14

وأمّا القسم الأوّل من اللازم: فيبحث عنه في مباحث الملازمات العقليّة.

وأمّا القسم الثاني من اللازم ـ وهو مفهوم الموافقة ـ: فليس ممّا يستشكل فيه ويبحث عنه إلّا ببعض مراتبه وهو قياس الأولويّة. وهذا يذكر في مباحث القياس والأولويّة.

 

هل المفهوم حكم لموضوع غير مذكور أو حكم غير مذكور؟

المشهور أنّه من خاصّيّة المفهوم كونه حكماً على موضوع غير مذكور في المنطوق، وذكر المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)أنّه ليس حكماً على موضوع غير مذكور بل هو حكم غير مذكور.

والوجه فيما أفاده(رحمه الله) ـ من الرجوع عن التعبير الذي ذكروه إلى التعبير الآخر ـ هو: أنّ الموضوع في مفهوم المخالفة عين الموضوع في نفس المنطوق، فمثلا الموضوع في كلّ من المنطوق والمفهوم لقولنا: (إن جاءك زيد فأكرمه) هو زيد، وهو مذكور في المنطوق.

بل لعلّ نظره(رحمه الله) إلى الاستشكال في ذلك في مفهوم الموافقة أيضاً، حيث إنّه وإن كان ربما يختلف موضوع مفهوم الموافقة عن موضوع المنطوق، كقولنا: (أكرم خدّام العلماء) المقتضي بمفهومه وجوب إكرام العلماء، لكن ربما يكون موضوعهما شيئاً واحداً، كقوله تعالى: ﴿ولاَ تَقُل لَهُمَا اُفٍّ﴾ المقتضي بمفهومه حرمة ضربهما، فإنّ الموضوع في كليهما هو الأبوان، إلّا أن يسمّى نفس المتعلّق موضوعاً فينعكس الأمر، أعني: أنّ الموضوع للمنطوق والمفهوم في قولنا: (أكرم خدّام العلماء) واحد، وفي الآية الشريفة متعدّد.

وعلى أيّة حال فتحقيق الكلام في هذا المقام هو: أنّ ما أفاده المشهور إنّما يتمّ

15

بناءً على ما اختاره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ومَن في مدرسته من أنّ كلّ شرط يرجع إلى الموضوع؛ إذ من الواضح عندئذ أنّ الموضوع في منطوق قولنا: (إن جاءك زيد فأكرمه) هو زيد الجائي، والموضوع في مفهومه هو زيد غير الجائي وهو غير مذكور في اللفظ، وينبغي أن يكون مرادهم بعدم مذكوريّته في المنطوق عدم مذكوريّته فيه بما هو موضوع، بأن لا يكون موضوع المفهوم نفس موضوع المنطوق، حتّى لا يرد النقض بمثل قوله: ﴿أَتِمّوا الصِّيَام إلى اللَّيْل﴾ المقتضي بمفهومه انتفاء هذا الحكم عن الليل بناءً على خروج الغاية عن المغيّى، فإنّ موضوع المفهوم ـ وهو الليل ـ مذكور في المنطوق، لكن لا بعنوان الموضوعيّة للحكم بل بعنوان الحدّيّة له.

وأمّا بناءً على مبنى المحقّق العراقيّ(قدس سره) ـ وهو المختار ـ من أنّ الشرائط ليست دائماً راجعة إلى الموضوع، بل بعضها وإن كان مقوّماً للموضوع ولكن بعضها شرط لترتّب الحكم على الموضوع، فما أفاده المشهور غير تامّ؛ لإمكان أن يقال: إنّ الموضوع في المنطوق والمفهوم في قولنا مثلا: (إن جاءك زيد فأكرمه) هو زيد، ويكون المجيء شرطاً لترتّب حكم الوجوب على هذا الموضوع، وعدمه شرطاً لترتّب عدم الوجوب عليه.

هذا كلّه بناءً على كون المراد بالموضوع الموضوع في عالم الثبوت، لا الموضوع في مرحلة الإسناد في عالم الإثبات، وإلّا فدائماً يكون الموضوع نفس زيد في المنطوق والمفهوم معاً.

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) من أنّ المفهوم حكم غير مذكور في المنطوق، فإن أراد بذلك عدم مذكوريّة الحكم المفهوميّ بشخصه في المنطوق فهو صحيح في مفهومي الموافقة والمخالفة معاً كما لا يخفى.

16

وإن أراد بذلك عدم مذكوريّته بنوعه فهو صحيح في مفهوم المخالفة؛ لأنّ نوع الحكم في المفهوم يختلف عن نوعه في المنطوق، ولا يعقل أن يكون كلاهما من نوع الوجوب مثلا؛ فإنّ المفروض أنّ مفهوم إيجاب شيء مشروطاً بشيء انتفاء الوجوب عند انتفاء الشرط. وغير صحيح في مفهوم الموافقة؛ لأنّ الحكم المنطوقيّ في الآية الشريفة مثلا ـ وهو حرمة قول (الاُفّ) ـ والحكم المفهوميّ فيها ـ وهو حرمة الضرب ـ من نوع واحد، وهو الحرمة كما هو واضح.

هذا لو اعتبرنا النوعيّة من حيث ذات الحكم بما هو.

وأمّا نوعيّة الحكم حتّى بالنظر إلى متعلّقه، بأن يكون الحكم والمتعلّق في المفهوم كلاهما متماثلين مع الحكم والمتعلّق في المنطوق، فأيضاً قد يتّفق ذلك، كما لو قال المولى: (أكرم خدّام العلماء)، فإنّ مفهومه وجوب إكرام العلماء، والحكم فيه يكون من نوع الحكم في المنطوق حتّى بلحاظ متعلّقه.

بل ربما تتّفق المماثلة بلحاظ نفس الحكم ومتعلّقه وموضوعه جميعاً، ويكون الاختلاف في الشرط، كما لو قال المولى: (أكرم زيداً إن جاهد مع المجتهد العادل) الدالّ بمفهومه على وجوب إكرامه إن جاهد مع الإمام المعصوم(عليه السلام).

هذا إجمال الكلام في المقام.

 

تفصيل الكلام في كون موضوع المفهوم أو حكمه مذكوراً في المنطوق أو لا:

وإن أردت تحقيق الكلام على وجه التفصيل قلنا: تارةً: يقع الكلام في مفهوم الموافقة ـ وإن كان في الحقيقة خارجاً عن المبحث ـ واُخرى: في مفهوم المخالفة:

أمّا مفهوم الموافقة: فتارة: يقع الكلام في أنّه هل يكون الحكم المفهوميّ ـ بسنخه أو شخصه ـ مذكوراً في المنطوق أو لا؟ واُخرى: في أنّه هل يكون موضوع المفهوم مذكوراً في المنطوق أو لا؟

17

أمّا الحكم المفهوميّ بشخصه: فمن الواضح أنّه ليس مذكوراً في المنطوق، وإلّا لكان منطوقاً لا مفهوماً.

وأمّا سنخ الحكم المفهوميّ: فهل يكون مذكوراً في منطوق الجملة الدالّة على مفهوم الموافقة أو لا؟

التحقيق: هو التفصيل في ذلك، بيانه: أنّ مفهوم الموافقة يكون مدركه فهم العرف من الكلام أنّ المولى إنّما نبّه على قسم خاصّ لأجل كونه أخفى الأفراد من حيث الحكم، أو لكونه هو محلّ الابتلاء مثلاً، لا لكونه بالخصوص مركز نظر المولى.

وذلك القسم الخاصّ: تارةً: يكون عبارة عن نفس الحكم، كما لو قال المولى: (لا يستحبّ إكرام الفسّاق) الدالّ بمفهومه على عدم وجوب إكرامهم، واُخرى: يكون عبارة عن متعلّق الحكم، كقوله تعالى: ﴿لاَ تَقُل لَهُمَا اُفٍّ﴾ الدالّ بمفهومه على حرمة الضرب، وثالثة: يكون عبارة عن موضوع الحكم، كما لو قال: (أكرم خدّام العلماء) الدالّ بمفهومه على وجوب إكرام العلماء، أو قال: (يحرم على المحدث بالحدث الأصغر مسّ الكتاب) الدالّ بمفهومه على حرمة مسّ الكتاب على المحدث بالحدث الأكبر، ورابعة: يكون عبارة عن شرط الحكم بناءً على عدم رجوعه إلى الموضوع، كما لو قال: (أكرم زيداً إن جاهد مع المجتهد العادل) الدالّ بمفهومه على وجوب إكرامه إن جاهد مع الإمام المعصوم(عليه السلام)، فهذه أربعة أقسام:

ففي القسم الأوّل ليس سنخ الحكم بمعنى من المعاني مذكوراً في المنطوق. وفي القسم الثاني يكون سنخ الحكم مذكوراً في المنطوق بمعنى مماثلته للحكم المنطوقيّ في نفس كون كلّ منهما وجوباً مثلا مع قطع النظر عن المتعلّق، وموضوع المفهوم أيضاً مذكور في المنطوق. وفي القسم الثالث تكون السنخيّة بين الحكم

18

المفهوميّ والمنطوقيّ محفوظة حتّى بالنظر إلى المتعلّق. وفي القسم الرابع تكون السنخيّة بينهما محفوظة حتّى بالنظر إلى المتعلّق والموضوع كليهما.

وأمّا موضوع مفهوم الموافقة: فإن كان المراد بالموضوع متعلّق المتعلّق ـ كالفسّاق في المثال الأوّل، والأبوين في المثال الثاني، والعلماء في المثال الثالث، والمحدث بالحدث الأكبر في المثال الرابع، وزيد في المثال الخامس ـ فموضوع المفهوم مذكور في المنطوق في القسم الأوّل والثاني والرابع من أقسام مفهوم الموافقة، وغير مذكور في القسم الثالث إن كان المراد بمذكوريّته مذكوريّته بما هو موضوع بأن يكون موضوعاً للمنطوق، وإلّا فربّما يكون مذكوراً فيه.

وإن كان المراد بالموضوع متعلّق الحكم فهو مذكور في القسم الأوّل والرابع، وغير مذكور في القسم الثاني، وأمّا في القسم الثالث فإن كان المراد بالمتعلّق مطلق المتعلّق فهو مذكور فيه، وإن كان المراد به المضاف إلى الموضوع الخاصّ فغير مذكور فيه.

هذا. وقبل أن ننتقل إلى مفهوم المخالفة نشير إلى أنّ ما قلناه بالنسبة للقسم الرابع ـ من أنّ موضوع المفهوم بمعنى متعلّق المتعلّق مذكور في المنطوق ـ صحيح؛ لأنّه كان المفروض عدم رجوع الشرط إلى الموضوع. وأمّا إذا رجع إلى الموضوع فقد رجع هذا القسم إلى القسم الثالث، فيكون موضوع المفهوم غير مذكور في المنطوق.

وأيضاً نشير إلى أنّ ما مضى منّا لدى إجمال الكلام من التفصيل في الموضوع بالنظر إلى عالم الثبوت وعالم الإثبات يجري بالتبع في المتعلّق إن اُريد به المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ.

وثالثة: نشير إلى أنّ ما ذكرناه من أقسام مفهوم الموافقة إنّما هي بلحاظ ما لو كان المفهوم بالنظر إلى خصوص الحكم أو المتعلّق أو الموضوع أو الشرط. أمّا لو

19

فُرض مفهوم بالنظر إلى أمرين من هذه الاُمور الأربعة مركّباً، كما لو قال مثلا: (يجب السلام على خدّام العلماء) الدالّ بمفهومه على وجوب ردّ سلام العلماء، فعندئذ يلحقه حكم كلّ من القسمين في عدم مذكوريّة ما هو مذكور في المفهوم في المنطوق.

ورابعة: نشير إلى أنّ الضابط الكلّيّ في جميع ما ذكرناه بالنسبة لمفهوم الموافقة هو: أنّ ما يكون المفهوم بلحاظه لا يعقل أن يكون مذكوراً في المنطوق فهو ليس بمذكور في المنطوق والباقي مذكور فيه.

وأمّا مفهوم المخالفة: فلا إشكال في أنّ الحكم المفهوميّ غير مذكور في منطوقه لا بشخصه ولا بسنخه: أمّا الأوّل فلما هو واضح من أنّه لو كان مذكوراً بشخصه لكان منطوقاً لا مفهوماً. وأمّا الثاني فلما هو واضح أيضاً من أنّ الاتّحاد السنخيّ ينافي فرض مخالفة المفهوم للمنطوق في الكيف.

وأمّا موضوعه: فالتحقيق في كونه مذكوراً في المنطوق وعدمه هو التفصيل بين أقسام المفاهيم:

أمّا مفهوم الشرط: فالأمر فيه دائر مدار رجوع الشرط إلى الموضوع وعدمه، فإن رجع إليه فموضوع المفهوم غير مذكور في المنطوق بلحاظ عالم الثبوت، ومذكور فيه بلحاظ عالم الإسناد، وإلّا فهو مذكور فيه مطلقاً.

هذا إذا كان المراد بالموضوع متعلّق المتعلّق.

وأمّا إذا كان المراد به نفس المتعلّق من حيث هو فالمتعلّق في المفهوم عين المتعلّق في المنطوق.

وأمّا إن كان المراد به المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ فحاله حال ذلك الموضوع الخاصّ.

20

وأمّا مفهوم الوصف: فبما أنّ الوصف دائماً يكون داخلا في الموضوع يكون موضوع المفهوم غير مذكور في المنطوق إن كان المراد بالموضوع متعلّق المتعلّق أو المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ. وإن كان المراد نفس المتعلّق من حيث هو فهو مذكور فيه.

وأمّا مفهوم الغاية: فبما أنّ الحكم في منطوقه محدّد بتلك الغاية في آخره، والحكم في مفهومه محدّد بتلك الغاية في أوّله يستحيل أن يكون موضوع المفهوم مذكوراً في المنطوق بعنوان كونه موضوعاً له، لكنّه مذكور فيه بعنوان الحدّ إن كانت الغاية خارجة عن المغيّى.

هذا إذا كان المراد بالموضوع متعلّق المتعلّق.

وأمّا إن كان المراد به نفس المتعلّق بما هو فالموضوع في المفهوم والمنطوق واحد.

وإن كان المراد المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ فحاله حال الموضوع الخاصّ.

وأمّا مفهوم الحصر: فالحقّ فيه التفصيل: فإنّ الحصر تارةً: يكون باعتبار ذات الحكم، كأن يقال: (إنّما إكرام زيد واجب)، واُخرى: يكون باعتبار متعلّقه، كأن يقال: (إنّما الواجب بشأن زيد هو الإكرام)، وثالثة: يكون باعتبار متعلّق المتعلّق، كأن يقال: (إنّما الذي يجب إكرامه هو زيد)، ورابعة: يكون باعتبار الشرط، كأن يقال: (زيدٌ إنّما يجب إكرامه إن جاءك).

ففي الأوّل يكون موضوع المفهوم عين موضوع المنطوق مطلقاً.

وفي الثاني يكون موضوع المفهوم عين موضوع المنطوق لو اُريد بالموضوع متعلّق المتعلّق لا المتعلّق.

21

وفي الثالث يكون موضوع المفهوم عين موضوع المنطوق لو اُريد بالموضوع المتعلّق من حيث هو، لا متعلّق المتعلّق ولا المتعلّق المضاف إلى الموضوع.

وفي الرابع يكون موضوع المفهوم عين موضوع المنطوق لو اُريد بالموضوع المتعلّق من حيث هو، وأمّا لو اُريد به متعلّق المتعلّق أو المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ فلو لم نُرجع الشرط إلى الموضوع فهو عين موضوع المنطوق، ولو أرجعناه إليه فهو غيره في عالم الثبوت وعينه في عالم الإثبات.

وأمّا مفهوم اللقب: فالموضوع فيه عين الموضوع في المنطوق لو كان المراد بالموضوع المتعلّق من حيث هو، وأمّا لو كان المراد به متعلّق المتعلّق أو المتعلّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ فهو غيره.

وأمّا مفهوم العدد: فجميع الخصوصيّات فيه مشتركة بين المنطوق والمفهوم إلّا العدد الخاصّ، فذلك العدد أيّ شيء فُرض يكون ذلك الشيء في المفهوم غيره في المنطوق، وباقي الخصوصيّات المفهوميّة مع قطع النظر عن الإيجاب والسلب ثابتة في المنطوق.

هذا ضابط الكلام في مفهوم العدد، وتعرف جزئيّات الكلام في موارده بالتأمّل في هذا الضابط.

 

الضابط في اقتناص المفهوم:

الأمر الثاني: في بيان ما هو الضابط في اقتناص المفهوم الذي يكون همّ القائلين بالمفهوم إثباته وهمّ المنكرين له نفيه.

وكان المناسب بيان ذلك مستقلاًّ وقبل البحث عن كلّ واحد واحد من المفاهيم من مفهوم الشرط وغيره، إلّا أنّ المحقّق الخراسانيّ وكذا المحقّق النائينيّ(رحمهما الله)

22

بحثاه في خصوص عنوان مفهوم الشرط ويظهر الحال في باقي المفاهيم بالقياسبذلك.

وبما أنّنا نحاول تسهيل تناول ما نبيّنه بشأن كلامي العلمين نجري البحث في ذلك في دائرة الجملة الشرطيّة ويقاس عليها باقي المفاهيم. فنقول:

إنّ أساطين الفنّ سلكوا في المقام مسلكين متعاكسين، فالمشهور جعلوا مركز دوران المفهوم وجوداً وعدماً مداره أمراً، مع افتراض أمر آخر مسلّماً بين القائلين بمفهوم الشرط والمنكرين له، والمحقّق العراقيّ(رحمه الله) عكس الأمر فجعل مركز دوران مفهوم الشرط وجوداً وعدماً مداره ذاك الأمر الثاني، مع افتراض الأمر الأوّل مسلّماً بين القائلين بالمفهوم وعدمه.

فعلى الإجمال نقول: الضابط في اقتناص المفهوم في نظر المشهور دلالة الشرطيّة على أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، فعندئذ ينتفي الجزاء عند انتفاء الشرط مع فرض الفراغ عن أنّ ما رتّب على الشرط سنخ الحكم لا شخصه.

والضابط في اقتناص المفهوم في نظر المحقّق العراقيّ(رحمه الله) هو أن يكون المعلّق ـ أي: المرتّب على الشرط ـ سنخ الحكم لا شخصه، مع فرض الفراغ عن العلّيّة الانحصاريّة للشرط بالنسبة للجزاء.

ويظهر من ذلك: أنّ الضابط فيه عند كلا الفريقين في الحقيقة واحد مركّب من أمرين: أحدهما العلّيّة الانحصاريّة للشرط بالنسبة لما علّق أو رتّب عليه. والثاني أن يكون ما علّق عليه سنخ الحكم لا شخصه، إلّا أنّ الفريقين اختلفا فيما هو المسلّم من الأمرين، وما هو موضوع البحث بين القائلين بالمفهوم ومنكريه.

والكلام تارةً: يقع فيما أفاده المشهور، واُخرى: فيما أفاده المحقّق العراقيّ(رحمه الله)فنقول:

أمّا ما هو الضابط لاقتناص المفهوم في نظر المشهور ـ وهو كون الشرط علّة

23

منحصرة للجزاء ـ فهذا في الحقيقة ينحلّ إلى اشتراط اُمور ثلاثة أو أربعة في الدلالة على المفهوم:

فالمحقّق النائينيّ(قدس سره) ذكر في المقام شرائط ثلاثة:

الأوّل: أن تكون القضيّة لزوميّة لا اتّفاقيّة. أمّا لو كانت اتّفاقيّة فمن المحتمل أن يقترن الجزاء صدفة بشرط آخر أيضاً اتّفاقاً كما اقترن بهذا الشرط اتّفاقاً.

والثاني: أن يكون اللزوم ترتّبيّاً، بأن يكون الجزاء معلولا للشرط لا العكس، ولا أن يكونا معلولين لشيء ثالث، فلو كان الجزاء هو العلّة فلا مانع من افتراض كونه علّة لأمرين: أحدهما هذا الشرط، والثاني شيء آخر، ولو كانا معلولين لشيء ثالث فلا مانع من أن يولّد الشيء الثالث أحياناً أمراً آخر يقترن بالجزاء.

والثالث: أن يكون الشرط علّة منحصرة للجزاء؛ إذ لو كان علّة غير منحصرة لولد الجزاء أيضاً لدى بديل تلك العلّة، وهذا يعني انتفاء الدلالة على المفهوم.

والمحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) ذكر شرائط أربعة:

الأوّل: عين ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) من أن تكون القضيّة الشرطيّة لزوميّة لا اتّفاقيّة.

والثاني: أن يكون اللزوم ترتّبيّاً، ولكن لم يقصد بذلك ما قصده الشيخ النائينيّ(رحمه الله) من كون الجزاء معلولا للشرط، أي: لم ينتقل ابتداءً إلى شرط معلوليّة الجزاء للشرط، بل قصد مطلق أن يكون الجزاء مترتّباً على الشرط، بأن لا يكونا في عرض واحد ولا يكون الشرط مترتّباً على الجزاء، ومن هنا احتاج إلى ذكر شرط ثالث كالتالي:

والثالث: أن يكون الترتّب على نحو ترتّب المعلول على علّته.

24

والرابع: هو الشرط الثالث للمحقّق النائينيّ(رحمه الله) من كون العلّة علّة منحصرة.

والعمدة في كلا البيانين هي الشرط الأخير وهو كون العلّة علّة منحصرة، وباقي الشروط مقدّمة له.

هذا. وصياغة الشيخ النائينيّ(رحمه الله) للمطلب أتقن من صياغة الشيخ الخراسانيّ(رحمه الله)ولا حاجة إلى أكثر من شرائط الشيخ النائينيّ(رحمه الله).

ويحتمل فيما أراده الشيخ الخراسانيّ من شرطه الثالث ـ وهو كون الترتّب من قبيل الترتّب على العلّة ـ أحد اُمور ثلاثة أو اثنان منها أو جميعها:

الأوّل: أن يكون ذلك في قبال الترتّب الزمانيّ.

والثاني: أن يكون ذلك في قبال الترتّب الطبعيّ، أعني: ترتّب الشيء على جزء علّته.

والثالث: أن يكون ذلك في قبال ما لو كان الجزاء معلولا لما يلازم الشرط، فينحفظ الترتّب بين الشرط والجزاء بناءً على أنّ ما يكون متأخّراً عن شيء فهو متأخّر عمّا يكون في رتبة ذاك الشيء، ولكن لم تنحفظ علّيّة الشرط للجزاء، فهذا الفرض لم يخرج بالشرط الثاني فأخرجه بالشرط الثالث.

فإن أراد الأوّل ـ وهو إخراج الترتّب الزمانيّ ـ ورد عليه: أنّ الترتّب الزمانيّ خرج بالشرط الأوّل وهو كون الشرطيّة لزوميّة لا اتّفاقيّة، فإنّ الانفكاك الزمانيّ بعد فرض اللزوم محال، سواء كان هذا علّة لذاك أو العكس أو كانا معلولين لشيء ثالث، وذلك لقاعدة استحالة تخلّف المعلول عن العلّة.

هذا مضافاً إلى أنّه لو كان المراد بالشرط الثاني ما يعمّ الترتّب الزمانيّ ـ ولذا احتاج إلى إخراجه بالشرط الثالث ـ فدخل الشرط الثاني في حصول الانتفاء عند الانتفاء ممنوع.

25

وإن أراد الثاني ـ وهو إخراج كون الشرط جزء العلّة ـ ورد عليه: أنّ إخراج ذلك بلا موجب، فإنّ الشرط إذا كان منحصراً لا بديل له في تحقيق المعلول ثبت المفهوم سواءً فرض تمام العلّة أو جزءها، فالانتفاء إنّما يستند إلى الاُمور الثلاثة من تلك الاُمور، أعني: ما عدا الأمر الثالث.

وإن أراد الثالث ـ وهو إخراج ما لو كان الجزاء معلولا لما يلازم الشرط، باعتبار أنّه لم يخرج بالشرط الثاني وهو الترتّب؛ لأنّ المتأخّر عن المقارن متأخّر عن المقارن الآخر، أو قل: ما مع المتقدّم متقدّم ـ ورد عليه:

أوّلا: منع كون ما مع المتقدّم متقدّماً، فالشرط الثالث لا مورد له.

وثانياً ـ بعد تسليم قاعدة (ما مع المتقدّم متقدّم) ـ: أنّه لو اُريد بالشرط الثاني ـ وهو الترتّب ـ ما يصدق على الترتّب بهذا النحو لا خصوص ترتّب المعلول على علّته التامّة أو الناقصة فالشرط الثالث في محلّه لأجل إخراج ذلك، لكن كون الترتّب بذاك المعنى دخيلا في الانتفاء عند الانتفاء ممنوع، فالشرط الثاني لا مورد له.

ولو أراد بالشرط الثاني الترتّب بهذا المعنى العامّ، وبالشرط الثالث أحد المعنيين الأوّلين كان الشرط الثاني والثالث كلاهما مخدوشاً.

ولو أراد بالشرط الثالث اثنين من هذه الاحتمالات أو جميعها ورد عليه إشكال اثنين منها أو جميعها.

هذا. ومن المسلّم عندهم ـ كما مضى ـ أنّ المعلّق على الشرط لو كان هو شخص الحكم لم يتحقّق المفهوم ولو فرض تحقّق هذه الاُمور الأربعة أو الثلاثة.و سيأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في ذلك عند الكلام حول ما أفاده المحقّق العراقيّ(رحمه الله). أمّا هنا فنتكلّم في فرض كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم

26

لا شخصه بعد فرض تسليم ما أفادوه من مسلّميّة كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم.

والتحقيق: أنّه لا يتوقّف كون القضيّة ذات مفهوم على ثبوت كون الشرط علّة منحصرة للجزاء، بل الذي يوجب إفادتها للمفهوم هو إثبات إفادتها لكون ثبوت الجزاء منحصراً في فرض ثبوت الشرط، والذي يدّعي المفهوم للقضيّة الشرطيّة ليس أمره محصوراً في الاعتراف بتلك الاُمور الثلاثة أو الأربعة، بأن لا يتعقّل الإيمان بالانحصار إلّا بعد الإيمان بتلك المقدّمات السابقة. نعم، مع فرض تماميّة أحد اُمور ثلاثة نحتاج إلى تلك المقدّمات:

الأوّل: أن يقال: إنّ صرف انحصار الجزاء في فرض ثبوت الشرط لا يوجب الانتفاء عند الانتفاء ما لم نثبت كون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

وهذا ـ كما ترى ـ بديهيّ البطلان.

الثاني: أن يقال: إنّ انحصار الجزاء في فرض ثبوت الشرط يكون في عالم الثبوت منحصراً في فرض كون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

ويرد عليه: أنّه كما يمكن ذلك في هذا الفرض، كذلك يمكن ذلك في فرض انتفاء الشرط الرابع، بأن يُفرض أنّ الشرط وإن كان علّة غير منحصرة لكنّ العلّة الاُخرى لا توجد في الخارج، فينحصر الجزاء في فرض وجود الشرط، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشرط الرابع؛ إلّا أن يكون مرادهم بالشرط الرابع ما يعمّ الانحصار بهذا المعنى، لكنّه خلاف ظاهر كلماتهم.

أو يفرض أنّ الشرط جزء لا بديل له لعلّة منحصرة أو غير منحصرة مع فرض اشتراك جميع تلك العلل في ذلك الجزء، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشرطين الأخيرين.

27

أو يفرض أنّ الشرط والجزاء معلولان لعلّة واحدة منحصرة أو غير منحصرة مع فرض اشتراكهما بالنسبة لجميع تلك العلل، فانتفاء الشرط مساوق لانتفاء العلّة المنحصرة أو تلك العلل المساوق لانتفاء الجزاء، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشروط الثلاثة الأخيرة.

أو يفرض أنّ انحصار الجزاء في الشرط يكون من باب الاتّفاق البحت، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء جميع تلك الشروط الأربعة.

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من تصوير انتفاء خصوص الشرطين الأوّلين إنّما كان بناءً على كون المراد بالشرط الثالث ما يخرج به عدم كون الشرط علّة تامّة، أمّا لو اُريد به ما يُخرج ترتّب الجزاء على ما يلازم الشرط بعد تسليم أنّ ما مع المتقدّم متقدّم فيمكن أيضاً فرض انتفاء خصوص الشرطين الأوّلين، كما لو فُرض أنّ علّة الجزاء ليست إلّا معلولة لعلّة الشرط، وليست لها علاوة على العلّة المشتركة علّة غير مشتركة، وليس للجزاء علّة غير معلولة لعلّة الشرط، فيثبت المفهوم رغم انتفاء الشرطين الأوّلين.

وأمّا لو اُريد بالشرط الثالث خصوص ما يخرج الترتّب الزمانيّ فقد عرفت أنّه في الحقيقة ليس شرطاً على حدة.

الثالث: أن يقال: إنّه وإن كان انحصار الجزاء في فرض تحقّق الشرط في عالم الثبوت له ملاكات خمسة، لكن بحسب عالم الإثبات لا يمكن دعوى استفادة المفهوم من الجملة الشرطيّة إلّا بدعوى إفادتها لكون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

ويرد عليه: أنّه كما يمكن أخذ المفهوم من الجملة الشرطيّة بدعوى إفادتها لكون الشرط علّة منحصرة، كذلك يمكن أخذ المفهوم بدعوى كون أداة الشرط موضوعة لحصر الجزاء في فرض تحقّق الشرط، أو بإثبات أنّ ما هو المعلّق على

28

الشرط يكون بحكم الإطلاق عبارة عن مطلق وجود الحكم لا صرف وجوده، فمهماكان الحكم ثابتاً كان ثبوته مقارناً لثبوت الشرط، وهذا ـ كما ترى ـ يستلزم الانتفاء عند الانتفاء ولو فرض عدم كون الشرط علّة منحصرة. فمدّعي المفهوم لو أثبت إحدى هذه الدعاوى الثلاث ـ أي: العلّيّة الانحصاريّة للشرط، أو وضع الأداة لحصر الجزاء في فرض الشرط، أو تعليق طبيعيّ الحكم بحسب الإطلاق على الشرط ـ كفاه في إثبات دعواه في المفهوم وليس أمره منحصراً في إثبات الدعوى الاُولى.

وأمّا ما هو الضابط لاقتناص المفهوم في نظر المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ـ وهو كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم لا شخصه بعد فرض مسلّميّة كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ـ فاعلم أنّ المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في الحقيقة له دعاوى أربع:

الاُولى: توقّف المفهوم على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء كما قال المشهور أيضاً بذلك.

الثانية: أنّ كون الشرط على نحو العلّيّة المنحصرة مسلّم حتّى عند المنكرين للمفهوم ولو ارتكازاً.

الثالثة: أنّه لو كان المعلّق على الشرط هو شخص الحكم لما كان للقضيّة مفهوم؛ بداهة أنّ غاية ما تقتضي الجملة حينئذ انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الشرط.

الرابعة: أنّه لو كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم كانت القضيّة ذات مفهوم؛ لأنّ المفروض أنّ الشرط علّة منحصرة، فبانتفائه ينتفي سنخ الحكم.

وقد ذكر(رحمه الله) في وجه مسلّميّة كون الشرط على نحو العلّيّة المنحصرة: أنّ كلتا الطائفتين ـ أعني: القائلين بالمفهوم والمنكرين له ـ سلّموا في باب المطلق والمقيّد فيما إذا كانا مثبتين كقوله: (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة) أنّه لو علم كون الحكم الذي في نظر المولى ـ المبيّن تارةً في ضمن المطلق واُخرى في ضمن المقيّد ـ واحداً، ولم نحتمل أنّ مقصوده بالكلام المطلق بيان حكم ومقصوده بالكلام المقيّد

29

بيان حكم آخر غير ذلك الحكم فلا محالة يحمل المطلق على المقيّد. ولا وجه لذلك سوى أنّ انتفاء القيد ـ وهو الإيمان في المثال المذكور ـ موجب لانتفاء الحكم، وبما أنّ الحكم في كليهما واحد وليس هنا حكمان فبانتفاء القيد ينتفي الحكم المذكور في المطلق.

فظهر: أنّ المطلق محمول على المقيّد، ولا وجه لانتفاء الحكم في المقيّد بانتفاء قيد الإيمان ـ مع أنّهم ذكروا أنّ الوصف ليس له مفهوم ـ إلّا أنّ القيد يكون علّة منحصرة لشخص الحكم، وإلّا لما استحال ثبوت الحكم مع انتفائه؛ لإمكان قيام علّة اُخرى مقامه.

فظهر: أنّ القيد والشرط والغاية ونحو ذلك يكون من المسلّم كونه من قبيل العلّة المنحصرة، فلا محالة يثبت الانتفاء عند الانتفاء، فإن كان المعلّق عليه سنخ الحكم فقد تحقّق المفهوم؛ لانتفاء سنخ الحكم بانتفاء العلّة المنحصرة، وإن كان المعلّق عليه شخص الحكم لم يلزم من ذلك سوى انتفاء شخصه ولا يتحقّق المفهوم.

والحاصل: أنّ العلّيّة المنحصرة مسلّمة كما يظهر من كلامهم في باب المطلق والمقيّد، فلم يبق فيما نحن فيه ما نبحث عنه سوى أنّه هل المعلّق هو سنخ الحكم أو شخصه.

أقول: لا يخفى أنّ ما أفاده المحقّق العراقيّ(رحمه الله) هنا من كون ملاك حمل المطلق على المقيّد هو العلم الخارجيّ بوحدة الحكم المقصود في الكلامين هو ما جرى عليه المحقّق الخراسانيّ ومَن في مدرسته ومنهم المحقّق العراقيّ(رحمه الله)، إلّا أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ومَن في مدرسته لم يجروا هذا المجرى(1).

 



(1) فإنّهم يذكرون في المقام تفصيلا آخر غير التفصيل بين العلم الخارجيّ بوحدة

30

وعلى أيّ حال فقد عرفت أنّ للمحقّق العراقيّ(رحمه الله) دعاوى أربع، والتحقيق أنّ الجميع لا يمكن المساعدة عليها:

أمّا الدعوى الاُولى ـ وهي توقّف المفهوم على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ـ فقد عرفت ما فيها مفصّلا عند الإيراد على مقالة المشهور.

وأمّا الدعوى الثانية ـ وهي مسلّميّة كون الشرط على نحو العلّيّة الانحصاريّة حتّى عند المنكرين للمفهوم، لتسليمهم في باب المطلق والمقيّد لحمل المطلق على المقيّد إذا علمنا بكون الحكم المبرز بهما واحداً ـ فيرد عليها: أنّ مَن ينكر المفهوم فيما نحن فيه حتّى مع فرض كون المعلّق سنخ الحكم لا شخصه ليس مُلزماً بإنكار حمل المطلق على المقيّد إذا علم بكون الحكم المبرَز بهما واحداً؛ وذلك لأنّه إنّما يقول بحمل المطلق على المقيّد من ناحية كون القيد ـ وهو الإيمان مثلا ـ علّة منحصرة لشخص الحكم، فينتفي شخصه ـ المفروض اتّحاده مع الحكم المبرَز بالمطلق ـ بانتفائه، لا بدعوى أنّ العلّيّة المنحصرة بعنوانها تكون مدلولة للقضيّة حتّى يقال: إنّه لو فُرض دلالة القضيّة على ذلك فلا يعقل أن تكون دلالتها عليه مختصّة بفرض كون المعلّق شخص الحكم، بل دلالتها مسلّمة حتّى على فرض كون المعلّق سنخ الحكم، بل بدعوى أنّ القضيّة بظاهرها تدلّ على شيء يكون بينه وبين العلّيّة المنحصرة ملازمة في خصوص فرض كون المعلّق شخص الحكم، وأمّا في فرض كون المعلّق سنخه فالملازمة بينهما ممنوعة.

 


الحكم وعدمه، وهو التفصيل بين ما لو كان الحكم بنحو مطلق الوجود فلا تنافي بين المطلق والمقيّد، أو صرف الوجود فيقع التنافي؛ لأنّ صرف الوجود لا يتعلّق به إلّا حكم واحد.

31

وتوضيح ذلك: أنّه لو قال المولى مثلا: (إن كانت الرقبة مؤمنة فأعتقها) فعدم كون الإيمان من قبيل العلّة المنحصرة لا ينفكّ عن أحد أمرين:

الأوّل: أن يكون للإيمان عِدلٌ كالسخاء مثلا، بمعنى أنّه كما يكون الإيمان علّة لجعل الحكم كذلك السخاء أيضاً علّة لجعل آخر للحكم.

الثاني: أن يكون السخاء مثلا عِدلا للإيمان، لا بمعنى كون كلّ منهما بعنوانه علّة لجعل الحكم، بل بمعنى أن تكون العلّة في الحقيقة للجعل الواحد هي الجامع بين الإيمان والسخاء مثلا، ولو جامعاً انتزاعيّاً كعنوان أحدهما لا نفس عنوان الإيمان، فمهما قام الدليل على انتفاء هذين الأمرين ثبت أنّ الإيمان علّة منحصرة.

وعندئذ نقول: إن كان المعلّق شخص الحكم فلا إشكال في كون الإيمان علّة منحصرة؛ لانتفاء ما عرفته من الأمرين: أمّا الأمر الأوّل فلأنّه خلف فرض كون المعلّق شخص الحكم، فإنّ شخص الحكم لا يمكن أن يكون له شرطان متبادلان بعنوانهما الخاصّ، وإنّما الممكن فرض الشرط أو العلّة عبارة عن الجامع بينهما. وأمّا الأمر الثاني ـ وهو كون الشرط أو العلّة عبارة عن الجامع بينهما ـ فلأنّه خلاف ظاهر القضيّة؛ لأنّ المأخوذ في القضيّة إنّما هو عنوان الإيمان لا الجامع، فبما أنّ الأمر الأوّل محال ـ لكونه خلف الفرض ـ والأمر الثاني خلاف الظاهر يثبت بظاهر القضيّة كون الإيمان علّة منحصرة.

وأمّا إن كان المعلّق سنخ الحكم فالأمر الثاني وإن كان خلاف الظاهر لما عرفت، لكنّ الأمر الأوّل ليس محالا؛ لعدم كونه خلف الفرض، فليس القائل بحمل المطلق على المقيّد في ذاك الباب ملزماً فيما نحن فيه بالقول بالمفهوم بناءً على كون المعلّق سنخ الحكم. أي: أنّه لو لم يعترف بكفاية تعليق السنخ لثبوت المفهوم إلّا مع ثبوت العلّيّة الانحصاريّة فليس قوله بحمل المطلق على المقيّد ـ لدى علمه بوحدة الحكم ـ ملزماً له بالقول بالعلّيّة الانحصاريّة لدى تعليق سنخ الحكم.

32

وأمّا الدعوى الثالثة ـ وهي: أنّه لو كان المعلّق على الشرط شخص الحكم لما كان مجال للقول بالمفهوم؛ بداهة أنّ كون الشرط علّة منحصرة إنّما يقتضي انتفاء شخص الحكم بانتفائه لا انتفاء سنخه ـ فهذه مسلّمة عند المشهور أيضاً، والتحقيق بطلانها لوجهين:

الأوّل: أنّ بعض ما تمسّك به القائلون بالمفهوم في فرض كون المعلّق سنخ الحكم يتأتّى بضمّ مقدّمة مختصرة في فرض كون المعلّق شخصه، فبناءً على صحّته تكون القضيّة ذات مفهوم سواء كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم أم شخصه.

وقد ذكر في الكفاية هذا الوجه وسلّم كونه من وجوه إثبات المفهوم وإن كان غير صحيح عنده، ومع ذلك حصر ثبوت المفهوم ـ لو تمّ بعض وجوهه ـ فيما لو كان المعلّق سنخ الحكم.

وذلك الوجه هو: أنّ مقتضى إطلاق الكلام عدم اختصاص كون الشرط علّة تامّة للجزاء بفرض عدم تقدّم شيء خاصّ عليه أو تقارنه معه، وهذا يستلزم كونه علّة منحصرة، فإنّه لو كانت هنا علّة اُخرى غير الشرط لانسلخ الشرط عن العلّيّة التامّة في فرض تقدّم العلّة الاُخرى عليه وفرض تقارنهما؛ لبرهان استحالة اجتماع علّتين على معلول واحد.

وهذا الوجه لو تمّ لجرى في فرض كون المعلّق شخص الحكم(1) بضمّ نكتة إلى



(1) وهناك وجه آخر أيضاً يأتي حتّى لو كان المعلّق هو شخص الحكم، وهو الوجه القائل بأنّه لو كان هناك شرط آخر يقوم مقام هذا الشرط، فإن كان المؤخّر كلّ واحد من الشرطين بخصوصه لزم صدور الواحد بالنوع من الاثنين وهو محال. وإن كان المؤثّر هو الجامع بينهما فهذا خلاف ظاهر الدليل؛ لأنّ ظاهره دخل الشرط بعنوانه في الحكم. هذا ما ذكره(رحمه الله) في الدورة التي جاءت بعد هذه الدورة على ما نقله عنه الأخ السيّد علي أكبر في تقريره.

33

ذلك، وهي: أنّ اجتماع المثلين محال، فنقول: مقتضى إطلاق الكلام هو أنّ كون الشرط علّة لهذا الشخص من الحكم غير مختصّ بعدم تقدّم شيء خاصّ عليه أو مقارنته معه، وهذا يستلزم عدم ثبوت علّة اُخرى لشخص آخر من الحكم؛ لأنّه لو كان لشخص آخر من الحكم علّة اُخرى وفرض تقدّمها على الشرط أو مقارنتها معه مع فرض بقاء الشرط أيضاً على حاله من كونه علّة تامّة لشخص الحكم المذكور في الجزاء لزم اجتماع كلا الحكمين وهما متماثلان، واجتماع المتماثلين محال. ولو فرضنا التأكّد وحصول حكم واحد متأكّد من أمرين باقيين على حالهما من العلّيّة التامّة تأتّى برهان استحالة اجتماع علّتين على معلول واحد، ولو فرضنا تحقّق وجوبين بمعنى وجوب إكرامين كان ذلك خلاف ما يكون ظاهر الدليل من أنّ المتعلّق للحكم طبيعيّ الإكرام.

الثاني: أنّه يمكن استفادة المفهوم من القضيّة مع فرض كون الجزاء هو الشخص، بدعوى دلالتها وضعاً أو ظهوراً غير وضعيّ على أنّ هذا الشخص من الحكم لم يعلّق على الشرط لأجل ما له من الخصوصيّة، بل علّق عليه لأجل كونه أحد أفراد طبيعة الحكم وسنخه(1).



(1) لا يخفى أنّه لم يُعلم من المحقّق الخراسانيّ ـ ولعلّه لم يعلم أيضاً من المشهور ـ أنّه يشترط في ضابط المفهوم كون المعلّق سنخ الحكم، وإنّما المتيقّن أنّهم يرون أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط دون انتفاء مجرّد شخص الحكم، سواءً فُرض اكتشاف انتفاء سنخ الحكم ببركة كون المعلّق على الشرط هو السنخ أو ببركة أنّ المعلّق وإن كان هو الشخص لكنّه ليس معلّقاً لأجل ما له من الخصوصيّة، بل عُلّق عليه لأجل كونه أحد أفراد الطبيعة أو ببركة براهين اُخرى، كالبرهان الذي اُشير إليه في المتن، أو الذي أشرنا إليه في التعليق السابق نقلا عن تقرير الأخ السيّد علي أكبر، أو غير ذلك.

34

وهذا هو الذي ذهب إليه المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) حيث إنّه قال بأنّ الجزاء هو شخص الحكم لا سنخه ومع ذلك قال بالمفهوم من ناحية الدلالة على أنّه إنّما علّق على الشرط بما هو فرد من أفراد الطبيعة لا بما له من الخصوصيّة، ووجد هذا أيضاً في تقريرات الشيخ الأعظم(قدس سره).

وأمّا الدعوى الرابعة ـ وهي: أنّه لو كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم ثبت المفهوم بعد الفراغ عن أنّ الشرط علّة منحصرة ـ فالمشهور أيضاً قائلون بذلك، أي: أنّه بعد فرض الانحصار لو كان المعلّق سنخ الحكم كانت القضيّة ذات مفهوم مستفاد من تعليق أو ترتيب سنخ الحكم على العلّة المنحصرة المقتضي لانتفائه عند الانتفاء.

وذكر المحقّق العراقيّ(رحمه الله): أنّ المراد بشخص الحكم ليس هو الحكم المتشخّص بخصوصيّة كونه معلّقاً على هذا الشرط، فإنّ هذه الخصوصيّة في طول التعليق، فلا يعقل فرضها في طرف التعليق، بل المراد منه الحكم المتشخّص بخصوصيّة قبل التعليق ملزومة للتعليق، فإن عُلّق هذا الحكم المختصّ على الشرط انتفى الشخص بانتفائه، ولا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء سنخ الحكم، بخلاف ما لو كان المعلّق سنخ الحكم.

أقول: لم يذكر هو(رحمه الله) تلك الخصوصيّة المتخصّص بها الحكم، وإنّما ذكر إجمالا: أنّ الحكم مختصّ بخصوصيّة قبل التعليق، وأقول في مقام شرح كلامه(قدس سره): إنّه يمكن أن يفرض أنّ تلك الخصوصيّة هي خصوصيّة الملاك، فالحكم الناشئ من الملاك الفلانيّ لو علّق على الشرط فانتفاء الشرط إنّما يوجب انتفاء خصوصه لا انتفاء مطلق الحكم، فلو فرض مثلا أنّ المعلّق على مجيء زيد هو وجوب إكرامه الناشئ من ملاك الشهامة دون ملاك السخاء مثلا، فبانتفائه ينتفي خصوص ذلك الوجوب فلم تدلّ القضيّة على المفهوم.

35

وأيضاً ليس المقصود بشخص الحكم وخصوصيّته تشخّصه بالوجود، فإنّ ما فرض موجوداً لا يعقل أن يعلّق على شيء، وإنّما المعقول هو وجود ما علّق على شيء بوجود المعلّق عليه لا تعليق الموجود.

وهناك سؤال آخر يمكن أن يطرح بشأن المقصود من تعليق سنخ الحكم، وهو: أنّه هل المقصود بذلك تعليق مطلق وجود الحكم، أو المقصود به تعليق صرف الوجود الذي ذهب القوم ـ بما فيهم المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ـ إلى أنّه شيء لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود؟

فإن فرض الأوّل ورد عليه: أنّ استلزام تعليق مطلق وجود الحكم ـ بمعنى تعليق جميع أفراده ـ على الشرط للمفهوم وإن كان صحيحاً لكن هذا ليس بحاجة إلى ضمّ فرض كون الشرط علّة منحصرة، فمادام قد علّقت جميع أفراد الحكم على الشرط فهذا ـ لا محالة ـ يعني أنّ عدم الشرط يستلزم عدم جميع أفراد الحكم(1).

 



(1) ولو بمعنى انحصار السنخ في هذا الشخص كما نبّه عليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في نهاية الأفكار، فإنّ المُنشأ بهذه الشرطيّة ليس ـ لا محالة ـ إلّا شخص حكم واحد ولا معنى لإنشاء سنخ الحكم.

وللمحقّق العراقيّ(رحمه الله) أن يجيب على هذا الإشكال بأنّ مقصودنا بإثبات الانحصار في الشرط هو إثبات أنّ الشرط بعنوانه دخيل في الحكم الذي رتّب عليه لا بجامع بينه وبين بديله، ومن الواضح أنّ مجرّد تسليم أنّ المرتّب هو السنخ لا يثبت المفهوم لو احتملنا وجود بدل للشرط، بأن يكون المرتّب عليه هو الجامع بين الشرط وبديله. نعم، لو أثبتنا الانحصار ـ ولو ببيان أنّ ظاهر الشرط كونه بعنوانه دخيلا لا بجامع بينه وبين غيره ـ ثبت المفهوم.

أمّا ما ذكره اُستاذنا(رحمه الله) من أنّه لو رتّب على الشرط مطلق وجود الحكم المذكور في

36

وإن فرض الثاني ـ أي: أن يكون المقصود تعليق صرف الوجود الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود ـ ورد عليه: أنّ تعليق السنخ بهذا المعنى حتّى بعد فرض انحصار العلّة في الشرط لا يثبت المفهوم؛ وذلك لأنّ العلّة أصبحت علّة منحصرة لصرف الوجود الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود، وهذا يعني أنّ الشرط لو لم يوجد لم يوجد أوّل الوجود وبالتالي لا يوجد ثاني الوجود أيضاً ولا ثالثه وهكذا، ولكن ماذا نصنع فيما إذا تحقّق الشرط فتحقّق أوّل وجود الحكم ـ أو قل: تحقّق صرف وجود الحكم ـ لكن احتملنا: أن يكون شيء آخر بقيد كونه مسبوقاً بالعلّة الاُولى المنقضية علّة للحكم؟

إذن فما لم يوجد الشرط نعلم بانتفاء الحكم؛ لأنّ ثبوت الحكم بعلّة اُخرى خلف فرض كون الشرط علّة منحصرة لصرف وجود الحكم، ولكن لو تحقّق الشرط فتحقّق صرف الوجود للحكم، واحتملنا تولّد فرد ثان للحكم بعلّة ثانية بعد ذلك فما الذي يدفع هذا الاحتمال؟

مثلا لو قال المولى: إن ولد لزيد أوّل مولود له فهنّئه مثلا، فما لم يولد له ولد نعلم بعدم وجوب تهنئته، لكن لو ولد له ولد ووجبت تهنئته ففعلنا ثُمّ ولد له ولد آخر فمن المحتمل أن تجب تهنئته مرّة اُخرى، وهذا لا ينافي كون تلك الولادة علّة منحصرة لأوّل الوجود لطبيعيّ الحكم.

 


الجزاء لم نحتج إلى إثبات الانحصار، فمقصوده(رحمه الله) بالانحصار نفي وجود علّة اُخرى لحكم آخر بعد تسليم أنّ كلّ علّة بعنوانها دخيلة لا بالجامع بينهما، ومن الطبيعيّ أنّنا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأنّ المفروض أنّ المرتّب هو كلّ الأحكام، ولكنّ الظاهر أنّ مقصود المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ليس ذلك.

37

فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ إثبات انحصار العلّة في الشرط لا يوجب ثبوت المفهوم المصطلح أصلا: لا في فرض كون المعلّق مطلق وجود الحكم؛ لما عرفت من ثبوت المفهوم عندئذ ولو مع عدم إثبات الانحصار، ولا في فرض كون المعلّق صرف وجود الحكم؛ لما عرفت من أنّه من الممكن عندئذ أن يكون شيء آخر بقيد مسبوقيّته بالشرط المنقضي أمده علّة اُخرى للحكم، ولا في فرض كون المعلّق شخص الحكم على ما سلّموه من أنّه مع فرض كون المعلّق شخص الحكم لم يمكن إثبات المفهوم بكون الشرط علّة منحصرة بوجه، وإن عرفت ما فيه من أنّه بناءً على تماميّة أحد تقاريب المفهوم ـ وهو كون مقتضى إطلاق العلّة علّيّتها في أيّ حال سواءً تقدّم عليه أو قارنه شيء خاصّ أو لا ـ يوجب انحصار العلّة في الشرط ثبوت المفهوم حتّى مع فرض كون المعلّق شخص الحكم.

وعلى فرض تماميّة هذا المبنى يثبت المفهوم أيضاً بفرض انحصار العلّة في الشرط فيما لو كان المعلّق صرف الوجود من الحكم، بالمعنى الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود. والإشكال فيه بإمكان تقييد علّيّة الشيء الآخر بمثل كونه مسبوقاً بالعلّة الاُولى المنقضي أمدها مع سقوط الحكم الأوّل إشكال في أصل ذلك المبنى وثابت حتّى في فرض كون المعلّق شخص الحكم.

فالتحقيق: أنّه لو قبلنا ذلك المبنى كان الانحصار منتجاً للمفهوم إذا كان المعلّق شخص الحكم أو صرف وجوده بلا فرق بينهما؛ لما عرفت من أنّ ذلك الإشكال إشكالٌ على أصل المبنى وغير مختصّ بأحد الفرضين دون الآخر. نعم، لا نحتاج إلى إثبات الانحصار إذا كان المعلّق مطلق وجود الحكم؛ فإنّ نفس تعليق مطلق الوجود كاف في ثبوت المفهوم بلا حاجة إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة.

ولو لم نقبل ذلك المبنى فإثبات الانحصار لا يفيد المفهوم أصلا. وبما أنّ

38

التحقيق بطلان ذلك المبنى فلابدّ أن يقال: إنّ العلّيّة الانحصاريّة لا تفيدنا في إثبات المفهوم أصلا.

إن قلت: بل تفيد المفهوم في فرض واحد، وهو ما لو كان المعلّق صِرف الوجود من الحكم وهو أوّل وجوده وكان الشرط انحلاليّاً، كما إذا قال: (مهما جاءك زيد فأكرمه)، وكان المستفاد منه أنّ في كلّ مرّة جاءنا زيد وجب إكرامه، لا أنّه يجب إكرامه في خصوص المرّة الاُولى. وعندئذ لا إشكال في أنّه قبل مجيئه لا يجب إكرامه؛ لأنّ المفروض أنّ مجيئه علّة منحصرة لأوّل الوجود من وجوب الإكرام، فإذا جاءنا زيد وأكرمناه فالخطاب بـ (إن جاءك زيد فأكرمه) باق بعدُ؛ لفرض انحلاله، فأيضاً يدلّ على عدم وجوب إكرامه قبل مجيئه، وهكذا.

قلت: هذا ليس من المفهوم المصطلح؛ فإنّ النفي المعلّق لوجوب الإكرام إنّما استفيد من خطابات متعدّدة بقوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) بحسب الانحلال، فيكون ذلك من قبيل ما لو ضممنا قضيّة إلى قضيّة واستفدنا من مجموعهما النفي المطلق للحكم عند انتفاء الشرط وهذا غير المفهوم.

وبكلمة اُخرى: قد قلنا: إنّ انحصار العلّة في الشرط مع فرض كون المعلّق صرف الوجود إنّما يوجب عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى قبل انتهاء أمد العلّة الاُولى لا مطلقاً حتّى يكون مفهوماً، ونقول: إنّ في فرض انحلال الشرط أيضاً لم يدلّ انحصار الشرط إلّا على عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى غير الشرط قبل انتهاء أمده، غاية الأمر أنّ هناك شروطاً عديدة يدلّ الانحصار بالنسبة إلى كلّ واحد منها على عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى غير ذلك الشرط قبل انتهاء أمده، وهذا غير المفهوم المصطلح. هذا.

وقد ظهر من جميع ما ذكرناه: أنّه يرد على ما سلّمه المشهور والمحقّق