428

وجوب التعلّم:

الأمر الثاني: في حال تعلّم الأحكام الذي قد يصبح من المقدّمات المفوّتة.

والكلام في ذلك يقع في عدّة فروض:

الفرض الأوّل: أن يكون عالماً بتكليف فعليّ ثابت عليه الآن كوجوب الصلاة، أو الحجّ، أو غير ذلك، ولكنّه لا يعرف أحكام هذا الواجب من أجزاء وشرائط،



تستند إلى العجز الفعليّ الآن عن المراد ولو باعتبار أنّ ذاك الشرط كان شرطاً مقارناً للترتّب، فلو فعل الفعل قبله، لم يترتّب الهدف المقصود، فإذا أصبح الشوق فعليّاً برغم تأخّر المشتاق إليه، سرى الشوق إلى المقدّمات المفوّتة بلا إشكال، فعدم فاعليّة هذه الإرادة إنّما اختصّت بذي المقدّمة؛ دون المقدّمة؛ لأنّ العجز الموقّت إنّما كان عن ذي المقدّمة دون المقدّمة، بل لو ترك المقدّمة الآن لعجز عنها في وقت ذي المقدّمة كما هو المفروض.

وإن لم يعلم بتحقّق الشرط في وقته، ولكن احتمله، قلنا: إن احتمال طروّ الحاجة في وقت متأخّر يخلق في نفس الإنسان الآن احتمال الحاجة إلى المقدّمات المفوّتة، وهذا يكفي ـ حينما يكون المحتمل مهمّاً بدرجة معيّنة ـ في خلق الشوق إلى المقدّمة المفوّتة قبل الوقت؛ لأنّ احتمال الحاجة وصول ذهنيّ ناقص للحاجة، وحينما نقول: إنّ شرط فعليّة الشوق هو وصول الحاجة ووجوده اللحاظيّ التصديقيّ لا نقصد خصوص العلم الحضوريّ، أو الحصوليّ بها، بل نقصد بذلك ما يشمل الوصول الاحتماليّ في مقابل اللحاظ التصوّريّ البحت الذي لا أثر له في خلق الشوق.

وإن علم بأنّ هذا الشرط سوف لن يتحقّق في وقته، فعندئذ لا يوجد في نفسه شوق إلى المقدّمة المفوّتة، فلا يأتي بها، ولم يقل أحد بوجوب المقدّمات المفوّتة لدى العلم بعدم تحقّق الشرط في وقته.

429

فهل يجب عليه أن يتعلّم، أو لا؟

توجد لذلك ثلاث صور:

الصورة الاُولى: أن تكون قدرته على فعل الواجب متوقّفة على التعلّم كما هو الحال في الصلاة مثلا، حيث إنّ من لم يتعلّم القراءة ولا يعرفها بوجه من الوجوه، لا يعدّ قادراً على القراءة في الصلاة: إمّا لكثرة محتملاتها إلى حدّ يقطع بأنّه سوف لن تقع منه القراءة بالشكل الصحيح، فهذا بحكم غير القادر، وإمّا لعدم تعلّمه للهجة العربيّة إن كان إنساناً غير عربيّ، فقد يتّفق أنّه غير قادر حقيقة على الأداء بالشكل الصحيح قبل التعلّم، وفي هذه الصورة لا إشكال في أنّ التعلّم أصبح مقدّمة وجوديّة للواجب الفعليّ الآن، ولا إشكال في وجوبه.

الصورة الثانية: أن يكون إحراز الامتثال القطعيّ للتكليف متوقّفاً عليه، دون القدرة على الإتيان بالواجب، كما لو دار أمر الواجب بين محتملات لم يمكن الجمع بينها احتياطاً، ولكن من المحتمل أن يطابق صدفة عمله الواجب الواقعيّ ولو لم يتعلّم، ولم يعرف الواجب الواقعيّ، وهنا لا إشكال أيضاً في وجوب التعلّم؛ لوجوب الامتثال القطعيّ عقلا، وتوقّف ذلك عليه.

الصورة الثالثة: أن يكون قادراً على إحراز الامتثال القطعيّ من دون تعلّم، وذلك بالاحتياط بالإتيان بكلّ المحتملات، وهنا لا يجب عليه التعلّم، بل هو مخيّر بين التعلّم والاحتياط إحرازاً لما يوجب عليه العقل من الامتثال القطعيّ.

الفرض الثاني: أن يعلم بتكليف سوف يكون فعليّاً عليه، وعند صيرورته فعليّاً عليه تفوته فرصة تعلّم أحكامه، فهل يجب عليه التعلّم قبل الوقت، أو لا؟

وهذا أيضاً توجد له ثلاث صور:

الاُولى: أن تكون قدرته على الفعل متوقّفة على التعلّم، وهذا يدخل في المقدّمات المفوّتة، فيجب التعلّم من باب وجوب المقدّمات المفوّتة.

430

الثانية: أن يكون إحراز الامتثال القطعيّ متوقّفاً على التعلّم دون أصل قدرته على العمل، وهنا أيضاً يجب التعلّم.

وذكر المحقّق النائينيّ (رحمه الله): أنّ وجوب التعلّم هنا غير مرتبط بوجوب المقدّمات المفوّتة؛ إذ بتركه لا يتحقّق في الوقت العجز المسقط للخطاب، وإنّما يثبت وجوب التعلّم هنا من باب حكم العقل بوجوب إحراز الامتثال القطعيّ(1).

والتحقيق: أنّ التعلّم واجب لمجموع أمرين:

1 ـ وجوب إحراز الامتثال القطعيّ عقلا.

2 ـ إنّ هذا الواجب العقليّ له مقدّمة مفوّتة، وهي التعلّم، فيجب من باب وجوب المقدّمات المفوّتة.

وإن شئنا أن نتكلّم بلغة المحقّق النائينيّ (رحمه الله) في وجوب المقدّمات المفوّتة، قلنا: إنّ إحراز الامتثال القطعيّ واجب عليه عقلا، وهو وإن كان ممتنعاً عليه في الوقت بعد أن ترك التعلّم قبل الوقت، ولكنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، إذن فيجب عليه التعلّم قبل الوقت.

الثالثة: أن يكون قادراً على الاحتياط من دون تعلّم، فيتخيّر بين التعلّم والاحتياط، وإذا ترك التعلّم خارج الوقت، وجب الاحتياط في داخله كما هو واضح.

الفرض الثالث: الشكّ في كبرى التكليف مع إحراز صغراه، كما لو رأى الهلال ولا يدري هل يجب على من رأى الهلال الدعاء الفلانيّ الوارد في الصحيفة السجّاديّة مثلا، أو لا، فهل يجب عليه تعلّم ذلك الدعاء، أو لا؟

من الواضح: أنّ أصل شكّه في وجوب الدعاء يكون من باب الشبهة الحكميّة



(1) راجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 205 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 155 ـ 157 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ (رحمه الله).

431

التي لا يجوز عدم الاعتناء بها بلا فحص، فيجب عليه أن يفعل أحد أمرين:

الأوّل: أن يتعلّم احتياطاً ذلك الدعاء ويقرأه.

والثاني: أن يفحص عن وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وعدمه، فإن لم يثبت الوجوب بعد الفحص، فلا شيء عليه، وإن ثبت وجوبه، دخل تعلّم الدعاء في فرض سابق تكلّمنا عنه.

الفرض الرابع: أن يشكّ في فعليّة صغرى التكليف بعد العلم بكبراه، أو العلم بتنجّزها ولو بالاحتمال قبل الفحص، فهل يجب عليه تعلّم أحكام ذلك التكليف من أجزاء وشرائط، أو لا؟

وهنا يجري استصحاب عدم تحقّق شرط ذلك التكليف الذي شكّ في حصوله، فلا يتنجّز عليه التكليف، وبالتالي لا يجب عليه التعلّم.

الفرض الخامس: أن يحتمل: أنّه سوف تتحقّق في حقّه صغرى تكليف معلومة كبراه، أو منجّزة ولو بالاحتمال قبل الفحص، كما لو احتمل: أنّه سوف يستطيع وهو يعلم بوجوب الحجّ على المستطيع، أو يحتمله احتمالا منجّزاً، فهل يجب عليه تعلّم أحكام الحجّ إذا كان بنحو سوف يعجز عن التعلّم عند الاستطاعة، أو لا؟

قد يتبادر إلى الذهن بدواً: أنّه يجري استصحاب عدم الاستطاعة؛ إذ لا فرق في حجّيّة الاستصحاب بين الأمر الحاليّ والأمر الاستقباليّ، ومعه لا يجب تعلّم أحكام الحجّ.

إلّا أنّه يستشكل في ذلك:

تارةً بما عن السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ: من أنّه يعلم إجمالا بوقوع بعض الوقائع له في المستقبل، فلو ترك تعلّم الأحكام المستقبلة، وقع في المخالفة حتماً(1).



(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 2، ص 373 بحسب طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

432

وفيه: أوّلا: أنّه قد يكون العلم الإجماليّ منحلاًّ بعلم إجماليّ صغير، فإنّ الإنسان عادةً يعرف من أوضاعه الخاصّة أنّه ما هي الوقائع القريبة من حياته التي يقوى احتمال ابتلائه بها، وما هي الوقائع البعيدة عن حياته، فقد يتكوّن له علم إجماليّ صغير في دائرة الوقائع القريبة من حياته يساوي معلومه معلوم العلم الإجماليّ في دائرة مطلق الوقائع، فينحلّ به العلم الكبير.

وثانياً: أنّه يمكن فرض عدم مشكلة التعلّم قبل حصول شرط التكليف في كثير من الوقائع؛ لإمكانه بعد العلم بالتكليف بحصول شرطه، فلا أثر عمليّ لاستصحاب العدم فيها.

واُخرى بما عن السيّد الاُستاذ أيضاً من أنّ وجوب التعلّم وارد في مورد الاستصحاب، فلو تقدّم عليه الاستصحاب، لم يبقَ له مورد(1).

ويرد عليه: أنّ وجوب التعلّم يشمل موارد العلم بأصل واجب كالحجّ مع عدم معرفة أحكامه وخصوصيّاته، في حين أنّه لا معنى هنا للاستصحاب، وكذلك حينما ينحلّ العلم الكبير بالعلم الصغير بالبيان الذي مضى يكون وجوب التعلّم في دائرة العلم الصغير ثابتاً، بخلاف الاستصحاب المبتلى بالتعارض الداخليّ بلحاظ تلك الدائرة.

وثالثة: بما عن المحقّق النائينيّ (رحمه الله): من أنّ وجوب التعلّم أثر للشكّ والاحتمال، وليس أثراً للمشكوك حتّى ينتفي باستصحاب عدمه(2).

وهذا الكلام بظاهره غير صحيح، فإنّه لو فرض ورود دليل بلسان وجوب



(1) نفس المصدر.

(2) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 158 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ (رحمه الله).

433

التعلّم، وكان موضوعه عدم العلم بعدم الابتلاء، فبعد البناء على ما بنى عليه المحقّق النائينيّ (رحمه الله): من قيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعيّ يكون استصحاب عدم الاستطاعة قائماً مقام العلم بعدم الاستطاعة، فيحكم على وجوب التعلّم.

فإن قلت: إنّ الاستصحاب يجب أن يجري في نفسه بلحاظ الأثر الشرعيّ حتّى يحكم بقيامه مقام العلم الموضوعيّ، ولا يكون نفس قيامه مقام العلم الموضوعيّ مبرّراً لجريانه؛ إذ مع عدم الأثر الشرعيّ، للمستصحب لا يجري الاستصحاب، لا لمجرّد اللغويّة حتّى يقال: إنّها ترتفع بالقيام مقام العلم الموضوعيّ، بل لأنّ يد الجعل والتعبّد لا يمكن أن تنال ما لا يكون شرعيّاً.

قلت بعد تسليم المبنى: إنّ المفروض: أنّ الاستطاعة لها أثر شرعيّ، فلا إشكال في استصحاب عدمها من ناحية ضرورة كون التعبّد والجعل بلحاظ الأثر الشرعيّ، وأمّا من ناحية اللغويّة، فالمفروض انتفاؤها بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعيّ.

ورابعة: بما يمكن أن يكون تأويلا للكلام المنقول عن المحقّق النائينيّ (رحمه الله)ـ وأظنّ أنّه هو مقصوده، لا ما ذكرناه بظاهره ـ وهو أن يقال: إنّ الدليل ـ في الحقيقة ـ دلّ على أنّ كلّ مخالفة نشأت من ترك التعلّم يعاقب عليها، فهذا هو المستفاد من مثل روايات (هلاّ عملت. قال: لم أعلم. قال: هلاّ تعلّمت)(1).

والاستصحاب لا ينفي وقوع هذه المخالفة إلّا بالملازمة العقليّة، بل حتّى لو استصحب عدم الوقوع في المخالفة لا يفيد، فإنّه بالأخرة يحتمل الوقوع في المخالفة، ولو وقع في المخالفة لعوقب، فيجب دفع الضرر المحتمل بالتعلّم، وهذا بخلاف المخالفة التي قد يقع فيها في الفرض الرابع، فإنّ تلك المخالفة يقع فيها حتّى لو كان متعلّماً لأحكام الحجّ؛ وذلك استناداً إلى عدم إحراز صغرى التكليف،



(1) قريب من هذا المضمون ما في البحار، ج 1، ص 178، ح 2، و ج 2، ص 180، ح 3.

434

فليست المخالفة مستندة إلى عدم التعلّم حتّى يشملها الدليل الدالّ على أنّ كلّ مخالفة استندت إلى عدم التعلّم يعاقب عليها.

دوران أمر القيد بين الرجوع إلى المادّة أو الهيئة:

الأمر الثالث: إذا دار أمر القيد بين رجوعه إلى المادّة، فيجب تحصيله، ورجوعه إلى الهيئة، فلا يجب تحصيله، فتارةً يكون دليل القيد منفصلا، واُخرى يكون متّصلا.

أمّا إذا كان منفصلا بحيث انعقد للخطاب الإطلاق مادّةً وهيئةً، وإنّما عرفنا التقييد من دليل آخر منفصل، فالذي يبدو للذهن في أوّل وهلة أنّه يقع التعارض بين إطلاق المادّة وإطلاق الهيئة، ويتساقطان، ويرجع إلى الاُصول العمليّة، ومن هنا بذلت عنايات لترجيح إطلاق الهيئة في مقابل إطلاق المادّة، وهذه المرجّحات يمكن صياغتها في ثلاثة تقريبات:

التقريب الأوّل: تقديم إطلاق الهيئة؛ لكونه شموليّاً؛ إذ يقتضي توسيع الوجوب وشموله لحالات في عرض واحد، وكون إطلاق المادّة بدليّاً؛ لأنّ مدلول المادّة صرف الوجود، والإطلاق الشموليّ أقوى من الإطلاق البدليّ.

واعترض على ذلك المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) بأنّه لا موجب لدعوى أقوائيّة الإطلاق الشموليّ من البدليّ؛ لأنّهما معاً بمقدّمات الحكمة. نعم، لو كان الشموليّ بالعموم الأداتيّ والبدليّ بمقدّمات الحكمة من قبيل: (لا تكرم أيّ فاسق) و(أكرم عالماً)، قدّم الأوّل؛ لا لكونه شموليّاً والثاني بدليّاً، بل لكونه أداتيّاً والثاني حكميّاً، ولذا لو عكس كما لو قال: (لا تكرم فاسقاً) و(أكرم عالماً، أيّ عالم شئت)، انعكس الأمر(1).



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 168 ـ 169 بحسب الطبعة المشتملة في الحاشية على تعليقات المشكينيّ.

435

وهذا المطلب قد ذكرناه في بحث التعادل والتراجيح، وعمّقناه هناك، وخلاصة الكلام فيه: أنّ مفاد مقدّمات الحكمة في كلّ من الإطلاق الشموليّ والإطلاق البدليّ واحد، وهو كون مدلول كلامه مطابقاً لتمام مرامه، وأمّا الشموليّة والبدليّة، فهي مفاد دليل آخر عقليّ، حيث وضّحنا في بحث المرّة والتكرار: أنّ الأصل في إطلاق الحكم بلحاظ موضوعه هو الشموليّة، وبلحاظ متعلّقه هو البدليّة، والمعارضة ـ بحسب الحقيقة ـ ليست بين الدالّ على البدليّة هنا والدالّ على الشموليّة هناك، وإنّما المعارضة بين الدالّ على الإطلاق هنا والدالّ على الإطلاق هناك، ولا مبرّر لتقدّم أحدهما على الآخر.

التقريب الثاني: أنّ الأمر دائر بين محذور واحد ومحذورين، حيث إنّ تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادّة لا محالة، فإنّ الوجوب لو كان مقيّداً بحالة القيام مثلا، فلا معنى لكون الواجب مطلقاً يشمل حالة عدم القيام، في حين أنّ تقييد المادّة لا يستلزم تقييد الهيئة، ومتى ما دار الأمر بين محذور واحد ومحذورين فمقتضى الجمع العرفيّ الالتزام بالمحذور الواحد، ورفع اليد عن المحذور الثاني؛ وذلك لا من باب انحلال العلم الإجماليّ بأحد القيدين إلى العلم التفصيليّ بأحدهما معيّناً والشكّ البدوي في الآخر، وإلّا لرجع إلى التقريب الثالث، بل إمّا من باب دعوى: أنّ مجرّد الدوران بين محذور واحد ومحذورين يجعل العرف يقدّم ارتكاب محذور واحد في مقام الجمع على ارتكاب محذورين، أو من باب دعوى: أنّ الظهور الذي يلزم من مخالفته محذوران يصبح أقوى من الظهور الذي لا يلزم من مخالفته إلّا محذور واحد.

ويرد عليه: مضافاً إلى أنّ كلتا الدعويين ممنوعة أنّ تقييد المادّة على أساس تقييد الهيئة ليس محذوراً؛ لأنّه ليس تخصيصاً، وإنّما هو تخصّص؛ وذلك لأنّ إطلاق المادّة دائماً مقيّد بمقيّد لبّيّ كالمتّصل بكلّ قيود الوجوب، فهذا التقييد بهذا

436

النحو الإجماليّ ثابت له بمقيّد كالمتّصل، فإذا قيّدنا الهيئة بالقيام مثلا فقد حقّقنا صغرى ذلك التقييد الإجماليّ كالمتّصل للمادّة، ولم نقيّد المادّة بتقييد جديد.

التقريب الثالث: أن يقال: إنّ التعارض بين إطلاق المادّة وإطلاق الهيئة فرع العلم الإجماليّ بتقييد أحدهما، مع أنّه منحلّ إلى العلم التفصيليّ بتقييد المادّة: إمّا تخصيصاً، أو تخصّصاً والشكّ البدويّ في تقييد الهيئة؛ لما مضى من أنّ تقييد الهيئة يسري إلى المادّة دون العكس.

وهذا الكلام طبعاً إنّما يكون فيما إذا كان التقييد في طرف الوجوب وفي طرف الواجب على وزان واحد، بأن كان التقييد في كلا الطرفين بمعنى مجرّد عدم الوجوب، أو الواجب قبل ذلك القيد، فلو كان الواجب هو الصدقة مثلا والقيد هو القيام، فلا وجوب للصدقة، أو لا صدقة واجبة قبل القيام، من دون أن يكون القيام قيداً في مرحلة الاستمرار، أو كان التقييد في كلا الطرفين بمعنى الظرفيّة، فلا وجوب، أو لا واجب إلّا في ظرف القيام مثلا بحيث يكون القيام قيداً حدوثاً واستمراراً، أمّا لو فرض: أنّ القيام على تقدير كونه قيداً للوجوب، فهو قيد بالمعنى الأوّل، بمعنى: أنّه لا وجوب قبل القيام، ولكن لا دخل للقيام في الوجوب استمراراً، وعلى تقدير كونه قيداً للواجب فهو قيد بالمعنى الثاني، بمعنى: أنّه يجب أن يتصدّق في ظرف القيام، فمن الواضح: أنّ هذا البيان لا يأتي في المقام؛ إذ تقيّد الهيئة بالقيام بالمعنى الأوّل لا يستلزم ضرورة كون الصدقة في ظرف القيام كما لا يخفى(1).



(1) أمّا لو فرض القيام قيداً للوجوب حتّى في مرحلة الاستمرار، فسيكون حتماً قيداً للواجب حتّى في مرحلة الاستمرار؛ إذ مع عدم الاستمرار يرتفع الوجوب، فيرتفع الواجب؛ إذ لا واجب من دون وجوب.

437

وعلى أيّ حال، فقد يستشكل في هذا التقريب بأحد وجهين:

الوجه الأوّل: أنّ تقييد المادّة الذي يتولّد من تقييد الهيئة ليس إلّا بمعنى: أنّه لا يصحّ وقوع الصدقة امتثالا قبل حدوث القيام من دون أن يلزم إيجاد القيام، بينما لو كان التقييد منصبّاً على المادّة ابتداءً، كان مفاده ـ مضافاً إلى عدم صحّة وقوع الصدقة امتثالا قبل حدوث القيام ـ هو الإلزام بإيجاد القيام، وفي مقابل كلّ من التقييدين إطلاق، فالتقييد المقطوع به على كلّ حال في طرف المادّة إنّما هو التقييد الأوّل، وأمّا التقييد الثاني فليس معلوماً على كلّ حال، فالإطلاق الذي في مقابله يعارض إطلاق الهيئة.

وهذا الوجه غير صحيح؛ لأنّ تقييد المادّة ليس له إلّا معنىً واحد، وهو تحصيصها بالقيام، وصيرورة التقيّد به تحت الطلب، فلو تصدّق ثُمّ قام، فقد حصل الوجوب ولم يحصل الواجب، وهذا التقييد مقطوع به على كلّ تقدير، وأمّا عدم صحّة وقوع الفعل امتثالا قبل القيام، أو الإلزام بتحصيل القيام، فإنّما هما من آثار التقييد، لا نفس التقييد، والأثر الأوّل أثر تنجيزيّ لتقييد المادّة، أي: لا يحتاج إلى ضمّ ضميمة، والأثر الثاني وهو الإلزام بتحصيل القيام أثر تعليقيّ، أي: يحتاج إلى ضمّ ضميمة، وهو إطلاق الوجوب من ناحية القيام، فهو أثر لمجموع أمرين: تقييد المادّة وإطلاق الهيئة، والأوّل مقطوع به على كلّ تقدير، والثاني ثابت بأصالة الإطلاق؛ لعدم معارضتها بأصالة الإطلاق في المادّة؛ للجزم بتقييدها، فيثبت بذلك الإلزام بتحصيل القيام.

الوجه الثاني: أنّه لا جزم بتقييد الواجب على تقدير انصباب القيد على الوجوب، بل الواجب حينئذ مهمل، لا مطلق ولا مقيّد. أمّا عدم الإطلاق، فلاستحالة إطلاق الواجب لفرض عدم قيد الوجوب، وأمّا عدم التقييد فللغويّة تقييد الواجب بقيد الوجوب؛ لأنّ تقييد الواجب معناه تعلّق الأمر بالمقيّد، وهو

438

ينحلّ إلى أمر بذات المقيّد وأمر بالتقيّد، في حين أنّ الأمر بالتقيّد بقيد الوجوب غير قابل للتحريك؛ لأنّه يكفي في حصول التقيّد خارجاً حصول شيئين: القيد، وذات المقيّد. والأوّل مفروض الحصول؛ لكونه قيد الوجوب، والثاني مطلوب الحصول، فأيّ فائدة في أن يأمر وراء ذلك كلّه بالتقيّد؟!

فإذن التقييد والإطلاق كلاهما مستحيل، ويثبت الإهمال، ولا بأس بالإهمال في المقام، فإنّه ليس إهمالاً بلحاظ تمام وعاء جعل الحكم حتّى يقال بأنّ الإهمال مستحيل، بل إهمال بلحاظ بعض أطراف الحكم، وهو الواجب استغناءً بتقييد الوجوب، فالإهمال في جزء الواقع لا في تمامه، ولا بأس بذلك، وعليه فأصالة عدم تقييد الوجوب معارضة بأصالة عدم تقييد الواجب، فإنّ التقييد ـ ولو في مقابل الإهمال ـ مؤونة زائدة تُنفى.

ويرد عليه: أنّ الإهمال إنّما يعقل لو تصوّرنا واسطة بين الإطلاق والتقييد، بأن كانا ضدّين لهما ثالث.

أمّا بحسب ما نقّحناه في بحث التعبّديّ والتوصّليّ، وبحث المطلق والمقيّد: من أنّ التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب، فالإهمال غير معقول.

وأمّا البرهنة على امتناع التقييد بأنّ التقيّد حاصل على أيّ حال عند حصول القيد وذات المقيّد، فالأمر به لغو، وغير محرّك، فجوابها: أنّه يمكن أن يوجد القيد وهو القيام مثلا، ويوجد ذات المقيّد وهو الصدقة، ولا يوجد التقيّد، وذلك بأن تكون الصدقة موجودة قبل القيام لا بعد القيام، فلو كان الأمر متعلّقاً بجامع الصدقة من دون أخذ القيام قيداً في الواجب، لكان المأمور به الجامع بين الصدقة قبل القيام والصدقة بعده، فلو كان صدفة قد أتى بالصدقة قبل القيام، لم يحرّكه هذا الأمر نحو الصدقة بعد القيام، وإنّما الحافظ لتحريكه هو انصبابه على المقيّد، والإطلاق طبعاً مستحيل، فيتعيّن التقييد.

439

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه: أنّ هذا التقريب الثالث تامّ في نفسه، وأنّنا نتمسّك بأصالة الإطلاق في الهيئة من دون معارض.

نعم، هذا إذا كان احتمال دخل القيد في الوجوب وفي الواجب على وزان واحد كما مضى بيانه، أمّا إذا كان القيد محتمل الدخل في الوجوب على نحو الحدوث، وفي الواجب على نحو الظرفيّة، فلا محالة يحصل التعارض؛ لأنّ كلاًّ من التقييدين حينئذ ليس معلوماً، فأصالة عدم هذا التقييد معارضة بأصالة عدم ذاك التقييد.

هذا تمام الكلام في التقييد المنفصل.

وأمّا في المتّصل، فتارةً نفترض: أنّ لسان المقيّد ليس هو لسان تقييد متّجه إلى أحد الأمرين، أي: المادّة أو الهيئة، مع شكّنا في أنّه: هل هو متّجه إلى المادّة أو إلى الهيئة، بل لسانه لسان بيان مطلب مستقلّ ملازم للجامع بين تقيّد المادّة أو الهيئة، كما لو قال: (حجّ، ولا يجزي الحجّ قبل الاستطاعة)، وافترضنا: أنّ قوله: (ولا يجزي الحجّ قبل الاستطاعة) لا يفهم منه عرفاً كونه بصدد تقييد أحد الأمرين، وإنّما هو مطلب مستقلّ ملازم للجامع بين التقييدين.

واُخرى نفترض: أنّ لسانه لسان تقييد أحدهما بالخصوص، ولم نعرف أنّه: هل هو راجع إلى المادّة، أو إلى الهيئة، كما لو قال: (حجّ بعد الاستطاعة)، وافترضنا أنّ كلمة (بعد الاستطاعة) قيد لا نعرف هل يرجع إلى المادّة، أو إلى الهيئة.

أمّا في الفرض الأوّل، فإن أنكرنا ما قرّبناه في التقريب الثالث في المقيّد المنفصل من كون تقييد الهيئة مستلزماً لتقييد المادّة، كما أنكره المحقّقون المتأخّرون، وقع التعارض بين الإطلاقين، حيث إنّ مقتضى الإطلاق في كلّ واحد من المادّة والهيئة تامّ في نفسه، وعبارة (لا تجزي الصدقة قبل القيام)، أو (لا يجزي الحجّ قبل الاستطاعة) مثلا لا تصلح للقرينيّة لتقييد أحدهما بالخصوص بحسب

440

الفرض، فيتعارضان؛ ولذا لو فرض: أنّه صدفة لم ينعقد الإطلاق في أحد الطرفين لقصور في مقدّمات الحكمة بالنسبة إليه، كان الإطلاق في الطرف الآخر تامّاً محكّماً، وشاهداً على كون القيد راجعاً إلى ذاك الطرف الذي لم تتمّ مقدّمات الحكمة فيه، فلو لم يكن قصور في مقدّمات الحكمة في أحد الطرفين في نفسه، وقع التعارض والإجمال إن لم يكن أحدهما أقوى. أمّا لو بنينا على أنّ الإطلاق الشموليّ أقوى من البدليّ، تقدّم الشموليّ لا محالة، وإن آمنّا بأنّ تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادّة، إذن فتقييد المادّة مقطوع به، ومقدّمات الحكمة في طرفها منخرمة؛ لأنّ إحدى مقدّماتها أن لا يأتي المولى بما يكون دليلا على التقييد، بينما تلك العبارة دليل على تقييد المادّة على كلّ حال. وأمّا مقدّمات الحكمة في جانب الهيئة، فلا موجب لانخرامها؛ إذ لم يأتِ المولى بما يصلح للتقييد؛ لأنّ تلك العبارة إنّما تدلّ على اللازم الأعمّ للتقييد.

وأمّا في الفرض الثاني، فإن بنينا على أنّ تقييد الهيئة لا يستلزم تقييد المادّة، ففي الحقيقة يدخل ما نحن فيه في باب اشتباه ما فيه الإطلاق مع ما ليس فيه الإطلاق، لا في باب تعارض الإطلاقين؛ لأنّ التعارض فرع تماميّة الظهور في كلّ من الطرفين في نفسه لولا المعارض، وفي المقام نعلم بانثلام مقدّمات الحكمة في أحد الطرفين في نفسه، لاتّجاه عبارة (قائماً) مثلا إلى تقييده بالخصوص، فلا تعارض بين الحكمتين، وحينئذ لا أثر لفرض أقوائيّة الإطلاق الشموليّ من الإطلاق البدليّ؛ لأنّ تقديم أقوى الظهورين على أضعفهما إنّما هو بعد فرض ثبوت كلّ من الظهورين في نفسه لولا المعارض، إذن فلابدّ من المصير إلى الإجمال.

وإن بنينا على أنّ تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادّة، فأيضاً لابدّ من المصير إلى الإجمال بالرغم من القطع بتقييد المادّة، فإنّ الحكمة في جانب المادّة منثلمة يقيناً، وفي جانب الهيئة منثلمة احتمالا؛ لاكتناف الهيئة بما يصلح للقرينيّة، أي: يحتمل

441

قرينيّته بالنسبة إليها، ولا تعارض في المقام، فإنّه فرع استقرار كلّ من الظهورين في حدّ نفسه. وهنا أيضاً أقوائيّة الشموليّ ليس لها أثر؛ إذ أثرها يظهر لو وجد ظهوران متعارضان.

هذا تمام الكلام في دوران التقييد المنفصل، أو المتّصل بين الرجوع إلى المادّة، أو الهيئة.

كلام المحقّق النائيني (رحمه الله) في المقام:

بقي كلام للمحقّق النائينيّ (رحمه الله) ذكره، وطبّقه على المقام(1)، وهو في نفسه ـ بغضّ النظر عن تطبيقه على المقام ـ مطلب مهمّ في الجمع العرفيّ في باب التعادل والتراجيح، وهو: أنّ قانون الجمع بين الدليلين بتقديم الأقوى منهما الذي هو نحو جمع عرفيّ إنّما يكون في دليلين متعارضين تعارضاً ذاتيّاً مثل: (لا تكرم أيّ فاسق، وأكرم الهاشميّ) دون ما إذا كان التعارض عرضيّاً للعلم الإجماليّ صدفة بكذب أحدهما، كما لو قال: (لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاثاً: الطعام، والشراب، والنساء)، وقال: (لا تقضي الحائض ما فاتها من الصلاة)، وعلمنا إجمالا: إمّا بخروج صلاة الآيات من الثاني، أو الارتماس من الأوّل.

وقال (رحمه الله): إنّ ما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ التعارض بين إطلاق المادة وإطلاق الهيئة إنّما هو تعارض عرضيّ للعلم الإجماليّ صدفة بكذب أحدهما(2).



(1) في خصوص فرض المقيّد المنفصل دون المتّصل.

(2) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 163 ـ 164 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1، ص 216 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

442

أقول: إنّ دعوى عدم تقديم أحد الظهورين على الآخر بالأقوائيّة عند فرض التعارض بالعرض ولو فرض أنّ أحدهما في منتهى درجة القوّة، والآخر في منتهى درجة الضعف خلاف ما يبدو للذهن من الارتكاز العرفيّ على الخلاف، مثلا حينما يقول المولى: (لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاثاً)، كان ظهور الكلام في الحصر قويّاً جدّاً، بينما ظهور قوله: (لا تقضي الحائض ما فاتتها من الصلاة) في شموله لصلاة الآيات التي يكون ابتلاء الحائض بها في غاية الندرة، وأوّل ما يتبادر إلى الذهن الصلوات اليوميّة التي تبتلي الحائض بها في كلّ يوم ضعيف جدّاً، فالذي يبدو لنا بحسب الفطرة العرفيّة أنّه ينبغي تقديم الأوّل على الثاني إذا علمنا إجمالا بمخالفة أحد الظهورين للواقع، فينبغي أن نرى: أنّه ما هي الشبهة التي دعت إلى مجافاة هذا الارتكاز، ويمكن تقريبها بعدّة تقريبات:

التقريب الأوّل: ما هو محتمل أجود التقريرات، وظاهر فوائد الاُصول، وهو: قياس العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الظهورين على العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الخبرين، فكما أنّ العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الخبرين في نقله لا يوجب تقديم ما هو الأظهر منهما؛ لوضوح: أنّ نسبة العلم الإجماليّ بالكذب إليهما على حدّ سواء، وليس الأقوى ظهوراً أبعد عن الكذب، ولا الأضعف ظهوراً أقرب إلى الكذب، فكذلك العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الظهورين لا يوجب تقديم ما هو الأظهر منهما.

وهذا التقريب مبنيّ على الخلط بين مرحلتين، فإنّه توجد عندنا مرحلتان بلحاظ الكلامين المتعارضين:

إحداهما: أنّ هذين الكلامين هل صدرا من المولى، أو لا؟

والثانية: أنّه بعد فرض صدورهما منه، وكون كلّ منهما كاشفاً عن المراد الجدّيّ هل يكون واقع مراد المولى على طبق هذا الكشف، أو ذاك؟

443

وقواعد الجمع العرفيّ، وتقديم أقوى الظهورين كلّها مرتبطة بالمرحلة الثانية، أي: أنّه بعد الفراغ عن صدورهما معاً يقال: هذا له كشف عن العموم مثلا، وذاك له كشف عن الخصوص، فيقدّم ما هو أشدّ كشفاً، ويصلح أن يكون قرينة على المراد من الآخر. أمّا لو وقع الإشكال والكلام في المرحلة الاُولى، وعلم إجمالا بكذب أحدهما، ففي هذه المرحلة لا معنى لإعمال قواعد الجمع العرفيّ، وتقديم أقوى الظهورين؛ إذ لم يفرض صدور كلامين منه حتّى يقدم أقواهما كشفاً وظهوراً، بل نعلم: أنّه لم يصدر منه إلّا كلام واحد، فلا معنى لإعمال قواعد الجمع العرفيّ.

أو قل بكلمة اُخرى: إنّه بلحاظ المرحلة الاُولى ـ أعني: جهة الصدور ـ نسبة احتمال الكذب إلى كلّ من الخبرين على حدّ سواء، وكون أحدهما أقوى ظهوراً، والآخر أضعف لا يوجب أقوائيّة احتمال الكذب وأضعفيّته، ولكن بلحاظ المرحلة الثانية ـ أعني: جهة الظهور ـ يكون احتمال الكذب أقرب ـ لا محالة ـ إلى أحد الظهورين منه إلى الآخر حينما يكون ذاك الظهور أضعف من الظهور الآخر، ويكون هذا نكتة في تقديم العرف للظهور الأقوى، وجعله قرينة على التصرّف في الآخر(1).



(1) لا يخفى: أنّ الشيخ النائينيّ (رحمه الله) لم يكن بصدد قياس العلم بكذب أحد الظهورين بالعلم بكذب أحد الخبرين في عدم تقديم الظهور الأقوى حتّى يكون ذلك خلطاً بين المرحلتين، وكلامه في فوائد الاُصول واضح في إرادة قياس العلم بكذب أحد الخبرين في كونه داخلا تحت اشتباه الحجّة باللاحجّة وأحكامه، لا تحت التعارض وأحكامه بفرض العلم بكذب أحد الخبرين، فالمقصود هو التقريب الثاني زائداً على النقض بقياس العلم بكذب أحد الظهورين بالعلم بكذب أحد الصدورين، فيقال: كما أنّ العلم بكذب أحد الصدورين لا يخلق التعارض بين السندين، بل يوجب اشتباه الحجّة واللاحجّة بينهما؛

444

التقريب الثاني: أنّ حجّيّة الظهور مشروطة بعدم ورود مقيّد منفصل، ونحن نعلم بأنّ أحدهما المعيّن عند الله ورد عليه المقيّد المنفصل، فهو ساقط عن الحجّيّة، فيكون المقام داخلا في باب اشتباه الحجّة باللاحجّة. وقوانين الجمع العرفي إنّما تجري في موارد تقديم أقوى الحجّتين على أضعفهما، لا في موارد تمييز الحجّة عن اللاحجّة.

والجواب: أنّ حجّيّة الإطلاق ليست مشروطة بعدم واقع المقيّد المنفصل، بل بعدم العلم بالمقيّد المنفصل، وفي المقام لا يوجد علم تفصيليّ بمقيّديّة أحدهما



لأنّه يسقط أحد السندين المعيّن عند الله عن الحجّيّة غير المعيّن عندنا، كذلك العلم بكذب أحد الظهورين يوجب اشتباه الحجّة واللاحجّة بينهما، لا التعارض؛ لأنّه يسقط أحد الظهورين المعيّن عند الله غير المعيّن عندنا عن الحجّيّة.

والجواب بعد وضوح أنّ الكذب الواقعيّ في الصدورين أو التقييد الواقعي في الظهورين مثلا ليس هو الذي يسقط أحدهما عن الحجّيّة: أنّ العلم الإجماليّ بالكذب أو التقييد إن لم يكن مشتملا على مؤشّر يؤشّر إلى أحدهما المعيّن عند الله المجهول عندنا، كما لو كان العلم بالتضادّ هو الذي ولّد العلم الإجماليّ بالخلاف مثلا، فمن الواضح: أنّ هذا العلم نسبته إلى إسقاط حجّيّة أيّ واحد منهما مع الآخر متساوية، فلا معنى لإسقاط أحدهما المعيّن عند الله عن الحجّيّة، فيرجع الأمر إلى التعارض دون اشتباه الحجّة باللاحجّة، وإن كان مشتملا على مؤشّر من هذا القبيل، كما لو كان العلم بكذب أحدهما ناشئاً من إخبار نبيّ بكذب أحدهما المعيّن مع نسياننا بعد ذلك التعيين، وتذكّرنا لأصل إخبار النبيّ، فالظاهر: أنّ هنا أيضاً لا يؤثّر العلم الإجماليّ إلّا بقدر سقوط المجموع عن الحجّيّة، لا سقوط أحدهما، فيرجع إلى التعارض دون اشتباه الحجّة باللاحجّة، وآية ذلك أنّه لو كان أحدهما لا أثر له شرعاً ينجو الآخر عن السقوط في الفهم العرفيّ، وهذا إنّما يكون في فرض التعارض، لا في فرض اشتباه الحجّة باللاحجّة.

445

بالخصوص، وإنّما يوجد علم إجماليّ بالتقييد، ونسبة العلم الإجماليّ إليهما على حدّ سواء، ولا تتعيّن نسبته إلى أحدهما المعيّن عند الله حتّى يقال: إنّه هو الذي سقط عن الحجّيّة، فدخل الأمر في تمييز الحجّة عن اللاحجّة.

التقريب الثالث: أنّ الأقوى ظهوراً في باب التعارض إنّما يتقدّم على الأضعف ظهوراً من باب القرينيّة. وفي باب التعارض العرضيّ لا يكون الأقوى ظهوراً قرينة على الأضعف ظهوراً، بدليل: أنّنا لو جمعنا كلا الدليلين مع الدليل الذي دلّ على تقييد أحدهما في كلام واحد، لأصبح الأقوى ظهوراً مجملا، كما أنّ الأضعف ظهوراً يصبح مجملاً، في حين أنّ القرينة المنفصلة لو جمعت مع ذيها وحوّلت إلى المتّصل، لا تصبح مجملة بواسطة ذيها.

والجواب: أنّ إجمال الأقوى ظهوراً عند فرض الجمع بين الأدلّة الثلاثة في كلام واحد إنّما ينشأ من الدليل الثالث الصالح(1) للقرينيّة عليه، لا من الدليل الثاني الذي يفترض الدليل الأقوى قرينة عليه.

التقريب الرابع: أنّ الأقوى ظهوراً في باب التعارض إنّما يتقدّم على الأضعف ظهوراً من باب القرينيّة، والقرينيّة إنّما تعقل لو كان أحدهما متعرّضاً بمدلوله لحال مدلول الآخر، فالخاصّ مثلا قرينة على العامّ، وهو يتعرّض لنفي مدلول العموم في مورده. وهذا في باب التعارض العرضيّ غير موجود، فإنّ مدلول أحدهما أجنبيّ عن الآخر تماماً(2)، وإنّما وقع التعارض للعلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الظهورين.



(1) إلّا إذا لم يكن الدليل الثالث دليلا منصبّاً على تقييد أحدهما المعيّن عند الله، فحينما لم يكن كذلك لا نسلّم إجمال الدليل الأقوى لدى فرض الاجتماع في كلام واحد.

(2) الصحيح: أنّ التقديم بالأقوائيّة غير التقديم بالقرينيّة بمعنى التعرّض لحال الآخر.

وهذا جواب على التقريب الرابع والثالث.

446

وهذا التقريب لعلّه أحسن التقريبات.

والجواب: أنّنا وإن كنّا نسلّم أنّه في باب القرينيّة لابدّ من كون القرينة متعرّضةً لحال مدلول الآخر، لكن هذا التعرّض لا يلزم أن يكون بالمدلول المطابقيّ، بل يكفي أن يكون بالمدلول الالتزاميّ، والتعرّض بالمدلول الالتزاميّ موجود في المقام؛ وذلك لأنّ كلاًّ من الظهورين: الأقوى والأضعف يدلّ بالالتزام على قضيّة شرطيّة، وهي: أنّه لو كان أحد الظهورين غير مراد، فإنّما هو ذاك الظهور الآخر. وبهذه الدلالة الالتزاميّة يرجع بالدقّة كلّ تعارض عرضيّ إلى تعارض ذاتيّ، فيقدّم الأقوى منهما. وهاتان الدلالتان الالتزاميّتان موجودتان ـ في الحقيقة ـ قبل معرفتنا صدفة بتقيّد أحد الظهورين بنحو العلم الإجماليّ، وبذلك يتمّ التعارض الذاتيّ، وينحلّ التعارض بتقدّم الأقوى ظهوراً؛ لكونه قرينة للتصرّف في الآخر. ودور العلم الإجماليّ في المقام هو دور إحراز الشرط لهاتين القضيّتين الشرطيّتين الالتزاميّتين.

447

الواجب النفسيّ والغيريّ

ومنها: تقسيمه إلى الواجب النفسيّ والغيريّ.

وفي الحقيقة قد عقد هذا البحث لأجل الواجب الغيريّ، والكلام يقع في ذلك في جهات:

تعريف الواجب الغيريّ والنفسيّ

الجهة الاُولى: في تعريف الواجب النفسيّ والغيريّ.

وقد عرّف ذلك بأنّ الواجب النفسيّ هو ما وجب لا لواجب آخر، والواجب الغيريّ هو ما وجب لواجب آخر.

واُورد عليه: أنّ أكثر الواجبات وجبت لمصالح فيها، فإذا فرض: أنّ تلك المصالح لم تكن بدرجة الإلزام، لم تستلزم إيجاب الواجبات، وإذا فرض: أنّها بدرجة الإلزام، إذن يصبح تحصيلها هو الواجب النفسيّ، ويكون أكثر الواجبات الشرعيّة كالصلاة والصوم والحجّ وغير ذلك واجباً غيريّاً، لا واجباً نفسيّاً، اللّهم إلّا ما يكون من قبيل وجوب معرفة الله التي هي بنفسها كمال ومصلحة بغضّ النظر عمّا يترتّب عليها من أعظم المصالح.

والجواب: أنّ هذا الإشكال إنّما يتمّ لو اُضيفت النفسيّة والغيريّة إلى عالم الملاك، أو عالم الشوق، فالملاك النفسيّ أو الشوق النفسيّ إنّما هو في تلك

448

المصالح، وأمّا الصلاة والصوم ونحوهما، فملاكه وشوقه تبعيّ، ولكنّنا نلحظ النفسيّة والغيريّة بلحاظ عالم تحميل المسؤوليّة التي يضعها المولى بعد أن يحرز الملاك، فإنّ حقّ المطلب هو: أنّ الواجب النفسيّ ما يعاقب على تركه بما هو هو، والواجب الغيريّ ما لا يعاقب على تركه بما هو هو. وميزان ذلك ما ذكرناه: من أنّ ما يجعله المولى على عهدتنا ويشغل به ذمّتنا مستقلاًّ يحكم العقل باستحقاق العقاب على تركه، وأمّا ما لم يجعل في العهدة بذاته، بل بتبع شيء آخر، فلا يحكم العقل باستحقاق العقاب على تركه بما هو هو، فإذا لاحظنا النفسيّة والغيريّة بلحاظ عالم الجعل في العهدة وتحميل المسؤوليّة، قلنا: إنّه إذا جعل نفس المصلحة رأساً في العهدة، وأشغل بها الذمّة، أصبحت هي الواجب النفسيّ، والفعل المحصّل لها الواجب الغيريّ، وأمّا إذا أدخل نفس العمل كالصلاة والصوم في العهدة، وأشغل ذمّته به، وجعله مصبّاً لإعمال مولويّته مستقلاًّ، إذن فيصبح نفس هذا العمل واجباً نفسيّاً.

يبقى في المقام سؤالان:

السؤال الأوّل: أنّه بعد أن كان الملاك النفسيّ، والشوق النفسيّ في نفس المصالح لا في العمل، فلماذا يعدل المولى عن إدخال نفس تلك المصالح في العهدة إلى إدخال هذه الأعمال كالصلاة والصوم في العهدة؟!

والجواب: أنّ ذلك يمكن أن يكون لإحدى نكات:

الاُولى: ما يستفاد من كلمات المحقّق النائينيّ (رحمه الله)(1): من عدم إمكان إدخال



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 167، و ص 39 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1، ص 69 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، والمحاضرات للفيّاض، ج 2، ص 385 ـ 386 بحسب طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

449

تلك الأغراض والمصالح في العهدة؛ لعدم دخولها تحت القدرة؛ لتوقّفها على مجموعة مقدّمات واُمور بعضها عبارة عن العمل الاختياريّ للمكلف، وبعضها خارج عن الاختيار، فالمولى يجعل نفس الفعل الذي هو إحدى مقدّماتها على العهدة، فيصبح بذلك موضوعاً لحكم العقل بالعقاب على الخلاف، وهذا هو الواجب النفسيّ.

وقد أورد على ذلك السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّ الغرض الأعلى وهو تلك المصالح وإن لم يكن تحت الاختيار، لكن هناك غرض أدنى تحت الاختيار، وهو التهيّؤ والإعداد لحصول الغرض الأعلى، فلماذا لم يجعله داخلا في العهدة؟!(1).

وهذا الإشكال في غير محلّه بناءً على ما هو الصحيح عنده وعندنا: من أنّ مطلوبيّة المقدّمة مخصوصة بالحصّة الموصلة، فلو اُريد إدخال خصوص الإعداد والتهيّؤ الموصل إلى الغرض الأعلى في العهدة، فأيضاً هو خارج عن تحت القدرة، وإن اُريد إدخال مطلق الإعداد والتهيّؤ في العهدة، فحاله حال الصلاة من حيث إنّه لا هو المطلوب النفسيّ، ولا المطلوب الغيريّ الحقيقيّ، وإنّما هو إعمال مسامحة، فأيّ فرق في مقام إعمال المسامحة بين أن يطلب ذات الإعداد أو ذات الصلاة؟!

الثانية: أنّ المولى قد يتّفق أنّه يجعل ذات المقدّمة في عهدة المكلّف مباشرة، دون ذي المقدّمة حذراً من أن يخطأ العبد صدفة في مورد بتوهّم العجز عن الوصول إلى ذي المقدّمة عن طريق المقدّمة الفلانيّة مثلا، فنتيجة إدخال تلك المقدّمة في العهدة هي شدّة التحفّظ على الغرض، حيث إنّ العبد حتّى لو قطع بأنّ



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 167 تحت الخطّ بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ (رحمه الله).

450

هذه المقدّمة لا توصل إلى الغرض، يجب عليه عقلا الإتيان بها، فيربح المولى في مورد خطأ العبد صدفة، وهذا كثيراً ما يتّفق خصوصاً في مقدّمة غامضة النتائج مجهولة الجوانب، فمثلا يجعل تكاليف معيّنة بقصد حفظ النظام من دون أن يجعل نفس حفظ النظام في العهدة، وإلّا لزم الاعتماد على عقل العبد وذوقه، والمولى غير واثق بعدم خطأه.

الثالثة: أنّ إدخال الفعل في العهدة قد يكون بنفسه من مقدّمات الوصول إلى المصلحة والغرض النفسيّ، كما لو كانت المصلحة والغرض في نفس عنوان الطاعة والامتثال، دون مجرّد الفعل من دون قصد امتثال، فيجعل الفعل في العهدة حتّى يصبح العبد قادراً على الامتثال.

الرابعة: أنّ المولى قد لا يكون اهتمامه بغرض معيّن إلى حدّ يهتمّ بسدّ جميع أبواب عدمه، بل يكون بدرجة يتطلّب منه سدّ باب معيّن، بأن يهتمّ بغرضه بمقدار مقدّمة واحدة من مقدّماته مثلا، ويجعل حصول غرضه بحصول باقي المقدّمات على عهدة الصدفة والاتّفاق، وعندئذ فقد يجعل في عهدة العبد خصوص تلك المقدّمة، فيكون قد حفظ بهذا غرضه بالمقدار الذي يهتمّ به.

فإن قلت: كان بإمكانه أن يوجب على العبد ذلك الغرض مشروطاً بتحقّق باقي المقدّمات.

قلت: أوّلا: إنّ الهدف هو تحصيل نكتة عرفيّة في العدول عن جعل الغرض في العهدة إلى جعل الفعل الذي هو مقدّمة للغرض في العهدة، وما ذكرناه يكفي نكتة لذلك، فهو يعدل عن جعل الغرض في العهدة إلى جعل مقدّمة من مقدّماته في العهدة بنكتة: أنّ اهتمامه بغرضه ليس بأزيد من سدّ باب العدم بمقدار تلك المقدّمة وإن كان بالإمكان التوصّل إلى نفس النتيجة أيضاً بإيجاب الغرض مشروطاً بتحقّق سائر المقدّمات.

451

وثانياً: أنّه قد يتّفق: أنّ العبد لا يعرف أنّ المقدّمات الاُخرى ـ ولو فرضت اختياريّة له ـ هل سوف تحصل، أو لا،. فيعالج المولى الموقف بإدخال تلك المقدّمة في العهدة بدلا عن إدخال أصل الغرض في العهدة.

الخامسة: أنّه قد لا يكون الملاك بنحو يمكن أن يعرّفه المولى بحدوده للعبد، ويطلبه، إلّا بأن يشير إليه بنفس عنوان الفعل، بأن يقول مثلا: (حصّل الملاك الذي يحصل بالصلاة)، ففي مثل ذلك يكون الاُسلوب العرفيّ هو جعل نفس الصلاة رأساً في العهدة، لا الملاك.

السؤال الثاني: أنّه ما هو معنى جعل الفعل في العهدة مع كون المحبوب النفسيّ هو الملاك؟ أفهل معنى ذلك هو تعلّق جعل الحكم والاعتبار بذلك الفعل، بحيث لو قلنا: إنّ الحكم في عالم الثبوت ليست له عدا مرحلتين: مرحلة الملاك ومرحلة الإرادة، من دون مرحلة ثالثة اسمها مرحلة الجعل والاعتبار، لم يعقل جعل الفعل في العهدة؟ ثُمّ أيّ أثر لمجرّد الاعتبار في باب حكم العقل بوجوب الامتثال؟!

والجواب: أنّ الجعل والاعتبار إنّما هو صياغة عرفيّة لإدخال الشيء في العهدة، وروح المطلب: أنّ حكم العقل بوجوب الامتثال يتدخّل في تعيّن موضوعه ومصبّه بالضبط تعيين المولى له، أي: أنّ ما يريد المولى أن يكون هو الملزم به العبد تكون نفس هذه الإرادة الواصلة إلى حدّ الإبراز من قبل المولى موضوعاً لتعيّن مصبّ وجوب الامتثال عند العقل، فمن الممكن أن يحوّل المولى مصبّ وجوب الامتثال والدخول في العهدة من أصل الغرض إلى مقدّمة من مقدّماته.

452

الأصل عند الشكّ في النفسيّة والغيريّة

الجهة الثانية: في أنّه إذا علمنا بوجوب شيء كالوضوء، وشككنا في كونه نفسيّاً أو غيريّاً، فما هو مقتضى الأصل؟

والكلام تارةً يكون في الأصل اللفظيّ، واُخرى في الأصل العمليّ:

أمّا الأصل اللفظيّ: فهو يقتضي النفسيّة، ولذلك خمسة تقريبات، بعضها صحيح، وبعضها غير صحيح، مضت في مبحث دلالة الأمر على النفسيّة، وعناوين تلك التقريبات هي هذه:

1 ـ التمسّك بإطلاق الأمر بالوضوء لغير حالات وجوب ما يفترض كونه مقدّمة له كالصلاة.

2 ـ التمسّك بإطلاق مادّة ما يفترض الوضوء مقدّمة له، وشمولها لما لا يكون مع الوضوء.

3 ـ دعوى: أنّ النفسيّة قيد عدميّ، والغيريّة قيد وجوديّ، والإطلاق يعيّن القيد العدميّ في مقابل القيد الوجوديّ.

4 ـ أصالة التطابق بين عالم الإثبات وعالم الثبوت، حيث إنّه ذكر وجوب الوضوء ذكراً مستقلاًّ غير تبعيّ، فظاهره: أنّه بحسب الثبوت يكون وجوبه وجوباً مستقلاًّ غير تبعيّ.

5 ـ التمسّك بإطلاق المادّة التي تعلّق بها الأمر ـ وهو الوضوء مثلا ـ للحصّة غير الموصلة بناءً على ما هو الصحيح: من أنّ الواجب المقدّميّ إنّما هي الحصّة الموصلة.

وتفصيل الكلام في هذا البحث موكول إلى ما مضى من بحث دلالة الأمر على النفسيّة في مقابل الغيريّة.