88

 

الفصل الخامس

في أحكام الخيار

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) الخيار حقّ من الحقوق، فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه(1)، ويحرم منه من يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر أو الرقّ، ويحجب عنه ما يحجب عن إرث المال. ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلّقاً بمال يحرم



(1) موضوع دليل الإرث المقبول عندنا فقهيّاً كقوله تعالى: ﴿إِنْ تَركَ خَيْراً...﴾ وقوله تعالى: ﴿للرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ...﴾ إنّما هو الأعيان حتّى التي تكون في وعاء ذمّة الغير، وليس الإرث إلّا بمعنى قيام الوارث مقام المورّث في تلك الأعيان الباقية فيما كان للمورّث من حقّ على تلك العين، سواء كان ذاك الحقّ عبارة عن الملكيّة، أو حقّ التحجير، أو نحو ذلك.

ويترتّب على ذلك:

أوّلاً: أنّ من يكون محروماً عن إرث العين لا معنى لانتقال تلك الحقوق إليه.

وثانياً: أنّ حقّ الخيار الذي يكون متعلّقه العقد وليس العين لا معنى لانتقاله إلى الوارث أصلاً.

نعم، قد يثبت للوارث حقّ الخيار بنفس الدليل الذي ثبت به للمورّث، ومثاله: خيار الغبن للشخص المغبون والذي تكون عمدة دليله ارتكاز الحقّ العقلائيّ في الفسخ، وهذا الحقّ ممضى شرعاً بعدم الردع، بل وبالإمضاء بـ (لا ضرر)؛ إذ يعتبر هذا الحقّ المرتكز له ضرراً عليه، فإذا مات المغبون وبالتالي شمل الغبن الوارث، فنفس الارتكاز العقلائيّ موجود بشأن الوارث، فالخيار يثبت له، لا بالإرث، بل بنفس دليل ثبوته للمورّث.

89

منه الوارث كالحبوة المختصّة بالذكر الأكبر والأرض التي لا ترث منها الزوجة ففي حرمان ذلك الوارث من إرث الخيار وعدمه أقوال، أقربها حرمانه(1) إذا كان منتقلا من الميّت، فلو باع الميّت أرضاً وكان له الخيار لم ترث منه الزوجة، ولو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه(2) كغيرها من الورثة.

(مسألة: 2) إذا تعدّد الوارث للخيار(3) فالظاهر أنّه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه، لا في تمام المبيع ولا في حصّته، إلّا إذا رضي من عليه الخيار فيصحّ في حصّته.

(مسألة: 3) إذا فسخ الورثة بيع مورِثهم: فإن كان عين الثمن موجوداً دفعوه إلى المشتري، وإن كان تالفاً أو بحكمه اُخرج من تركة الميّت كسائر ديونه، فإن لم يكن له تركة سوى المبيع تعلّق به، فيباع ويوفّى منه(4)، فإن لم يفِ بتمام الثمن بقي في ذمّته ولا يجب على الورثة وفاؤه.

(مسألة: 4) لو كان الخيار لأجنبيٍّ عن العقد فمات: فإن كان المقصود من جعل الخيار له مباشرته للفسخ أو كونه بنظره لم ينتقل إلى وارثه، وإن جعل مطلقاً انتقل إليه(5).



(1) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار غير صحيح.

(2) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار غير صحيح.

(3) قد مضى أنّ أصل إرث الخيار لا معنى له؛ لأنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد، لا بالعين.

(4) قد عرفت أنّ الخيار حينما يثبت للوارث لا يثبت بالإرث، وإنّما بنفس الدليل الابتدائيّ للخيار، وعندئذ فالثمن إن كان تالفاً تعلّق بذمّة نفس الوارث، لا بالتركة.

(5) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار لا معنى له.

90

(مسألة: 5) إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من مال البائع، وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدّة الخيار في خيار الشرط إذا كان الخيار للمشتري، أمّا إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد القبض ففي كونه من مال البائع إشكال(1).



(1) بل منعٌ، فالظاهر أنّه من مال المشتري.

91

 

الفصل السادس

في ما يدخل في المبيع

(مسألة: 1) من باع شيئاً دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه دون غيره، ويعرف قصدهما بما يدلّ عليه لفظ « المبيع » وضعاً أو بالقرينة العامّة أو الخاصّة، فمن باع بستاناً دخل فيه الأرض والشجر والنخل والطوف والبئر والناعور والحضيرة ونحوها ممّا هو من أجزائها أو توابعها، أمّا من باع أرضاً فلا يدخل فيها الشجر والنخل الموجودان، وكذا لا يدخل الحمل في بيع الاُمّ، ولا الثمرة في بيع الشجرة. نعم، إذا باع نخلا فإن كان التمر مؤبَّراً فالتمر للبائع، وإن لم يكن مؤبَّراً فهو للمشتري(1)، ويختصّ هذا الحكم ببيع النخل، أمّا بنقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من سائر الشجر فالثمر فيه للبائع مطلقاً وإن لم يكن مؤبَّراً. هذا إذا لم تكن قرينة على دخول الثمر في بيع الشجر، أو الشجر في بيع الأرض، أو الحمل في بيع الدابة. أمّا إذا قامت القرينة على ذلك وإن كانت هي المتعارف عمل عليها وكان جميع ذلك للمشتري.

(مسألة: 2) إذا باع الشجر وبقي الثمر للبائع واحتاج إلى السقي جاز للبائع



(1) الظاهر عدم الفرق بين المؤبّر ـ أي الملقّح ـ وغيره؛ لأنّ نصوص قضاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) بذلك غير واضحة في حكم تعبّديّ، ويحتمل حملها على ما كان متعارفاً في وقته، فالمعيار في كلّ هذه الاُمور هو الفهم العرفيّ.


(1) راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 32 من أحكام العقود،ص 92 ـ 93.

92

سقيه، وليس للمشتري منعه(1)، وكذلك إذا لم يحتج إلى السقي لم يجب على البائع سقيه(2) وإن أمره المشتري بذلك. نعم، لو تضرّر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ففي تقديم حقّ البائع أو المشتري وجهان، بل قولان، أرجحهما الثاني(3).

(مسألة: 3) إذا باع بستاناً واستثنى نخلةً ـ مثلا ـ فله الممرّ إليها والمخرج منها، ومدى جرائدها وعروقها من الأرض، وليس للمشتري منع شيء من ذلك.

(مسألة: 4) إذا باع داراً دخل فيها الأرض والبناء الأعلى والأسفل، إلّا أن يكون الأعلى مستقلاًّ من حيث المدخل والمخرج، فيكون ذلك قرينةً على عدم دخوله، وكذا يدخل في بيع الدار السراديب والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة في البناء، وكذا السلَّم المثبَّت، بل لا يبعد دخول ما فيها من نخل وشجر وأسلاك كهربائيّة وأنابيب الماء ونحو ذلك ممّا يعدّ من توابع الدار، حتّى مفتاح الغلق، فإنّ ذلك كلَّه داخل في المبيع، إلّا مع الشرط.

(مسألة: 5) الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكوّنة فيها تدخل في بيعها(4)، بخلاف الأحجار المدفونة فيها والكنوز المودَعة فيها ونحوها فإنّها خارجة.



(1) إذا كان البائع قد اشترط إبقاء الثمرة على الشجر، واحتاج إلى السقي، جاز له سقيه، وأمّا إن لم يكن قد اشترط ذلك: فإن كان المشتري لا يتضرّر بسبب السقي وكان البائع يتضرّر بتركه، جاز له أيضاً سقيه، وإن كان المشتري يتضرّر بسبب السقي والبائع يتضرّر بتركه، فسيأتي حكمه إن شاء الله.

(2) بل لم يجز مع عدم إذن المشتري.

(3) أفاد اُستاذنا(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ: «إذا كان هناك شرط لأحدهما على الآخر بهذا الشأن اتّبع، وإلّا فلا يبعد جواز السقي لمن ينتفع به مع ضمان أرش النقص للآخر، وجواز المنع من السقي لمن ينتفع بتركه مع ضمان أرش النقص للآخر».

(4) بل هي من الأنفال.

93

 

الفصل السابع

في التسليم والقبض

(مسألة: 1) يجب على المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد إذا لم يشترطا التأخير، ولا يجوز لواحد منهما التأخير مع الإمكان إلّا برضا الآخر، فإن امتنعا اُجبرا، ولو امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه اُجبر الممتنِع، ولو اشترط أحدهما تأخير التسليم إلى مدّة معيّنة جاز، وليس لصاحبه الامتناع عن تسليم ماعنده حينئذ، كما يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار أو ركوب الدابّة أو زرع الأرض، أو نحو ذلك من الانتفاع بالمبيع مدّةً معيّنة.

(مسألة: 2) التسليم والقبض فيما لا ينقل هو التخلية برفع المانع عنه والإذن لصاحبه في التصرّف، أمّا في المنقول فلا بدّ فيه من الاستيلاء عليه على نحو خاصٍّ(1)، فيحصل في الثوب بأخذه وبلبسه، وفي الدابّة بركوبها وأخذ لجامها، وفي الدرهم والدينار بأخذه.

(مسألة: 3) إذا تلف المبيع بآفة سماويّة أو أرضيّة قبل قبض المشتري انفسخ البيع، وكان تلفه من مال البائع ورجع الثمن إلى المشتري، وكذا إذا تلف الثمن قبل قبض البائع، ولو تعذّر الوصول إليه كما لو سرق أو غرق أو نهب أو أبق العبد أو أفلت الطائر أو نحو ذلك فهو بحكم التلف، ولو أمر المشتري البائع بتسليمه إلى شخص معيّن فقبضه كان بمنزلة قبض المشتري، وكذا لو أمره بإرساله إلى بلده أو



(1) بل الظاهر ما أفاده اُستاذنا(رحمه الله): من كفاية التخلية في حصول التسليم الواجب، وفي الخروج عن عهدة ضمان المبيع قبل قبضه، وكذلك الأمر في الثمن.

94

غيره فأرسله كان بمنزلة قبضه، ولا فرق بين تعيين المرسَل معه وعدمه، والأقوىعدم عموم الحكم المذكور لما إذا أتلفه البائع أو الأجنبيّ الذي يمكن الرجوع إليه في تدارك خسارته، بل يصحّ العقد، وللمشتري الرجوع على المتلف بالبدل من مثل أو قيمة. وهل له الخيار في فسخ العقد لتعذّر التسليم ؟ إشكال والأظهر ذلك. وإذا حصل للمبيع نماء فتلف الأصل قبل قبض المشتري كان النماء للمشتري، ولو حدث في المبيع عيب قبل القبض كان للمشتري الردّ، وفي ثبوت الأرش له قولان، كما تقدّم.

(مسألة: 4) لو باع جملةً فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف، ورجع إليه ما يخصّه من الثمن وكان له الخيار في الباقي(1).

(مسألة: 5) يجب على البائع تفريغ المبيع عمّا كان فيه من متاع أو غيره، حتّى أنّه لو كان مشغولا بزرع حان وقت حصاده وجب إزالته منه، ولو كان للزرع عروق تضرّ بالانتفاع بالأرض أو كان في الأرض حجارة مدفونة وجب إزالتها وتسوية الأرض، ولو كان شيء لا يمكن فراغ المبيع منه إلّا بتخريب شيء من الأبنية وجب إصلاحه وتعمير البناء، ولو كان الزرع لم يحن وقت حصاده جاز لمالكه إبقاؤه إلى وقته وعليه الاُجرة(2).

(مسألة: 6) من اشترى شيئاً ولم يقبضه: فإن كان ممّا لا يُكال ولا يوزن جاز بيعه قبل قبضه، وكذا إذا كان ممّا يُكال أو يوزن وكان البيع برأس المال، أمّا لو كان



(1) أي: للمشتري.

(2) إن كان ثبوت زرع البائع في البيت بعلم من المشتري، فله إبقاؤه إلى وقت الحصاد، وعليه الاُجرة، إلّا إذا كان قد اشترط عليه المجّانيّة في الإبقاء، وإن كان من دون علم المشتري بذلك، فللمشتري مطالبته بالإفراغ من دون ضمان على المشتري بذلك.

95

بربح ففيه قولان، أحوطهما المنع إذا باعه على غير البائع، أمّا إذا باعه على البائع فالظاهر جوازه(1) مطلقاً، وكذا إذا ملك شيئاً بغير الشراء كالميراث والصداق فإنّه يجوز بيعه قبل قبضه، كما لا يبعد اختصاص المنع حرمةً أو كراهةً بالبيع، فلا بأس بجعله صداقاً أو اُجرةً قبل قبضه.



(1) بل الاحتياط في البيع بربح يسري إلى البيع على نفس البائع أيضاً.

96

 

الفصل الثامن

في النقد والنسيئة

(مسألة: 1) من باع ولم يشترط تأجيل الثمن كان الثمن حالّاً، فللبائع المطالبة به بعد انتهاء العقد، كما يجب عليه أخذه إذا دفعه إليه المشتري، وليس له الامتناع من أخذه، وإذا اشترط تأجيل الثمن يكون نسيئةً لا يجب على المشتري دفعه قبل الأجل وإن طالبه به البائع، ولا يجب على البائع أخذه إذا دفعه إليه المشتري قبله، إلّا أن تكون القرينة(1) على كون التأجيل حقّاً للمشتري دون البائع، ويجب أن يكون الأجل معيّناً لا يتردّد فيه بين الزيادة والنقصان، فلو جعل الأجل قدوم زيد أو الدِياسَ أو الحصاد أو جذاذ الثمر أو نحو ذلك بطل العقد(2)، ولو كانت معرفة الأجل محتاجةً إلى الحساب مثل أوّل الحمل أو الميزان أو عيد اليهود فالظاهر البطلان(3). نعم، لو كان الأجل أوّل الشهر القابل مع التردّد في الشهر الحاليّ بين الكمال والنقصان فالظاهر الصحّة.

(مسألة: 2) لو باع شيئاً بثمن نقداً وبأكثر منه مؤجّلا بأن قال: « بعتك الفرس بعشرة نقداً وبعشرين إلى سنة » فقبل المشتري فالمشهور البطلان، وقيل: يصحّ بأقلِّ الثمنين وأكثر الأجلين، وفيه رواية(4).



(1) كما هو المتعارف عادةً.

(2) لا نكتة صحيحة عندنا للإفتاء ببطلان العقد.

(3) لا نكتة صحيحة عندنا للإفتاء ببطلان العقد.

(4) إن رجع الأمر إلى إنشاء تمليكين بثمنين من قبل البائع وقَبِل المشتري أحد

97

(مسألة: 3) لا يجوز تأجيل الثمن الحالّ، بل مطلق الدين بأزيد منه بأن يزيد فيه مقداراً ليؤخّره إلى أجل، وكذا لا يجوز أن يزيد في الثمن المؤجّل ليزيد في الأجل، ويجوز عكس ذلك بأن يعجّل المؤجّل بنقصان منه على وجه الصلح، أو الإبراء(1)، ولا يصحّ على وجه بيع الأكثر المؤجّل بالأقلّ الحالّ ؛ لأنّه ربا، وكذا يجوز في الدين المؤجّل أن ينقد بعضه قبل حلول الأجل على أن يؤجّل له الباقي إلى أجل آخر(2).



الإيجابين بعينه، فلا إشكال في الصحّة.

وإن رجع الأمر إلى الفرد المردّد المستحيل، فلا إشكال في البطلان.

وإن رجع الأمر إلى إنشاء تمليكين معلّقين، فهناك رواية تصحّح البيع بأقلّ الثمنين وأكثر الأجلين(1).

(1) تعجيل المؤجّل بنقصان الثمن ليس فيه إشكال من ناحية الربا القرضيّ؛ لأنّ الربا يأتي في التأجيل لا في التعجيل، فلا داعي للهروب من اسم البيع إلى اسم الصلح، أو الإبراء، أو أيّ اسم آخر.

وأمّا لو افترضنا الثمن والمثمن متماثلين في موارد الربا المعامليّ، أي: في المكيل والموزون، ففيه إشكال الربا المعامليّ، ولا يحلّه الهروب من اسم البيع إلى أيّ اسم آخر ما دام هو المعاوضة بأيّ شكل من الأشكال. نعم، يصحّ الهروب منه بغير المعاوضة، كالهبة في مقابل الهبة، وكالإبراء.

(2) التأجيل في مقابل تعجيل مقدار من الثمن يكون من الدين الذي جرّ نفعاً، فهو داخل في الربا القرضيّ، فهو حرام وباطل.


(1) وهي الرواية الاُولى من ب 2 من أحكام العقود من الوسائل، ولكن سندها لا يتمّ إلّا بناءً على تصحيح النوفليّ، ولو آمنّا بوثاقة النوفليّ ـ ولم نؤمن بها ـ فلا يترك الاحتياط بالمصالحة، وذلك على أساس غرابة المطلب.

98

(مسألة: 4) إذا اشترى شيئاً نسيئةً يجوز شراؤه منه قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن، أو بغيره مساوياً له، أو زائداً عليه، أو ناقصاً عنه، حالّاً كان البيع الثاني أو مؤجّلا(1)، إلّا إذا اشترط البائع على المشتري في البيع الأوّل أن يبيعه عليه بعد شرائه، أو شرط المشتري على البائع في البيع الأوّل أن يشتريه منه، فإنّ المشهور البطلان، لكنّ الأظهر صحّة العقد(2)، وفي صحّة الشرط إشكال(3).

 

إلحاق:

فيه القول في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية.

(مسألة: 1) التعامل بين البائع والمشتري: تارةً يكون بملاحظة رأس المال الذي اشترى به البائع السلعة، واُخرى لا يكون كذلك، والثاني يسمّى « مساومة »، وهذا هو الغالب المتعارف، والأوّل: تارةً يكون بزيادة على رأس المال، واُخرى بنقيصة عنه، وثالثةً بلا زيادة ولا نقيصة، والأوّل يسمّى « مرابحة »، والثاني « مواضعة »، والثالث يسمّى « تولية ».

(مسألة: 2) لا بدّ في جميع الأقسام الثلاثة من ذكر الثمن تفصيلا، فلوقال: « بعتك هذه السلعة برأس مالها وزيادة درهم » أو « بنقيصة درهم » أو « بلازيادة



(1) إن كان المقصود بالتأجيل جعل الثمن كلّيّاً في الذمّة، دخل ذلك في إشكال بيع الكالي بالكالي؛ لأنّ تلك النسيئة أيضاً كلّيّ في الذمّة.

(2) إن شرط البائع على المشتري أن يبيع السلعة عليه بثمن أقلّ، بطل البيع، وإنّما يصحّ البيع فيما إذا كان كلّ منهما بالخيار في البيع الثاني: إن شاء فعل، وإن شاء ترك.

(3) في غير المورد الذي أشرنا في التعليق السابق إلى بطلان العقد يصحّ العقد والشرط.

99

ولا نقيصة » لم يصحَّ حتّى يقول: « بعتك هذه السلعة بالثمن الذي اشتريتها به » وهو مئة درهم بزيادة درهم ـ مثلا ـ أو نقيصة، أو بلا زيادة ولانقيصة.

(مسألة: 3) إذا قال البائع: « بعتك هذه السلعة بمئة درهم وربح درهم في كلّ عشرة » فإن عرف المشتري أنّ الثمن مئة وعشرة دراهم صحّ البيع، ولكنّه مكروه، وإذا لم يعرف المشتري ذلك حال البيع لم يصحَّ وإن كان يعرفه بعد الحساب. وكذلك الحكم في المواضعة إذا قال: « بعتك بمئة درهم مع خسران درهم في كلّ عشرة »، فإنّ المشتري إذا عرف أنّ الثمن تسعون صحّ البيع، وإن لم يعرف ذلك بطل البيع وإن كان يعرفه بعد الحساب.

(مسألة: 4) إذا كان الشراء بالثمن المؤجَّل وجب على البائع مرابحةً أن يخبر بالأجل، فإن أخفى تخيّر المشتري بين الردّ والإمساك بالثمن على إشكال في كونه حالّاً أو مؤجّلا بذلك الأجل(1).

(مسألة: 5) إذا اشترى جملةً صفقةً بثمن لم يجزْ له بيع أفرادها مرابحةً بالتقويم إلّا بعد الإعلام(2).

(مسألة: 6) إذا تبيّن كذب البائع في إخباره برأس المال كما إذا أخبر أنّ رأس ماله مئة وباع بربح عشرة وكان في الواقع رأس المال تسعين صحّ البيع،



(1) بل الظاهر كونه مؤجّلاً بذلك الأجل(1).

(2) هذا إذا كان التقويم باستنباطه أو حدسه، أمّا إذا كانت الأفراد متماثلة، وكان تقسيط الثمن عليها واضحاً في البيع الأوّل، فلا يبقى إشكال في المقام(2).


(1) كما دلّ على ذلك صحيح هشام بن الحكم. الوسائل، ب 25 من أحكام العقود، ح 2.

(2) ولعلّ إطلاق الحكم ناتج عن تخيّل الإطلاق في روايات المنع. راجع الوسائل، ب 21 من أحكام العقود.

100

وتخيّر المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد وهو مئة وعشرة.

(مسألة: 7) إذا اشترى سلعةً بثمن معيّن مثل مئة درهم ولم يعمل فيها شيئاً كان ذلك رأس مالها وجاز له الإخبار بذلك، أمّا إذا عمل في السلعة عملا: فإن كان باُجرة جاز ضمّ الاُجرة إلى رأس المال، فإذا كانت الاُجرة عشرةً جاز له أن يقول: بعتك السلعة برأس مالها مئة وعشرة وربح كذا، وإن كان العمل بنفسه وكان له اُجرة لم يجزْ له أن يضمّ الاُجرة إلى رأس المال، بل يقول: رأس المال مئة، وعملي يساوي كذا، وبعتكها بما ذكر وربح كذا. وإذا اشترى معيباً فرجع على البائع بالأرش كان الثمن ما بقي بعد الأرش، ولو أسقط البائع بعض الثمن تفضّلا منه أو مجازاةً على الإحسان لم يسقط ذلك من الثمن، بل رأس المال هو الثمن في العقد(1).



(1) الأحوط إخبار المشتري بذلك؛ لاحتمال كون المفهوم أو المحتمل من رأس المال ما عدا ذلك البعض من الثمن.

101

 

الفصل التاسع

 

في الربا

وهو قسمان:

الأوّل: ما يكون في المعاملة.

الثاني: ما يكون في القرض.

أمّا الأوّل فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينيّة في أحدهما، كبيع منٍّ من الحنطة بمنّين، أو منٍّ من الحنطة بمنٍّ ودرهم. أو زيادة حكميّة(1) كبيع منٍّ من حنطة نقداً بمنٍّ من حنطة نسيئة(2)، وهل يختصّ تحريمه بالبيع أو يجري في غيره من



(1) لا يقصد(رحمه الله) بالزيادة الحكميّة ما يشمل الجودة والرداءة.

(2) أقول: إنّي في الوقت الحاضر لم أجد دليلاً على كون بيع منّ من الحنطة مثلاً نقداً بمنّ من الحنطة نسيئة يعتبر زيادة حكميّة فيبطل عدا أمرين:

الأمر الأوّل: ما ورد في فهرست الوسائل، ج 12 بحسب طبعة ربّاني شيرازي من باب باسم باب ثبوت الربا مع التساوي وكون أحدهما مؤجّلاً.

ولكن الشيخ الربّاني الشيرازي(رحمه الله) قد نبّه تحت الخطّ على أنّه ليس في الكتاب باب بهذا العنوان، وإنّما الموجود باب بعنوان آخر.

والأمر الثاني: الحديث الوارد في نفس المجلّد من الكتاب، ب 8 من أبواب الربا، ح 8، ص 439، والحديث ما يلي:

محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن عاصم بن حميد،عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): لا تبع الحنطة بالشعير إلّا يداً بيد، ولا تبع قفيزاً من الحنطة بقفيز من شعير...».

فقد تفسّر جملة «إلّا يداً بيد» في هذا الحديث بتفسير أنّ المقصود بهذه الجملة أنّه إن لم يكن يداً بيد فالنقد فيه زيادة حكميّة على النسيئة فلابدّ أن يكون البيع يداً بيد.

إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا التفسير غير صحيح وأنّ المقصود بكلمة «إلّا يداً بيد» هو النهي عن بيع طعام بطعام إلّا يداً بيد، وهو النهي الوارد في روايات الباب الثالث عشر من تلك الأبواب وأنّه إن كان البيع يداً بيد صحّ ولو كان مثلين بمثل على أساس أنّ الطعامين كانا مختلفين، فلم يلزم من تقابل المثلين بالمثل الربا المعامليّ.

102

المعاوضات ؟ قولان، والأظهر اختصاصه بما كانت المعاوضة فيه بين العينين، سواء أكانت بعنوان البيع أم بعنوان الصلح، مثل: صالحتك على أن تكون هذه العشرة التي لك بهذه الخمسة التي لي، أمّا إذا لم تكن المعاوضة بين العينين كالصلح في مثل: صالحتك على أن تهب لي تلك العشرة وأهب لك هذه الخمسة، والإبراء في مثل: « أبرأتك عن الخمسة التي لي عليك بشرط أن تبرئني عن العشرة التي لك عليَّ » ونحوها، فالظاهر الصحّة.

(مسألة: 1) يشترط في تحقّق الربا في المعاملة أمران:

الأوّل: اتّحاد الجنس والذات عرفاً وإن اختلفت الصفات، فلا يجوز بيع منٍّ من الحنطة الجيّدة بمنّين من الرديئة، ولا بيع منٍّ من الاُرز الجيّد كالعنبر بمنّين منه أو من الرديء كالحويزاويّ. أمّا إذا اختلفت الذات فلا بأس، كبيع منٍّ من الحنطة بمنّين من الاُرز.

الثاني: أن يكون كلّ من العوضين من المكيل أو الموزون، فإن كانا ممّا يباع بالعدّ كالبيض والجوز فلا بأس(1)، فيجوز بيع بيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين.



فقد تفسّر جملة «إلّا يداً بيد» في هذا الحديث بتفسير أنّ المقصود بهذه الجملة أنّه إن لم يكن يداً بيد فالنقد فيه زيادة حكميّة على النسيئة فلابدّ أن يكون البيع يداً بيد.

إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا التفسير غير صحيح وأنّ المقصود بكلمة «إلّا يداً بيد» هو النهي عن بيع طعام بطعام إلّا يداً بيد، وهو النهي الوارد في روايات الباب الثالث عشر من تلك الأبواب وأنّه إن كان البيع يداً بيد صحّ ولو كان مثلين بمثل على أساس أنّ الطعامين كانا مختلفين، فلم يلزم من تقابل المثلين بالمثل الربا المعامليّ.

(1) حتّى في بيع النسيئة، إلّا إذا كانا متماثلين في تمام الأوصاف حتّى في الرداءة والجودة إلى حدّ رجع أمر النسيئة في واقعه إلى الربا القرضيّ، فإنّه لو صحّ ذلك، لصحّ تبديل كلّ ربا قرضيّ في غير النقدين ببيع أحدهما بالآخر بالنسيئة.

103

(مسألة: 2) الحنطة والشعير في باب الربا جنس واحد، فلا يباع منّ من الحنطة بمنّين من الشعير، وإن كانا في باب الزكاة جنسين فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده نصف نصاب حنطة ونصف نصاب شعير لم تجب فيهما الزكاة، والظاهر أنّ العَلَس ليس من جنس الحنطة، والسُلْت ليس من جنس الشعير(1).

(مسألة: 3) اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان، فيجوز بيع حقّة من لحم الغنم بحقّتين من لحم البقر، وكذا الحكم في لبن الغنم بلبن البقر، فإنّه يجوز بيعها مع التفاضل.

(مسألة: 4) التمر بأنواعه جنس واحد، والحبوب كلّ واحد منها جنس، فالحنطة والاُرز والماش والذرة والعدس وغيرها كلّ واحد جنس، والفلزّات من الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص وغيرها كلّ واحد منها جنس برأسه.

(مسألة: 5) الضأن والمعز جنس واحد، والبقر والجاموس جنس واحد، والإبل العراب والبخاتي جنس واحد، والطيور كلّ صنف يختصّ باسم فهو جنس واحد في مقابل غيره، فالعصفور غير الحمام، وكلّ ما يختصّ باسم من الحمام جنس في مقابل غيره، فالفاختة والحمام المتعارف جنسان، والسمك جنس واحد على قول، وأجناس على قول آخر، وهو أقوى(2).

(مسألة: 6) الوحشيّ من كلّ حيوان مخالف للأهليّ، فالبقر الأهليّ يخالف الوحشيّ، فيجوز التفاضل بين لحميهما، وكذا الحمار الأهليّ والوحشيّ، والغنم الأهليّ والوحشيّ.



(1) شكّنا في تجانسهما كاف في الحكم بجواز التفاضل.

(2) الأحوط عندنا ترك البيع مع التفاضل.

104

(مسألة: 7) المشهور أنّ كلّ أصل مع ما يتفرّع عنه جنس واحد، وكذا الفروع بعضها مع بعض، ولا يخلو من إشكال، والأظهر أنّ تفرّع الفرع إن كان من قبيل تبدّل الصفة فهما جنس واحد، كالحنطة والدقيق والسُوَيق وكالحليب واللبن والجبن، وإن كان من قبيل تولّد شيء من شيء فهما جنسان، كالحليب، والزبد والسمن، ومن الأوّل السمسم والراشي، ومن الثاني السمسم والشيرج، وكذا الحكم في الفروع بعضها مع بعض، فالزبد والمخيض جنسان، والسمن والزبد جنس واحد، والبُسر والرطب والتمر جنس واحد، والتمر والخلّ جنسان، والأحوط استحباباً(1) العمل على المشهور.

(مسألة: 8) إذا كان الشيء ممّا يكال أو يوزن وكان فرعه لا يكال ولا يوزن جاز بيعه مع أصله بالتفاضل، كالصوف الذي هو من الموزون، والثياب المنسوجة منه التي ليست منه فإنّه يجوز بيعها به مع التفاضل، وكذلك القطن والكتّان والثياب المنسوجة منهما.

(مسألة: 9) إذا كان الشيء في حال موزوناً أو مكيلا وفي حال اُخرى ليس كذلك لم يجزْ بيعه بمثله متفاضلا في الحال الاُولى، وجاز في الحال الثانية.

(مسألة: 10) الأحوط عدم جواز بيع لحم حيوان بحيوان حيٍّ بجنسه، بل بغير جنسه أيضاً، كبيع لحم الغنم ببقرة، وإن كان الأظهر الجواز في الجميع.

(مسألة: 11) إذا كان للشيء حالتان حالة رطوبة وحالة جفاف كالرطب يصير تمراً والعنب يصير زبيباً والخبز الليِّن يكون يابساً يجوز بيعه جافّاً بجافٍّ منه ورطباً برطب منه متماثلا، ولا يجوز متفاضلا، وأمّا بيع الرطب منه بالجافّ متماثلا ففيه إشكال، والأظهر الجواز على كراهة، ولا يجوز بيعه متفاضلا حتّى بمقدار الزيادة بحيث إذا جفّ يساوي الجافّ.



(1) لا يترك.

105

(مسألة: 12) إذا كان الشيء يباع جزافاً في بلد ومكيلا في آخر فلكلّ بلد حكم نفسه، وجاز بيعه متفاضلا في الأوّل ولا يجوز في الثاني.

(مسألة: 13) يتخلّص من الربا بضمّ غير الجنس إلى الطرف الناقص(1)، بأن



(1) إنّ الجنس الربويّ لو قوبل بمثله مع الاختلاف في الجودة والرداءة كما لو بيع كيلو اُرز من القسم الجيّد جدّاً كالعنبر بعدد من الكيلوات من القسم الرديء جدّاً كالحويزاويّ واُريد حلّ مشكلة الربا المعامليّ في ذلك بضمّ ضميمة إلى الفرد الجيّد، فهل يصحّ هذا الحلّ شرعاً أو لا؟

توجد هنا بعض الروايات قد يستدلّ بها على جواز ذلك من قبيل:

1 ـ رواية الحسن بن صدقة عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «قلت له: جعلت فداك، إنّي أدخل المعادن وأبيع الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم؟ قال: لا بأس به. قلت: وأنا أصرف الدراهم بالدراهم واُصيّر الغلّة وضحاً واُصيّر الوضح غلّة؟ قال: إذا كان فيها ذهب فلا بأس. قال: فحكيت ذلك لعمّار بن موسى الساباطيّ فقال لي: كذا قال لي أبوه. ثمّ قال لي: الدنانير أين تكون؟ قلت: لا أدري. قال عمّار: قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): يكون مع الذي ينقص». الوسائل، ج 12 بحسب طبعة ربّاني شيرازي، ب 20 من الربا، ح 1، ص 455.

وسند الحديث غير تامّ لعدم ثبوت وثاقة من فيه من السنديّ بن ربيع ومحمّد بن سعيد المدائنيّ.

2 ـ رواية عليّ عن أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن الدراهم وعن فضل ما بينهما؟ فقال: إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس». نفس المصدر، ح 2(1).

3 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألته عن الصرف فقلت له: الرفقة ربّما عجّلت فخرجَت فلم نقدر على الدمشقيّة والبصريّة؟ فقال: وما الرفقة؟ فقلت: القوم


(1) وقد أورد الشيخ الحرّ نفس الرواية أيضاً في نفس المجلّد في ب 6 من الصرف، ح 7،ص 468. والسند غير تامّ على الأقلّ لقوّة احتمال أن يكون المقصود بعليّ عليّ بن حمزة البطائنيّ.

106

يبيع منّاًمن الحنطة ودرهماً بمنّين من الحنطة، وبضمِّ غير الجنس إلى كلٍّ من الطرفين



يترافقون ويجتمعون للخروج، فإذا عجّلوا فربما لم يقدروا على الدمشقيّة والبصريّة، فبعثنا بالغلّة فصرفوا ألفاً وخمسين منها بألف من الدمشقيّة والبصريّة. فقال: لا خير في هذا، فلا يجعلون فيها ذهباً لمكان زيادتها، فقلت له: أشتري ألف درهم وديناراً بألفي درهم؟ فقال: لا بأس بذلك، إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي، فكان يقول هذا فيقولون: إنّما هذا الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، وكان يقول لهم: نِعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال». الوسائل، نفس المجلّد، ب 6 من الصرف، ح 1، ص 466 ـ 467.

4 ـ أيضاً صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كان محمّد بن المنكدر يقول لأبي(عليه السلام): يا أبا جعفر رحمك الله، والله إنّا لنعلم أنّك لو أخذت ديناراً والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك العشرين ما وجدته، وما هذا إلّا فرار، فكان أبي يقول: صدقت والله، ولكنّه فرار من باطل إلى حقّ». نفس المصدر، ح 2، ص 467.

5 ـ أيضاً صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألته عن رجل يأتي بالدراهم إلى الصيرفيّ فيقول له: آخذ منك المئة بمئة وعشرين أو بمئة وخمسين حتّى يراوضه على الذي يريد، فإذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة ديناراً أو ذهباً ثمّ قال له: قد راددتك (1) البيع وإنّما اُبايعك على هذا لأنّ الأوّل لا يصلح، أو لم يقل ذلك وجعل ذهباً مكان الدراهم؟ فقال: إذا كان آخر البيع على الحلال فلا بأس بذلك. قلت: فإن جعل مكان الذهب فلوساً؟ قال: ما أدري ما الفلوس». نفس المصدر7، ح 3، ص 467 ـ 468.

6 ـ صحيحة الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به». نفس المصدر، ح 4، ص 468.


(1) من المحتمل أن يكون الصحيح: «راودتك».

107

ولو مع التفاضل فيهما، كما لو باع درهمين ومنّين من حنطة بدرهم ومنٍّ منها.

(مسألة: 14) لاربا بين الوالد وولده(1)، فيجوز لكلٍّ منهما بيع الآخر مع التفاضل، وكذا بين المولى ومملوكه، وبين الرجل وزوجته(2)، وبين المسلم والحربيّ إذا أخذ المسلم الزيادة.

(مسألة: 15) لا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى(3) والخنثى على الأقوى، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين الصُلبيّ وولد الولد، ولا في المملوك بين القِنِّ والمدبَّر والذكر والاُنثى، ولا في الزوجة بين الدائمة والمتمتّع بها(4)، وليست الاُمّ كالأب، فلا يصحّ الربا بينها وبين الولد، كما لا فرق بين ربا البيع وربا القرض.

(مسألة: 16) الأحوط عدم جواز الربا بين المسلم والذمّيّ(5).

وأمّا الربا في القرض فيأتي حكمه في كتاب القرض إن شاء الله تعالى.

(مسألة: 17) الأوراق النقديّة لمّا لم تكن من المكيل والموزون لا يجري فيها الربا، فيجوز التفاضل في البيع بها، لكن في النفس منه شيء، فالأحوط ضمّ جنس آخر إلى الأقلّ، ولو كان من الدراهم في بيع الدنانير العراقيّة أو القِران في التومان، ومنه يظهر أنّ تنزيل الأوراق لا بأس به(6) مع الاحتياط المذكور. وأمّا



(1) الأحوط وجوباً عدم التعامل الربويّ بينهما.

(2) الأحوط وجوباً عدم التعامل الربويّ بينهما.

(3) قد عرفت الإشكال في أصل المسألة.

(4) قد عرفت الإشكال في أصل المسألة.

(5) وكذا الحال في الربا القرضيّ.

(6) تنزيل الأوراق يعني بيع ما في الذمّة من الأوراق بأوراق حاضرة أقلّ، وهذا على قسمين:

فقد يكون تنزيل الأوراق بنمط آخر من الأوراق، كتنزيل الدينار العراقيّ بالتومان

108

مايتعارف في زماننا من إعطاء سند بمبلغ من الأوراق النقديّة من دون أن يكون في ذمّته شيء فيأخذه آخر فينزله عند شخص ثالث بأقلّ منه فالظاهر أنّ مرجعه إلى توكيل مَن بإمضائه السند للشخص الآخر في إيقاع المعاملة في ذمّته على مقدار مؤجّل بأقلّ منه، وحينئذ يكون حكمه حكم التنزيل المتقدّم في الاحتياط المذكور، والظاهر أنّ هذا هو المسمّى باصطلاح الفرس « سفته »(1).



الإيرانيّ، وهذا يأتي فيه إشكالنا في بيع الصرف: من أنّ مقتضى الاحتياط الواجب إلحاق ذلك بباب الصرف في اشتراط التقابض في المجلس.

واُخرى يكون تنزيله بنفس الجنس، كتنزيل الدينار بالدينار، وهذا لا إشكال فيه على أن لا يكون ذلك بتوافق سابق بين الدائن والمدين، وإلّا رجع إلى الحيلة في القرض الربويّ، وهي غير مقبولة لدينا.

(1) إن كان الهدف من إعطاء السفتة توكيل الشخص في إيقاع المعاملة في ذمّته على مقدار مؤجّل بما يكون سعره الحاليّ أقلّ منه، فلا يوجد في ذلك أيّ إشكال.

وإن كان الهدف المبادلة بين نقد معجّل ونقد مؤجّل، فهذا راجع إلى الربا القرضيّ. نعم، لو كان طرف التعامل بالسفتة نفس البنك الحكوميّ الذي تعتبر أمواله مجهولة المالك، دخل هذا في الاقتراض من مجهولة المالك من أموال الحكومة اللا إسلاميّة في البلاد الإسلاميّة، والتي أجزنا الاقتراض منها لا بنيّة الربا برغم علمه بأنّهم سيأخذون منه الزيادة ظلماً وعدواناً عليه.

109

 

الفصل العاشر

في بيع الصرف

وهو بيع الذهب أو الفضّة بالذهب أو الفضّة، ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره.

(مسألة: 1) يشترط في صحّة بيع الصرف التقابض(1) قبل الافتراق، فلولم يتقابضا حتّى افترقا بطل البيع، ولو تقابضا في بعض المبيع صحّ فيه وبطل في غيره، ولو باع النقد مع غيره بنقد صفقةً واحدة ولم يتقابضا حتّى افترقا صحّ في غير النقد وبطل في النقد.

(مسألة: 2) لو فارقا المجلس مصطحَبين وتقابضا قبل الافتراق صحّ البيع.

(مسألة: 3) لا يشترط التقابض في الصلح الجاري في النقدين(2)، بل تختصّ شرطيّته بالبيع.



(1) لم أجد دليلاً على شرط التقابض في بيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة، وتختصّ روايات الباب ببيع الذهب بالفضّة أو الفضّة بالذهب(1). نعم، يشترط في بيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة عدم النسيئة(2)، وهو أعمّ من التقابض.

(2) بل الأحوط وجوباً الاشتراط.


(1) راجع الوسائل، ب 2 من الصرف.

(2) أمّا في الذهب فلصحيح حمّاد على نقل الصدوق. راجع الوسائل، باب 1 من الصرف،ح 1، وراجع الفقيه، ج 3 بحسب طبعة الآخونديّ، ح 828. وأمّا في الفضّة فلصحيح أبي بصير. راجع الوسائل، باب 15 من الصرف، ح 3، ص 119 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ج 18.

110

(مسألة: 4) لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقديّة(1)، كالدينارالعراقيّ، والنوط الهنديّ، والتومان الإيرانيّ والدولار، والباون، ونحوها من الأوراق المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين، فيصحّ بيع بعضها ببعض وإن لم يتحقّق التقابض قبل الافتراق، كما أنّه لا زكاة فيها.

(مسألة: 5) إذا كان له في ذمّة غيره دين من أحد النقدين فباعه عليه بنقد آخر وقبض الثمن قبل التفرّق صحّ البيع، ولا حاجة إلى قبض المشتري ما في ذمّته، ولو كان له دين على زيد فباعه على عمرو بنقد وقبضه من عمرو ووكّل عمرو زيداً على قبض ما في ذمّته ففي صحّته بمجرّد التوكيل إشكال، بل لا يبعد عدم الصحّة حتّى يقبضه زيد ويعيّنه في مصداق بعينه.



(1) الصرف في الأوراق النقديّة المألوفة اليوم: تارةً يكون بالتبادل بين الأوراق المختلفة، كالدينار العراقيّ والتومان الإيرانيّ، واُخرى بالتبادل بين الأوراق المتّحدة الجنس، كالتبادل بين الدينار والدينار من قبيل صرف الدينار بعشرين درهماً، أو بأربعة أرباع الدينار.

فإن كان الصرف بين الأنماط المختلفة كالدينار والتومان، فالأحوط شرط التقابض في المجلس(1).

وإن كان الصرف بين أقسام نمط واحد: فإن كان كلاهما نقداً، فالأحوط وجوباً التساوي(2).

وإن كان أحدهما نسيئة وفيها الزيادة، فالأقرب عدم الجواز(3).

وإن كان أحدهما نسيئة وتساويا، فلا إشكال.


(1) إلحاقاً له بتبادل الذهب بالفضّة.

(2) إلحاقاً له بتبادل الذهب بالذهب، أو الفضّة بالفضّة.

(3) لأنّه دخل في حيل الربا القرضيّ.

111

(مسألة: 6) إذا اشترى منه دراهم معيّنةً بنقد ثمّ باعها عليه قبل قبضها لميصحَّ البيع الثاني، فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرّق صحّ البيع الأوّل وبطل الثاني(1)، وإذا لم يقبضها حتّى افترقا بطل الأوّل والثاني.

(مسألة: 7) إذا كان له دراهم في ذمّة غيره فقال له: «حوِّلها دنانير في ذمّتك» فقبل المديون صحّ ذلك، وتحوّل ما في الذمّة إلى دنانير وإن لم يتقابضا، وكذا لو كان له دنانير في ذمّته فقال له: «حوِّلها دراهم» وقبل المديون، فإنّه يصحّ، وتتحوّل الدنانير إلى دراهم، وكذلك الحكم في الأوراق النقديّة إذا كانت في الذمّة، فيجوز تحويلها من جنس إلى آخر.

(مسألة: 8) لا يجب على المتعاملَين بالصرف إقباض المبيع أو الثمن حتّى لو قبض أحدهما لم يجب عليه إقباض صاحبه، ولو كان للمبيع أو الثمن نماء قبل القبض كان لمن انتقل عنه، لا لمن انتقل إليه(2).

(مسألة: 9) الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجةً في المعاملة بها يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها، سواء أكان غشّها مجهولا أم معلوماً، وسواء أكان مقدار الغشِّ معلوماً أم مجهولا، وإن لم تكن رائجةً فلا يجوز إنفاقها والمعاملة بها إلّا بعد إظهار حالها.



(1) وهذا واضح لا غبار عليه، ولولا أنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) علّق على هذا الكلام لما كنّا نعلّق عليه بشيء، وحاصل تعليق اُستاذنا هو: أنّه لو فرض أنّ مشتري الدراهم بعد ما باعها على صاحب الدينار قبل امتلاكه إيّاها بالقبض أجاز بيع نفسه بعد قبضه للدراهم، فكأنّ هذا بيع جديد حصل بعد قبض الدراهم، فيتمّ هذا البيع الجديد بإقباضه للدراهم من صاحب الدينار.

(2) لا يتصوّر نماء للذهب ولا للفضّة.

112

(مسألة: 10) لا يجوز تصريف الريال العراقيّ بأربعة دراهم عراقيّة إلّا مع ضمِّ شيء إلى الريال أو إليهما معاً ليتخلّص من الربا، فإنّ الريال يساوي ثلاثة دراهم تقريباً، فينبغي الالتفات إلى ذلك عند تصريف المسكوكات من الفضّة أو الذهب أو النحاس إلى أبعاضها، مثل تصريف الليرة العثمانيّة والمجيديّ والروبيّة إلى أرباعها أو أنصافها، وكذا أمثالها من المسكوكات فإنّه لا يجوز مع التفاضل بين الأصل وأبعاضه كما هو الغالب، وإن كان المنع المذكور في بعضها لا يخلو من نظر(1).

(مسألة: 11) يكفي في الضميمة التي يتخلَّص بها عن الربا الغشّ الذي يكون في الذهب والفضّة المغشوشَين إذا كان الغشّ له قيمة في حال كونه غشّاً، ولا يكفي أن يكون له قيمة على تقدير التصفية، فإذا كان الطرفان مغشوشَين كذلك صحّ مع التفاضل، وإذا كان أحدهما مغشوشاً دون الآخر جاز التفاضل إذا كانت الزيادة في الخالص، ولا يصحّ إذا كانت الزيادة في المغشوش، لكن في تحقّق الفرض نظر(2).

(مسألة: 12) الآلات المحلاّة بالذهب يجوز بيعها بالذهب إذا كانت أكثر من الذهب المحلّى بها، وإلّا لم يجزْ. نعم، لو بيع السيف المحلّى بالسيف المحلّى جاز مطلقاً وإن كانت الحلية في أحدهما أكثر من الحلية في الآخر(3).



(1) ينشأ هذا النظر: إمّا من النظر في فرض التفاضل، أو من النظر في عدّه من المكيل أو الموزون.

(2) أي: كون الغشّ له قيمة في حال كونه غشّاً فرضٌ يستبعد تحقّقه.

(3) ليس المقصود فرض خصوصيّة في السيف، وإنّما المقصود: أنّه حينما تكون ضميمة مع كلّ من الذهبين فقد انحلّت بذلك مشكلة الربا.