّل فيجب أن نتساءل: أنّهم ماذا يريدون بالذات التي قالوا: إنّها غير محفوظة بعد زوال الشجريّة أو الحجريّة؟ هل المراد: المركّب النوعيّ أو الجسم؟

ولنوضّح ذلك في مثال، وهو السيف، فلنشرح تصوّرات الفلاسفة حتّى نعرف كلمات علماء الاُصول. فقد قال: الفلاسفة: إنّ السيف مثلاً مركّب من قوّة صرف ـ سمّيت بالهيولى ـ وصورة جسميّة، وتوجد فوق الصورة الجسميّة صورة اُخرى