146

القدرة على المخالفة القطعيّة بالجمع وعدمها، وهنا ذكر المحقق العراقي (قدّس سرّه): أنـّه بناءً على هذا لا تجري الاُصول؛ لأنّ هذا داخل في باب الشكّ في القدرة، وفي باب الشكّ في القدرة لابدّ من الاحتياط(1).

أقول: هذا الكلام منه (قدّس سرّه) من الغرائب، فإنّ كون الشكّ في القدرة مورداً للاحتياط إنـّما هو بأحد معنيين :

الأوّل: أنـّه إذا شكّ الإنسان في قدرته على الامتثال يجب عليه التصدّي للامتثال والانشغال في هذا الطريق إلى أن يحصل له اليأس، في قبال فرض احتمال عدم القدرة على الامتثال معذِّراً عن هذا العمل.

والثاني: أنـّه إذا شكّ الإنسان في قدرته على العصيان، وأنـّه هل يقدر مثلاً على إطلاق الرصاص بهذه الآلة المخصوصة، فيقتل زيداً أو لا ؟ فليس له أن يصير في طريق إطلاق الرصاص، ويحاول إطلاقه بالضغط على تلك الآلة، ونحو ذلك، في قبال فرض احتمال عدم القدرة على العصيان معذِّراً ومجوِّزاً لمثل هذا العمل الذي يحتمل ترتّب القتل عليه.

وشيء من هذين المعنيين غير مربوط بما نحن فيه: أمـّا الأوّل فواضح، فإنّ المفروض فيما نحن فيه ليس هو عدم القدرة على الامتثال، بل هو قادر على ترك الجميع ليحصل الامتثال القطعي، وإنـّما المفروض هو عدم القدرة على العصيان القطعي.

وأمـّا الثاني فلأنّ العصيان القطعي فيما نحن فيه إنْ صدر منه، فإنـّما يصدر منه بعد أن يزول الشكّ في القدرة وعدمه، وذلك حيث إنـّه يرتكب الأطراف بالتدريج إلى أن يبقى مقدار يرى أنـّه قادر على ارتكابه، لا أن يبقى الشكّ إلى زمان حصول العصيان القطعي؛ لكون ذلك أمراً مترتّباً على عمله قهراً، من دون اطّلاع منه على أنـّه هل سوف يترتّب أو لا، نظير مثال ترتّب القتل على الضغط على آلة الرصاص حتى يقال: إنّ هذا الشكّ مؤمّن أو ليس بمؤمّن .

ثم لو فرض دخول ما نحن فيه في باب الشكّ في القدرة على الامتثال، أو في القدرة على العصيان، فلزوم الاحتياط إنـّما هو حكم ظاهري، وليس حاله حال الحكم الواقعي الذي لم يكن يمكن عقلاً الترخيص في مقابله، فهذا لا يمنع عن جريان الاُصول في الأطراف؛ إذ ليس محذور عقلي في رفع اليد عن هذا الاحتياط،


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من ج 3، ص 335.

147

كما كان محذور عقلي حسب ما يقولون في الترخيص في المخالفة القطعيّة، وهذا الأصل ليس جارياً بلحاظ الشكّ في التكليف من ناحية الشكّ في القدرة على الامتثال، حتى يكون خلف فرض القول بعدم جريان الأصل عند الشكّ في القدرة، وإنـّما يجري بلحاظ الشكّ في التكليف في نفسه في كلّ واحد من الأطراف.

هذا حال ما ذكره المحقق العراقي (قدّس سرّه) في المقام.

وتحقيق الحال فيما نحن فيه: أنّ الشكّ في القدرة على الجمع بين الأطراف يستلزم الشكّ فى المعارضة بين الاُصول؛ إذ لا نعلم أنـّها هل تؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة فتعارض أو لا؟، ومع عدم إحراز المعارضة يكون الجميع حجّة؛ إذ الابتلاء بالمعارض واقعاً من دون وصول المعارضة إلينا لا يُسقط الخبر عن الحجّيّة لنا، وهذا بناءً على كون المقيّد لأدلّة الاُصول، وهو المحذور العقلي عندهم، مقيّداً منفصلاً واضح؛ إذ الظهور في جميع الأطراف منعقد، والشكّ يكون في المعارضة، فلا مانع من حجّيّة هذه الظهورات.

وأمـّا إذا فرض المقيّد متّصلاً فقد يقال: إنّ احتمال المعارضة يوجب احتمال الإجمال؛ لأنـّه على فرض المعارضة يحصل الإجمال.

لكن هذا الكلام لا يتمّ بناءً على التفصيل في باب الإطلاق بين ما يصلح للقرينيّة وما يصلح للمعارضة، بأنّ الأوّل يضر بالإطلاق ومقدّمات الحكمة والثاني لا يضّر بذلك، حيث إنّ مقدمات الحكمة، إنـّما هي عبارة عن كون المولى في مقام البيان، وعدم ذكره لشيء يكون بياناً، أو صالحاً للبيانية، وكلّ ذلك حاصل هنا.

هذا، بقطع النظر عن أنّ الشبهة هنا مصداقية، وإلاّ فالظاهر أنـّه يشكل الأمر، فإنّ إطلاق أدلّة الاُصول قيّد بمخصّص لُبّي بعدم استلزام جريان الاُصول للترخيص في المخالفة القطعيّة، وقد شكّ مصداقاً في هذا الاستلزام وعدمه، فبناءً على أنّ المخصّص متّصل يحصل الإجمال، وبناءً على أنـّه منفصل لا يحصل الإجمال، لكنّه ـ على أيّ حال ـ يلزم من التمسّك بدليل الأصل هنا التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

هذا إذا لم نقل بجواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية في المخصّص اللّبّي منفصلاً، أو مطلقاً، وإلاّ جاز التمسّك هنا إذا كان المخصّص منفصلاً أو مطلقاً.

ولكنْ للمحقق النائيني (قدّس سرّه) أن يقول: بأنّ المخصّص لم يُخرِج من دليل الأصل إلاّ فرض القطع بلزوم المخالفة القطعيّة، وذلك لأحد وجهين :

الوجه الأوّل: أنـّه ذَكَرَ في وجه جريان الأصل في أطراف الشبهة غير

148

المحصورة ما ظاهره: أنّ المخالفة القطعيّة غير مقدورة، فهي غير قبيحة.

ونحن وإن وجّهنا كلامه بأنـّه لعلّ المقصود أنّ المخالفة القطعيّة غير مقدورة، فهي غير مرخّص فيها، فلا يلزم الترخيص في القبيح، لكن الآن نفرض أنّ مقصوده هو ظاهر عبارته، وعندئذ نقول: إنـّه مع الشكّ في القدرة ليست المخالفة القطعيّة قبيحة، لأنّ الحسن والقبح العقليين دائماً يكونان مختصّين بفرض وصول الموضوع وصولاً قطعيّاً، والموضوع هنا -وهو القدرة- غير واصل وصولاً قطعيّاً. نعم، قد يحكم العقل العملي عند الوصول الاحتمالي بحسن آخر أو قبح آخر بملاك الاحتياط(1)، فإن قيل بذلك هنا، فهذا مرجعه إلى كلام المحقق العراقي (قدّس سرّه) من لزوم الاحتياط عند الشكّ في القدرة، وقد عرفت الكلام فيه مُفصّلاً.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ المحذور من جريان الاُصول إنـّما هو لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة، وهذا المحذور غير موجود عند الشكّ في القدرة في المخالفة القطعيّة؛ إذ هذا الشكّ لا يبقى إلى آخر ارتكابه لتمام الأطراف، فلو أجرى الأصل في الأطراف، و اشتغل بارتكابها، فإمـّا أن يظهر له أخيراً عدم القدرة على المخالفة القطعيّة، وعندئذ لم تلزم المخالفة القطعيّة، أو تظهر له أخيراً القدرة على ذلك، وبمجرّد أن يظهر له ذلك يقع التعارض بين الاُصول في الأطراف والتساقط، ولا يجوز له شرب الباقي، فلم تلزم المخالفة القطعيّة أيضاً،

وبكلمة اُخرى نقول: إنـّنانقيّد الأصل في كلّ طرف بفرض الشكّ في إمكان المخالفة القطعيّة، ومع هذا القيد لا تلزم المخالفة القطعيّة؛ إذ لا تتحقّق المخالفة القطعيّة إلاّ بعد زوال الشكّ في إمكانها.

ولا يتعارض إجراء الأصل في كلّ طرف بقيد الشكّ مع الأصل في الطرف الآخر عند عدم الشكّ، وحصول القطع بإمكان المخالفة القطعيّة؛ لأنّ الاُصول في فرض القطع في أنفسها متعارضة ومتساقطة.

لا يقال: إنّ الأصل في كلّ طرف في فرض القطع معارض لشيئين: أحدهما: الأصل في الطرف الآخر مع الشكّ، والآخر: الأصل فيه مع القطع، فهذا حاله حال كلّ دليل يعارض دليلين.

فإنـّه يقال: إنّ مثل ما نحن فيه لا يقع فيه التعارض والتساقط بين الجميع لا فنّاً ولا عرفاً، بخلاف ما لا يكون من قبيل ما نحن فيه.


(1) أو بتوسيع القبح.

149

ونكتة ذلك: أنـّه في سائر الموارد إذا عارض دليل دليلين، فتقديم الأوّل منهما عليه بحجّة أنّ هذا ليس ترجيحاً بلا مرجّح؛ لأنّ ذاك ساقط على أيّ حال بمعارض آخر، بخلاف الدليل الأوّل من الدليلين يرد عليه: أنّ هذا يؤدّي إلى الترجيح بلا مرجح فيما بين الدليلين اللذين عارضاه؛ لأنّ تقديم الأوّل عليه ليس بأولى من تقديم الثاني عليه. إذن فلكي لا نصطدم بمشكلة الترجيح بلا مرجح فيما بين هذين الدليلين يجب أن نقدّمهما معاً على ذاك الدليل، ولكنّنا عندئذ نصطدم بمشكلة الترجيح بلا مرجّح من زاوية أنّ تقديمهما معاً على ذاك الدليل ليس بأولى من تقديم الدليل عليهما معاً، وهذا معنى أنّ دليلاً واحداً قد عارض في المقام مجموع دليلين .

وأمـّا فيما نحن فيه، فهنا وإن عارض شيء شيئين، لكن المعارض لشيئين هنا متعدّد بتعدّد الأطراف، ولا يمكن تقديمه في جميع الأطراف.

ولأجل التوضيح نفترض طرفين، فالأصل في فرض القطع في الطرف الأوّل يعارض شيئين وهما: الأصل في الطرف الثاني في فرض القطع، والأصل فيه في فرض الشكّ، والأصل في فرض القطع في الطرف الثاني ـ أيضاً ـ يعارض شيئين، وهما : الأصل في الطرف الأوّل في فرض القطع، والأصل فيه في فرض الشكّ، وتقديم الأصل ـ في فرض الشكّ ـ في الطرف الأوّل مثلاً على الأصل ـ في فرض القطع ـ في الطرف الثاني بحجّة سقوطه بمعارض آخر، ليس مبتلى بمشكلة الترجيح بلا مرجّح فيما بينه وبين الأصل ـ في فرض القطع ـ في الطرف الأوّل؛ لأنّ حفظ الأصل في الطرف الأوّل ـ على تقدير القطع ـ عن السقوط مبتلى بمشكلة تخصّه، أي مشكلة لا توجد في حفظ الأصل فيه على تقدير الشكّ، وتلك هي أنّ حفظ الأصل في الطرف الأوّل ـ على تقدير القطع ـ عن السقوط لايعني تقديمه على الأصل في الطرف الثاني ـ على تقدير القطع ـ فحسب، بل يعني إضافة إلى ذلك تقديمه على الأصل في الطرف الثاني، على تقدير الشكّ، في حين أنّ تقديمه عليه ليس بأولى من تقديم الأصل في الطرف الثاني ـ على تقدير القطع ـ على الأصل في الطرف الأوّل، ـ على تقدير الشكّ ـ ، وهذا يعني مشكلة الترجيح بلا مرجّح فيما بين الأصلين في الطرفين على تقديري القطع، وهذه المشكلة غير موجودة في الأصل في كلّ من الطرفين على تقدير الشكّ؛ لأنّ بالإمكان تقديم كلا الأصلين على تقديري الشكّ كلّ على ما يعارضه، فلا يلزم بينهما الترجيح بلا مرجح، وتمام النكتة في ذلك: أنّ الأصلين على تقديري الشكّ ليسا متعارضين، في حين أنّ الأصلين على تقديري القطع متعارضان.

150

 

 

 

انحلال العلم الإجمالي

 

التنبيه الرابع: في انحلال العلم الإجماليّ، وذلك: إمـّا بعلم وجداني آخر تفصيلي، أو إجمالي أصغر، وإمـّا بحجّة شرعية أو عقلية:

أمـّا الانحلال بالعلم الوجداني انحلالاً حقيقياً أو حكمياً، فقد مضى البحث عنه مُفصّلاً لدى حديثنا مع الأخباريين في وجوب الاحتياط في الشبهات وعدمه، فلا نعيده.

ونشير هنا إلى ما هو المختار الذي نقّحناه هناك: فبالنسبة للانحلال الحقيقي فصّلنا بين ما إذا كانت نسبته سبب العلم الإجماليّ إلى الأطراف على حدّ سواء، كما في تراكم احتمالات الأطراف، أو البرهان على عدم اجتماع أمرين، فيثبت الانحلال، وما إذا لم تكن نسبته إليها على حدّ سواء، فلا يثبت الانحلال.

وحيث يتمّ الانحلال الحقيقي يشترط فيه عدم تأخّر المعلوم التفصيلي عن المعلوم الإجماليّ على ما مضى بحثه.

وبالنسبة للانحلال الحكمي قد قلنا هناك: إنـّه بلحاظ الأصل الشرعي يثبت الانحلال؛ إذ لا معارض للأصل في الطرف غير المعلوم تفصيلاً، وأمـّا بلحاظ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) فقد مضى أيضاً: أنـّه إن بني على أنّ العلم الإجماليّ ينجّز الواقع ولو بمقدار إضافته إلى الجامع، تعقل دعوى تنجيز العلم الإجماليّ في المقام، وإن بني على أنـّه ينجّز الجامع لا يكون للعلم الإجماليّ أثر زائد، إذ ما عدا الواحد داخل تحت التأمين، وواحد معيّن منجّز بالعلم الإجماليّ التفصيلي.

هذا. والمتعيّن بناءً على القول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) حرفياً هو الأخير، لعدم تماميّة البيان بأزيد من مقدار الجامع، فلابدّ من الانحلال.

وأمـّانحن فحيث ننكر قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، فلا ثمرة لنا في البحث عن الانحلال الحكمي بقطع النظر عن الأصل الشرعي؛ إذ لو وجد أصل شرعي بلا معارض، قلنا بالانحلال ولو بلحاظ هذا الأصل الشرعي، وإلاّ فإنّ نفس الاحتمال في الطرف الآخر يكفي للتنجيز.

151

ويشترط في الانحلال الحكمي عدم تأخّر العلم التفصيلي عن العلم الإجماليّ، زائداً على عدم تأخّر المعلوم التفصيلي عن المعلوم الإجماليّ على ما مضى بحثه هناك.

وأمـّا الانحلال بالحجّة شرعاً أو عقلاً فلا مورد للانحلال الحقيقي بذلك؛ إذ لم يحصل علم بالحكم في أحد الطرفين معيّناً، فالعلم بالحكم في أحدهما إجمالاً باق على حاله لا محالة، وقد وقعت المحاولة لإثبات الانحلال الحقيقي تعبداً إذا كانت الحجّة شرعية، ومجعولة بعنوان جعل الطريقيّة والعلم، وقد ذكرناها مع مناقشتها ـ أيضاً ـ في ذلك المبحث، فلا نعيد.

وأمّا الانحلال الحكمي، فتارة تكون تلك الحجّة التي يتكلّم في انحلال العلم الإجماليّ بها حكماً عبارة عن أصالة الاشتغال الناشئة عن علم إجمالي آخر، كما لو علم إجمالاً بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، ثم علم إجمالاً بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر، فقد يقال بانحلال الثاني لتنجيز أحد طرفيه بالعلم الأوّل، واُخرى تكون تلك الحجّة غير ذلك: أمـّا الأوّل فهو ما سوف نعقد له -إن شاء الله- تنبيهاً مستقلاً في العلاقات بين العلوم الإجمالية لوجود نكات تخصّ ذلك. وأمـّا الثاني فإن كانت تلك الحجّة ممّا يثبت لوازمه، بأن كانت أمارة، وكان من لازمها عدم التكليف في الطرف الآخر، كما لو علمنا بانحصار التكليف في واحد، أو كانت الأمارة بصدد تعيين المعلوم بالإجمال، كما لو علمنا بنجاسة إناء زيد، ودلّت الأمارة على أنّ إناء زيد هو هذا، فننفي بلازمها ثبوت التكليف المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر، فالعلم الإجماليّ ينحلّ بنفس هذه الحجّة؛ لنفيها للتكليف في الطرف الآخر.

وأمـّا إنْ لم يكن الأمر كذلك، فينحلّ العلم الإجماليّ بالنظر إلى الاُصول الشرعية، على تحقيق وتفصيل مضى في التنبيه الثاني.

وأمـّا بالنظر إلى قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، فلا يحصل انحلال كامل، وتوضيحه: أنـّه لو اجتنب الإناء الذي أصبح مورداً للحجّة المثبتة العقلية، أو الشرعية، وشرب الإناء الآخر، فليس عليه شيء؛ إذ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) لا معارض لها، والعلم الإجماليّ لم ينجّز أكثر من الجامع، والزائد على الواحد داخل تحت التأمين، لكن إذا شرب كلا الإنائين فهو أشّد حالاً من أن يشرب فقط الإناء الذي هو مورد للحجّة المثبتة؛ وذلك لأنّ منجّزيّة العلم أشدّ من منجّزيّة الحجّة غير العلم، ومخالفة العلم أقبح من مخالفة الحجّة، فالعلم الإجماليّ وإن كان تنحلّ هنا درجةٌ من

152

منجّزيّته، لكنّ درجة اُخرى من المنجّزيّة باقية على حالها مؤثّرة بلحاظ المخالفة القطعيّة(1).

وعلى أيّة حال، فالانحلال بالحجّة غير العلم ـ مهما كان ـ يكون انحلالاً حكمياً، فيلحقه حكمه من اشتراط عدم تأخّر هذا المنجِّز عن العلم الإجماليّ، زائداً عدم تأخّر الحكم الذي يتنجّز به عن المعلوم بالإجمال.

وأمـّا ما ذهب إليه المحقّق العراقي (قدّس سرّه) في المقام(2): من أنّ وجود حجّة منجّزة في أحد الطرفين يوجب الانحلال الحكمي، فيجري الأصل في الطرف الآخر، مع أنـّه (قدّس سرّه) قائل بالعلّيّة التامّة، ففي غير محلّه، فإنـّه بناءً على كون العلم الإجماليّ منجّزاً للواقع، كما هو المفروض عنده ـ ولأجل هذا أمكنه دعوى العلّيّة التامّة ـ لا وجه لانحلال العلم بمجّرد وجود المنجّز في أحد الطرفين، عدا ما ذكره (قدّس سرّه): من أنّ العلم الإجماليّ إنـّما ينجّز التكليف إذا كان قابلاً للتنجيز على كلا التقديرين، وهنا ليس كذلك؛ لأنّ الطرف المنجّز لا يقبل التنجيز مرّة اُخرى، وهذا ما أوضحنا بطلانه في بحثنا مع الأخباريين في أصالة الاحتياط، فالانحلال يتوقّف على منع العلّيّة التامّة، وجريان الأصل الشرعي المؤمّن في الطرف الآخر، حتى يسقط الواقع عن تنجّزه بمرتبة الموافقة القطعيّة.

نعم، بناءً على أنّ العلم الإجمالي لا ينجّز إلاّ الجامع يتوجّه الانحلال بوجود المنجّز في أحد الطرفين، بالتفصيل الذي عرفتَ .


(1) بل يأتي نفس هذا البيان ـ أيضاً ـ في فرض حلّ العلم الإجماليّ بالأصل النافي الشرعي في الطرف الثاني، بعد قيام الحجّة على الالزام في الطرف الأوّل، بناءً على علّيّة العلم الإجماليّ لحرمة المخالفة القطعيّة.

(2) راجع المقالات:ج 2، ص 66-67، ونهاية الافكار:القسم الثاني من ج 3، ص251-252.

153

 

 

 

تداخل العلمين في بعض الأطراف

 

التنبيه الخامس: في علاقات العلوم الإجمالية بعضها مع بعض حينما تكون النسبة بين أطراف العلمين عموماً من وجه، أي: أنـّهما يشتركان في بعض الأطراف.

فبالإمكان أنْ يقال: إنـّه إذا تنجّز بعض الأطراف بأصالة الاشتغال بلحاظ علم إجمالي، فهذا يوجب انحلال العلم الإجماليّ الثاني، كما قد يقال في مورد أصالة الاشتغال الثابتة بلحاظ علم تفصيلي في أحد طرفي العلم الإجماليّ: بانحلال العلم الإجماليّ، من قبيل ما لو علم إجمالاً بأنـّه إمـّا لم يُصَلِّ صلاة الوقت الحاضر، أو فاتته صلاة الوقت الماضي، فإنّ صلاة الوقت الحاضر مورد لأصالة الاشتغال بلحاظ العلم التفصيلي بوجوبها، حيث إنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراع اليقيني، وليس في المورد أصل مؤمّن.

أمّا الكلام في الأمر الثاني -وهو انحلال العلم الإجماليّ في مورد جريان أصالة الاشتغال في أحد الطرفين بلحاظ العلم التفصيلي- فقد ظهر حاله ممّا مضى، ولم نعقد هذا التنبيه لتفصيل الكلام فيه.

إلاّ أنّ خلاصة الكلام فيه هي: أنـّه تارة يفترض أنّ مورد أصالة الاشتغال لم يكن مجرى لأصل مؤمّن في نفسه، كما في المثال المذكور، وعندئذ يجري الأصل المؤمّن في الطرف الآخر بلا معارض، وينحلّ العلم الإجماليّ بذلك.

واُخرى يفترض: أنّ مورد أصالة الاشتغال كان في نفسه مجرى لاُصول مؤمّنة سواء فرضت طولية أو عرضية.

وعندئذ إنْ فرض بعض تلك الاُصول مسانخاً للأصل الجاري في الطرف الآخر، وبعضه غير مسانخ له، جرى الأصل غير المسانخ بلا معارض، وانحلّ العلم الإجماليّ بذلك.

وإن لم يكن كذلك، بأن كانت كلّ تلك الاُصول مسانخة للأصل الجاري في الطرف الآخر، أو كانت كلّها غير مسانخة له، لم يجرِ الأصل، ولم ينحلّ العلم الإجماليّ:

154

مثال الأوّل: أعني فرض كون بعض تلك الاُصول مسانخاً لذاك الأصل وبعضها غير مسانخ ـ : ما لو علم إجمالاً بوقوع خلل في إحدى صلاتين؛ إحداهما حاضرة، والاُخرى فائتة، وكانت تجري في كلّ واحدة منهما قاعدة الفراغ، فتتعارض القاعدتان، ونرجع بالنسبة للصلاة الحاضرة إلى أصالة الاشتغال، وبالنسبة للصلاة الفائتة إلى الأصل غير المتسانخ، ولنفرضه أصالة البراءة عن القضاء مثلاً.

ومثال الثاني: ما لو صلّى صلاة الوقت الحاضر بالطهارة الاستصحابية عن الحدث، ثم علم إجمالاً بأنـّه إمـّا لم يكن طاهراً عند صلاته في الوقت الحاضر، أو أنّ صلاة الوقت الماضي كان فيها خلل، فهنايقول الأصحاب: إنـّه بعد تعارض الاستصحاب في هذه الصلاة، وقاعدة الفراغ في الصلاة الماضية، يرجع إلى أصالة الاشتغال في هذه الصلاة، والبراءة عن القضاء في الصلاة الماضية، لكن الصحيح سقوط هذه البراءة أيضاً بالتعارض، كما يظهر وجهه من مراجعة التنبيه الثاني.

هذا، والأصحاب يقولون في جميع هذه الفروض الثلاثة بالانحلال، ويختلفون في وجه الانحلال حسب اختلافهم في وجه الانحلال الحكمي بشكل عامّ، فوجه الانحلال الحكمي بشكل عامّ عند المحقّق العراقي (قدّس سرّه) هو أنـّه إذا وجد منجّز في أحد طرفي العلم الإجماليّ فقد تنجّز به، فالمعلوم بالإجمال على تقدير كونه في هذا الطرف لا يقبل التنجيز بالعلم الإجماليّ؛ إذ هو منجَّز بذاك المنجِّز، ويشترط في منجّزيّة العلم الإجماليّ كون المعلوم بالإجمال قابلاً للتنجز به على كلّ تقدير، فهذا الوجه العامّ طبّقه في المقام أيضاً، وقد مضت منّا فيما سبق مناقشة هذا الوجه.

ووجه الانحلال الحكمي بشكل عامّ عند مدرسة المحقّق النائيني (قدّس سرّه) هو أنّ قوام تنجيز العلم الإجماليّ يكون بتعارض الاُصول، فإذا كان أحد الطرفين مجرى لمنجِّز، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، فيطبّق هذا الوجه في المقام أيضاً، وتحقيق هذا الوجه يظهر بمراجعة التنبية الثاني.

والنتيجة: هي التفصيل بين الفروض الثلاثة بالنحو الذي عرفت.

وأمـّا الكلام في الأمر الأوّل، وهو أنـّه إذا كان أحد أطراف العلم الإجماليّ طرفاً لعلم إجمالي آخر، فهل يوجب هذا انحلاله حكماً بتنجّز أحد أطرافه، أو حقيقةً بواسطة طرفيّة ذاك الطرف لعلم إجماليّ آخر أو لا ؟

فنقول: إن فرض أنّ العلمين متقارنان معلوماً وعلماً، فلا إشكال في عدم

155

انحلال أحدهما بالآخر، كما لو علم بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، وعلم ـ أيضاً ـ في نفس الوقت بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر في نفس زمان المعلوم الأوّل، فإنّ العلمين عندئذ في عرض واحد، ونسبتهما إلى أطرافهما على حدّ سواء، فلا معنى لانحلال أحدهما بالآخر، وإن شئت فقل: إنّ لدينا علماً واحداً، أو يمكن أن يعبّر عن العلمين بعلم واحد، بنجاسة الإناء الأسود أو الانائين الآخرين، ولا إشكال في منجّزيّته، فهذا من قبيل ما لو علم ابتداءً بأنـّه إمـّا الإناء الأسود نجس، أو الإناءان الآخران نجسان.

وأمـّا إذا فرض أحد العلمين مُقدّماً على الآخر معلوما أو علماً، فهنا نظريات ثلاث:

الاُولى: انحلال ما هو متأخّر معلوماً بما هو متقدّم معلوماً، وهو ما قال به المحقق النائيني (قدّس سرّه)(1).

الثانية: انحلال ما هو متأخّر علماً بما هو متقدّم علماً، من دون أثر للتقدّم المعلومي وتأخّره، وأظنّ قويّاً أنّ هذا ما قال به السيّد الاُستاذ، وإن كان الموجود في الدراسات هي النظرية الاُولى(2).

الثالثة: إنكار الانحلال رأساً في جميع الفروض، وهو التحقيق كما يظهر من خلال الكلام.

أمـّا النظرية الاُولى، فمثّل المحقق النائيني (قدّس سرّه) في مقام بيانها أوّلاً بمثال فرض فيه أحد العلمين مقدّماً على الآخر معلوماً وعلماً؛ ليكون الانحلال فيه أوضح، ويساعد على توضيح المطلب، ثم أفرز تقدّم العلم عن تقدم المعلوم، وعمّم مدّعاه وبرهانه. ونحن نتّبعه في ذلك في مقام بيان مقصوده، ونأتي أوّلاً بالمثال الأوّل، أعني: مثال تقدّم العلم والمعلوم معاً، فنقول: إذا علم إجمالاً في أوّل الظهر، بوقوع قطرة دم في الإناء الأبيض أو الأسود، وبعد مضيّ ساعتين مثلاً علم بأنـّه وقعت الآن قطرة من الدم، إمـّا في الإناء الأسود أو الأحمر، فهذا العلم الإجماليّ الثاني لا ينجّز شيئاً في المقام، لأنـّه ليس علماً بالتكليف على كلّ تقدير، بل علم بشيء على بعض التقادير يكون تكليفاً، وعلى بعض التقادير لا يكون تكليفاً، فإنـّه


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 13-14، واجود التقريرات: ج 2 ص 248- 249.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 237، والمصباح: ج 2، ص 366.

156

على تقدير وقوع القطرة في الإناء الأحمر، أو في الإناء الأسود، مع فرض كون النجس الأوّل هو الأبيض لا الأسود، قد ولّدت القطرة في المقام تكليفاً، لكن على تقدير وقوعها في الأسود، مع كونه هو النجس الأوّل لم تولّد تكليفاً، فليس لنا علم إجمالي بالتكليف، والمنجّز ليس هو مطلق العلم الإجماليّ، وإنـّما هو العلم الإجماليّ بالتكليف، ففي عالم التكليف يكون العلم الإجماليّ في المقام منحلاّ حقيقة.

ثم نأتي إلى صورة إفراز تقدّم العلم عن تقدّم المعلوم، كما لو فرضنا أنـّه علم إجمالاً بعد ساعتين من الظهر بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر من الآن، ثمّ بعد ساعة اُخرى علم بأنـّه من أوّل الظهر كان الإناء الأسود أو الأبيض نجساً، فهنا نقول: إنّ العلم بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر، حينما حصل كان علماً بالتكليف، وكان منجّزاً، لكن بعد حصول العلم بنجاسة الإناء الأسود أو الأبيض سقط ذلك العلم عن التنجيز؛ لأنـّه خرج بقاءً عن كونه علماً بالتكليف؛ لأنـّنا عرفنا الآن أنّ القطرة الواقعة بعد ساعتين من الظهر ـ على تقدير وقوعها في الإناء الأسود ـ لم تؤثّر شيئاً في كونه هو النجس من أوّل الظهر، والعلم الإجماليّ إنـّما يكون منجِّزاً ما دام هو علماً بالتكليف، وإذا خرج عن كونه علماً بالتكليف سقط عن المنجّزية.

وقد ظهر بما ذكر أنّ فرض كون العلم الإجماليّ الثاني متعلّقاً بتكليف آخر من غير سنخ التكليف الأوّل الذي لا يتكرر، خارج عن كلام المحقّق النائيني (رحمه الله)، ولا يقول فيه بالانحلال، فلو علم أوّلاً بنجاسة أحدهما، ثمّ علم بأنـّه أصبح الآن أحدهما ملكاً لشخص آخر، وحرم شربه من باب حرمة شرب مال الغير، فهنا لا ينحلّ العلم الثاني بالعلم الأوّل؛ لأنـّه علم بتكليف جديد غير التكليف الأوّل، إذ حرمة الغصب حرمة اُخرى، غير حرمة شرب النجس، فهو يعلم بالتكليف على جميع التقادير، حتّى على تقدير كون المغصوب هو الإناء الأسود، مع كونه هو النجس من أوّل الأمر، فإنـّه ـ عندئذ ـ يحرم بحرمة اُخرى، غاية الأمر أنـّه تتجلّى هذه الحرمة في لباس التاكّد.

هذا تمام الكلام في ذكر مقصود المحقّق النائيني (قدّس سرّه).

أقول: إنّ هذا الكلام لا يرجع إلى محصّل في المقام، فلو علم من أوّل الظهر بوقوع الدم في أحد الإنائين: الأبيض أو الأسود، ثمّ علم بعد ساعتين بوقوع قطرة اُخرى من الدم الآن في الأسود أو الأحمر، فماذا يقصد المحقّق النائيني (قدّس سرّه) بعدم كون العلم الثاني علماً بالتلكيف؟

157

إن كان يقصد بذلك أنـّنا لا نعلم بكون هذه القطرة الثانية سبباً للتكليف، فهذا صحيح؛ إذ على تقدير وقوعها في الإناء الأسود، مع كونه نجساً من أوّل الامر ليست سبباً للتكليف، لكنْ لا يشترط في حصول العلم بالتلكيف حصول العلم بكون هذه القطرة سبباً للتكليف، بل حصول العلم بكونها ملازمة للتكليف ـ أيضاً ـ يساوق العلم بالتكليف، ولا إشكال في أنـّنا نعلم بأنّ هذه القطرة ملازمة للتكليف على كلّ تقدير، فإنـّها إمّا واقعة في إناء نجس في نفسه نكون مكلفين بالاجتناب عنه، أو في إناء طاهر في نفسه، فأوجبت تكليفاً بالاجتناب عنه. ولو اشترط في التنجيز حصول العلم بالسببية، للزم الانحلال حتّى بشكّ بدوي، فلو احتمل بدواً نجاسة الإناء الأسود، ثمّ علم إجمالاً بوقوع القطرة في الإناء الأسود أو الأحمر، لا يكون هذا منجّزاً؛ إذ لا نعلم بكون القطرة سبباً للتكليف؛ لأنـّها على تقدير وقوعها في الإناء الأسود، وكونه نجساً من قبل، لا يؤثّر شيئاً. وهذا كما ترى.

وأمـّا إنْ اعترف بحصول العلم بعد ساعتين من الظهر بما يلازم التكليف المساوق للعلم بالتكليف، لكن كان مقصوده أنـّه لم يحصل العلم بحدوث تكليف، فهذا ـ أيضاً ـ صحيح؛ إذ على تقدير وقوع القطرة فيما كان نجساً من قبل، لم يحدث تكليف جديد، لكن لا يشترط في تنجيز العلم الإجماليّ كونه علماً بتكليف حادث.

وهكذا الحال لو كان مقصوده أنـّه ليس هذا علماً بتكليف آخر غير التكليف الأوّل، ونحو ذلك من العناوين، فإنّ المنجّز إنـّما هو العلم بالتكليف بلا حاجة إلى أيّ واحد من هذه العناوين، كعنوان الآخر أو الحادث، أو نحو ذلك، بل يكفي العلم بأصل التكليف، سواء كان حدوثياً أو بقائياً، ولا إشكال في أنـّه بوقوع القطرة الثانية حصل لنا علم بثبوت التكليف: إمـّا بالاجتناب عن الإناء الأسود، أو بالاجتناب عن الإناء الأحمر، غاية الأمر أنـّه يحتمل كون هذا التكليف بقائياً، كما هو الحال ـ أيضاً ـ في المثال الذي ذكرناه من فرض الشكّ البدوي في نجاسة الإناء الأسود، والعلم الإجماليّ بوقوع قطرة بعد ذلك فيه أو في الأحمر؛ إذ التكليف على تقدير وقوعها في الأسود وكونه نجساً من قبل بقائي لا محالة(1).


(1) وكذلك لو كان مقصوده (رحمه الله) أنّ هذا العلم ليس علماً بتكليف آخر، غير التكليف الأوّل، ونحو ذلك من العناوين، قلنا: إنّ المنجّز إنـّما هو العلم بالتكليف، بلا حاجة إلى فرض تعلّق العلم بأيّ واحد من هذه العناوين، كعنوان الآخر أو الحادث أو نحو ذلك.

158

وأمـّا النظرية الثانية، وهي النظرية القائلة: بأنّ الميزان في الانحلال هو تقدّم أحد العلمين بنفسه، فالمدّعى في هذه النظرية: هو أنّ منجّز أحد أطراف العلم الإجماليّ بعلم إجمالي سابق يوجب انحلال العلم الإجماليّ المتأخّر، سواء كان بمعلومه ـ أيضاً ـ متأخّراً أو لا، مثلاً إذا علم في أوّل الظهر بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، ثمّ علم في أوّل الغروب بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر، سواء كان علماً بالنجاسة من الآن، أو من أوّل الظهر مثلاً، فالعلم الإجماليّ الثاني منحلّ بتنجيز أحد طرفيه من قبل، ومن المعلوم أنّ المدّعى هنا ليس هو الانحلال الحقيقي؛ إذ لا معنى لدعوى الانحلال الحقيقي للعلم الإجماليّ بمجرّد تنجّز أحد طرفيه بعلم إجمالي آخر، وإنـّما المدّعى هو الانحلال الحكمي.

وقد عرفت أنـّه في الانحلال الحكمي يوجد على العموم مسلكان:

أحدهما: مسلك المحقق العراقي (قدّس سرّه): من أنـّه مع تنجّز أحد الطرفين بمنجِّز آخر لا يقبل المعلوم بالإجمال التنجيز بالعلم الإجماليّ على كلّ تقدير، فلا يمكن تأثير العلم الإجماليّ.

والآخر: نظرية مدرسة المحقّق النائيني (قدّس سرّه) : من أنـّه عند تنجز أحد الأطراف لا تتعارض الاُصول، ففي ما نحن فيه يجب أن يكون ما قد يتوهّم من الانحلال على أحد هذين المسلكين:

أمـّا الانحلال على أساس المسلك الأوّل، فيمكن أن يتوهّم في المقام بلحاظ أنّ أحد الطرفين قد تنجّز من السابق بالعلم الأوّل، فلا يقبل التنجّز ثانياً، فلا يكون المعلوم بالعلم الثاني قابلاً للتنجّز به على كلّ تقدير، فيسقط العلم عن التأثير.

لكن التحقيق بعد غضّ النظر عن بطلان هذا المسلك في نفسه: أنـّه غير قابل للتطبيق على ما نحن فيه؛ وذلك لأنّ العلم الإجماليّ في كلّ آن إنـّما يؤثّر التنجيز بوجوده في ذلك الآن، ولا يكون وجوده في الآن الأوّل مؤثّراً للتنجيز في الآن الثاني، ففي وقت الغروب قد اجتمع على الإناء الأسود منجّزان في عرض واحد: أحدهما: العلم الإجماليّ الأوّل بوجوده البقائي، والآخر: العلم الإجماليّ الثاني بوجوده الحدوثي، وليس أحدهما قبل الآخر حتّى يرجَّح في تأثيره على الآخر، فيصبح مجموعهما منجّزاً واحداً لهذا الإناء الأسود، فكأنّ فكرة الانحلال على هذا الأساس مبنيّة على تخيّل أنّ العلم السابق بوجوده الابتدائي نجّز هذا الإناء، فهو منجّز بمنجِّز سابق. وأمـّا توهّم الانحلال على هذا الأساس عند وجود منجِّز تفصيلي في أحد

159

الطرفين فهو بإعتبار ركاكة أن يقال: إنّ الذي أثّر هو المنجِّز بالحدّ الإجماليّ دون المنجِّز بالحدّ التفصيلي مثلاً، أو يقال بكلمة اخرى: إنّ العقلاء الذين هم المدركون لمسألة التنجيز والتعذير وخصوصيّاتهما يأبون عن تقديم منجِّز الحدّ الإجماليّ، على منجِّز الحدّ التفصيلي، دون العكس، فيوثّر هذا المنجّز، ولا يبقى مجال لتأثير ذاك المنجّز.

وهذا البيان -كما ترى- على فرض تماميته في نفسه لا يأتي في المقام، فإنـّه يوجد في المقام منجّزان إجماليّان في عرض واحد(1).

 


(1) لا يخفى أنّ المحقّق العراقي (رحمه الله) لا يقول في مورد تعلّق علم تفصيلي بأحد طرفي العلم الإجماليّ بالانحلال الحكمي، بنكتة تقديم تأثير العلم التفصيلي في التنجيز على تاثير العلم الإجماليّ فيه، وإنـّما يقول بذلك بنكتة أنّ العلم الإجماليّ والتفصيلي لا يمكن أن يبقيا علّتين تامّتين للتنجيز، وإلاّ لزم اجتماع علّتين على معلول واحد في متعلّق العلم التفصيلي، فيتحوّل كلّ منهما إلى جزء علّة، ويكون المجموع علّة واحدة للتنجيز، وبهذا يسقط التنجيز في الطرف الآخر، لأنـّه اختصّ بأحد جزئي العلّة.

وقد يقال: إنّ نظير هذا البيان يأتي فيما نحن فيه أيضاً، فكلّ من العلمين الإجماليين المتداخلين في أحد الطرفين - سواء فرضنا أحدهما متقدّماً زماناً، أو فرضناهما متعاصرين- يصبح جزء علّة في تنجيز الطرف المشترك؛ لاستحالة اجتماع علّتين على معلول واحد، ويسقط التنجيز في الطرفين الآخرين؛ لاختصاص كلّ واحد منهما بأحد جزئي العلّة.

وقد يجاب عن ذلك: بأنـّه فيما نحن فيه قد تكوّن في الحقيقة العلم الإجماليّ: إمـّا بنجاسة الطرف المشترك، أو بنجاسة الطرفين الآخرين، وهذا العلم هو المنجّز لكلّ الأطراف.

وقد يورد على ذلك: بأنّ هذا العلم الإجماليّ الثالث مع العلمين الأوّلين تشترك جميعاً في التنجيز، ويصبح كلّ منها جزء علّة للتنجيز في الطرف المشترك، ويبقى الطرفان الآخران بلا تنجيز؛ لأنّ كلاّ منهما اختصّ بجزئي العلّة من بين أجزاء ثلاثة للعلّة.

وقد يجاب عن ذلك: بأنّ العلمين الآخرين مندكّان في العلم الثالث، ولا توجد في الحقيقة علوم ثلاثة، وإنـّما العلمان الآخران كلّ منهما جزء تحليلي من العلم الثالث.

وقد يورد على ذلك: بأنـّه لِمَ لا تقولون بمثل هذا في مورد العلم الإجماليّ مع تعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفيه، بأنّ يقال: إنّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين مع العلم التفصيلي

160


بنجاسة الأوّل منهما يرجعان بروحهما إلى العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر، أي: العلم بنجاسة الأوّل أو نجاستهما معاً، وربما أنـّهما غير ارتباطيين. هذا عين الانحلال الحقيقي الذي أنكره المحقق العراقي، فعليه: إمـّا أنْ يعترف بالانحلال الحقيقي في مورد تعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجماليّ، أو أنْ لا يقول في المقام باندكاك العلمين في علم ثالث، ويقول بالانحلال الحكمي فيه بلحاظ الطرفين غير المشتركين.

إلاّ أنّ الواقع: أنّ هذا النقض غير وارد على المحقق العراقي، فإنـّه إنـّما يقول (رحمه الله) بعدم الانحلال في مورد تعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجماليّ، ببرهان أنّ احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر لا زال موجوداً، وطبعاً هذا الاحتمال ليس مندكّاً في طرف العلم التفصيلي وموجوداً في أحشائه، وكذلك لو ارجعناه إلى الأقلّ والأكثر، فاحتمال الأكثر ليس مندكّاً ضمن احتمال الأقلّ، وموجوداً في أحشائه. وأمـّا في المقام، فاحتمال انطباق الجامع المعلوم في كلا العلمين الأوّلين على الطرف غير المشترك، موجود ضمن احتمال انطباق الجامع المعلوم في العلم الثالث على الطرفين غير المشتركين، ومندكّ فيه، فدعوى اندكاك العلمين الأوّلين في الثالث ـ فيما نحن فيه ـ لا تلازم دعوى الانحلال في مورد تعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجماليّ.

وهذا البيان يأتي حتّى لو لم نبنِ على برهنة المحقّق العراقي على عدم الانحلال باحتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر، بأن اخترنا برهاناً آخر على عدم الانحلال؛ وذلك لأنّ احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر ـ على أيّ حال ـ شرط في عدم الانحلال، فقد يقول منكر الانحلال هناك ومدّعي اندكاك العلمين في الثالث هنا: إنّ الفرق هو أنّ احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر لم يكن موجوداً في احشاء العلم التفصيلي، أو احتمال الأقلّ، وثابتاً ضمنه، في حين أنّ احتمال انطباق الجامع في المقام في العلمين الأوّلين على الطرف غير المشترك موجود في احشاءه احتمال انطباق الجامع في العلم الثالث على الطرفين غير المشتركين، ويكون كلّ منهما جزءاً منه، ولهذا قلنا هنا بالاندكاك، ولم نقل هناك بالانحلال.

ثمّ إنّ المستفاد من كلام المحقّق العراقي (رحمه الله) في نهاية الأفكار: أنّ الوجه في عدم انحلال العلم الإجماليّ الثاني انحلالاً حكمياً بالعلم الإجماليّ الأوّل، هو أنّ العلم الإجماليّ الأوّل وإن كان سابقاً زماناً، لكنّ تأثيره في التنجيز في كلّ آن إنـّما هو بوجوده في ذاك الآن، فهما في

161

هذا، والمحقّق العراقي (قدّس سرّه) بنفسه اعترف بعدم تأتّي نظرية الانحلال هنا(1).

وأمـّا الانحلال على أساس المسلك الثاني، فقد يتوهّم ـ أيضاً ـ في المقام بلحاظ أنّ الإناء الأسود ليس مورداً للأصل؛ لتساقط أصله مع أصل الإناء الأبيض من قبل، فحينما يوجد العلم الثاني يكون الأصل في الإناء الأحمر خالياً عن المعارض.

وهذا قد انقدح جوابه ممّا ذكرناه بالنسبة للمسلك الأوّل، فهنا ـ أيضاً ـ نقول:


المقام بمنزلة العلمين المتعاصرين.

نعم، لو كنّا نفترض أنّ العلم الأوّل بوجوده الحدوثي، يوجب التنجيز إلى الأبد، لتمّ الانحلال في المقام؛ لأنّ أحد الطرفين قد تنجّز بالعلم السابق، فيبقى الطرف الآخر بلا منجّز.

أقول: إنّ توجيه هذا الكلام ـ وهو الانحلال على تقدير كفاية العلم الأوّل للتنجيز إلى الأبد ـ يكون بأنْ يقال: إنّ العلم الأوّل، وإن كان في قطعته الوجودية المعاصرة للعلم الثاني مندكّاً هو والعلم الثاني في علم ثالث، وهو العلم بنجاسة الثاني أو الأوّل والثالث، وهذا العلم يقتضي تنجيز كل الأطراف، ولكنّه في قطعته الوجودية السابقة ليس مندكّاً في العلم الثالث، لعدم معاصرته إيّاه، فلو فرضنا كفاية تلك القطعة الوجودية للتنجيز إلى الأبد، فإمّا أن يكون معنى ذلك أنّ ما تنجّز بها يبقى متنجّزاً إلى الأبد، ولا يعقل تأثير منجّز آخر عليه؛ لأنـّه تحصيل للحاصل، أو يكون معنى ذلك: أنّ القطعة الوجودية الاُولى للعلم الأوّل، تصبح هي مع أيّ علّة للتنجيز ـ فرضت في الزمان الثاني- علّة كاملة للتنجيز، فيكون كلّ منهما جزء علّة، سنخ ما يقال في سائر موارد اجتماع علّتين على معلول واحد.

فإن قلنا بالأوّل فالنتيجة هي: أنّ الإناء الأوّل والثاني اللذين هما طرفان للعلم الأوّل قد تنجّزا بالعلم الأوّل، ويبقى الإناء الثالث بلا منجّز؛ لأنّ العلم الإجماليّ بتنجّز الثاني أو الأوّل والثالث قد سقط عن التأثير في بعض أطرافه، فسقط عن التاثير في كلّ الأطراف حسب ما هو المفروض في مبنى المحقّق العراقي. من عدم إمكان تاثير العلم الإجماليّ في بعض الأطراف دون بعض.

وإن قلنا بالثاني فقد أصبح هذا العلم الإجماليّ الثالث جزء علّة في تنجيز الإناء الأوّل والثاني، والجزء الآخر هو القطعة الوجودية الاُولى للعلم الأوّل، ويبقى الإناء الثالث مختصّاً بأحد جزئي العلّة، فيسقط ـ أيضاً ـ عن التنجّز بعدم وجود علّة تامّة توجب التنجيز فيه.

(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 337.

162

إنّ تعارض الاُصول وتساقطها في كلّ آن فرع تنجّز حرمة المخالفة القطعيّة في ذلك الآن، المتفرّع على وجود العلم الإجماليّ في نفس ذلك الآن؛ ولذا لو زال العلم في أيّ زمان، واحتمل أنّ ما تخيّل نجاسته لم يكن نجساً، يرتفع التنجّز، ويتمسّك بإطلاق دليل الأصل بالنسبة لهذه القطعة من الزمان، فالمنجّز في ساعة الغروب لحرمة المخالفة القطعيّة بالنسبة للإناء الأبيض والأسود ليس هو وجود العلم الإجماليّ الأوّل في أوّل الظهر، وإنـّما يكون ذلك العلم منجِّزاً لها بوجوده البقائي الآن، وهو في عرض الوجود الحدوثي للعلم الإجماليّ الثاني، المنجّز لحرمة المخالفة القطعيّة بالنسبة للإناء الأسود والأحمر، وتعارض الأصلين في الإناء الأسود والأبيض وتساقطهما في هذا الآن يكون بملاك تنجّز حرمة المخالفة القطعيّة في هذا الآن، لا فيما سبق، فيكون للأصل في الإناء الأسود معارضان في عرض واحد: أحدهما: الأصل في الإناء الأبيض، والآخر الأصل في الإناء الأحمر(1).

فتحصّل: أنّ هذه النظرية الثانية ـ بأيّ لحاظ كانت ـ بالنسبة للمسلك العامّ في الانحلال الحكمي لا ترجع إلى مُحصَّل.

وقد ظهر من تمام ما ذكرناه: أنّ المتعيّن هو المصير إلى النظرية الثالثة، وهي القول بعدم الانحلال رأساً.

 

 


(1) سيأتي ـ إن شاء الله منه (رحمه الله) ـ في التنبيه الثاني عشر جواب آخر عن شبهة جريان الأصل في الطرف الثاني للعلم الثاني، بسبب سقوط الأصل في طرفه الأوّل مسبقاً، بالتعارض مع الأصل في الطرف الآخر للعلم الأوّل.

163

 

 

 

الأثر المختصّ ببعض الأطراف

 

التنبيه السادس : فيما إذا كان أثر مشترك في جانبي العلم الإجمالي، وأثر زائد في أحدهما.

ذكر المحقق النائيني(1) (قدّس سرّه): أنـّه إذا كان كذلك، كما لو علم بنجاسة هذا الماء، أو ذاك المضاف، فهنا أثر مشترك في كلا الجانبين، وهو حرمة الشرب، وأثر مختصّ بالأوّل، وهو عدم جواز الوضوء، فالعلم الإجمالي يؤثّر بالنسبة للأثر المشترك، ويكون الأثر الزائد شكّاً بدوياً، فلا مانع من جريان الأصل بلحاظه. واكتفى (قدّس سرّه) في بيان المطلب بهذا البيان الساذج.

وذكر في الدراسات(2): أنّ الصحيح هو تنجّز الأثر الزائد أيضاً؛ وذلك لأنّ الأثر الزائد كان ينفيه نفس الأصل الذي ينفي الأثر المشترك، وهو أصالة الطهارة، والمفروض سقوطه في المقام، فيبقى احتمال عدم صحة الوضوء به بلا مؤمّن.

وهذا ظاهره: أنـّه يسلّم مع المحقّق النائينيّ (قدس سره) خروج هذا الأثر عن دائرة العلم الإجماليّ، وإنـّما يقول مع ذلك بلزوم مراعاته من باب عدم المؤمّن بعد سقوط الأصل بتنجّز الأثر المشترك، وعليه فينبغي أنْ يفصِّل بين ما لو كان الأثر الزائد منفياً بنفس الأصل النافي للأثر المشترك، كما في هذا المثال، فتلزمه مراعات ذلك الأثر، أو كان منفيّاً بأصل مستقلّ كما لو علم إجمالاً بأنـّه استقرض من زيد خمسة دنانير، أو من عمرو عشرة دنانير، فإنـّه تجري أصالة البراءة عن الزائد مستقلاً، فلا تلزمه مراعاة ذلك الأثر؛ لأنّ احتماله لم يبقَ بلا مؤمّن، إذ له أصل مستقلّ عن الأصل الساقط بتنجّز الأثر المشترك.


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 16. وأجود التقريرات: ج 2، ص 250.

(2) الدراسات: ج 3، ص 238. المصباح: ج 2، ص 367.

164

والصحيح هو كون الأثر الزائد داخلاً في دائرة العلم الإجماليّ، وتوضيح ذلك: أنـّه تارة يفرض الأثر المشترك، والأثر الخاصّ في موضوع واحد، ويكون العلم الإجماليّ بالنسبة للأثر المشترك بلحاظ السبب، كما لو علم إجمالاً بأنـّه استدان من زيد خمسة دنانير، أو نذر أن يعطيه عشرة دنانير، وهذا في الحقيقة خارج عمّا نحن فيه، ولا إشكال في جريان البراءة عن الزائد، لدوران الأمر بين الأقل والأكثر، فإنْ فرضا استقلاليّين، كما في الدين والنذر الانحلاليّ، فالبراءة جارية بلا كلام، وإن فرضا ارتباطيّين، كما في النذر ونحوه، إذا كان بنحو العموم المجموعيّ، فأيضاً تجري البراءة على ما يأتي (إن شاء الله) من أنّ التحقيق في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين هو جريان البراءة.

واُخرى يفرض الأثر في موضوعين، كما في مثال الماء والمضاف، ومثال الاستدانة من زيد أو من عمرو، وعندئذ إن كان الأقلّ والأكثر غير ارتباطيّين، كما هو الحال في مثال الدين، ومثال الماء والمضاف، فقد يتوهّم خروج الأثر الزائد عن دائرة العلم الإجمالي، ويمكن استقراب ذلك بهذا الوجه الصوريّ، وهو أنْ يقال: إنـّنا نعلم بخطاب لا يكون العمل بالزائد دخيلاً في امتثاله، وهو الخطاب بالأثر المشترك المردّد بين هذا الموضوع وذاك الموضوع، ولا نعلم وجود خطاب آخر غيره يكون ذلك دخيلاً في امتثاله.

لكن هذا غير صحيح، فإنـّه كما يمكن أنْ يقال: إنـّنا نعلم بخطاب لا يكون لترك الوضوء بهذا الماء دخل في امتثاله، وهو الخطاب بترك الشرب فى أحدهما، كذلك يمكن عكس المطلب، بأنْ يقال: إنـّنا نعلم إجمالاً بخطاب لا يكون لترك شرب الماء دخل في امتثاله، وهو الخطاب بترك شرب المضاف، أو بترك الوضوء بذلك الماء، ولا نعلم بوجود خطاب آخر غيره يكون ترك شرب الماء دخيلاً في امتثاله.

وهذا يكشف عن أنـّه يوجد في الحقيقة عندنا علمان إجماليّان مشتركان في طرف واحد، وهو الأثر المشترك في الجانب الذي لا يوجد فيه الأثر الزائد، والطرف الآخر في أحدهما هو الأثر المشترك فى الجانب الذي يوجد فيه الزائد، وفي الآخر هو الأثر الزائد فيه، و قد مضى أنـّه في مثل ذلك لا ينحلّ أحد العلمين الإجماليّين بالآخر.

وأمـّا إن كان الأقلّ والأكثر ارتباطيّين، كما لو علم إجمالاً بأنـّه نذر بنحو العامّ

165

المجموعيّ، إمـّا إعطاء خمسة دنانير لزيد، أو إعطاء عشرة دنانير لعمرو، فالأثر الزائد داخل في دائرة العلم الإجماليّ، حتى لو قلنا بعدم دخوله فيها في الفرض الأوّل؛ وذلك لعدم تأتّي ذلك الوجه الصوري هنا، بأنْ يقال: نعلم إجمالاً بخطاب لا يتدخّل الزائد في امتثاله، ونشكّ في خطاب آخر يتدخّل ذلك في امتثاله، فإنّ المفروض أنّ الزائد مرتبط مع الأقلّ في أحد الطرفين فلا نعلم إجمالاً بخطاب لا يتدخّل الزائد في امتثاله.

وقد تحصّل أنّ الصحيح هو عدم جريان الأصل بلحاظ الأثر الزائد، بلا فرق بين كون الأقلّ والأكثر ارتباطيّين، أو استقلاليّين وبين كون أصل الزائد هو عين أصل المشترك، أو مستقلاًّ في نفسه.

نعم يتّجه عندنا التفصيل: بين ما لو كان للأثر الزائد أصل مستقلّ غير مسانخ لأصل الأثر المشترك وما لو لم يكن كذلك، ففي الثاني لا يجري الأصل، ولكن في الأوّل يجري الأصل؛ لأنّ دليل أصل الأثر المشترك أصبح مجملاً، فلا يبقى معارض لأصل الأثر الزائد.

بقي في المقام شيء: وهو أنـّه مضى منّا أنّ الموضوع إن كان واحداً جرى الأصل بالنسبة للأثر الزائد، ونقول هنا: إنّ السيّد الاُستاذ استثنى في الدراسات ما إذا وجد أصل حاكم على الأصل الترخيصي في الأثر الزائد. وهذا الكلام من القضايا التي قياساتها معها، وإنـّما ذكرناه هنا لأجل التطبيق الذي وقع منه، وهو في غير محلّه، حيث مثّل لذلك بما لو علمنا بنجاسة الثوب: إمـّا بالدم وإمـّا بالبول، فإذا كان متنجّساً بالبول وجب غسله مرّتين، وإذا كان متنجساً بالدم وجب غسله مرّة واحدة، فوجوب الغسل الثاني في المتنجّس بالبول أثر زائد، ولكن لا يمكننا الرجوع إلى أصالة عدم وجوبه، لوجود أصل حاكم، وهو استصحاب النجاسة بعد الغسل الأوّل، وقبل الغسل الثاني، فالمرجع هو هذا الاستصحاب.

أقول: يرد عليه إشكالان: أحدهما: ما ذكره في جانب الأصل المحكوم، والآخر: في جانب الأصل الحاكم .

أمـّا الأوّل: فلأنـّه لا معنى لإجراء أصالة البراءة عن وجوب الغسلة الثانية، إذ ليس لذلك وجوب تكليفيّ، وإنـّما وجوبه وضعيّ، بمعنى أنـّه لا يطهر إلّا أذا غسله مرّتين.

وأمـّا الثاني: فلأنّ استصحاب بقاء النجاسة هنا محكوم باستصحاب آخر، بناءً

166

على ما يسلّمه هو من وجود عموم فوقانيّ، يدلّ على أنّ المتنجّس يطهر بالغسل بالماء مرّة واحدة، ولكن قيّد ذلك بما ورد من أنّ المتنجّس بالبول لابدّ من غسله مرّتين، فإنـّه بناءً على هذا يجري هنا استصحاب موضوعيّ ينقّح موضوع الطهارة؛ لأنّ موضوع حصول الطهارة بغسلة واحدة قد أصبح له جزءان: أحدهما: ما يستفاد من الدليل العامّ، من كون الشيء متنجّساً، وهذا ثابت بالوجدان، والآخر: ما يستفاد من المقيّد، وهو عدم كون ما لاقاه بولاً، أو عدم ملاقاته للبول، ومدخول العدم على الأوّل منحلّ عرفاً إلى ملاقاة شيء، وكون ذلك الشي بولاً، وعليه فبناءً على استصحاب العدم الأزليّ، يمكننا الرجوع إلى استصحاب عدم بوليّة الملاقى، وبناءً على أنّ الجزء الثاني هو عدم ملاقاته للبول، يوجد استصحاب العدم النعتيّ أيضاً، وهو استصحاب عدم ملاقاته للبول، ولا يعارض ذلك باستصحاب عدم دميّة الملاقى، أو عدم ملاقاته للدم؛ لأنـّه لا أثر لذلك؛ إذ لو قصد من ذلك نفي النجاسة، فنحن نقطع بالنجاسة، ولو قصد نفي أثر زائد، فليس للدم أثر زائد.

 

 

167

 

 

 

العلم الإجماليّ في الأحكام الظاهريّة

 

التنبيه السابع: قد عرفت حتى الآن حكم العلم الإجمالي الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، وأمـّا العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالحكم الظاهريّ، كما لو قامت البيّنة على نجاسة أحد الإناءين، أو قل: العلم التعبّديّ بالحكم الواقعيّ، فهذا على قسمين: إذ تارةً يكون العلم الإجمالي في طول قيام الحجّة على فرد معيّن، كما لو شهدت البيّنة بنجاسة أحد الإناءين معيّناً، ثمّ تردّد عندنا بين هذا وذاك، واُخرى يكون الإجمال فى نفس البيّنة، أي: أنّ البيّنة بنفسها تشهد من أوّل الأمر بنجاسة فرد مردّد، بشرط أن لا نعلم أنـّها في الحقيقة تعلم بنجاسة فرد معيّن عنده، وإنـّما ترديده يكون من باب الإجمال في البيان فقط، وإلّا فهو داخل في القسم الأوّل.

 

العلم الإجماليّ في طول قيام الحجّة

أمـّا الكلام في القسم الأوّل وهو ما لو قامت البيّنة على نجاسة فرد معين وتردّد عندنا بين فردين ـ فلا إشكال في أنّ هذا كالعلم الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، وينجّز وجوب الموافقة القطعيّة، فضلاً عن حرمة المخالفة القطعيّة، إلّا أنّ هناك فوارق فنّية بين هذا العلم الإجمالي والعلم الإجمالي الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، قد تؤدّي أحياناً إلى ثمرة عملية، فلابدّ من التدقيق في إبراز تلك الفوارق، حتى يُرى أنـّه على أيّ منهما تترتّب ثمرة عمليّة فنقول:

الفارق الأوّل: وهو فارق جوهري بين علاقات الاُصول بعضها مع بعض في هذا العلم الإجماليّ، وعلاقات الاُصول بعضها مع بعض في العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، كما لو رأينا وقوع قطرة دم في أحد الإناءين، وذلك هو أنّ الاُصول في أطراف العلم الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، كان بابها باب تعارض الحجّة بالحجّة؛ لحجّيّة الأصل في كلّ من الطرفين لولا الأصل الآخر، وأمـّا فيما نحن فيه، فهنا قسمان من الاُصول، قسم يجري بلحاظ التأمين عن الواقع، كأصالة الطهارة

168

واستصحابها، والتي هي مؤمِّنات في عرض المنجِّز، فهي تؤمّن عن الواقع، والبيّنة تنجّز الواقع، لكنّ البيّنة تقدّم على الأصل على ما ثبت في الفقه، وهذه الاُصول ليس بابها باب تعارض الحجّة بالحجّة، بل بابها باب اشتباه الحجّة باللاحُجّة؛ لأنّ أحد الأصلين معيّناً قد قامت في مورده البيّنة على النجاسة المفروض تقدّمها عليه، فهو غير حجّة، وقد اشتبه بالآخر، ولا ندري ما هو، فقد علمنا بعدم حجّيّة واحد منها معيّن عند الله مردّد عندنا، وعندئذ نشكّ في كلّ واحد من الأصلين أنـّه هل هو حجّة أو لا، فيأتي دور إثبات حجّيّته بالتمسّك بالقسم الثاني من الاُصول، وهي الاُصول التي تكون في طول المنجِّز، وتؤمّن عن ذلك المنجِّز، والحكم الظاهري كاستصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة، وهذه الاُصول تتعارض فيما بينها تعارض الحجّة بالحجّة، لأنـّنا نعلم إجمالاً بقيام البيّنة في أحد الجانبين، ونسبة هذه الاُصول إلى هذا العلم هي نسبة الاُصول المؤمّنة عن الواقع إلى العلم الإجمالي الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، وكما كنّا نقول هناك: إنّ الاُصول المرخّصة مضادّة بحسب الارتكاز العقلائيّ للغرض الإلزاميّ الواقعيّ المعلوم بالإجمال. كذلك نقول هنا: إنّ الاُصول المرخِّصة مضادّة بحسب الارتكاز العقلائي؛ لاهتمام الشارع المعلوم بالإجمال بغرضه الإلزامي عند التزاحم في عالم المحرّكيّة.

هذا. ولا يفترق فيما ذكرناه من كون القسم الأوّل من الاُصول بابها باب تعارض الحجّة باللاحجّة؛ لقيام البيّنة في مورد واحد منها معيّناً، وحجّيّتها فيه، بين ما يقول به الأصحاب من أنّ تنافي الأحكام الظاهريّة العرضيّة يكون بوجودها الواصل، و ما هو المختار عندنا من أنّ تنافيها يكون بوجودها الواقعي. توضيح ذلك: أنّ الأحكام الظاهرية التي تكون في مرتبة واحدة، اي: ليس أحدها ناظراً إلى حال الآخر نفياً وإثباتاً في حال الشكّ فيه، إنـّما تتنافى عند الأصحاب في صورة الوصول، فأصالة الطهارة مثلاً مع حجّيّة البيّنة على النجاسة إنـّما تتنافيان في فرض الوصول، إذ هي في فرض الوصول تؤثّر في التنجيز والتعذير، ويستحيل اجتماع التنجيز والتعذير معاً، وأمـّا في أنفسهما فلا تنافي بينهما؛ إذ الأحكام الظاهرية ليست إلّا مجرّد إنشاءات مثلاً، وعليه فلو شكّ بدويّاً في مورد تجري فيه أصالة الطهارة في أنـّه هل قامت بيّنة فيه على النجاسة أو لا، فهذا الشكّ لا يمنع عن التمسّك ابتداءً بأصالة الطهارة، سواء فرض دليل حجّيّة البيّنة مخصّصاً أو حاكماً أو وارداً، لأنّ البيّنة لم تصل حتى يقع التنافي بين أصالة الطهارة وحجّيّة البيّنة،

169

وتقدّم البينة عليها بالتخصيص أو الحكومة أو الورود، ولا معنى لتقدّم انشاء على انشاء، فلا مانع من حجّيّة أصالة الطهارة أصلاً.

وأمـّا نحن فلمّا اخترنا أنّ الأحكام الظاهرية ليست مجرّد انشاءات جوفاء، بل تشتمل على روح وحقيقة تكون عبارة عن شدّة الاهتمام بالفرض الواقعي، وعدم الاهتمام به، قلنا عندئذ: إنّ التنافي بينها ثابت بوجودها الواقعي، لتنافي الاهتمام مع عدم الاهتمام ذاتاً، وعليه ففي هذا المثال إنـّما نتمسّك بأصالة الطهارة بعد رفع محذور احتمال وجود البيّنة التي تقدّم بحجّيّتها عليها، سواء كان بالورود أو بالحكومة أو بالتخصيص، باستصحاب عدم قيام البيّنة، ولكن فيما نحن فيه، لا يفترق الحال بكون التنافي بين الأحكام الظاهرية بوجودها الواقعي أو بوجودها الواصل؛ إذ المفروض أنّ البيّنة واصلة إلينا ولو بالعلم الإجمالي، وهذا المقدار من الوصول كاف في المقام، لأنّ المفروض أنّ البيّنة تنجّز، ولو علمت بنحو العلم الإجمالي، فيقع التنافي بين التنجيز والتعذير.

وهذا الفارق الجوهريّ الذي بيّناه بين علاقات الاُصول بعضها مع بعض في هذا العلم الإجماليّ، وعلاقاتها في العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالحكم الواقعي حتى الآن لم يؤدِّ إلى ثمرة عمليّة، لكن ينتهي إلى ثمرة عمليّة بلحاظ بعض ما يترتّب عليه من الفوارق كما سوف يظهر ـ إنْ شاء الله ـ .

الفارق الثاني: ما يترتّب على الفارق الأوّل، وهو أنـّه إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي مورداً للأصل المثبت، والطرف الآخر مورداً للأصل النافي، كما لو قامت البيّنة على نجاسة أحد الإناءين معيّناً، واشتبه بإناء آخر، وكان أحدهما مورداً لاستصحاب النجاسة، والآخر مورداً لاستصحاب الطهارة، فهنا كما نقول في فرض العلم الوجدانيّ بنجاسة أحد الإناءين بالرجوع إلى استصحاب الطهارة في الإناء المسبوق بالطهارة، كذلك نقول بذلك هنا، لكن يختلف الأمر في فلسفة الموقف الفنّيّ، فهناك كنّا نقول: إنّ استصحاب الطهارة في هذا الطرف غير مبتلىً بالمعارض فيجري، وهنا نقول: إنّ استصحاب الطهارة في الإناء المسبوق بالطهارة يحتمل عدم حجّيّته. لقيام البيّنة على خلافه، فنرجع إلى استصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة في ذلك المورد، ولا يعارض باستصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة في الطرف الآخر، فإنّ الطرف الآخر في نفسه مستصحب النجاسة، فإن بنينا على أنّ البيّنة لا تقدّم على الأصل المطابق لها، بل يجريان معاً، فالاجتناب عن الإناء الآخر منجَّز ـ

170

على أيّ حال ـ باستصحاب النجاسة، وضمّ منجِّز إلى منجّز مع وحدة المنجَّز لا أثر له، فالبيّنة في ذلك الجانب، وجودها وعدمها على حدّ سواء، فلا يجري استصحاب عدم البيّنة هناك حتى يعارض استصحاب عدم البينة هنا، وإن بنينا على أنّ البيّنة تقدّم على الأصل الموافق لها، فالأمر أيضاً كذلك، فإنـّه وإن كنّا لا نعلم عندئذ بجريان استصحاب النجاسة في الطرف المسبوق بالنجاسة، لكنّنا على أيّ حال نعلم تفصيلاً بتنجّز الاجتناب عنه، إمـّا لكونه مورداً لاستصحاب النجاسة، أو لكونه مورداً لقيام البيّنة على النجاسة، فلا يجري استصحاب عدم البيّنة، وعليه فاستصحاب عدم البينة في الطرف الأوّل يكون ـ على أيّ حال ـ بلا معارض، وبعد إجرائه نتمسّك باستصحاب الطهارة أو أصالتها، فالنتيجة هي عين النتيجة في فرض العلم الوجدانيّ بالتكليف الواقعيّ، إذن فإلى هنا لم ننتهِ إلى أثر عملي للفرق بين العلمين.

الفارق الثالث: ما يترتّب ـ أيضاً ـ على الفارق الأوّل في فرضيّة اُخرى غير فرضيّة الفارق الثاني، ويتجلّى فيه الأثر العمليّ، وذلك كما إذا فرض في الطرفين أصلان عرضيّان نافيان مع أصل طولي ناف، كما إذا فرض أنـّه يجري في كلّ من الطرفين استصحاب الطهارة، وفي أحد الطرفين توجد في طول ذلك أصالة الحلّ، وفي الطرف الآخر لا يوجد أصل ناف طوليّ في عرض أصالة الحلّ، وعندئذ إن كان العلم علماً وجدانيّاً بالحكم الواقعي، كنّا نقول بالرجوع إلى أصالة الحلّ في الطرف الذي يوجد فيه هذا الأصل، إمـّا لما يقوله المحقق العراقي (قدس سره) من أنـّه بناءً على الاقتضاء يتعارض الأصلان العرضيّان ويتساقطان، وتصل النوبة إلى الأصل النافي الطوليّ، ولا يسقط بالمعارضة لكونه طوليّاً، أو لما يقوله السيّد الاُستاذ من إجمال دليل الاستصحابً؛ لعدم شموله لكلا الاستصحابين، وكون شموله لأحدهما دون الآخر ترجيحاً بلا مرجّح، وعدم إجمال دليل أصالة الحلّ؛ لاختصاصها في نفسها بأحد الطرفين،

وأمـّا في فرض العلم الإجمالي بقيام البيّنة على نجاسة أحدهما المعيّن، فلا يمكن الرجوع إلى أصالة الحلّ في الطرف الذي يكون مورداً لأصالة الحلّ، سواء كان الوجه في الرجوع إلى أصالة الحلّ في العلم الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ هو البيان الأوّل، أو كان هو البيان الثاني.

أمـّا على الأوّل فلأنـّه هنا لم يتعارض الأصلان العرضيّان، بل أحدهما حجّة، والآخر غيرُ حجّة، ونعلم إجمالاً بان مورد أصالة الحلّ إمـّا يوجد فيه الاستصحاب