313

هل يؤخذ العنوان الانتزاعيّ في معنى الصحيح؟

المقام الثاني: أنّ هذه العناوين الثلاثة ـ أعني: موافقة الأمر أو موافقة الغرض أو إسقاط القضاء والإعادة ـ اُمور منتزعة عن معنوناتها، وهي الواجد لكذا مقدار من الاُمور والخصوصيّات، فالقائل بالصحيح يحتمل في حقّه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد هو الوضع لمنشأ انتزاع هذه العناوين، وهو الفعل الذي يكون بحيث ينتزع عنه عنوان موافقة الأمر، أو الغرض، أو إسقاط القضاء والإعادة، فهذه العناوين معرّفة ومشيرة إلى ذات الشيء. وهذا الاحتمال


القضاء، أو موافقة الأمر، أو تماميّة الأثر مقوّمات للتماميّة، فلا يمكن أن تكون من لوازمها، أمر بالتدبّر، ثُمّ فسّر هو(رحمه الله) تحت الخطّ أمره بالتدبّر بأنّه إشارة إلى أنّ اللازم إن كان من لوازم الوجود صحّ ما ذكر من أنّ كون الشيء مقوّماً لشيء مع كونه لازماً له لا يجتمعان. وأمّا إن كان من لوازم الماهية وأعراضها فلا بأس بصدق الأمرين معاً، كما هو الحال في الفصل بالإضافة إلى الجنس، فإنّه عرض خاصّ له، مع أنّ تحصّل الجنس بتحصّله.

وأورد عليه السيّد الخوئيّ(رحمه الله) (على ما في المحاضرات، ج 1، ص 136) بأنّ اللازم للشيء لا يعقل أن يكون مقوّماً له، سواء كان ذلك بلحاظ عالم الوجود أو بلحاظ عالم الماهية، وماهية الفصل بما هي من لوازم ماهية الجنس لا يعقل أن تكون من متمّماتها بالضرورة. نعم، الفصل بحسب وجوده محصّل لوجود الجنس ومحقّق له، ولكنّه بهذا الاعتبار ليس لازماً له. فهذا الكلام من الشيخ الإصفهانيّ(قدس سره) خلط بين عالم التقرّر الماهويّ وعالم الوجود الخارجيّ.

أقول: الظاهر: إنّ الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) يقصد أنّ الفصل محصِّل للجنس، سواء في عالم الوجود أو في عالم التقرّر الماهويّ، غاية ما هناك أنّه بحسب التحليل العقليّ ينفصل عنه، فيعتبر لازماً له.

314

هو الاحتمال الذي نعقد البحث على أساسه.

الاحتمال الثاني: أن يقصد إدخال أحد هذه العناوين بنفسه في المسمّى.

ولا يخفى: أنّنا لو قصرنا النظر على عالم التسمية والوضع، كان أخذ أحد هذه العناوين في المسمّى ممكناً ومعقولاً، ولكنّنا يجب أن نفترض مسمّىً يعقل تعلّق الأمر به، فإنّ الشارع وضع لفظ «الصلاة» مثلاً لمعنىً استطراقاً إلى الأمر به، فإن لم يعقل ذلك لا تصحّ التسمية. وعليه، فنقول: إنّ عنوان موافقة الأمر والمسقطيّة للإعادة والقضاء لا ينتزعان من الفعل إلاّ في طول ثبوت الأمر، فلا يعقل تعلّق الأمر بهما. نعم، عنوان محصّليّة الغرض ليس في طول الأمر، وإنّما هو في طول الغرض، فيعقل تعلّق الأمر به، فيعقل أن يكون هو المسمّى(1)، إذن فالقائل بالصحيح مدعوّ إلى أن يصوّر سنخ مسمّىً يعقل تعلّق الأمر به، وذلك إمّا بأن يختار الاحتمال الأوّل، أو يختار عنوان محصّل للغرض.

 

هل تراد الصحّة بلحاظ جميع الأجزاء والشرائط؟

المقام الثالث: أنّ الصحّة لها حيثيّات عديدة، فلا تكون الصلاة صحيحة على الإطلاق، إلاّ إذا حفظت فيها الأجزاء والشرائط، وقصد القربة، والقيود اللبّيّة، كعدم النهي، وعدم المزاحم على تقدير ما إذا كان المزاحم مخلاًّ بصحّة المأمور به عقلاً، فهل يشترط القائل بالصحيح في المسمّى تمام هذه الحيثيّات، أو يشترط الصحّة بلحاظ بعضها؟


(1) ولكنّه بعيد؛ إذ لو كان كذلك للزم الإحساس بمؤونة التجريد في موارد نسبة الآثار المطلوبة إلى الصلاة مثلاً، من قبيل: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ﴾(سورة العنكبوت، الآية: 45)، كي لا ترجع إلى القضيّة بشرط المحمول.

315

أمّا الأجزاء، فلا إشكال في كونها منظورة للقائل بالصحيح.

وأمّا الشرائط، فالظاهر: أنّ الأمر فيها أيضاً كذلك؛ فإنّه أيضاً يعتبرها مقوّمة للمسمّى كالأجزاء، إلاّ أنّ مقوّميّة كلّ شيء بحسبه، ففي الجزء تكون بدخول القيد، وفي الشرط تكون بدخول التقيّد مع خروج القيد.

ونقل السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) عن تقرير الشيخ الأعظم(رحمه الله) اشكالاً وهو: أنّه لا يعقل دخل الشرائط في عرض دخل الأجزاء؛ لأنّ الأجزاء مرتبتها مرتبة المقتضي، والشرائط شرائط لتأثير المقتضي والمقتضي مع الشرط طوليّان وفي مرتبتين، فكيف يعقل أخذهما معاً في المسمّى؟!

وأجاب السيّد الاُستاذ عن ذلك بأنّه وإن كانا طوليّين، ولكن أيّ محذور في وضع لفظ واحد لمجموع أمرين طوليّين، كأن يسمّى مجموع الأب والابن باسم واحد؟

أقول: إنّ فرض الطوليّة هنا غريب منهما، فكأنّهما تخيّلا أنّ المقتضي والشرط بينهما طوليّة، وأنّ الشرط في طول المقتضي، فوقع الكلام في أنّه: هل يعقل الجمع بينهما، أو لا؟ بينما لا طوليّة بين ذات المقتضي والشرط، وإنّما هنا نحو ترتّب بين تأثيرهما، حيث إنّ المقتضي يكون تأثيره بأن يخرج من أحشائه المقتضى، وسنخ تأثير الشرط هو مساعدة المقتضي في هذا التأثير بتتميم فاعليّة الفاعل أو قابليّة القابل.

وأمّا قصد القربة(2)، فإن قيل: إنّه لا يعقل أخذه في متعلّق الأمر، فلا ينبغي أن يقال بدخله في المسمّى؛ لما عرفت من أنّ الصحيحي مدعوّ إلى تصوّر مسمّىً


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 137 ـ 138 بحسب طبعة مطبعة النجف.

(2) ونحوه قصد الوجه.

316

يمكن الأمر به؛ لأنّ التسمية استطراق للأمر. وإن قيل بالمعقوليّة فلا بأس بدخله فيه.

وأمّا الشروط اللبّيّة، فعدم المزاحم، أو عدم النهي تارةً يضاف إلى المسمّى، فيقال: عدم المزاحم للصلاة، أو عدم النهي عن الصلاة، ففرض ذلك هو فرض تماميّة الصلاة في مرتبة سابقة، فلا يعقل دخله في المسمّى، واُخرى يضاف إلى ذوات الأجزاء، كفاتحة الكتاب والركوع والسجود، لا إلى المسمّى بما هو مسمّىً، وعندئذ من المعقول دخله في المسمّى.

 

تصوير الجامع

الجهة الثالثة: في تصوير الجامع على الصحيح تارةً وعلى الأعمّ اُخرى، ففيه مقامان:

 

تصوير الجامع على الصحيح:

المقام الأوّل: في تصوير الجامع على الصحيح، فقد يستشكل في إمكانه، وهذا الإشكال صياغته الفنّيّة أن يقال: إنّ احتمال الجامع لا يخرج من احتمالات خمسة، وكلّها غير معقولة:

1 ـ أن يكون جامعاً تركيبيّاً، كالفعل المشتمل على الفاتحة والركوع والسجود وغير ذلك. وهذا غير معقول؛ لأنّ أيّ مركّب نفرضه قد يتّصف بالصحّة وقد يتّصف بالفساد حسب اختلاف الأحوال والخصوصيّات.

2 ـ أن يكون الجامع عنواناً بسيطاً منطبقاً على الصلوات الخارجيّة الصحيحة انطباق الذاتيّ على فرده على حدّ انطباق الإنسان على زيد وخالد وغيرهما من

317

أفراد الإنسان. وهذا أيضاً غير معقول لأنّنا نسأل: هل الفرد من الصحيح يكون مصداقاً للجامع الذاتيّ بعد فرض طروء نوع وحدة عرضيّة، أو اعتباريّة عليها، أو يكون مصداقاً له بدون هذا الفرض؟

فإن قيل بالثاني، فهو غير معقول؛ إذ يستحيل أن يكون الكثير بما هو كثير مصداقاً لذلك البسيط بما هو بسيط. وإن قيل بالأوّل، فهو أيضاً غير معقول؛ لأنّه خلف؛ لأنّ معنى ذلك: أنّه ليس مصداقاً بالذات لذاك الجامع، بل هو مصداق بالعرض له؛ إذ يجب أن يكتسب وحدة من الخارج ليصير مصداقاً له، فالجامع عرضيّ.

3 ـ أن يكون جامعاً بسيطاً، لكنّه ليس ذاتيّاً بالمعنى المصطلح في كتاب الكلّيّات كما كان في الاحتمال الثاني، بل هو أمر انتزاعيّ، ولكنّه من لوازم الماهية، وهو المسمّى عندهم بالذاتي في كتاب البرهان، فنسبته إلى الأفراد كنسبة عنوان الزوج إلى الأربعة، فإنّه ليس ذاتيّاً كذاتيّة الإنسان لزيد وعمرو، لكنّه من لوازم ماهية الأربعة، وكذلك الإمكان بالنسبة للإنسان، فإنّه عنوان بسيط انتزاعيّ ذاتيّ بمعنى الذاتيّ في كتاب البرهان، لا بمعنى كونه جنساً له، أو فصلاً، أو نوعاً. وهذا أيضاً غير معقول؛ لأنّ لازم الماهية معلول بمعنىً من المعاني لتلك الماهية، وفي المقام حيث إنّ الصلاة مركّبة من أجزاء متعدّدة، فلو كان هناك أمر بسيط يكون لازماً ذاتيّاً لهذه الصلاة، لزم أن يكون معلولاً لمجموعها، فتلزم معلوليّة البسيط للمركّب، وهذا مستحيل(1).

 


(1) قد تقول: كيف تفترض استحالة ثبوت لازم ذاتيّ بسيط للماهية المركّبة، مع أنّ الإمكان مثلاً ذاتيّ لجميع الماهيات حتّى المركّبات كجسم الإنسان مثلاً؟

ويمكن الجواب على ذلك: بأنّ المفروض في المقام كون ذاك العنوان البسيط لازماً


318

4 ـ أن يكون جامعاً انتزاعيّاً بسيطاً، ولا يكون من لوازم الماهيّة، بل يكون منتزعاً عن الصلاة، لا بلحاظ ذاتها، بل بلحاظ جهة عرضيّة قائمة بها، من قبيل: عنوان الأبيض، أو الفوق المنتزع من الشيء بلحاظ جهة عرضيّة كالبياض، أو إضافته إلى الأرض الواقعة تحته. وهذا أيضاً ساقط؛ لأنّ لازمه: أنّ هذا الفرد من الصلاة الذي بدأ بالتكبيرة وانتهى بالتسليم لا يستحقّ اسم الصلاة، إلاّ في مرتبة تلك الجهة العرضيّة، من قبيل: عنوان الأبيض والفوق، فإنّه في مرتبة عروض البياض يقال: أبيض، وفي مرتبة الإضافة إلى الأرض يقال: فوق، لا قبل هذا، فيكون استحقاقه للاسم في مرتبة متأخّرة عن ذاته، مع أنّه من المعلوم ـ بحسب ارتكاز المتشرّعة الذي هو المحكّم في أسماء هذه العبادات ـ أنّ هذا العمل الذي يبدأ بالتكبير وينتهي بالتسليم بما هو هو صلاة لا بلحاظ إضافة جهة عرضيّة من الخارج إليه.

5 ـ أن يكون هذا الجامع جامعاً بسيطاً اعتباريّاً من العناوين التي يخيطها الذهن البشري، ويُلبسها على ما في الخارج عند ضيق خناقه في مقام التعبير عمّا في الخارج، وهو عبارة عن عنوان «أحدها»، حيث إنّ الذهن يريد أحياناً أن يعبّر عن أشياء عديدة بجامع بينها؛ بسبب أنّه لا يريد أن يخصّص أحدها المعيّن


ذاتيّاً للمركّب، فلا توجد لدينا صلاة صحيحة ينحصر عملها في أمر بسيط، والمفروض: أنّ ذاك اللازم جامع مانع، إذن ليس لازماً لأمر بسيط وإنّما هو لازم للمركّب بما هو مركّب. وهذا هو الذي ادّعينا استحالته. وأمّا الإمكان فليس لازماً للمركّب بما هو مركّب، وإنّما هو منتزع من مطلق الماهيات، أو مطلق ما ليس واجب الوجوب.

وإن شئت فعبّر بأنّ الإمكان لازم منبسط في لزومه على كلّ أجزاء المركّب لا متقوّم بالمجموع، فقياس المقام به قياس مع الفارق.

319

بالحكم؛ لأنّ الباقي مثله، ولا يريد أن يثبّت الحكم عليها جميعاً بنحو الاستغراق والشمول، فينتزع عنوان «أحدها»، ففي ما نحن فيه نفترض أنّ الصلوات على اختلاف أشكالها ننتزع جامعاً لها، وهو عنوان «أحدها»، ونسمّي هذا الجامع بالصلاة.

وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنّ عنوان «أحدها» لا يصلح أن يكون موضوعاً لحكم شموليّ واستغراقيّ، بينما كلمة «الصلاة» كما قد يحكم عليها بالمطلق البدليّ كذلك قد يحكم عليها بالمطلق الشموليّ، من قبيل: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ﴾(1) وبكلمة اُخرى: أنّ مفهوم الصلاة لم تؤخذ فيه البدليّة، بل هو سنخ مفهوم حياديّ تجاه البدليّة والشموليّة، فلابدّ من تصوير جامع حياديّ تجاههما، وعنوان «أحدها» يشتمل على البدليّة(2).

هذه هي الصيغة الفنّيّة في مقام تقرير إبطال الجامع، وهناك تخلّصات عنها،


(1) سورة العنكبوت، الآية: 45.

(2) لا يخفى: أنّ البدليّة ليست من لوازم كلّ عنوان انتزاعيّ يخيطه الذهن للإشارة إلى ما في الخارج، فلو أنّ واضع اللغة أخذ قيد البدليّة في مفهوم «أحدها» كما أخذ قيد البدليّة في التنوين الداخل على مثل كلمة «العالم» في مثل «أكرم عالماً» مثلاً، فهذا لا يعني أنّه لا يمكن للواضع أن يضع كلمة لعنوان انتزاعيّ يخيطه الذهن (لا بمعنى الخياطة الخياليّة البحت من قبيل بحر من زئبق) لإلباسه على ما في الخارج من دون إشرابه بمفهوم البدليّة، فمثلاً لو بُدّلت كلمة «أحدها» بكلمة الفرد منها، نرى أنّها تصلح للحكم عليه بحكم شمولي، فلو قيل: الفرد من هذه العبادات المخصوصة ينهى عن الفحشاء والمنكر، يصحّ قصد الشمول بذلك، وعليه فالمدّعى في المقام: أنّ كلمة «الصلاة» مثلاً موضوعة لمعنىً من هذا القبيل، وهذا جامع انتزاعيّ غير ذاتيّ، ولم تلحظ فيه البدليّة، ولم يلحظ فيه عَرَض خارجيّ بالمعنى الذي يخالف الارتكاز القائل بأنّ هذه الأسماء أسماء لذوات العبادات لا بلحاظ مرتبة أمر عرضيّ خارجيّ يعرض عليه.

320

أهمّها تخلّصان:

التخلّص الأوّل: هو الوجه المختار، وهو: أنّ الجامع جامع تركيبي، وكان الإشكال في ذلك هو: أنّ أيّ مركّب نفرضه قد يتّصف بالصحّة وقد يتّصف بالفساد، وليس صحيحاً دائماً ومحفوظاً في كلّ الأفراد. وبكلمة اُخرى: أنّ كلّ جزء من الأجزاء لو أخذناه في المسمّى أخرجنا الصحيح الفاقد له، ولو لم نأخذه فيه أدخلنا الصلاة التي بطلت بفقده.

وهذا الإشكال في المورد الذي يتخيّل وروده في بادئ النظر يمكن دفعه بالتأمّل، وتوضيح ذلك:

أنّنا يمكننا بهذا الصدد تقسيم أجزاء الصلاة وشرائطها إلى خمسة أقسام:

1 ـ ما يكون ركناً دخيلاً على الإطلاق بحيث لا يتصوّر الصحّة بدونه، كقصد القربة، وإسلام المصلّي. وفي هذا القسم لا تتطرّق العويصة من أساسها، فإنّه لا يلزم من أخذه في المسمّى أيّ محذور؛ لأنّه كلّما انعدم انعدمت الصحّة بلا استثناء، فلا يلزم من أخذه إخراج ما هو الصحيح.

2 ـ أن يكون للجزء أو الشرط بدل عرضيّ تخييريّ، من قبيل: الفاتحة والتسبيحات مثلاً في الأخيرتين، أو الغسل والوضوء بناءً على أنّ كلّ غسل يغني عن الوضوء، وفي مثل هذا أيضاً لا ينبغي الإشكال؛ فإنّه يظهر بأدنى التفات أنّه هنا لا يؤخذ البدل بالخصوص، أو المبدل بالخصوص في المسمّى حتّى يخرج بذلك الصحيح الفاقد له، بل يؤخذ الجامع بين البدل والمبدل، أعني: عنوان «أحدهما»، ولا محذور في ذلك؛ لأنّ واجد الجامع صحيح دائماً، وفاقده بعد فرض الركنيّة باطل دائماً.

3 ـ أن يفرض له بدل عرضيّ، إلاّ أنّه ليس تخييريّاً، بل كلّ من البدل والمبدل

321

مخصوص بحالة معيّنة، كالغسل والوضوء بناءً على أنّ الغسل وظيفة المحدث بالأكبر، والوضوء وظيفة المحدث بالأصغر، وكعدد التثنية للمسافر والتربيع للحاضر. ومن هنا تبدأ العويصة، فنقول: إنّ هذا الجامع لو اُخذ فيه البدل خاصّة، لزم خروج الصلاة الصحيحة المشتملة على المبدل دون البدل. ولو اُخذ فيه المبدل خاصّة، لزم خروج الصلاة الصحيحة المشتملة على البدل دون المبدل. ولو اُخذ الجامع، لزمت صحّة كلتا الصلاتين في كلا الحالتين، مع أنّ كلاًّ من الصلاتين صحيحة في حال وباطلة في حال اُخرى.

والحلّ هو: أنّنا لا نأخذ الجامع بينهما على الإطلاق، بل نأخذ الجامع بين هذا في حاله وذاك في حاله، أي: الجامع بين التثنية في السفر والتربيع في الحضر، أو بين الوضوء عند الحدث الأصغر فحسب والغسل عند الحدث الأكبر، وهكذا، فينطبق المسمّى عندئذ على صلاة من اختار أحد الأمرين في محلّه، ولا ينطبق على صلاة من اختار أحدهما في غير محلّه.

4 ـ أن يكون له بدل طوليّ، أي: عند تعذّر المبدل، من قبيل: التيمّم مع الوضوء. والحلّ في ذلك هو عين الحلّ في الصورة السابقة، أي: أنّه يؤخذ الجامع بين الوضوء عند القدرة عليه والتيمّم عند العجز، وكذلك الحال في الفاتحة مع إشارة الأخرس، والركوع القياميّ مع الجلوس أو الإيمائيّ.

5 ـ أنّ هذا الجزء أو الشرط كان بنحو تصحّ الصلاة بدونه أحياناً بلا بدل، كما هو الحال في سقوط البسملة للتقيّة مثلاً، فهنا يكون التخلّص من العويصة أشكل؛ إذ فيما سبق كنّا نأخذ الجامع بين البدلين العرضيّين، أو الطوليّين، أمّا هنا فلا بدل في البين. فلو أخذنا البسملة مثلاً في الصلاة لزم خروج الصلاة الصحيحة بلا بسملة عند التقيّة، ولو أخذنا الجامع بين البسملة وحالة التقيّة لم يصحّ ذلك؛ لأنّ حالة

322

التقيّة أمر خارجيّ تكوينيّ لا فعل من أفعال المكلّف حتّى يعقل كونه عدلاً لما هو دخيل في الصلاة. ويمكن التخلّص عن ذلك بإحدى صيغتين:

الاُولى: أن يبدّل فرض أخذ جانب الوجود من الجزء أو الشرط في المسمّى بالالتفات إلى جانب العدم والفقدان، فيقال: إنّ هذا الجامع التركيبيّ مقيّد بأن لا يكون فاقداً فقداً اختياريّاً للبسملة، فهذا جامع مانع؛ إذ من يترك عمداً لا يصدق على صلاته عدم الفاقديّة فقداً اختياريّاً، فتبطل صلاته، ومن يترك عند التقيّة، أو يبسمل عند عدم التقيّة يصدق على صلاته عدم فقدان البسملة فقداً اختياريّاً، فالإشكال إنّما كان ناشئاً من أنّهم قصروا النظر على جانب الوجود، فوجود الجزء: إمّا أن يؤخذ في الجامع، فيخرج الفاقد الصحيح، أو لا يؤخذ، فيدخل الفاقد الباطل، بينما يمكننا أن ننتقل من جانب الوجود إلى جانب العدم، والعدم يتحصّص بعدد الحالات، فنقيّد الجامع بنفي تلك الأعدام التي تكون الصلاة عندها باطلة، ولا نقيّده بغير تلك الأعدام، فيكون جامعاً مانعاً.

الثانية: أن يقال: إنّنا أيضاً نطبّق فكرة الجامع كما طبّقناها في الأقسام السابقة، وذلك لا بمعنى الجامع بين البسملة وحال التقيّة حتّى يقال: إنّ حال التقيّة ليست فعلاً من أفعال المكلّف، بل بمعنى الجامع بين البسملة وتقيّد الصلاة بحال التقيّة، والتقيّد فعل للمكلّف داخل تحت الأمر في باب الشروط، فهذا أيضاً راجع بحسب الحقيقة إلى ما له البدل(1).

 


(1) لا يخفى: أنّ سقوط جزء أو شرط لعذر ما بلا بدل يتصوّر بعدّة أنحاء، والحلّ الأوّل الوارد في المتن يتمّ فيها جميعاً، وهو الحلّ بالانتقال من جانب الوجود إلى جانب العدم، وتقييد المسمّى بنفي أحد أنحاء العدم أو الترك، ولكن قد يتراءى عدم تماميّة الحلّ

323


الثاني في بعض الأنحاء، وهو اختيار الجامع بين ذلك الجزء أو الشرط في غير وقت الحالة الاستثنائيّة، وقرن العمل بحالة العذر في ذلك الوقت. وتلك الأنحاء ما يلي:

1 ـ أن يكون العذر الموجب للعجز التكوينيّ كما في حالة الاضطرار، أو الموجب لحرج أو مشكلة ما، كما في غالب موارد التقيّة غير مستوعب للوقت إلى آخر، بل يكون سنخ عذر سينتهي قبل انتهاء الوقت، ولنفترض أنّ العذر رغم عدم استيعابه للوقت كان مجوّزاً شرعاً للاكتفاء بالعمل الناقص في وقت العذر. وهنا من الواضح تأتّي الحلّ الثاني في المقام؛ لأنّ قرن العمل بحالة العذر أمر مقدور للمكلّف، ويمكن تحريكه نحوه؛ إذ بإمكانه أن يقرن العمل بتلك الحالة، وبإمكانه أن لا يقرن العمل بها ولو بتأخيره إلى زمان انتهاء العذر.

2 ـ أن يكون العذر بالمعنى الذي أشرنا إليه في الصورة الاُولى مستوعباً لتمام الوقت. فهنا قد يتراءى عدم تأتّي الحلّ الثاني في المقام؛ لأنّ قرن العمل بحالة العذر أمر ضروريّ الحصول، وليس أمراً تحت قدرة المكلّف، أو ممّا يمكن التحريك نحوه، والعدل الآخر، وهو ذلك الجزء أو الشرط إنّما هو لغير هذه الحالة، بل قد يكون غير مقدور له في هذه الحالة، فما معنى توجيه الأمر بالجامع بينهما إليه؟!

ولكنّه يكفي هنا في الجواب أن يقال: إنّ القرن بحالة العذر أمر اختياريّ له ويمكن تحريكه نحوه؛ وذلك لأنّه بإمكانه أن يفعل ذلك وبإمكانه أن لا يفعل ذلك ولو بترك أصل العمل.

3 ـ أن لا يكون العذر عبارة عن العجز أو الصعوبة، أو ترتّب مشكلة على الإتيان بذلك الجزء أو الشرط، بل يكون العذر عبارة عن النسيان الموجب لعدم إمكانيّة محرّك الأمر بالجامع بين العدلين إيّاه؛ لأنّه لا يلتفت لا إلى العدل الأوّل، وهو الجزء أو الشرط، ولا إلى العدل الثاني، وهو قرن العمل بالنسيان؛ إذ هو غير ملتفت إلى النسيان.

والجواب في المقام هو: أن يقال: إنّه لمّا لم يكن عدم إمكانيّة التحريك نحو الجامع،

324

التخلّص الثاني: ما اختاره صاحب الكفاية(1)، من أنّ هذا الجامع جامع بسيط منتزع عن هذه المركّبات المختلفة أشدّ الاختلاف. وذكر في تصوير هذا الجامع ما ينحلّ إلى أمرين:

الأوّل: أنّ هذه الأفراد على اختلافها مشتركة في أثر واحد نوعيّ، كالنهي عن الفحشاء والمنكر، ويثبت ذلك بما ورد من: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ﴾.

 


بمعنى: أنّه سيترك الجامع عن غير التفات، بل كان بمعنى: أنّه سيأتي بالجامع عن غير التفات، أي: أنّه ـ بعد فرض كونه بانياً على الطاعة ـ سيقرن العمل بالنسيان عن غير التفات، فعندئذ يكون الأمر النفسيّ المتعلّق بمجموع العمل والقرن قابلاً للمحركيّة؛ لأنّ المجموع المركّب ممّا يمكن التحريك نحوه وما لا يمكن التحريك نحوه يمكن التحريك نحوه، فإنّ النتيجة هنا تتبع أشرف المقدّمتين. نعم، لو كان ما لا يمكن التحريك نحوه عبارة عمّا يتركه المكلّف بلا التفات، لا عبارة عمّا يفعله بلا التفات، لكانت النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين، أي: أنّ المجموع المركّب ممّا يمكن التحريك نحوه وما لا يمكن التحريك نحوه لا يمكن التحريك نحوه.

يبقى هنا سؤال عرفيّ، وهو: أنّه بعد أن كان الأمر الضمنيّ بالجامع غير محرّك للناسي، والأمر الضمنيّ بنفس ذلك الجزء أو الشرط كافياً في تحريك غير الناسي نحو المطلب، فما هي النكتة العرفيّة في عدول المولى عن الأمر بذلك الجزء أو الشرط إلى الأمر بالجامع؟ فإنّه كان بإمكان المولى الاكتفاء بالأمر بذلك الجزء أو الشرط مع تخصيص ذلك الأمر بغير الناسي.

وهذا يكفي في الجواب عليه: أن يفترض أنّ نكتة العدول عن الأمر بالعدل الأوّل إلى الأمر بالجامع كانت عبارة عن أنّ الملاك كان في الجامع لا في خصوص العدل الأوّل، فأراد المولى أن يتطابق الأمر مع الملاك.

(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 36 ـ 37 بحسب طبعة المشكينيّ.

325

والثاني: أنّه إذا ثبت اشتراكها جميعاً في أثر واحد، وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فلابدّ أن يثبت ببرهان (أنّ الواحد لا يصدر إلاّ عن واحد) جامع واحد هو المؤثّر، ولولا الجامع لزم تأثير كلّ واحد منها بخصوصيّته في ذلك الأثر، فيلزم تأثير الكثير في الواحد، وهو مستحيل، وهذا الجامع الواحد النوعيّ لابدّ أن يكون بسيطاً؛ لما بيّن من استحالة الجامع التركيبيّ.

ومن الواضح: أنّه ليس مقصوده بهذا الجامع البسيط العنوان البسيط الانتزاعيّ الذي ينتزع بلحاظ جهة عرضيّة خارجيّة، وهو الاحتمال الرابع؛ إذ لو كان مقصوده ذلك لأمكن أن يكتفي بالمقدّمة الاُولى فقط؛ إذ بمجرّد الاعتراف فيها بأنّ تمام الصلوات تشترك في إيجاد أثر واحد، وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر يقال: إنّه ينتزع عنها بلحاظ ترتّب هذا الأثر عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر ولو فرض: أنّ الواحد يصدر عن أكثر من واحد، فبهذه القرينة يعرف أنه يريد أن يدّعي جامعاً بسيطاً منطبقاً على الصلوات لا في طول ترتّب الأثر، بل في المرتبة السابقة على الأثر، وهو علّة الأثر، وهو عنوان بسيط ذاتيّ: إمّا بمعنى الذاتيّ في كتاب الكلّيّات، أي: على حدّ ذاتيّة الإنسان لزيد، أو بمعنى الذاتيّ في كتاب البرهان، أي: علىّ حدّ ذاتيّة الإمكان للإنسان.

وقد اعترضوا على ذلك باعتراضات، نذكر أهمّها:

1 ـ أنّ الواحد: إمّا هو واحد بالشخص، أي: بالعدد كزيد، أو واحد بالنوع، أي: ماهية نوعيّة واحدة مشتركة في ذاتيّاتها المحفوظة في تمام أفرادها، من قبيل: ماهية الحرارة بلحاظ أفرادها، أو واحد بالعنوان، أي: أنّ لنا عنواناً انتزاعيّاً واحداً ينطبق على الأفراد مع تعدّدها، وقاعدة (أنّ الواحد لا يصدر إلاّ عن واحد) إمّا تختصّ بالواحد بالشخص، أي: أنّ الواحد بالشخص لا يصدر إلاّ عن الواحد

326

بالشخص، أو تثبت في الواحد بالنوع أيضاً، أي: أنّ الواحد بالنوع لا يصدر إلاّ عن الواحد بالنوع، وأمّا الواحد بالعنوان، فلا يلزم أن يكون صادراً عن الواحد بالشخص، ولا عن الواحد بالنوع، ولا عن الواحد بالعنوان؛ فإنّ مرجع الوحدة بالعنوان إلى قيام عنوان انتزاعيّ بمجموع اُمور قد تكون متباينة، وليست نسبته إلى منشأ انتزاعه نسبة المعلول إلى العلّة حتّى ينطبق عليه قانون (أنّ الواحد لا يصدر إلاّ عن واحد)، فيمكن انتزاعه عن حقائق مختلفة، فإذا كان كذلك، أمكن أن تكون هذه الحقائق المختلفة معلولات لاُمور متخالفة. نعم، لو أرجعنا الانتزاع إلى باب العلّيّة، أمكن تطبيق القاعدة على الواحد بالعنوان، بأن يقال: إنّ هذه المعلولات لها معلول واحد، وهو العنوان الانتزاعيّ، وهذا يكشف عن وحدة ذاتيّة نوعيّة بينها، فعلّتها أيضاً واحدة، ولكن بعد التمييز بين باب العلّيّة وباب الانتزاع لا يأتي هذا الكلام، وعندئذ نقول: إنّ عنوان الانتهاء عن الفحشاء والمنكر عنوان ينتزع من أنحاء مختلفة من الترقّيات والكمالات والاستمساكات بعروة الدين(1).

2 ـ ما أورده السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(2) وحاصله: أنّه لا يمكن في المقام فرض أنّ المؤثّر في هذا الأثر الوحدانيّ هو الجامع؛ لأنّ معنى ذلك كون خصوصيّات الأفراد غير دخيلة في الأثر، وإنّما الأثر ناشئ من الجامع بين المراتب دون خصوصيّاتها، كما هو الحال في سائر الموارد، فالإحراق مثلاً ينشأ من جامع النار، وخصوصيّة كون هذه النار موضوعة على الأرض، وتلك على الرفّ ونحو ذلك لا تكون دخيلة في الإحراق. وأمّا في المقام، فلا يعقل ذلك؛ إذ لو


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 145 بحسب طبعة النجف، ونهاية الدراية، ج 1، ص 53 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ بقم.

(2) راجع المحاضرات، ج 1، ص 145 ـ 146 بحسب طبعة مطبعة النجف.

327

كان الجامع بين صلاة المسافر والحاضر هو المؤثّر، لكانت خصوصيّة ضمّ الركعات الأخيرة في الحاضر، والإتيان بالتسليم بعد الاُولَيين في المسافر لا دخل لهما في التأثير مع القطع بأنّ لهما دخلاً في التأثير.

وهذا الإشكال ليس بشيء، فإنّ صاحب الكفاية يقول: إنّ المؤثّر ليس هو المركّب بما هو مركّب، لا هذا العمل المركّب من أربع ركعات، ولا ذاك المركّب من ركعتين مثلاً، بل المؤثّر هو عنوان بسيط. نعم، هذا العنوان البسيط منتزع عن صلاة الحاضر بخصوصيّاتها، وصلاة المسافر بخصوصيّاتها، فكلّ منهما بخصوصيّاته مقوّم لانتزاع ذلك العنوان البسيط، وأمّا المؤثّر فهو ذلك العنوان البسيط. فإن أردتم بدخل الخصوصيّات دخلها في الأثر، فهذا ما ينكره المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)؛ إذ يقول: إنّ تمام المؤثّر هو العنوان البسيط، لا هذا المركّب بما هو مركّب، ولا ذاك بما هو كذلك، وإن أردتم أنّها دخيلة باعتبار مقوّميّتها لانتزاع ذاك العنوان البسيط، فهذا صحيح، لكنّه لا ينافي كلام صاحب الكفاية.

3 ـ ما أورده أيضاً السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ وغيره من أنّ هذا العنوان البسيط منتزع عن الصلاة بما هي مشتملة على قصد القربة، فإنّ قصد القربة دخيل في تحقّق الأثر، وبدونه لا تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، أو قرباناً، أو غير ذلك ممّا يفرض من أثر. فإن فرضنا قصد القربة دخيلاً في المسمّى، ـ إذن فقد تعلّق الأمر بالصلاة بقصد القربة ـ فهو غير صحيح لما قلنا من أنّه لا يصحّ أخذه في المسمّى، لأنّه لا يمكن أخذه تحت الأمر، وكلّما لا يمكن أخذه تحت الأمر لا يصحّ أخذه في المسمّى. وإن غضضنا النظر عن قصد القربة، وأردنا انتزاع الجامع عن الصلاة مع قطع النظر عن قصد القربة حتّى لا يكون دخيلاً في المسمّى، قلنا: إنّ الصلاة بلا قصد القربة لا يترتّب عليها أثر مشترك من النهي عن الفحشاء

328

وغيره حتّى نجعل ذلك كاشفاً عن الجامع(1).

ويرد عليه: أنّ الصلوات إن فرضت صحيحة من سائر الجهات غير قصد القربة فهذا الجامع البسيط الوحدانيّ وإن لم يكن صادقاً عليها بنحو القضيّة التنجيزيّة لكنّه صادق عليها بنحو القضيّة التعليقيّة الشرطيّة، أي: يصدق على كلّ واحد من هذه المركّبات عنوان: (لو كان معه قصد القربة لانطبق عليه ذاك الجامع)، وهذا العنوان بنفسه جامع ذاتيّ، أي: لا يحتاج في صدقه إلى ضمّ أمر خارج، وهو قصد القربة مثلاً، فإنّه قضيّة شرطيّة لا يتوقّف صدقها على تحقّق الشرط، فتجعل الصلاة اسماً لكلّ (ما لو كان معه قصد القربة لانطبق عليه ذاك الجامع)، وهذا الجامع جامع بين تمام الأفراد، ومانع عن كلّ ما اختلّ من غير ناحية القربة.

فتحصّل: أنّ العمدة في الإشكال إنّما هي الوجه الأوّل مضافاً إلى ما مضى منّا في أصل تقريب العويصة من البرهان على استحالة الجامع البسيط، فراجع، ولم يكن في كلام المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) ما يكون جواباً على ذلك البرهان(2).

 


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 148 بحسب طبعة النجف.

(2) ثُمّ إنّ تصوّرات الشيخ العراقيّ(رحمه الله) عن الجامع البسيط في المقام تختلف اختلافاً جذريّاً عن تصوّرات الشيخ الآخوند(رحمه الله). ونلخّص ما يراه الشيخ العراقيّ في المقام في بنود، وبإمكانك أن تراجع نصّ كلامه(رحمه الله) في المقالات، ج 1، ص 140 ـ 151 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم، أو تراجع نصّ مقرّره المرحوم البروجرديّ في نهاية الأفكار، ج 1، ص 80 ـ 86 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وتلك البنود ما يلي:

1 ـ أنّه(رحمه الله) يرى وجهين لاكتشاف الجامع في المقام:

أحدهما: مسلّميّة عدم الاشتراك اللفظيّ في المقام للصلاة مثلاً بين الصلوات المختلفة، فلابدّ من جامع يكون هو المسمّى بهذا الاسم.

329


والثاني: ترتّب أثر وحدانيّ بسيط على كلّ الصلوات، وهو القرب المعنويّ إلى الله، أو التكامل المعنويّ المعبّر عنه بقربان كلّ تقيّ، أو معراج المؤمن. نعم، الأثر الآخر ـ وهو النهي عن الفحشاء والمنكر ـ يمكن افتراض تعدّده بتعدّد المقولات الموجودة في الصلاة، إلاّ أنّ هذه النواهي أيضاً لا يبعد أن تكون من شؤون ذلك الأثر الوحدانيّ، فإنّ الصلاة لو لم تكن تقرّب الإنسان، أو تكمّله بإيصاله إلى مرتبة عالية لما كانت تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر.

وحتّى لو فرضنا أنّ أثر النهي عن الفحشاء والمنكر مستقلّ عن أثر القربان أو المعراج فتعدّده الناتج من اختلاف الأجزاء إنّما يمنع عن كاشفيّته عن جامع وحدانيّ بين الأجزاء، ولا يمنع عن كاشفيّته عن جامع وحدانيّ بين أفراد الصلوات؛ إذ لا شكّ أنّ النهي عن الفحشاء والمنكر بلحاظ صلاة الحاضر في حضره، وصلاة المسافر في سفره، وما شابه ذلك متماثل، وليس مختلفاً باختلاف الأفراد على رغم ما قد يتّفق بين فردين من الصلاة أيضاً من الاختلاف المقوليّ.

2 ـ أنّ الشيخ العراقيّ(رحمه الله) لا يرى محذوراً في انطباق الجامع الانتزاعيّ البسيط على المركّب رغم ذاتيّته؛ لأنّه ليس معلولاً للمركّب، وليس المركّب علّةً ومحصّلاً له كي يحكمهما قانون تسانخ العلّة والمعلول، فتستحيل بساطة العنوان مع تركّب المعنون.

وحتّى لو فرض أنّ المركّب هو المحصِّل والمحقِّق لذاك العنوان البسيط، فمقصودنا بالبساطة إنّما هي البساطة في الهويّة، لا عدم قبول الزيادة والنقصان، فذاك العنوان ينبسط على المعنون المركّب، ويزيد وينقص بزيادته ونقصانه.

وسواء فرض المركّب محقِّقاً ومحصِّلاً لذاك العنوان أو فرض الأمر مجرّد انطباق العنوان البسيط على المعنون المركّب واتّحاده معه نحو اتّحاد ما، لا يرد إشكال الشكّ في المحصّل، وسقوط البراءة لدى الشكّ في جزئيّة جزء. أمّا على فرض عدم كون المركّب محصِّلاً لذاك العنوان، وكونه متّحداً معه نحو اتّحاد، فالأمر واضح؛ لأنّ الشكّ عندئذ يعود

330


إلى الشكّ في زيادة الواجب ونقصانه لا في المحصّل. وأمّا على فرض كون المركّب محصّلاً للعنوان البسيط فالأمر كذلك أيضاً؛ لأنّ الشكّ وإن كان شكّاً في المحصِّل لكن المحصَّل ـ بالفتح ـ أيضاً يزيد وينقص بزيادة المحصِّل ـ بالكسر ـ ونقصانه، فتجري البراءة عن الزائد المشكوك.

3 ـ وإذا لم يكن هناك أيّ محذور في انطباق العنوان البسيط على المعنون المركّب، فالمحذور الوحيد الذي قد يبقى في المقام هو: أنّ عمل الصلاة عملٌ مؤتلفٌ من مقولات مختلفة، ولا جامع ينطبق على المقولات المختلفة؛ لأنّها متباينة غاية التباين، فكيف يمكن افتراض جامع بسيط منطبق على الأجزاء المختلفة اختلافاً مقوليّاً؟

وجواب ذلك في رأي المحقّق العراقيّ(رحمه الله): أن نخرج في تحصيل الجامع من عالم الماهيات إلى عالم الوجود، ونقول: إنّ الجامع المسمّى بالصلاة مثلاً عبارة عن عنوان الوجود المنتزع من تلك المرتبة الوجوديّة السارية في الأفعال التي هي من المقولات المختلفة، والمحصورة في عدد يتراوح بتراوح أفراد الصلوات بين كذا أجزاء مع أخذ كلّ جزء مقيّداً بظروف وجوبه، فتكون هذه الحيثيّة الوجوديّة من سنخ الاُمور المشكّكة القابلة للانطباق على القليل تارةً، وعلى الكثير اُخرى.

ولا نقصد: أنّ الصلاة إذن اسم لمفهوم الوجود كي يلزم صدق الصلاة على كلّ موجود، بل المقصود: أنّ الصلاة اسم للوجود المنتزع عن الحيثيّة الوجوديّة المحصورة ضمن تلك الحدود المشخّصة التي تختلف باختلاف مواردها.

وكذلك لا نقصد كون تلك الحدود داخلة في مفهوم الصلاة كي يلزم كون مفهوم الصلاة مفهوماً مركّباً، بل نقول: إنّ الصلاة اسم مساوق لمفهوم الوجود الخاصّ الذي يشار إليه بتلك الحدود، ويكون منحفظاً ضمن تلك الحدود، أو قل: إنّه عند التحليل ينحلّ إلى الوجود المحفوظ في دائرة تلك الوجودات، لا تلك الماهيات والذوات.

وكذلك لا نقصد: أنّه ما دامت الصلاة اسماً لذاك الجامع الوجوديّ الذي عرفت، إذن

331


فالأمر لم يتعلّق إلاّ بذلك الجامع دون تلك الحدود حتّى يلزم عدم إمكان قصد التقرّب بتلك الحدود والأجزاء: من حمد، أو سورة، أو غير ذلك، مع أنّ الارتكاز القطعيّ قائم على إمكان التقرّب بها، بل نقول: إنّ الأمر كما تعلّق بالصلاة كذلك تعلّق بتلك الحدود بالنسبة لكلّ شخص بلحاظ الحدود المناسبة له؛ ولذا ترى أنّ المأمور به للمسافر مثلاً يختلف عن المأمور به للحاضر، أو أنّ المأمور به للصحيح يختلف عن المأمور به للمريض، وهكذا رغم أنّ الصلاة اسم واحد لحقيقة واحدة، فالأمر ليس محبوساً على ما انحبس الاسم عليه.

4 ـ ويرى المحقّق العراقيّ(رحمه الله) أنّه يمكن بنفس البيان الذي عرفت اكتشاف الجامع بلحاظ الأعمّ أيضاً؛ فإنّ وحدة الاسم والمعنى ولو فرض مجازيّاً واحدة، والأثر الواحد أيضاً يمكن لحاظه لا بمعنى الأثر المتحصّل بالفعل، بل بمعنى: أنّ المقدار الكافي من الأجزاء والشرائط في صدق اسم الصلاة يكون تحت جامع لو تمّ له باقي الأجزاء والشرائط لحصل الأثر المطلوب.

أقول: بعد فرض تسليم إمكان انطباق الجامع البسيط الذاتيّ على المركّب: إنّه بعد أن اعترف(رحمه الله) بإمكان تطبيق قانون (أنّ الواحد لا يصدر إلاّ من واحد) في المقام بلحاظ وحدة الأثر، ولو باعتبار القربان والمعراج، فهذا القانون في الواحد بالنوع ليس إلاّ من فروع قانون السنخية بين العلّة والمعلول. ومن الواضح: أنّ مقصودهم بالسنخيّة بين العلّة والمعلول في غير الواجب تعالى إنّما هو السنخيّة بلحاظ الماهيات، لا بلحاظ الوجود، وإلاّ فالسنخيّة محفوظة بين جميع الوجودات؛ لأنّ الوجود أمر واحد، فيلزم أن يكون كلّ شيء علّة لكلّ شيء، وعلى هذا لا يصحّ ما ذكره(رحمه الله) من الخروج في تحصيل الجامع من عالم الماهيات إلى عالم الوجود.

على أنّ الفهم العرفيّ في أسماء الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات لا يشذّ عن الفهم العرفيّ في سائر الأوضاع الاعتياديّة، من كونها أسماءً للماهيات لا للوجود؛ ولهذا يقال مثلاً: الصلاة موجودة، أو يقال: الصلاة معدومة من دون الإحساس بمؤونة في ذلك،

332

تصوير الجامع على الأعمّ:

المقام الثاني: في تصوير الجامع على الأعمّ.

وقد ذكر صاحب الكفاية(1) أنّ تصوير الجامع على الأعمّ في غاية الإشكال؛ وذلك لأنّنا لو أردنا تصوير الجامع البسيط كما تصوّره(رحمه الله) على الصحيح، فصاحب


ولا الإحساس بإرادة حمل الوجود أو العدم على الوجود، كما هو واضح.

ثُمّ إنّ ما أفاده(رحمه الله) في حلّ مشكلة التقرّب بالفرد من افتراض تعلّق الأمر بالخصوصيّة الفرديّة زائداً على الأمر بكلّيّ الصلاة لا يكفي لحلّ هذه المشكلة فيما إذا كان الجزء مردّداً بين أمرين تخييريّين، كالفاتحة والتسبيحات في الركعة الثالثة والرابعة مثلاً، أو كانت الصلاة مردّدة بين شكلين من الصلاة، كالقصر والتمام في أماكن التخيير؛ لأنّ الأمر في مثل ذلك لم يتعلّق بالخصوصيّة وإنّما تعلّق بالجامع.

وكان الأولى به(رحمه الله) أن يذكر في الجواب: أنّ الأمر بالجامع كاف في التقرّب بالفرد المنطبق عليه الجامع. نعم، لو اُضيفت إلى الفرد إضافات خارجة عن انطباق الجامع على الفرد لم تكن تلك الإضافات مقرِّبة، ولا ارتكاز خلاف ذلك.

هذا، وهناك إشكال آخر أورده السيّد الخوئيّ(رحمه الله) على المحقّق العراقيّ(قدس سره) على ما ورد في المحاضرات، ج 1، ص 150 ـ 151 وهو: أنّه كما لا جامع مقوليّ ذاتيّ بين المقولات المختلفة كذلك لا يعقل جامع وجوديّ حقيقيّ بين وجودات المقولات المختلفة؛ إذ ليست لمجموع المقولات المتباينة بالذات حصّة خاصّة من الوجود حقيقةً سارية إليها، فلو أردنا الانتقال من الجامع المقوليّ الحقيقيّ إلى الجامع الوجوديّ الحقيقيّ لتلك المقولات المختلفة كمقولة الوضع والكيف وغير ذلك، فإمّا أن نقصد بذلك اشتراك تلك المقولات في مفهوم الوجود، أو في حقيقة الوجود، فهذا ما يعمّ جميع الأشياء. وإمّا أن نقصد بذلك مرتبة خاصّة من الوجود لها وحدة حقيقيّة لا اعتباريّة محض سارية في تلك المقولات، فهذا ما لا نتعقّله، فلكلّ مقولة من المقولات وجود في نفسه في عالم العين، والاتّحاد الحقيقيّ في وجود أمرين أو اُمور متحصّلة مستحيل.

(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 37 ـ 39 بحسب طبعة المشكينيّ.

333

الكفاية يورد على ذلك بأنّ الأعمّ من الصحيح والفاسد لم يدلّ دليل على ثبوت أثر مشترك فيه بنحو الاقتضاء فضلاً عن العلّيّة حتّى نستكشف من ذلك الجامع البسيط بقانون (أنّ الواحد لا يصدر إلاّ عن واحد). وإن أردنا تصوير الجامع المركّب: إمّا بأن يكون مركّباً من أجزاء معيّنة ذاتاً كالأركان الخمسة مثلاً، أو من أجزاء معيّنة عدداً كسبعة من أجزاء الصلاة مثلاً، فصاحب الكفاية يورد على ذلك بأنّ هذا معناه: كون المسمّى بالنسبة لباقي الأجزاء لا بشرط، فباقي الأجزاء والشرائط غير داخل في المسمّى، وإذا ضمّ إلى تلك الأجزاء كان من حيث المسمّى من قبيل: ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان، وهذا معناه: أنّ من صلّى صلاة صحيحة وواجدة لجميع الأجزاء والشرائط فإطلاق اسم الصلاة على مجموع ذلك يكون مجازاً، من باب إطلاق اسم الجزء على الكلّ، بينما لا يكون الأمر كذلك قطعاً.

أقول: أمّا الجامع البسيط، فإن صحّ ما ادّعاه من الجامع البسيط بين الصلوات الصحيحة، فهذا لازمه ثبوت جامع بسيط بين مطلق الصلوات ولو كانت فاسدة، إلاّ أنّه جامع إجماليّ تقديريّ لا جامع تنجيزيّ؛ وذلك لأنّ كلّ صلاة فاسدة بمقدار ما يكون تحت النظر للقائل بالأعمّ تكون صحيحة في زمان ما من بعض الناس، فالصلاة بلا قراءة تصحّ من الأخرس، والصلاة مع ترك بعض الأجزاء غير الركنيّة تصحّ من الناسي، وهكذا، فلو عبّرنا عن الجامع بين الصلوات الصحيحة باللاهوت مثلاً، قلنا: إذا وضعت لفظة «الصلاة» لما هو لاهوت بالفعل، كانت اسماً للصحيح، وإذا وضعت لما هو لاهوت ولو في زمان ما ولشخص ما، كان اسماً للأعمّ(1)،


(1) فإن قلت: ماذا تقول في صلاة الغريق التي تصحّ من الغريق، ولا تكون صلاة من غير الغريق؟ قلت: هي ليست صلاة من الغريق أيضاً، وإنّما هي صلاة لُغَويّة اكتفى الشارع بها من الغريق.

334

فيكون هذا جامعاً بين الصحيحة والفاسدة، وهو سنخ جامع انتزاعي لا يتوقّف على ضمّ جهة عرضيّة خارجيّة.

وأمّا الجامع المركّب فما مضى من الإشكال عليه من قبل المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)قد أجاب عنه السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) بأنّ تلك الأجزاء وإن اُخذت في التسمية لا بشرط عن باقي الأجزاء والشرائط، لكن اللابشرطيّة على نحوين:

الأوّل: أن يكون عدمه غير مضرّ، ووجوده حينما يوجد غير داخل، من قبيل: الماء الذي هو لا بشرط بالنسبة إلى الكأس، فعدم كونه في الكأس لا يضرّ في صدق اسم الماء، وكونه في الكأس لا يدخل عند وجوده في المسمّى.

والثاني: أن يكون عدمه غير مضرّ، ولكن وجوده حينما يوجد داخل في المسمّى، من قبيل: أنّ لفظة «الكلمة» اسم لما تركّب من حرفين فصاعداً، فحينما لا يوجد الحرف الثالث لا يضرّ ذلك بصدق اسم الكلمة، من قبيل: «قُم»، وحينما يوجد الحرف الثالث يكون داخلاً في الكلمة، من قبيل: «زيد». واللابشرطيّة فيما نحن فيه بالنسبة لسائر الأجزاء مأخوذة بالنحو الثاني، فحينما توجد تدخل في المسمّى، وحينما تنعدم لا يضرّ عدمها في المسمّى.

أقول: إنّ أصل ما يقصده (دامت بركاته) من أنّ بعض المركّبات يكون بنحو لو وجد فيه الأمر الفلانيّ كان داخلاً، ولو انعدم لم يضرّ مطلب عرفيّ صحيح واقع، إلاّ أنّ صياغته الفنّيّة الصحيحة ليست هي ما ذكره من كون اللابشرطيّة على نحوين، بل لابدّ لذلك من تفسير آخر؛ وذلك لأنّ اللابشرطيّة والإطلاق لا يكون إلاّ بأن


(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 167 بحسب طبعة مطبعة النجف، وراجع مصابيح الاُصول، ج 1، ص 108 ـ 109.

335

يكون عدمه غير مضرّ، ووجوده غير داخل، فإنّنا إن قلنا: إنّ الإطلاق عبارة عن الجمع بين القيود، صحّ أن يقال: إنّ الجزء الزائد قد اُخذت التسمية مطلقة بالنسبة إليه، أي: أنّ ذاك الشيء مع قيد الجزء الزائد داخل في المسمّى، ومع عدمه أيضاً داخل في المسمّى، فمن المعقول(1) أن يكون عدمه غير مضرّ، ووجوده حينما يوجد داخلاً في المسمّى، ولكنّ الصحيح والمختار له (دامت بركاته): أنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود، فمعنى تسمية الشيء باسم مطلقاً ولا بشرط عن الجزء الزائد هو رفض هذا القيد، وغضّ النظر عنه وجوداً وعدماً، وجعل الاسم اسماً لما عداه بغضّ النظر عن وجود هذا معه وعدمه. وهذا معناه: أنّ عدمه لا يضرّ، ووجوده لا يدخل.

والصحيح في المقام أن يقال: إنّ الواضع حينما يضع لفظة «الكلمة» مثلاً بإمكانه أن يضعها لما لو دخل فيه الحرف الثالث كان داخلاً في المسمّى، ولو انعدم لم يضرّ، لكن لا على أساس أنّ اللابشرطيّة والإطلاق على قسمين، بل على أساس انتزاع جامع ينطبق على الحرفين وعلى الثلاثة، من قبيل عنوان: «ما زاد على الواحد من الحروف الثمانية والعشرين متّصلاً بعضه ببعض» فيضع لفظ «الكلمة» لما يكون كذلك، فالحرف الثالث إذا وجد كان المجموع فرداً من هذا الجامع، فيدخل الحرف الثالث في المسمّى، وإذا لم يوجد كان الباقي فرداً آخر


(1) قد يقال: إنّه حتّى لو قلنا بأنّ الإطلاق جمع بين القيود لا يصل السيّد الخوئيّ(رحمه الله)إلى مقصوده؛ لأنّه يلزم من ذلك أن تكون الصلاة موضوعة بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ.

إلاّ أنّ الالتفات إلى ذلك مساوق للالتفات إلى أنّ الإطلاق رفض للقيود لا جمع بين القيود، فمن يتخيّل أنّه جمع بين القيود، يرى بهذا النظر أنّ هذا يحقّق المقصود.

336

من هذا الجامع، فلا يضرّ عدمه. وكذلك نقول في الصلاة: إنّ الصلاة اسم للجامع، وهو المركّب من بعض هذه الأجزاء، فأجزاء الصلاة بمنزلة الثمانية والعشرين حرفاً، وكلمة «الصلاة» موضوعة لعمل مركّب من مجموعة من هذه الأجزاء مشتملة على ذوات معيّنة كالأركان الخمسة، أو عدد معيّن كأجزاء سبعة. وهذا عنوان يصدق على الجميع، ويكون الجزء الزائد على الأركان الخمسة أو الأجزاء السبعة حينما يوجد داخلاً في المسمّى.

هذا، وبالنسبة لما يكون له مراتب طوليّة كالركوع ـ حيث يوجد عندنا ركوع قياميّ، وركوع جلوسيّ، وركوع إيمائي ـ يؤخذ الجامع بين هذه المراتب ولو بمثل عنوان «أحدها» على سبيل البدل.

وقد اتّضح: أنّ الجامع التركيبيّ معقول، سواء قلنا بالصحيح أو بالأعمّ.

 

تصوير ثمرة النزاع

الجهة الرابعة: في تصوير ثمرة النزاع. وقد ذكر عدّة ثمرات، أهمّها ثمرتان:

الثمرة الاُولى: كون الأصل العمليّ عند الشكّ في جزئيّة شيء هو البراءة على الأعمّ والاشتغال على الصحيح. وتصوير هذه الثمرة يكون ببيان مقدّمتين:

1 ـ إنّ الوضع للأعمّ يستلزم كون الجامع الموضوع له مركّباً؛ لما ذكره صاحب الكفاية من أنّه لا أثر للأعمّ حتّى يستكشف منه الجامع البسيط مثلاً، والوضع للصحيح يستلزم كون الجامع بسيطاً، لما ذكره صاحب الكفاية من أنّه لا جامع تركيبيّ بينها.

2 ـ إنّه على الأعمّ ينبسط الوجوب على الأجزاء المركّبة منها الصلاة، ففي الجزء المشكوك نشكّ في تكليف زائد، ونجري البراءة عنه بناء على جريان

337

البراءة في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، وعلى الصحيح يكون الواجب هو العنوان البسيط، ويكون محصّله مردّداً بين الأقلّ والأكثر، والأصل في ذلك هو الاشتغال.

وكلتا المقدّمتين غير صحيحة:

أمّا الاُولى: فلما عرفت من أنّ الجامع المركّب متصوّر على الصحيح والأعمّ، وأنّ الجامع البسيط لو تصوّرناه على الصحيح تصوّرناه على الأعمّ أيضاً، فلا مبرّر لافتراض أنّ الجامع على الصحيح بسيط وعلى الأعمّ مركّب.

وأمّا الثانية: فاستشكل المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)(1) فيها بأنّ الجامع البسيط الواجب حيث يكون مغايراً للعمل المركّب و مسبّباً عنه كان هذا شكّاً في المحصّل، ومورداً لجريان الاشتغال. وأمّا إذا كان منتزعاً عن العمل المركّب ومنطبقاً عليه، فلا محالة ينبسط الوجوب على الأجزاء، ويكون الشكّ في سعة دائرة الواجب وضيقه، وتجري البراءة أيضاً. وما نحن فيه من هذا القبيل.

وتحقيق الكلام في هذا المقام هو: أنّه بناء على كون الجامع تركيبيّاً لا إشكال في جريان البراءة. وأمّا بناء على كونه بسيطاً، فيختلف الحال باختلاف سنخ هذا الجامع البسيط، فإنّه يمكن تصويره على أنحاء:

1 ـ أن يكون هذا الجامع البسيط مشكّكاً له مراتب من الشدّة والضعف، من قبيل: الحمرة أو الصفرة ونحو ذلك ممّا هو بسيط، ومع ذلك يكون له مراتب، فإذا علمنا بأنّ المرتبة الضعيفة تتحقّق بتسعة أجزاء والمرتبة الشديدة لا تتحقّق إلاّ بضمّ الجزء المشكوك وهو السورة مثلاً، ولا ندري هل تعلّق غرض المولى بالمرتبة


(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 37 بحسب طبعة المشكينيّ.