424

 

إلحاق فيه بابان:

الباب الأوّل: في الحبس وأخواته.

(مسألة: 1) يجوز للمالك أن يحبس ملكه على جهة معيّنة يجوز الوقف عليها مثل العلماء والفقراء وسبيل الله وغير ذلك على أن يصرف نماؤه فيها(1)، ولا يخرج بذلك عن ملكه، فإن كان مطلقاً أو مقيّداً بالدوام(2) لزم مادامت العين، ولم يجز له الرجوع فيه، وإن كان مقيّداً بمدّة معيّنة لم يجز له الرجوع قبل انقضاء المدّة، وإذا انتهت المدّة انتهى التحبيس، فإذا قال: فرسي محبس على نقل الحجّاج، أو هذا محبس على خدمة العلماء لزمت مادامت العين باقية، وإذا جعل المدّة عشر سنين مثلا، لزم في العشر وانتهى بانقضائها.

(مسألة: 2) ذكر جماعة كثيرة: أنّه لا يصحّ التحبيس إلّا بعد القبض، ولا يخلو من إشكال، بل الأظهر الصحّة بدونه، ولكنّه شرط في اللزوم(3) فيجوز للمالك الرجوع فيه قبل القبض.

(مسألة: 3) إذا حبس ملكه على شخص: فإن عيّن مدّةً كعشر سنين أو مدّة



(1) لم أجد دليلاً على صحّة الحبس على العناوين العامّة كالعلماء والفقراء وسبيل الله أو نقل الحجّاج أو نحو ذلك بمعنى يقابل الوقف، وإنّما الثابت صحّته هو الوقف.

(2) يقصد المصنّف(رحمه الله): أنّ الحبس لو كان حبساً مادامت العين لزم مادامت العين، ولم يجز له الرجوع فيه سواء كانت قرينة الدوام نفس إطلاق الكلام أو قرينة خاصّة كالتصريح به.

(3) يحتمل دخله في الصحّة، وعلى أيّ حال فقد أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «لا يبعد عدم اعتباره ـ يعني القبض ـ في الحبس على أمر عامّ كما هو الحال في الوقف».

أقول: أصل اعتبار الحبس على أمر عامّ مشكل، فإنّي لم أجد ما تتمّ دلالته على صحّة ذلك بمعنىً يقابل الوقف.

425

حياة ذلك الشخص لزم الحبس في تلك المدّة، وبعدها يرجع إلى الحابس، وإذا مات الحابس قبل انقضاء المدّة بقي الحبس على حاله(1) إلى أن تنتهي المدّة فيرجع ميراثاً، وإذا حبس عليه مدّة حياة نفسه (يعني الحابس) لم يجز له الرجوع مادام حيّاً، فإذا مات رجع ميراثاً، وإذا حبسه على شخص ولم يذكر مدّةً معيّنةً ولا مدّة حياة نفسه ولا حياة المحبس عليه، ففي لزومه إلى موت الحابس وبعد موته



(1) إلى انقضاء المدّة(1)، وإن لم يعيّن مدّة بطل بموت الحابس(2).


(1) لحديث حمران ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 218 ـ: «سألته عن السكنى والعمرى، فقال: الناس فيه عند شروطهم، إن كان شرط حياته فهي حياته، وإن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتّى يفنوا ثمّ يردّ إلى صاحب الدار»، ولحديث الحسين بن نعيم ـ نفس المصدر، ح 2، ص 219، ونفس المجلّد ب 24 من الإجارة، ح 3، ص 135 ـ ولصحيح الحلبيّ ـ نفس المجلّد، ب 3 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 220 ـ: «وسألته عن الرجل يسكن الرجل داره، ولعقبه من بعده، قال: يجوز، وليس لهم أن يبيعوا ولا يورثوا».

(2) لصحيح عمر بن اُذينة ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 223 ـ: قال: «كنت شاهداً عند ابن أبي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره ولم يوقّت وقتاً، فمات الرجل، فحضر ورثته ابن أبي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار، فقال ابن أبي ليلى: أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها، فقال محمّد بن مسلم الثقفيّ: أما إنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت. فقال: وما علمك؟ فقال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ(عليه السلام) يقول: قضى عليّ(عليه السلام) بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث. فقال له ابن أبي ليلى: هذا عندك في كتابك؟ قال: نعم، قال: فأرسل وائتني به. فقال له محمّد بن مسلم: على أن لا تنظر من الكتاب إلّا في ذلك الحديث. قال: لك ذلك، قال: فأحضر الكتاب وأراه الحديث عن أبي جعفر(عليه السلام) في الكتاب، فردّ قضيّته».

426

يرجع ميراثاً، وجوازه فيجوز له الرجوع فيه متى شاء قولان، أقربهما الأوّل(1).

(مسألة: 4) يلحق بالحبس السكنى والعمرى والرقبى، والاُولى تختصّ بالمسكن، والأخيرتان تجريان فيه وفي غيره من العقار والحيوانات والأثاث ونحوها ممّا لا يتحقّق فيه الإسكان، فإن كان المجعول الإسكان قيل له: « سكنى »، فإن قيّد بعمر المالك أو الساكن قيل له أيضاً: « عمرى »، وإن قيَّده بمدّة معيّنة قيل له: « رقبى ». وإذا كان المجعول غير الإسكان كما في الأثاث ونحوه ممّا لا يتحقّق فيه السكنى لا يقال له: سكنى، بل قيل: « عمرى » إن قيّد بعمر أحدهما، و « رقبى » إن قيّد بمدّة معيّنة(2).



(1) بل الأقرب هو الثاني كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله)(1).

(2) وأمّا الحبس فبمعناه العامّ يشمل السكنى والعمرى والرقبى أيضاً وبمعناه الخاصّ هو ما لم تعيّن له مدّة(2).


(1) لصحيح الحلبيّ ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 222 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قلت له: رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقت. قال: جائز ويخرجه إذا شاء».

(2) كما يشهد لذلك صحيح عمر بن اُذينة. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 323.

هذا. والعمرى والرقبى تشملان غير المساكن أيضاً كما في الأثاث ونحوه؛ لصحيح محمّد بن قيس ـ الوسائل، ج 19، ب 8 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 228 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام): «أنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قضى في العمرى أنّها جائزة لمن أعمرها، فمن أعمر شيئاً مادام حيّاً فإنّه لورثته إذا توفّي»، ولصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون

427

(مسألة: 5) الظاهر أنّ القبض فيها ليس شرطاً في الصحّة، بل في اللزوم(1)، كما تقدّم في الحبس.

(مسألة: 6) إذا أسكنه مدّةً معيّنةً كعشر سنين أو مدّة عمر المالك أو مدّة عمر الساكن لم يجز الرجوع قبل انقضاء المدّة، فإن انقضت المدّة في الصور الثلاث رجع المسكن إلى المالك أو ورثته.

(مسألة: 7) إذا قال له: أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك لم يجز له الرجوع في هذه السكنى مادام الساكن موجوداً أو عقبه، فإذا انقرض هو وعقبه رجعت الدار إلى المالك(2).

(مسألة: 8) إذا قال له: أسكنتك هذه الدار مدّة عمري فمات الساكن في حال حياة المالك: فإن كان المقصود السكنى بنفسه وتوابعه كما يقتضيه إطلاق السكنى انتقلت السكنى بموته إلى المالك قبل وفاته، وإن كان المقصود مجرّد تمليك السكنى له انتقلت السكنى إلى وارثه مادام المالك حيّاً، فإذا مات انتقلت العين من



(1) يحتمل دخله في الصحّة.

(2) وطبعاً إذا كان الإسكان لمدّة معيّنة وهو المسمّى بالرقبى، انتظر انتهاء المدّة ولو قبل انقراض عقبه.


له الخادم تخدمه فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّة ثمّ يجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها قدر ما أبقت؟ قال: إذا مات الرجل فقد عتقت» ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 225 ـ فإنّه يظهر منه: أنّ إعمار الجارية كان جوازه لدى السائل مفروغاً عنه، والإمام(عليه السلام) قرّره على ذلك.

428

ورثة الساكن إلى ورثة المالك(1)، وكذا الحكم لو عيّن مدّةً معيّنةً فمات الساكن في أثنائها.

(مسألة: 9) إذا جعل السكنى له مدّة حياته كما إذا قال له: أسكنتك هذه الدار مدّة حياتك، فمات المالك قبل الساكن لم يجز لورثة المالك منع الساكن، بل تبقى السكنى على حالها إلى أن يموت الساكن.

(مسألة: 10) إذا جعل له السكنى ولم يذكر له مدّةً ولا عمر أحدهما، صحّ ولزم بالقبض، ووجب على المالك إسكانه وقتاً ما، وجاز له الرجوع بعد ذلك أيّ وقت شاء(2)، ولا يجري ذلك في الرقبى والعمرى ؛ لاختصاص الاُولى بالمدّة المعيّنة،



(1) يعني: إن كان المقصود استفادة من له الإسكان بالسكن انتقلت السكنى إلى المالك؛ لانتفاء موضوع السكنى بموت من جعلت له السكنى، وإن كان المقصود مجرّد تمليك السكن لمن جعلت له السكنى انتقلت السكنى إلى وارث من جعلت له السكنى مادام المالك حيّاً.

(2) إن لم يقصد الإطلاق فلا إشكال في جواز الرجوع، وإن قصد الإطلاق ولم يقصد كون جعل السكنى له صدقة فأيضاً لا إشكال في جواز الرجوع، وإن قصد الإطلاق وكان جعل السكنى له صدقة لم يجز له الرجوع؛ لأنّه لا يجوز الرجوع في الصدقة. وقد أفاد هذا التفصيل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) فإنّ كلّ الفروض الثلاثة داخلة في صحيحة الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قلت له: رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقت، قال: جائز، ويخرجه إذا شاء». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 222.

ولكن الحكم بجواز الإخراج إذا شاء ناظر إلى نفي اللزوم من ناحية السكنى، ولا ينفي

429

والثانية بمدّة عمر أحدهما، والمفروض انتفاء ذلك كلّه.

(مسألة: 11) إطلاق السكنى ـ كما تقدّم ـ يقتضي أن يسكن هو وأهله وسائر توابعه من أولاده وخدمه وضيوفه، بل دوابّه إن كان فيها موضع معدّ لذلك، وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من غلّة وأوان وأمتعة، والمدار على ما جرت به العادة من توابعه، وليس له إجارته(1)، ولا إعارته لغيره، فلو آجره ففي صحّة الإجارة بإجازة المالك وكون الاُجرة له حينئذ إشكال(2). نعم، إذا فهم من المالك تمليك السكنى الشاملة لسكنى غيره جاز له أن يؤجرها لغيره وتكون الاُجرة له(3)، وكذا تجوز إعارتها لغيره.



(1) إلّا أن يكون مورد الإجارة نفس سكناه، أي: أنّ المستأجر ليس له حقّ أن يسكن في دار ولكنّه يملك نفس سكنى الشخص الذي جعلت له السكنى، فلا يجوز لذاك الشخص أن يسكن هذه الدار من دون إذنه، فحينما توجد للمستأجر رغبة أو فائدة في أن يترك هذا الشخص عملاً سكنى الدار كان له أن ينهاه عن السكنى فيها، فتبقى الدار فارغة عنه. وهذا الذي ذكرناه هو شرح تعليق اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) الذي علّق به على هذا المقام رغم غموض عبارته(رحمه الله).

(2) يعني: في صحّة الإجارة بإجازة المالك وكون الاُجرة للمالك إشكال؛ لأنّه حبسه على سكنى خاصّة وهي سكنى الشخص بنفسه.

(3) يعني لمن جعلت له السكنى.


اللزوم من ناحية الصدقة، ونحن نعلم أنّ الصدقة لا يجوز الرجوع فيها كما دلّ على ذلك موثّق الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها ولا يجوز له إلّا إنفاقها (الظاهر: أنّ الصحيح نسخة: (إنفاذها)، فكلمة (إنفاق) خطأ في النسخة) إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة». الوسائل، ج 9 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الصدقة، ح 1، ص 423.

430

(مسألة: 12) الظاهر أنّ السكنى و العمرى و الرقبى من العقود المحتاجة في وجودها الاعتباريّ إلى إيجاب وقبول، ويعتبر فيها ما يعتبر في العقود، كما يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في غيره، وقد تقدّم ذلك في كتاب البيع. وأ مّا الحبس فاعتبار القبول فيه لا يخلو من إشكال(1).

(مسألة: 13) الظاهر جواز بيع المحبس قبل انتهاء أجل التحبيس، فتنتقل العين إلى المشتري على النحو الذي كانت عليه عند البائع، فيكون للمحبس عليهم الانتفاع بالعين على حسب ما يقتضيه التحبيس، ويجوز للمشتري المصالحة معهم على نحو لا تجوز لهم مزاحمته في الانتفاع بالعين مدّة التحبيس(2) بأن يعطيهم مالا على أن لا ينتفعوا بالعين، أ مّا المصالحة معهم على حقّ الانتفاع بها ففيه إشكال ؛ لاحتمال كون مفاد التحبيس مجرّد المصرفيّة، لا ثبوت حقٍّ للمحبس عليه(3).

الباب الثاني: في الصدقة التي تواترت الروايات في الحثّ عليها والترغيب فيها.



(1) إن كان الحبس متضمّناً لتمليك المنفعة لشخص فهو أيضاً بحاجة إلى القبول، وأمّا إن كان محبساً في أمر عامّ فقد مضى أنّ أصل اعتبار الحبس على أمر عامّ بمعنى يقابل الوقف مشكل، فإنّي لم أجد ما تتمّ دلالته على ذلك.

(2) هذا غير واضح عندي، فأيّ فرق بين هذا المالك الجديد والمالك الأوّل؟! أفهل كان يجوز للمالك الأوّل أن يفعل ذلك؟ أم هل أصبحت ملكيّة المالك الثاني أكثر طلقيّة من ملكيّة المالك الأوّل؟!

(3) هذا الاحتمال خلاف ظاهر حرف اللام في أحاديث السكنى والحبيس، فإنّها تدلّ على ثبوت الحقّ، ولكن المهمّ ما ذكرناه من استبعاد كون ملكيّة المالك الجديد أكثر طلقيّة من ملكيّة المالك الأوّل.

431

وقد ورد أنّها دواء المريض، وبها يدفع البلاء وقد اُبرم إبراماً، وبها يستنزل الرزق، وأنّها تقع في يد الربِّ قبل أن تقع في يد العبد، وأنّها تخلف البركة وبها يقضى الدين، وأنّها تزيد في المال، وأنّها تدفع ميتة السوء والداء والدَبيلة والحرق والغرَق والجذام والجنون إلى أن عدّ سبعين باباً من السوء. ويستحبّ التبكير بها بدفع شرّ ذلك اليوم، وفي أوّل الليل يدفع بها شرّ الليل.

(مسألة: 14) المشهور كون الصدقة من العقود فيعتبر فيها الإيجاب والقبول، ولكنّ الأظهر كونها الإحسان بالمال على وجه القربة، فإن كان الإحسان بالتمليك احتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان بالإبراء كفى الإيجاب بمثل: أبرأت ذمّتك، وإن كان بالبذل كفى الإذن في التصرّف، وهكذا، فيختلف حكمها من هذه الجهة باختلاف موردها.

(مسألة: 15) المشهور اعتبار القبض فيها مطلقاً، ولكنّ الظاهر أنّه لا يعتبر فيها كلّيّة، وإنّما يعتبر فيها إذا كان العنوان المنطبقة عليه ممّا يتوقّف على القبض، فإذا كان التصدّق بالهبة أو بالوقف(1) اعتبر القبض، وإذا كان التصدّق بالإبراء أو البذل لم يعتبر، وهكذا.

(مسألة: 16) يعتبر في الصدقة القربة، فإذا وهب أو أبرأ ووقف بلا قصد القربة كان هبةً وإبراءً ووقفاً، ولا يكون صدقة.

(مسألة: 17) تحلّ صدقة الهاشميّ على الهاشميّ وعلى غيره حتّى زكاة المال وزكاة الفطرة، وأ مّا صدقة غير الهاشميّ على الهاشميّ فإن كانت زكاة المال أو زكاة الفطرة فهي حرام ولا تحلّ للمتصدَّق عليه، ولا تفرغ ذمّة المتصدِّق بها عنها،



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «في الفرض الذي يكون القبض فيه معتبراً في صحّة الوقف». ونِعْمَ ما أفاد.

432

وإن كانت غيرهما فالأقوى جوازها، سواء أكانت واجبةً كردّ المظالم والكفّارات وفدية الصوم أم مندوبة، إلّا إذا كانت من قبيل ما يتعارف من دفع المال القليل لدفع البلاء ونحو ذلك ممّا كان من مراسم الذلّ والهوان ففي جواز مثل ذلك إشكال(1).

(مسألة: 18) لا يجوز الرجوع في الصدقة إذا كانت هبةً مقبوضةً(2) وإن كانت لأجنبيٍّ على الأصحّ.

(مسألة: 19) تجوز الصدقة المندوبة على الغنيّ والمخالف والكافر الذمّيّ.

(مسألة: 20) الصدقة المندوبة سرّاً أفضل إلّا إذا كان الإجهار بها بقصد رفع التهمة أو الترغيب أو نحو ذلك ممّا يتوقّف على الإجهار، أ مّا الصدقة الواجبة ففي بعض الروايات أنّ الأفضل إظهارها، وقيل: الأفضل الإسرار بها، والأظهر اختلاف الحكم باختلاف الموارد في الجهات المقتضية للإسرار والإجهار.

(مسألة: 21) التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم، والصدقة على الغريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، وأفضل منها الصدقة على الرحم الكاشح يعني المعادي، ويستحبّ التوسّط في إيصالها إلى المسكين، ففي الخبر: لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً لاُجروا كلّهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً. والله سبحانه العالم الموفّق.

 



(1) نعم، لو جعل هو نفسه في محلّ السؤال بشكل مهين مذلّ فالتصدّق عليه لا يزده ذُلاًّ وهواناً.

(2) قد مضى تفسير الصدقة، ومضى أنّه ليس دائماً متوقّفاً على القبض، فمتى ما صدق التصدّق بلا قبض حرم الرجوع برغم عدم القبض.

433

المعاملات

24

 

 

كتاب النكاح

 

وفيه فصول:

○  أقسام النكاح وبعض أحكامه.

○  الأولياء.

○  المحرّمات.

○  عقد المتعة.

○  العيوب.

○  المهر.

○  القسمة والنشوز.

○  أحكام الأولاد.

○  النفقات.

435

 

 

 

 

 

الفصل الأوّل

[في أقسام النكاح وبعض أحكامه]

النكاح ثلاثة: دائم، ومنقطع، وملك يمين، ويفتقر الأوّل إلى العقد، وهو الإيجاب والقبول بلفظ الماضي على الأحوط استحباباً، كزوّجتُ وأنكحت، وقبلت، وتجزي ترجمتها بشرط العجز عن العربيّة على الأحوط استحباباً، وتجزي الإشارة مع العجز عن النطق. ولو زوّجت المرأة نفسها صحّ، ولا يشترط إذن الوليّ مع البلوغ والرشد إلّا الأب فإنّ الأحوط استحباباً(1) للبكر الاستئذان



(1) بل الأحوط وجوباً أو الأقوى(1).


(1) قد يقال: إنّ الولاية بنحو الاستقلال في نكاح البكر الرشيدة التي لها أب للأب؛ لمثل صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام): «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر. وقال: يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 3، ص 273، ونحوه صحيح عبدالله بن الصلت: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها لها أمر إذا بلغت؟ قال: لا ليس لها مع أبيها أمر. قال: وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر (ما لم تثيّب)».

436

 

نفس المصدر، ب 6، ح 3، ص 276. ونسخة (ما لم تكبر) غلط. ونحوهما صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة». نفس المصدر، ب 9 من تلك الأبواب، ح 7، ص 286.

وتعارض هذه الروايات عدّة طوائف:

الاُولى: ما دلّت على استقلال البكر في أمرها مطلقاً أو فيما إذا ملكت أمرها، وهي بين ما لم يتمّ سنداً وما لم يتمّ دلالةً من قبيل:

1 ـ صحيح الفضلاء الأربعة: فضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم وزرارة ويزيد بن معاوية عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 267.

ووجه الاستدلال: أنّه ليس المقصود من (ملكت نفسها) كون اختيار نكاحها بيدها لثيبوبتها، وإلّا لكانت ضروريّة بشرط المحمول، أي: من ملكت نفسها ملكت نفسها، فالحديث ناظر إلى البكر.

والجواب: أنّه يحتمل كون ملكيّتها لنفسها بمعنى ثيبوبتها، وأن يكون المقصود: أنّ مجرّد الثيبوبة لا تكفي للزواج بها من دون وليّ، بل يشترط عدم السفه وأن لا تكون مولّى عليها لعدم الرشد.

2 ـ خبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإنّ أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها». الوسائل، نفس المجلّد، ب 9 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 6، ص 285. وفي السند إسناد الشيخ عن عليّ بن إسماعيل الهاشميّ وهو إسنادمجهول لدينا.

3 ـ خبر سعدان بن مسلم قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغيرإذن أبيها». الوسائل، نفس المجلّد والباب والصفحة، ح 4.

437

 


وعيبه احتمال الإرسال إلى حدّ يزيل الوثوق به؛ لقوّة احتمال وحدة هذا الحديث مع مرسلة سعدان بن مسلم عن رجل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من المتعة، ح 8، ص 34.

الثانية: ما دلّت على اعتبار إذن البكر كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلّا بأمرها». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 9 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 284.

ولا يمكن الجمع بين هذه الصحيحة ومثل صحيح الحلبي الماضي، فتصل النوبة إلى المرجّحات، والمرجّح الموجود هنا موافقة ما دلّ على استقلال الأب وعدم اشتراط إذن البنت لأكثريّة العامّة، أي: جميع أئمّتهم ما عدا أبي حنيفة فيحمل على التقيّة.

فلابدّ من رضاهما جمعاً بين مثل صحيحة منصور بن حازم التي دلّت على شرط رضا البنت، وما دلّ على شرط إذن الأب مثل معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهن». ومقتضى الجمع بينهما شرطيّة إذن الأب وإذنها.

الثالثة: ما دلّت على جواز تزويج البكر متعة بغير إذن أبيها.

وهي بين صريح في ذلك غير تامّ سنداً وبين ما تمّ سنداً ولكنّه مطلق يقيّد بما دلّ على شرط إذن الأب في المتعة، وذلك من قبيل:

1 ـ رواية أبي سعيد قال: «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن التمتّع من الأبكار اللواتي بين الأبوين، فقال: لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من المتعة، ح 6، ص 33. والسند غير تامّ، وهو ليس صريحاً في عدم إذن الأب، فيقبل التقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

438

منه، لكن لو لم تستأذن منه صحّ وجاز له فسخه(1)، إلّا إذا منعها عن التزويج



(1) الصحّة محلّ إشكال أو الأقوى البطلان(1).


2 ـ خبر الحلبيّ قال: «سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها، قال: لا بأس ما لم يفتضّ ما هناك لتعفّ بذلك». نفس المصدر، ح 9، ص 34. ويحتمل أن يكون المقصود بأبي سعيد (الراوي عن الحلبيّ): خالد بن سعيد القمّاط، وهو ثقة، ولكن سند الشيخ إليه غير معلوم.

3 ـ صحيحة زياد بن أبي الحلال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا بأس أن يتمتّع بالبكر ما لم يفض إليها كراهيّة العيب على أهلها». نفس المصدر، ح 1، ص 32. وهي مطلقة قابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

4 ـ مرسلة محمّد بن عذافر عمّن ذكره عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن التمتّع بالأبكار، فقال: هل جعل ذلك إلّا لهنّ؟ فليستترن وليستعففن». نفس المصدر، ح 4، ص 33. وهي ساقطة سنداً وقابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

5 ـ رواية حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): في الرجل يتزوّج البكر متعة، قال: «يكره؛ للعيب على أهلها». نفس المصدر، ح 10، ص 34. وهي ساقطة سنداً وقابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

وما دلّ على شرط إذن الأب هو صحيح أبي مريم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها». نفس المصدر، ح 12، ص 35.

(1) والذي يستدلّ به على مسألة الفسخ حديث (لا ينقض النكاح إلّا الأب) وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام). الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 273. ولكن ظهور ذلك في الفسخ قابل للمنع؛ لأنّه يكفي في صحّة استعمال كلمة (النقض) أنّ النكاح يقبل النفوذ بالإذن المتأخّر للأب، فإن لم يأذنه فقد نقضه. ولو فرضنا ظهوراً ضعيفاً له في الفسخ فلا إشكال في أنّ روايات عدم نفوذ العقد بلا إذن الأب أقوى ظهوراً من ذلك، فتتقدّم عليه.

439

بالكفؤ شرعاً وعرفاً فإنّه تسقط ولايته حينئذ(1).

(مسألة: 1) يجزئ في صورة عقد النكاح الدائم أن تقول الزوجة للزوج: زوّجتُكَ نفسي بمهر دينار(2) مثلا، فيقول الزوج: قبلتُ. وإذا كانت الزوجة قد وكّلت وكيلا قال وكيلها للزوج: زوجتُكَ موكّلتي هنداً ـ مثلا ـ بمهر دينار، فيقول الزوج: قبلت (3). وإذا كان الزوج قد وكّل وكيلا قالت الزوجة لوكيل الزوج: زوّجتُ موكّلك زيداً ـ مثلا ـ نفسي بمهر دينار مثلا، فيقول الوكيل: قبلت. وإذا كان كلّ من الزوج والزوجة قد وكّلا وكيلا قال وكيل الزوجة لوكيل الزوج: زوّجتُ موكّلك زيداً موكّلتي هنداً بمهر دينار مثلا، فيقول وكيل الزوج: قبلت. ويجوز لشخص واحد تولّي طرفي العقد عدا الزوج، فإنّ الأحوط أن لا يتولّى الإيجاب عن الزوجة والقبول عن نفسه(4).



(1) الأب تسقط ولايته بالعضل سواء في التزويج أو في ترك التزويج أو بالأمر المانع عن تدخّله من مرض كالإغماء الدائم أو نحو ذلك كالغيبة الدائمة أو التصميم على عدم التدخّل ونحو ذلك(1).

(2) وتجزي كلّ الألفاظ المفهمة، كأن تقول: زوّجت نفسي منك، وكذا الحال في فرض الوكالة.

(3) ويجزي أيضاً الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة، وكذا الحال في فرض الوكالة.

(4) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): أنّ هذا احتياط استحبابيّ، ولكنّني أقول: إنّ هذا الاحتياط لا يترك(2) في مطلق توحيد الموجب والقابل.


(1) والدليل على ذلك: أنّ دليل ولاية غير المعصوم منصرف إلى أن يكون بداعي حفظ مصلحة المولّى عليه.

(2) الوجه في هذا الاحتياط موثّقة عمّار الساباطيّ الناهية عن ذلك: «سألت أبا الحسن(عليه السلام)

440

(مسألة: 2) لا يشترط الشهود في صحّة النكاح، ولا يلتفت إلى دعوى الزوجيّة بغير بيّنة مع حلف المنكِر(1) وإن تصادقا على الدخول، فلو ردّ اليمين فحلف المدّعي حكم بها. كما أنّه يلزم المقرّ بإقراره على كلّ حال، ولو تصادقا على الزوجيّة ثبتت. ولو ادّعى زوجيّة امرأة وأنكرت، وادّعت اُخت الزوجة



(1) تأثير حلف المنكر، وكذلك تأثير حلف المدّعي ـ بعد ردّ المنكر اليمين ـ مخصوص بباب القضاء.


عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها أيحلَّ لها أن توكّل رجلاً يريد أن يتزوّجها؟ تقول له: قد وكّلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: لا. قلت له: جعلت فداك، وإن كانت أيّماً؟ قال: وإن كانت أيّماً. قلت: فإن وكّلت غيره بتزويجها منه؟ قال: نعم». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 4، ص 288. بل الاحتياط يسري إلى وحدة الموجب والقابل حتّى لو لم يكن من قِبل الزوج؛ لقوّة احتمال أنَّ النظر في الحديث هو التجنّب عن وحدة الموجب والقابل، ولا خصوصيّة لمورد الحديث، وهو كون العاقد نفس الزوج.

أمّا السبب في أنّنا لا نفتي بمفاد هذا الحديث، بل نجعله احتياطاً فهو صحيحة الحلبيّ الواردة في نفس المصدر، ح 1، ص 287 عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في امرأة ولّت أمرها رجلاً فقالت: زوّجني فلاناً، فقال: لا اُزوّجك حتّى تشهدي لي أنّ أمرك بيدي، فأشهدت له، فقال عند التزويج للذي يخطبها: يا فلان عليك كذا وكذا، قال: نعم. فقال هو للقوم: اشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد زوّجتها نفسي. فقالت المرأة: لا ولا كرامة، وما أمري إلّا بيدي، وما ولّيتك أمري إلّا حياءً من الكلام. قال(عليه السلام): تنزع منه ويوجع رأسه»، فإنّ الظاهر من هذا الحديث هو عدم ردعه ذاك الرجل عن اعتقاده بصحّة تزويج امرأة لنفسه بتولّي الإيجاب والقبول. وهذا يدلّ على الإمضاء، وإنّما أمر(عليه السلام) بنزعها منه وإيجاع رأسه؛ لأنّه استغلّ حياءها في توريطها في غير ما أرادت. أمّا الوجه في إيجابنا للاحتياط فهو احتمال كون رواية عمّار أقوى دلالة.

441

زوجيّته حكم لبيّنته، إلّا مع تقدّم تاريخ بيّنتها أو دخوله بها(1). وروي أنّ القول قول الأب في تعيين المعقود عليها بغير تسمية مع رؤية الزوج للجميع، وإلّا بطل العقد(2).

ويستحبّ أن يتخيّر البكر العفيفة الكريمة الأصل، وصلاة ركعتين عند إرادة التزويج، والدعاء بالمأثور، وهو: « اللّهمّ إنّي اُريد أن أتزوّج فقدِّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركة ». والإشهاد على العقد والإعلان به، والخطبة أمام العقد، وإيقاعه ليلا، وصلاة ركعتين



(1) استشكل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في ترجيح بيّنة الرجل على بيّنة المرأة. ونِعْمَ ما فعل(1).

(2) هذا الحكم لا إشكال فيه مع يمين الأب، وإلّا فالحكم محلّ إشكال(2).


(1) فإنّ دليل الماتن على ترجيح بيّنة الرجل رواية وردت على ذلك، وهي ضعيفة السند بكلا سنديها:

أوّلاً: رواية الزهريّ عن عليّ بن الحسين(عليه السلام). الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 22 من عقد النكاح وأولياء العقد، ص 299.

وثانياً: رواية عبد الوهّاب بن عبد الحميد الثقفيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام). الوسائل، ج 27 بحسب تلك الطبعة، ب 12 من كيفيّة الحكم، ح 13، ص 254 ـ 255. فعلى أثر ضعف السند استشكل اُستاذنا(رحمه الله) في ذلك.

(2) أمّا عدم الإشكال في ذلك مع يمين الأب فلصحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر(عليه السلام): «...إن كان الزوج رآهنّ كلّهنّ ولم يسمّ له واحدة منهنّ فالقول في ذلك قول الأب، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوّجها إيّاه عند عقدة النكاح. وإن كان الزوج لم يرهنّ كلّهنّ ولم يسمّ له واحدة منهنّ عند عقد النكاح فالنكاح باطل». الوسائل، ج 20، ب 15 من عقد النكاح وأولياء العقد، ص 295. وأمّا الاستشكال في فرض عدم اليمين فلاحتمال أن يكون قوله(عليه السلام): «القول قول الأب» كناية عن أنّه يعدّ بحكم المنكر، فعليه اليمين.

442

عند الدخول، والدعاء بالمأثور بعد أن يضع يده على ناصيتها، وهو: « اللّهمّ على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً ولا تجعله شرك شيطان »، وأمرها بمثله، ويسأل الله تعالى الولد الذكر.

ويكره إيقاع العقد والقمر في العقرب، وتزويج العقيم، والجماع(1) في ليلة الخسوف ويوم الكسوف، وعند الزوال إلّا يوم الخميس، وعند الغروب قبل ذهاب الشفق، وفي المحاق، وبعد الفجر حتّى تطلع الشمس، وفي أوّل ليلة من الشهر إلّا رمضان أو ليلة النصف منه، وعند الزلزلة والريح الصفراء والسوداء. ويكره مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، وعارياً، وعقيب الاحتلام قبل الغسل، والنظر في فرج المرأة، والكلام بغير الذكر، والعزل عن الحرّة بغير إذنها، وأن يطرق المسافر أهله ليلا. ويحرم الدخول بالزوجة قبل بلوغها تسع سنين.

(مسألة: 3) يجوز للرجل النظر إلى من يريد التزويج بها، وكذا إلى نساء أهل الذمّة، وكذا المتبذّلات اللاتي لا ينتهين إذا نُهِينَ عن التكشّف، وإلى المحارم اللاتي يحرم نكاحهنّ مؤبّداً لنسب أو سبب أو رضاع بشرط عدم التلذّذ في الجميع(2). ويحرم النظر إلى غيرهنّ عدا الوجه والكفّين بغير تلذّذ أيضاً، ومن غير



(1) رأيتُ النصّ في كثير من آداب الجماع المذكورة هنا في المتن.

(2) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «لا يشترط عدم التلذّذ إلى من يريد زواجها». ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) لإطلاق النصوص ما عدا مرسلة عبدالله بن الفضل عن أبيه عن رجل عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: قلت: «أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها، فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يكن متلذّذاً»، ولا حجّيّة فيها. راجع الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 36 من مقدّمات النكاح وآدابه، ص 87 ـ 90. والمرسلة التي ذكرناها هي الرواية الخامسة منها.

443

المحارم اُخت الزوجة والربيبة قبل الدخول باُمّها. وكذا يحرم على المرأة النظر إلىالرجل ممّا يحرم على الرجل النظر إليه منها(1)، وكذا يحرم النظر مع التلذّذ ولو إلى المماثل، وكذا يحرم اللمس من الرجل والمرأة لغير المماثل في غير المحارم، ويجوز النظر واللمس من الرجل للصبيّة غير البالغة، ومن المرأة للصبيّ غير البالغ مع عدم التلذّذ في الجميع، أ مّا مع التلذّذ فإنّه حرام مطلقاً، وكذا يحرم مع التلذّذ ولو إلى الرجل.

(مسألة: 4) يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفّين عن غير الزوج



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «الأقرب: أنّه لا يحرم على المرأة النظر بلا ريبة إلى ما تعارف في كلّ زمان كشفه للرجال كالعنق والرأس». ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) فإنّ الدليل على حرمة نظر النساء إلى الرجال إن كان عبارة عن قوله تعالى ـ في سورة 24 النور، الآية: 30 ـ 31 ـ: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...﴾فبقرينة المقابلة بين غضّ البصر وحفظ الفرج يحتمل ـ على الأقلّ ـ أنّ المقصود هو غضّ النظر عن الفرج وحفظ الفرج عن النظر إليه كما ورد التفسير بذلك في بعض الروايات غير التامّة سنداً. راجع الوسائل، ج 1 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب1 من أحكام الخلوة، ص 300.

وإن كان عبارة عن روايات حرمة نظر النساء إلى الرجال ـ الواردة في الوسائل، ج 20 من نفس الطبعة، ب 129 من مقدّمات النكاح وآدابه، ص 232 ـ وإن كانت جميعاً لا تخلو من ضعف في السند فلا إطلاق لها لما تعارف كشفه عند الرجال كالرأس والرقبة.

وإن كان عبارة عن مجموع تلك الروايات بانضمام المسلّميّة الفقهيّة والإجماع وما شاكل ذلك، أو عبارة عن نفس المسلّميّة الفقهيّة والإجماع وما شاكل ذلك فمن الواضح أنّ المتيقّن من كلّ هذا غير ما تعارف كشفه عند الرجال كالرأس والرقبة.

444

والمحارم، بل يجب عليها ستر الوجه والكفّين عن غير الزوج حتّى المحارم مع تلذّذه(1)، ولا يجب على الرجل الستر مطلقاً.

(مسألة: 5) يجوز سماع صوت الأجنبيّة مع عدم التلذّذ.



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «لا يجب ذلك». ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) فإنّنا بعد أن فرضنا الدليل على استثناء الوجه والكفّين فتخصيصه بفرض عدم التلذّذ من قِبل الرجل بحاجة إلى دليل؛ لإطلاق دليل استثناء الوجه والكفّين.

445

 

الفصل الثاني

 

في الأولياء

إنّما الولاية للأب وإن علا، ووصيّه(1)، والحاكم، فالأب على الصغيرين



(1) الولاية على الصغير والذي لم يبلغ الرشد في الأب تكون بمعنى نفوذ العقد وعدم حقّ الفسخ بعد بلوغهما سنّ التكليف والرشد، وفي غير الأب تكون بمعنى نفوذ العقد ولكن لهما حقّ الفسخ بعد البلوغ والرشد(1).


(1) أمّا عدم حقّ الفسخ في نكاح الأب فلظاهر موثّقة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «سألته عن الصبيّ يزوّج الصبيّة هل يتوارثان؟ قال: إن كان أبواهما هما اللذان زوّجاهما فنعم. قلنا: يجوز طلاق الأب؟ قال: لا». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 33 من مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح 2، ص 80.

وفي السند القاسم بن عروة، ولكن قد وردت رواية الأزديّ عنه وهو أحد الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة. هذا مضافاً إلى ذيل صحيح أبي عبيدة الآتي: «يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية».

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الصبيّ يزوّج الصبيّة؟ قال: إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا فإن رضيا بعد ذلك فإنّ المهر على الأب. قلت له: فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال: لا» ـ الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 8، ص 277 ـ 278 ـ فلابدّ من طرحه؛ إذ لا شكّ في عدم الخيار للصبيّة بعد أن تبلغ نصّاً وفتوىً.

وأمّا إلحاق من بلغ مجنوناً بالصبيّ فيتوقّف على عدم احتمال الفرق عرفاً، أو فرض مسلّميّة عدم الفرق فقهيّاً، أو التمسّك بالحديث الذي فسّر عنوان «الذي بيده عقد النكاح» بالذي يجوز

446

والمجنونين إذا بلغا كذلك، ولا خيار لهما بعد زوال الوصفين(1) إلّا إذا كان العقد حين وقوعه مفسدةً عند العقلاء، فلا يصحّ إلّا بالإجازة بعد البلوغ والعقل(2)، ولا



(1) قد عرفت ثبوت الخيار إذا كان العقد وقع من قِبل وليٍّ غير الأب. نعم، مفروض المتن هو العقد من قِبل الأب، فيصحّ ما ذكره من عدم الخيار.

(2) وإن كان الأحوط استحباباً على تقدير اختيار الردّ ضمّ الطلاق إلى الردّ(1).


أمره في مال المرأة. الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 4 و5، ص 283. وفي سند الحديث إشكال، ولا إشكال في أنّ هذا العنوان يشمل الأب ما لم يبلغ ولده الرشد.

وأمّا خيار الفسخ فيما إذا كان التزويج من قِبل وليٍّ غير الأب، فلصحيح أبي عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين، قال: فقال: النكاح جائز، وأيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا. قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتّى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر. قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال: لا؛ لأنّ لها الخيار إذا أدركت. قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية». الوسائل، ج 26 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من ميراث الأزواج، ح 1، ص 219.

(1) والدليل على أنّه لا يصحّ العقد إلّا بالإجازة بعد البلوغ والعقل موثّق عبيد بن زرارة: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً إن لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ» ـ الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 2، ص 289 ـ بعد التعدّي العرفيّ من البالغة إلى الصغيرة، ومن الجدّ إلى الأب.

447

ولاية له على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة على وجه الاستقلال، عدا البكر فيصحّ عقد الأب لها إذا لم يكن مفسدةً حين وقوعه، وإن كان الأحوط استحباباً(1) اعتبار إذنها، ويكفي في إثباته سكوتها إلّا إذا كانت قرينة على عدم الرضا. وإذا زالت بكارتها بغير الوطء فهي بمنزلة البكر، وكذا إذا زالت بالوطء شبهةً أو زناً على الأظهر(2). وللوصيّ أيضاً ولاية النكاح على المجنون إذا بلغ كذلك واضطرّ إلى التزويج، والأحوط استئذان(3) الحاكم، وكذا على الصبيّ إذا نصّ بها الموصي(4) على قول، وفيه منع، وللحاكم الولاية على المجنون إذا جنّ



(1) لا يترك هذا الاحتياط.

(2) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «بل لا يترك الاحتياط فيهما». ونِعْمَ ما أفاد(1).

(3) لابدّ أن يكون هذا الاحتياط استحبابيّاً(2).

(4) لا فرق بين فرض النصّ أو شمول الإطلاق لذلك، ففي كليهما تتمّ الولاية، وللصغير بعد البلوغ حقّ الفسخ(3).


(1) لأنّ احتمال عدم شمول دليل ولاية الأب لمن زالت بكارتها بالوطء بالشبهة أو الزنا قويّ.

(2) لأنّ الوصيّ وليّ بدليل صحيح أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام): عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: «هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة يبتاع لها ويشتري، فأيّ هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 5، ص 283. نعم، أوضحنا ثبوت الخيار لدى البلوغ والرشد في غير نكاح الأب بصحيح أبي عبيدة. الوسائل، ج 26 بحسب طبعة موسّسة آل البيت، ب 11 من ميراث الأزواج، ح 1، ص 219.

(3) لصحيح أبي عبيدة الذي أشرنا إليه آنفاً.

448

بعد بلوغه مع ضرورته إلى التزويج(1)، وفي ولايته على الصبيّ في ذلك إشكال، والأظهر الجواز أيضاً مع ضرورته إليه(2)، وفي السفيه إشكال أحوطه أن لا ينكح إلّا بإذن الأب(3) إن كان، وإلّا فالحاكم. وإذا كان رشيداً في المال غير رشيد في التزويج فالظاهر أنّه لا ولاية لأحد عليه على وجه الاستقلال، لكن في استقلاله في الولاية على نفسه إشكال، فالأحوط له الاستئذان من الحاكم. ولو زوّج الوليّ(4) الصغيرين توارثا، ولو كان غيره وقف على الإجازة، فإن مات أحدهما قبل البلوغ بطل، وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات اُحلف الثاني(5) بعد بلوغه على انتفاء الطمع إذا احتمل كون إجازته طمعاً في الميراث، فإذا حلف على ذلك ورث، وإلّا فلا.



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «الأحوط وجوباً عدم استقلاله عن الأب أو الجدّ». ونِعْمَ ما أفاد(1).

(2) ومفروضه عدم وجود وليّ آخر من الأب أو الجدّ أو الوصيّ.

(3) أو الجدّ.

(4) إن كان الوليّ هو الأب أو الجدّ فلا إشكال في التوارث، وأمّا إن كان غيرهما وماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما(2).

(5) والتحليف يجب أن يكون من قِبل القاضي الشرعيّ(3).


(1) لقوّة احتمال رجوع ولاية الأب أو الجدّ بالجنون الطارئ ولو بدعوى عدم احتمال العُرف الفرق بين الجنون الثابت من قبل البلوغ والطارئ.

(2) لصحيح أبي عبيدة الذي مضت الإشارة إليه آنفاً.

(3) والوجه في التحليف ليس هو صحيح أبي عبيدة المشار إليه آنفاً ـ لأنّه ورد في تزويج الوليّ ـ وإنّما هو أنّ الإجازة بطمع الإرث لا تكشف عن الرضا الحقيقيّ بالعقد.