523

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اشتراط بقاء الموضوع

 

أمّا الأمر الأوّل، وهو مسألة اشتراط بقاء الموضوع فتارةً نتكلّم فيه بلحاظ الشبهات الحكمية، واُخرى بلحاظ الشبهات الموضوعية.

أمّا الكلام في الشبهات الحكمية، فنقول: قد وقع هنا إشكال في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية من ناحية اشتراط إحراز بقاء الموضوع، وتوضيح ذلك: أنّ الأصحاب ـ قدس سرهم ـ في المقام ذكروا: أنّه لا بدّ في الاستصحاب من اتّحاد القضية المشكوكة والقضيّة المتيقّنة موضوعاً ومحمولاً، وقالوا: إنّ هذا ليس شرطاً جديداً وإنّما هو راجع إلى مسألة اشتراط الشكّ في بقاء ما كان، وترتّب على هذا الشرط إشكال في كلّ موارد استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية كما ذكره السيّد الاُستاذ(1)، أو في كثير من مواردها كما ذكره الشيخ الأعظم(2) والمحقّق النائيني(3)(قدس سرهما)؛ وذلك لأنّنا لا نشك في بقاء الحكم لو كنّا نعرف حدود الموضوع، وإنما نشكّ في بقائه لأجل فقدان قيد نحتمل دخله في الموضوع. إذن فلم نحرز وحدة الموضوع إلاّ إذا كان منشأ الشكّ هو احتمال النسخ، وهو خارج عن محلّ الكلام.


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3، ص 237.

(2) راجع الرسائل: ص 401 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات رحمة الله.

(3) راجع فوائد الاصول: ج 4، ص 576 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات: ج 2، ص 448 ـ 449.

524

وهذا الإشكال تارةً يبيّن بنحو يسدّ باب الاستصحاب في تمام موارد الشبهة الحكمية، واُخرى يبيّن بنحو يسدّ باب الاستصحاب في كثير من مواردها على اختلاف في تقريباتهم لا يهمنا ذكره.

ومن هنا انتقلوا إلى بحث ثان وهو البحث عن حلّ لهذه المشكلة، وهو إحالة وحدة الموضوع إلى العرف، فيقال: إنّه لا يشترط في الاستصحاب وحدة الموضوع بالدّقة العقلية حتّى لا يجرى الاستصحاب في الشبهات الحكمية، بل تكفي الوحدة العرفية، فيجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية. والضابط في ذلك هو كون الحيثية المحتملة الدخل بقاءً هل تعتبر حيثية تقييدية من قبيل العلم في موضوع التقليد مثلاً، أو تعتبر بالمسامحة العرفية مجرّد حيثية تعليلية دخيلة في ثبوت هذا الحكم لذاك الموضوع فليست داخلة في نفس الموضوع من قبيل التغيرّ في نجاسة الماء المتغيّر مثلاً.

ومن هنا انتقلوا إلى بحث ثالث وهو أنّه كيف صارت هنا المسامحة العرفية في التشخيص يعوّل عليها، وأيّ قيمة لها في حين أنّه لا يعوّل عليها في موارد اُخرى من قبيل تحديد الكرّ، أو تحديد المسافة في القصر، ونحو ذلك؟!

أقول: الواقع أنّ اشتراط بقاء الموضوع لم يبيّن بصياغة فنّية، فكأنّما تخيّل أنّ اشتراط بقاء الموضوع ووحدة القضية المشكوكة والقضية المتيقّنة يكون معناه أن يحرز أنّ المشكوك على تقدير وجوده في الواقع هو عين المتيّقن على كلّ حال، فيقال: إنّه في المقام تكون نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره هي عين النجاسة السابقة لو كان موضوعها التغيّر ولو آناً مّا. وأمّا لو كان موضوعها التغيّر الفعلي فهي ليست عين النجاسة السابقة، إذن فالمشكوك على تقدير وجوده ليس في الواقع عين المتيّقن على كلّ حال، وإنّما هو عينه على بعض الأحوال. وتعالج المشكلة عندئذ بأنّ التغيّر مثلاً حيثية تعليلية، فالقضية المتيقّنة هي نجاسة ذات الماء من دون أن يكون التغيّر داخلاً في موضوعها. إذن فالمشكوك لو كان موجوداً واقعاً هو عين المتيّقن على كلّ التقادير والأحوال، لا على بعضها.

ولكنّ الصحيح ـ بعد أن عرفنا أنّ هذا الشرط لا ينبغي أن يكون شرطاً جديداً وإنّما الشرط الواقعي هو الشكّ في بقاء ما كان ـ هو أنّه ليس من اللازم كون المشكوك في فرض وجوده عين المتيّقن على كلّ تقدير، بل يكفي كونه عين المتيّقن على بعض التقادير، لأنّه بما أنّنا نحتمل ذلك التقدير ـ فلا محالة ـ نحتمل بقاء المتيّقن. إذن فمقتضى القاعدة هو جريان الاستصحاب حتّى في ما إذا كان المفقود المحتمل دخله من الحيثيات التقييدية، إذ على تقدير

525

عدم دخله يكون المشكوك عين المتيّقن، ويكفي كونه عينه على بعض التقادير.

بل لو أنّنا بقينا مصرّين على الصيغة الاُولى لهذا الشرط، وهي اشتراط كون المشكوك في فرض وجوده عين المتيّقن على كلّ التقادير لا على بعضها، لزم عدم جريان الاستصحاب حتّى في الحيثيات التعليلية ؛ لأن هذه الحيثية التعليلية على تقدير دخلها حتّى بقاءً في علّة الحكم يكون جعل النجاسة بعد زوال التغيّر ـ لا محالة ـ جعلاً آخر، والمسامحة العرفية إنّما تكون في جعل واحد، فالعرف يتسامح ويفترض القيد حيثيّةً تعليليّة ولكن لا يتسامح بأن يفترض الجعلين جعلاً واحداً. وعليه، فالمشكوك لم يصبح عين المتيّقن على جميع تقاديره.

وعلى أيّة حال فالصحيح هو الصيغة الثانية، أعني كون المشكوك على بعض تقاديره هو المتيّقن. وعليه، فنحن بحاجة إلى استيناف البحث عن نكتة عدم جريان الاستصحاب في الحيثيات التي يسمّونها حيثيات تقييدية بينما نرى الأصحاب يفتّشون عن نكتة جريان الاستصحاب في ما يسمّونها بالحيثيات التعليلية. إذن فالذي ينبغي أن يبحث في المقام يباين تماماً البحث الذي بحثوه.

فعلى منهج الأصحاب (رضوان الله عليهم) يقال: لو صار القرار على إحراز الوحدة بالدقّة العقلية أوجب ذلك انسداد باب الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقاً ؛ اذ حتّى في فرض كون التغيّر حيثية تعليلية نحتمل كون المشكوك غير المتيّقن، ولكنّنا نقول: إنّه لو صار القرار على جعل العبرة بالوحدة بالدقّة العقلية انفتح باب جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية حتّى لو كانت الحيثية تقييدية؛ لأنّه إن كان التغيّر الفعلي في الواقع دخيلاً في الحكم، إذن فبحسب الدقّة العقلية يكون المشكوك غير المتيّقن، وليس بقاءً للمتيّقن حتماً، سواء فرضنا التغيّر الفعلي حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية ؛ إذ الحكم يرتفع بالدقة العقلية بارتفاع حيثيته ولو كانت حيثية تعليلية، وإن كان التغيرّ الفعلي في الواقع غير دخيل في الحكم إذن فبحسب الدقّة العقلية يكون المشكوك بقاءً لشخص ذلك المتيّقن ولو فرض التغيّر الفعلي على تقدير دخله حيثية تقييدية ؛ لأنّه على أيّ حال ليس بالفعل دخيلاً في الحكم، فالحكم بشخصه يبقى لا محالة، فإذا كان الحكم الشخصي المعيّن باقياً على تقدير عدم دخل التغيّر الفعلي، وغير باق على تقدير دخله، فالشكّ في دخله وعدم دخله ـ لا محالة ـ مساوق للشكّ في البقاء وعدم البقاء، ولا نحتاج في الاستصحاب إلاّ إلى الشكّ في البقاء.

هذا. ويمكن أن يقرّب كلام المشهور بأن يقال: إنّ الاستصحاب موضوعه الشكّ في البقاء، ومحموله التعبّد بالبقاء. والشكّ في البقاء وإن كان محرزاً في المقام بالبيان الذي عرفت،

526

ولكن كون التعبّد تعبّداً بالبقاء غير محرز. وتوضيح المقصود هو: أنّ الاستصحاب ليس تعبّداً ببقائية الشيء بنحو مفاد كان الناقصة، وإنّما هو تعبّد بالبقاء بنحو مفاد كان التامّة بعد فرض بقائيته، فمثلاً لو أنّ زيداً كان في المسجد وشككنا في بقائه لم يمكن أن نثبت بالتعبّد بقاء ابن عمرو ما لم نعرف أنّ بقاءه بقاء لزيد بأن يكون ابن عمرو هو زيداً، وعندئذ نقول في المقام: إنّ نجاسة الماء بعد زوال تغيّره على تقدير عدم دخل التغيّر الفعلي في النجاسة هي بقاء لتلك النجاسة السابقة، وعلى تقدير دخله ليست بقاء لتلك النجاسة. إذن فنحن بالدقّة العقلية لم نحرز كونها بقاءً للنجاسة المتيقّنة، فلا يثبت شمول التعبّد الاستصحابي لها؛ لإنّ التعبّد الاستصحابي يتعلّق بما هو بقاء، وكون هذا بقاء غير معلوم.

والتحقيق: انّ هذا الإشكال إنّما يتمّ بناءً على مبنى جعل الحكم المماثل، بمعنى أنّ المولى يعبّد بحكم ويشترط فيه أن يكون مماثلاً لذلك الحكم المتيّقن، فيقال في المقام: إنّ الذي يعبّدنا المولى به وهو نجاسة الماء بعد زوال تغيّره لم نعلم مماثلته للحكم المتيّقن؛ إذ لو كان الحكم المتيّقن مطلقاً فهذا مماثل له، ولو كان مقيّداً بالتغيّر الفعلي فهذا ليس مماثلاً له، وليست هذه النجاسة التي عبّدنا بها بقاء لتلك النجاسة.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح المختار للمحقّق النائيني(رحمه الله) المشهور بين المحقّقين المتأخّرين بعده من أنّ الاستصحاب ليس تعبداً بالحكم المماثل بعنوانه بل هو حكم تعبّدي بعنوان آخر، ويكون عنوانه الإجمالي ـ على اختلاف صيغه الفنّية بالدقّة ـ عبارة عن التعبّد ببقاء المتيّقن، فنقول في المقام: إنّ المولى يشير إلى ذات الحكم الشخصي السابق المتيّقن، ويقول: أنت تحتمل بقاءه فأنا اُعبّدك ببقائه. وطبعاً ليس الشكّ في بقائية بقائه حتّى يقال: إنّ الاستصحاب لا يثبت بقائية الشيء بنحو مفاد كان الناقصة، وإنّما يثبت البقاء بنحو مفاد كان التامّة. نعم، شككنا في أنّ بقاء ذلك المتيّقن هل هو معقول أو مستحيل ؛ إذا على تقدير كون التغيّر الفعلي دخيلاً في ذلك الحكم يستحيل بقاؤه، فالمولى يعبّدنا ببقائه بنحو مفاد كان التامّة، واحتمال استحالة الشيء لا ينافي التعبّد به.

ثمّ إنّ شبهة احتمال عدم بقاء الموضوع في الشبهات الحكمية لها جواب آخر غير ما ذكرناه من منع لزوم العلم بالبقاء. وحاصله: انّنا لو سلّمنا لزوم العلم بالبقاء قلنا: إنّ العلم ببقاء الموضوع حاصل، وتخيّل عدم العلم به ينشأ من الخلط بين باب المفاهيم وعالم الجعل وباب المصاديق والوجود الخارجي والمجعول. ونوضّح ذلك بذكر مقدمة:

وهي: أنّنا لو لاحظنا باب المفاهيم فمفهوم الماء، ومفهوم الماء المتغيّر، ومفهوم الماء الفاقد

527

للتغيّر مفاهيم ثلاثة متباينة. أمّا لو لاحظنا المصاديق والوجودات الخارجية فمصداق الماء مع مصداق الماء المتغيّر يتّحدان في الماء المتغيّر، وليس مصداق الماء المتغيّر عبارة عن الماء زائداً التغيّر، بل مصداقه إنّما هو ذات الماء، وإنّما أثر القيد في الماء المتغيّر هو تضييق دائرة الصدق، وكذلك مصداق الماء المتغيّر والماء الفاقد للتغير قد يتّحدان ذاتاً وإن كان هناك تفاوت بينهما زماناً، وذلك كما لو كان هناك ماء متغيّر ثمّ زال تغيّره، فمصداق ما كان من الماء المتغيّر هو عين مصداق الماء الفاقد للتغيّر، وإنّما الفرق بينهما من حيث الزمان.

وبعد الالتفات إلى هذه المقدّمة نقول: إنّ هذا الإشكال إنّما يتصوّر له مجال لو اُريد إجراء الاستصحاب بلحاظ عالم الجعل حيث إنّ الموضوع في عالم الجعل ليس إلاّ مفهوماً من المفاهيم، وقد عرفت أنّ المفاهيم الثلاثة بعضها مباين للبعض، فيحتمل عدم بقاء الموضوع، ولكنّ الاستصحاب بلحاظ عالم الجعل في نفسه غير جار بغضّ النظر عن هذا الإشكال، وذلك بلحاظ عدم وجود حدوث وبقاء، وكون جعل النجاسة بعد زوال التغيّر في عرض جعلها على الماء المتغيّر بالفعل كما مضى في بحث الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ولذا كان السيّد الاُستاذ يُجري استصحاب عدم الجعل الزائد، وإنّما نقصد إجراء الاستصحاب بلحاظ عالم المجعول ـ وعلى حدّ تعبيرنا ـ بلحاظ النظر بالحمل الأوّلي إلى الحكم، وبهذا اللحاظ لا يُرى إلاّ المصداق بأن يوجد المصداق خارجاً، أو يقدّر المجتهد المصداق ويستصحب، وفي عالم المصاديق يكون مصداق الماء المتغيّر مصداقاً لطبيعي الماء، ويكون مصداقه متّحداً ـ أيضاً ـ ذاتاً مع مصداق الماء الفاقد للتغيّر مختلفاً معه في الزمان، فإشكال احتمال تغيّر الموضوع نشأ من عدم التوحيد بين مصبّ الاستصحاب ومصب ملاحظة الإشكال والبحث عن تغيّر الموضوع، فمصب الاستصحاب هو عالم المجعول والمصاديق في حين أنّ الإشكال لوحظ بالنظر إلى عالم المفاهيم، فتخيّل ورود إشكال على هذا الاستصحاب.

فإن قلت: إنّ مصداق الماء الذي هو موضوع للنجاسة الخارجية وإن لم يتبدّل لكنّ النجاسة الخارجية من المحتمل تبدّلها، وكون الباقي ـ على تقدير بقائه ـ غير الحادث، وذلك كما لو كانت النجاسة السابقة قد جعلت على الماء المتغيّر بالفعل، والنجاسة بعد زوال التغيّر على تقدير ثبوتها كانت بجعل آخر.

قلت: إذا صار القرار على النظر إلى عالم المجعول وإلى النجاسة الخارجية، أو بتعبير آخر: إلى النجاسة بالحمل الأوّلي، فكلّ الحيثيات التقييدية للجعل تصبح تعليلية للمجعول واقعاً

528

لا بالمسامحة العرفية، وتكون النجاسة على تقدير ثبوتها بعد زوال التغيّر بقاءً للنجاسة السابقة، ولو فرضت بجعل آخر فإنّها تكون من قبيل حرارة الماء التي كانت بالنار ثمّ زالت النار، واحتمل أنّه جُعِل الكهرباء بدلاً عن النار، فإنّ حرارة الماء عندئذ وإن كانت بسبب ثان تعدّ بقاءً للحراراة السابقة ويجري الاستصحاب.

نعم، إشكال تغيّر الموضوع يأتي حينما يحصل التعدّد في الوجود الخارجي، وذلك في بابين:

1 ـ باب الاستحالات بناءً على أنّ الاستحالة توجب التعدّد في الوجود، فالكلب كان وجوداً ارتفع، والملح وجود آخر طارئ، ويكفي الشكّ في وحدة الوجود لعدم جريان الاستصحاب، فإنّ المقصود بالاستصحاب إثبات الحكم لهذا الموجود في حين أنّنا عندئذ نشكّ في أنّ هذا الموجود كان الحكم ثابتاً له سابقاً.

2 ـ ما إذا كانت الحيثية المفقودة بنفسها موضوعاً للحكم ولو احتمالاً، لا الذات المتحيّث بها، بأن يقال مثلاً: إنّ موضوع الحكم في قلّد العالم، وأعط الزكاة للفقير ليس هو العالم والفقير، بل العلم والفقر، فمرجع جواز تقليد العالم إلى جواز أخذ العلم منه، وقد فرض زوال العلم، ومرجع وجوب إعطاء الزكاة للفقير إلى وجوب سدّ عوزه وفقره بالزكاة وقد زال العوز والفقر، فعندئذ لا يجري الاستصحاب لتعدّد الموضوع.

ومن هنا يتّضح الحال في البحث عن الاُمور التي يقال: إنّها حيثيات تقييدية وإنّ زوالها يخلّ بالاستصحاب، فحقيقة المطلب في ذلك هي: أنّ الحيثية المأخوذة إن كانت تُعدِّد الوجود الخارجي: إمّا من باب الاستحالة أو من باب أنّ الحيثية هي الموضوع للحكم لا الذات المتحيّث بها، فزوالها يضرّ بالاستصحاب، وإلاّ فلا.

والعبرة بالوحدة والتعدّد في الوجود الخارجي والمصداق لا في المفهوم.

وهنا ينفتح باب البحث عن أنّه هل العبرة بالوحدة في الوجود الخارجي عقلاً، أو العبرة بوحدته عرفاً؟ فإنّه قد توجد الوحدة العقلية من دون الوحدة العرفية، وذلك كما في مورد الاستحالة فالملح عرفاً وجود آخر غير الكلب وإن كان عقلاً جسماً واحداً بناءً على أنّ الفارق العلمي بينهما إنّما هو في الاختلاف التركيبي في الجزيئات، وقد توجد الوحدة العرفية دون الوحدة العقلية كما في النور المستمرّ ساعة من الزمان مثلاً، فإنّه وجود واحد عرفاً في حين أنّه وجودات عديدة عقلاً حسب ما يقال من أنّه بالنظر العلمي ينطفئ ويرجع في كلّ دقيقة مئآت المرات.

529

وعليه فمتى ما كانت الوحدة ثابتة عرفاً وعقلاً فلا إشكال في الاستصحاب، والكلام في أنّه إذا ثبتت إحدى الوحدتين فقط فهل يجري الاستصحاب أو لا؟

التحقيق: أنّ الوحدة العقلية فقط لا تكفي في جريان الاستصحاب، وأنّ الوحدة العرفية فقط تكفي في جريان الاستصحاب، وهذا معناه أنّ العبرة وجوداً وعدماً بالوحدة العرفية ولا أثر للوحدة العقلية، فنحن عندنا مدّعيان: أحدهما إثباتي، وهو جريان الاستصحاب عند ثبوت الوحدة العرفية ولو لم توجد الوحدة العقلية، والآخر سلبي، وهو عدم جريان الاستصحاب عند ثبوت الوحدة العقلية فحسب.

وقد يتصوّر أنّ الصحيح يجب أن يكون هو العكس ؛ وذلك لأنّ الوحدة العرفية هي وحدة مسامحية، سامح فيها العرف في مقام التطبيق، والمسامحات العرفية إنّما تتبع في المفاهيم، وبعد أخذ المفهوم من العرف يطبّق ذلك المفهوم على المصاديق بالدقّة العقلية.

والجواب عن ذلك يكون بوجوه أكثرها يثبت مدّعانا بكلا جانبيه الإثباتي والسلبي، وبعضها يثبت مدعانا بأحد جانبيه:

منها: أنّ دليل الاستصحاب لم يؤخذ فيه مفهوم الوحدة حتّى يقال: إنّ مسامحة العرف في تطبيق هذا المفهوم غير حجّة، غاية ما هناك أنّ المولى حينما قال لا تنقض اليقين بالشكّ كان ملحوظه في متعلّق الشكّ هو عين متعلّق اليقين، ومن هنا نحن ننتزع مفهوم الوحدة، وبكلمة اُخرى: أنّ المولى كان يشير بالشكّ إلى الشكّ في المتيّقن، فكأنّما قال: لا تنقض اليقين بالشكّ في ذلك المتيّقن، وإن شئت فقل: إن المتكلّم لاحظ واقع الواحد، لا أنّه أخذ مفهوم الوحدة، وعندئذ إن كان المتكلّم يتكلّم ويلحظ بما هو فيلسوف دقّي، فهو يلحظ واحداً دقّياً فلسفياً، وإن كان يتكلّم ويلحظ بما هو إنسان عرفي ـ كما هو الواقع ـ فهو يلحظ واحداً عرفياً، وهذا الوجه يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو سلّمنا أنّ المولى أخذ في لسان دليل الاستصحاب وهو قوله (لا تنقض اليقين بالشكّ) مفهوم الوحدة فمن الواضح أنّ هذا المفهوم لم يؤخذ عن طريق ذكر كلمة الوحدة في الدليل، وغاية ما هنا أنّ يدّعى أنّ حذف المتعلّق أو ذكر كلمة النقض مثلاً يدلّ على أخذ مفهوم الوحدة، وعندئذ نقول: إنّ مثل حذف المتعلّق أو كلمة النقض لا يدلّ على أكثر من مفهوم الوحدة العرفية، وإن شئت فقل: إنّ كلمة النقض أو حذف المتعلّق ووحدة السياق لا يدلّ على مفهوم الوحدة، وإنّما يدلّ على مفهوم الاتّفاق في عمدة الأجزاء والصفات مثلاً، فإنّ ذلك يكفي في تبرير وحدة السياق واستعمال كلمة النقض، كما أنّ

530

الوحدة الدقيّة لا تكفي لتبرير ذلك، وهذا ـ أيضاً ـ يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة ولو بأن يقال: إنّ وحدة السياق مثلاً تدلّ على أخذ هذا المفهوم حقيقةً لا على أخذ مفهوم الاتّفاق في عمدة الأجزاء والصفات، أو فلنفترض أنّ كلمة الوحدة موجودة في الرواية لكنّنا نقول مع ذلك: إنّ العبرة بالوحدة العرفية دون العقلية ؛ وذلك لأنّ المسامحات العرفية في التطبيق قد تسري إلى المفهوم، وتوسّع أو تضيّق المفهوم، وعندئذ تكون متّبعة لا محالة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فليست المسامحة العرفية في التطبيق في المقام من قبيل مسامحات العرف في التطبيق في الأوزان والمقادير، وإنّما هي من قبيل مسامحة العرف في ماهية الأشياء، حيث ينكرها عند ضئالتها، فمثلاً حينما توجد أجزاء صغار من الدم لا ترى إلاّ بالمجهر ينكر العرف وجود الدم ؛ لعدم إدراكه للمصداق، وهذا المسامحة في التطبيق سارية إلى المفهوم، فأصبح مفهوم الدم لا يشمل إلاّ ما يكون واجداً لدرجة مخصوصة من الحجم تُرى بالعين المجرّدة، وفيما نحن فيه ـ أيضاً ـ نقول: إنّ مفهوم الوحدة قد وسّعت في نظر العرف، فتشمل الوحدة العرفية حقيقةً، فمفهوم الواحد صادق حقيقة على جبل رأيناه مثلاً في سنة ثمّ رأيناه بعد مئآت السنين بالرغم من أنّه في خلال هذا الأمد الطويل قد تغيّر وتبدّل كثير من أجزائه، وأيضاً نقول: إنّ مفهوم الوحدة قد ضيّقت في نظر العرف، فلا تشمل الوحدة التي تكون فلسفية فحسب ولا تكون عرفية. وهذا الوجه أيضاً يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة في الكلام، وافترضنا أنّ المسامحة في التطبيق لم تسرِ إلى المفهوم، قلنا مع ذلك: إنّ المسامحة في التطبيق على قسمين:

1 ـ المسامحة الواضحة التي يعترف العرف بكونها مسامحة، كما في مسامحته في الوزن والمقدار. فيطلق الفرسخ مثلاً على مسافة أقلّ من الفرسخ بمقدار شبر، والاوقيّة على ما يقلّ عنها بمثقال، لكنّه لو سُئل العرف عن أنّ هذا هل هو فرسخ أو اوقية بالضبط لقال: لا، وقال: إنّما هو كذلك تقريباً. وفي هذا القسم لا تكون مسامحته متّبعة في الحكم الشرعي، ولا تكون حجة.

2 ـ المسامحة التي تَعبرُ على العرف ولا يلتفت إلى كونها مسامحة، ومسامحته في تطبيق مفهوم الوحدة ان تنزّلنا عن دعوى سرايتها إلى المفهوم فلا أقلّ من كونها من هذا القبيل، أي: إنّها سنخ مسامحة لا يعترف العرف بما هو عرف بأنّها مسامحة، بخلاف مسامحته في ما يقلّ عن الفرسخ بشبر، فلو سُئل العرف أنّ هذا الجبل هل هو عين الجبل الذي كان قبل مئآت

531

السنين بالضبط يقول: نعم، هو عينه بالضبط، في حين أنّنا نعلم بتبدّل كثير من أجزائه، وهذا النوع من المسامحة ـ بالرغم من فرض عدم سرايته إلى المفهوم ـ يؤثّر في فهم المقصود من الألفاظ، ويكون حجّة.

وتوضيح ذلك: أنّ الكلام الدالّ على مفهوم مشتمل على مصاديق لو استعمل وكان ذلك المفهوم قد اُخذ بما هو مرآة إلى المصاديق تكون له دلالتان:

الاُولى: دلالة اللفظ على المفهوم، وإحضار المفهوم في الذهن باللفظ. وهذه ليست دلالة تكوينية عقلية وإنّما هي دلالة عرفية بلحاظ الربط الخاصّ الذي جعل بين اللفظ والمعنى، فأصبح اللفظ آلة لإحضار المعنى.

والثانية: دلالة اللفظ على المصاديق عن طريق المفهوم، أي: إحضار المصاديق في الذهن بالمفهوم. وهذا هو المقصود الأقصى للمتكلّم، وإحضار المفهوم لمصاديقه الحقيقية يكون دلالةً تكوينيّة عقلية، وإحضاره لمصاديقه العرفية المسامحية التي لا يعترف العرف بالمسامحة فيها يكون دلالة عرفية، ويكون هذا حجّة وداخلاً في باب المداليل اللفظية. وبهذا يثبت أنّ الوحدة في المقام إذا كانت عرفية لا عقلية فهي من المصاديق التي يدلّ المفهوم على إرادتها عرفاً، فيكون الاستصحاب حجّة فيها. وهذا هو الجانب الإثباتي من المدّعى ولكن لا يثبت بذلك الجانب السلبي وهو عدم حجّيّة الاستصحاب إذا كانت الوحدة عقلية فحسب.

ومنها: أنّنا لو سلّمنا خروج المصاديق العرفية للوحدة من باب المداليل اللفظية، قلنا: إنّه باعتبار أنّ مسامحة العرف هنا سنخ مسامحة لا يلتفت هو إليها، ولا يعتبرها مسامحة ينعقد في المقام إطلاق مقامي، فإنّ الشارع لو لم يكن يرضى بإجراء الاستصحاب في موارد الوحدة العرفية لكان عليه أن ينبّه على ذلك ؛ لأنّ العرف بصرف طبعه سوف يعمل بدليل الاستصحاب في تلك الموارد، وكذلك ينعقد الإطلاق المقامي لإخراج الموارد التي تكون الوحدة فيها عقلية فحسب، من باب أنّ العرف لو خلّي وطبعه لما أجرى الاستصحاب في تلك الموارد، فلو لم يكن الشارع راضياً بذلك لكان عليه التنبيه، فهذا الوجه يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

إلاّ أنّ الإطلاق المقامي في موارد غفلة العرف إنّما ينعقد إذا لم تكن موارد الغفلة نادرة، ولم يكن التفاوت بين ما يفهمه العرف بغفلته وبين الواقع قليلاً بحيث يكون من الطبيعي أن لا يهتمّ المتكلّم بالتنبيه عليه، وإلاّ لما انعقد الإطلاق المقامي.

532

بقي الكلام في شيء، وهو: أنّنا ـ كما عرفت ـ طرحنا في المقام أمرين متقابلين، فجعلناهما مداراً للبحث: أحدهما النظر العقلي، والثاني النظر العرفي، وتكلّمنا في تعيين أحدهما في مقابل الآخر، إلاّ أنّ الأصحاب قد طرحوا في المقام ثلاثة اُمور متقابلات: النظر العقلي، والنظر العرفي، والنظر الدليلي، فما هو محتوى هذا الأمر؟

إنّنا تارةً نفترض أنّا نتكلّم في تشخيص موضوع الحكم ابتداءً، وتعيين أنّ القيد الفلاني هل هو حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية، واُخرى نفترض أنّنا نتكلّم في قياس الباقي ـ على تقدير البقاء ـ إلى الحادث، ونرى أنّه هل يعتبر عين الحادث وبقاءً له، أو لا؟

فإن اخترنا في البحث الأوّل بالنسبة لقيد من القيود أنّه حيثية تعليلية، واخترنا في البحث الثاني أنّ ذهاب الحيثية التعليلية لا يضرّ بوحدة الباقي مع الحادث، جرى الاستصحاب، وإلاّ فلا.

فإن قصدوا إيقاع المقابلة بين الأنظار الثلاثة في البحث الأوّل، وهو تشخيص موضوع الحكم ابتداءً، فالذي يبدو: أنّه لا معنى لإيقاع المقابلة بين اُمور ثلاثة: الموضوع الدليلي، والموضوع العقلي، والموضوع العرفي ؛ لأنّ الفهم العقلي والعرفي إنّما هما يؤثّران في تشخيص مفاد الدليل، وليس الموضوع العقلي والعرفي شيئين في مقابل الموضوع الدليلي.

والبيان المَدْرَسي الذي يذكر في مقام توضيح هذه الاُمور الثلاثة المتقابلة هو أنّ الموضوع الدليلي يتعين على ضوء صيغة الدليل، فان معنى كون الحيثية تقييدية هو أنْ تكون في عالم الجعل مأخوذة قيداً ووصفاً للموضوع، ومعنى كونها تعليلية كونها مأخوذة في عالم الجعل شرطاً للحكم، لا قيداً للموضوع. وفي مقام تعيين ذلك بحسب النظر الدليلي نرجع إلى صيغة الدليل، فلو قال مثلاً: (الماء المتغيّر نجس) كان ظاهر ذلك أنّ التغيّر حيثية تقييدية، ومأخوذة في عالم الجعل وصفاً وقيداً للموضوع، ولو كانت الصيغة بلسان الشرط لا الوصف بأن قال: (الماء إذا تغيّر تنجّس) كان ظاهر ذلك أنّه حيثية تعليلية.

وأمّا بلحاظ الموضوع العقلي فجميع الحيثيات ترجع إلى الحيثيات التقييديّة ببرهان عقلي يفترض في المقام.

وأمّا بلحاظ الموضوع العرفي فالأمر يختلف باختلاف مناسبات الحكم والموضوع، فقد يرى العرف شيئاً حيثية تقييدية ولو اُخذ في لسان الدليل على نحو الشرطية، وقد يراه حيثية تعليلية وإن اُخذ في لسان الدليل على نحو الوصفية.

إلاّ أنّ فرض أشياء ثلاثة متقابلة بهذا البيان غير صحيح، فإنّ فهم مفاد الدليل ليس على

533

أساس المعاني اللغوية الموجودة في كتاب القاموس فحسب، وإنّما هو على ضوء مجموعة القرآئن الحالية والمقالية اللفظية واللبيّة والملاحضات العرفية والعقلية، وطبعاً مع فرض التعارض بين فهم عرفي وفهم عقلي قطعي يقدّم الثاني.

إلاّ أنّه يمكن أن يبيّن التقابل بين الاُمور الثلاثة ببيان آخر، وهو: أنْ ينظر إلى النظر الإنشائي للعرف والعقل، لا النظر الإخباري. وتوضيحه: أنْ يقال: إنّ العرف قد يكون له نظر إنشائي في حيثية، أي: إنّه لو اُعطي بيده التشريع لشرّع بنحو تصبح تلك الحيثية حيثية تعليلية مثلاً، وإن كان يعترف بالفعل أنّ شريعة الإسلام جعلت الحيثية تقييدية، أو بالعكس، وكذلك العقل قد يكون له نظر إنشائي بمعنى أنّ العقل في مستقلاّته العقلية دائماً يأخذ الحيثيات تقييدية، وإن كان يعترف أنّ شريعة الإسلام في أحكامها قد أخذت بعض الحيثيات تعليلية، ولذا ذكر الشيخ الأعظم (رحمه الله) الإشكال في جريان الاستصحاب في أحكام العقل من باب أنّ الحيثيات فيها دائماً تقييدية، فدائماً يتعدّد الموضوع بزوال أيّ قيد من القيود، وعندئذ فيقصد بالنظر الدليلي ما يفهم من شريعة الإسلام بمقتضى أدلّتها، ويقصد بالنظر العقلي والعرفي النظر الإنشائي لهما، لكن بناءً على هذا الاُسلوب من بيان الفرق بين الأنظار الثلاثة تكون مرجعية النظر الدليلي في غاية الوضوح، فإنّ المفروض أنّنا نتكلّم في موضوع حكم شرعي، والعقل والعرف معترفان بأنّ الحيثية الفلانية المأخوذة في موضوعه تقييدي أو تعليلي، فلا محالة قد تعيّن موضوع الحكم، ولا معنى لفرض الحيثية تعليلية (حتّى مع اعتراف العرف بأنّها اُخذت في الشريعة تقييدية) لمجرّد أنّ العرف لو كان هو المشرّع لجعلت الحيثية تعليلية مثلاً، كما لا معنى لفرض الحيثية تقييدية (حتى مع اعتراف العقل بأنّها اُخذت في الشريعة تعليلية) لمجرّد أنّ العقل في مستقلاّته العقلية يأخذ كلّ الحيثيات تقييدية لبرهان مفروض هناك، وقد تحصّل: أنّ العبرة على ـ أيّ حال ـ بالنظر الدليلي.

وإن قصدوا إيقاع المقابلة بين الأنظار الثلاثة في البحث الثاني، وهو الاتّحاد بين الباقي والحادث، فهنا يكون الميزان في الاتّحاد: إمّا هو العقل، وهو يحكم بزوال الاتّحاد بسبب زوال أيّ قيد من القيود ولو كان حيثية تعليلية. وإمّا هو العرف، وهو يحكم بأنّ الاتّحاد لا يزول إلاّ بزوال الحيثية التقييدية دون التعليلية، ولا معنى هنا لفرض النظر الدليلي في مقابل النظر العقلي والعرفي، فإنّ الدليل لا يتكلّم عن مسئلة الاتّحاد بين الحادث والباقي.

وطبعاً الصحيح من هذين الوجهين هو كون العبرة بالنظر العرفي لا النظر العقلي ؛ لما عرفت من الوجوه. إذن فمهما أردنا إجراء الاستصحاب نأخذ كبرى المطلب من البحث

534

الثاني، أي نقول: إنّه إذا كانت الحيثية تعليلية فالاتّحاد ثابت بالنظر العرفي، وهو يكفي، ونأخذ صغرى المطلب من البحث الأوّل، أي: إنّنا نبني على كون الحيثية تعليلية إذا كان النظر الدليلي يقتضي ذلك.

هذا كلّه تمشّياً مع الاُسلوب الذي اتّخذه القوم من التعبير بالحيثية التعليلية والحيثية التقييدية.

والصحيح: أنّ كون الحيثية مأخوذة في مرحلة الجعل بنحو التقييد والوصف، وكونها مأخوذة بنحو التعليل وشرطاً للحكم لا دخل له أبداً في جريان الاستصحاب وعدمه، كما أنّ كون القيد بحسب عالم الملاكات قيداً مهمّاً أو غير مهمّ ـ أيضاً ـ لا دخل له أبداً في جريان الاستصحاب وعدمه، وإنّما العبرة بكون العرف هل يستهين بالقيد الفلاني ويراه ضئيلاً لا يضرّ زواله بالاتّحاد، أو لا يستهين به، فإن كان يستهين به ويرى انحفاظ الوحدة بعد زواله يجري الاستصحاب، وإلاّ فلا، إذن فكون الحيثية تعليلية ليس صغرى للمطلب نحتاج إلى إثباته بالنظر الدليلي، أو العقلي، أو العرفي، وإنّما هذا عنوان انتزاعي ننتزعه من مجموعة القيود التي يستهين بها العرف، فلا نحتاج في المقام إلى بحثين: أحدهما ينقّح الصغرى، وهو تشخيص الموضوع للحكم حدوثاً، وأنّ القيد الفلاني هل هو حيثية تعليلية أو تقييدية. والآخر ينقّح الكبرى، وهو أنّ زوال الحيثية التعليلية هل يضرّ بالوحدة أو لا، بل رأساً نبحث عن الوحدة بين الباقي والحادث، ونقول: إنّ العرف يستهين ببعض القيود، ولا يرى زواله مضرّاً بالوحدة، ولا يستهين ببعضها ويرى زواله مضرّاً بالوحدة.

وأمّا تشخيص موضوع الحكم حدوثاً بأيّ نظر من الأنظار الثلاثة، فمما لا يرتبط بالمقام أصلاً.

هذا. ونحن إلى هنا كنّا نتكلّم في هذه الأنظار الثلاثة في تشخيص الموضوع، أو الوحدة بحسب عالم المفاهيم مشياً على مشرب القوم، ولكنّ الصحيح عندنا ما عرفت من أنّه لا عبرة بالاتّحاد المفهومي وعدمه ؛ لأنّنا لا نجري الاستصحاب بلحاظ عالم الجعل الذي يكون موضوعه مفهوماً من المفاهيم، وإنّما نجري الاستصحاب بلحاظ عالم الوجود الخارجي، والحكم الفعلي وموضوعه هو المصداق الخارجي، فزوال التغيّر مثلاً لا يضرّ ولو فرض من أهمّ القيود في نظر العرف بلحاظ عالم المفاهيم، وإنّما العبرة بزوال ما يضرّ زواله بوحدة الوجود الخارجي، وهنا ـ أيضاً ـ إنّما يتصوّر نظران: النظر العقلي والنظر العرفي، ولا يتعقّل هنا نظر ثالث باسم النظر الدليلي. والصحيح هو النظر العرفي ؛ لما مرّ.

535

هذا. ومّما ذكرنا تبيّن الحال في الاستصحاب في الشبهات الحكمية الجزءية، أعني استصحاب الحكم في الشبهة الموضوعية، فإنّ الحال في ذلك عين الحال في الشبهات الحكمية الكلّية.

توضيح ذلك: أنّنا لو كنّا نعرف أنّ زوال التغيّر يوجب زوال النجاسة لكنّنا شككنا في زوال التغيّر، فعندئذ إن كان زوال التغيّر ممّا يضرّ بالوحدة (فلا يجري استصحاب الحكم الكلّي لو شكّ في زوال التغيّر) فهنا ـ أيضاً ـ لا يجري استصحاب الحكم ؛ لأنّنا نحتمل زوال التغيّر الذي هو مضرّ بالوحدة، أي: نحتمل زوال الوحدة، فالتمسّك بالاستصحاب تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، وإن كان زوال التغيّر ممّا لا يضرّ بالوحدة (فيجري استصحاب الحكم الكلّي لو شكّ في زواله بزوال التغيّر) إذن فلا معنى لكون احتمال زوال التغيّر مانعاً عن الاستصحاب في المقام.

هذا تمام الكلام في الاستصحاب الحكمي.

وأمّا الكلام في الشبهات الموضوعية، أعني الاستصحاب الموضوعي، فقد قسّموا المستصحب هنا إلى قسمين:

الأوّل: ما يعبّر عنه بالمحمولات الأوّلية، ويقصد به الوجود والعدم.

والثاني: ما يعبّر عنه بالمحمولات الثانوية، وهي العوارض المتأخّرة عن ذلك، كالعدالة والفسق.

ومنشأ الإشكال في الاستصحاب فيهما هو تعبير الشيخ الأعظم (قدس سره) حيث عبّر باشتراط بقاء الموضوع، فيقال في المحمولات الأوّلية: إنّ الموضوع في استصحاب وجود زيد مثلاً هو ذات الماهية، ولا معنى لبقائها إلاّ وجود زيد في الزمن المتأخّر، ومع فرض إحراز وجوده لا حاجة إلى الاستصحاب، ومع الشكّ لم يحرز بقاء الموضوع.

إلاّ أنّ التعبير الأحسن هو تعبير صاحب الكفاية (رحمه الله) وهو التعبير باشتراط وحدة القضية المشكوكة مع القضية المتيقّنة(1)، وهذه الوحدة محفوظة في المقام، فإنّ القضية المتيّقنة هي (زيد موجود) والقضية المشكوكة ـ أيضاً ـ هي (زيد موجود)، فانحلّ الإشكال.

هذا في المحمولات الأوّلية.

ويقال في المحمولات الثانوية كما في استصحاب العدالة: إنّه لو علم ببقاء زيد فلا إشكال


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 346 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقات المشكيني.

536

في استصحاب عدالته. وأمّا إذا لم يعلم ببقائه فاحتملنا موته، كما احتملنا حياته مع العدالة وحياته مع الفسق، فأيضاً يشكل الاستصحاب ؛ لعدم إحراز بقاء الموضوع.

وأيضاً تنحل المشكلة بالرجوع إلى ما عرفته من تعبير صاحب الكفاية، فإنّ القضية المتيّقنة مع القضية المشكوكة شيء واحد، وهي (زيد عادل).

 

 

537

 

 

 

نسبة الاستصحاب إلى الأمارات وسائر الاُصول

ووجه تقديم بعضها على بعض

 

وأمّا الأمر الثاني، وهو نسبة الاستصحاب إلى الأمارات وسائر الاُصول، ووجه تقديم هذه الاُمور بعضها على بعض.

فبما أنّ هذا البحث يأتي فيه كثيراً ذكر الحكومة والورود ونحو ذلك، فلا بدّ لنا أن نشرح قبل الشروع في صلب البحث هذه المصطلحات بحدودها الواقعية المختارة، فنقول:

إنّ كلّ دليل حينما يقاس إلى دليل آخر يخالفه في الحكم: فإمّا أن يفرض التعارض بينهما، وهذا لا كلام فيه هنا، أو يفرض تقدّم أحدهما على الآخر، وفرض التقدّم له أحد ملاكين:

الملاك الأوّل، هو ملاك إفناء الموضوع حقيقة، فإذا كان أحد الدليلين مُفنياً لموضوع الدليل الآخر، فمحموله لا يبقى له موضوع حتّى يعارض محمول ذلك الدليل، وهذا الإفناء تارةً يكون بلسان الإخبار كما لو قال: (اكرم العلماء) ثم أخبر بعدم كون زيد عالماً، وهذا ما يسمّى بالتخصّص. واُخرى يكون بلسان الإنشاء والتعبّد، كما لو قال: (متى ما لم تقم الحجّة على الإلزام جرت البراءة) ثم حكم بوجوب شيء او حرمته وأقام الحجّة على ذلك. وهذا ما يسمّى بالورود، وهذا على قسمين:

الأول: أن يكون الدليل المورود بطبعه اللغوي العامّ بنحو تتضيّق دائرته بالدليل الوارد، كما في المثال الذي ذكرناه.

والثاني: أنّ لا يكون الدليل المورود بطبعه اللغوي العامّ كذلك، ولكن المتكلّم يجري في كلامه على ادّعاءآت سكّاكية مختصّة به، فوفقاً لتلك الادّعاءآت يحصل الإفناء، مثاله ما إذا قال: (أكرم العالم) ونحن نعرف أنّ هذا المتكلّم يرى بعض العلماء بنظره الاعتباري والانشائي غير عالم، وبعض الجهلاء بهذا النظر عالماً فعرفنا أنّ مقصوده من قوله: (أكرم العالم) (أكرم من هو عالم بنظري السكّاكي والاعتباري) فحينما يُنشئ عدم عالمية زيد ويجعله تعبّداً وبنحو المجاز السكّاكي غير عالم يُفني بذلك ـ لا محالة ـ موضوع (أكرم العالم).

ويظهر من بعض كلمات المحقّق النائيني (رحمه الله) أنّ هذا داخل في الحكومة، لا في الورود.

538

وطبعاً لا مشاحّة في الاصطلاح، لكنّنا نقصد من كون ذلك داخلاً في الورود أنّ نكتة التقدّم في هذا القسم والقسم السابق واحدة، وهي إفناء الفرد من أفراد الموضوع، كما أنّ نكتة التقدّم في الورود والتخصّص واحدة.

الملاك الثاني، هو القرينية، بأن يتقدّم أحد الدليلين على الآخر باعتبار أنّ المتكلّم جعله قرينة على مراده من الدليل الآخر، وأوجب علينا الرجوع في فهم مراده إلى ذلك الدليل.

أمّا الكبرى وهي أنّه إذا كان الأمر هكذا تقدّم ذلك الدليل عليه، فهو أمر واضح، فإنّ المفروض أنّ المتكلم هو الذي فرض الرجوع في فهم مراده إلى الدليل الفلاني، وجعله قرينة على مراده من الدليل الأوّل، فتقديمه عليه يكون من القضايا التي قياستها معها.

وأمّا الصغرى وهي أنّه كيف يجعل ذلك قرينة عليه؟ فنقول: إنّ هذا على قسمين:

الأوّل: أنْ يكون المولى متصدّياً بالخصوص لبيان ناظرية هذا الدليل إلى الدليل الآخر، فيكون كما لو صرّح بأنّ الكلام الثاني منّي شارح لمرادي من الكلام الأوّل، كما قال بالنسبة لمحكمات الكتاب ومتشابهاته: إنّ المحكمات هنّ اُمّ الكتاب، وإنّها المرجع في مقام فهم المتشابهات، غاية ما هناك أنّه لم يصرّح في المقام بهذا النحو، إلاّ أنّه جعل في الدليل الثاني نكتة توجب ظهوره في النظر إلى الدليل الأوّل، وهذا ما يسمّى بالحكومة، وذلك يكون بأحد أنحاء عديدة:

1 ـ أن يكون بلسان التفسير بأي وأعني ونحو ذلك.

2 ـ أن يكون بلسان التنزيل، كأن يقول: (زيد عالم) أي: منزّل منزلة العالم، أو يقول: (زيد ليس عالماً) أي: منزّل منزلة غير العالم فإنّ التنزيل لا يكون إلاّ مع فرض أثر مسبقاً، فهو ـ لا محالة ـ ناظر إلى ذلك الأثر والحكم.

3 ـ أن يكون مضمون الدليل الثاني بنحو يتبادر إلى ذهن العرف منه لمناسبات الحكم والموضوع مفاد الدليل الأوّل، والفراغ عنه، مثاله: نسبة دليل نفي الحرج إلى أدّلة الأحكام الأوّلية، فإنّه لا يتبادر إلى الذهن من ملاحظة أدلّة الأحكام الأوّلية دليل نفي الحرج، لكنّه يتبادر إلى الذهن من ملاحظه دليل نفي الحرج الأحكام الأوّلية والفرغ عنها، ولعلّ نكتة ذلك في هذا المثال أنّ العرف لم يكن يترّقب من الشارع تخصيص أحكامه بخصوص صورة الحرج، بأن يقول مثلاً: (إذا أصبح الوضوء حرجياً عليك لشدّة البرد وجب عليك الوضوء) وإنّما الذي كان مترّقباً من الشارع هو أن تمتدّ نفس أحكامه الأوّلية بإطلاقها إلى صورة الحرج.

539

الثاني: أن لا يكون المولى متصدّياً بالخصوص لبيان ناظرية هذا الدليل إلى ذاك الدليل وتحكيمه عليه، لكن بناء العرف العامّ يكون على ذلك، مثاله هو بناء العرف العامّ على تحكيم الخاصّ على العامّ ـ على الأقلّ في خصوص المخصّصات المتّصلة، كما إذا قال: (أكرم كلّ عالم ولا تكرم فسّاق العلماء) ـ وهذا ما يسمّى بالتخصيص وشبهه.

وبهذا اتّضحت نكتة أقوائية الحكومة من التخصيص، وهو أنّ المتكلّم في الحكومة بنفسه تصّدى لبيان الناظرية، وفي التخصيص ليس الأمر هكذا، وإنّما بناء العرف العامّ على ذلك، فنحتاج إلى إجراء أصالة عرفيّة المولى.

إذا عرفت هذا قلنا: إنّ الكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في تقدّم الأمارات على الاُصول.

والثاني: في نسبة الاُصول بعضها مع بعض.

 

المقام الأوّل: في تقدّم الأمارات على الاُصول

ويقع الكلام فيه في جهتين:

الاُولى: في تقدّمها على الاُصول بملاك إفناء الموضوع.

والثانية: في تقدّمها عليها بملاك القرينيّة.

أمّا الجهة الاُولى، وهي تقدّم الأمارات على الاُصول بملاك الإفناء، فطبعاً لا يترقّب دعوى تقدّمها عليها بالتخصّص ؛ إذ لا تُفني بلسان الإخبار، وإنّما الذي يمكن أن يدّعى هو التقدّم بالورود، وقد عرفت أنّ الورود على قسمين، وهنا يمكن دعوى كلّ واحد من قسمي الورود:

أمّا القسم الأوّل، وهو الورود بلحاظ المدلول اللغوي العامّ، فيمكن دعواه في المقام بأحد وجهين:

الوجه الأوّل: أن يقال: إنّ المتفاهم عرفاً ـ ولو بواسطة بعض القرائن ـ من العلم الذي هو غاية للاُصول هو مطلق الحجّة مثلاً، لا خصوص العلم بمعنى القطع، فالأمارة تُفني موضوع الأصل بالتعبّد وإقامة الحجّة.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ المتفاهم من العلم المأخوذ غاية للاُصول وإن كان هو القطع، لكنّ المتفاهم عرفاً من أدلّة الاُصول ـ ولو بواسطة بعض القرائن ـ أنّ متعلّق العلم ليس هو الحرام الواقعي مثلاً في قوله: (حتّى تعلم أنّه حرام) أو النقيض الواقعي للمتيّقن السابق في

540

الاستصحاب، بل مطلق ما ثبت بالحجّة مثلاً حرمته، أو كونه نقيض المستصحب، والمفروض أنّ الأمارة تثبت ذلك.

وهذان الوجهان غير صحيحين ؛ إذ حمل العلم على معنىً أعمّ من القطع، وهو مطلق قيام الحجّة مثلاً، أو حمل المتيقّن أو الحرام على معنى أعمّ من نقيض المتيّقن السابق، أو الحرمة الواقعية وهو مطلق ما ثبت بالحجّة كونه كذلك، خلاف الظاهر ومؤونة زائدة تحتاج إلى قرينة، والقرائن التي يمكن ذكرها في المقام كلّها غير صحيحة، كما سوف يتّضح ـ ان شاء الله ـ حينما نتكلّم عن حكومة الأمارات على الاُصول.

وأمّا القسم الثاني، وهو الورود بلحاظ اعتبارات خاصّة للمتكلّم، فيمكن دعواه في المقام ـ أيضاً ـ بأحد وجهين:

الوجه الأوّل، أن يقال: إنّ الشارع له اعتبارات خاصّة في العلم، ومقصوده من العلم في دليل جعله غايةً للاُصول ما يراه هو علماً، ودليل حجية الأمارة دلّ على أنّه يرى الأمارة علماً.

ويستفاد من بعض كلمات مدرسة المحقّق النائيني (رحمه الله) أنّ هذا الوجه داخل في الحكومة.

لكنّ التحقيق أنّه إن فرض أنّ مقصود الشارع من العلم في دليل جعله غاية للاُصول ما هو يراه علماً، إذن فدليل جعل الأمارة علماً يُفني موضوع الأصل حقيقةً، وهو الورود. وإن فرض أنّ المقصود هو العلم الحقيقي إذن فدليل اعتبار الأمارة علماً لا يحقّق الورودَ ولا الحكومة إلاّ إذا ضمّت إلى ذلك مسألة النظر، فأصبح حكومة بملاك النظر، وإلاّ فمجرّد اعتباره غير العلم علماً لا قيمة له.

الوجه الثاني، أن يقال: إنّ الشارع له اعتبارات خاصّة في المتيّقن، ومتعلّق العلم، فيقصد مثلاً بالحرام في قوله: (حتّى تعلم أنّه حرام) وبنقيض المتيّقن السابق في الاستصحاب ما هو يراه حراماً أو نقيضاً للمتيّقن السابق، وعندئذ يدّعى أنّ دليل حجّيّة الأمارة مفاده هو جعل الحكم المماثل، فبذلك يعلم بما يراه الشارع حراماً، أو نقيضاً للمتيقن، فتحصل الغاية.

ولا يرد على ذلك كلام المحقّق الخراساني (رحمه الله) في مسألة قيام الأمارة مقام العلم الموضوعي، حيث إنّ أحد تقريبات قيامها مقامه هو دعوى أنّ تنزيل المؤدّى منزلة الواقع يجعل العلم بالمؤدّى منزلة العلم بالواقع، فاعترض عليه المحقّق الخراساني (رحمه الله) بأنّه لا ملازمة بين كون المؤدّى بمنزلة الواقع وكون العلم به بمنزلة العلم بالواقع، فهذا الكلام وإن كان فنّيّاً

541

هناك إلى حدٍّ، لكنّه لا يأتي على التقريب الذي نحن فرضناه ؛ إذ نحن فرضنا التوسعة في مفهوم الحرام أو متعلّق اليقين الذي جعل غاية للأصل بحيث توجب الأمارة العلم بفرد من أفراد ذلك المفهوم حقيقةً، وبكلمة اُخرى: أنّ هذا الإشكال إنّما يرد على تقريب الحكومة، لا تقريب الورود.

هذا. ولو تمّت المدّعيات في هذين الوجهين ثبت ورود الأمارة على الاُصول، إلاّ أنّه يبقى سؤال في المقام وهو: أنّه لماذا لا نعكس المطلب وندّعي في الاُصول التي يمكن فيها دعوى جعل اليقين أو المتيّقن أنّها واردة على الأمارة، فمثلاً يقال في الاستصحاب: إنّ مفاده جعل اليقين، فيكون وارداً على حجّيّة الأمارة المغيّاة باليقين بالخلاف، وفي أصالة الحلّ التي يسمّونها بالأصل التنزيلي بدعوى أنّها تجعل الحلّ بلسان أنّه هو الحلّ الواقعي يمكن أن يقال: إنّها واردة على الأمارة حينما ينافيها؛ لأنّها تفيد اليقين الواقعي بمتيّقن اعتباري يخالف مفاد الأمارة، فالتوارد يكون من الطرفين.

ويمكن الجواب على ذلك بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال: إنّ دليل حجّية الأمارة نصّ في موارد الاُصول ؛ لأنّ دليل حجّيّة خبر الثقة والظهور هو السيرة العقلائية أو المتشرعية، وهي ثابتة في موارد الاُصول، فحتماً يجب أن يكون موضوعها بنحو لا ينتفي بالاُصول.

ويرد عليه: أنّ هذا معناه تقدّم الأمارة على الاُصول بملاك آخر غير ملاك الورود وإفناء الموضوع، وهو ملاك النصوصية. نعم، في طول النصوصية يقع بحث علمّي صِرف في أنّه هل تكون الأمارة مقدّمة على الأصل واردة عليه أو مخصصة له مثلاً، وهذا خُلف ما كان المفروض، وهو إثبات تقدّم الأمارة بملاك الإفناء.

الثاني: أن يقال: إنّ الأصل اُخذ في موضوعه عدم العلم، لكن الأمارة لم يؤخذ في موضوعها عدم العلم.

وهذا الوجه فيه اتّجاهان:

الاتّجاه الأوّل، هو اتّجاه كان يوجد قبل الميرزا، ويستفاد ـ أيضاً ـ من بعض عبائر الميرزا(رحمه الله)، وهو دعوى الفرق الثبوتي وبحسب مرحلة الجعل بين الاُصول والأمارات، فالمولى جعل الاُصول على موضوع الشكّ وعدم العلم، ولكنّه حينما جعل الأمارات لم يقيّد موضوعها بعدم العلم، فالشك وعدم العلم ليس موضوعاً للأمارات، وإنّما هو مورد لها، إذن فمن الطبيعي ـ بناءً على هذا الاتّجاه ـ أن تفني الأمارة موضوع الأصل، وهو عدم العلم، ولا

542

يفني الأصل موضوع الأمارة ؛ إذ ليس من موضوعها عدم العلم حتّى يُفنى بالأصل.

ولكن يرد على ذلك: انّه إن قصد بعدم دخل الشكّ وعدم العلم في موضوع الأمارات عدم كونه مقدّر الوجود، فهذا مستحيل ؛ إذ لولا تقييدها بوجه من الوجوه بالشكّ للزمت حجّية الأمارة مطلقاً حتّى مع العلم بالخلاف، وهذا غير معقول، ولا يرتفع الإطلاق إلاّ بالتقييد.

وإن قصد بكون الشكّ مورداً للأمارات لا موضوعاً لها أنّه لم يؤخذ حيثية تقييدية وإنّما أخذ بنحو الشرط، أي: إنّه لم يقل: خبر الثقة حجّة على الشاكّ، وإنّما قال: خبر الثقة حجّة على الإنسان إن كان شاكّاً، قلنا: إنّ هذا يكفي في ورود الاُصول عليها؛ إذ على أيّ حال أصبح الشكّ وعدم العلم دخيلاً في الحكم بوجه من الوجوه، ومفروض الوجود، ولا نقصد نحن بالموضوع إلاّ هذا، والأصل يرفع ذلك لا محالة، فلا يبقى مورد للأمارة سواء سمّيتَ هذا الشكّ دخيلاً في الموضوع، أو سمّيته مورداً للأمارة، أو بأيّ اسم آخر.

وإن قصد بالموردية معنى آخر غير هذا فنحن لا نفهمه حتّى نناقشه.

وعلى أيّ حال فنحن نقول: إنّ الشكّ دخيل في حجّية الأمارة حتماً ولو بالنحو الذي قلناه من كونه مقدّر الوجود، وإلاّ لزم حجّية الأمارة في مورد العلم، وهذا يكفي في تحقّق الورود من جانب الأصل.

الاتّجاه الثاني(1)، هو جعل الفرق إثباتياً، وذلك بأن يقال: إنّ الشكّ وعدم العلم وإن كان مأخوذاً ثبوتاً في جعل الاُصول والأمارات معاً، لكنّه بحسب لسان الدليل قد ذكر قيد عدم العلم في أدّلة للاُصول دون أدّلة الأمارات، وهذا يوجب ورود الأمارات على الاُصول دون العكس.

وهذا له تقريبان:

التقريب الأوّل: أنّ يقال: إنّنا قد فرضنا أنّ المقصود بالعلم مثلاً حينما يأتي في كلام الشارع هو ما يراه علماً، وهو أعمّ من العلم الوجداني، وقد جاء في كلامه في أدلّة الاُصول قيد عدم العلم، إذن فينتفي موضوعها بالأمارة المفروض إيجادها للعلم التعبّدي. وأمّا أدلّة الامارات فلم يؤخذ في موضوعها عدم العلم بحسب لسان الدليل حتّى يقال أيضاً: إنّ


(1)هذا الاتّجاه بكلا تقريبيه الآتيين إنّما ينظر إلى الوجه الأوّل من الوجهين الماضيين لتقريب الورود بلحاظ اعتبارات خاصّة بالمتكلّم، أي: الوجه القائل بأنّ المتكلّم له اعتبارات خاصّة في العلم، لا في متعلّق العلم.

543

المقصود هو عدم مطلق العلم ولو كان تعبّدياً، غاية ما هناك أنّ العقل أدرك أنّ جعل الأمارة إنّما يكون مع الشكّ وعدم العلم، وذلك ببرهان استحالة حجّيّة الأمارة مع العلم. وطبعاً هذه الاستحالة العقلية إنّما تختصّ بفرض وجود العلم الوجداني، والأصل لا يحقق علماً وجدانياً حتّى يُفني موضوع الأمارة.

ولكنّ هذا البيان إنّما يتمّ في فرضين:

1 ـ أن يفرض أنّ هذا المخصّص العقلي مخصّص منفصل، ولم يشكّل ارتكازاً كالمتّصل.

2 ـ أن يفرض أنّه شكّل ارتكازاً كالمتّصل، إلاّ أنّ هذا الارتكاز بنفسه يخصّص العامّ من دون أن يصرف الذهنَ إلى أخذ كلمة (عدم العلم) مثلاً في الدليل بأن يكون المتكلّم كأنّه صرّح به، وإنّما حذفه اعتماداً على هذا الارتكاز.

وأمّا لو فرض أنّ هذا المخصّص المتّصل الارتكازي يصرف الذهن إلى كلمة محذوفة تعبّر عنه بتعبير عرفي، وطبعاً ليس من اللازم أن يكون مفاد تلك الكلمة مساوياً لمفاد ذلك الارتكاز حتّى تختصّ بالعلم الوجداني، بل تكون أكبر منه باعتبار أنّ الكلمة العرفية التي يمكن انسباق الذهن إليها في المقام، وتعدّ أنّ المتكلم كأنّه صرّح بها هي كلمة (عدم العلم) مثلاً، وهي حسب الفرض تفيد نفي العلم الوجداني والتعبدي معاً، فيصير التوارد ـ أيضاً ـ من الطرفين ؛ لأنّه في الحقيقة أخذ قيد عدم العلم في لسان الدليل من كلا الطرفين.

التقريب الثاني: أن يقال: إنّ دليل الأصل اقترن بقرينة متّصلة منعته عن إفادة جعل العلم، فلا يكون رافعاً لموضوع الأمارة، لكنّ دليل الأمارة لم يقترن بتلك القرينة، فهو يجعل العلم ويرفع موضوع الأصل، وتلك القرينة هي أخذ عدم العلم قيداً في موضوع دليل الأصل، فإنّ هذا يمنع عن إفادة الأصل جعل العلم، وإلاّ وقع التهافت بين الموضوع والمحمول.

وفيه: إنّ الموضوع إنّما هو عدم العلم من غير ناحية هذا الجعل، لا مطلقاً، فلا يكون أيّ تهافت بين الموضوع والمحمول.

بقي هنا سؤال، وهو: أنّه هل من الصحيح أنّ عدم العلم لم يؤخذ في دليل الأمارة بغضّ النظر عن المخصّص العقلي، واُخذ في لسان دليل الأصل، أو لا؟

وهذا يرتبط بالفحص عن أدلّة حجّية الأمارة والأصل ؛ فإن فرضنا أنّ دليل حجّية الأمارة منحصر بمثل قوله: (يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني) صحّ ذلك في الأمارة، وإن أتممنا دلالة مثل قوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) كما أتمّ المشهور دلالة هذه الآية، فعندئذ إن فرض أنّ الدليل الذي اُخذ فيه عدم العلم ليس فيه مفهوم يقيّد

544

باقي أدلّة حجّية الأمارة كفى في الإطلاق ذلك الدليل الذي لم يؤخذ فيه عدم العلم، وإن فرض أنّ القضية ذات مفهوم لكونها قضية شرطية مثلاً، إذن فيقيّد بها باقي الأدلّة، ونبتلي مرّة اُخرى بالتوارد من كلا الطرفين.

هذا في جانب الأمارة.

وأمّا في جانب الاُصول فيوجد مالم يؤخذ فيه الشكّ وعدم العلم، كما في بعض أدلّة قاعدة اليد، فإنّهم يقدّمون الأمارة عليها كما يقدّمونها على الاستصحاب والبراءة مثلاً.

والإنصاف: أنّ الإنسان العرفي يفهم أنّ تقدّم الأمارة على الأصل وعدمها غير مرتبط بصدفة من هذا القبيل، أعني وجود كلمة (لا تعلمون) مثلاً في دليل حجّية الأمارة وعدمه، وأنّ الأمارة تقدّم على الأصل سواء وجد مثل ذلك أو لا، فهذه كلّها تلفيقات.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ دعوى ورود الأمارة على الاُصول بلحاظ الاصطلاحات والاعتبارات الخاصّة للمتكلّم موقوفة على ثلاثة افتراضات:

1 ـ افتراض أنّ الشارع حينما يطلق كلمة العلم يقصد به ما هو يراه علماً(1) ونحو ذلك. وهذا شيء يأتي تحقيقه ـ إن شاء الله ـ في بحث التعادل والتراجيح.

2 ـ افتراض أنّ جعل الحجّيّة في الأمارات يكون بمعنى جعل العلم. وهذا شيء مضى تحقيقه في بحث الأحكام الظاهرية.

3 ـ افتراض نكتة للفرق بين الأمارات والاُصول. وهذا ما تكلّمنا عنه هنا.

فإن تمّ مجموع هذه الاُمور (وهو غير تامّ) تمّ الهيكل العامّ لدعوى الورود في المقام.

على أنّه بعد فرض تماميّة هذه الاُمور يوجد هنا إشكال بالإمكان إثارته في المقام، إلاّ أنّنا نؤجّله إلى تقريب حكومة الأمارت على الاُصول ؛ لأنّه إشكال مشترك بين الورود والحكومة.

وعلى أيّ حال، فقد تحصّل عدم تماميّة الورود(2).

واما الجهة الثانية، وهي في تقدم الامارات على الاصول بملاك القرينيّة فنقول قد


(1) هذا في الصيغة الاُولى من صيغتي دعوى الورود بلحاظ المصطلحات الخاصّة للمتكلّم. أمّا في الصيغة الثانية فافتراض إدخال رؤية المتكلّم في تفسير الكلمة إنّما يكون في متعلّق العلم، لا في العلم.

ولعلّ هذا يدخل فيما هو المقصود بما ورد في المتن من كلمة (ونحو ذلك).

(2) سيأتي في بحث تقدّم الاستصحاب على الاصل تقريب آخر لورود الأمارة على أصل البراءة، يذكره اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) ويتبنّاه، إلاّ أنّه لا يثبت به ورود الأمارة على الاستصحاب.

545

عرفت ان القرينيّة على قسمين:

احدهما: ان يكون المتكلم هو الذي تصدى بالخصوص لجعل احد كلاميه قرينة على الاخر وهو ما يسمّى الحكومة.

والاخر: هو ما اذا كانت القرينيّة حسب البناء العرفي العام وهو التخصيص وشبهه اذن فالكلام يقع في مقامين:

المقام الاول: في دعوى حكومة الامارات على الاصول وقد عرفت ان الحكومة والناظرية، تكون بأحد اقسام ثلاثة:

1 ـ النظر التفسيري من قبيل اي واعني.

2 ـ النظر التنزيلي من قبيل الطواف بالبيت صلاة.

3 ـ النظر المضموني من قبيل نفي الحرج.

وفي المقام من الواضح عدم وجود نظر تفسيري للأمارات إلى الاُصول، فالكلام إنّما يقع في القسمين الآخرين من الحكومة.

أمّا القسم الأوّل، وهو النظر التنزيلي، فبالإمكان دعوى أنّ دليل حجيّة الأمارة ينزّل الأمارة منزلة العلم، وفرقه عمّا سبق من الورود واضح، وهو أنّه في الورود كانت الأمارة تعتبر علماً من دون نظر إلى آثار العلم، والمفروض أنّ دليل الأصل جعل الأصل مغيّى بما يراه الشارع علماً، فالأمارة تفني موضوعه. وأمّا هنا فتنزّل الأمارة منزلة العلم في الآثار.

هذا. وكلمات المحقّق النائيني (رحمه الله) مشوّشة في المقام، لا يعلم أنّ المقصود بها الورود أو الحكومة، وهو وإن كان يسمّي ما يذكره بالحكومة، لكن من المحتمل أن يكون مقصوده ما سمّيناه بالورود. وهنا امتيازات بين ذاك الورود وهذه الحكومة قد يؤثّر ذكرها في مقام فهم مقصود المحقّق النائيني (رحمه الله)، وتوضيح معطيات مدرسته في المقام. وأقصد بالامتيازات خصوصيات تشكّل القوّة في فرضية التقدّم الورودي، والضعف في فرضية التقدّم الحكومتي. ونحن نذكر هنا ثلاثة امتيازات:

الامتياز الأوّل: أنّ المقام في الحقيقة صغرىً من صغريات مبحث قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي، وقد استشكل صاحب الكفاية (رحمه الله) في قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي بنفس دليل قيامها مقام القطع الطريقي منطلقاً من فكرة التنزيل، وذلك الإشكال هو: أنّ إقامتها مقام القطع الموضوعي تكون بالنظر الاستقلالي إليها وإلى القطع ؛ لأنّ المفروض ترتيب نفس آثار القطع عليها. وأمّا إقامتها مقام القطع الطريقي فتكون بالنظر الآلي إليهما ؛ إذ

546

المقصود الواقعي هو إقامة المؤدّى مقام المقطوع، لا إقامة الأمارة مقام القطع ؛ لأنّ الأثر الشرعي إنّما هو للمقطوع، وأمّا أثر القطع وهو التنجيز والتعذير فهو أثر عقلي، لا يمكن للشارع إثباته على الأمارة بالتنزيل، فيلزم من إقامة الأمارة مقام القطع الموضوعي والطريقي معاً الجمع بين النظر الآلي والاستقلالي، وهو محال.

ونحن قد أجبنا على هذا الإشكال في محلّه حتّى مع فرض الانطلاق من فكرة التنزيل، لكنّ المقصود هنا إبراز قوّة الورود في مقابل الحكومة من هذه الناحية، فنقول: إنّ هذا الإشكال لو تمّ فإنّما يتمّ في الحكومة، لا في الورود ؛ لأنّه في الحكومة يكون النظر إلى الآثار، والأثر الشرعي تارة يكون للقطع، واُخرى للمقطوع. وأمّا الورود فلا ينظر إلى الآثار، وإنّما يجعل ويعتبر الأمارة علماً، فيثبت لها الآثار بشكل طبيعي حسب ما يفرض من أنّ الأثر الشرعي للعلم جعل على كلّ ما يراه الشارع علماً، وإنّ الأثر العقلي للعلم وهو انقطاع قاعدة قبح العقاب بلا بيان أثر يرتّبه العقل على كلّ ما يراه الشارع علماً ولو لم يكن علماً تكويناً، فلا يقبح العقاب عند وجود علم من هذا القبيل.

الامتياز الثاني: أنّه في الورود يتمسّك لإثبات الآثار على الموضوع الجديد بالدليل المورود لا بالدليل الوارد، وفي التنزيل يتمسّك لإثبات الآثار عليه بالدليل الحاكم دون المحكوم، حيث إنّه في باب الورود ليس الدليل الوارد ناظراً إلى الآثار أصلاً، والدليل المورود قد أثبت الآثار ـ حسب الفرض ـ حتّى للفرد الاصطلاحي الاعتباري للموضوع، وفي باب الحكومة يكون دليل التنزيل ناظراً إلى الآثار، والدليل المحكوم لا يثبت الآثار للفرد التنزيلي، وإنّما يثبته للفرد الحقيقي، ويترتّب على ذلك أنّه لو كان للموضوع آثار عديدة فترتيب تلك الآثار جميعاً في الحكومة على الموضوع التنزيلي موقوف على استفادة الإطلاق من دليل التنزيل، فلو كان وارداً مثلاً في مورد أحد الآثار، ولم يكن له إطلاق لباقي الآثار لا يثبت باقي الآثار. وأمّا في الورود فالدليل الوارد لا حاجة إلى إثبات إطلاق فيه، وهو أصلاً لا ينظر إلى الآثار، بل بمجرّد أنّه يعتبر الفرد داخلاً في الموضوع الفلاني يترتّب عليه كلّ الآثار. وهذا يشكّل في المقام عامل قوّة للورود ليس موجوداً في الحكومة.

وتوضيحه: أنّ أهمّ أدلّة حجّيّة الأمارات، أو من أهمّها هو السيرة العقلائية الدالّة على حجّية خبر الثقة، والظهورات، وهذه السيرة لو فرضت بنحو الورود أي: إنّها تجعل وتعتبر الأمارة علماً (والمفروض أنها ممضاة من قبل الشارع بالسكوت) فلا محالة يترتّب على الأمارة كلّ آثار العلم. ومنها قطع الاُصول، فتصبح واردة على الاُصول ؛ لأنّ المفروض في