303

 

 

 

 

الفصل الثامن

ا لخـــــو ف

 

قال الله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(1).

وأيضاً قال عزّ من قائل: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾(2).

وقال عزّ اسمه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾(3).

قيل: إنّ الفرق بين الخوف والحزن بعد اشتراكهما في تأ لّم الباطن أنّ الحزن على ما فات، والخوف ممّا هو آت(4).


(1) السورة 32، السجدة، الآيتان: 16 ـ 17.

(2) السورة 76، الإنسان، الآيات: 7 ـ 11.

(3) السورة 79، النازعات، الآية: 40 ـ 41.

(4) شرح منازل السائرين لكمال الدين عبدالرزاق الكاشاني: 48 ـ 49.

304

وقيل(1): إنّ خوف العامّة يكون عن العقاب، وهو الخوف الذي يصحّ به الإيمان، وهو يتولّد من تصديق الوعيد، وذكر الجناية، ومراقبة العاقبة. وخوف الخاصّة يكون عن الاحتجاب. وأمّا أهل الخصوص أو خاصّة الخاصّة فلا خوف لهم بمعنى الكلمة، إلاّ هيبة الإجلال. وقد قال بعضهم:

أشتاقُهُ فإذا بدا
أطرقتُ من إجلالِهِ
لا خيفةً بل هيبةً
وصيانةً لجمالِهِ

أقول: نحن لاننكر هذه المراتب الثلاث من الخوف، وأنّ الثالث هو أمر فوق الخوف، ويشير إلى الأوّل مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَ يَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾(2). ويشير إلى الثاني مثل قوله(عليه السلام): «... فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك...»(3)، وأقصد بخوف الاحتجاب: الاحتجاب المعنويّ المعقول لا الاحتجاب عن الرؤية المادّيّة الذي لا ينفكّ حتّى عن المعصومين(عليهم السلام)، قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(4).

وقال الله تعالى: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(5).


(1) هذا المقطع أخذناه من مجموع ما في شرح منازل السائرين لعبدالرزاق الكاشاني: 48، وشرح منازل السائرين لسليمان التلماسي: 124 ـ 125.

(2) السورة 11، هود، الآية: 103.

(3) دعاء كميل.

(4) السورة 7، الأعراف، الآية: 143.

(5) السورة 6، الأنعام، الآية: 103.

305

ويشير إلى الثالث قوله(عليه السلام): «... وأجر اللَّهمّ لهيبتك من آماقي(1) زفرات الدموع...»(2).

ولكنّنا ننكر ما فُرِضَ من أنّ الخاصّة ليس لديهم الخوف بالمعنى الأوّل، أو أنّ خاصّة الخاصّة ليس لديهم الخوف الثاني أيضاً، ألا ترى أنّ الآية الشريفة الواردة في سورة الإنسان نسبت الخوف إلى أهل بيت العصمة حيث قالت عنهم: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾؟!

نعم، هذا الخوف منهم لا يعني ما يكون من غيرهم من الخوف نتيجة معصية صدرت عنهم، فإنّهم لم تصدر عنهم المعصية بالمعنى المألوف، بل الخوف بالنسبة لهم يمكن أن يكون خوفاً من الوقوع في المعصية من دون أن ينافي ذلك العصمة؛ لأنّ العصمة قد تكون في طول الخوف الشديد الذي هو فوق ما يتصوّر من الإنسان الاعتيادي. ويمكن أن يكون خوفاً ممّا قد يصدر عنهم من ترك الأولى كلٌّ بالقياس إلى ما وصل إليه من مقام الكمال والعرفان. وترك الأولى بهذا المعنى يسبّب في أولياء الله المخلصين نوعاً من تأديب دنيويّ كما اتّفق لذي النون ـ على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ـ بصريح القرآن حتّى قال عنه سبحانه وتعالى: ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(3). ويمكن أن يكون خوفاً من الحجاب عن الله سبحانه وتعالى كما ورد في دعاء كميل: «... صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك...».

أمّا العرفان الذي كان بدءه من قبلِ أبناء العامّة لامن مدرسة أهل البيت، فقد تورّط في تخيّل أنّه لا يتعقّل الخوف بالمعنيين الأوّلين من خواصّ الخواصّ


(1) مجاري الدمع من العين.

(2) دعاء الصباح.

(3) السورة 37، الصّافات، الآيتان: 143 ـ 144.

306

بسبب عدم اعترافهم بعصمة الأئمّة(عليهم السلام) وكونهم من أخصّ الخواصّ، فحينما يُرى منهم الخوف بأحد المعنيين الأوّلين (زائداً على الخوف الثالث الذي هو في الحقيقة تهيّبٌ وليس خوفاً) لا يكون ذلك منافياً لديهم للمبدأ الذي قرّروه من فقدان الخوف بالمعنيين الأوّلين لدى خواصّ الخواصّ المقرّبين؛ إذ لا يهمّهم الوصول إلى نتيجة نفي كون أئمّتنا(عليهم السلام) من المقرّبين.

على أنّ الوصول لا ينافي خوف تجدّد الحجاب، والطهارة الكاملة لا تنافي خوف تجدّد التلوّث أو تجدّد استحقاق العقاب.

ولنذيّل الحديث عن الخوف بذكر بعض روايات الباب:

1 ـ عن حمزة بن حمران بسند تامّ قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: إنّ ممّا حُفِظَ من خطب رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: أيّها الناس، إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، ألا إنّ المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه؟ فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، وفي الشبيبة قبل الكِبَر، وفي الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمّد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب، وما بعدها من دار إلاّ الجنّة أو النار»(1).

2 ـ عن أبي عبيدة الحذّاء بسند تامّ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك؟ فلا يصبح إلاّ خائفاً، ولا يصلحه إلاّ الخوف»(2).

3 ـ عن داود الرقيّ بسند تامّ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِمَنْ


(1) الوسائل 15/218 ـ 219، الباب 14 من جهاد النفس، الحديث 1.

(2) الوسائل 15/219، الباب 14 من جهاد النفس، الحديث 2.

307

خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾(1) قال: «من علم أنّ الله يراه، ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى»(2).

4 ـ رواية أنس بن محمّد أبي مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال في وصيته له: «يا عليّ ثلاث درجات، وثلاث كفّارات، وثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فأمّا الدرجات فإسباغ الوضوء في السَبَرات(3)، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات. وأمّا الكفّارات فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والتهجّد بالليل والناس نيام. وأمّا المهلكات فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأمّا المنجيات فخوف الله في السرّ والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة العدل في الرضا والسخط»(4).

5 ـ رواية إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «يا إسحاق خفِ الله كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك، وإن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثُمّ برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك»(5).

ثُمّ إنّنا وإن كنّا سنبحث ـ إن شاء الله ـ الرجاء في فصل مستقلّ، لكنّنا يجب أن نشير هنا إلى: أنّ الخوف وحده إذا انفصل عن الرجاء كان بالنسبة لعامّة الناس مُفسداً، فصحيح أنّ الخوف يكون في حقيقته مصلحاً للقلب وللنفس وكذلك الرجاء ما لم ينقلب إلى الضدّ، كما ورد في الحديث عن ابن أبي نجران، عمّن ذكره،


(1) السورة 55، الرحمن، الآية: 46.

(2) الوسائل 15/219، الباب 14 من جهاد النفس، الحديث 3.

(3) جمع سبرة، فسّرت بالغداة الباردة، أو شدّة البرد.

(4) كتاب الخصال 1 / 84 ـ 85، باب الثلاثة، الحديث 12.

(5) الوسائل 15/220، الباب 14 من جهاد النفس، الحديث 6.

308

عن الصادق(عليه السلام) قال: «قلت له: قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون نرجو، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت؟ فقال: هؤلاء قوم يترجّحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه»(1). وعن الحسين بن أبي سارة قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»(2).

ولكن مع ذلك لاشكّ أنّ الخوف وحده أو الرجاء وحده يؤثّر في نفوسنا أثراً عكسياً، لا نتيجة ذات الخوف أو الرجاء، بل نتيجة ضعف نفوسنا نحن الاعتياديين من الناس. ومن هنا ورد التأكيد في الكتاب والسنّة على الخوف والرجاء معاً. قال الله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ...﴾(3).

وقال مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) على ما ورد في خطبة همام في وصف المتّقين: « ... فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون ...»(4) ولو بقي الرجاء وحده في النفس انقلب إلى الأمانيّ الكاذبة كما مضى آنفاً في حديث ابن أبي نجران، ولو بقي الخوف وحده في النفس انقلب إلى اليأس كما هو الحال في قِصَّة حميد بن قحطبة المعروفة المرويّة عن عبيدالله البزّاز النيسابوري قال:

«كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة، فرحلت إليه في بعض الأيّام، فبلغه خبر قدومي، فاستحضرني للوقت، وعليّ ثياب السفر لم أُغيرها، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر، فلمّا دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه


(1) الوسائل 15/216، الباب 13 من جهاد النفس، الحديث 2.

(2) المصدر السابق: ص217، الحديث 5.

(3) السورة 32، السجدة، الآية: 16.

(4) نهج البلاغة: 410، رقم الخطبة: 193.

309

الماء، فسلّمت عليه وجلست، فأُتي بطست وإبريق فغسل يديه، ثُمّ أمرني فغسلت يدي، وأُحضرت المائدة، وذهب عنّي أ نّي صائم، وأ نّي في شهر رمضان، ثُمّ ذكرت فأمسكت يدي، فقال لي حميد: مالك لا تأكل؟ فقلت: أيّها الأمير هذا شهر رمضان، ولست بمريض ولابيّ علّة توجب الإفطار، ولعلَّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار، فقال: ما بيّ علّة توجب الإفطار، وإنّي لصحيح البدن، ثُمّ دمعت عيناه وبكى، فقلت له بعدما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيّها الأمير؟ فقال: أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليالي: أن أجب، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتّقد وسيفاً أخضر مسلولاً، وبين يديه خادم واقف، فلمّا قمت بين يديه رفع رأسه إليّ، فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال، فأطرق، ثُمّ أذِن لي في الانصراف، فلم ألبث في منزلي حتّى عاد الرسول إليّ وقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: إنّا لله أخاف أن يكون قد عزم على قتلي، وإنّه لما رآني استحيى منّي، فعدت إلى بين يديه، فرفع رأسه إليّ، فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد، فتبسّم ضاحكاً، ثُمّ أذن لي في الانصراف، فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال: أجب أمير المؤمنين، فحضرت بين يديه وهو على حاله، فرفع رأسه إليّ، فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد والدين، فضحك، ثُمّ قال لي: خذ هذا السيف، وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم، قال: فتناول الخادم السيف، وناولنيه، وجاء بي إلى بيت بابه مغلق، ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه، وثلاثة بيوت أبوابها مغلّقة، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبّان مقيدون، فقال لي: إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، وكانوا كلّهم علويين من ولد عليّ وفاطمة(عليهما السلام)، فجعل يُخرج إليّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم، ثُمّ رمى بأجسادهم

310

ورؤوسهم في تلك البئر، ثُمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويّة من ولد عليّ وفاطمة(عليهما السلام) مقيدون، فقال لي: إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، فجعل يُخرج إليّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه، ويرمي به في تلك البئر حتّى أتيت على آخرهم، ثُمّ فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد عليّ وفاطمة مقيدون عليهم الشعور والذوائب، فقال لي: إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً، فجعل يُخرج إليّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه، فيرمي به في تلك البئر حتّى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم، وبقي شيخ منهم عليه شعر، فقال لي تبّاً لك يامشوم، أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً قد ولدهم عليّ وفاطمة(عليهما السلام)؟! فارتعشت يدي، وارتعدت فرائصي، فنظر إليّ الخادم مغضباً وزبرني، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته، ورمى به في تلك البئر. فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فما ينفعني صومي وصلاتي؟! وأنا لا أشكّ أ نّي مخلد في النار»(1).

أقول: انظر إلى هذا الشقيِّ المحروم كيف أنّ الجزء الأخير لسبب هلاكه كان هو: يأسه، لاقتله لستين من ذرّية الرسول(صلى الله عليه وآله)؛ إذ لو لم يكن قد استولى عليه شقاؤه باليأس كان بإمكانه أن يستشفي بدار شفاء الإمام المعصوم في زمانه موسى بن جعفر(عليه السلام) أو الإمام الرضا(عليه السلام)، ويطلب منه العلاج، أفهل ترى أنّ الإمام(عليه السلام) كان يردّه عن بابه خائباً؟! كلاّ. ثُمّ كأنّه لم يكن قد قرأ القرآن، ولم يمرّ بهذه الآية المباركة: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات


(1) البحار 48/176 ـ 178.

311

وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾(1) فتراه سبحانه وتعالى أوعد مَنْ أشرك بالله وقتل النفس التي حرّم الله وزنى بمضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود فيه مهاناً، ثُمّ استثنى من ذلك مَنْ تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً، ووعد الله مَن يدخل في هذا الاستثناء أن يبدّل سيّئاته حسنات، وقد يكون من جزء العمل الصالح الذي يجب على القاتل أن يعمله هو: تهيّؤه لتنفيذ حكم القصاص عليه، ولكنّه على أيّ حال ليس باب رحمة الربّ مغلقاً عليه، ولكنّ هذا الشقي المحروم غلق باب الرحمة على نفسه باليأس.

وقد ورد في الحديث عن أبي حمزة الثمالي قال: «قال الصادق جعفر بن محمّد(عليه السلام): ارج الله رجاءً لا يجرئك على معصيته، وخفِ الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته»(2).

وخلاصة الكلام: أنّ الخوف والرجاء إذا اجتمعا متساويين دفع كلّ منهما الخطر الذي قد يتوجّه إلى النفوس الضعيفة من الآخر.

وقد ورد في حديث صحيح عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه (ونحن نعتقد بصحّة مراسيل ابن أبي عمير) عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: «كان أبي يقول: إنّه ليس من عبد مؤمن إلاّ وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا»(3).

وأيضاً ورد عن حماد بن عيسى، عن الصادق(عليه السلام) قال: «كان فيما أوصى به لقمان لابنه أن قال: يا بنيّ خفِ الله خوفاً لو جئته ببرّ الثقلين خفت أن يعذّبك الله،


(1) السورة 25، الفرقان، الآيات: 68 ـ 70.

(2) الوسائل 15/217 ـ 218، الباب 13 من جهاد النفس، الحديث 7.

(3) المصدر السابق: ص217، الحديث 4.

312

وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك»(1).

وهنا يبرز سؤال، وهو: كيف نفسّر تساوي الخوف والرجاء في نفوس أولياء الله الذين يشتدّ عندهم الخوف أو الرجاء أكثر بكثير من المقدار المتعارف لدى المؤمنين الاعتياديين مع أنّ نموّ أحدهما لابدّ أن يكون على حساب الآخر؛ إذ لا يمكن أن يزداد مجموعهما عن المئة بالمئة؛ لأنّ أحدهما نقيض الآخر؟!

والجواب: أنّ ضرورة تساوي المجموع للمئة بالمئة وكون نموّ أحدهما على حساب ضعف الآخر إنّما يتمّ في درجة احتمال النجاة مع درجة احتمال الهلاك، أو درجة احتمال الثواب مع درجة احتمال العقاب وما إلى ذلك، ولكن قد يشتدّ الخوف والرجاء على أساس قوّة المحتمل لا على أساس قوّة الاحتمال، ففرق كبير بين خوف ورجاء مَنْ ليس له تصوّر عن الجنّة والنار إلاّ التصوّر الساذج الابتدائي، وخوف ورجاء مَنْ هم والجنّة كمن قد رأوها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رأوها فهم فيها معذّبون، وفرق كبير ـ أيضاً ـ بين هذا الخوف والرجاء والخوف والرجاء لمن يكون همّه رضوان الله الذي هو أكبر من الثواب المادّي، أو يكون همّه لقاء الله بمعناه الصحيح، والنظر إلى الله بالمعنى الوارد في قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(2) والهرب من الحجب بالمعنى الوارد في قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذ لَّمَحْجُوبُونَ﴾(3) ومن الفراق بالمعنى الوارد في دعاء كميل: «... فكيف أصبر على فراقك...».

وهناك جواب آخر، وهو: أنّ متعلق الخوف قد يختلف عن متعلق الرجاء فلا يلزم كون نموّ أحدهما على حساب الآخر وذلك من قبيل أن يكون الرجاء برحمة


(1) المصدر السابق: الحديث 6.

(2) السورة 75، القيامة، الآيتان: 22 ـ 23.

(3) السورة 83، المطفّفين، الآية: 15.

313

الربّ ورأفته، ويكون الخوف من سوء العاقبة وما إلى ذلك ممّا يبرز التفكيك بين المتعلقين.

ثُمّ إنّ التعبيرات الواردة في الكتاب والسُنّة ممّا يثير الخوف أو الرجاء كثيرة، ولعلّ الغالب فيها هو: أنّ التعبير المثير للرجاء غير التعبير المثير للخوف، فمثلاً التعبير بوصف الله تعالى بأنّه غفور رحيم يثير الرجاء، في حين أنّ التعبير بأنّه شديد العقاب يثير الخوف.

إلاّ أنّ هناك تعابير واردة عن المعصومين(عليهم السلام) تكون العبارة المثيرة منها للخوف عين العبارة المثيرة للرجاء، وهذا من بَراعات الأئمّة سلام الله عليهم وذلك من قبيل ما ورد في دعاء أبي حمزة: «إلهي وسيّدي وعزّتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأُطالبنّك بعفوك، ولئن طالبتني بلؤمي لأطالبنّك بكرمك، ولئن أدخلتني النار لأُخبرنّ أهل النار بحبّي لك...».

وقوله ـ أيضاً ـ في نفس الدعاء: « ... فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنّك أهون الناظرين إليّ وأخفّ المطّلعين عليّ، بل لأنّك يا ربّ خير الساترين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين، ستّار العيوب، غفّار الذنوب، علاّم الغيوب، تستر الذنب بكرمك، وتؤخّر العقوبة بحلمك...»(1). وقوله في دعاء كميل: «... يا إلهي وسيّدي وربّي أَتُراك معذّبي بنارك بعد توحيدك، وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك، ولهج به لساني من ذكرك، واعتقده ضميري من حبّك، وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعاً لربوبيّتك، هيهات أنت أكرم من أن تضيّع من ربيته، أو تبعّد من أدنيته، أو تشرّد من آويته، أو تسلّم إلى البلاء من كفيته ورحمته. وليت شعري يا سيّدي والهي ومولاي أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة، وعلى ألسن نطقت بتوحيدك


(1) مفاتيح الجنان، فقرات من دعاء أبي حمزة الثمالي.

314

صادقة وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفت بالهيّتك محقّقة، وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتّى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة، وأشارت باستغفارك مذعنة، ما هكذا الظنّ بك، ولا أُخبرنا بفضلك عنك يا كريم...».

وقولهم(عليهم السلام) في المناجاة الشعبانية: «... إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك، وإن أدخلتني النار أعلمت أهلها أ نّي أحبّك. إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي...»(1).


(1) مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية، من فصل أعمال شعبان.

315

 

 

 

 

الفصل التاسع

ا لإشــــفا ق

 

قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾(1).

الإشفاق نظير الخوف والخشية. ويظهر من هذه الآية المباركة أنّ الإشفاق نتيجة الخشية أو الخوف؛ إذ عبّرت بتعبير: ﴿مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ فكأنّ الإشفاق يتولّد من الخشية.

والظاهر: أن المقصود بالخشية: الخوف وحده أو الخوف مع التعظيم والإجلال والاحترام والإكبار، ولكنّ الإشفاق مأخوذ من الشفقة، ففيه معنى الترحم والعطف والحنان، أو التزلزل والاضطراب وذلك من قبيل الإشفاق على الطفل، فالإنسان المؤمن يصبح نتيجة الخشية من الله في حالة الإشفاق على نفسه والاضطراب المشوب بالشفقة والرأفة عليها.

وممّا يجلب الانتباه أنّ الإشفاق نُسِبَ في القرآن إلى الملائكة أيضاً، رغم ما نعلم به عادةً من أنّهم فارغون عن الهوى والنفس، فلا يتورّطون في المعصية، قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ


(1) السورة 23، المؤمنون، الآيات: 57 ـ 61.

316

وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾(1).

والإشفاق في عامّة الناس إشفاق من العذاب، وإشفاق على النفس من الانحراف، وعلى العمل من الحبط والضياع.

وهنا إشفاق للخواصّ، وهو: الإشفاق على قلبه عن الحضور مع الحقّ ودخول العوارض في قلبه التي تبعده عن الالتفات إلى المحبوب جلّ وعلا. ولكن لا بمعنى أنّ الإشفاق الأوّل غير موجود فيهم، بل هو موجود زائداً الإشفاق الأعلى. ويدلّنا على وجود الإشفاق الأوّل أيضاً في أولياء الله والمقرّبين قوله سبحانه وتعالى في وصفهم: ﴿إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * للسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون﴾(2).

فهذا إمّا أن يشمل المعصومين(عليهم السلام) بمعنى: أنّهم يخشون السقوط عن مقام العصمة، وأنّ عصمتهم التي ستبقى أبداً تكون في طول هذه الخشية والإشفاق، أو يشمل ـ في الأقلّ ـ جميع غير المعصومين مهما بلغوا من درجات القرب والكمال.

وأخيراً أُشير إلى أنّ آيتين من آيات الإشفاق في القرآن نسبت الإشفاق إلى قيام الساعة:

الاُولى: قوله تعالى في وصف المتقين: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾(3).

والثانية: قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ


(1) السورة 21، الأنبياء، الآيات: 26 ـ 28.

(2) السورة 70، المعارج، الآيات: 22 ـ 28. وما قبل هذه الآيات ما يلي: ﴿إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾. الآيات: 19 ـ 21.

(3) السورة 21، الأنبياء، الآية: 49.

317

السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلاَل بَعِيد﴾(1).

وكيف لا يشفق المؤمن من الساعة وقد قال الله تعالى: ﴿... إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾(2).

ويظهر من الآية الثانية من آيتي الإشفاق من الساعة: أنّ وقت قيام الساعة مجهول حتّى عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)؛ إذ قال سبحانه: ﴿... وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾، والأصرح من ذلك في مجهوليّة وقت قيام الساعة حتّى عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)قوله تعالى: ﴿يَسْأَ لُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إلاَّ بَغْتَةً يَسْأَ لُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(3).

وكذلك قوله تعالى: ﴿يَسْأَ لُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾(4).

وإنّي أختم الحديث هنا بذكر رواية طريفة تقول: نادى رجلٌ رسول الله(صلى الله عليه وآله)في أحد أسفاره بصوت عال، وقال: يا محمّد! فأجابه رسول الله(صلى الله عليه وآله) مثله بصوت عال: ماذا تقول؟ قال: متى الساعة؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّها كائنة، فما أعددت لها ؟ قال: حبَّ الله ورسولَه، فقال(صلى الله عليه وآله): «أنت مع مَنْ أحببت»(5).


(1) السورة 42، الشورى، الآيتان: 17 ـ 18.

(2) السورة 22، الحج، الآيتان: 1 ـ 2.

(3) السورة 7، الاعراف، الآية: 187.

(4) السورة 79، النازعات، الآيات: 42 ـ 46.

(5) تفسير «نمونه»: 20 / 394 نقلاً عن تفسير مراغي 25 / 32.

319

 

 

 

 

الفصل العاشر

ا لخشـــــو ع

 

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(1).

قد فُسِّرَ الخشوع بمعنى الخضوع الممزوج إمّا بالمحبّة التي توجب انكسار النفس هيبة للمحبوب المتعالي في العظمة، أو بالخوف ممّن له سطوة تُخشى ونقمة تتّقى(2).

ولهذا ورد في بعض أدعية السحر لشهر رمضان المبارك: «اللَّهمّ إنّي أسألك خشوع الإيمان قبل خشوع الذلّ في النار...»(3). فالإيمان يوجب الخشوع بكلا شكليه المشار إليهما، في حين أن النار ـ أعاذنا الله منها ـ توجب الخشوع بشكله الثاني.

ولتأثير الآية المذكورة في نفوس بعض الناس بعض الحكايات والقَصَص، وذلك من قبيل حكاية فضيل بن عياض التي تعرّضنا لها في أوائل المدخل لهذا


(1) السورة 57، الحديد، الآية: 16.

(2) راجع شرح منازل السائرين لكمال الدين عبدالرزاق: 50.

(3) مفاتيح الجنان في ذيل دعاء أبي حمزة الثمالي: 198 بحسب طبعة طاهر خوشنويس.

320

الكتاب، ومن قبيل قِصّة غريبة رُويت في بعض الكتب: من أنّ رجلاً معروفاً من رجال البصرة قال: كنت أمشي في طريق وإذا بصيحة جلبت انتباهي، فعقّبتُها فرأيت رجلاً طريحاً على الأرض مغمىً عليه، فسألت عنه فقالوا لي: هذا رجل من أهل الحال سمع آية من القرآن فوقع مغشيّاً عليه، قلت لهم: وأيّة آية تلك؟ فقالوا: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ...﴾ وإذا بالرجل سمع صوتي فانتبه، وأنشد هذه الأبيات الحزينة:

أما آن للهجرانِ أنْ يتصرّما
وللغصن غصن البان(1) أنْ يتبسّما
وللعاشقِ الصبِّ الذي ذاب وانحنى
ألم يأن أنْ يُبكى عليه ويُرحما
كتبت بماء الشوق بين جوانحي
كتاباً حكى نقش الوشيّ المنمنما(2)

ثُمّ قال ثلاث مرّات: مشكل، مشكل، مشكل، فوقع مرّة أُخرى مغشيّاً عليه، فحرّكناه فإذا به قد قضى نحبه(3).

أقول: إنّ هذه القِصَّة إن لم تكن من نسج بعض المتصوّفة، وكانت قِصّة واقعية، فهي تحكي عن نموّ صاحبها في بعض الجوانب الروحية، ونقصه في بعض الجوانب الأُخرى، وإلاّ فليس المفروض بمن ينمو روحيّاً في جانب الخشوع والخضوع، أو الخوف والخشية، أو الشعور بعظمة الربّ تبارك وتعالى، أو ما إلى ذلك، أن يشوش على نفسه الحياة الدنيا، وأن يموت بسبب سماعه للآية المباركة ونحو ذلك من الأُمور، فلو صدق ذلك فهذا يعني: ضعف نفس في الشخص، وفي تحمّله، وفي حفظه لجانب الاتّزان.


(1) البان شجر معتدل القوام مهده الأصلي آسيا القطبية، ورقه ليّن كورق الصفصاف، يؤخذ من حبّته دهن طيب، ويشبّه به القدّ لطوله. وكأنّ الشاعر يشبّه شجرة الأمل بشجرة البان ويتمنّى أن يتبسم غصن أمله.

(2) الوشيّ والمنمنم بمعنى واحد تقريباً، أي: المزخرف والمنقش والمزيّن بألوان مختلفة.

(3) تفسير «نمونه» 23/346 نقلاً عن تفسير روح المعاني 27/156.

321

وحتّى ما ورد بشأن همّام رحمة الله عليه: من أنّه حينما سَمِعَ من إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) وصف المتّقين صَعِقَ صعقة كانت نفسه فيها(1) يدلّ على عدم اكتماله في بعض الجوانب الروحيّة إلى صفّ دلالته على أنّه كان من أهل الحال، وكان شفّاف الروح ورقيق القلب، كما روي أنّه قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام)بشأنه: أما والله لقد كنت أخافها عليه، ثُمّ قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها. فقال له قائل: «فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال(عليه السلام): ويحك إنّ لكلّ أجل وقتاً لا يعدوه، وسبباً لا يتجاوزه. فمهلاً لا تعد لمثلها، فإنّما نفث الشيطان على لسانك».

وهذا الجواب من قِبلِ إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) كان جواباً بقدر فهم السائل، ولو كان هذا السائل يعرف شيئاً يسيراً من حالات إمامنا(عليه السلام)وأنّه هو البكّاء في المحراب ليلاً هو الضحّاك إن طال الحراب، لما اعترض عليه بهذا الاعتراض؛ لوضوح أنّ ضيق الظرفيّة وضعف النفس الموجودين لدى همّام ليسا موجودين لدى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي كان يُغشى عليه في جوف الليل من خشية الله، وكان يمارس حياته الاعتياديّة لخدمة الإسلام في وسط النهار، وهو الذي قال في نفس خطبة المتّقين ضمن توصيفه للمتّقين: «... ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب...»، ثمّ بعد فترة من الحديث قال: «... وأمّا النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء...».

نعم هكذا يحفظ أهل الله توازنهم بين الليل والنهار.

والفرق بين الإنسان والجماد أنّ الجماد لم يكن قادراً على حمل الأمانة، ولو كان يحمَّل الأمانة لكان يفقد توازنه كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى


(1) راجع نهج البلاغة: 413، رقم الخطبة: 193.

322

السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ...﴾(1).

وقال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ...﴾(2) ولكن الإنسان هو الذي حمل الأمانة، وعليه أن يعمل على وفق متطلّباتها كاملة. وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً.

والوصول إلى هكذا مقامات مع حفظ التوازن بحاجة إلى رياضة عظيمة ومثابرة كبيرة، ولا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم. وذلك بحاجة إلى الصدق والجدّية الكاملين في إرادة تهذيب النفس من ناحية، وإلى الطلب من الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا في ذلك من ناحية أُخرى، فإن فعلنا ذلك كلّه حقّاً كنّا مصداقاً للآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(3).

 


(1) السورة 33، الأحزاب، الآية: 72.

(2) السورة 59، الحشر، الآية: 21.

(3) السورة 29، العنكبوت، الآية: 69.

323

 

 

 

 

الفصل الحادي عشر

ا لإ خـبـــــا ت

 

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(1).

وأيضاً قال عزّ من قائل: ﴿... وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾(2).

قيل: إنّ الإخبات من أوائل مقام الطمأنينة(3) وقيل: هو السكون إلى من أنجذب إليه بقوّة الشوق(4).

وقد فُسِّر الإخبات في مجمع البحرين تارةً بمعنى الطمأنينة وسكون القلب، وأُخرى بمعنى الخشوع والتواضع(5).

وورد في الحديث عن زيد الشحام بسند صحيح، عن الصادق(عليه السلام) قال: «قلت له: إنّ عندنا رجلاً يقال له: كليب، فلا يجيء عنكم شيء إلاّ قال: أنا أُسلّم، فسمّيناه كليب تسليم قال: فترحّم عليه، ثُمّ قال: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا، فقال: هو


(1) السورة 11، هود، الآية: 23.

(2) السورة 22، الحج، الآيتان: 34 ـ 35.

(3) منازل السائرين لعبدالله الأنصاري باب الإخبات.

(4) شرح منازل السائرين لعبدالرزاق الكاشاني: 51.

(5) مجمع البحرين 2/199.

324

والله الإخبات، قول الله عزّ وجلّ: ﴿... الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ...﴾»(1).

وفي الآية الثانية من الآيتين اللتين تلوناهما قد ورد توصيف المخبتين بأربعة أوصاف اثنان منها روحيان، وهما: وجل القلب لدى ذكر الله، والصبر على المصيبة، واثنان منها عمليان، وهما: إقامة الصلاة والإنفاق.

 


(1) تفسير البرهان 2/215 ـ 216، والآية: 23 في السورة 11، هود.

325

 

 

 

 

الفصل الثاني عشر

ا لـــز هـــــــد

 

قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾(1).

ورد عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه: ﴿لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ...﴾ ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه»(2).

يبدو أنّ هذه الآية المباركة تُبدي إحدى حِكَم وجود المصائب والمحن في الدنيا، وهي: ترويض الله ـ تبارك وتعالى ـ أولياءه على الزهد في الدنيا، والذي يعني: أن لا تملكك الدنيا، وليس أن لا تملكها، وتفسير ذلك يكمن في كلمتين: أن لا يأسوا ولا يأسفوا على مافاتهم، ولا يفرحوا بما أُوتوا، فإنّ المصائب والمحن تطأطئ الرأس، وتذهب بالخيلاء والفخر، وتعالج الظِنّة والبخل بمال الدنيا.

كما أنّ بعض الآيات الأُخرى تفصح عن حكمة أُخرى من حِكم المصائب


(1) السورة 57، الحديد، الآيات: 22 ـ 24.

(2) نهج البلاغة: 750، رقم الحكمة: 439.

326

والمحن، وهي: المجازاة أو التنبيه كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾(1).

وقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(2).

وقوله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِنَ الْعَذَابِ الاَْدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاَْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(3).

وصدر الآية المباركة الأُولى التي بدأنا بها الحديث ـ وهو قوله: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ...﴾ أي: من قبل أن نبرأ النفوس، أو من قبل أن نبرأ الأرض، أو المقصود كلاهما، أي: من قبل أن نبرأ الأرض والنفوس ـ مطلقةٌ تشمل تمام المصائب على ما يبدو لنا، أي: سواءٌ المصيبة التي جرت لمجرد التربية على الزهد النافعة لأولياء الله، أو المصيبة التي جرت مجازاةً أو تنبيهاً، فإنّها جميعاً مقدّرة في علم الله من قبل أن يبرأ الأرض والنفوس. وأظنّ أنّ ذيل الآية الأُولى: وهي هدف التربية على الزهد أيضاً مطلقة، فالله ـ تعالى ـ لا يبخل ببعض عباده وقد هيّأ وسائل التربية لهم جميعاً. غاية الأمر أنّ من عباده من يتمتّع بهذه الوسائل، وفي مورد البحث هنا يستفيد الزهد ويتربّى عليه وذلك من قبيل أولياء الله، ومنهم من يهمل ذلك ولا يتمتع بها، بل وحتّى هدف التنبيه على التوبة في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾يوجد مَنْ لا يستفيده بسوء سريرته، ويوجد من العاصين من يستفيد فيؤوب إلى رشده.

والآيات الأخيرة التي هي آيات المجازاة أو التنبيه على التوبة لا تشمل طبعاً


(1) السورة 42، الشورى، الآية: 30.

(2) السورة 30، الروم، الآية: 41.

(3) السورة 32، السجدة، الآية: 21.

327

الأولياء الكمّلين الذين ليسوا بحاجة إلى التنبيه بإنزال المصائب.

ومن الطريف ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة»(1).

وورد أيضاً عن الصادق(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء، إمّا بمرض في جسده، أو بمصيبة في أهله أو مال، أو مصيبة من مصائب الدنيا؛ ليأجره عليها»(2).

وعنه(عليه السلام): «ما من مؤمن إلاّ وهو يُذكّر في كلّ أربعين يوماً ببلاء، إمّا في ماله، أو في ولده، أو في نفسه فيؤجر عليه، أو همّ لا يدري من أين هو»(3).

وعن الباقر(عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنّ المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ابتلي بالمرض، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ضيّق عليه عند خروج نفسه حتّى يلقى الله حين يلقاه وماله من ذنب يدّعيه عليه، فيأمر به إلى الجنّة، وإنّ الكافر والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما حتّى يلقيان الله حين يلقيانه ومالهما عنده من حسنة يدّعيانها عليه، فيأمر بهما إلى النار»(4).

فهذه الروايات ونحوها كالآيات تدلّ على أنّ للمصائب أسباباً مختلفة. ولا يخفى أنّه لو انحصر سبب المصائب في المجازاة أو التأديب أو كفارة الذنب، لانفضح العاصون. فمن النِعَم على العباد وجود أسباب أُخرى كرفع الدرجات


(1) البحار 81/198.

(2) البحار 81/198.

(3) المصدر نفسه: 198 ـ 199.

(4) المصدر نفسه: ص199 ـ 200.