357

 

الكلام في العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

الجهة الرابعة: في جواز الأخذ بالعمومات والإطلاقات الواردة في الأحكام قبل الفحص عن المخصّص وعدمه.

يمكن أن يستدلّ على عدم جواز ذلك باُمور:

الأوّل: الإجماع.

وبما أنّ من المحتمل كون مدركه بعض ما ذكروه من الوجوه يكون ذلك الإجماع في قوّة تلك المدارك، فلابدّ من النظر فيها ولا يصحّ الاستدلال بنفس الإجماع.

الثاني: الأخبار التي يستدلّ بها لوجوب الفحص في الشبهات الحكميّة وعدم جواز الرجوع قبله إلى البراءة.

والتحقيق: عدم تماميّة الاستدلال بها فيما نحن فيه بما لها من الألسنة المختلفة وإن استدلّ السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بتلك الأخبار.

واستدلّ المحقّق العراقيّ(قدس سره) ببعضها، حيث إنّه(قدس سره) ذكر خصوص ما سنذكره من الطائفة الأخيرة في مقام الاستدلال على المقصود، ولا يبعد أن يكون ذلك من باب المثال، بأن يكون مقصوده الاستدلال بمطلق الأخبار التي يستدلّ بها على وجوب الفحص في باب البراءة. وعلى أيّ حال فالأخبار الدالّة على وجوب الفحص على طوائف عديدة:

منها: ما ورد بلسان الأمر بالتعلّم والتفقّه(1).



(1) راجع الكافي، ج 1، الباب الأوّل من كتاب فضل العلم.

358

وأنت ترى أنّه لا يتمّ الاستدلال بذلك على المدّعى فيما نحن فيه، فإنّه إنّما يدلّ على وجوب الفحص فيما نحن فيه بعد الفراغ عن عدم حجّيّة العامّ قبل الفحص، فيدلّ على أنّه إن لم يكن العامّ حجّة قبل الفحص لم يجز للإنسان الجلوس في بيته وعدم التعلّم والتفقّه. وأمّا لو فرض حجّيّة العامّ قبل الفحص فهذا بنفسه يُثبِت للإنسان العلم والفقه، فله أن لا يفحص عن المخصّص ويجلس في بيته، لا بأن يترك العمل رأساً بل بأن يعمل بالعامّ، فإنّه يصدق عليه بعد فرض حجّيّة العامّ أنّه تَعَلَّمَ وتفقَّه، فالتمسّك بذلك في إثبات عدم حجّيّة العامّ قبل الفحص عن المخصّص دوريّ.

ومنها: ما ورد بلسان الذمّ على ترك السؤال، كما ورد في مَن غسّل مجدوراً أصابته جنابة فكزّ فمات: قتلوه، ألا سألوا ؟ ألا يمّموه؟!(1).

وهذا أيضاً ـ كما ترى ـ حاله حال سابقه، فإنّه بناءً على حجّيّة العامّ قبل الفحص لو اُوْرِد على المكلّف الآخذ به: أنّه لماذا لم يسأل عن الحكم فسيقول: بأ نّي سألتُ فاُجبتُ بالعامّ وكان العامّ حجّة لي.

ومنها: ما ورد بلسان هلاّ تعلّمت؟ كما ورد: من أنّه يقال للعبد يوم القيمة: هل علمت؟ فإن قال: نعم، قيل: فهلاّ عملت، وإن قال: لا، قيل له: هلاّ تعلّمت حتّى تعمل؟(2).



(1) الوسائل، ب 5 من التيمّم، ح 1.

(2) روى في البحار عن مجالس المفيد بسند صحيح عن مسعدة بن زياد قال: «سمعت جعفر بن محمّد(عليه السلام)وقد سُئل عن قول الله عزّوجلّ (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة﴾ فقال: إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أكنت عالماً؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلّمت حتّى تعمل. فيخصمه وذلك الحجّة البالغة». البحار، ج 1، ص 178.

359

وهذا أيضاً ـ كما ترى ـ كسابقيه؛ إذ لو كان العبد عمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص وفرض حجّيّته يكون له أن يجيب بأ نّي تعلّمت العامّ وكان حجّة فعملت به.

والخلاصة: أنّ الاستدلال بأخبار وجوب الفحص المستدلّ بها في باب البراءة على المدّعى فيما نحن فيه دوريّ.

الثالث: العلم الإجماليّ بوجود المخصّصات والمقيّدات لعمومات الكتاب والسنّة ومطلقاتها.

وقد اُورد على ذلك بأمرين:

الأوّل: أنّ الفحص ليس رافعاً لأثر العلم الإجماليّ، أعني: عدم جواز العمل بالعامّ؛ وذلك لأنّه بعد الفحص والظفر بمقدار من المخصّصات بحسب إمكاننا لا يحصل لنا القطع بعدم وجود مخصّص آخر لم نجده، بل من المحتمل أن يكون لباقي العمومات مخصّص لم يصلنا، فباقي العمومات لم يسقط بعدُ عن طرفيّته للعلم الإجماليّ.

والجواب: أنّا كما نعلم إجمالاً بوجود مخصّصات في الواقع أعمّ ممّا وصلتنا وما لم تصل، كذلك نعلم إجمالاً بوجود مخصّصات في الكتب الأربعة مثلاً، وعدد المعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني مساو لعدد المعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّل، وهذا مرجعه ـ لا محالة ـ إلى العلم الإجماليّ بوجود المخصّصات في الكتب الأربعة والشكّ البدويّ بوجود مخصّص آخر عدا المعلوم إجمالاً في الواقع، فالعلم الإجماليّ الأوّل ـ لا محالة ـ منحلّ بالعلم الإجماليّ الثاني، نظير ما لو علمنا إجمالاً بوجود نجس واحد بين ألف إناء وعلمنا إجمالاً بوجود نجس واحد بين قسم معيّن منها، فإنّ العلم الإجماليّ الكبير ينحلّ ـ لا محالة ـ بالعلم الإجماليّ الصغير كما سيأتي تفصيله ـ إن شاء الله ـ في مبحث العلم الإجماليّ.

360

الثاني: ما ذكره المحقّق الخراسانيّ(قدس سره): من أنّ العلم الإجماليّ بوجود المخصّصات لا يقتضي وجوب الفحص إلّا بمقدار الظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، فيلزم عدم وجوب الفحص بعد الظفر بهذا المقدار(1).

وهذا الإشكال متين لا مناقشة فيه.

إلّا أنّ المحقّق العراقيّ(قدس سره) لم يقبله؛ وذلك لأنّ مبناه في باب انحلال العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ إنّ العلم التفصيليّ لا يحلّ حقيقةً العلم الإجماليّ إلّا مع فرض القطع بأنّ ما علمه إجمالاً هو عين ما علمه تفصيلاً، وإلّا فليس انحلال العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ حقيقيّاً وإنّما يكون انحلاله به حكميّاً، والانحلال الحكميّ يختصّ بما إذا كان العلم التفصيليّ ثابتاً من أوّل حدوث العلم الإجماليّ، من باب أنّ العلم الإجماليّ لا يمكنه أن يبعث بالتنجيز في دائرة يكون بعض أطرافها بقدر المعلوم بالإجمال منجّزاً بالعلم التفصيليّ، ويرى أنّ هذا الانحلال الحكميّ مختصّ بما إذا كان هذا التنجيز الثاني معاصراً لأوّل زمان حدوث ذاك العلم الإجماليّ، ولكن فيما نحن فيه يكون العلم التفصيليّ بسبب الفحص متأخّراً عن العلم الإجماليّ، وبعد أن أثّر العلم الإجماليّ في تنجيز الأطراف ليس يرتفع أثره بسبب طروّ العلم التفصيليّ في بعض الأطراف(2).

وقد أورد(رحمه الله) عين هذا الإشكال على ما اُجيب به عن شبهة الأخباريّين في



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 353 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعاليق المشكينيّ.

(2) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 33، ص 455 ـ 456 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.

361

أصالة البراءة، حيث أشكل الأخباريّون على الاُصوليّين في أصل البراءة في الشبهات الحكميّة: بأنّ العلم الإجماليّ الكبير بوجود تكاليف إلزاميّة مانع عن جريان البراءة، واُجيب من قِبل الاُصوليّين: أنّ هذا العلم الإجماليّ ينحلّ بالعلم التفصيليّ الحاصل بالتدريج بالتكاليف الإلزاميّة بعدد المعلوم بالإجمال، فأورد على ذلك المحقّق العراقيّ(قدس سره) بمنع كون هذا العلم التفصيليّ حالّاً للعلم الإجماليّ؛ لكونه متأخّراً عنه زماناً. ومن هنا وقع(رحمه الله)في التكلّف في مقام دفع شبهة الأخباريّين(1).

أقول: سيأتي ـ إن شاء الله ـ في محلّه منع عدم انحلال العلم الإجماليّ حقيقة بالعلم التفصيليّ ما لم يكن المعلوم بالإجمال معنوناً بعنوان خاصّ غير مشتمل عليه العلم التفصيليّ، وبناءً على الانحلال الحقيقيّ لا فرق بين فرض مقارنة العلم التفصيليّ للعلم الإجماليّ وتأخّره عنه.

وأمّا ما ذكره(رحمه الله) في المقام بعد فرض الانحلال حكميّاً: من أنّ التمسّك بأصالة العموم بعد العثور ـ بالفحص ـ على المقدار المعلوم بالإجمال حاله حال التمسّك بأصالة البراءة بعد العثور ـ بالفحص ـ على المقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف الإلزاميّة في أنّ الانحلال الحكميّ لا يجري لدى تأخّر العلم التفصيليّ عن العلم الإجماليّ، فيرد عليه: أنّه لو تمّ ما ذكره في مسألة البراءة لا يتمّ في المقام؛ للفرق



(1) والذي تكلّفه(رحمه الله) هو دعوى: أنّ العلم الإجماليّ تعلّق منذ البدء بما سنظفر به بعد الفحص المتعارف، فبعد الفحص وعدم الظفر في أيّ مورد ينكشف خروج ذاك المورد عن الطرفيّة للعلم الإجماليّ من أوّل الأمر، وقال(رحمه الله)بذلك من دون فرق بين باب الفحص عن المخصّص للعامّ أو الفحص عن التكليف في مقابل أصالة البراءة. راجع نفس المصدر الذي أشرنا إليه آنفاً.

362

بينهما سواء سلكنا في تنجّز العلم الإجماليّ مسلك المشهور أو سلكنا فيه مسلك المحقّق العراقيّ(رحمه الله):

أمّا مسلك المشهور: فهو أنّ منجّزيّة العلم الإجماليّ للموافقة القطعيّة تكون بملاك تعارض الاُصول في الأطراف وتساقطها.

وعلى هذا المبنى يكون الفرق واضحاً بين ما نحن فيه ومبحث البراءة؛ لأنّه قد يقال في مبحث البراءة: لو تحقّق علم إجماليّ وسقطت الاُصول في الأطراف بالمعارضة، ثمّ تحقّق علم تفصيليّ في بعض الأطراف وقلنا بأنّه لا يحلّ العلم الإجماليّ حلاًّ حقيقيّاً عجز هذا العلم عن حلّه حلاًّ حكميّاً؛ لأنّ ملاك التنجّز الذي هو تساقط الاُصول ثابت بعدُ على حاله؛ لأنّ الاُصول في الأطراف الاُخرى لا زالت معارضة للاُصول في الأطراف التي ظفرنا فيها بالتكليف ولو بلحاظ ما قبل الظفر، والأصل الذي مات بالمعارضة لا يحيى بعد الموت كما يأتي برهانه ـ إن شاء الله ـ في محلّه.

وأمّا في باب العمومات فالاُصول اللفظيّة لم تتساقط بالمعارضة حتّى يقال: إنّها لا ترجع بعد السقوط أو أنّ التعارض لا زال محفوظاً، وإنّما العلم الإجماليّ بوجود مخصّصات بعدد خمسين مثلاً فيما بأيدينا من الروايات والتي لو فحصنا عنها لوجدناها أوجب خروج خمسين من تلك العمومات عن دليل الحجّيّة وهو بناء العقلاء؛ لعدم بنائهم على حجّيّة عمومات وصلت مخصّصاتها ولو بالعلم الإجماليّ، وبالنتيجة عجزنا عندئذ عن التمسّك بأصالة العموم في جميع الأطراف، لا بمعنى التعارض فيما بينها بل بمعنى اشتباه الحجّة باللاحجّة، فإن علم بعد ذلك تفصيلاً في خمسين من العمومات معيّنة أنّها مخصَّصة فقد سقط اشتباه الحجّة باللاحجّة وعملنا بالباقي.

363

نعم، لو كنّا نؤمن بأنّ مجرّد العلم الإجماليّ بمخصّصات يخرج تمام أطراف العلم الإجماليّ عن بناء العقلاء على الحجّيّة، حتّى مع فرض وجود علم تفصيليّ مقارن لحدوث العلم الإجماليّ بذاك المقدار من المخصّصات كان معنى ذلك سقوط كلّ العمومات في المقام، لكن هذا ما لا يلتزم به المحقّق العراقيّ نفسه في فرض تقارن العلمين.

وأمّا مسلك المحقّق العراقيّ(رحمه الله): فهو أنّ العلم الإجماليّ بنفسه علّة تامّة لتنجيز الموافقة القطعيّة.

وقد يتخيّل أنّه على هذا المبنى لا يبقى فرق بين ما نحن فيه وباب البراءة.

لكن التحقيق ثبوت الفرق بينهما أيضاً لنفس النكتة التي أشرنا إليها، ففي باب البراءة يفترض أنّ العلم الإجماليّ بالتكاليف نجّز الأطراف مباشرة بسبب طريقيّته المحض إلى نفس التكاليف، فسقطت الاُصول، والعلم التفصيليّ المتأخّر في بعض الأطراف لا يُحيي الأصل الذي سقط بالتنجيز سابقاً. نعم، لو كان العلم التفصيليّ مقارناً سقط العلم الإجماليّ حكماً؛ لأنّه لا يمكنه تنجيز المعلوم على كلّ تقدير؛ إذ على بعض التقادير يكون معلوماً بالعلم التفصيليّ.

وأمّا العلم الإجماليّ بالمخصّصات فيحقّق الموضوع لسقوط العمومات المخصَّصة، بسبب عدم بناء العقلاء على حجّيّة عموم يكون مخصّصه واصلاً ولو بالعلم الإجماليّ، وبسببه نرجع مرّة اُخرى إلى اشتباه الحجّة باللاحجّة من العمومات، وحينما انتهينا بالفحص إلى خمسين من العمومات مثلاً مخصّصة كشفنا عن أنّها لم تكن حجّة من أوّل الأمر وارتفع اشتباه الحجّة باللاحجّة.

نعم، لو كنّا نؤمن بأنّ مجرّد العلم الإجماليّ بمخصّصات يخرج تمام أطراف العلم الإجماليّ عن بناء العقلاء على الحجّيّة، حتّى مع فرض وجود علم تفصيليّ مقارن بذاك المقدار من المخصّصات كان معنى ذلك سقوط العمومات تماماً في المقام، لكن هذا ما لا يلتزم به المحقّق العراقيّ نفسه في فرض تقارن العلمين.

364

وفي نهاية البحث مع المحقّق العراقيّ(قدس سره) نشير إلى أنّه لو فرض أنّ أحداً تفحّص في الروايات قبل بلوغه سنّ التكليف وظفر بمقدار المعلوم بالإجمال لم يبق مورد لما أشار إليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله) من عدم تأثير العلم المتأخّر في الانحلال الحكميّ، ولم يبق موضوع لتأثير العلم الإجماليّ بشأنه بعد البلوغ بالنسبة لباقي العمومات.

الرابع: ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) دليلاً لوجوب الفحص وادّعى أنّه مختصّ بباب البراءة ولا يأتي فيما نحن فيه، وهو: أنّ العقل حاكم بأنّ وظيفة المولى إنّما هي بيان الأحكام وجعلها في معرض الوصول إلى العبد بالفحص، وليست من وظيفته أن يطرق باب كلّ واحد من بيوت عبيده ويوصل الأحكام إليه، ووظيفة العبد هي التفحّص عن أحكام المولى لا الجلوس في البيت وإجراء البراءة عن كلّ تكليف شكّ فيه. نعم، لو شكّ في تكليف وفحص عنه ولم يظفر به كان له عندئذ التمسّك بالبراءة(1).

وذكر السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ أنّ هذا الوجه يأتي فيما نحن فيه أيضاً، فإنّه بعد أن علمنا أنّ من دأب المولى وديدنه تأخير المخصّصات والمقيّدات لم يجز التمسّك بالعموم قبل الفحص وأصبح حاله حال البراءة(2).

أقول: التحقيق أنّ هذا الوجه إنّما يتمّ فيما نحن فيه ولا يتمّ في باب البراءة، فإنّ هذا الوجه في باب البراءة إنّما يمنع عن التمسّك بالبراءة العقليّة لا البراءة



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 480 ـ 481 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(قدس سره)، وفوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 540 ـ 541 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 5، ص 250 ـ 251، إلّا أنّه لم يتمسّك بحكم العقل بوجوب الفحص، بل تمسّك بعدم إحراز بناء العقلاء على الحجّيّة قبل الفحص مادام أنّ دأب الشريعة وديدنه الفصل بين العمومات والمخصّصات.

365

الشرعيّة، فإنّ العقل يحكم بأنّ موضوع قبح العقاب بلابيان يرتفع بصرف بيان الحكم وجعله في معرض الوصول إلى العبد، وتقصير العبد في الفحص لا يوجب قبح العقاب. وأمّا إذا إذن المولى بنفسه في ارتكاب ما لا يعلم فالعقل لا يحكم بعد ذلك بوجوب الفحص وتحصيل العلم، بل يقول: من الجائز قبل الفحص ارتكاب غير معلوم الحرمة لإجازة المولى بنفسه ذلك، ولماذا يفحص العبد حتّى يحصل له العلم ويخرج عن موضوع جواز ارتكاب ما لا يعلم حرمته؟ فهذا الوجه غير تامّ في باب البراءة وإنّما هو تامّ فيما نحن فيه بالتقريب الذي ذكره السيّد الاُستاذ دامت بركاته.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ كون دأب المولى وديدنه تأخير المخصّصات والمقيّدات في غالب الموارد، وذكر عامّ أو مطلق في كثير من الأوقات بدون إرادة العموم أو الإطلاق منه لا يوجب عدم حجّيّة العامّ والمطلق قبل الفحص عند العقلاء، بل يوجب سقوطهما عن الحجّيّة رأساً، فمقتضى القاعدة عدم حجّيّة عمومات الكتاب والسنّة وإطلاقاتهما رأساً، والقدر المتيقّن من الخارج عن مقتضى القاعدة بسيرة المتشرّعة في زمان الأئمّة(عليهم السلام) ـ الممضاة من جانبهم ـ هو العامّ والمطلق بعد الفحص عن المخصّصات والمقيّدات.

نعم، نفس مَن كان يسأل الإمام(عليه السلام) عن شيء ويسمع الجواب ببيان حكمه لم يكن عليه الفحص عن مخصّص هذا الحكم، بل كان يعلم أنّ تكليفه الفعليّ هو العمل بهذا الحكم إمّا لأنّه لا مخصّص له، أو لأنّ عنوان التخصيص غير منطبق بشأن هذا الشخص مثلاً. وأمّا الشخص الآخر الذي كان يروى له هذا الحديث أو يراه في كتاب هذا الراوي فحال هذا الخبر بالنسبة له حال سائر الأخبار، ولابدّ له من الفحص عمّا تحت اليد حتّى يطمئنّ بعدم وجود مخصِّص فيما بيده من الأخبار.

هذا تمام الكلام في وجوب الفحص عن المخصّص.

366

 

الكلام في شمول الخطاب للمعدومين والغائبين

الجهة الخامسة: في شمول الخطاب للمعدومين والغائبين وعدمه.

لا إشكال في شمول الأحكام الثابتة بالعموم للغائبين والمعدومين إذا لم تبيّن بلسان الخطاب، كَأَن يقال: (كلّ مستطيع يجب عليه الحجّ). إنّما الكلام فيما يكون بلسان الخطاب، كالمشتمل على حروف النداء الموضوعة لذات الخطاب، أو على الضمائر التي اُدمج فيها معنى الخطاب، أو هيئة تدلّ على الخطاب، هل يعمّ ذلك المعدومين والغائبين، أو تكون أداة الخطاب قرينة على الاختصاص بالحاضرين أو الموجودين، فحرف النداء مثلاً في قوله: (يا أيّها الناس) قد خصّت مدخولها بالحاضرين أو الموجودين؟

اختلفوا في ذلك على أقوال:

أحدها: ما ذهب إليه المشهور من عدم العموم.

وثانيها: ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) وهو العموم(1).

وثالثها: ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(قدس سره) من التفصيل بين القضايا الخارجيّة فلا تشمل، والقضايا الحقيقيّة فتشمل(2).



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 357 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعاليق المشكينيّ.

(2) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 490 ـ 491 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 550 ـ 551 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

367

ولنقدّم قبل الشروع في بيان ما هو الحقّ أمرين:

 

حقيقة الخطاب:

الأوّل: في حقيقة الخطاب.

اشتهر في الألسن أنّه عبارة عن قصد تفهيم المخاطب بالكلام، ومن هنا يقال بعدم معقوليّة خطاب المعدوم والغائب؛ لعدم قابليّتهما لقصد التفهيم.

وللمحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) في تحقيق حقيقة الخطاب كلام في تعليقته على الكفاية(1)، وهو: أنّ التفهيم ليس شرطاً في الخطاب ولا يتقوّم الخطاب به، ولذا يصحّ الخطاب من الله تعالى للعباد مع عدم فهمهم إيّاه، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾(2)، ولا يشترط أيضاً في ذلك السماع بالجارحة، ولذا يصحّ الخطاب من العباد لله تعالى مع أنّه لا يسمع بجارحة، ولا مطلق السماع، ولذا قد يُخاطَب الأصمّ بخطاب ويترجم له شخص آخر خطاب المتكلّم بإشارات يفهمها، ولا يشترط أيضاً الاجتماع في مجلس واحد، ولذا تخاطب الشيعة أئمّتها الذين قد ارتحلوا إلى عالم آخر، فهم يخاطبونهم من عالَم إلى عالَم، وإنّما الذي



(1) نهاية الدراية، ج 2، ص 471 ـ 473 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

(2) المثال المذكور في عبارة الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) للخطاب بلا تفهيم وتفهّم هو مخاطبة الجماد الحاضر.

ولكن جاء في أثناء كلامه لدى بيان الاجتماع الإحاطيّ قوله: «سواء كان المتكلّم محيطاً كالبارئ تعالى شأنه عند خطابه لعباده وإن لم يلتفت المخاطب إلى الخطاب...»، فكأنّ التمثيل بآية (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾ جرى على لسان اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) بمناسبة هذا المقطع وإن لم يكن موجوداً في عبارة الشيخ.

368

يكون دخيلاً في تحقّق الخطاب هو الاجتماع بأحد وجوه ثلاثة: الاجتماعالمكانيّ، كما لو خاطب الإنسان مَن هو حاضر في المجلس، والاجتماع السماعيّ كما في مخاطبة الشيعة مع أئمّتها، فإنّه وإن لم يكن بينهما اجتماع مكانيّ حقيقة، أي: أنّهما ليسا في مجلس واحد لكن سماع المخاطب ولو من بعيد يكون بمنزلة حضوره فهو بحكم الاجتماع المكانيّ، والاجتماع الإحاطيّ، ولذا يصحّ مخاطبة الله تعالى الذي هو محيط بالعباد لعباده وبالعكس.

هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره).

وهو ـ كما ترى ـ لا يفيد وجهاً محصّلاً لتصوير حقيقة الخطاب، فإنّه إن أراد: أنّ حقيقة الخطاب هو اجتماع المتكلّم مع غيره فهو بديهيّ البطلان، فإنّه قد يجتمع الإنسان مع شخصين ويخاطب أحدهما دون الآخر، فلو كان الخطاب عبارة عن ذلك لكان كلاهما مخاطبين، مع أنّه ليس كذلك بل يمتاز أحدهما عن الآخر بالخطاب، وما به الامتياز غير ما به الاشتراك، وإن أراد: أنّ الاجتماع شرط في تحقّق الخطاب لم يظهر بذلك حقيقة الخطاب مع أنّه(قدس سره) كان في مقام بيان حقيقة الخطاب.

 

التحقيق في حقيقة الخطاب:

والتحقيق في هذا المقام: أن يقال: إنّه لا إشكال في أنّه تتحقّق بالخطاب نسبة بين المخاطَب والمخاطِب، وأنّ الخطاب في الحقيقة ربط الكلام بالمخاطب بربط خاصّ وتوجيه إليه بنحو مخصوص فنقول: إنّ هذا الربط والتوجيه إمّا يكون لواقع الكلام، أعني: الصوت الخاصّ الذي أوجده المتكلّم، أو ربط لمضمون الكلام بالمخاطب، أو يكون هذا الربط من الاُمور النفسانيّة الثابتة في نفس المتكلّم:

أمّا الاحتمال الأوّل: فباطل قطعاً، فإنّه من الواضح أنّ الكلام صوت في الفضاء قائم بالمتكلّم ومرتبط به، ولا يعقل ارتباط خاصّ له بشخص آخر.

369

وأمّا الاحتمال الثاني: فأيضاً باطل قطعاً، فإنّه ربّما يكون مضمون الكلام مرتبطاً بغير المخاطب، وربّما يكون المخاطب غير مربوط به مضمون الكلام.

فتعيّن الاحتمال الثالث، وهو: أنّ الخطاب أمر نفسانيّ يرتبط بالمخاطب، وليس ذلك إلّا قصداً مخصوصاً، وليس هو إلّا قصد إعداد الغير للفهم من ناحية هذا الكلام وسدّ باب العدم من ناحية عدم ذلك الكلام بشرط أن يكون في الكلام ما يكون مبرزاً لذلك القصد، فلو قال بحضور المخاطب: ﴿لِلَّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ قاصداً لإعداد المخاطب لفهم وجوب الحجّ عليه لم يكن هذا القصد خطاباً، بخلاف ما لو قال: (يجب عليك الحجّ)، فإنّ الضمير في عليك كان مبرزاً لذلك القصد. نعم، الإعداد للفهم له مراتب: فإنّه تارةً يكون مجرّد الإعداد، واُخرى يكون إعداداً قريباً للفعل، فعلى الأوّل يعمّ الخطاب للغائبين والمعدومين، وعلى الثاني يختصّ بالحاضرين أو الموجودين، وتعيين ذلك ـ أعني: أنّ الخطاب هل هو قصد مطلق الإعداد المبرز باللفظ أو قصد إعداد قريب للفعل مبرز باللفظ ـ مربوط بالاستظهار العرفيّ من أدوات الخطاب وليس عليه برهان عقليّ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان ما هو الحقّ فيه.

 

تحرير ما ينبغي أن يكون محلاًّ للنزاع:

الثاني: في تحرير ما ينبغي أن يكون محلاًّ للنزاع.

ذكر المحقّق النائينيّ(قدس سره)(1): أنّ النزاع في شيئين عقليّ ولفظيّ: فالعقليّ هو أنّه



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 489 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله). وراجع فوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 548 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

370

هل يعقل خطاب المعدوم أو الغائب أو لا؟ واللفظيّ هو أنّه هل وضعت أداةالخطاب لخصوص خطاب الحاضر أو يشمل المعدوم والغائب؟

وذكر السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1): أنّ النزاع العقليّ غير معقول، فإنّ الخطاب إن كان إنشائيّاً لا مجال لتوهّم عدم معقوليّته بالنسبة للمعدوم والغائب، وإن كان فعليّاً لا مجال لتوهّم معقوليّته بالنسبة لهما، فالنزاع إنّما هو بالنسبة للّفظ، وهو: أنّه هل تكون أداة الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقيّ أو للخطاب الإنشائيّ؟ واختار ـ دامت بركاته ـ بحسب الاستظهار العرفيّ أنّها موضوعة للخطاب الإنشائيّ، وهو إظهار توجيه الكلام نحو مدخول الأداة وهو المخاطب بداع من الدواعي، فإن كان بداعي الجدّ كان الخطاب حقيقيّاً، وإن كان بداع آخر كان إنشائيّاً(2).

أقول: في كلّ من كلاميه ـ أعني: تحريره لمحلّ النزاع واختياره لأحد الشقّين ـ نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الخطاب الحقيقيّ إنّما هو قصد الإعداد المخصوص، وهو مدلول تصديقيّ للكلام الخطابيّ، كما أنّ الإخبار الحقيقيّ مدلول تصديقيّ للكلام الإخباريّ، والتمنّي الحقيقيّ مدلول تصديقيّ للكلام الدالّ على التمنّي وهكذا، وليس أحد من المتنازعين غيره ـ دامت بركاته ـ قائلاً بكون اللفظ موضوعاً للمدلول التصديقيّ، وإنّما يكون المدلول التصديقيّ عندهم مستفاداً من الظهور



(1) راجع المصدر الأوّل الذي أشرنا إليه في التخريج السابق تحت الخطّ. وراجع المحاضرات للفيّاض، ج 5، ص 274 طبعة مطبعة صدر بقم.

(2) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 491 تحت الخطّ، بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله). وراجع المحاضرات، ج 5، ص 276 بحسب الطبعة المشار إليها آنفاً.

371

السياقيّ، فلا معنى لأن يتنازعوا في وضع أداة الخطاب للخطاب الحقيقيّ وعدمه، وإنّما هي موضوعة للمدلول التصوّريّ وهو النسبة الخاصّة بين المخاطَب والمخاطِب، فإن كان استعمالها بداعي الجدّ تحقّق الخطاب الحقيقيّ وهو قصد الإعداد المخصوص، بخلاف ما لو كان بسائر الدواعي كالتحسّر والتحزّن ونحو ذلك، فما جعله محلاًّ للنزاع ليس محلاًّ له.

وبكلمة اُخرى: إن فُرض النزاع فيما وضعت له الأداة لغةً فليس أحد من الطرفين يحتمل وضعها للخطاب الحقيقيّ؛ لأنّ الخطاب الحقيقيّ مدلول تصديقيّ وليس تصوّريّاً. وإن فُرض النزاع في الجدّ وعدمه؛ إذ على الأوّل يفهم الخطاب الحقيقيّ بخلاف الثاني، فهذا أيضاً لا معنى له؛ لأنّهم متّفقون على أصالة الجدّ في كلّ كلام شكّ في جدّيّته، والخطاب أيضاً ككلّ كلام آخر يحمل على الجدّ بلا إشكال، ولا خصوصيّة للخطاب يمتاز بها عمّا عداه من بقيّة الكلام كالإخبار والتمنّي والترجّي وغيرها، فكما أنّ الأصل فيها هو الجدّ كذلك الحال فيما نحن فيه.

ولكن هذا لا يعني أنّنا نعود إذن إلى جعل النزاع عقليّاً صِرفاً في أنّه هل يعقل خطاب المعدوم مثلاً أو لا؛ لوضوح أنّه لو أردنا من الخطاب قصد مطلق الإعداد للفهم المبرز بالكلام كان خطاب المعدوم معقولاً، ولو أردنا قصد الإعداد القريب من الفعل لم يكن ذلك معقولاً.

فالذي ينبغي أن يكون محلاًّ للنزاع هو ما مضت الإشارة إليه في كلامنا من أنّ أدوات الخطاب مُفهمة لقصد الإعداد المطلق أو لقصد خصوص الإعداد القريب من الفعل.

وأمّا الثاني ـ وهو استظهاره العرفيّ لكون أداة الخطاب موضوعة للخطاب الإنشائيّ، يعني استظهار توجيه الكلام نحو مدخول الأداة وهو المخاطب بداع

372

من الدواعي ـ: فهذا أيضاً كلام لا نفهمه؛ إذ لو قصد بتوجيه الكلام نحو المخاطب توجيهه حقيقةً وتكويناً إليه فلا معنى لذلك إلّا الخطاب الحقيقيّ وقصد الإعداد المخصوص؛ إذ ما عداه وهو ذات الصوت في الفضاء لا معنى لتوجيهه نحو الغير حقيقة كما مرّ، والمفروض أنّه ـ دامت بركاته ـ أنكر وضع أداة الخطاب للخطاب الحقيقيّ، فحمل كلامه على إرادة التوجيه الحقيقيّ والتكوينيّ يستبطن التناقض في كلامه.

ولو قصد بذلك التوجيه الإنشائيّ بمعنى إيجاد الخطاب بالكلام ـ كما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ من أنّ التكلّم بالخطاب إيجاد للخطاب، وبالتمنّي إيجاد للتمنّي ونحو ذلك ـ ورد عليه: أنّ هذا خلاف مبناه في الإنشائيّات، فإنّه يقول ـ وهو الحقّ ـ باستحالة إيجاد المعنى باللفظ.

ولو قصد بذلك ما ذكرناه من المعنى التصوّريّ الذي هو النسبة التصوّريّة الخاصّة بين المخاطِب والمخاطَب ورد عليه: أنّ هذا خلاف مبناه في باب الوضع من أنّ الموضوع له هو المعاني التصديقيّة لا التصوّريّة.

وبعد تقديم هاتين المقدّمتين نقول: قد عرفت أنّ الذي ينبغي أن يكون محلاًّ للنزاع هو: أنّ أداة الخطاب هل هي مُفهمة لقصد إعداد الغير لفهمه من ناحية هذا الكلام إعداداً مطلقاً، أو مُفهِمة لقصد الإعداد القريب من النتيجة ؟

ومن هنا يظهر ما في كلام المحقّق النائينيّ(قدس سره)، حيث فصّل بين القضايا الخارجيّة والحقيقيّة، فادّعى الاختصاص في الأوّل والعموميّة في الثاني، تمسّكاً بأنّ الخطاب وإن كان محتاجاً إلى وجود المخاطب فخطاب المعدوم يحتاج إلى تنزيله منزلة الموجود، لكن القضيّة الحقيقيّة قد اُخذ فيها مع قطع النظر عن أداة الخطاب تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فلا يلزم فيها من ناحية الخطاب ـ لو عمّم

373

للمعدومين ـ مؤونة زائدة، وذلك بخلاف القضايا الخارجيّة(1).

توضيح البطلان: أنّه إن فرض أنّ أداة الخطاب مُفهِمة لقصد مطلق الإعداد صحّ خطاب المعدوم حتّى في القضايا الخارجيّة، وإن فرض أنّها مُفهِمة لقصد الإعداد القريب من النتيجة لم يعمّ الخطاب بنفسه المعدوم حتّى في القضايا الحقيقيّة، وتنزيل المعدوم منزلة الموجود لا يجعل الإعداد قريباً من النتيجة، فإنّ التنزيل إنّما يثمر ترتّب الآثار الاعتباريّة لا الآثار التكوينيّة.

 

التحقيق في المسألة:

والتحقيق: أن يقال: إنّ المعدوم إن كان ممّا لا يترقّب وجوده بعد ذلك لم يصحّ خطابه حقيقةً في نظر العرف، كفرض خطاب أخ لنوح(عليه السلام) لم يوجد. وإن كان ممّا يترقّب وجوده لم يكن مانع من العرف عن مخاطبته حقيقة، كما لو فرض أنّ شخصاً كان على فراش الموت وله ولد لم يتولّد بعدُ، فإنّه يصحّ له الخطاب مع ولده في المسجِّل مثلاً حتّى يسمعه الولد بعد ذلك، كما أنّه تصحّ مخاطبة الأجيال الآتية قبل وجودها، إلّا أن يشترط في ذلك كون المتكلّم من شأنه ذلك، أعني: مخاطبة الأجيال الآتية، كالشارع، وأمّا إن لم يكن من شأنه ذلك فلا يصحّ له خطابهم لكن لا لضيق في ناحية مدلول أداة الخطاب بل لعدم قابليّة نفس المتكلّم لذلك.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه شمول الخطابات الواردة في شرعنا لنا ولمَن بعدنا،



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 490 ـ 491 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 550 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

374

كشمولها للحاضرين مجلس التخاطب والموجودين في ذلك الزمان ما لم تقم قرينة على الاختصاص.

 

تنبيهان:

 

هل يمكن استفادة العموم من نفس الكلام بناءً على القول بالاختصاص؟

التنبيه الأوّل: أنّه لو قلنا باختصاص الخطاب بالموجودين أو الحاضرين مجلس التخاطب فهل يمكن استفادة عموميّة الحكم لغيرهم من نفس الكلام مع هذا الفرض أو لا؟ وهذا البحث يشبه البحث عن أنّ الأحكام الثابتة في الشريعة المختصّة بالقادر ـ بواسطة المخصّص اللبّيّ ـ هل يمكن إثبات ملاكها بنفس الكلام بالنسبة للعاجز أو لا؟(1). وقد ذكر هناك وجهان لذلك:

أحدهما: ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(قدس سره) من أنّ مقتضى إطلاق المادّة في قوله مثلاً: (صلّ) في المرتبة السابقة على عروض الهيئة ـ وهي مرتبة الملاك ـ عدم الاختصاص بالقادر(2).

ويرد عليه: أنّ الإطلاق عبارة عن عدم دخل شيء في موضوعيّة الشيء



(1) وذلك لأنّ الحكم ملاك للخطاب، فكما قد يقال بكشف الحكم عن ملاك أوسع منه، فالحكم يختصّ بالقادر ولكن الملاك يشمل العاجز، فلنقل في المقام بكشف الخطاب عن ملاك أوسع منه يشمل مَن لم يشمله الخطاب ـ لغياب أو لعدم الوجود ـ وملاكه هو الحكم فيثبت الحكم.

(2) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 267 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

375

الكذائيّ للحكم الكذائيّ، فثبوته متوقّف على أن يحكم على موضوع بحكم حتّى يقال: إنّ مقتضى مقدّمات الحكمة عدم دخل شيء خاصّ في ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع، وأنت ترى أنّ المادّة في المرتبة السابقة على عروض الهيئة عليها لم يحكم عليها في الكلام بحكم حتّى يتمسّك بالإطلاق.

والإنصاف أنّ هذا من غرائبه(قدس سره)، فإنّه(رحمه الله) معروف بالفقاهة وجودة الذوق العرفيّ، وهذا الكلام يكون من تلك التدقيقات العقليّة المخالفة للذوق العرفيّ جدّاً.

وثانيهما: ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ(قدس سره) من أنّ قوله مثلاً: (صلّ) دلّ بالدلالة المطابقيّة على وجوب الصلاة وبالدلالة الالتزاميّة على ثبوت الملاك في الصلاة، والدلالة المطابقيّة خصّصت بمخصّص لبّيّ وسقطت بالنسبة للعاجز عن الحجّيّة، وسقوط الدلالة المطابقيّة عن الحجّيّة لا يوجب سقوط الدلالة الالتزاميّة عن الحجّيّة(1).

ويرد عليه: منع عدم سقوط الدلالة الالتزاميّة عن الحجّيّة بسقوط المطابقيّة عنها في مثل المقام على ما هو المحقَّقُ الثابت عندنا في محلّه.

وعلى أيّ حال فالمقصود فيما نحن فيه: أنّه لو فرض تماميّة أحد هذين الوجهين في باب إثبات ملاك الحكم بالنسبة للعاجز فهل يتأتّى ذلك فيما نحن فيه



(1) راجع نهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 43 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وكذلك ص 207 تحت الخطّ نقلاً عن تقرير الشيخ الآمليّ لبحث الشيخ العراقيّ، وكذلك المقالات، ج 1، ص 313 ـ 314 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، إلّا أنّه لم يجر في شيء من هذه الموارد التعبير بأنّ دلالة الأمر على التكليف مطابقيّة وعلى الملاك التزاميّة. نعم، قد ورد بيان هذا الوجه بالتعبير بالمطابقيّة والالتزاميّة في المحاضرات للفيّاض عن السيّد الخوئيّ(رحمه الله) عن جماعة من المتأخّرين منهم شيخنا الاُستاذ(قدس سره) (والظاهر أنّه يقصد الشيخ النائينيّ(رحمه الله)). راجع المحاضرات، ج 3، ص 71 ـ 72 بحسب طبعة مطبعة صدر بقم.

376

لإثبات ملاك الخطاب بالنسبة لمَن لم يشمله الخطاب من الغائب أو المعدوم ـ وملاك الخطاب هو الحكم ـ أو لا؟

يمكن أن يتمسّك فيما نحن فيه بالوجه الأوّل ويقال: إنّ كلمة (الناس) مثلاً في قوله: (يا أيّها الناس صلّوا) وإن اختصّت في رتبة الخطاب بالحاضرين لكنّا نتمسّك بإطلاقها في الرتبة السابقة على الخطاب لإثبات ملاك الخطاب الذي هو الحكم للمعدومين.

ولكن يرد عليه: أنّه لو تمّ هذا الوجه في باب إثبات ملاك الحكم لا يتمّ فيما نحن فيه، وذلك لوجهين:

أحدهما: أنّ المقيّد لإطلاق الناس هو أداة الخطاب المتّصلة بالكلام، وهي صالحة للقرينيّة على تقييد الناس في جميع المراتب(1).

وثانيهما: أنّنا لو غضضنا النظر عن الإشكال السابق فمن الواضح أنّ البيان الماضي عن الشيخ النائينيّ في باب الحكم لا يجري في باب الخطاب بمثل: (صلّوا) أو: (أنتم صلّوا) ونحو ذلك ممّا كان نفس الحكم فيه مبيّناً بصيغة الخطاب.

ونعمّم هذا الإشكال حتّى فيما لو اقترن الحكم المبيّن بصيغة الخطاب بمثل كلمة: (يا أيّها الناس) فقال مثلاً: (يا أيّها الناس صلّوا)؛ لأنّ المقصود من التمسّك بإطلاق كلمة (الناس) إثبات الحكم للمعدومين، والحكم إنّما ثبت بقوله: (صلّوا) وهو مصاغ بصيغة الخطاب، فلا يمكن تعميمه للمعدوم.



(1) في حين أنّ المقيّد في باب الأمر الدالّ على الاختصاص بالقادر كان لبّيّاً، فلو غفلنا هناك عن أنّ هذا المقيّد اللبّيّ ـ وهو حكم العقل بعدم شمول الحكم للعاجز ـ يعتبر بديهيّاً كالمتّصل، فمن الواضح في المقام اتّصال أداة الخطاب.

377

بل نعمّم هذا الإشكال لجميع الموارد حتّى في مثل: (يا أيّها الناس تجب الصلاة)، فإنّنا لو آمنّا بإطلاق (تجب الصلاة) لشمول المعدوم رغم اكتنافه بــ (يا أيّها الناس) فنفس هذا الإطلاق يكفينا، ولا حاجة إلى فرض إطلاق للناس في الرتبة السابقة على الخطاب. ولو لم نؤمن بذلك أصبح حال هذا الكلام حال (يا أيّها الناس صلّوا).

وأمّا التمسّك بالوجه الثاني الذي مضى عن المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ـ بعد فرض تماميّته في باب الأمر ـ فأيضاً غير صحيح؛ إذ لو اُريد فيما نحن فيه التمسّك بهيئة الخطاب فهذا تمسّك بالدلالة المطابقيّة لا الالتزاميّة، وهيئة الخطاب مختصّة فرضاً بالحاضرين أو الموجودين فكيف يتمسّك بها للمعدومين؟ وإن اُريد التمسّك بهيئة الحكم فالحكم منصبّ على الموضوع الذي ضيّق بواسطة الخطاب، فهيئة الحكم لا تشمل من أوّل الأمر المعدومين، لا أنّها تشملهم ولكن سقطت حجّيّة الدلالة المطابقيّة بالنسبة إليهم حتّى يقال ببقاء الدلالة الالتزاميّة على حجّيّتها. هذا.

والمحقّق العراقيّ(رحمه الله) قد تعرّض في مقالاته لمسألة التمسّك بعموم العنوان الذي دخلت عليه أداة الخطاب بناءً على عدم شمول الخطاب للمعدومين، قياساً لذلك بالتمسّك بعموم المادّة للعاجز مع قصور الهيئة في الأوامر عن الشمول لغير القادر، وهذا نصّه:

«..غاية الأمر قصور الخطاب عن الشمول لغير الحاضر، وذلك لا ينافي مع الأخذ بعموم العنوان الذي دخلت عليه هذه الأداة مثل: (الذين آمنوا) وأمثاله، نظير التشبّث بإطلاق المادّة مع قصور الهيئة في الأوامر عن الشمول لغير القادر».

ثمّ أورد على ذلك بما نصّه:

«ـ مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى؛ إذ لا يشمل هذا الوجه ما لا يكون في

378

طيّ الأداة عنوان عامّ، بل الخطاب بالهيئة أو أداته كــ (كاف) الخطاب بنفسهما حاكيان عن الموضوع ـ: إنّ اللفظ الحاكي عن الموضوع إذا وقع في طيّ هيئة قاصرة عن الشمول لمصداق يستحيل أن يحكي بأزيد من الدائرة الواقعة في طيّ الهيئة؛ لاستحالة أوسعيّة دائرة الموضوع لبّاً عن حكمه. نعم، بالنسبة إلى مقتضيات الحكم وإن كان قابلاً لأوسعيّة الموضوع عن دائرة حكمه الفعليّ ولكن مع اقترانه بمثل هذه الهيئة القاصرة عن الشمول للعاجز لا يبقى للمادّة المقرونة بها ظهور في الشمول له حتّى من حيث مقتضيات الحكم، بملاحظة اتّصال المادّة بمثل هذه الهيئة القاصرة الصالحة للقرينيّة.

وتوهّم أنّ الهيئة قاصرة عن الشمول من جهة اقتضاء فعليّة التكليف، وأمّا من حيث دلالتها على المقتضي فلا قصور في اقتضائها أوسعيّة دائرة المصلحة عن دائرة فعليّة التكليف، فلا يمنع عن الأخذ بإطلاق المادّة بل الهيئة حينئذ في هذا المقام، مدفوع بأنّ اقتضاء الهيئة للمصلحة إنّما هو بتبع اقتضائها فعليّة التكليف، وكيف يمكن اقتضاؤها أوسعيّة دائرة المصلحة عن فعليّته؟ غاية الأمر لا تدلّ أيضاً على ضيق دائرة المصلحة لا أنّها تدلّ على سعتها، فإذا كانت الهيئة المزبورة قاصرة عن الدلالة على السعة فمع اقترانها بالمادّة كانت من باب اتّصال المادّة بما يصلح للقرينيّة وإن لم يكن بقرينة، وهذا المقدار يكفي لمنع ظهور المادّة في الإطلاق.

ولذلك أعرضنا عن هذا الوجه في وجه الأخذ بإطلاق الأوامر لاستكشاف المصلحة في حقّ العاجز، والتزمنا بظهور الهيئة أيضاً في الإطلاق المحرز قابليّة المحلّ من جهة القدرة ما لم تقم قرينة خارجيّة على عدم القدرة، وهذا أيضاً لو بنينا على جواز التمسّك عند الشكّ في مصداق المخصّص اللبّيّ، وإلّا فعلى

379

المختار فلا مجال للتمسّك بإطلاق الخطاب أيضاً، بل لابدّ من إجراء حكم القدرة عند الشكّ به من طريق آخر، كما شرحنا في طيّ الواجب المشروط في مقدّمة الواجب.

وعلى أيّ حال لا يجري هذا الوجه في المقام؛ إذ الهيئة بنفسها ظاهرة في المخاطبين ولا دلالة لها على أوسعيّة مدلول الهيئة عن خصوص الخطاب كي يكون تخصيصها به بدليل منفصل كما هو الشأن في هيئة الأوامر بالنسبة إلى القدرة...»(1).

وفي كلامه(قدس سره) مواضع للنظر:

أحدها: قوله: «مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى؛ إذ لا يشمل هذا الوجه...»، فإنّك قد عرفت أنّ هذا الإشكال ينبغي تعميمه لجميع الموارد، ولا يختصّ ببعضها حتّى يقال: إنّ الدليل أخصّ من المدّعى، بل يفيد بطلان إسراء الدليل إلى ما نحن فيه رأساً.

ثانيها: قوله: «إنّ اللفظ الحاكي عن الموضوع إذا وقع في طيّ هيئة...»، فقد أورد هذا الإشكال على أصل استدلال الشيخ النائينيّ(رحمه الله) لإحراز ثبوت الملاك بشأن العاجز في باب الأوامر، في حين أنّه كان ينبغي له أن يخصّص هذا الإشكال بالتعدّي من ذاك الباب إلى ما نحن فيه؛ لكون أداة الخطاب متّصلة بالكلام في المقام، وأمّا في باب الأوامر فحكم العقل باختصاص الوجوب بالقادر لو فرضه مقيّداً منفصلاً لم يرد هذا الإشكال هناك، ولو فرضه متّصلاً فكما أنّ هذا الإشكال يبطل وجه المحقّق النائينيّ(رحمه الله)لإحراز الملاك بشأن العاجز في باب الأوامر،



(1) المقالات، ج 1، ص 460 ـ 461 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.

380

كذلك يبطل وجهه هو لإحراز الملاك بشأن العاجز في باب الأوامر، في حين أنّه قد تقدّم منه في المقالات في بحث الأوامر(1) التصريح بكون حكم العقل بشرط القدرة مقيّداً منفصلاً، وأنّه نحرز ـ إذن ـ الملاك بشأن العاجز بإطلاق الكلام.

والخلاصة: أنّ الجمع بين عدّ هذا المخصّص اللبّيّ منفصلاً والقول بصحّة الوجه الثاني لإحراز الملاك بشأن العاجز في باب الأوامر جمع بين المتضادّين.

ثالثها: قوله: «مدفوع بأنّ اقتضاء الهيئة للمصلحة...»، فإنّ هذا الكلام إنكار للوجه الثاني أساساً لإحراز الملاك بشأن العاجز، في حين أنّه أقرّه في نفس المقالات في بحث الأوامر(2).

رابعها: قوله: «فمع اقترانها بالمادّة كانت من باب اتّصال المادّة بما يصلح للقرينيّة...»، فإنّ هذا مبتن على ما لا يقرّه من أنّ المخصّص اللبّيّ المخرج للعجز يعتبر كالمتّصل.

خامسها: قوله: «والتزمنا بظهور الهيئة أيضاً في الإطلاق المحرز قابليّة المحلّ من جهة القدرة ما لم تقم قرينة خارجيّة على عدم القدرة، وهذا أيضاً لو بنينا على جواز التمسّك عند الشكّ في مصداق المخصّص اللبّيّ...»، فإنّ تسليم هذا الإطلاق بناءً على جواز التمسّك بالمخصّص اللبّيّ لدى الشكّ في مصداقه يعدّ المخصّص اللبّيّ المُخرج للعاجز منفصلاً لا يجتمع مع المنع عن الإطلاق السابق بدعوى اقتران الكلام بما يصلح للقرينيّة، فإنّ هذا المخصّص إمّا يمنع عن كلا



(1) في الجزء الأوّل، المقالة: 19، ص 313 ـ 314 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.

(2) المصدر السابق.

381

الإطلاقين(1) أو لا يمنع عن شيء منهما، ولا معنى للتفكيك بينهما، فهل هذا إلّا تهافت غريب؟

 

ثمرة النزاع في المسألة:

التنبيه الثاني: في ثمرة أصل النزاع. قد ذكرت لذلك ثمرتان:

الاُولى: ثمرة مبنيّة على مبنىً للمحقّق القمّيّ(رحمه الله) وهو اختصاص حجّيّة الظهورات بمَن قصد إفهامه، فيقال على هذا: إنّه لو كان الخطاب شاملاً لنا فنحن داخلون في مَن قصد إفهامه فظهور الكلام حجّة لنا، وإلّا فلا نعلم بدخولنا في مَن قصد إفهامه فليس ظهوره حجّة لنا.

وهذا المبنى وإن كان ممنوعاً عندنا لكن هذا لا يعني الاعتراض على هذه الثمرة، فإنّ المفروض كونها ثمرة بنائيّة، أي: بناء على هذا المبنى، وهي على مبناها صحيحة.

نعم، إنّما تترتّب هذه الثمرة بين تعميم الخطاب الحقيقيّ للمعدومين وعدمه، فعلى الأوّل يكون ظهور الكلام حجّة لنا؛ للعلم بكوننا مقصودين بالإفهام. وعلى الثاني لا يكون كذلك. أمّا بناءً على مبنى مَن يقول بأنّ المعمّم لنا إنّما هو الخطاب الإنشائيّ ـ بأيّ معنى فرضناه ـ لا الحقيقيّ فلم يعلم أيضاً كوننا داخلين في مَن قصد إفهامه حتّى يكن الظهور حجّة بالنسبة لنا، فلا تغفل.

الثانية: أنّ الظهور الذي هو حجّة حتّى لغير مَن قصد إفهامه ـ كما هو الحقّ ـ إنّما



(1) أي: الإطلاق الذي يثبت عدم دخل القدرة في الملاك، والإطلاق الذي يثبت تحقّق القدرة لدى الشكّ فيها.