414

 

فصل في بعض أحكام الوقف:

(مسألة: 1) إذا تمّ الوقف لا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل والتغيير في الموقوف عليه بنقله منهم إلى غيرهم وإخراج بعضهم منه وإدخال أجنبيّ عنهم معهم إذا لم يشترط ذلك، أ مّا إذا اشترط إدخال من يشاء معهم فالظاهر صحّته، وحينئذ إذا أدخل غيرهم معهم نفذ، وإذا لم يدخل أحداً إلى أن مات بقي الوقف على حاله الاُولى، وإذا اشترط إخراج بعضهم ففي صحّته إشكال(1).

(مسألة: 2) العين الموقوفة تخرج عن ملك الواقف ولا تدخل في ملك الموقوف عليه، بل تكون صدقةً ويكون نماؤها ملكاً للموقوف عليه، أو يتعيّن صرفه في الجهة الموقوف عليها على اختلاف كيفيّات الوقف، كما تقدّم في أوائل كتاب الوقف(2).

(مسألة: 3) إذا اشترط الواقف شرطاً في الموقوف عليه، كما إذا وقف المدرسة على الطلبة العدول أو المجتهدين ففقد الشرط، خرج عن الوقف، وإذا اشترط عليه شرطاً، كما إذا وقف على الطلبة واشترط عليهم التهجّد في الليل وجب فعل الشرط، فإن لم يتهجّد قيل: لم يخرج عن الوقف وجازت له الإقامة في المدرسة وإن عصى بترك التهجّد، ولا يخلو من إشكال(3).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «الأقرب الصحّة بإرجاعه إلى تقييد في الموقوف عليه». ونِعْمَ ما أفاد.

(2) مضى أنّ ما عدا وقف المسجد دائماً يرجع إلى التمليك وقد تقدّم تفصيل الكلام في ذلك.

(3) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «إذا رجع إلى شرط في الموقوف عليه فبتركه للتهجّد خرج عن كونه موقوفاً عليه، وإلّا لم يجب فعله تكليفاً بمجرّد اشتراط الواقف، ولا يخرج تاركه عن كونه موقوفاً عليه». ونِعْمَ ما أفاد.

415

(مسألة: 4) إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم لأجل بقائها وحصول النماء منها فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها عمل عليه، وإلّا صرف من نمائها وجوباً مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم، وإذا احتاج إلى التعمير بحيث لولاه لم يبقَ للبطون اللاحقة فالظاهر وجوبه وإن أدّى إلى حرمان البطن السابق(1).

(مسألة: 5) الثمر الموجود على النخل أو الشجر حين إجراء صيغة الوقف باق على ملك مالكها، ولا يكون للموقوف عليه(2)، وكذا الحمل الموجود حين وقف الدابّة واللبن والصوف الموجودان حين وقف الشاة.

(مسألة: 6) إذا وقف على مصلحة فبطل رسمها كما إذا وقف على مسجد فخرب، أو مدرسة فخربت ولم يمكن تعميرها، أو لم يحتاجا إلى مصرف لانقطاع من يصلّي في المسجد، أو مهاجرة الطلبة أو نحو ذلك، فإن كان الوقف على نحو تعدّد المطلوب كما هو الغالب، صرف نماء الوقف في وجوه البرّ(3).

(مسألة: 7) إذا جهل مصرف الوقف: فإن كانت المحتملات متصادقةً صرف في المتيقّن، كما إذا لم يدرِ أنّ الوقف على العلماء مطلقاً أو على خصوص العدول أو الفقراء(4)، أو لم يدرِ أنّ الوقف على العلماء أو الفقراء، فإنّه يصرف في الفرض



(1) والمدرك لكلّ هذا: الشرط الضمنيّ المفهوم عرفاً من نيّة الواقف حين الوقف.

(2) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «وكذلك ما يتجدّد بعدها قبل القبض في المورد الذي يعتبر فيه القبض». ونِعْمَ ما أفاد.

(3) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «يصرف على الأحوط فيما هو الأقرب كمسجد أو مدرسة اُخرى مع تيسّر ذلك. هذا إذا لم يكن انتفاء المصلحة الموقوف عليها أمراً مترقّباً، وإلّا رجع الوقف بعد بطلانها إلى الواقف كصورة انقراض الموقوف عليهم مع ترقّب ذلك». ونِعْمَ ما أفاد.

(4) في الوقف على الجهات العامّة لا يملك أحد الثمرة قبل القبض، فلا تكون

416

الأوّل على العلماء العدول أو الفقراء، وفي الفرض الثاني على العلماء الفقراء، وإن كانت متباينةً؛ فإن كانت غير محصورة تصدّق به(1)، وإن كانت محصورةً كما إذا لم يدرِ أنّ الوقف على المسجد الفلانيّ أو على المسجد الآخر أو لزيد أو لعمرو على نحو التمليك، فالأقرب الرجوع إلى القرعة في تعيين الموقوف عليه(2).



مجهولة المالك، ولهذا لا يتطرّق احتمال وجوب التصدّق بها بسبب وجوب التصدّق بمجهول المالك، وإنّما هي مجهولة المصرف، ولا يبعد جواز الصرف على الأعمّ عند الدوران بينه وبين الأخصّ كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، وذلك للبراءة عن قيد الخصوصيّة. واستصحاب عدم الوقف على الأعمّ لا يثبت الوقف على الأخصّ حتّى يجب الالتزام به.

(1) إن كان الوقف على الجهات العامّة، فقد عرفت أنّه لا يملك الثمرة أحد قبل القبض، فلا تكون مجهولة المالك حتّى تصل النوبة إلى التصدّق، وعليه فيصرفه على بعض الأطراف عملاً بالامتثال الاحتماليّ بعد العجز عن الامتثال القطعيّ.

نعم، لو فرضنا أنّ الوقف كان على الفرد فكانت ثمرته ملكاً للفرد، فقد أصبحت الثمرة مجهولة المالك، وأفاد اُستاذنا(رحمه الله): «أنّ حكمها التصدّق، وإذا أمكن التصدّق في هذه الحالة على بعض الأطراف في غير المحصور، تعيّن ذلك»، وكأنّ هذا من باب أنّ في ذلك إيصالاً احتماليّاً للمال المقبوض إلى المالك.

أقول: أمّا نحن فنحتمل في المقام كون مجهول المالك ـ غير اللقطة وغير القابل للتعريف ـ ملكاً للإمام، فليحتط في المقام بكون التصدّق بإذن حاكم الشرع.

(2) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «إلّا إذا كان الاحتمال في بعض الأطراف أقوى فيُؤخذ به». ونِعْمَ ما أفاد؛ لأنّ الامتثال الأقوى احتمالاً مقدّم في مورد العلم الإجماليّ على الامتثال الأضعف احتمالاً حينما لا يمكن الجمع بينهما، ومعه لا حيرة في الوظيفة حتّى تصل النوبة إلى القرعة.

417

(مسألة: 8) إذا آجر العين الموقوفة البطن الأوّل من الموقوف عليهم في الوقف الترتيبيّ وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة، لم تصحَّ الإجارة بالنسبة إلى بقيّة المدّة، وكذا الحكم في الوقف التشريكيّ إذا ولد في أثناء المدّة من يشارك الموقوف عليه المؤجر، فإنّه لا تصحّ الإجارة بالنسبة إلى حصّته، والظاهر صحّتها بالإجازة من البطن الثاني في الصورة الاُولى، ومن الشريك في الصورة الثانية، فيكون للمجيز حصّته من الاُجرة، ولا يحتاج إلى تجديد الإجارة وإن كان أحوط. نعم، إذا كانت الإجارة من الوليّ لمصلحة الوقف صحّت ونفذت، وكذا إذا كانت لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك، فإنّها تصحّ، ويكون للبطون اللاحقة حصّتهم من الاُجرة.

(مسألة: 9) إذا كان للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات متنوّعة كان الجميع للموقوف له مع إطلاق الوقف، فإذا وقف الشجر أو النخل كانت ثمرتهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة وأكمام الطلع والفسيل ونحوها ممّا هو مبنيّ على الانفصال للموقوف له لا يجوز للمالك ولا لغيره التصرّف فيها إلّا على الوجه الذي اشترطه الواقف.

(مسألة: 10) الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما واستطال حتّى صار نخلا، أو قلع من موضعه وغرس في موضع آخر فنما حتّى صار مثمراً لا يكون وقفاً، بل هو من نماء الوقف، فيجوز بيعه وصرفه في الموقوف عليه، وكذا إذا قطع لإصلاح بعض الأغصان الزائدة وغُرِس فصار شجرةً فإنّه لا يكون وقفاً، بل يجري عليه حكم نماء الوقف من جواز بيعه وصرف ثمنه في مصرف الوقف.

(مسألة: 11) إذا خرب المسجد لم تخرج العرصة عن المسجديّة وإن تعذّر تعميره، وكذا إذا خربت القرية التي هو فيها حتّى بطل الانتفاع به إلى الأبد، بخلاف غيره من الأعيان الموقوفة، فإنّها إذا تعذّر الانتفاع بها في الجهة المقصودة للواقف:

418

إمّا لخرابها وزوال منفعتها، أو لانتفاء الجهة الموقوف عليها، أو لانقراض الموقوف عليه، تبطل وقفيّتها وتبقى صدقةً مطلقةً، أو ترجع ملكاً للواقف، وإذا خرب الوقف ولم تبطل منفعته بل بقي له منفعة معتدّ بها قليلة أو كثيرة، فإن أمكن تجديده وإن كان بإجارته مدّةً وصرف الإجارة في العمارة، وجب ذلك، وإن لم يمكن فالظاهر بقاء الوقفيّة بحالها وتصرف منافعه في الجهة الموقوف عليها، مثلا إذا وقف بستاناً للمسجد فانقطع عنها الماء حتّى يبس شجرها أو انقلع شجرها وبقيت عرصةً وأمكن إيجارها وجب ذلك، وصرفت الاُجرة في مصالح المسجد. نعم، إذا فهم من القرائن أنّ الوقفيّة قائمة بعنوان البستان كما إذا وقفها للتنزّه أو للاستظلال، بطلت الوقفيّة بذهاب عنوان البستان، وتبقى العرصة صدقةً مطلقة، أو ترجع ملكاً للواقف.

(مسألة: 12) يجوز وقف البستان واستثناء نخلة منها، ويجوز له حينئذ الدخول إليها بمقدار الحاجة، كما أنّ له إبقاءها مجّاناً وليس للموقوف عليهم قلعها، وإذا انقلعت ليس له حقّ في الأرض، فلا يجوز له غرس نخلة اُخرى مكانها، وكذا يجوز في وقف الدار استثناء غرفة منها، ولكن إذا خربت بقيت الأرض له ؛ لأنّ الأرض جزء الغرفة.

(مسألة: 13) إذا كانت العين مشتركةً بين الوقف والملك الطلق جازت قسمتها بتمييز الوقف عن الملك الطلق، ويتولّى القسمة المالك للطلق ومتولّي الوقف، بل الأقوى جواز القسمة إذا تعدّد الواقف والموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كلّ منهما نصفه المشاع على أولاده، وكذا إذا اتّحد الواقف مع تعدّد الموقوف عليه كما إذا وقف مالك الدار نصفها على مسجد ونصفها على مشهد، وكذا إذا اتّحد الواقف والموقوف عليه إذا لم تكن القسمة منافيةً للوقف، كما إذا وقف أرضاً على أولاده وكانوا أربعةً فإنّه يجوز لهم اقتسامها أرباعاً، فإذا صار له ولد آخر بطلت القسمة وجاز اقتسامها أخماساً، فإذا مات اثنان منهم بطلت القسمة وجاز اقتسامها أثلاثاً، وهكذا.

419

(مسألة: 14) لا يجوز تغيير العين الموقوفة إذا علم من الواقف إرادة بقاء عنوانها، سواء فهم ذلك من كيفيّة الوقف كما إذا وقف داره على السكنى فلا يجوز تغييرها إلى الدكاكين، أم من قرينة خارجيّة، بل إذا احتمل ذلك ولم يكن إطلاق في إنشاء الوقف أشكل ذلك(1). نعم، إذا كان إطلاق في إنشاء الوقف جاز للوليّ التغيير والتبديل، فيبدّل الدار إلى دكاكين والدكاكين إلى دار، وهكذا، وقد يعلم من حال الوقف إرادة بقاء العنوان مادام له دخل في كثرة المنفعة، فحينئذ لا يجوز التغيير مادام الحال كذلك، فإذا قلّت المنفعة جاز التغيير.

(مسألة: 15) إذا انقلعت نخلة من البستان الموقوفة فإن كان وقفها للانتفاع بثمرها(2) جاز بيعها، وإذا وقفها للانتفاع بأيّ وجه كان فإن أمكن الانتفاع بها في



(1) لإمكان أن يقال: إنّ الوقف بحاقّه اللفظيّ وقع على الدار بلا حاجة إلى الإطلاق.

(2) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «هذا يمكن أن يكون على أحد وجهين:

الأوّل: أن يكون الوقف متعلّقاً بعنوان النخلة أو الشجرة مثلاً، فإذا زال العنوان بطل الوقف، ورجعت العين إلى ملك الواقف أو ورثته، فيجوز بيعها حينئذ.

الثاني: أن يكون الوقف متعلّقاً بذاتها إلّا أنّ المسبّل من منافعها هي الثمرة خاصّة، وحيث تعذّرت جاز بيعها، ولكن على أن يشترى بثمنها ما ينتفع بثمره؛ لأنّ الوقف لم يبطل وإنّما تعذّر الانتفاع به على النحو المقصود للواقف، وإذا لم يمكن ذلك صرف الثمن في البستان إن كان له مصرف يستفيد منه البستان، وإلّا صرف على الموقوف عليهم». ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) فإنّ هذا هو المقدار الممكن من العمل بالوقف الذي لم يبطل، ولا مبرّر للبطلان حينما

420

جعلها سقفاً أو عمداً أو نحو ذلك لم يجز بيعها، وإن بطل الانتفاع بها على حالهاجاز بيعها وصرف ثمنها في وجوه البرّ(1) مع عدم الاحتياج إليه في تعمير الباقي، وإلّا فالأحوط صرفه في ذلك.

(مسألة: 16) الأموال التي تجمع لعزاء سيّد الشهداء(عليه السلام) من صنف خاصٍّ لإقامة مأتمهم أو من أهل البلد لإقامة مأتم فيها أو للأنصار الذين يذهبون في زيارة الأربعين إلى « كربلاء » الظاهر أنّها من قسم الصدقات المشروط صرفها في جهة معيّنة ليست باقيةً على ملك مالكها، ولا يجوز لمالكها الرجوع فيها، وإذا مات قبل صرفها لا يجوز لوارثه المطالبة بها، وكذا إذا أفلس لا يجوز لغرمائه المطالبة بها، وإذا تعذّر صرفها في الجهة المعيّنة رجعت إلى ملك المالك(2)، والأحوط صرفها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى الجهة الخاصّة. نعم، إذا كان الدافع للمال غير معرض عنه ويرى أنّ الآخذ للمال بمنزلة الوكيل عنه لم يخرج حينئذ عن ملك الدافع، وجاز له ولورثته ولغرمائه المطالبة به، بل يجب إرجاعه إليه عند مطالبته، وإلى وارثه عند موته وإلى غرمائه عند تفليسه، وإذا تعذّر صرفه في الجهة الخاصّة واحتمل عدم إذنه في التصرّف فيه في غيرها وجبت مراجعته في ذلك.



(1) قد عرفت طريقة التصرّف من التعليقة السابقة.

(2) بل كما أفاد اُستاذنا(رحمه الله) تصرف فيما هو الأقرب فالأقرب إلى الجهة الخاصّة، ولم ترجع إلى ملك المالك(1).


يكون الوقف متعلّقاً بذاته، أمّا إذا كان متعلّقاً بعنوان النخلة أو الشجرة فقد دخل الوقف في المنقطع الآخر.

(1) فإنّه لم يكن من الوقف المنقطع الآخر، والصدقة لا ترجع إلى ملك مالكها.

421

(مسألة: 17) لا يجوز بيع العين الموقوفة إلّا في موارد ذكرناها في كتاب البيع(1).

(مسألة: 18) إذا كان غرض الواقف من الوقف حصول شيء فتبيّن عدم حصوله، لا يكون ذلك موجباً لبطلان الوقف، فإذا علم أنّ غرض الواقف من الوقف على أولاده أن يستعينوا به على طلب العلم، أو الإقامة بالمشهد الفلانيّ أو نحو ذلك فلم يترتّب الغرض المذكور، لم يكن ذلك موجباً لبطلان الوقف، وهكذا الحال في جميع الأغراض والدواعي التي تدعو إلى إيقاع المعاملات أو الإيقاعات، فإذا كان غرض المشتري الربح فلم يربح لم يكن ذلك موجباً لبطلان الشراء أو التسليط على الفسخ.

(مسألة: 19) الشرائط التي يشترطها الواقف تصحّ ويجب العمل عليها إذا كانت مشروعة، فإذا اشترط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة، أو لا يؤجر على غير أهل العلم، لا تصحّ إجارته سنتين، ولا على غير أهل العلم(2).

(مسألة: 20) تثبت الوقفيّة بالعلم وإن حصل من الشياع، وبالبيّنة الشرعيّة،



(1) وقد ذكرنا نظرنا هناك.

(2) الشرائط المشروعة التي يشترطها الواقف على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما يرجع إلى التقييد في المنافع المسبّلة، وهذا من الواضح وجوب العمل بها.

والثاني: ما يرجع إلى مجرّد إلزامات في الوقف من قبيل اشتراط أن لا يؤجر أكثر من سنة أو لا يؤجر على غير أهل العلم، والأحوط الالتزام بها لاحتمال شمول إطلاق (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها) لذلك.

والثالث: الإلزامات المستقلّة المرتبطة بالموقوف عليهم كاشتراط التهجّد مثلاً ما لم يرجع إلى تقييد الموقوف عليه بالمتهجّد، وهذا لا يوجد تكليفاً على الموقوف عليه، ولو لم يتهجّد لم يخرج عن استحقاق الوقف. وكلّ هذا من إفادة اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

422

وبإقرار ذي اليد وإن لم تكن اليد مستقلّة(1)، كما إذا كان جماعة في دار فأخبر بعضهم بأنّها وقف حكم بها وإن لم يعترف غيره بها. نعم، إذا أخبره غيره بالملك تعارض الخبران وتساقطا.

(مسألة: 21) إذا كان كتاب أو إناء قد كتب عليه: أنّه وقف، فالظاهر الحكم بوقفيّته(2). نعم، إذا كان بيد شخص وادّعى ملكيّته واعتذر عن الكتابة بعذر مقبول صدِّق وحكم بملكيّته(3) له، ويجوز حينئذ الشراء منه والتصرّف بإذنه، وغير ذلك من أحكام الملك.

(مسألة: 22) إذا وجدت ورقة في تركة الميّت قد كتب عليها: أنّ الشيء الفلانيّ وقف، فإن كان عليه أمارة الإنشاء والإيقاع من توقيعه في ذيلها ووضعها في ظرف مكتوب عليه: هذه ورقة الوقف الفلانيّ أو نحو ذلك ممّا يكون ظاهراً في إنشاء الوقف حكم بالوقفيّة(4)، وإلّا فلا يحكم بها وإن علم أنّها بخطّ المالك.

(مسألة: 23) لا فرق في حجّيّة إخبار ذي اليد بين أن يكون إخباراً بأصل



(1) في هذه الحالة يثبت الوقف بمقدار نسبة يده إلى العين، ولا تبطل حجّيّة إخباره في إثبات هذا المقدار بمجرّد نفي الشريك للوقفيّة. وهذا ما أفاده اُستاذنا(رحمه الله).

(2) لدى الوثوق بأنّ الكتابة صدرت ممّن كانت له يد على الشيء عند الكتابة. وأمّا شرط القبض فهو غير موجود في الأوقاف العامّة.

(3) إذا زال الوثوق بصدور الكتابة من قِبله أو من قِبل صاحب يد سابق عليه.

(4) لحجّيّة ظهور كلامه، وأمّا شرط القبض فقد عرفت أنّه غير موجود في الأوقاف العامّة. أمّا لو فرض في مورد يشترط فيه القبض وشككنا في تحقيق القبض، فلا يثبت بذلك الوقف، إلّا إذا استظهر من العبارة أنّه إقرار بالوقفيّة، فيكون حجّة ودليلاً على حصول الشرط.

423

الوقف وأن يكون إخباراً بكيفيّته: من كونه ترتّبيّاً أو تشريكيّاً، وكونه على الذكور فقط، أو على الذكور والإناث وأنّه على نحو التساوي أو على نحو الاختلاف. كما أنّه لا فرق في الإخبار بين أن يكون بالقول وأن يكون بالفعل، كما إذا كان يتصرّف فيه على نحو الوقف أو يتصرّف فيه على نحو الوقف الترتيبيّ أو التشريكيّ، أو للذكور والإناث، أو للذكور دون الإناث، وهكذا، فإنّ تصرّفه إذا كان ظاهراً في الإخبار عن حاله حجّة كخبره القوليّ.

(مسألة: 24) إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكويّة كالغنم والبقر والإبل لم تجب الزكاة فيها وإن اجتمعت فيها شرائط الزكاة، وأ مّا إذا كان نماؤها زكويّاً(1)كما إذا وقف بستاناً فإن كان الوقف على نحو تمليك النماء للموقوف عليهم بأن قال: وقفت البستان على أن يكون نماؤها لأولادي أو نماؤها لعلماء البلد، فإن بلغت حصّة واحد منهم النصاب وجبت عليه الزكاة، وإلّا لم تجب، وإن كان الوقف على نحو المصرف كما إذا قال: وقفت البستان على أن يصرف نماؤها على أولادي لم تجب الزكاة على واحد منهم، إلّا إذا أعطى الوليّ واحداً منهم بعض النماء قبل زمان تعلّق الزكاة وكان يبلغ النصاب فإنّه تجب الزكاة على من ملك منهم واحداً كان أو أكثر.



(1) إن كان الموقوف عليهم أشخاصاً ملكوا المنافع، فتجب الزكاة على المنافع ولو قبل القبض إذا بلغت حصّة الواحد منهم النصاب.

وإن كان الموقوف عليه عنواناً عامّاً كعنوان الفقراء أو العلماء، فلا يملك مصداق العنوان المنفعة إلّا بالقبض، ولا تتعلّق بها الزكاة إلّا بعد القبض.

وإن كان الموقوف عليه حيثيّة من الحيثيّات من قبيل وقف الدار على الإسكان أو وقف البستان على الإطعام من غلاّتها، لم يجر على المنافع حكم الزكاة.

424

 

إلحاق فيه بابان:

الباب الأوّل: في الحبس وأخواته.

(مسألة: 1) يجوز للمالك أن يحبس ملكه على جهة معيّنة يجوز الوقف عليها مثل العلماء والفقراء وسبيل الله وغير ذلك على أن يصرف نماؤه فيها(1)، ولا يخرج بذلك عن ملكه، فإن كان مطلقاً أو مقيّداً بالدوام(2) لزم مادامت العين، ولم يجز له الرجوع فيه، وإن كان مقيّداً بمدّة معيّنة لم يجز له الرجوع قبل انقضاء المدّة، وإذا انتهت المدّة انتهى التحبيس، فإذا قال: فرسي محبس على نقل الحجّاج، أو هذا محبس على خدمة العلماء لزمت مادامت العين باقية، وإذا جعل المدّة عشر سنين مثلا، لزم في العشر وانتهى بانقضائها.

(مسألة: 2) ذكر جماعة كثيرة: أنّه لا يصحّ التحبيس إلّا بعد القبض، ولا يخلو من إشكال، بل الأظهر الصحّة بدونه، ولكنّه شرط في اللزوم(3) فيجوز للمالك الرجوع فيه قبل القبض.

(مسألة: 3) إذا حبس ملكه على شخص: فإن عيّن مدّةً كعشر سنين أو مدّة



(1) لم أجد دليلاً على صحّة الحبس على العناوين العامّة كالعلماء والفقراء وسبيل الله أو نقل الحجّاج أو نحو ذلك بمعنى يقابل الوقف، وإنّما الثابت صحّته هو الوقف.

(2) يقصد المصنّف(رحمه الله): أنّ الحبس لو كان حبساً مادامت العين لزم مادامت العين، ولم يجز له الرجوع فيه سواء كانت قرينة الدوام نفس إطلاق الكلام أو قرينة خاصّة كالتصريح به.

(3) يحتمل دخله في الصحّة، وعلى أيّ حال فقد أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «لا يبعد عدم اعتباره ـ يعني القبض ـ في الحبس على أمر عامّ كما هو الحال في الوقف».

أقول: أصل اعتبار الحبس على أمر عامّ مشكل، فإنّي لم أجد ما تتمّ دلالته على صحّة ذلك بمعنىً يقابل الوقف.

425

حياة ذلك الشخص لزم الحبس في تلك المدّة، وبعدها يرجع إلى الحابس، وإذا مات الحابس قبل انقضاء المدّة بقي الحبس على حاله(1) إلى أن تنتهي المدّة فيرجع ميراثاً، وإذا حبس عليه مدّة حياة نفسه (يعني الحابس) لم يجز له الرجوع مادام حيّاً، فإذا مات رجع ميراثاً، وإذا حبسه على شخص ولم يذكر مدّةً معيّنةً ولا مدّة حياة نفسه ولا حياة المحبس عليه، ففي لزومه إلى موت الحابس وبعد موته



(1) إلى انقضاء المدّة(1)، وإن لم يعيّن مدّة بطل بموت الحابس(2).


(1) لحديث حمران ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 218 ـ: «سألته عن السكنى والعمرى، فقال: الناس فيه عند شروطهم، إن كان شرط حياته فهي حياته، وإن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتّى يفنوا ثمّ يردّ إلى صاحب الدار»، ولحديث الحسين بن نعيم ـ نفس المصدر، ح 2، ص 219، ونفس المجلّد ب 24 من الإجارة، ح 3، ص 135 ـ ولصحيح الحلبيّ ـ نفس المجلّد، ب 3 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 220 ـ: «وسألته عن الرجل يسكن الرجل داره، ولعقبه من بعده، قال: يجوز، وليس لهم أن يبيعوا ولا يورثوا».

(2) لصحيح عمر بن اُذينة ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 223 ـ: قال: «كنت شاهداً عند ابن أبي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره ولم يوقّت وقتاً، فمات الرجل، فحضر ورثته ابن أبي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار، فقال ابن أبي ليلى: أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها، فقال محمّد بن مسلم الثقفيّ: أما إنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت. فقال: وما علمك؟ فقال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ(عليه السلام) يقول: قضى عليّ(عليه السلام) بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث. فقال له ابن أبي ليلى: هذا عندك في كتابك؟ قال: نعم، قال: فأرسل وائتني به. فقال له محمّد بن مسلم: على أن لا تنظر من الكتاب إلّا في ذلك الحديث. قال: لك ذلك، قال: فأحضر الكتاب وأراه الحديث عن أبي جعفر(عليه السلام) في الكتاب، فردّ قضيّته».

426

يرجع ميراثاً، وجوازه فيجوز له الرجوع فيه متى شاء قولان، أقربهما الأوّل(1).

(مسألة: 4) يلحق بالحبس السكنى والعمرى والرقبى، والاُولى تختصّ بالمسكن، والأخيرتان تجريان فيه وفي غيره من العقار والحيوانات والأثاث ونحوها ممّا لا يتحقّق فيه الإسكان، فإن كان المجعول الإسكان قيل له: « سكنى »، فإن قيّد بعمر المالك أو الساكن قيل له أيضاً: « عمرى »، وإن قيَّده بمدّة معيّنة قيل له: « رقبى ». وإذا كان المجعول غير الإسكان كما في الأثاث ونحوه ممّا لا يتحقّق فيه السكنى لا يقال له: سكنى، بل قيل: « عمرى » إن قيّد بعمر أحدهما، و « رقبى » إن قيّد بمدّة معيّنة(2).



(1) بل الأقرب هو الثاني كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله)(1).

(2) وأمّا الحبس فبمعناه العامّ يشمل السكنى والعمرى والرقبى أيضاً وبمعناه الخاصّ هو ما لم تعيّن له مدّة(2).


(1) لصحيح الحلبيّ ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 222 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قلت له: رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقت. قال: جائز ويخرجه إذا شاء».

(2) كما يشهد لذلك صحيح عمر بن اُذينة. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 323.

هذا. والعمرى والرقبى تشملان غير المساكن أيضاً كما في الأثاث ونحوه؛ لصحيح محمّد بن قيس ـ الوسائل، ج 19، ب 8 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 228 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام): «أنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قضى في العمرى أنّها جائزة لمن أعمرها، فمن أعمر شيئاً مادام حيّاً فإنّه لورثته إذا توفّي»، ولصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون

427

(مسألة: 5) الظاهر أنّ القبض فيها ليس شرطاً في الصحّة، بل في اللزوم(1)، كما تقدّم في الحبس.

(مسألة: 6) إذا أسكنه مدّةً معيّنةً كعشر سنين أو مدّة عمر المالك أو مدّة عمر الساكن لم يجز الرجوع قبل انقضاء المدّة، فإن انقضت المدّة في الصور الثلاث رجع المسكن إلى المالك أو ورثته.

(مسألة: 7) إذا قال له: أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك لم يجز له الرجوع في هذه السكنى مادام الساكن موجوداً أو عقبه، فإذا انقرض هو وعقبه رجعت الدار إلى المالك(2).

(مسألة: 8) إذا قال له: أسكنتك هذه الدار مدّة عمري فمات الساكن في حال حياة المالك: فإن كان المقصود السكنى بنفسه وتوابعه كما يقتضيه إطلاق السكنى انتقلت السكنى بموته إلى المالك قبل وفاته، وإن كان المقصود مجرّد تمليك السكنى له انتقلت السكنى إلى وارثه مادام المالك حيّاً، فإذا مات انتقلت العين من



(1) يحتمل دخله في الصحّة.

(2) وطبعاً إذا كان الإسكان لمدّة معيّنة وهو المسمّى بالرقبى، انتظر انتهاء المدّة ولو قبل انقراض عقبه.


له الخادم تخدمه فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّة ثمّ يجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها قدر ما أبقت؟ قال: إذا مات الرجل فقد عتقت» ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من السكنى والحبيس، ح 2، ص 225 ـ فإنّه يظهر منه: أنّ إعمار الجارية كان جوازه لدى السائل مفروغاً عنه، والإمام(عليه السلام) قرّره على ذلك.

428

ورثة الساكن إلى ورثة المالك(1)، وكذا الحكم لو عيّن مدّةً معيّنةً فمات الساكن في أثنائها.

(مسألة: 9) إذا جعل السكنى له مدّة حياته كما إذا قال له: أسكنتك هذه الدار مدّة حياتك، فمات المالك قبل الساكن لم يجز لورثة المالك منع الساكن، بل تبقى السكنى على حالها إلى أن يموت الساكن.

(مسألة: 10) إذا جعل له السكنى ولم يذكر له مدّةً ولا عمر أحدهما، صحّ ولزم بالقبض، ووجب على المالك إسكانه وقتاً ما، وجاز له الرجوع بعد ذلك أيّ وقت شاء(2)، ولا يجري ذلك في الرقبى والعمرى ؛ لاختصاص الاُولى بالمدّة المعيّنة،



(1) يعني: إن كان المقصود استفادة من له الإسكان بالسكن انتقلت السكنى إلى المالك؛ لانتفاء موضوع السكنى بموت من جعلت له السكنى، وإن كان المقصود مجرّد تمليك السكن لمن جعلت له السكنى انتقلت السكنى إلى وارث من جعلت له السكنى مادام المالك حيّاً.

(2) إن لم يقصد الإطلاق فلا إشكال في جواز الرجوع، وإن قصد الإطلاق ولم يقصد كون جعل السكنى له صدقة فأيضاً لا إشكال في جواز الرجوع، وإن قصد الإطلاق وكان جعل السكنى له صدقة لم يجز له الرجوع؛ لأنّه لا يجوز الرجوع في الصدقة. وقد أفاد هذا التفصيل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) فإنّ كلّ الفروض الثلاثة داخلة في صحيحة الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قلت له: رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقت، قال: جائز، ويخرجه إذا شاء». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من السكنى والحبيس، ح 1، ص 222.

ولكن الحكم بجواز الإخراج إذا شاء ناظر إلى نفي اللزوم من ناحية السكنى، ولا ينفي

429

والثانية بمدّة عمر أحدهما، والمفروض انتفاء ذلك كلّه.

(مسألة: 11) إطلاق السكنى ـ كما تقدّم ـ يقتضي أن يسكن هو وأهله وسائر توابعه من أولاده وخدمه وضيوفه، بل دوابّه إن كان فيها موضع معدّ لذلك، وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من غلّة وأوان وأمتعة، والمدار على ما جرت به العادة من توابعه، وليس له إجارته(1)، ولا إعارته لغيره، فلو آجره ففي صحّة الإجارة بإجازة المالك وكون الاُجرة له حينئذ إشكال(2). نعم، إذا فهم من المالك تمليك السكنى الشاملة لسكنى غيره جاز له أن يؤجرها لغيره وتكون الاُجرة له(3)، وكذا تجوز إعارتها لغيره.



(1) إلّا أن يكون مورد الإجارة نفس سكناه، أي: أنّ المستأجر ليس له حقّ أن يسكن في دار ولكنّه يملك نفس سكنى الشخص الذي جعلت له السكنى، فلا يجوز لذاك الشخص أن يسكن هذه الدار من دون إذنه، فحينما توجد للمستأجر رغبة أو فائدة في أن يترك هذا الشخص عملاً سكنى الدار كان له أن ينهاه عن السكنى فيها، فتبقى الدار فارغة عنه. وهذا الذي ذكرناه هو شرح تعليق اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) الذي علّق به على هذا المقام رغم غموض عبارته(رحمه الله).

(2) يعني: في صحّة الإجارة بإجازة المالك وكون الاُجرة للمالك إشكال؛ لأنّه حبسه على سكنى خاصّة وهي سكنى الشخص بنفسه.

(3) يعني لمن جعلت له السكنى.


اللزوم من ناحية الصدقة، ونحن نعلم أنّ الصدقة لا يجوز الرجوع فيها كما دلّ على ذلك موثّق الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها ولا يجوز له إلّا إنفاقها (الظاهر: أنّ الصحيح نسخة: (إنفاذها)، فكلمة (إنفاق) خطأ في النسخة) إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة». الوسائل، ج 9 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الصدقة، ح 1، ص 423.

430

(مسألة: 12) الظاهر أنّ السكنى و العمرى و الرقبى من العقود المحتاجة في وجودها الاعتباريّ إلى إيجاب وقبول، ويعتبر فيها ما يعتبر في العقود، كما يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في غيره، وقد تقدّم ذلك في كتاب البيع. وأ مّا الحبس فاعتبار القبول فيه لا يخلو من إشكال(1).

(مسألة: 13) الظاهر جواز بيع المحبس قبل انتهاء أجل التحبيس، فتنتقل العين إلى المشتري على النحو الذي كانت عليه عند البائع، فيكون للمحبس عليهم الانتفاع بالعين على حسب ما يقتضيه التحبيس، ويجوز للمشتري المصالحة معهم على نحو لا تجوز لهم مزاحمته في الانتفاع بالعين مدّة التحبيس(2) بأن يعطيهم مالا على أن لا ينتفعوا بالعين، أ مّا المصالحة معهم على حقّ الانتفاع بها ففيه إشكال ؛ لاحتمال كون مفاد التحبيس مجرّد المصرفيّة، لا ثبوت حقٍّ للمحبس عليه(3).

الباب الثاني: في الصدقة التي تواترت الروايات في الحثّ عليها والترغيب فيها.



(1) إن كان الحبس متضمّناً لتمليك المنفعة لشخص فهو أيضاً بحاجة إلى القبول، وأمّا إن كان محبساً في أمر عامّ فقد مضى أنّ أصل اعتبار الحبس على أمر عامّ بمعنى يقابل الوقف مشكل، فإنّي لم أجد ما تتمّ دلالته على ذلك.

(2) هذا غير واضح عندي، فأيّ فرق بين هذا المالك الجديد والمالك الأوّل؟! أفهل كان يجوز للمالك الأوّل أن يفعل ذلك؟ أم هل أصبحت ملكيّة المالك الثاني أكثر طلقيّة من ملكيّة المالك الأوّل؟!

(3) هذا الاحتمال خلاف ظاهر حرف اللام في أحاديث السكنى والحبيس، فإنّها تدلّ على ثبوت الحقّ، ولكن المهمّ ما ذكرناه من استبعاد كون ملكيّة المالك الجديد أكثر طلقيّة من ملكيّة المالك الأوّل.

431

وقد ورد أنّها دواء المريض، وبها يدفع البلاء وقد اُبرم إبراماً، وبها يستنزل الرزق، وأنّها تقع في يد الربِّ قبل أن تقع في يد العبد، وأنّها تخلف البركة وبها يقضى الدين، وأنّها تزيد في المال، وأنّها تدفع ميتة السوء والداء والدَبيلة والحرق والغرَق والجذام والجنون إلى أن عدّ سبعين باباً من السوء. ويستحبّ التبكير بها بدفع شرّ ذلك اليوم، وفي أوّل الليل يدفع بها شرّ الليل.

(مسألة: 14) المشهور كون الصدقة من العقود فيعتبر فيها الإيجاب والقبول، ولكنّ الأظهر كونها الإحسان بالمال على وجه القربة، فإن كان الإحسان بالتمليك احتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان بالإبراء كفى الإيجاب بمثل: أبرأت ذمّتك، وإن كان بالبذل كفى الإذن في التصرّف، وهكذا، فيختلف حكمها من هذه الجهة باختلاف موردها.

(مسألة: 15) المشهور اعتبار القبض فيها مطلقاً، ولكنّ الظاهر أنّه لا يعتبر فيها كلّيّة، وإنّما يعتبر فيها إذا كان العنوان المنطبقة عليه ممّا يتوقّف على القبض، فإذا كان التصدّق بالهبة أو بالوقف(1) اعتبر القبض، وإذا كان التصدّق بالإبراء أو البذل لم يعتبر، وهكذا.

(مسألة: 16) يعتبر في الصدقة القربة، فإذا وهب أو أبرأ ووقف بلا قصد القربة كان هبةً وإبراءً ووقفاً، ولا يكون صدقة.

(مسألة: 17) تحلّ صدقة الهاشميّ على الهاشميّ وعلى غيره حتّى زكاة المال وزكاة الفطرة، وأ مّا صدقة غير الهاشميّ على الهاشميّ فإن كانت زكاة المال أو زكاة الفطرة فهي حرام ولا تحلّ للمتصدَّق عليه، ولا تفرغ ذمّة المتصدِّق بها عنها،



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «في الفرض الذي يكون القبض فيه معتبراً في صحّة الوقف». ونِعْمَ ما أفاد.

432

وإن كانت غيرهما فالأقوى جوازها، سواء أكانت واجبةً كردّ المظالم والكفّارات وفدية الصوم أم مندوبة، إلّا إذا كانت من قبيل ما يتعارف من دفع المال القليل لدفع البلاء ونحو ذلك ممّا كان من مراسم الذلّ والهوان ففي جواز مثل ذلك إشكال(1).

(مسألة: 18) لا يجوز الرجوع في الصدقة إذا كانت هبةً مقبوضةً(2) وإن كانت لأجنبيٍّ على الأصحّ.

(مسألة: 19) تجوز الصدقة المندوبة على الغنيّ والمخالف والكافر الذمّيّ.

(مسألة: 20) الصدقة المندوبة سرّاً أفضل إلّا إذا كان الإجهار بها بقصد رفع التهمة أو الترغيب أو نحو ذلك ممّا يتوقّف على الإجهار، أ مّا الصدقة الواجبة ففي بعض الروايات أنّ الأفضل إظهارها، وقيل: الأفضل الإسرار بها، والأظهر اختلاف الحكم باختلاف الموارد في الجهات المقتضية للإسرار والإجهار.

(مسألة: 21) التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم، والصدقة على الغريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، وأفضل منها الصدقة على الرحم الكاشح يعني المعادي، ويستحبّ التوسّط في إيصالها إلى المسكين، ففي الخبر: لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً لاُجروا كلّهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً. والله سبحانه العالم الموفّق.

 



(1) نعم، لو جعل هو نفسه في محلّ السؤال بشكل مهين مذلّ فالتصدّق عليه لا يزده ذُلاًّ وهواناً.

(2) قد مضى تفسير الصدقة، ومضى أنّه ليس دائماً متوقّفاً على القبض، فمتى ما صدق التصدّق بلا قبض حرم الرجوع برغم عدم القبض.

433

المعاملات

24

 

 

كتاب النكاح

 

وفيه فصول:

○  أقسام النكاح وبعض أحكامه.

○  الأولياء.

○  المحرّمات.

○  عقد المتعة.

○  العيوب.

○  المهر.

○  القسمة والنشوز.

○  أحكام الأولاد.

○  النفقات.

435

 

 

 

 

 

الفصل الأوّل

[في أقسام النكاح وبعض أحكامه]

النكاح ثلاثة: دائم، ومنقطع، وملك يمين، ويفتقر الأوّل إلى العقد، وهو الإيجاب والقبول بلفظ الماضي على الأحوط استحباباً، كزوّجتُ وأنكحت، وقبلت، وتجزي ترجمتها بشرط العجز عن العربيّة على الأحوط استحباباً، وتجزي الإشارة مع العجز عن النطق. ولو زوّجت المرأة نفسها صحّ، ولا يشترط إذن الوليّ مع البلوغ والرشد إلّا الأب فإنّ الأحوط استحباباً(1) للبكر الاستئذان



(1) بل الأحوط وجوباً أو الأقوى(1).


(1) قد يقال: إنّ الولاية بنحو الاستقلال في نكاح البكر الرشيدة التي لها أب للأب؛ لمثل صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام): «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر. وقال: يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 3، ص 273، ونحوه صحيح عبدالله بن الصلت: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها لها أمر إذا بلغت؟ قال: لا ليس لها مع أبيها أمر. قال: وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر (ما لم تثيّب)».

436

 

نفس المصدر، ب 6، ح 3، ص 276. ونسخة (ما لم تكبر) غلط. ونحوهما صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة». نفس المصدر، ب 9 من تلك الأبواب، ح 7، ص 286.

وتعارض هذه الروايات عدّة طوائف:

الاُولى: ما دلّت على استقلال البكر في أمرها مطلقاً أو فيما إذا ملكت أمرها، وهي بين ما لم يتمّ سنداً وما لم يتمّ دلالةً من قبيل:

1 ـ صحيح الفضلاء الأربعة: فضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم وزرارة ويزيد بن معاوية عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 267.

ووجه الاستدلال: أنّه ليس المقصود من (ملكت نفسها) كون اختيار نكاحها بيدها لثيبوبتها، وإلّا لكانت ضروريّة بشرط المحمول، أي: من ملكت نفسها ملكت نفسها، فالحديث ناظر إلى البكر.

والجواب: أنّه يحتمل كون ملكيّتها لنفسها بمعنى ثيبوبتها، وأن يكون المقصود: أنّ مجرّد الثيبوبة لا تكفي للزواج بها من دون وليّ، بل يشترط عدم السفه وأن لا تكون مولّى عليها لعدم الرشد.

2 ـ خبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإنّ أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها». الوسائل، نفس المجلّد، ب 9 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 6، ص 285. وفي السند إسناد الشيخ عن عليّ بن إسماعيل الهاشميّ وهو إسنادمجهول لدينا.

3 ـ خبر سعدان بن مسلم قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغيرإذن أبيها». الوسائل، نفس المجلّد والباب والصفحة، ح 4.

437

 


وعيبه احتمال الإرسال إلى حدّ يزيل الوثوق به؛ لقوّة احتمال وحدة هذا الحديث مع مرسلة سعدان بن مسلم عن رجل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من المتعة، ح 8، ص 34.

الثانية: ما دلّت على اعتبار إذن البكر كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلّا بأمرها». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 9 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 284.

ولا يمكن الجمع بين هذه الصحيحة ومثل صحيح الحلبي الماضي، فتصل النوبة إلى المرجّحات، والمرجّح الموجود هنا موافقة ما دلّ على استقلال الأب وعدم اشتراط إذن البنت لأكثريّة العامّة، أي: جميع أئمّتهم ما عدا أبي حنيفة فيحمل على التقيّة.

فلابدّ من رضاهما جمعاً بين مثل صحيحة منصور بن حازم التي دلّت على شرط رضا البنت، وما دلّ على شرط إذن الأب مثل معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهن». ومقتضى الجمع بينهما شرطيّة إذن الأب وإذنها.

الثالثة: ما دلّت على جواز تزويج البكر متعة بغير إذن أبيها.

وهي بين صريح في ذلك غير تامّ سنداً وبين ما تمّ سنداً ولكنّه مطلق يقيّد بما دلّ على شرط إذن الأب في المتعة، وذلك من قبيل:

1 ـ رواية أبي سعيد قال: «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن التمتّع من الأبكار اللواتي بين الأبوين، فقال: لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من المتعة، ح 6، ص 33. والسند غير تامّ، وهو ليس صريحاً في عدم إذن الأب، فيقبل التقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

438

منه، لكن لو لم تستأذن منه صحّ وجاز له فسخه(1)، إلّا إذا منعها عن التزويج



(1) الصحّة محلّ إشكال أو الأقوى البطلان(1).


2 ـ خبر الحلبيّ قال: «سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها، قال: لا بأس ما لم يفتضّ ما هناك لتعفّ بذلك». نفس المصدر، ح 9، ص 34. ويحتمل أن يكون المقصود بأبي سعيد (الراوي عن الحلبيّ): خالد بن سعيد القمّاط، وهو ثقة، ولكن سند الشيخ إليه غير معلوم.

3 ـ صحيحة زياد بن أبي الحلال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا بأس أن يتمتّع بالبكر ما لم يفض إليها كراهيّة العيب على أهلها». نفس المصدر، ح 1، ص 32. وهي مطلقة قابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

4 ـ مرسلة محمّد بن عذافر عمّن ذكره عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن التمتّع بالأبكار، فقال: هل جعل ذلك إلّا لهنّ؟ فليستترن وليستعففن». نفس المصدر، ح 4، ص 33. وهي ساقطة سنداً وقابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

5 ـ رواية حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): في الرجل يتزوّج البكر متعة، قال: «يكره؛ للعيب على أهلها». نفس المصدر، ح 10، ص 34. وهي ساقطة سنداً وقابلة للتقييد بما دلّ على شرط إذن الأب.

وما دلّ على شرط إذن الأب هو صحيح أبي مريم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها». نفس المصدر، ح 12، ص 35.

(1) والذي يستدلّ به على مسألة الفسخ حديث (لا ينقض النكاح إلّا الأب) وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام). الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 1، ص 273. ولكن ظهور ذلك في الفسخ قابل للمنع؛ لأنّه يكفي في صحّة استعمال كلمة (النقض) أنّ النكاح يقبل النفوذ بالإذن المتأخّر للأب، فإن لم يأذنه فقد نقضه. ولو فرضنا ظهوراً ضعيفاً له في الفسخ فلا إشكال في أنّ روايات عدم نفوذ العقد بلا إذن الأب أقوى ظهوراً من ذلك، فتتقدّم عليه.