211

المعاملات

5

 

 

 

كتاب الجعالة

213

 

 

 

 

 

الجُعالة من الإيقاعات لا بدّ فيها من الإيجاب عامّاً، مثل: من ردّ عبديالآبق أو بنى جداري فله كذا، وخاصّاً مثل: إن خطت ثوبي فلك كذا. ولا تحتاج إلى القبول ؛ لأنّها لا تجعل عنواناً لغير الجاعل(1) حتّى يحتاج إلى قبوله بخلاف



(1) كأنّه يُفهم من هذه العبارة أنّ كلّ ما يجعل عنواناً لغير الجاعل فهو بحاجة إلى القبول، ولذا أورد عليه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): أنّ الإذن للآخر في وضع يده على المال يجعله أميناً على ماله، مع أنّه ليس هذا الإذن عقداً بلا إشكال.

وعلى أيّ حال، فالجعالة ليست متقوّمة بالقبول، وهذه آية على كونها إيقاعاً، لا عقداً؛ لوضوح: أنّ العقد متقوّم بالقبول بلا شكّ، في حين أنّ الجاعل حينما يصدر منه فرض جُعل تتمّ الجعالة، سواء قبل جُعله أحد أو لم يقبل.

ولكنّنا نقول في نفس الوقت: إنّه لو حرّك جعله عاملاً، فتحرّك العامل بالبدء بالعمل، فقد انعقد جعل الجاعل بعمل العامل، وهذا كاف في دخوله في إطلاق مثل ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، وهذا منشأ إفتائنا بوجوب الوفاء بالوعد الابتدائيّ المرتبط بشرط أصبح محرِّكاً لعمل الموعود له بذاك الشرط، فلم يصبح الوعد مجرّد كذب غير مقصود.

وهناك بحث آخر، وهو: أنّ العامل لو عمل بمتعلّق الجعالة تبرّعاً بحتاً، لا لكي يستحقّ الجُعل، فهل يستحقّ بذلك الجُعل، أو لا يستحقّ؟ قد يقال بالاستحقاق(1)، لكنّني لم أحصل على إطلاق في روايات الجعالة يدلّ على ذلك.


(1) راجع فقه الصادق للسيّد الروحانيّ حفظه الله، ج 19 بحسب الطبعة ذات ستّة وعشرين مجلّداً، ص 214، حيث نسب إلى الأصحاب استحقاقه للجُعل.

214

المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها، وتصحّ على كلّ عمل محلّل مقصود عند العقلاء، ويجوز أن يكون مجهولا، كما يجوز في العوض أن يكون كذلك إذا كان بنحو لا يؤدّي إلى التنازع، مثل: من ردّ عبدي فله نصفه، أو هذه الصبرة، أو هذا الثوب، وإذا كان العوض مجهولا محضاً مثل: من ردّ عبدي فله شيء بطلت، وكان للعامل اُجرة المثل(1).

(مسألة: 1) إذا تبرّع العامل بالعمل فلا اُجرة له(2)، سواء أجعل لغيره أم لم يجعل.

(مسألة: 2) يجوز أن يكون الجعل من غير المالك، كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله درهم، فإذا خاطه أحد لزم القائل الدرهم دون زيد.

(مسألة: 3) يستحقّ الجعل بالتسليم إذا كان المجعول عليه التسليم، أمّا إذا كان المجعول غيره كما إذا قال: « من أوصل عبدي إلى البلد كان له درهم » استحقّ العامل الدرهم بمجرّد الإيصال إلى البلد وإن لم يسلّمه إلى أحد، وإذا قال: « من خاط هذا الثوب فله درهم » استحقّ الخيّاط الدرهم بمجرّد الخياطة.

(مسألة: 4) الجعالة جائزة يجوز للجاعل الرجوع فيها قبل العمل وفي أثنائه(3)، لكن إذا رجع في أثنائه كان للعامل اُجرة المقدار الذي عمل.



(1) المقصود بذلك: أنّه نوى في ضميره شيئاً ولم يعلنه، فلا يدرى ما هو، فيبطل(1)، فلا تنافي بين هذا الكلام وما ذكره في المتن قبل هذا مباشرةً من قوله: «ويجوز أن يكون مجهولاً كما يجوز في العوض... مثل من ردّ عبدي فله نصفه...».

(2) يقصد بتبرّع العامل تبرّع من لم تعيّن له الجعالة.

(3) الأقرب أنّه ليس له الرجوع في الأثناء(2)، ولكن لو رجع بالاتّفاق مع العامل، أو رجع قبل العمل وقصّر في إيصال رجوعه إلى من يمكن أن يعمل، كان للعامل اُجرة المثل لما عمله.


(1) يكفي في البطلان عدم شمول الإطلاقات لذلك، وعدم بناء عقلائيّ عليه.

(2) تقدّم وجهه في تعليقنا الماضي على قول المصنّف في أوّل كتاب الجعالة: «ولا تحتاج إلى القبول؛ لأنّها لا تجعل عنواناً لغير الجاعل» فراجع.

215

(مسألة: 5) إذا جعل جعلين بأن قال: « من خاط هذا الثوب فله درهم » ثمّ قال: « من خاط هذا الثوب فله دينار » كان العمل على الثاني، فإذاخاطه الخياط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم، ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار، وإذا لم تكن قرينة على العدول من الأوّل إلى الثاني وجب الجعلان معاً.

(مسألة: 6) إذا جعل لفعل فصدر جميعه من جماعة كلّ واحد منهم بعضه كان للجميع جعل واحد لكلّ واحد منهم بعضه بمقدار عمله، ولو صدر الفعل بتمامه من كلّ واحد منهم كان لكلّ واحد منهم جعل تامّ(1).

(مسألة: 7) إذا جعل جعلا لمن ردّه من مسافة معيّنة فردّه من بعضها كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع.

(مسألة: 8) إذا تنازع العامل والمالك في الجعل وعدمه، أو في تعيين المجعول عليه، أو القدر المجعول عليه، أو في سعي العامل(2) كان القولقول المالك، وإذا تنازعا في تعيين الجعل ففيه إشكال، والأظهر أنّه معالتنازع في قدره يكون القول قول مدّعي الأقلّ، ومع التنازع في ذاتهيكون القول قول الجاعل في نفي دعوى العامل، ويجب عليه إيصال ما يدّعيه إلى العامل(3).



(1) إلّا إذا فهم من كلامه أنّ الجعل بإزاء أصل الوجود، فيشترك الجميع حينئذ في الجعل كما أفاد ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

(2) يعني: وقع النزاع في أنّ وصول المال بيد المالك هل كان بسعي العامل أو لا.

(3) يعني: أنّ التنازع في ذات الجعل يتضمّن أمرين: أحدهما إنكار المالك الجُعل الذي يدّعيه العامل، والثاني ادّعاء المالك لجُعل آخر.

216

(مسألة: 9) عقد التأمين للنفس أو المال المعبَّر عنه في هذا العصر بـ « السيكورته » صحيح بعنوان المعاوضة إن كان للمتعهّد بالتأمين عمل محترم له ماليّة وقيمة عند العقلاء، من وصف نظام للأكل أو الشرب، أو غيرهما، أو وضع محافظ على المال، أو غير ذلك من الأعمال المحترمة، فيكون نوعاً من المعاوضة وأخذ المال من الطرفين حلال، وإلّا فالعقد باطل، وأخذ المال حرام(1). نعم، إذا



ففي الأوّل يعدّ المالك منكراً، فالقول قوله، وفي الثاني يجب على المالك إيصال ما يدّعيه إلى العامل، وفي الحقيقة لا يوجد نزاع في ذلك.

أقول: ما ذكره المصنّف قبل هذا مباشرةً: من أنّه «مع التنازع في قدره يكون القول قول مدّعي الأقلّ» ينبغي تعديل العبارة فيه على ضوء هذا الكلام، بأن يقال: لو كان مدّعي الأقلّ هو الجاعل فالقول قوله، ولو كان مدّعي الأقلّ هو العامل ففي الحقيقة لا يوجد نزاع في الأمر، ويجب على الجاعل إيصال الزيادة إلى العامل.

وطبعاً وجوب إيصال الجُعل أو الزيادة إلى العامل في هذين الفرعين إنّما يكون إذا كان الجعل يتضمّن الإيصال، وإلّا كفت التخلية.

(1) لا داعي للتخريجات المذكورة في المتن لتحليل المال، فإنّ عقد التأمين عقد عقلائيّ قائم بنفسه، ومشمول لإطلاق أدلّة الوفاء بالعقد.

ولعلّ هذا هو مقصود اُستاذنا الشهيد في تعليقه على هذه المسألة حينما سمّاه بإنشاء العهدة بالضمان، واستشهد لصحّته ببعض الروايات(1).


(1) توجد بعض الروايات تدلّ على صحّة إنشاء العهدة بالضمان، كصحيح عبدالله بن سنان ـ الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من كتاب الضمان، ح 1، ص 422. وهو

217

كان بعنوان الهبة المشروطة فيدفع مقداراً من المال هبةً ويشترط على المتّهب دفع مال آخر على نهج خاصٍّ بينهم فأخذ المال من الطرفين حلال، وكذا إذا كان بعنوان المصالحة على أن يدفع المراجع مالا على نهج خاصٍّ وتدفع الشركة له مالا بنهج خاصٍّ، ولعلّ هذا الأخير هو المتعارف في هذا العصر.



وعلى أيّ حال، فنحتاج في عقد التأمين إلى أن يكون المؤمّن عبارة عن جهة قابلة للبقاء والدوام كي لا يسقط التأمين بموته، وهذا هو الحال في تأمين صادر من قبل الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة في إيران الإسلام، صانها الله تعالى من الآفات إلى أن تسلّم الراية بيد الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه.


مكرّر في بعض موارد اُخرى من الوسائل، كباب 14 من الدين والقرض من نفس المجلّد، ح 1، ص 346 ـ: «في رجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال(عليه السلام): إذا رضى به الغرماء، فقد برئت ذمّة الميّت»، ونحوه صحيح معاوية بن وهب ـ الحديث الثاني من الباب الثاني من الضمان من نفس المجلّد، ص 422 ـ 423 ـ ونحوهما موثّقة إسحاق بن عمّار ـ نفس المجلّد،ب 14 من الدين والقرض، ح 2، ص 346 ـ واستشهاده(رحمه الله) بمثل هذه الروايات لا يعني أنّه(رحمه الله)غير مؤمن بصحّة عقد التأمين على وفق القاعدة.

219

المعاملات

6

 

 

 

 

كتاب السبق والرماية

 

 

 

 

 

 

 

221

 

 

 

 

 

(مسألة: 1) لابدّ فيهما من إيجاب وقبول، وإنّما يصحّان في السهام، والحراب، والسيوف، والإبل، والفيلة، والخيل، والبغال، والحمير (1)، ولا يصحّان في غير ذلك (2).

(مسألة: 2) يجوز أن يكون العوض عيناً وديناً، وأن يبذله أجنبيّ، أو أحدهما، أو من بيت المال، ويجوز جعله للسابق وللمحلّل، وليس المحلّل شرطاً.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «هل الصحّة تثبت مطلقاً، أو ما دامت هذه الأدوات تعتبر الوسائل العامّة للحرب التي تنمو بتنشيط العمل فيها القدرة العسكريّة ومصالح الجهاد؟ وجهان، أحوطهما وأقربهما الثاني». وما أفاده متين(1).

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «الصحّة محتملة فيما يستجدّ من أدوات الحرب والتحرّك العسكريّ، كالبندقيّة والسيّارة ونحوهما، والقول بذلك ليس ببعيد».

ولا يبعد صحّة ما أفاده(2).


(1) إذ لا إشكال في أنّ ذلك من الميسر والقمار، وهو في ذاته حرام، فمناسبات الحكم والموضوع تقتضي انصراف استثناء الاُمور التي كانت في زمن النصّ تنشّط قدرة الحرب والدفاع إلى فرض كونها أدوات لذلك.

(2) إمّا بتنقيح المناط القطعيّ، وإمّا بالاستظهار العرفيّ للحمل على المثاليّة، وأنّ الأمثلة الموجودة في زمن النصّ كانت عبارة عن تلك الاُمور.

222

(مسألة: 3) المعروف أنّه لابدّ في المسابقة من تقدير المسافة، والغرض، وتعيين الدابّة، وتساويهما في احتمال السبق. ولابدّ في الرماية من تقدير الرشق، وعدد الإصابة وصفتها، وقدر المسافة، والغرض، وتماثل صنف الآلة بأن تكون كلّها من السهام أو الحراب، ولا يشترط تعيين شخص السهم أو القوس، لكن في أكثر الشروط المذكورة في المقامين نظر.

(مسألة: 4) إذا قالا بعد أن أخرج كلّ منهما سبقاً من نفسه وأدخلا محلّلا: من سبق منّا ومن المحلّل فله العوضان، فمن(1) سبق من الثلاثة فهما له، فإن سبقا فلكلٍّ ماله، وإن سبق أحدهما والمحلّل فللسابق ماله ونصف الآخر، والباقي للمحلّل.

(مسألة: 5) المحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين، ولا يبذل معهما عوضاً، بل يجري دابّته بينهما أو في أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد على أنّه إن سبق بنفسه أو مع غيره أخذ العوض أو بعضه على حسب الشرط، وإن لم يسبق لم يغرم شيئاً.

(مسألة: 6) إذا فسد العقد فلا اُجرة للغالب (2)، ويضمن العوض إذا ظهر



(1) من هنا إلى آخر المسألة جواب لــ «إذا»، أي: إذا قالا كذلك، فإن سبق أحد الثلاثة فالعوضان له، وإن سبق كلا المتسابقين فلكلّ واحد منهما ماله؛ لأنّه ـ في الحقيقة ـ لم يسبقه أحد في المقام، وإن سبق أحدهما والمحلّل فللسابق ماله؛ لأنّه لم يسبقه أحد، وأمّا المتسابق الآخر فيقسّم ماله نصفين: نصفٌ للمتسابق الأوّل الذي سبق، ونصف للمحلّل؛ لأنّ المتسابق الأوّل والمحلّل مشتركان في صفة السبق للمتسابق المغلوب.

(2) لا الاُجرة المسمّاة، ولا اُجرة المثل، أمّا عدم استحقاقه للاُجرة المسمّاة فواضح؛ لفساد العقد، وأمّا عدم استحقاقه لاُجرة المثل، فلأنّه لم يعمل لأجل المغلوب.

223

مستحقّاً للغير مع عدم إجازته وكون الباذل غارّاً (1). ويحصل السبق بتقدّم العنق أو الكتد، وهو العظم الناتئ بين الظهر وأصل العنق (2).



(1) قوله: «ويضمن العوض إذا ظهر مستحقّاً للغير مع عدم إجازته، وكون الباذل غارّاً». هذه الجملة لا علاقة لها بالجملة السابقة الحاكمة بأنّه لا اُجرة للغالب إذا فسد العقد، بل هي جملة مستقلّة، ومفادها: أنّ العقد صحيح ابتداءً بالعوض المعيّن، وإنّما اتّفق تزلزله وتوقّفه على إجازة المالك؛ لأنّ العوض كان مستحقّاً للغير، فإذا طرأ زوال ذلك العوض لعدم إجازة المالك، وكان الغالب مغروراً بفعل هذا الباذل المغلوب، فقد أصبح المغلوب ضامناً للغالب، فللغالب الرجوع على المغلوب بالعوض.

ويرد عليه: أنّ العقد لم يقع صحيحاً ابتداءً، بل كان يُتخيّل صحّته، ولم يصبح العوض المعيّن عوضاً مع فرض عدم إجازة المالك، فيلحقه حكم الفاسد المتقدّم في الجملة السابقة.

(2) لا دليل صحيح على هذا الحكم، ولهذا أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما نصّه: «بل بأيّ نحو يتّفقان عليه، ومع عدم قرينة خاصّة على التحديد يحمل على ما هو المتفاهم عرفاً، وقد يختلف من عصر إلى عصر، فلا يوجد تحديد شرعيّ ثابت. هذا على أنّ تقدّم العنق أحياناً لا يوجب بذاته السبق جزماً، كما لو كان بسبب أنّ أحدهما أطول عنقاً من الآخر».

225

المعاملات

7

 

 

 

 

كتاب الشركة

 

 

 

 

 

227

 

 

 

 

 

(مسألة: 1) تصحّ الشركة في الأموال، ولا تصحّ في الأعمال بأن يتعاقدا على أن تكون اُجرة عملِ كلٍّ منهما مشتركةً بينهما، فإذا تعاقدا على ذلك بطل، وكان لكلٍّ منهما اُجرة عمله. نعم، لو صالح كلّ منهما صاحبه على أن تكون نصف منفعة نفسه بنصف منفعة صاحبه مدّةً معيّنةً فقبل الآخر، صحّ، وكان عمل كلٍّ منهما مشتركاً بينهما، وكذا لو تصالحا على أن يعطي كلّ منهما نصف اُجرته للآخر (1)،



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما نصّه: «إذا وقع هذا الصلح بعد تملّك الاُجرة فلا إشكال، وإذا وقع قبلها فيصحّ في ضمن عقد آخر، سواء كان بنحو شرط الفعل أو كان بنحو شرط النتيجة، ويصحّ مستقلاًّ إذا اُنشئ على طريقة شرط الفعل، فيكون عقداً مستقلاًّ متقوّماً بالتزامين بتمليكين، ولا يصحّ إذا اُنشئ على طريقة شرط النتيجة». ونِعْم ما أفاد(1).


(1) أمّا صحّة الصلح بعد تمام الاُجرة فواضحة، وأمّا صحّة الصلح قبل التملّك بنحو يرجع إلى شرط الفعل، فلأنّ هذا بنفسه عقد مشمول لأدلّة نفوذ العقود، وأمّا صحّة شرط النتيجة في ضمن عقد مستقلّ، فلأنّ المختار في محلّه صحّة شرط النتيجة ضمن العقود، وأمّا صحّة شرط الفعل مستقلاًّ لا في ضمن عقد، فلأنّ هذا الشرط بنفسه عقد متقوّم بالتزامين بتمليكين، وأمّا عدم صحّة شرط النتيجة مستقلاًّ، أي: لا في ضمن عقد، فلأنّ النتيجة بنفسها فعل الشارع، فإن وقع شرطها ضمن عقد، فدليل نفود ذاك العقد دليل على تحقّق النتيجة؛ لما مضى: من أنّ المختار في محلّه صحّة شرط النتيجة ضمن العقود، ولكن إن لم يقع ضمن عقد ثبتت عقديّته بقطع النظر عن النتيجة، فلأنّ هذا توافق لا في ضمن عقد على فعل الشارع، وهذا لا معنى له.

228

ولا تصحّ في الوجوه بأن يتعاقدا على أن يشتري كلّ منهما مالا بثمن في ذمّته إلى أجل ثمّ يبيعانه ويكون ربحه بينهما والخسران عليهما، ولا تصحّ شركة المفاوضة بأن يتعاقدا على أن يكون ما يحصل لكلٍّ منهما من ربح تجارة أو زراعة أو إرث أو غير ذلك بينهما، وما يرد على كلٍّ منهما من غرامة تكون عليهما معاً، فلو تعاقدا في المقامين على ما ذكر كان لكلٍّ منهما ربحه وعليه خسارته. نعم، إذا تصالحا(1)على أنّه إن ربح أحدهما أعطى صاحبه نصف ربحه وإن خسر أحدهما تدارك صاحبه نصف خسارته صحّ في المقامين.

(مسألة: 2) تتحقّق الشركة في المال(2) باستحقاق الشخصين فما زاد مالا واحداً، عيناً كان أو ديناً، بإرث أو وصيّة أو بفعلهما معاً، كما إذا حفرا بئراً، أو اصطادا صيداً، أو اقتلعا شجرةً أو نحو ذلك من الأسباب الاختياريّة وغيرها، وقد تكون بمزج المالين على نحو يرتفع الامتياز بينهما مع الاتّحاد بالجنس، كمزج



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما نصّه: «بنحو الشرط في ضمن عقد آخر، سواء كان على نحو شرط الفعل، أو شرط النتيجة، أو بنحو العقد المستقلّ المشتمل على التزامين نظير ما تقدّم في التعليقة السابقة» ونِعْم ما أفاد(1).

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما نصّه: «الظاهر تحقّقه أيضاً بالعقد، فتكون الشركة عقديّة، وهل يعتبر في عقد الشركة خلط المالين ولو على نحو لا يمنع عن امتياز أحدهما عن الآخر؟ وجهان، أحوطهما أوّلهما، ولا يخلو الثاني من قوّة» وهذا كلام وجيه(2).


(1) ودليله هو ما شرحناه آنفاً من الدليل على تعليقه السابق فلا نعيد.

(2) والوجه في ذلك: أنّ عقد الشركة عقد عرفيّ مشمول لدليل الوفاء بالعقود، ولا مدرك معقول لشرط الخلط إلّا الإجماعات المنقولة والمحتملة المدركيّة، ولا حجّيّة لها، ولا إشكال في أنّ الأحوط هو الأوّل؛ لأجل تلك الإجماعات.

229

الحنطة بالحنطة، والماء بالماء، واختلافه كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، ودهن اللوز بدهن الجوز.

(مسألة: 3) يلحق كلاًّ من الشريكين من الربح والخسران بنسبة ماله، فإن تساويا في الحصّة كان الربح والخسران بينهما بالسويّة، وإن اختلفا فبالنسبة.

(مسألة: 4) إذا اشترطا المساواة في الربح والخسران مع اختلاف الحصص، أو اشترطا الاختلاف مع تساوي الحصص يصحّ إذا كان للمشروط له عمل (1)، وإلّا لم يصحّ الشرط (2).

(مسألة: 5) لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في العين المشتركة بدون إذن شريكه، وإذا أذن له في نوع من التصرّف لم يجز التعدّي إلى نوع آخر. نعم، إذا كان الاشتراك في أمر تابع مثل البئر، والطريق غير النافذ، والدهليز ونحوها ممّا كان الانتفاع به مبنيّاً عرفاً على عدم الاستئذان جاز التصرّف وإن لم يأذن الشريك، وإذا كان ترك التصرّف موجباً لنقص العين كما لو كانا مشتركين في طعام: فإذا لم يأذن الشريك رجع إلى الحاكم الشرعيّ ليأذن في أكله أو بيعه أو نحوهما، ليسلمه من الضرر. وكذا إذا كانا شريكين في دار فتعاسرا وامتنع أحدهما من الإذن في جميع التصرّفات بحيث أدّى ذلك إلى الضرر، فيرجع إلى الحاكم الشرعيّ ليأذن في التصرّف الأصلح حسب نظره.



(1) يعني: أنّه في الشركة في المال لو لم يكن للمشروط له عمل الخلط كما في باب الإرث ونحوه، فلا معنى لشرط المساواة في الربح والخسران مع اختلاف الحصص، أو شرط الاختلاف في ذلك مع تساوي الحصص، أمّا إذا كانت الشركة بخلطهما العمديّ، فمن المعقول أن لا يوافق أحدهما على الخلط إلّا بأخذ موافقة الآخر على هذا الشرط.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ ونِعمَ ما أفاد ـ ما نصّه: «الظاهر صحّته في عقد الشركة أو عقد آخر، وذلك على نحو شرط النتيجة».

230

(مسألة: 6) إذا طلب أحد الشريكين القسمة: فإن لزم الضرر منها لنقصان في العين أو القيمة بما لا يتسامح فيه عادةً لم تجب إجابته، وإلّا وجبت الإجابة (1)، ويجبر عليها لو امتنع. نعم، إذا اشترط أحد الشريكين في عقد لازم عدم القسمة إلى أجل بعينه لم تجب الإجابة حينئذ إلى أن ينتهي الأجل.

(مسألة: 7) يكفي في تحقّق القسمة تعديل السهام ثمّ القرعة، وفي الاكتفاء بمجرّد التراضي وجه، لكن الأحوط استحباباً خلافه.

(مسألة: 8) تصحّ قسمة الوقف مع الملك الطلق، ولا تصحّ قسمة الوقف(2)في نفسه إذا كانت منافيةً لشرط الواقف، وإلّا صحّت.

(مسألة: 9) الشريك المأذون أمين لا يضمن ما في يده من المال المشترك إلّا بالتعدّي أو التفريط.

(مسألة: 10) تكره مشاركة الذمّيّ.



(1) لأنّ هذا حقّ عرفيّ فسلبه يعتبر ضرراً منفيّاً بقاعدة نفي الضرر، وكذلك الأمر في ما إذا طالب الشريك ببيع العين المشتركة ـ التي يضرّ بحالها القسمة ـ لتقاسم الثمن فتجب الإجابة إن لم يكن البيع مجحفاً.

(2) يعني: الوقف المشترك بين الموقوف عليهم.

231

المعاملات

8

 

 

 

 

كتاب المضاربة

 

 

 

 

 

 

 

233

 

 

 

 

 

وهي: أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتّجر فيه على أن يكون له حصّة من الربح (1)، ولا تصحّ إلّا بالأثمان من الذهب والفضّة، فلا تصحّ بالأوراق النقديّة، ولا بالفلوس، ولا النَيكل، ولا بغيرها من المسكوكات المعدودة من الأثمان، كما لا تصحّ أيضاً بالعروض، فإذا اُريد المعاملة على الفلوس أو النَيكل أو العروض أو نحوها قصدا المعاملة بنحو الجعالة، فتجري عليها أحكام الجعالة لا المضاربة (2). ثمّ إنّك عرفت أنّ مقتضى المضاربة الشركة في الربح، ويكون للعامل ما شرط له



(1) المضاربة اسم لما قاله المصنّف(رحمه الله) من دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليتّجر فيه على أن تكون له حصّة من الربح، ولها بعض أحكامها الخاصّة التعبّديّة، من قبيل: أنّ العامل لو خالف قيود صاحب المال، من قبيل: عدم الاتّجار بالمال في بلد آخر، أو عدم اتّجاره إلّا بالجنس الفلانيّ، فخسر، تحمّل العامل الخسارة، ولكن لو ربح، كان الربح بينهما وفق النسبة التي كانت مفروضة بينهما.

أمّا لو سمّي عقد آخر بغير هذا المضمون، وكان عُرفيّاً، فشمله ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾، فذلك ليس مضاربة حاملة لحكم تعبّديّ من هذا القبيل.

(2) روايات المضاربة لم يرد فيها إلّا عنوان المضاربة بالمال، وهذا العنوان صادق على الاتّجار بكلّ عين يمكن البيع والشراء بها، سواء كان بالأثمان من الذهب والفضّة، أو بالأوراق المألوفة في زماننا، أو بالعروض، ولا داعي للقيد الموجود في المتن(1).


(1) والإجماعات المنقولة المحتملة المدركيّة لا قيمة لها. وتجد قسماً من روايات المضاربة في الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، كتاب المضاربة، ب 1، ص 15 ـ 18.

234

من الحصّة ربعاً أو نصفاً أو غير ذلك، وإذا وقعت فاسدةً كان للعامل اُجرة المثل، ويكون تمام الربح لصاحب المال (1).

(مسألة: 1) المضاربة من العقود الجائزة(2) تبطل بالموت والجنون (3).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «هذا إذا كان قد ظهر ربح، وأمّا إذا ظهر عدمه، فلا إشكال في عدم استحقاق العامل لاُجرة المثل، وأمّا إذا لم يتبيّن بعدُ، وكان العامل قد أنجز بعض العمليّة التي يترقّب ربح بإكمالها، فلا يبعد ثبوت اُجرة المثل...»، والظاهر صحّة ما أفاده(قدس سره)(1).

(2) أصل كون المضاربة من العقود الجائزة ثابت بالإجماع القطعيّ، ولكن ليس هذا معناه: أنّ للمالك حقّ الفسخ بعد ظهور الربح كي يتملّك كلّ الربح، ويعطي للعامل اُجرة المثل لعمله، وإنّما معناه: أنّ المالك غير ملزم بإبقاء إذنه للعامل بالعمل، فلو سحب إذنه تعذّر على العامل العمل، فإن كان بعد ظهور الربح كانت للعامل حصّته من الربح، وإن كان بعد ظهور عدمه فلا شيء له، وإن كان قبل ظهور الربح وظهور عدمه فله اُجرة المثل كما تقدّم في المسألة السابقة.

وأيضاً العامل له حقّ الفسخ، وهذا لا يعني: أنّ له أن يفسخ حتّى يبدّل حصّته من الربح باُجرة المثل، وإنّما يكون حال الربح والعمل ما ذكرناه، فإن كان الفسخ بعد ظهور الربح فله حصّته من الربح، وإن كان بعد ظهور عدمه فلا شيء له، وإن كان قبل ظهور الربح وقبل ظهور عدمه فله اُجرة المثل لمقدار عمله.

وهذا التفسير لكون المضاربة من العقود الجائزة من إفادات اُستاذنا(قدس سره).

(3) فصّل اُستاذنا الشهيد(قدس سره) بين الموت والجنون، فقال في الموت: بأنّ الأقرب


(1) لأنّه إذا ظهر عدم الربح، فقد أسقط هو احترام عمله بالتزامه بعدم أخذ شيء إن لم يكن ربح، وإذا ظهر الربح فلم يسقط هو احترام عمله، ولم يسلم له الربح؛ لفرض فساد المعاملة، فيستحقّ اُجرة المثل، وأمّا إذا لم يتبيّن شيء، فهو حتّى الآن لم يسقط احترام عمله، فيستحقّ اُجرة المثل؛ لأنّه عمل بأمر صاحب المال.

235

(مسألة: 2) يجب على العامل أن يقتصر على التصرّف المأذون، فإذا أمره أن يبيعه بسعر معيّن أو بلد معيّن أو سوق معيّن فتعدّى إلى غيره لم ينفذ تصرّفه وتوقّف على الإجازة. نعم، إذا أطلق صاحب المال الإذن ولم يعيِّن تصرّف كيف شاء على الوجه اللائق في نظره.

(مسألة: 3) لا يشترط العلم بمقدار المال وإن كان أحوط.

(مسألة: 4) يملك العامل الحصّة بالظهور، ولا خسران عليه بدون التفريط، وإذا اشترط عليه تحمّل الخسران لم يصحَّ الشرط، وفي بطلانها بذلك إشكال (1).



بطلانها به، وقال في الجنون: بأنّ إطلاق بطلانها بالجنون محلّ إشكال.

وكلامه(قدس سره) وجيهٌ(1).

(1) يصحّ الشرط وتبطل المضاربة، فيصير الربح كلّه للعامل(2).


(1) أمّا توضيح ما أفاده في فرض الموت، فهو: أنّ من حقّ مالك الأرض مثلاً أن يأكل في حياته ربح أرضه لما بعد موته بمثل الإيجار، فتنتقل الأرض إلى الوارث مسلوبة المنفعة، ولكن ليس من حقّ صاحب العمل أن يأكل عمل ما بعد موته ـ أي: العمل الذي كان يصدر منه لو كان يبقى حيّاً ـ ولا من حقّ التاجر أن يأكل ربح التجارة بماله بلحاظ ما بعد موته.

وأمّا استشكاله(قدس سره) في إطلاق بطلانه بالجنون، فتوضيحه: أنّه إذا افترضنا أنّ مالك المال هو الذي عرض عليه الجنون، فمن حقّ وليّه أن يُمضي المعاملة حينما يرى مصلحته في ذلك.

وإذا افترضنا أنّ العامل هو الذي عرض عليه الجنون، فقد يتّفق أنّ المجنون يكون قادراً على إنجاز العمل، وعندئذ يكون أيضاً من حقّ وليّه أن يُمضي المعاملة حينما يرى المصلحة في ذلك.

(2) كما دلّ على ذلك صحيح محمّد بن قيس، الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من المضاربة، ص 22 ـ 23.